الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: أن عثمان دفع ديته من ماله:
قال عثمان: أنا وليّه وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي " (1) ".
أو بعد هذا مجال لقائل أن يقول، وطاعن أن يطعن؟.
وأما
قضية الأذان الثاني في الجمعة
فلم يكن مما اعترضه عليه السبئيون، وهذا من زيادات أسلافهم، وعلى ذلك نقول لهم: هل عليّ أزال هذا الأذان حينما تولّي الخلافة؟.
والثابت أنه لم يزل طيلة خلافته، فلماذا سكت على هذا المنكر إن كان منكرًا؟. ولم الطعن على عثمان دون عليّ إن كان هذا من المطاعن؟.
وبذلك قال الذهبي:
وأما زيادات الأذان الثاني يوم الجمعة فعليّ ممن وافق على ذلك في خلافته ولم يزله وإبطال هذا كان أهون عليه من عزل معاوية وغيره من قتالهم. فإن قيل إن الناس لا يوافقونه على إزالة الأذان قلنا: فهذا دليل على أن الناس وافقوا عثمان على الاستحباب حتى مثل عمار وسهل بن حنيف والسابقين. وإن اختلفوا فهي من مسائل الاجتهاد " (2) ".
هذا ما قاله السبئية وطعنوا له على عثمان المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه حتى ألّبوا الناس عليه وقتلوه خدعة ومكرًا، غدرًا وطغيانًا، بعدما أراد علي وسبطا رسول الله الحسن والحسين وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير الدفاع عنه والمقاتلة دونه، وغيرهم الكثيرون حتى جاءه زيد بن ثابت الأنصاري فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين، فقال له عثمان: لا حاجة لي في ذلك،
(1) - الطبري: ج5 ص41
(2)
- المنتقى: ص399
كفّوا" (1) ".
وقد ذكر ذلك ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي:
ومانعهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاص وجماعة معهم من أبناء الأنصار، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حل من نصرتي فأبوا" (2) ".
وأيضًا نهى عليّ أهل مصر وغيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارًا، نابذهم بيده وبلسانه وبأولاده " (3) ": وقد ذكر ذلك المؤرخ الشيعي المسعودي ببعض التفصيل وقد
ذكرناه من قبل، ونعيد عبارته في آخر الكلام لأن فيه تذكرة لمن يتذكره وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
فلما بلغ عليًّا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمدًا، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدُّوهم عن الدار، فرمى من وصفنا بالسهام، واشتبك القوم، وجرح الحسن، وشج قنبر، وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية، فتركوا القوم في القتال على الباب، ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها، وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران، وعند عثمان زوجته، وأهلُه ومواليه مشاغيل بالقتال، فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته، فقال: يا محمد، والله لو رآك أبوك لساءه مكانك فتراخت يده،
(1) - أنساب الأشراف للبلاذري: ج5 ص73
(2)
- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص197 تحت محاصرة عثمان ومنعه الماء
(3)
- نفس المصدر ج3 ص449 تحت أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر.
وخرج عن الدار، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه، فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل أمير المؤمنين، فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية، فوجدوه قد فاضت نفسه رضي الله عنه، فبكوا، فبلغ ذلك عليًّا وطلحة والزبير وسعدًا وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فاسترجع القوم، ودخل عليّ الدار، وهو كالواله الحزين، وقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟. ولَطَمَ الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير" (1) " فهل لهم أن ينتهوا؟.
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا
…
ولكن لا حياة لمن تنادي
ونختم هذا الباب على حديث رواه البخاري:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه برجله فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " صحيح البخاري ".
وعلى حديث آخر رواه البخاري ومسلم أيضًا:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشّره بالجنة، ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشّره بالجنة ففتحت له فإذا عمر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا
(1) - مروج الذهب للمسعودي الشيعي: ج2 ص344 - 345.
عثمان فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان "متفق عليه".
وأخيرًا ما رواه الترمذي وابن ماجة عن مرة بن كعب قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن فقرّبهما، فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، قال: فأقبلت عليه بوجهه - أي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟. فقال: نعم
"رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث صحيح".
فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو شأنه، وهذا هو ما فعله السبئيون والمخدوعون بهم، وهذه هي المطاعن المزوّرة التي اخترعوها لقلب نظام الحكم الإسلامي الراشد " (1) " ولبثّ سموم الفتنة بين المسلمين وتزحزحهم عن العقائد الإسلامية الصحيحة وردّهم بالمرحلة الأولى بقتل أمير المؤمنين وخليفة المسلمين والتفريق بين الجماعة الواحدة والأمة المرحومة، ثم تخطوا بعد ذلك بخطوة أخرى ألا وهي الإيقاع بين المسلمين وإشعال نيران الحرب بينهم وإثارة الفتن والبغضاء، ثم إبعادهم عن العقائد الإسلامية الصحيحة وإدخالهم في العقائد اليهودية المدسوسة والفكر اللاإسلامي، وفعلاً نجحوا في المرحلة الثانية أيضًا ألا وهي إيقاع الفتن بين المسلمين والهرج والمرج حتى ينفلتوا عن الجهاد في سبيل الله ويرجعوا لضرب بعضهم بعضًا، وينحصر القتال فيما بينهم ويدور بين فئاتهم وأحزابهم
(1) - ومن المؤسف جدًّا بأن كثيرًا ممن يدعون الانتساب إلى السنة تأثروا من دعايات السبائية الكثيرة المكررة فلم يفرقوا بين الحق والباطل وأطلقوا عنان أقلامهم لنقل هذه الخرافات والخزعبلات دون النظر إلى الأكاذيب السبائية وأباطيلها، ودون التمييز بين الغث والسمين فقالوا ما قالوا وكتبوا ما كتبوا - وما أكثرهم - وما أبعدهم عن الحق والصواب مع انتسابهم إلى العلم والزعامة الدينية
بعدما كانت تدور رحاها على ثغور الكفر وبلاد الشرك والوثنيات. وسنلخص القول في الباب القادم ما حصل فعلاً بأن الرقاع الإسلامية التي اتسعت في عهد عثمان امتدادًا لاتساع الفاروق والصديق انحصرت على ما كانت عليه في عهد علي رضي الله عنه، وبدأ علي رضي الله عنه يشكو ويقول متأسفًا:
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى به العباد وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة)" (1) ".
فبدل أن يتوجه المسلمون إلى أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء هذه الأمة بدأت سيوفهم تتفلل فيما بينهم. وهذا ما كانت تريده اليهودية البغيضة وهذا ما حصل كما نحن بصدد بيانه وذكره.
(1) - نهج البلاغة ص367 ط. بيروت.