الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة
الثالثة عشرة
المتشددون يَنْفون أي
إدراك للميت وشعوره بمن يزوره
قال المفتي (ص123): «ويسلك المتشددون مسلكًا خطيرًا يميل للمادية البغيضة فينكرون أي إدراك للميت، وينفون شعوره بمن يزوره» .
الجواب:
من التناقض العجيب أن المفتي يتهم السلفيين بهذا الاتهام ثم يرد على نفسه فيستدل لرأيه بكلام اثنين من علماء السلفيين الذين يعتبرهم من المتشددين حيث ينقل مِن كلامهم ما يَدُل على نفْي التهمة عنهم أصلًا.
فقد كفانا المفتي مؤنة الرد بأن نقل (ص125) - بعد صفحتين من كلامه السابق - كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية يؤيد رأيه، ونقل كذلك (ص126) عن ابن القيم كلامًا مشابهًا. وهنا ننقل جزءًا من كلامَيْهما.
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ؟» .
وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عتبة بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» .
فَسَمِعَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يَسْمَعُونَ وَأَنَّى يُجِيبُونَ وَقَدْ جُيِّفُوا؟» فَقَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا» . ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ.
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» .
وَقَالَ: «إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْآنَ مَا أَقُولُ» .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ. وَيَقُولُ: «قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» .
فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ» (1).
وقال ابن القيم رحمه الله: «وقد شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته إذا سلّموا على أهل القبور أنْ يُسَلموا عليهم سلامَ مَن يخاطبونه فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» ، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا (2)، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به» (3).
تنبيه
الحياة البرزخية لها حقيقة لا اطلاع لنا عليها، لدخولها في علم الغيب الذي استأثر الله به، ومن زعم أن الحياة البرزخية كالحياة الدنيا فقد أتى بما ليس عليه دليل.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (24/ 362 - 363).
(2)
من الطريف أن المفتي كتبها في كتابه هكذا: «والمتشددون مجمعون على هذا» .
(3)
الروح (ص 5).