الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخطاء
منهجية في كتاب المفتي
أولًا: لم يلتزم الدكتور علي جمعة بآداب الحوار الإسلامي مع السلفيين الذين نظن أنه يعتبرهم من المسلمين قال المفتي (ص24): «مِن مصائب (1) هذا التيار المتشدد أنهم اتهموا الأشاعرة بأنهم فرقة ضالة، وهنا يتجلى فكر الخوارج الذي لا يعبأ بأن يخرج على جماعة المسلمين وينتقصهم ويزعم أنهم على ضلالة ويدعي الحق لنفسه» .
وقال (ص69): «مِن طامَّات (2) هذا التيار المتشدد أنه يحرِّم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء إلى الله» .
ثانيًا: المفتي أشعريٌّ، ويفخر بذلك، والأشاعرة لا يقبلون أحاديث الآحاد في العقائد حتى ولو كانت في صحيحَي البخاري ومسلم، وفي قولهم هذا مخالفة صريحة لمنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أرسل معاذًا رضي الله عنه وحده إلى اليمن ليُعلّم الناس العقيدة والشريعة.
إن المفتي (ص121 - 122) يرُدّ حديثين في صحيح مسلم بحجة أنهما أحاديث آحاد، ورغم ذلك تجده يستدل (ص120) بإسرائيليات لا زمام لها ولا خطام تروى بدون إسناد أصلًا.
(1) هكذا: مِن مصائب، و (مِن) للتبعيض، أي أن هناك مصائب أخرى!!! حسبنا الله ونعم الوكيل.
(2)
هكذا: مِن طامات، و (مِن) للتبعيض، أي أن هناك طامات أخرى!!! حسبنا الله ونعم الوكيل.
وتجده يستدل على عقيدته الأشعرية في تأويل الصفات بحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو:(وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ)، ونسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم قال المفتي في الهامش في تخريج هذا الأثر:«الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي 1/ 321» .
ونسأل المفتي: هل هذا الأثر حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل هو متواتر، أم آحاد؟ هل هو صحيح أم ضعيف؟ لم يبَيّن لنا المفتي؟ وهل الكتاب الذي عزى إليه مصدر معتبر في تخريج الأحاديث؟!! وهل هذا الأثر أصح من أحاديث البخاري ومسلم؟!!
نترك الإجابة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: «(وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ) كَذِبٌ مُفْتَرًى عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ لَا كِبَارِهَا وَلَا صِغَارِهَا وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادِ لَا صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَلَا بِإِسْنَادِ مَجْهُولٍ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: بَعْضُ مُتَأَخِّرِي مُتَكَلِّمَةِ الْجَهْمِيَّة
…
وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» .
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الْإِلْحَادِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: «وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ» قَصَدَ بِهَا الْمُتَكَلِّمَةُ الْمُتَجَهِّمَةُ نَفْيَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ؛ مِنْ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَنُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَالُوا: كَانَ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَرْشِ لِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ التَّحَوُّلِ وَالتَّغَيُّرِ.
وَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْإِثْبَاتِ بِجَوَابَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَجَدِّدَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرْشِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَعِيَّةِ وَيُسَمِّيهَا ابْنُ عَقِيلٍ الْأَحْوَالَ. وَتَجَدُّدُ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ إذْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَغَيُّرًا وَلَا اسْتِحَالَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى تَحَوُّلًا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَمِنْ شَأْنٍ إلَى شَأْنٍ فَهُوَ مِثْلُ مَجِيئِهِ وَإِتْيَانِهِ وَنُزُولِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِمُوسَى وَإِتْيَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَهُوَ لَازِمٌ لِسَائِرِ الْفِرَقِ» (1).
وقد يقول قائل إن هذا كلام ابن تيمية الذي يعتبره المفتي من السلفيين المتشددين، ولهذا القائل ننقل تأييد الحافظ ابن حجر لكلام ابن تيمية المتشدد وثناءَه عليه، حيث قال: «وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «
…
وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ»، وَهِيَ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ» (2).
ونسأل المفتي: هل الحافظ ابن حجر من المتشددين؟!!!
ثالثًا: يعارض المفتي الأحاديث الصحيحة بروايات ضعيفة، ومن ذلك أنه (ص81 - 82) عارض أحاديث رواها البخاري ومسلم في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ القبور مساجد – بقصة بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدًا على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي قصة لا تصح، فليس لها إسناد تقوم به الحجة، وإنما أوردها ابن عبد البر في ترجمة أبي بصير عن الزهري، ورواها موسى بن عقبة بدون إسناد (3).
رابعًا: أحيانًا يحاول المفتي إقناع القارئ بصحة الأحاديث الضعيفة التي يستدل بها بأن يُكثر من المراجع التي يعزو إليها، مع عدم ذِكْر درجة صحة الحديث، ومن الأمثلة على ذلك أن المفتي بعد أن نقل القصة الضعيفة السابقة (ص82) عزاها في
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (2/ 272 - 275).
(2)
فتح الباري لابن حجر (6/ 289).
(3)
انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 2123)، تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني (ص78 - 82)
الهامش لبعض كتب السيرة التي يعلم الجميع أن بها الصحيح والضعيف، بل وما لا أصل له.
ورغم أن موسى بن عقبة روى القصة السابقة بلا إسناد فقد قال المفتي في الهامش: «ورواها أيضًا موسى بن عقبة في (المغازي) وابن إسحق في (السيرة)، ومغازي موسى بن عقبة من أصح كتب السيرة، فكان يقول الإمام مالك عنها: «عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي» ، وكان يحيى بن معين يقول:«كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب» .
وهذا الكلام فيه من التدليس ما فيه، فإن كلام الإمام مالك والإمام يحيى بن معين - إن صح عنهما - فلا يعني أن كل ما في كتاب موسى بن عقبة صحيح؛ بل غاية ما فيه أنه أصح من كتب السّيَر الأخرى، أي أن ما لا يصح فيه أقل مما فيها.
خامسًا: بل إنه استدل (ص71) برؤيا، مع أن الرؤى والأحلام ليست من مصادر التشريع.
سادسًا: أحيانًا يعارض المفتي الأحاديث الصحيحة بأقوال العلماء، مع أن الحق في مسألة ما لا يُعرف بكثرة القائلين به، بل يعرف بمدى موافقته للدليل من الكتاب والسنة.
سابعًا: أحيانًا يعارض الأحاديث الصحيحة برأيه، قال المفتي (ص120):«لا يجوز زيارة قبور المشركين» . رغم ورود الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار قبر أمه، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أنه يجوز للمسلم أن يزور قبور الكافرين والمشركين، وذلك لأنه يتحصل له من هذه الزيارة تذكر الموت والدار الآخرة والتي
علل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإذن العام بزيارة القبور، دون تفريق بين قبور المسلمين وقبور الكافرين (1).
ثامنًا: في كتاب المفتي عبارات تحتاج إلى مراجعة ومن ذلك:
أ - في (ص16) قال المفتي إن الأشعرية «هي عقيدة أغلب المسلمين في مجال الاعتقاد» (2). وللقارئ أن يسأل المفتي: ما معنى عقيدة في مجال الاعتقاد؟!!!
ب - في (ص21) قال المفتي: «من الأشياء التي يصر عليها من يُسمّون أنفسهم بالمتشددين
…
» رغم أنه لا يوجد مَن يسمون أنفسهم بالمتشددين، وأغلب الظن أن السبب في ذلك أن كلمة (المتشددين) في الكتاب كله كانت في الأصل كلمة (السلفيين) ثم استبدلت على الحاسب الآلي بكلمة (المتشددين)، فكانت هذه العبارة في الأصل: «من الأشياء التي يصر عليها من يُسمّون أنفسهم بالسلفيين
…
»، فاستُبدِلَت مع أخواتها.
ولعل مما يؤكد أن هذا الأمر تم على الحاسب الآلي أنه قد لفت انتباهي أن المفتي نقل كلامًا لابن القيم (ص126) وذكر فيه: «والمتشددون مجمعون على هذا» .
وتعجبُ إذا وجدت المفتي ينقل عن ابن القيم إجماع المتشددين، وبالرجوع إلى كتاب (الروح) الذي نقل منه المفتي تجد العبارة هكذا:«والسلف مجمعون على هذا» .
فتم استبدال كلمة (السلف) بكلمة (المتشددين)!!!
جـ - في (ص82 - 83) تكرار لفقرة تبلغ تسعة أسطر، مع اختلاف في أسلوب أول سطرين في الفقرة الثانية عن الأولى، والسبعة أسطر الباقية مكررة بالنص.
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (7/ 45)، فتح الباري لابن حجر (3/ 179)، الإنصاف 2/ 562 للمرداوي الحنبلي، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (24/ 344، 27/ 377)، عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد آبادي (9/ 41).
(2)
انظر الرد على ذلك (ص 74 - 78) من هذا الكتاب.
وهذا ما يمنع من القول بأن ذلك خطأٌ طباعي.
د - في (ص 115) تجد عبارة «كما جاء بالسؤال» ، وعند البحث لا تجد أية إشارةٍ إلى أسئلة لا قبل العبارة ولا بعدها، بل ولا في الكتاب كله.
تاسعًا: الكتاب في مواطن كثيرة يفتقد الموضوعية ويغلب عليه التعميم، فالمفتي يكيل الاتهامات جزافًا، ولم يدعم اتهاماته بدليل واحد، ومن الأمثلة على ذلك:
أ- في أول سطرين من كتابه (ص7) تجد هذه العبارة: «سمات منهج المتشددين الذين تسموا بالسلفيين» .
فهو قد حكم على ملايين السلفيين في العالم الإسلامي بأنهم متشددون، وكأن هذا أمرٌ قد فُرِغَ منه، وبقى عنده أن يشرح سمات هؤلاء المتشددين.
وإن سألتَ المفتي بصفته حاصلًا على درجة الدكتوراه: «لو أن كتابه هذا نوقش كرسالة جامعية في جامعة الأزهر مثلًا وسأل المناقشون المفتي عن مصدر تلك المعلومات، فماذا ستكون إجابته؟!!.
بالطبع لم يذكر المفتي أي مصدر لتلك المعلومات.
ب- قال (ص12): «نرى آراء أغلب من تسموا بالسلفيين واتجاهاتهم وسلوكهم ومواقفهم وأحكامهم على الأشياء باطلة» .
ونسأل المفتي: ما هي المراكز البحثية العالمية التي قامت بتلك الإحصائيات التي أوصَلَتْك إلى هذا الحكم الجائر على ملايين المسلمين؟ قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: 64).
جـ- يتهم السلفيين (ص 116) بأن مكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قلوبهم ليست على القدر المطلوب، وأن حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصدق.
ونسأل المفتي: هل شققت عن صدور هؤلاء الملايين حتى تدعي هذا الادعاء؟!!
د – قال (ص138): «إذا وجدتَ شخصًا يرتدي قميصًا (1) قصيرًا فاعلم أنه من المتشددين، وإن رأيت امرأةً ترتدي النقاب فاعلم أنها متشددة» .
هكذا عمم المفتي هذا الحكم على كل رجل وكل امرأة ولم يستَثْنِ أحدًا، وإذا سألتَ المفتي عن مصدر تلك الإحصائيات، فماذا ستكون إجابته؟!!
وماذا لو أن ملايين السلفيين قد رفعوا دعاوى قضائية على المفتي يطالبون برفع ظلم المفتي عنهم؛ حيث سبَّهم واتهمهم جميعًا بالتشدد مع أنهم فقط يطبقون أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تنهى عن إسبال الثياب، وتنتقب نساؤهم أخذًا بمشروعية النقاب عند الأئمة الأربعة، فمنهم من قال إنه واجب ومنهم من قال إنه مستحب، وأخذًا بقول المفتي الدكتور علي جمعة على قناة اقرأ الفضائية:«قضية النقاب يرى فرضيتها الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل» .
حينئذ ماذا ستكون إجابة المفتي أمام القاضي؟
ولو أن كل مسلم يرتدي قميصًا قصيرًا وكل امرأة ترتدي النقاب قد أقامت دعوى ضد فضيلة المفتي فله أن يتخيل عدد المحامين الذين سيوكلهم للدفاع عنه، وكم سينفق من أموال، وماذا سيكون حكم القاضي في ملايين الدعاوى التي سيقيمها هؤلاء؟!!
ولو تخيل المفتي أن هؤلاء سيقاضونه أمام الله عز وجل الذي لا تخفى عنه خافية ولا يظلم أحدًا سبحانه وتعالى، فماذا سيكون جوابه أمام الله سبحانه وتعالى؟!!
ونحاكم فضيلة المفتي إلى فضيلة المفتي، نحاكمه إلى نفسه، ونقول له:«هل كان الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل من المتشددين؟» .
(1) ((وهو ما يسمَّى في العامية المصرية بالقفطان.