المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السابعةالمتشددون يحرمونالصلاة في المساجد ذاتالأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها - السلفيون وحوار هادئ مع الدكتور علي جمعة

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد بكر حبيبالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد النشارالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمة

- ‌دُرَرٌمن كلامالإمام الشاطبي المالكي

- ‌من هم السلفيون

- ‌أخطاءمنهجية في كتاب المفتي

- ‌الدكتورعلي جمعةوالأمانة العلمية

- ‌اتهامات، ولا دليل

- ‌السلفيون أم المفتي؟من الذي يتبنى الفكر الصدامي

- ‌سهام المفتي تصيب الأزهر وعلماءه وطلابه:

- ‌تناقضاتوقع فيها المفتي في كتابه

- ‌أسئلة للدكتورعلي جمعة تنتظر الإجابة

- ‌مناقشة هادئةلبعض مسائل كتاب المفتي

- ‌المسألة الأولىقوله إن السلفيين يصفون الله بالمكان

- ‌أقوال الأئمة الأربعة في مسألة العلو:

- ‌المسألة الثانيةالمتشددون ينتقصون الأشاعرة

- ‌المسألة الثالثةالمتشددون ينكروناتباع المذاهب الفقهية وتقليدها

- ‌المسألة الرابعةالمتشددون غير مؤهلينللإفتاء ويُحْدِثُون فوضى فى المجتمع

- ‌المسألة الخامسةالمتشددون يعدّون أغلبتصرفات المسلمين بدَعًا وضلالات

- ‌المسألة السادسةالمتشددون يحرمونالتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمون منيفعل ذلك بالشرك والخروج من الإسلام

- ‌المسألة السابعةالمتشددون يُحَرّمونالصلاة في المساجد ذاتالأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

- ‌المسألة الثامنةالمتشددون يعدون التبركبآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين شركًا بالله

- ‌المسألة التاسعةالمتشددون يحرمونالاحتفال بمولد النبي- ص

- ‌المسألة العاشرةالمتشددون يحرمونالسفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلموقبور الأنبياء والصالحين

- ‌المسألةالحادية عشرةالمتشددون يتهمون مَنتَرَجَّى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك الأصغر

- ‌المسألةالثانية عشرةالمتشددون يَحْكُمون علىوالِدَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالنار يوم القيامة

- ‌المسألةالثالثة عشرةالمتشددون يَنْفون أيإدراك للميت وشعوره بمن يزوره

- ‌المسألةالرابعة عشرةالمتشددون ينكرونذِكْرَ الله كثيرا ويمنعون الأوراد

- ‌المسألة الخامسة عشرةأكثر المتشددين يمنعون استعمالالسبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة

- ‌المسألة السادسة عشرةالمتشددون يتمسكون بالظاهرويتعبدون بالثياب (ثوب الشهرة - النقاب)

- ‌على الهواء مباشرةً المفتي يدافع عن السلفيين:

- ‌أمنية

- ‌المسألةالسابعة عشرةالمتشددون قدّموا السعيَ على العلم

- ‌حوار هادئمع فضيلة المفتي حولمقاله في جريدة «الواشنطون بوست»

- ‌الإمامان ابن تيميةوابن القيم بين إنصافكبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌المسألة السابعةالمتشددون يحرمونالصلاة في المساجد ذاتالأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

‌المسألة السابعة

المتشددون يُحَرّمون

الصلاة في المساجد ذات

الأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

قال المفتي (ص80): «يحرِّم المتشددون الصلاة بالمسجد الذي ألحق به ضريح رجل صالح، ويصرحون بوجوب هدم الضريح أو المسجد، وهم بذلك يخالفون إجماع المسلمين، ويستفزون مشاعرهم، فالصلاة بالمسجد الذي به ضريح أحد الأنبياء عليهم السلام أو الصالحين، صحيحة، ومشروعة، وقد تصل إلى درجة الاستحباب» .

الجواب:

أولًا: هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم متشددًا عندما أمر عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه أن يهدم القبور المرتفعة، وهل كان علي رضي الله عنه متشددًا حينما أمر بنفس الأمر؛ فعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» . (رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي).

وإليك كلام العلماء في شرح هذا الحديث لتعلم حقيقة كلام المفتي، جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفورى:

قَوْلُهُ (أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي) أَيْ أُرْسِلُكَ لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرْسَلَنِي، أَيْ أَجْعَلُكَ أَمِيرًا عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.

(أَنْ لَا تَدَعَ) أَيْ لَا تَتْرُك.

ص: 94

(قَبْرًا مُشْرِفًا) قال القاري (1): هُوَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَفَعَ دُونَ الَّذِي أُعْلِمَ عَلَيْهِ بِالرَّمْلِ وَالْحَصْبَاءِ أَوْ مَحْسُومَةٌ بِالْحِجَارَةِ لِيُعْرَفَ وَلَا يُوطَأَ.

(إِلَّا سَوَّيْتُهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُكْرَهُ فَوْقَ ذَلِكَ.

وقال ابْنُ الْهُمَامِ (2) هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْعَالِي، وَلَيْسَ مُرَادُنَا ذَلِكَ بِتَسْنِيمِ الْقَبْرِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَبْدُو مِنَ الْأَرْضِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْهَا» (3).

وقَالَ الإمام الشَّوْكَانِيُّ:

قَوْلُهُ: (لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِتَغْيِيرِ صُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ رَفْعًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ كَانَ فَاضِلًا وَمَنْ كَانَ غَيْرَ فَاضِلٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْقُبُورِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ.

وَمِنْ رَفْعِ الْقُبُورِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْحَدِيثِ دُخُولًا أَوَّلِيَّا الْقُبَبُ وَالْمَشَاهِدُ الْمَعْمُورَةُ عَلَى الْقُبُورِ، وَأَيْضًا هُوَ مِنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَاعِلَ ذَلِكَ (4).

وَكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ، مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ: وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ

(1) هو الملا علي القاري، من علماء الحنفية.

(2)

كمال الدين ابن الهُمام، من علماء الحنفية.

(3)

تحفة الأحوذي (4/ 128 - 129) باختصار.

(4)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . (رواه البخاري ومسلم).

ص: 95

النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأ لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَشَدُّوا إلَيْهَا الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا.

وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إلَّا فَعَلُوهُ، فَإِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لَا تَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ للهِ وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا وَلَا مَلِكًا» (1).

فما رأي المفتي في الملا على القاري وابن الهمام والشوكاني والمباركفوري؟ أم أنهم من السلفيين المتشددين؟!!

ثانيًا: ومما يَدُلُّ على عدم جواز الصلاة في المسجد الذي به قبر، ما روى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» ، والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني.

ومن الأدلة أيضًا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ أُولَئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراد، فتصوير صور الآدميين محرم، وبناء القبور على المساجد بانفراده محرم كما دلت عليه نصوص أُخَر» (2).

(1) نيل الأوطار (4/ 102 - 103) باختصار.

(2)

فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب (3/ 202 - 203).

ص: 96

وقال صلى الله عليه وآله وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسَة أيام: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» (رواه مسلم).

وعن عَائِشَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَا:«لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا» (رواه البخاري ومسلم)(1).

ثالثًا: هاهي طائفة من أقوال علماء المذاهب الأربعة في تحريم اتخاذ المساجد على القبور، وفيها أن منهم مَن صرح بأنه كبيرة، وذلك ليعلم القارئ أين يقف السلفيون وأين يقف المفتي:

1 -

قال الفقيه ابن حجر الهيتمي الشافعي في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر): «الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ: اتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، وَإِيقَادُ السُّرُجِ عَلَيْهَا، وَاِتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا، وَالطَّوَافُ بِهَا، وَاسْتِلَامُهَا، وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا»

(ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها، ثم قال):

«تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْتُه مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَوَجْهُ أَخْذِ اتِّخَاذِ الْقَبْرِ مَسْجِدًا مِنْهَا وَاضِحٌ، لِأَنَّهُ لُعِنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِ وَجُعِلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُبُورِ صُلَحَائِهِ شَرَّ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفِيهِ تَحْذِيرٌ لَنَا كَمَا فِي رِوَايَةِ: «يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا» :أَيْ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ بِقَوْلِهِ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَصْنَعُوا كَصُنْعِ أُولَئِكَ فَيُلْعَنُوا كَمَا لُعِنُوا.

(1) لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:أَيْ لَمَّا حَضَرَته الْمَنِيَّةُ وَالْوَفَاةُ، طَفِقَ: أَيْ جَعَلَ، وَالْخَمِيصَةُ: كِسَاءٌ لَهُ أَعْلَامٌ (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 13). وللاستزادة من الأدلة حول هذا الموضوع، وكلام أهل العلم، والرد على شبهات الصوفية حوله انظر كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني.

ص: 97

وَاِتِّخَاذُ الْقَبْرِ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ،

قَالَ أَصْحَابُنَا (1): «تَحْرُمُ الصَّلَاةُ إلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَبَرُّكًا وَإِعْظَامًا» ، فَاشْتَرَطُوا شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَبْرَ مُعَظَّمٍ وَأَنْ يَقْصِدَ بِالصَّلَاةِ إلَيْهِ - وَمِثْلُهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - التَّبَرُّكَ وَالْإِعْظَامَ، وَكَوْنُ هَذَا الْفِعْلِ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ

قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: «قَصْدُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْقَبْرِ مُتَبَرِّكًا بِهَا عَيْنُ الْمُحَادَّةِ لِلهِ وَرَسُولِهِ، وَإِبْدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا ثُمَّ إجْمَاعًا، فَإِنَّ أَعْظَمَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ الصَّلَاةُ عِنْدَهَا وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ أَوْ بِنَاؤُهَا عَلَيْهَا.

وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ (2) مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ إذْ لَا يُظَنُّ بِالْعُلَمَاءِ تَجْوِيزُ فِعْلٍ تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِهَدْمِهَا وَهَدْمِ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ إذْ هِيَ

(1) أي علماء الشافعية.

(2)

قال الشيخ الألباني: «وقوله فيما نقله عن بعض الحنابلة: «والقول بالكراهة محمول على غير ذلك» ، كأنه يشير إلى قول الإمام الشافعي في كتابه [الأم (1/ 246)] ما نصه:«وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى، أو يصلى عليه، وهو غير مُسَوًّى، وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .

وعلى هذا أتباعه من الشافعية، ومن الغريب أنهم يحتجون على ذلك ببعض الأحاديث المتقدمة، مع أنها صريحة في تحريم ذلك، ولَعْنِ فاعلِه، ولو أن الكراهة كانت عندهم للتحريم لقرب الأمر، ولكنها لديهم للتنزيه فكيف يتفق القول بالكراهة مع تلك الأحاديث التي يستدلون بها عليها؟!

أقول هذا، وإن كنتُ لا أستبعد حمل الكراهة في عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية؛ لأنه هو المعنى الشرعي المقصود في الاستعمال القرآني، ولا شك أن الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر، فإذا وقفنا في كلامه على لفظ له معنى خاص في القرآن الكريم وجب حمله عليه، لا على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين، فقد قال تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات:7)، وهذه كلها محرمات، فهذا المعنى ـ والله أعلم ـ هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله المتقدم:«وأكره» ، ويؤيده أنه قال عقب ذلك:«وإن صلى إليه أجزأه، وقد أساء» ؛ فإن قوله: «أساء» معناه ارتكب سيئة، أي حرامًا، فإنه هو المراد بالسيئة في أسلوب القرآن أيضًا، فقد قال تعالى في سورة (الإسراء) بعد أن نهى عن قتل الأولاد، وقربان الزنى، وقتل النفس وغير ذلك:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (الإسراء:38) أي محرمًا.

ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلام الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الأصل في النهي التحريم، إلا ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر، كما صرح بذلك في رسالته [جماع العلم (ص125)] ونحوه في كتابه [الرسالة (ص343)]، ومن المعلوم لدى كل من درس هذه المسألة بأدلتها أنه لا يوجد أي دليل يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث:«قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، فلا غرابة إذن أنْ صرَّح الحافظ العراقي ـ وهو شافعي المذهب ـ بتحريم بناء المسجد على القبر. [اهـ بتصرف من كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني (ص37 - 40)، وراجع كلام الإمام الشاطبي المالكي أن معنى الكراهة في كلام الأئمة هو التحريم في [الاعتصام (2/ 537 - 538]، وقد نقلته بنصه في هامش (ص90 - 91) من هذا الكتاب.

ص: 98

أَضَرُّ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ صلى الله عليه وآله وسلم بِهَدْمِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ، وَتَجِبُ إزَالَةُ كُلِّ قِنْدِيلٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى قَبْرٍ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَنَذْرُهُ» (1).

2 -

قال الحافظ زين الدين العراقي الشافعي: «فلو بَنَى مسجدًا يقصد أن يُدْفَنَ في بعضه دخل في اللعنة، بل يحْرُم الدفن في المسجد، وإن شرط أن يُدْفَنَ فيه لم يَصِحّ الشرط لمخالفة وقفه مسجدًا» (2). (2).

3 -

قال الإمام القرطبي المالكي في تفسيره بعد أن ذكر حديث البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أُولَئِكَ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ

(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 120 - 123) ونقل هذا الكلام المحقق الآلوسي في تفسيره [روح المعاني (5/ 31)]، وأقره عليه.

(2)

نقله المناوي في فيض القدير (5/ 274)، وأقَرَّه.

ص: 99

الْقِيَامَةِ»: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: «وَهَذَا يُحَرِّم عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء مَسَاجِد» (1).

4 -

قَالَ الفقيه ابْنُ الْمَلكِ الحنفي: «إِنَّمَا حُرِّمَ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا اسْتِنَانًا بِسُنَّةِ الْيَهُودِ» (2).

5 -

ذكر الفقيه ابن عابدين الحنفي في علة النهي عن الصلاة في المقبرة: «أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد» (3). (2)

6 -

قال ابن تيمية الحنبلي: «يحرم الإسراج على القبور، واتخاذ القبور المساجد عليها، وبَيْنَها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين» (4). (3).

7 -

ونقل ابن عروة الحنبلي كلام ابن تيمية، وأقَرَّه (5). (4).

8 -

نصّ بعض علماء الحنابلة على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور، ووجوب هدمها، فقال ابن القيم في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه، وكيف أنه صلى الله عليه وآله وسلم هدَمَه وحرقَه قال:

«وَمِنْهَا: أَنّ الْوَقْفَ لَا يَصِحّ عَلَى غَيْرِ بِرّ وَلَا قُرْبَةٍ كَمَا لَمْ يَصِحّ وَقْفُ هَذَا الْمَسْجِدِ وَعَلَى هَذَا: فَيُهْدَمُ الْمَسْجِدُ إذَا بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ كَمَا يُنْبَشُ الْمَيّتُ إذَا دُفِنَ فِي الْمَسْجِدِ، نَصّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَجْتَمِعُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَسْجِدٌ وَقَبْرٌ، بَلْ أَيّهُمَا طَرَأَ عَلَى الْآخَرِ مُنِعَ مِنْهُ وَكَانَ الْحُكْمُ لِلسّابِقِ، فَلَوْ وُضِعَا مَعًا لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَصِحّ

(1) تفسير القرطبي (10/ 38).

(2)

حاشية رد المحتار لابن عابدين (1/ 410).

(3)

الاختيارات العلمية (ص52).

(4)

في الكواكب الدراري (2/ 244).

ص: 100

هَذَا الْوَقْفُ، وَلَا يَجُوزُ، وَلَا تَصِحّ الصّلَاةُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ ذَلِكَ وَلَعْنِهِ مَنْ اتّخَذَ الْقَبْرَ مَسْجِدًا» (1).

9 -

سُئِلَ الفقيه ابن تيمية الحنبلي:

«هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ فِيهِ قَبْرٌ وَالنَّاسُ تَجْتَمِعُ فِيهِ لِصَلَاتَيْ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُمَهَّدُ الْقَبْرُ أَوْ يُعْمَلُ عَلَيْهِ حَاجِزٌ أَوْ حَائِطٌ؟» .

فَأَجَابَ: «اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يُبْنَى مَسْجِدٌ عَلَى قَبْرٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْنُ مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ قَبْلَ الدَّفْنِ غُيِّرَ: إمَّا بِتَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَإِمَّا بِنَبْشِهِ إنْ كَانَ جَدِيدًا. وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ بُنِيَ بَعْدَ الْقَبْرِ: فَإِمَّا أَنْ يُزَالَ الْمَسْجِدُ وَإِمَّا أَنْ تُزَالَ صُورَةُ الْقَبْرِ فَالْمَسْجِدُ الَّذِي عَلَى الْقَبْرِ لَا يُصَلَّى فِيهِ فَرْضٌ وَلَا نَفْلٌ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ» (2). (2)

10 -

وقد تَبَنَّتْ دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه، فنقلَتْها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد، وقد نُشِرَ ذلك بمجلة الأزهر (3). (3)

وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبور مطلقًا (4). (4).

وقد أفتى الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر الأسبق بأنه لا يجوز دفن الموتى فى المساجد، وأنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش عند الإمام أحمد (5).

(1) زاد المعاد (3/ 500).

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية (1/ 107، 2/ 192).

(3)

انظر: مجلة الأزهر، ج112، ص 501، 503).

(4)

انظر (مجلد سنة 1930، ص 359، 364).

(5)

فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com .

تاريخ الفتوى: جمادى الأولى 1359 هجرية، 22 من يونيه 1940م.

ص: 101

رابعًا: زعم المفتي أن السلفيين يخالفون إجماع المسلمين بتحريمهم الصلاة بالمسجد الذي ألحق به ضريح رجل صالح، وقولهم بوجوب هدم الضريح أو المسجد.

وما سبق نقله عن الأئمة وعن علماء الأزهر ينقض هذا الإجماع المزعوم.

خامسًا: رغم نَهْيِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ القبور مساجد قال المفتي باستحباب الصلاة في المساجد التي بها أضرحة، ولنا أن نسأله: مَن مِن العلماء قال باستحباب ذلك؟ وما هي أدلتهم على هذا الاستحباب؟ فالاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ننتظر إجابة المفتي!! ونسأل القارئ الكريم في ضوء ما سبق نقله من كلام علماء المذاهب الأربعة: من الذي خالف إجماع المسلمين؟!! السلفيون أم المفتي؟!!

ص: 102