المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإمامان ابن تيميةوابن القيم بين إنصافكبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي - السلفيون وحوار هادئ مع الدكتور علي جمعة

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد بكر حبيبالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد النشارالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمة

- ‌دُرَرٌمن كلامالإمام الشاطبي المالكي

- ‌من هم السلفيون

- ‌أخطاءمنهجية في كتاب المفتي

- ‌الدكتورعلي جمعةوالأمانة العلمية

- ‌اتهامات، ولا دليل

- ‌السلفيون أم المفتي؟من الذي يتبنى الفكر الصدامي

- ‌سهام المفتي تصيب الأزهر وعلماءه وطلابه:

- ‌تناقضاتوقع فيها المفتي في كتابه

- ‌أسئلة للدكتورعلي جمعة تنتظر الإجابة

- ‌مناقشة هادئةلبعض مسائل كتاب المفتي

- ‌المسألة الأولىقوله إن السلفيين يصفون الله بالمكان

- ‌أقوال الأئمة الأربعة في مسألة العلو:

- ‌المسألة الثانيةالمتشددون ينتقصون الأشاعرة

- ‌المسألة الثالثةالمتشددون ينكروناتباع المذاهب الفقهية وتقليدها

- ‌المسألة الرابعةالمتشددون غير مؤهلينللإفتاء ويُحْدِثُون فوضى فى المجتمع

- ‌المسألة الخامسةالمتشددون يعدّون أغلبتصرفات المسلمين بدَعًا وضلالات

- ‌المسألة السادسةالمتشددون يحرمونالتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمون منيفعل ذلك بالشرك والخروج من الإسلام

- ‌المسألة السابعةالمتشددون يُحَرّمونالصلاة في المساجد ذاتالأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

- ‌المسألة الثامنةالمتشددون يعدون التبركبآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين شركًا بالله

- ‌المسألة التاسعةالمتشددون يحرمونالاحتفال بمولد النبي- ص

- ‌المسألة العاشرةالمتشددون يحرمونالسفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلموقبور الأنبياء والصالحين

- ‌المسألةالحادية عشرةالمتشددون يتهمون مَنتَرَجَّى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك الأصغر

- ‌المسألةالثانية عشرةالمتشددون يَحْكُمون علىوالِدَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالنار يوم القيامة

- ‌المسألةالثالثة عشرةالمتشددون يَنْفون أيإدراك للميت وشعوره بمن يزوره

- ‌المسألةالرابعة عشرةالمتشددون ينكرونذِكْرَ الله كثيرا ويمنعون الأوراد

- ‌المسألة الخامسة عشرةأكثر المتشددين يمنعون استعمالالسبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة

- ‌المسألة السادسة عشرةالمتشددون يتمسكون بالظاهرويتعبدون بالثياب (ثوب الشهرة - النقاب)

- ‌على الهواء مباشرةً المفتي يدافع عن السلفيين:

- ‌أمنية

- ‌المسألةالسابعة عشرةالمتشددون قدّموا السعيَ على العلم

- ‌حوار هادئمع فضيلة المفتي حولمقاله في جريدة «الواشنطون بوست»

- ‌الإمامان ابن تيميةوابن القيم بين إنصافكبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌الإمامان ابن تيميةوابن القيم بين إنصافكبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي

‌الإمامان ابن تيمية

وابن القيم بين إنصاف

كبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي

من الصفات الذميمة التي يجب على المسلم أن يتجنبها - السخرية من إخوانه المسلمين، أو تحقيرهم؛ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} (الحجرات:11).

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية:

«ينهى- تعالى - عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (1) والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له؛ ولهذا قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} ، فنَصَّ على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.

وقوله: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا تلمزوا الناس. والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (الهمزة:1)، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (القلم:11) أي: يحتقر الناس ويهمزهم

(1) رواه مسلم.

ص: 166

طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} ، كما قال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (النساء: 29) أي: لا يقتل بعضكم بعضًا.

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يطعن بعضكم على بعض.

وقوله: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها» (1).

هذا حال مَن يسخر مِن المسلمين ويحتقرهم، ويزداد الأمر شناعة إن كان هذا المسلم المحتقَر عالمًا كبيرًا من علماء المسلمين له ثقله العلمي الذي يعترف به القاصي والداني.

ويزداد الطين بلة إن كان الذي يسخر من العلماء رجلًا ينبغي أن يكون قدوة للمسلمين في الامتثال لأوامر الله ولأوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك باعتبار الساخر رمزًا للمسلمين حيث يشغل منصب مفتي مصر، فبدلا من أن يوقر فضيلة المفتي علي جمعة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم باعتبارهما مِن أعلام علماء المسلمين، أخذ يسخر منهما أنهما سُجِنا.

جلس المفتي وحوله مجموعة من مريديه ـ كما يظهر في التسجيل المرئي ـ وقال بالعامية المصرية ساخرًا أن ابن القيم «غِلِط في حاجات كتير

وقبضوا عليه، وركّبُوه بالحمار بالمقلوب، وعملوا كده مع الشيخ بتاعه، ومات في السجن، الشيخ بتاعه - الشيخ ابن تيمية مات في السجن، مين اللي قبض عليه؟ مباحث أمن الدولة؟! اللي قبض عليه علماء المسلمين، القاضي ابن مخلوف المالكي هو اللي قابِضْ عليه، الشرع الشريف اللي قبض عليه».

(1) تفسير ابن كثير (4/ 270).

ص: 167

(أي: أنه أخطأ في أشياء كثيرة، وقُبضَ عليه، وركبوه الحمار بالمقلوب، وكذلك فعلوا مع شيخه ابن تيمية الذي مات في السجن، وأن الذين قبضوا عليه ليسوا ظلمة كأمن الدولة بل إنهما كانا يستحقان هذا السجن، وفق الشرع الشريف).

ثم دعا فضيلة المفتي إلى الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح كمخرج من الحيرة.

ثم عاد صاحب الفضيلة إلى السخرية من ابن تيمية وابن القيم قائلًا بالعامية المصرية: «اشمعنَى فْهِمْنا وشربْنا الكتاب والسنة وفعْل السلف الصالح من اتنين اتقبض عليهم» .

(أي: لماذا فهمنا وشربنا الكتاب والسنة وفعْل السلف الصالح من اثنين قُبِضَ عليهما).

وتتوالى ضحكات المريدين.

وهنا وقفات مع فضيلة المفتي نحاكمه إلى ما نطق به لسانه:

الوقفة الأولى:

هل السخرية من المسلمين وعلمائهم تتفق مع الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح الذي دعا إليه فضيلة المفتي.

إن فضيلة المفتي يتحدث في سلسلة مقالاته في جريدة الأهرام المصرية عن التعايش مع الآخر - أي الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم - وكان الأجدر به أن يطبق كلامه ويعامل السلفيين - وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - بنفس الطريقة التي يعامل بها اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار.

ألا يستحق السلفيون من المفتي ما يستحقه اليهود والنصارى؟

وكان فضيلة المفتي - حسب موقع مصراوي في 12/ 3//2011 - قد شدد على وجوب المحافظة على نفوس، وأعراض، وأموال المسيحيين في مصر.

ص: 168

ونسأل صاحب الفضيلة: هل يجب المحافظة أيضًا، على نفوس، وأعراض، وأموال المسلمين - ومنهم السلفيون - في مصر؟ وما حكم الشرع فيمن يسخر من علماء المسلمين والملايين منهم؟!!

وأعلم - وما أظن أحدًا من المسلمين يخالفني هذا الرأي - أن سخرية المفتي من عالمين جليلين من علماء المسلمين تخالف الكتاب والسنة، وتخالف أيضًا فعل السلف الصالح، وبالتالي يكون فضيلة المفتي قد خالف قاعدته التي دعا إليها وهي الرجوع إلى الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح كمخرج من الحيرة.

الوقفة الثانية:

متى كان السجن تهمة؟ إن كان ابن تيمية وابن القيم قد سُجنا ظلمًا فقد سُجن يوسف عليه السلام ظلمًا، وكذلك سُجن إمام أهل السنة - الإمام أحمد - ظلمًا.

الوقفة الثالثة:

هل صحيح ما قاله فضيلة المفتي عن شيخ الإسلام ابن تيمية وعن تلميذه ابن القيم – رحمهما الله؟ وما دافِعُ علماء المسلمين الذين تحدث عنهم صاحب الفضيلة - ومنهم القاضي ابن مخلوف المالكي - للتحريض على سجن شيخ الإسلام؟!!

نَدَعُ الإجابة لأحد معاصريهم وهو الحافظ ابن كثير حيث ذكر أن قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ مَخْلُوفٍ، كان مِنْ أَعْدَاء شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية.

وذكر الحافظ ابن كثير سبب هذه العداوة فقال: «وَكَانَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مِنَ الْفُقَهَاءِ جَمَاعَةٌ يَحْسُدُونَهُ لِتَقَدُّمِهِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، وَانْفِرَادِهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَقِيَامِهِ فِي الْحَقِّ، وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ» (1).

(1) البداية والنهاية (18/ 53)، ط دار هجر للطباعة والنشر.

ص: 169

وذكر الحافظ ابن كثير أَنَّ السُّلْطَانَ اسْتَفْتَى شَّيْخَ الإسلام ابن تيمية فِي قَتْلِ بَعْضِ الْقُضَاةِ بِسَبَبِ مَا كَانُوا تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ فَتَاوَى بَعْضِهِمْ بِعَزْلِهِ مِنَ الْمُلْكِ، وَأَنَّهُمْ قَامُوا عَلَى شَيْخِ الإسْلَامِ وَآذَوْه هو أَيْضًا! وَأَخَذَ يَحُثُّهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ فِي قَتْلِ بَعْضِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ حَنَقُهُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَا كَانُوا سَعَوْا فِيهِ مِنْ عَزْلِهِ، فَفَهِمَ الشَّيْخُ مُرَادَ السُّلْطَانِ، فَأَخَذَ فِي تَعْظِيمِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَيُنْكِرُ أَنْ يَنَالَ أَحَدًا مِنْهُمْ سُوءٌ، وَقَالَ لَهُ:«إِذَا قَتَلْتَ هَؤُلَاءِ لَا تَجِدُ بِعْدَهُمْ مِثْلَهُمْ» ، فَقَالَ لَهُ:«إِنَّهُمْ قَدْ آذَوْكَ وَأَرَادُوا قَتْلَكَ مِرَارًا» ، فَقَالَ الشَّيْخُ:«مَنْ آذَانِي فَهُوَ فِي حِلٍّ، وَمَنْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ فَاللهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُ، وَأَنَا لَا أَنْتَصِرُ لِنَفْسِي» . وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى حَلُمَ عَنْهُمُ السُّلْطَانُ وَصَفَحَ (1).

فتأمل دماثة أخلاق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد عفا عن الذين حرّضوا عليه وآذوه ومنهم ابن مخلوف هذا.

وها هو ابن مخلوف يعترف بذلك فقد ذكر الحافظ ابن كثير أن قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ مَخْلُوفٍ كَانَ يَقُولُ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، حَرَّضْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَقَدَرَ عَلَيْنَا فَصَفَحَ عَنَّا وَحَاجَجَ عَنَّا» .

وذكر الحافظ ابن كثير أنَّ الشَّيْخَ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ بِالسُّلْطَانِ نَزَلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، وَعَادَ إِلَى بَثِّ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ، وَأَقْبَلَتِ الْخَلْقُ عَلَيْهِ، وَرَحَلُوا إِلَيْهِ يَشْتَغِلُونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَفْتُونَهُ وَيُجِيبُهُمْ بِالْكِتَابَةِ وَالْقَوْلِ، وَجَاءَتْهُ الْفُقَهَاءُ يَعْتَذِرُونَ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ، فَقَالَ:«قَدْ جَعَلْتُ الْكُلَّ فِي حِلٍّ» (2).

(1) البداية والنهاية (18/ 94).

(2)

البداية والنهاية (18/ 95).

ص: 170

الوقفة الرابعة:

شيخ الإسلام ابن تيمية بأقلام علماء المسلمين:

أولًا: وصفه مؤرخ الإسلام الحافظ ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) بشيخ الإسلام اثنتي عشرة مرة. ووصفه مرة بـ (شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ). ووصفه مرة بـ (شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ).

ولعل الجميع يتفق على مكانة الحافظ ابن كثير رحمه الله.

ثانيًا: نقل الحافظ ابن حجر عنه كثيرًا في كتابه (فتح الباري) ووصفه بـ (الْعَلَّامَة تَقِيّ الدِّين بْن تَيْمِيَّةَ)(1)، وبـ (الشَّيْخِ تَقِيِّ الدّين بن تَيْمِيَةَ)(2).

ثالثًا: وجدنا مشايخ الأزهر الأجلاء يستدلون بآراء ابن تيمية ويُثْنُون على علمه، بل يصفونه بشيخ الإسلام والإمام والعلامة، فبالبحث في موسوعة فتاوى الأزهر التي نشرتها وزارة الأوقاف المصرية على موقعها على الشبكة العنكبوتية وجدتُ أن كبار مشايخ الأزهر السابقين كانوا يستدلون بآراء وترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمية فقد وردت كلمة ابن تيمية ست وخمسون مرة، منها ثلاث عشرة وردت بلقب شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك في فتاوى لأعلام من مشايخ الأزهر ومن تولوا الإفتاء فيه، ومنهم:

1 -

الشيخ حسن مأمون رحمه الله الذي وصفه مرتين بالإمام ابن تيمية.

2 -

الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله.

3 -

الشيخ عطية صقر رحمه الله.

4 -

الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله.

(1) فتح الباري (6/ 289).

(2)

فتح الباري (3/ 66)، (11/ 408)، (13/ 524، 531).

ص: 171

5 -

الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، الذي وصفه مرة بالعلامة ابن تيمية، وبالإمام ابن تيمية مرتين.

6 -

الشيخ أحمد هريدي رحمه الله الذي وصفه بالإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن تيمية.

7 -

الشيخ محمد مجاهد رحمه الله الذي وصفه بالإمام.

فما قول فضيلة المفتي في هؤلاء المشايخ الأعلام؟!!

الوقفة الخامسة:

شيخ الإسلام ابن القيم بأقلام علماء المسلمين:

أولًا: مما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تَرْجَمَة الشَّيْخِ شَمْس الدِّينِ ابْن قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: «صَاحِبُنَا الْإِمَامُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ الزُّرَعِيُّ، إِمَامُ الْجَوْزِيَّةِ، وَابْنُ قَيِّمِهَا، وُلِدَ فِي سِنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَاشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ، فَبَرَعَ فِي عُلُومٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لَا سِيَّمَا عِلْمُ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ وَالْأَصْلَيْنِ.

وَلَمَّا عَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ لَازَمَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ الشَّيْخُ، فَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمًا جَمًّا مَعَ مَا سَلَفَ لَهُ مِنَ الِاشْتِغَالِ، فَصَارَ فَرِيدًا فِي بَابِهِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ كَثْرَةِ الطَّلَبِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالِابْتِهَالِ، وَكَانَ حَسَنَ الْقِرَاءَةِ وَالْخُلُقِ، كَثِيرَ التَّوَدُّدِ، لَا يَحْسُدُ أَحَدًا، وَلَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَسْتَعِيبُهُ، وَلَا يَحْقِدُ عَلَى أَحَدٍ.

وَكُنْتُ مِنْ أَصْحَبِ النَّاسِ لَهُ، وَأَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِنَا أَكْثَرَ عِبَادَةً مِنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ طَرِيقَةٌ فِي الصَّلَاةِ يُطِيلُهَا جِدًّا، وَيَمُدُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا، وَيَلُومُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَلَا يَرْجِعُ، وَلَا يَنْزِعُ عَنْ ذَلِكَ، رحمه الله، وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْحَسَنِ شَيْئًا

ص: 172

كَثِيرًا، وَاقْتَنَى مِنَ الْكُتُبِ مَا لَا يَتَهَيَّأُ لِغَيْرِهِ تَحْصِيلُ عُشْرِهِ مِنْ كُتُبِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ قَلِيلَ النَّظِيرِ، بَلْ عَدِيمَ النَّظِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ، وَأُمُورِهِ، وَأَحْوَالِهِ» (1).

ثانيًا: وجدنا مشايخ الأزهر الأجلاء يستدلون بآراء ابن القيم، ويُثْنُون عليه ويصفونه بالعلامة والإمام وشيخ الإسلام، فبالبحث في موسوعة فتاوى الأزهر التي نشرتها وزارة الأوقاف المصرية على موقعها على الشبكة العنكبوتية وجدتُ أن كبار مشايخ الأزهر السابقين قد استدلوا بآرائه مائةً وتسعًا وثلاثين مرة ومن هؤلاء:

1 -

الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله الذي وصفه بشيخ الإسلام ابن القيم مرتين، وبالعلامة ابن القيم مرتين، ومرة بالمحقق ابن القيم.

2 -

الشيخ محمد خاطر رحمه الله الذي وصفه مرتين بـ «الإمام الجليل الحافظ أبى عبد الله محمد بن أبى بكر الشهير بابن قيم الجوزية» .

3 -

الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، الذي وصفه مرتين بـ «العلامة ابن القيم» ، وبـ «الإمام ابن القيم» مرتين، ومرة بـ «الفقيه ابن القيم» .

4 -

الشيخ محمد مجاهد رحمه الله.

5 -

الشيخ عبد اللطيف حمزة رحمه الله، الذي وصفه بـ «العلامة ابن القيم» .

6 -

الشيخ محمد بخيت رحمه الله الذي وصفه بـ «الحافظ ابن القيم الحنبلى» .

7 -

الشيخ حسن مأمون رحمه الله الذي وصفه بـ «العلامة ابن القيم» .

8 -

الشيخ حسنين محمد مخلوف رحمه الله الذي وصَفه بـ «العلامة ابن القيم الحنبلى» ، و «شيخ الإسلام ابن القيم» ، و «الإمام ابن القيم» و «العلامة ابن القيم» .

9 -

الشيخ أحمد هريدى رحمه الله الذي وصفه بـ «الإمام المجتهد أبى عبد الله محمد بن أبى بكر الحنبلى المعروف بابن القيم» .

(1) البداية والنهاية (18/ 523 - 524)، ط دار هجر للطباعة والنشر.

ص: 173

10 -

الشيخ عطية صقر رحمه الله الذي وصفه بـ «الإمام ابن القيم» مرتين.

تنبيه:

قد يقول قائل: «إن المفتي قد علم من حال ابن تيمية ما لم يعلمه العلماء الأفاضل السابق ذكرهم، ومن هنا يسخر منه» ، ولهذا القائل ننقل عن المفتي نفسه أنه في كتابه (المتشددون) استدل بكلامٍ لابن تيمية (ص118، 119، 126، 141)، وبكلام لابن القيم (ص52، 126)، بل أطلقَ على ابن تيمية (ص141) لقب شيخ الإسلام ابن تيمية.

بل لقبه في كتابه (التربية والسلوك ص 207) بالإمام ابن تيمية.

ونسأل صاحب الفضيلة المفتي من أين استقى معلوماته عن ابن تيمية وابن القيم؟

تلك المعلومات التي سبق نَقْل ما يناقضها من كلام كبار علماء الأزهر في الثناء عليهما، ومن كلام الإمام ابن كثير - وقد كان من المعاصرين والملازمين لهما.

فمن أين جاء فضيلة المفتي بتلك المعلومات؟ هل نصدق كلام هؤلاء الأعلام من كبار علماء الأزهر أم نصدق فضيلة المفتي؟!!! ننتظر من فضيلة المفتي جوابًا.

ونُذَكّره بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» (رواه البخاري).

وإن كان فضيلة المفتي يستطيع أن يتحلل من ظلمه للسلفيين، فكيف يمكنه أن يتحلل من ظلمه لعالمَيْن قد ماتا، ونحسبهما من أولياء الله الصالحين ولا نزكي على الله أحدًا، هذا ما يبدو من سيرتهما وجهادهما وعِلْمهما وعَمَلهما، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» (رواه البخاري).

ص: 174