المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: - الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتشيع الأول والشيعة الأولى

- ‌الباب الثانيالتشيع والسبأية

- ‌عبد الله بن سبا والسبئية

- ‌الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌الباب الثالثالشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنهوالسبأية وفتنهم أيامه

- ‌ الواقدي

- ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

- ‌ سعيد بن العاص

- ‌ عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق

- ‌مروان بن الحكم

- ‌ قضية الأذان الثاني في الجمعة

- ‌الباب الرابعتطوّر التشيع الأول والشيعة الأولىودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

- ‌ الشيعة الأولى

- ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

- ‌ الكيسانية

- ‌الشيعة أيام الحسين

- ‌ الفرس

- ‌الكيسانية

- ‌ الغرابية

- ‌الجارودية

- ‌الشيعة أيام جعفر بن الباقر

- ‌الشيعة بعد وفاة جعفر

- ‌ الفطحية:

- ‌الإسماعيلية

- ‌القرامطة

- ‌الدروز

- ‌فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

- ‌الشيعة أيام علي بن موسى

- ‌الشيعة أيام محمد بن علي

- ‌الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري

- ‌الباب السادسالشيعة الاثنا عشرية

- ‌لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

- ‌للإِمام علامات

- ‌الأخبارية والأصولية

- ‌أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

- ‌الباب السابعالشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

- ‌ هل الدين إلا الحب

- ‌من يكون المهدي

- ‌منزلته وشأنه

- ‌ماذا يعمل بعد رجعته

- ‌رجعة الأئمة مع رجعة القائم

- ‌ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً

- ‌دابّة الأرض

- ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

- ‌كتب المستشرقين

الفصل: ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

معضلات

وكان أحمد بن حنبل يكذبه ..... وكان يقول المديني: الواقدي يضع الحديث (1) ".

وقال الذهبي: مجمع على تركه، وقال النسائي: كان يضع الحديث (2) ".

وأما ابن حجر فجمع أقوال العلماء فيه، فذكر أن البخاري قال: الواقدي مدني سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا، وقال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل:

الواقدي كذاب.

وقال لي يحيى بن معين: ضعيف. وقال مرة ليس بشيء

قال ابن المديني: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، وأرضاه في الحديث

قال الشافعي كتب الواقدي كلها كذب.

وقال النسائي في (الضعفاء):‌

‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

الواقدي في المدينة، ومقاتل في الكوفة، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام، وذكر الرابع، وقال ابن عدي: أحاديثه غير موثوقة.

قال ابن المديني: عندي عشرون ألف حديث ما لها أصل، وإبراهيم بن يحيى كذاب وهو عندي احسن حالاً من الواقدي.

وقال أبو داود: لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه، ما اشك أنه كان يفتعل الحديث ..... وقال بندار: ما رأيت أكذب منه.

وقال إسحاق بن راهويه: هو عندي ممن يضع. وحكى ابن

(1) - كتاب المجروحين لابن حبان ج 2 ص 284 ط دكن.

(2)

- المغني للذهبي ج 2 ص 619.

ص: 87

العربي عن الشافعي قال: كان بالمدينة سبعة رجال يضعون الأسانيد أحدهم الواقدي، وقال أبو زرعة وأبو بشر الدولابي والعقيلي: متروك الحديث.

وقال أبو حاتم الرازي: وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين مناكير ..... وحكى ابن الجوزي عن أبي حاتم أنه قال: كان يضع. ولقد حدث بعد ذلك ابن حجر قصة تنبئ عن جرأته على الكذب والدجل:

حدثنا عمرو الناقد قال: قلت للواقدي: تحفظ عن الثوري عن ابن خيثم عن عبد الرحمن بن نبهان عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبي في لعن زوارات القبور، فقال: حدثنا سفيان، فقلت أمله عليّ، فأملاه علي بالمسند، فقال نا عبد الرحمن بن ثوبان فقلت: الحمد لله الذي أوقعك، أنت تعرف أنساب الجن ومثل هذا يخفى عليك؟ قال الساجي: والحديث حديث قبيصة ما رواه عن سفيان غيره، وقال النووي: الواقدي ضعيف باتفاقهم، وقال الذهبي في الميزان: استقر الإجماع على وهن الواقدي، وتعقبه بعض مشايخنا بما لا يلاقي كلامه.

وقال الدارقطني: الضعف يتبين على حديثه، وقال الجوزجاني: لم يكن مقنعاً (1) ".

فهذا هو الواقدي، وهذا هو شأنه عند العلماء الأعلام من السنة، وهذا مع تشيعه باعتراف الشيعة أنفسهم بأنه شيعي وليس شيعياً فحسب، بل من الذين يلزمون التقية أي الكذب بتعبير صحيح.

وأما محمد بن السائب وابنه هشام فلقد ذكرهما محسن الأمين في

(1) - تهذيب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ج 9 ص 363 إلى 368 ملخصاً ومختصراً ومثله ذكر الذهبي في ميزان الاعتدال ج3 ص 110.

ص: 88

طبقات المؤرخين من الشيعة (1) ".

كما ذكرهما ابن النديم الشيعي في فهرسته.

وكما ذكر النجاشي هشام بن محمد بقوله:

هشام بن محمد بن السائب بن بشير بن زيد بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث بن عزى بن امرئ القيس عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن زيد اللات وقيده بن ثور بن كلب بن وبرة المنذر: الناسب العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا، وله الحديث المشهور، وقال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد عليه السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله عليه السلام

يقربه ويدينه ويبسطه، وله كتب كثيرة منها: كتاب مثالب ثقيف، كتاب مثالب بني أمية، كتب مقتل عثمان، كتاب مقتل أمير المؤمنين، كتاب حجر بن عدي، كتاب الحكمين، كتاب مقتل الحسين عليه السلام، كتاب أخبار محمد بن الحنفية وغيرها (2) ".

وكما ذكره أباه ابن داود الحلي في القسم الأول من رجاله، وذكر أنه من أصحاب الباقر (3) ".

وذكر ابنه هشام وذكر أنه كان يقربه جعفر ويدنيه (4) ".

وعد شيخ الطائفة الطوسي محمد بن السائب في رجاله من أصحاب الصادق (5) ".

وأيضاً من أصحاب الباقر (6) ".

(1) - أعيان الشيعة ج 1 ص 127 - 128.

(2)

- رجال النجاشي ص 305، 306.

(3)

- رجال ابن داود الحلي ص 312.

(4)

- أيضاً ص 368 - 369.

(5)

- رجال الطوسي ص 289

(6)

- أيضاً ص 136.

ص: 89

وكان غالياً في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق (1) ".

ولقد ذكرهما عالم الشيعة في الرجال العباس القمي بقوله:

الكلبي النسابة، ويقال له ابن الكلبي أيضاً أبو المنذر هشام بن أبي النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي، كان من أعلم الناس بعلم الأنساب، وقد أخذ بعض الأنساب عن أبيه أبي النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب الباقر والصادق عليهم السلام، وأخذ أبو النصر نسب قريش عن أبي صالح عن عقيل بن أبي طالب، قال ابن قتيبة: وكان جده بشر وبنوه السائب وعبيد الرحمن شهدوا الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وقتل السائب مع مصعب بن الزبير، وشهد محمد بن السائب الكلبي الجماجم مع ابن الأشعث، وكان نساباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة وعن السمعاني أنه قال في ترجمة محمد بن السائب أنه صاحب التفسير، وكان من أهل الكوفة قائل بالرجعة، وانه هشام ذا نسب عال وفي التشيع غال، وفي (الرجال الكبير): هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الناسب العالم، المشهور بالفضل والعلم، العارف بالأيام، كان مختصاً بمذهبنا، قال اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجئت إلى جعفر بن محمد (ع) فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله (ع) يقربه ويدنيه وينشطه، قلت: حكى المعاني وغيره، عن قوة حفظه أنه حفظ القرآن في ثلاثة أيام، وأنا أقول: لا

بدع في ذلك، فإن من سقاه الصادق (ع) العلم في كأس يحفظ القرآن بأقل من ثلاثة أيام، توفي سنة 206 أو 204 (2) ".

(1) - أعيان الشيعة ج 1 ص 59.

(2)

- الكنى والألقاب ج 3 ص 94 - 95 - 96.

ص: 90

وأنا أظن بأنه يكفي هذا لبيان حقيقة أحوال هشام وأبيه محمد حيث أنهما من أسرة شيعية بحتة من قديم الزمن.

وأما ما قاله السنة فنقل عن معمر بن سليمان عن أبيه أنه قال: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي، وقال ليث بن أبي سليم كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي، والآخر السدي. وقال الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه بشيء، وقال البخاري تركه يحيى وابن مهدي وقال الدوري عن يحيى بن يعلى المحاربي قال: قيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم ابن أبي ليلى وجابر الجعفي، والكلبي، قال أما ابن أبي ليلى فلست أذكره وأما جابر فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة، وأما الكلبي وكنت أختلف إليه فسمعته يقول مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ فحفظت ما كنت نسيت فتركته، وقال الأصمعي عن أبي عوانة: سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر فسألته عنه فجحده، وقال عبد الواحد بن غياث عن ابن مهدي: جلس إلينا أبو جزء على باب أبي عمرو بن العلاء، فقال أشهد أن الكلبي كافر قال فحدثت بذلك يزيد بن زريع فقال سمعته يقول: أشهد أنه كافر قال فماذا زعم؟ قال سمعته يقول: كان جبريل يوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام النبي لحاجته وجلس علي فأوحى إلى علي، فقال يزيد: أنا لم أسمعه يقول هذا ولكني رأيته يضرب صدره ويقول أنا سبئي أنا سبئي. قال العقيلي هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبأ، وقال ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب: ما دمت على

ص: 91

هذا الرأي لا تقربنا وكان مرجئاً وقال زيد بن الحباب سمعت الثوري يقول: عجباً لما يروى عن الكلبي، قال ابن أبي حاتم: فقلت لأبي: إن الثوري روى عنه، فقال: كان لا يقصد الرواية عنه ويحكي حكايته تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية، وقال علي بن مسهر عن أبي جناب الكلبي حلف أبو صالح: أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئاً، وقال أبو عاصم: زعم لي سفيان الثوري قال: قال الكلبي: ما حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا ترووه، وقال الأصمعي عن قرة بن خالد: كانوا يرون أن الكلبي يزخرف يعني يكذب، وقال يزيد بن هارون، كبر الكلبي وغلب عليه النسيان، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه هو ذاهب الحديث لا يشتغل به، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال ابن عدي، له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخالصة عن أبي صالح وهو معروف بالتفسير وليس لأحد أطول من تفسيره وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير وأما في الحديث ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه وقال ابن أبي حاتم: كتب البخاري في موضع آخر محمد بن بشر سمع وعمرو بن عبد

الله الحضرمي وعنه محمد بن إسحاق قال ابن أبي حاتم: هو الكلبي، قال محمد بن عبد الله الحضرمي مات: بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة. قلت: ساق ابن سعد نسبه إلى كلب بن وبرة قال: وكان شهد جده بشر وبنوه السائب الجماجم مع ابن الأشعث وكان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم توفي بالكوفة سنة ست وأربعين أخبرني بذلك ابنه هشام، قالوا: ليس ذاك، في روايته ضعيف جداً، وقال علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني: متروك وقال الجوزجاني: كذاب

ص: 92

ساقط، وقال ابن حبان، وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه روى عن أبي صالح التفسير وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس لا يحل الاحتجاج به، وقال الساجي: متروك الحديث وكان ضعيفاً حداً لفرطه في التشيع، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع، قال الحاكم أبو عبد الله: روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة (1) ".

فهذا هو الرجل وهذا هو مقامه وشأنه، وهذه هي أقوال العلماء فيه، وهذا هو وضعه من التشيع والكذب إلى حد الكفر.

وأما ابنه هشام فهو، يروي عنه وهو مثله، رافضي متروك كما ذكره الذهبي وغيره (2) ".

وأما الكلبي هذا فلقد صنف كتاباً في مثالب الصحابة كما ذكره ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة (3) ".

وقال الإمام ابن تيمية فيه وأيضاً نقل كلام الأئمة الأعلام في كتابه:

هشام الكلبي: وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف لوط بن يحيى، وكلاهما متروك كذاب، وقال الإمام أحمد: ما ظننت أن أحداً يحدث عنه، إنما هو صاحب سمر ونسب، وقال الدارقطني: هو متروك، وقال ابن عدي: هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار، ولا أعرف له في المسند شيئاً وأبوه أيضاً كذاب ساقط، وقال زائدة والليث وسليمان التميمي: هو كذاب، وقال يحيى: ليس بشيء كذاب ساقط، وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج

(1) - تهذيب التهذيب لابن حجر ص 178 - 179 - 180181.

(2)

- انظر لذلك ميزان الاعتدال ص 304، 305.

(3)

- ص 58 الملحق بكتاب منهاج السنة لابن تيمية.

ص: 93

إلى الإغراق في وصفه (1) ".

فهؤلاء الأربعة هم العمدة للمؤرخين في سرد الروايات والحكايات والخزعبلات عن الحوادث والكوارث التي وقعت أيام عثمان رضي الله عنه والحروب التي حلت بين علي وبين المطالبين بثأر عثمان وقصاصه إلى شهادة الحسين وما ترتب عليها من الأمور والنتائج، فصبغوها بصبغة خاصة واستغلوها

لنشر السبئية وعقائدهم من مدخل التاريخ بعدما خدعوا كثيراً من الناس باسم العقائد وحب أهل البيت، ففتحوا مدخلاً جديداً للطعن والتشنيع في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، في الأخيار البررة، ولإدخال السذج الغفلة من الناس في دينهم الذي لم يأت به إلا عبد الله بن سبأ وأنصاره وأشياعه، ولم يؤسس قواعده وأصوله ولم يكون أسسه وضوابطه إلا هم ومن والاهم. ولذلك قدمنا الكلام في هؤلاء الناس قبل ذكر الوقائع والمطاعن لكي يعرف قيمة الروايات بقدر الرواة، ويعلم أن كل واقعة وحادثة يتفرد بروايتها هؤلاء السبئيون والشيعة لا يعتمد عليها ولا يكون لها اعتبار

وبعد بيان هذه الأمور الهامة نقول: إن السبئيين خططوا خطة ودبروا مؤامرة للتفريق بين المسلمين وتمزيق كلمتهم وتشتيت شملهم وهدم كيان الإسلام والقضاء على الخلافة الإسلامية.

فأولاً: بنشر العقائد اليهودية والمدخولة الأجنبية بين المسلمين، ثم بنشر الأكاذيب والأراجيف عن الحكام وولاة الأمور. فنعيد عبارة ابن جرير الطبري، التي ذكرناها في مبحث السبئية لتبيين الحقائق عن المطاعن التي اخترعوها على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشد الثالث عثمان بن

(1) - منهاج السنة ج 3 ص 19.

ص: 94

عفان رضي الله عنه، وأن عثمان هو عثمان المعروف بالكريم الحليم، الجواد السخي، الشريف الحيي، ابن بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه، والممدوح من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وعلي وأولاده (1) ".

وليعرف كيف حكيت ضده المؤامرات وكيف أحكم نسيجها وكيف أثيرت ضده الفتن ومن كان وراءها. فيقول الطبري:

كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمة سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال الله عز وجل: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إن كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلى خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكانت من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر

إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى

(1) - انظر لتفصيل ذلك كتابنا (الشيعة وأهل البيت).

ص: 95

مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تنالوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة، قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا، إليهم: قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر (1) ".

وإتماماً للفائدة نذكر ما ذكره الطبري من رد فعل عثمان رضي الله عنه على ذلك:

ثم كتب عثمان إلى أهل الأمصار أما بعد فأتى آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف

(1) - الطبري ج 5 ص 98، 99.

ص: 96

والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواماً يشتمون وآخرون يضربون فيا من ضرب سراً وشتم سراً من ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين، فلما قريء في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه، عبد الله بن عمار ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل معهم في المشورة سعيداً وعمراً فقال: ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم وما يعصب هذا الأبي فقالوا: ألم تبعث ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً وما كنت لتأخذ به أحداً فيقيمك على شيء وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها، قال: فأشيروا علي؟ فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به

فيتحدث به في مجالسهم قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم، وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم، قال معاوية: قد وليتني فوليت قوماً لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال: فالرأي؟ قال: حسن الأدب قال: فما ترى يا عمر وقال أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن لا يألوا الناس شرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتهما جميعاً اللين، وقام عثمان فحمد الله

ص: 97

وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به عليّ قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا الأمر الذي على هذه الأمة كائن وأن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد على حجة حق وقد علم الله أني لم آل الناس خيراً ولا نفسي ووالله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا بهم وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها (1) ".

وأما الإيرادات التي أوردوها عليه والمطاعن التي اخترعوها لتمزيق دولة الإسلام، فهي التي ذكرها واحداً بعد واحد وردها عثمان ذو النورين في خطبته التي ذكرها جميع المؤرخين أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

إن هؤلاء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علىّ عند من لا يعلم وقالوا: أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين، أو كذلك قالوا: اللهم نعم، وقالوا؟ وحميت حمى؟ وإني والله ما حميت حمى قبلي والله ما حموا شيئاً لأحد ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعيه أحداً واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ما منعوا ولا نحّوا منها أحد إلا من ساق درهماً ومالي من بعير غير راحلتين ومالي ناغية ولا راغية وأني قد وليت وإني أكثر العرب بعيراً وشاء فما اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، وقالوا كان القرآن كتباً

(1) - الطبري ج 5 ص 99، 100.

ص: 98

فتركها إلا واحداً، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم، وسألوه أن يقتلهم، وقالوا أني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، وقالوا: استعملت الأحداث ولم أستعمل إلا مجتمعاً محتملاً مرضياً وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده ولقد ولي من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، يعيبون للناس ما لا يفسرون، وقالوا: أني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وأني إنما نفلته

خمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر "رضي الله عنهما" فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم، أكذلك؟ قالوا نعم، وقالوا: أني أحب أهل بيتي وأعطهم فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة والرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على ما قالوا، وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، ولقد رددته عليهم وما قدم علىّ إلا الأخماس ولا يحل لي منها شيء فولى المسلمين وضعها في أهلها دوني ولا يتلف من مال الله بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إلا من مالي، وقالوا: أعطيت الأرض رجالاً وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت فمن

ص: 99

أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني. وكان عثمان قد قسم ماله وأرشه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى فبدأ ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف فأخذوا مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب، ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف، وأبى المسلمون إلا قتلهم وأبى إلا تركهم، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحُجاج كالحجاج، فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في شوال (1) ".

ولما كان شوال سنة 35هـ خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف، على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر والليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم أحد بني عامر بن صعصعة وعددهم كعدد أهل مصر وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وزريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي وابن المحرش بن عبد عمر والحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم جميعاً حرقوص بن زهير السعدي سوى من تلاحق بهم من الناس، فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون

(1) - نفس المصدر السابق ص 102، 103.

ص: 100

علياً، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فإنهما كانوا يشتهون الزبير، فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس

شتى لا يشك في كل فرقة إلا أن الفلج، معها وأن أمرها سيتم دون الآخرين، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المرؤة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا: لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوا الله إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلاً لنرجعن إليكم بالخبر قالوا اذهبا فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلياً وطلحة والزبير وقالا: إنما نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إلا لذلك بالدخول، واستأذناهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى وقال بيضُ ما يفرخن، فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم فأتى المصريون علياً وهو عسكر عند أحجار الزيت عليه حلة أفواف معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فالحسن جالس عند عثمان وعليّ عند أحجار الزيت، فسلم عليه المصريون وعرضوا له، فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المرؤة وذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله قالوا: نعم

ص: 101

فانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب عليّ وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرّضوا له فصاح بهم واطّردهم وقال لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خُشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرّح ابنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له فصاحبهم واطردهم وقال لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج القوم وأروهم إنهم يرجعون فانفشّوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكرا راجعين، فافترق أهل المدينة لخروجهم فلما بلغ القوم عساكرهم كّروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان، وقالوا من كفّ يده فهو آمنٌ، وصلى عثمان بالناس أيامًا ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا أحدًا من كلام فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم عليٌّ فقال ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم، قالوا أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا، وأتاهم طلحة فقال البصريون، مثل ذلك وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعًا كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم عليٌّ: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا

والله أمرٌ أبرم بالمدينة، قالوا فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا" (1) "

فحاصروا بيته محاصرة شديدة وجاء على " (2) "أهل بيته وطلحة

(1) - الطبري ج5: ص103 - 105.

(2)

- ولقد أثبتنا كل هذا من كتب القوم أنفسهم في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) من أراد فلينظر إلى ذلك.

ص: 102

والزبير مع أبنائهم للدفاع عنه فقال مخاطبًا إياهم:

يا أهل المدينة إني أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. إني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله فيّ قضاه ولأدعن هؤلاء وراء بابي غير معطيهم شيئًا يتخذونه عليكم دخلاً في دين الله أودنا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحب. وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمد بن طلحة وابن الزبير وأشباهًا لهم، فجعلوا بالباب عن أمر آبائهم وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار" (1) ".

حُصر عثمان اثنين وعشرين يومًا ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد الله بن الزبير ومروان فقالوا ائذن لنا، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدًا فأنا صابرٌ عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده فقال أن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت وأمر عثمان أبا كرب رجلاً من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال وليس فيه إلا غرارتان من ورق فلما أطفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير ومروان وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا ودخلوا عليه فمنهم من يجؤه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترقوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله وكان كبيرًا وغُشي عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًا عليه جرّوا برجله فصاحت نائلة وبناته وجاء التُّجيبي مُخترطًا سيفه ليضعه في بطنه فوقّته نائلة فقطع يدها واتّكأ بالسيف عليه في صدره وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب

(1) - الطبري: ج5 ص126.

ص: 103

الشمس ونادى منادٍ ما يحلّ دمه ويحرج ماله فانتهبوا كل شيء ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا الهرب هذا ما طلب القوم. وذكر محمد بن عمران عبد الرحمن بن عبد العزيز حدّثه عن عبد الرحمن بن محمد أن محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسُودان بن حمران وعمرو بن الحمق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ المصحف في سورة البقرة فتقدّمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك الله يا نَعثَلُ فقال عثمان لست بنعثل ولكني عبد الله وأمير المؤمنين قال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان وفلان فقال عثمان يا ابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه

فقال محمد لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك وما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك قال عثمان أستنصر الله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله فقال عبد الرحمن سمعت أبا عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدَّم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجبينه فقتله. قال محمد بن عمر حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي قتله كنانة بن بشر بن عتاب التُّجيبي وكانت امرأة منظور بن سيَّار الفزاري تقول خرجنا إلى الحج وما علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رجلاً يتغنّى تحت الليل:

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة

قتيلُ التَّجيبي الذي جاء من مِصْر

قال وأما عمر بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمَقَ فطعنه تسع طعنات قال عمرو فأما ثلاث منهن فإني طعنتهن إياه

ص: 104

لله وأما ستّ فإني طعنتهن إياه لما كان في صدري عليه" (1) ".

فهذه هي القصة، اختصرناها من تاريخ الطبري ومروج الذهب للمسعودي الشيعي بدون تغيير لفظ وتحريفه. وهكذا فاز السبئيون في تفريق كلمة المسلمين وإيقاع الخلاف والشقاق بينهم الذي لا ينتهي إلى يوم القيامة كما تنبأ عن ذلك عثمان رضي الله عنه مخاطبًا الأشتر وغيره:

فوالله إن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدًا ولا تصلون جميعًا بعدي أبدًا ولا تقاتلون بعدي جميعًا أبدًا" (2) ".

فهذا هو الذي حصل. ولقد أطلنا النقل في هذا الخصوص لما أن له علاقة مباشرة بهذا الموضوع وهي المطاعن التي استغلها السبئيون لقلب نظام الحكم. فهي كما تلي، بلسان أحد أخلافهم. فيقول ابن المطهّر الحلي:

وأما عثمان فإنه ولَّى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية، حتى ظهر من بعضهم الفسوق ومن بعضهم الخيانة، وقسم الولايات بين أقاربه، وعوتب على ذلك مرارًا فلم يرجع. واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلَّى بالناس وهو سكران، واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة، فظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها. وولَّى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلَّم منه أهلها، وكاتبه أن يستمر على ولايته سرًّا، خلاف ما كتب إليه جهرًا، وأمره بقتل محمد بن أبي بكر. وولَّى معاوية الشام، فأحدث من الفتن ما أحدث. وولى عبد الله بن عامر العراق، ففعل من المناكير ما فعل. وولى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد أموره، ودفع إليه

خاتمه، فحدث من ذلك قتل عثمان، وحدث الفتنة بين الأمة ما حدث. وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من

(1) - الطبري: ج5 ص131 - 132

(2)

- تاريخ الطبري: ج5 ص118

ص: 105

بيت مال المسلمين، حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش زوَّجهم بناته أربعمائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار. وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفّره، ولما حكم ضربه حتى مات. وضرب عمًّارًا حتى صار [به] فتق، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: عمار جلدة بين عيني، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة؛ وكان عمار يطعن عليه.

وطرد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة، ومعه مروان، فلم يزل طريدًا هو وابنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله. وأبي بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه، وصاحب تدبيره؛ مع أن الله تعالى قال:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سورة المجادلة: 22] الآية.

ونفى أبا ذرّ إلى ربذة، وضربه ضربًا وجيعًا، مع أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حقه: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، وقال صلى الله عليه وآله: إن الله أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي، وأمرني بهم، قيل له: من هم يا رسول الله؟ قال: علي عليه السلام سيدهم، وسلمان، ومقداد، وأبو ذر.

وضيَّع حدود الله فلم يحد عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين عليه السلام بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية. وأراد أن يعطل حد الضرب في الوليد بن عقبة، حتى حدّه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لا يبطل حد الله وأنا حاضر. وزاد الأذان يوم الجمعة وهو بدعة، وصار سنة الآن. وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل" (1)

(1) - منهاج الكرامة الملحق بمنهاج السنة ص66 - 67.

ص: 106

"فهذه هي تركة السبئيين تلقفها الشيعة منهم وتوارثها آباء آبائهم قبل، وهذه أحد الأدلة بأن شيعة اليوم لم يكوّنوا مذهبهم ولم يؤسسوا قواعده وأركانه إلا على الأسس التي وضعها السبئية، وليس لهم علاقة بالشيعة الأولى، شيعة عليّ وأولاده، لا من قريب ولا من بعيد وكما سنبينه قريبًا إن شاء الله في موضعه.

فالإيرادات هذه التي اخترعها واختلق بعضها السبئيون ردّ عليها ذو النورين في حينها كما ذكرناه آنفًا من الطبري وغيره، ولم يكن لبعض منها وجود آنذاك، وقد تصدى للرد على جميع هذه الأكاذيب والأباطيل أعيان هذه الأمة وأسلافها، وأئمة السنة وأعلامها، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية حيث ذكر واحدًا واحدًا منها ثم ردّ عليها بالأصول الثابتة والبراهين الساطعة. وكذلك تلميذه الذهبي حيث لخص كتابه، والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهم من العلاء والمتكلمين والفقهاء. وفي شبه القارة الهندية الباكستانية انبرى لها الكثيرون وعلى رأسهم الحكيم الدهلوي وليّ الله

صاحب (حجة الله البالغة) و (قرة العينين في تفضيل الشيخين) و (إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء) وابنه عبد العزيز الدهلوي الذي لخص كتابه الآلوسي الصغير وغيره الكثيرون الكثيرون، ولكن القوم تعوّدوا على الكذب والإصرار عليه، ويكثرون كيما ينطلي على السذج والمغفلين من الناس.

ولكن لأننا بدأنا في البحث عن السبئية وأفكارهم والفرق التي تفرعت من الشيعة وتاريخها وتبنيها أفكارهم دون أفكار الشيعة الأولى أردنا ذكر هذه المطاعن، وعلاوة على ذلك نبتغي من الرد عليها بأسلوبنا الخاص وذكرنا الاستشهادات من كتب القوم ابتغاء مرضاة الله للدفاع عن حمى الإسلام والذود عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، الذين نحبهم لحب

ص: 107

نبينا إياهم ولحبهم إياه، ونرجو الله القبول والتوفيق.

فأول إيراد أوردوه على سيدنا عثمان رضي الله عنه أنهم قالوا: إنه آثر القربى، وذكر أيضًا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي حيث قال:

"ونقم الناس على عثمان بعد ولايته بست سنين وتكلم فيه من تكلم وقالوا: آثر القربى"(1) ".

فلننظر ما حقيقة هذا الإيراد وهذا الطعن؟ هل حقيقة قسم الولاية بين أقاربه أم هذه من أكاذيب السبئية التي اخترعوها لتأليب الناس على عثمان، وتبنتها الشيعة وحتى اليوم لتأييد السبئيين في خروجهم وبغيهم وإظهارًا للولاء لهم والوفاء بهم. فها هو ذا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي بذكر عمال عثمان على الولايات، فيقول:

"وكان لعثمان على اليمن يعلى بن أمية التميمي، وعلى مكة عبد الله بن عمرو الحضرمي، وعلى همذان جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي، وعلى الكوفة أبو موسى الأشعري، وعلى البصرة عبد الله بن عامر الكريز، وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن حرب"(2) ".

وقد ذكر الطبري وابن الأثير أسماء بقية العمال الذين كانوا على الولايات وعلى المناصب العليا فذكر الطبري وابن الأثير:

وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنسرين حبيب ابن مسلمة، وعلى الأردن أبو الأعور السلمي، وعلى فلسطين علقمة بن حكم الكنعاني، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري، وعلى القضاء (الشام) أبو الدرداء، وعلى الخراج جابر بن فلان المزني، وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله

(1) - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص173 - 174

(2)

- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص176.

ص: 108

البجلي، وعلى آذربيجان الأشعث بن قيس الكندي، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس، وعلى ماه مالك بن حبيب، وعلى الري سعيد بن قيس، وعلى أصبهان

السائب بن الأقرع، وعلى ما سبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة بن عامر، وعلى القضاء زيد بن ثابت" (1) ".

ونائبه في الحج سنة كان عبد الرحمن بن عوف، وفي السنة الأخيرة كان عبد الله بن عباس كما ذكر اليعقوبي في تاريخه" (2) ".

ومثل هذا ذكر كل من ابن سعد في طبقاته وابن كثير وابن الأثير في تاريخهما وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم في غيرها.

ويظهر من هذا الفهرست بداهة ولأول وهلة كذب السبئيين المعلنين لسبئيتهم والمفتخرين بها وكذب المتخلفين والوارثين في أفكارهم ومطاعنهم والمتسترين المتخفين تحت اسم التشيع خوفًا من افتضاح ما هو مفضوح.

فهذه هي الولايات وهؤلاء هم العمال، وهذه هي المناصب وهؤلاء هم الحائزون عليها بثبت التاريخ وبشهادة القوم أنفسهم.

فالمناصب العليا في الدولة كانت هي:

أولاً: القضاء، ولم يكن يتولاها أحد من أقاربه، بل كان يتولاها زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.

ثانيًا: وبيت المال كان عليه عقبة بن عامر.

ثالثًا: وعلى إمارة الحج عبد الله بن عباس.

رابعًا: وعلى الخراج جابر بن فلان المزني وسماك الأنصاري.

خامسًا: وعلى الحرب القعقاع بن عمرو.

(1) - تاريخ الطبري: ج5 ص148 - 149، ابن الأثير ج3 ص95، وورد بعض هذه الأسماء في البداية والنهاية ص322

(2)

- ج2 ص176

ص: 109

سادسًا: وقد ذكر بعض المؤرخين أن رئيس الشرطة في أيامه عبد الله بن قنفذ من بني تيم" (1) ".

فهذه هي المناصب الستة العليا في الدولة لم يكن واحد منها من بني أمية أو أقارب عثمان رضي الله عنه وعن باقي الصحابة أجمعين.

سابعًا: وأما عمال الولايات وولاتها فلم يكن مع كثرتهم إلا الثلاثة من بني أمية، وواحد من هؤلاء الثلاثة لم يولّه عثمان على ولايته، بل كان قد ولّى من قبل أبي بكر

ثم أثبته على تلك الولاية عمر مع كثرة عزله العمال والولاة ألا وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كما ذكر مؤرخ شيعي معاوية من عمال عمر" (2) ".

ولم يكن أبو بكر ولاّه على تلك الولاية إلا نائبًا لأخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على تيماء " (3) "كما استعمل أباهم، أبا سفيان رضي الله عنه على نجران " (4) ".

ولم يبق إلا الاثنان: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عامر بن كريز.

والجدير بالذكر أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أيضًا ليس من بني أمية، بل هو من بني عامر ولكن المرضعة التي أرضعت عثمان رضي الله عنه كان أم عبد الله هذا، فهذه حقيقة القرابة كلها.

ثم فهل كان تولية عبد الله بن عامر بن كريز وأضف إليه عبد الله بن سعد من بين العمال الكثيرين فيها مأخذًا ومطعنًا في سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه؟.

(1) - تاريخ خليفة ابن خياط: ج1 ص157

(2)

- انظر تاريخ اليعقوبي: ج2 ص161

(3)

- تاريخ الطبري: ج4 ص130، البداية ج7 ص24].

(4)

- تاريخ خليفة ابن خياط تحت عنوان عمال رسول الله: ج1 ص62، نسب قريش لمصعب الزبيري، كتاب المحبر لأبي جعفر البغدادي: ص126 تحت عنوان أمراء رسول الله

ص: 110

فهل من المحرّم شرعًا أن يولى الخليفة والأمير أحدًا من أقاربه يستأهله فقط لأنه من أقاربه أو قبيلته وعشيرته. فهل ورد بذلك الكتاب أم السنة، وهل صرح بذلك أحد من الصحابة وأهل البيت وحتى عليّ وأولاده؟.

وهل هذا من المطاعن؟.

فإن كان هذا طعنًا فوقوعه في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أحق وأولى حيث ولّى أيام خلافته فثم بن عباس على مكة وعبد الله بن عباس على اليمن " (1) "وولّى عبد الله بن عباس على البصرة وولّى ربيبه محمد بن أبي بكر على مصر" (2) ".

وولّى صهره وابن أخته جعد بن الهبيرة على خراسان، كما كان على عساكره محمد بن الحنفية" (3) "

وقد ناب عنه في الحج سنة 36هـ عبد الله بن عباس، وسنة 37هـ فثم بن العباس، وسنة 38هـ عبيد الله بن العباس " (4) ".

ثم من أين لقوم أن يعترضوا على عثمان لتوليته أقاربه وهو لم يولّ كما أثبتناه - وهم لم يجعلوا عليًّا رضي الله عنه وصى رسول الله إلا لقرابته منه، ولم يجعلوا الإمامة في أولاده إلا لأنهم من أولاده.

وعار عليك إذا فعلت عظيم

ثم ولولا أن يطول بنا الحديث لأثبتنا أن عمل عثمان رضي الله عنه كان أقرب لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن جاء بعده، ولم يعترض على عمله

(1) - تاريخ اليعقوبي الشيعي: ج2 ص179

(2)

- مروج الذهب.

(3)

- انظر لذلك مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص351، ومنهاج السنة لابن تيمية والعواصم من القواصم

(4)

- تاريخ اليعقوبي: ص213

ص: 111

وعماله أحد من أصحاب رسول الله ولا عليّ والهاشميون الآخرون غيره، ولا أهل الأمصار والولايات الذين أمّر عيهم هؤلاء العمال كما هو ثابت في التاريخ.

فهذا كل ما يدندن حوله القوم من السبئيين إلى شيعة عصرنا الحاضر. وهذه هي الحقيقة وهذه هي الحقائق، وهذه هي التهمة الكبيرة والمطعن الأكبر الذي استعمله السبئيون قديمًا، ويستعمله الشيعة حديثًا.

وأخيرًا ننقل هاهنا ما ذكره الذهبي في (المنتقى) جوابًا على هؤلاء:

إنّ نوّاب عليٍّ قد خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه وذهب بعضهم إلى معاوية. وقد ولَّى علي رضي الله عنه زياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين وولَّى الأشتر، وولى محمد بن أبي بكر، ومعاويةُ خيرٌ من هؤلاء كلهم. ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليًّا كان أبلغ فيه من عثمان، فيقولون إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية وعليّ ولَّى أقاربه من قبل أبيه وأمه كعبد الله وعبيد الله ابني عمه العباس وقُثَم بن العباس وثُمامة ابن العباس. وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره وولد أخته أم هانئ ثم إن الإمامية تدَّعي أن عليًّا نص على أولاده في الخلافة

ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية بني العم

وإذا ادُّعي لعلي العصمة ونحوها مما يقطع عنه ألسنة الطاعنين كان ما يُدَّعى لعثمان من الاجتهاد الذي يقطع ألسنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول. وأما عثمان فله أسوة في استعمال بني أمية بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد استعمل عتّابَ بن أسيد الأموي على مكة، وأبا سفيان

ص: 112

على نجران، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص، حتى إنه استعمل الوليد بن عقبة

فيقول عثمان: "أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، فقد ولّى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان بن حرب في فتوح الشام، وأقرَّه عمر، ثم ولّى عمى بعده، أخاه معاوية. وهذا النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في استعمال هؤلاء ثابت مشهور عنه، بل متواتر عند أهل العلم، فكان الاحتجاج على جواز الاستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أظهرَ عند كل عاقل من عوى كون الخلافة في واحد معين من بني هاشم بالنص، لأن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل، وذاك صدق

باتفاق أهل العلم بالنقل. وأما بنو هاشم فلم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم منهم إلا عليًّا على اليمن وجعفر على غزوة مؤتة مع مولاه زيد وابن رواحة" (1) ".

وأما توليته الوليد بن عقبة على الكوفة فليس فيه شيء، لأن الوليد كان من أعيان قريش:

وكان من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان شاعرًا شريفًا " (2) "ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أمّره على صدقات بني المصطلق:

أسلم يوم الفتح وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق" (3) ".

وأما سعيد بن العاص فنثبت هاهنا ما ذكره الخطيب محب الدين على هامش (المنتقى من منهاج السنة):

(1) - المنتقى للذهبي: ص382 - 383

(2)

- تهذيب التهذيب: ج11 ص143.

(3)

- تهذيب التهذيب: ج11 ص142، وكتاب المحبر: ص126

ص: 113