الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلفيون أم المفتي؟
من الذي يتبنى الفكر الصدامي
؟
اتهم المفتي السلفيين (ص12 - 13) بأنهم يتبنون فكرًا صداميًّا، وأن هذا الفكر الصدامي يفترض أمورًا ثلاثة وهى:
أولًا: أن العالم كله يكره المسلمين، وأنهم في حالة حرب دائمة للقضاء عليهم، وأن ذلك يتمثل في أجنحة الشر الثلاثة الصهيونية (يهود) والتبشير (نصارى) والعلمانية (إلحاد)، وأن هناك مؤامرة تحاك ضد المسلمين في الخفاء مرة وفى العلن مرات، وأن هناك استنفارًا للقضاء علينا مللنا من الوقوف أمامه دون فعل مناسب.
ثانيا: وجوب الصدام مع ذلك العالم حتى نرد العدوان والطغيان، وحتى ننتقم مما يحدث في العالم الإسلامي هنا وهناك، ووجود الصدام يأخذ صورتين:
الأولى: قتل الكفار الملاعين.
والثانية: قتل المرتدين الفاسقين.
أما الكفار الملاعين فهم كل البشر سوى من شهد الشهادتين.
وأما المرتدون الفاسدون فهم مَن شهد الشهادتين وحكم بغير ما أنزل الله وخالف فكرهم.
ثالثًا: أن فكرهم يراد له أن يكون من نمط الفكر الساري، وهذا معناه أنه لا يعمل من خلال منظمة أو مؤسسة يمكن تتبع خيوطها بقدر ما يعمل باعتباره فكرًا طليقًا من كل قيد يقتنع به المتلقي له في أي مكان، ثم يقوم بما يستطيعه من غير أوامر أو ارتباط بمركز أو قائد. وعليه فإن الفوضى سوف تشيع بصورة أقوى وتنتشر بصورة أعمق». انتهى كلام المفتي.
ومع هذا الكلام وقفات (1):
أولًا: إن قول مفتي مصر في الفقرة الأولى مردود، فهل تعامى عن الحقيقة الشرعية والواقعية، فالله عز وجل يخبرنا عن هذه العداوة قائلًا:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120)، وقال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (المائدة:82)، وقال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217).
أما الواقع فهو خير شاهد على هذه العداوة قديمًا وحديثًا، فالحروب الصليبية قديمًا، والاحتلال الأجنبي حديثًا، والمجازر التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وسراييفو وغيرها، وما يحدث للمسلمين في العراق وأفغانستان وباكستان والشيشان وما يحصل في فلسطين وموقف أمريكا والغرب من اليهود ومساندتهم لهم، هذا بالنسبة للعدو الخارجي أما التيار العلماني والليبرالي فموقفه من التيار الإسلامي واضح للعيان لا ينكره إلا مكابر.
ثانيًا: قول المفتي إن السلفيين يرون وجوب الصدام مع ذلك العالم بقتل الكفار وقتل المرتدين، فإنه إنما صاغه بهذه الصورة ليشنع على السلفيين، فهل ينكر المفتي الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، ثم إن كان ينكر جهاد الطلب، فهل ينكر جهاد الدَّفْع وحق المسلمين في الدفاع عن بلدانهم المحتلة؟!!
ثم إنه من المعلوم أن الكفار أنواع فمنهم محاربون، ومنهم أهل عهد، ومنهم أهل ذمة ولكل واحد حكمه، فتعميمه الكلام عن السلفيين في هذه المسألة بأنهم يرون وجوب الصدام مع جميع الكفار وقتلهم تعميم غير مقبول وفيه من التلبيس ما فيه.
(1) بتصرف من مقال: كتاب المتشددون منهجهم ومناقشة أهم قضاياهم لعلي جمعة، عرض ونقد، موقع الدرر السنية www.dorar.net.
ونطالب المفتي بمصدر معلوماته تلك، في أي كتاب للسلفيين أو في أي محاضرة لهم قرأ المفتي أو سمع أنهم يرون وجوب قتل جميع الكفار؟!!
نطالب صاحب الفضيلة بالبيّنة!!!
ثالثًا: المرتد حكمه القتل، فقد أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَوَّل عَنْ دِينِ الإِْسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَل (1) لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (رواه البخاري). ولِقَوْله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» (رواه مسلم).
قال الإمام ابن المنذر: «وأجمع أهل العلم على أن شهادة شاهدين يجب قبولها على الارتداد ويقتل المرء بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام، وانفرد الحسن فقال: «لا يُقبَل في القتل إلا شهادة أربعة» (2).
وقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ مُسْلِمٌ فَقَدْ أُهْدِرَ دَمُهُ، لَكِنَّ قَتْلَهُ لِلإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ افْتَاتَ عَلَى حَقِّ الإِْمَامِ؛ لأنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ لَهُ (3).
رابعًا: مسألة الردة والحكم بغير ما أنزل الله فيها تفصيل معروف والحكم فيها يتوقف على توفر الشروط وانتفاء الموانع.
(1) الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 234).
(2)
الإجماع لابن المنذر (ص 46).
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 190)، عن: المبسوط (10/ 106)، والفتاوى الهندية (7/ 3)، والأم (6/ 154)، والإنصاف (9/ 462)، والهداية لأبي الخطاب (203). وأكثرتُ في التركيز على مسألة إجماع العلماء على وجوب قتل المرتد لأن هذه المسألة هناك مَن يميعها، وللأسف محسوب على الإسلاميين!!