المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مروان بن الحكم - الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتشيع الأول والشيعة الأولى

- ‌الباب الثانيالتشيع والسبأية

- ‌عبد الله بن سبا والسبئية

- ‌الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌الباب الثالثالشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنهوالسبأية وفتنهم أيامه

- ‌ الواقدي

- ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

- ‌ سعيد بن العاص

- ‌ عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق

- ‌مروان بن الحكم

- ‌ قضية الأذان الثاني في الجمعة

- ‌الباب الرابعتطوّر التشيع الأول والشيعة الأولىودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

- ‌ الشيعة الأولى

- ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

- ‌ الكيسانية

- ‌الشيعة أيام الحسين

- ‌ الفرس

- ‌الكيسانية

- ‌ الغرابية

- ‌الجارودية

- ‌الشيعة أيام جعفر بن الباقر

- ‌الشيعة بعد وفاة جعفر

- ‌ الفطحية:

- ‌الإسماعيلية

- ‌القرامطة

- ‌الدروز

- ‌فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

- ‌الشيعة أيام علي بن موسى

- ‌الشيعة أيام محمد بن علي

- ‌الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري

- ‌الباب السادسالشيعة الاثنا عشرية

- ‌لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

- ‌للإِمام علامات

- ‌الأخبارية والأصولية

- ‌أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

- ‌الباب السابعالشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

- ‌ هل الدين إلا الحب

- ‌من يكون المهدي

- ‌منزلته وشأنه

- ‌ماذا يعمل بعد رجعته

- ‌رجعة الأئمة مع رجعة القائم

- ‌ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً

- ‌دابّة الأرض

- ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

- ‌كتب المستشرقين

الفصل: ‌مروان بن الحكم

وأنى للشيعة من أولهم إلى أخرهم أن يكون لهم وال مثله في الجهاد والغزوات وفي الفتوحات وتقديم الهبات والصلات والبر بالناس وعمل الخيرات.

وأما مروان الذي طالما كثر الكلام حوله فتفصل فيه القول بعض التفصيل لأنه هو كان محور المطاعن ومركز التجريح، ولا زال من قبل السبئية ومن فرق الشيعة كلها.

فإن أكثر ما روي عنه من المطاعن والتهم من قبيل شتمه وسبابه لعليّ، وأخذه خمس أفريقيا، ونفى والده وطرده هو معه، وكتابته الكتاب المزعوم لقتل محمد بن أبي بكر وغيرها من الروايات لم ترو إلا من طريق الواقدي ومحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام أو أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد ذكرنا أحوال جميع هؤلاء الرواة بأنهم من بقايا السبئيين ومن الشيعة مع الانقطاع في رواياتهم ومروياتهم لأنهم يروون ممن لم يسمعوا عنه ولم يلتقوا به، وعلى ذلك لا يلتفت إلى ما ورد بطرقهم وتفردوا بنقلها مثل الطبري وابن سعد فإنهم لم يروا إلا من الواقدي. وأما البلاذري في (أنساب الأشراف) فلم يروا إلا من هشام الكلبي وابن مخنف. وأما البقية من المؤرخين فلم يأخذوا إلا من هؤلاء. ولأجل ذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي وابن حجر الهيتمي وابن تيمية والذهبي وغيرهم:

إن أكثر الأخبار في ذلك مختلقة ولم يصح منه شيء " (1) "وبذلك صرح علماء الحديث تحت ذكر الروايات الموضوعة أن أكثر ما ورد في هذه الروايات من ذم معاوية وعمرو بن العاص وبني أمية وكذلك من ذم الوليد و‌

‌مروان بن الحكم

فهي موضوعة مكذوبة اختلقها الكذابون الدجالون من الشيعة الذين جعلوا دينهم الكذب، وجعلوا

(1) - انظر العواصم من القواصم ص100، الصواعق المحرقة ص68، منهاج السنة: ج3 ص196، المنتقى: ص395، التحفة الاثنا عشرية: ص311. ط. الهند.

ص: 118

الكذب من أقدس المقدسات عندهم " (1) ".

كما صرح بذلك الملا علي القاري في كتابه (الموضوعات)" (2) " وانظر أيضًا الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " (3) " والمنار المنيف في الصحيح والسقيم لابن القيم وغيرهم.

هذا قسم من المطاعن. وأما القسم الآخر فردّ عليه المؤرخون أنفسهم، كما ردّوا على الكتب المزوّرة التي نسبت إلى مروان بأنه هو الذي كتبها وختم عليها عثمان لأن الختم كان عنده فقالوا إن هذا كب على الصحابة:

"إنما كتبت مزورة عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير كتبًا مزوّرة عليهم"(4) ".

وذكر ابن خلدون:

فانصرفوا قليلاً ثم رجعوا وقد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله إلى عامل مصر بأن يقتلهم، وحلف عثمان على ذلك، فقالوا مكنّا من مروان فإنه كاتبك فحلف مروان فقال: ليس في الحكم أكثر من هذا" (5) "

وقبل ذلك قد أعلن باختلاق هذه الكتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه دراية وفراسة منه كما نقلنا كلامه في بداية الأمر بأنه قال:

"كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة، قالوا: فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا"(6) ".

(1) - انظر لذلك كتابنا (الشيعة والسنة).

(2)

- ص 106.

(3)

- ص377. ط. بيروت

(4)

- البداية والنهاية: ج7 ص175.

(5)

- مقدمة ابن خلدون الفصل الثلاثون في ولاية العهد: ص215.

(6)

- الطبري: ج5 ص105

ص: 119

هذا من ناحية الرواية. وأما دراية فهل يعقل أن شخصًا كهذا يكون كاتبًا لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا يعترض عليه أحد من كبار الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب حامل راية رسول الله يوم خيبر، وسعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة وفاتح إيران، والزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، وطلحة الذي وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهام مشركي مكة وصار له كالترس، وغيرهم من أعيان الصحابة وأكابرهم؟ ولا يصدر هذا الكلام الذي يخترعونه ويختلقونه من أعيان الصحابة وأكابرهم.

ثم وهل يمكن أن يشفع له الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى أبيهما أن يطلق سراحه يوم كان أسيرًا عنده؟ كما ذكره الشيعة أنفسهم، قالوا:

"أخذ مروان بن الحكم أسيرًا فاستشفع له الحسن والحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عيه السلام فكلم فيه فخلّى سبيله"(1) "

وهؤلاء الثلاثة أي علي وابناه الحسن والحسين معصومون عند الشيعة حسب زعمهم، وعند السبئيين كان عليّ هو هو - أي الله - فالإله يقبل الشفاعة ويطلق السراح لشخص يكون متصفًا بتلك الأوصاف التي وصفه بها القوم كذبًا ومينًا؟.

وأكثر من ذلك. نعم أكثر من ذلك قد ذكر كبير القوم المجلسي حديثًا في كتابه عن موسى بن جعفر عن جعفر أنه قال:

"كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بن الحكم فقالوا: لأحدهما (أي لموسى أو جعفر): ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى

(1) - نهج البلاغة: ص123 في خطبة له عليه السلام علم فيه الصلاة على النبي.

ص: 120

البيت؟ فقال: والله لا، ما كان يزيد على صلاة" (1) ".

ومثل ذلك ذكره ابن كثير في تاريخه" (2) ".

كما ذكر الإمام البخاري في تاريخه عن شرحبيل بن سعد قال:

"رأيت الحسن والحسين يصليان خلف مروان"(3) ".

هل بعد هذا شك لشاك بأن هذه التهم كانت كلها باطلة ومختلقة، لا صحة لها على الإطلاق، ولو كان فيها شيء من الصحة لما كانت معاملة علي وأهل بيته له مثل ما ذكر في كتب الشيعة أنفسهم.

هذا ولقد ذكر المؤرخون كثيرًا من الوقائع التي تنبئ وتثبت صراحة عكس ما ذكره السبئيون وما يعيده الشيعة في مختلف الأدوار. ومنها ما ذكروه أن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين - وهو الإمام المعصوم الرابع عند القوم - استقرض من مروان ستة آلاف دينار ومائة ألف درهم، فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئًا مما كان أقرضه " (4) ".

ثم إن ابنة علي رضي الله عنه ألا وهي رملة زوّجت من ابن مروان هذا، كما ذكر هذا الزواج عديد من النسابين:

"كان رملة بنت علي عند أبي الهياج - الهاشمي - واسمه عبد الله بن سفيان بن أبي الحارث بن عبد المطلب ولدت له وقد انقرض ولد سفيان بن الحارث، ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم"(5) ".

وكذلك زينب بنت الحسن المثنى كانت متزوجة من حفيد مروان وليد بن عبد الملك، وكانت زينب هذه نجيبة الطرفين حيث أنها حسنية

(1) - بحار الأنوار لمجلسي: ج10 ص139

(2)

- ج8 ص258

(3)

- التاريخ الصغير للبخاري

(4)

- البداية والنهاية: ج8 ص249 وج9 ص105.

(5)

- نسب قريش لمصعب الزبيري تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب: ص45، جمهرة أنساب العرب لابن حزم تحت ذكر ولد مروان: ص87.

ص: 121

من قبل أب وحسينية من قبل الأم، فإن أمها كانت فاطمة بنت الحسين بن علي.

ولقد ذكر هذا الزواج أيضًا عديد من أصحاب الأنساب:

"وكانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان وهو خليفة"(1) ".

وكذلك تزوج الوليد بن عبد الملك هاشمية علوية أخرى نجيبة الطرفين. ألا وهي نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط الرسول، وأم نفيسة كانت لبابة بنت عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. وقد ذكر هذا الزواج نسابة شيعي مشهور كما ذكرنا من قبل:

"وكان لزيد ابنة أمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان، فولدت منه"(2) ".

وهناك مصاهرات أخرى ذكرها أصحاب الأنساب.

فهذه هي شهادات التاريخ وشهادات الشيعة أنفسهم بأن الفاطميات والعلويات تزوجن من أبناء مروان وأحفاده، فإن كان مروان كما يصفه الواصفون، وكما يكذب عليه الكذابون فكيف كان هذا؟ وما الجواب عنه؟.

والجواب يعلمه المنصفون لأول وهلة أنه لم يكن هناك شيء إلا ما اختلقه السبئيون أبناء اليهود ومن سلك مسلكهم، وإلا فهل يعقل من أولاد عليّ رضي الله عنه بأنهم يزوّجون بناتهم من أبناء مروان وأحفاده إن كان مروان كما قيل عنه وكما يقال؟.

وأما اتهام السبئيين ومن خلفهم بأن عثمان كان يؤثر أهله بالأموال

(1) - نسب قريش تحت أولاد الحسن المثنى: ص52، جمهرة أنساب العرب: ص108

(2)

- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب بجمال الدين بن عنبة الشيعي: ص70 تحت أولاد زيد بن الحسن، طبقات ابن سعد: ج5 ص34

ص: 122

الكثيرة من بيت المال فلا يثبت في ذلك شيء لأن عثمان ردّ على السبئيين يوم ذاك كما نقلنا مقدمًا أنه قال:

"وأما إعطاءهم فإني أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الثمينة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي"(1) ".

وقد أقر المخالفون لعثمان حينما قال لهم:

"وإني قد ولّيت وإني أكثر العرب شاة وبعيرًا ومالاً، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير البعيرين لحجي، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم"(2) ".

ثم كل ما ورد بعد هذا ليس إلا من اختلاق السبئية الذين تعودوا على تكرار الكذب والإصرار عليه ليورثوا الضغائن والأحقاد ضد رحماء رسول الله وأصهاره وضد رفاق رسول الله وتلامذته وأحبائه.

والجدير بالذكر أن رواة هذه الأشياء هم نفس الرواة الذين ينقلون الأكاذيب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفخمونها ويكبرونها، بل ويختلقونها ويخترعونها من الواقدي الرافضي، ولوط بن يحيى أبي مخنف الشيعي، لا عن واحد من الثقات ومن رواة السنة، ولقد قدمنا الكلام في هؤلاء في بداية البحث، فلا التفات إلى رواياتهم الكاذبة الموضوعة ولا اعتبار بها.

فلم يأت عثمان بمنكر. لا في أول الأمر ولا في آخره، ولا جاء الصحابة بمنكر، وكل ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه.

ومثل ذلك قال أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري عن الحسن بن علي أنه قال:

(1) - الطبري: ج5 ص103

(2)

- أيضًا، ومثل ذلك في البداية والنهاية لابن كثير: ص169.

ص: 123

"عمل أمير المؤمنين عثمان ثنتي عشرة سنة لا ينكرون من إمارته شيئًا حتى جاء فسقة فداهن والله في أمره أهل المدينة"(1) ".

وبذلك شهد محمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر أنه لم يكن هناك شيء، بل كان ما كان هو مؤامرة دبّرها عبد الله بن سبأ بمؤامرة خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم " (2) ".

وجمعوا حولهم قومًا لأحقاد اعتقدوها ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه، وحسد حساد أظهر داؤها، وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة " (3) ".

"والجدير بالذكر أن سودان بن حمران وخالد بن ملجم كانا من الذين نظر إليهم عمر بن الخطاب في إمرته فأعرض عنهم ثم أعرض ثم عرض حتى قيل: مالك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مرّ بي قوم من العرب أكره إلي منهم"(4) ".

وأما ضربه ابن مسعود وعمارًا ونفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يثبت شيء منه، كلها أباطيل وأكاذيب، اللهم إلا أنه اختلف مع ابن مسعود على حمله الناس على مصحف واحد حيث إن ابن مسعود كان يعارضه، والأمة قاطبة وعلى رأسهم أصحاب رسول الله كانوا مع عثمان، ولا زال مصحفه هو متداولاً بين الناس. فلم ينقل عن الثقات أنه ضرب ابن مسعود حتى مات، ولم يذكره السبئيون فيما ذكروا من تهمهم على عثمان.

وأما قضية عمار فقد كان كل ما فيه كما ذكره المؤرخون أنه كان بينه

(1) - التاريخ الصغير للإمام البخاري: ص32 تحت ذكر من مات في خلافة عثمان.

(2)

- تاريخ الطبري: ج5 ص99، تاريخ ابن خلدون تحت ذكر بدء الانتفاض على عثمان ص138

(3)

- العواصم من القواصم لابن العربي: ص111

(4)

- انظر لذلك الطبري: ج4 ص86.

ص: 124

وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب خلاف فأدبهما عثمان بالضرب ولم يكن بينهم شيء، ولأجل ذلك أرسل أمير المؤمنين عثمان عمارًا فيمن أرسل لاستخبار أحوال المسلمين واكتشاف أمورهم كما مرّ ذلك مقدمًا" (1) ".

نعم استغل السبئيون وجوده في مصر والتفوا حوله وأثاروا حفيظته ليستميلوه إليهم، فلما وصل المدينة عاتبه عثمان على ممالأته السبئيين وقال له:

"يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب قذفك

وغضبت على أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة، اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي" (2) ".

وأما أمر أبي ذر فنذكر لبيان الحقيقة عبارة من تاريخ ابن خلدون حيث يذكر مطعن السبئيين على سيدنا عثمان لقلب حكم المسلمين ويذكر حقيقة هذا الطعن بقوله:

وكان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة وكان الذي دعا إلى ذلك شدّة الورع من أبي ذر وجعل الناس على شدائد الأمور والزهد في الدنيا وأنه لا ينبغي لأحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ويأخذ بالظاهر في ذم الادخار بكنز الذهب والفضة وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله المال مال الله ويوهم أنّ في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر معاوية فاستعتب له وقال سأقول مال المسلمين، وأتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت بمثل ذلك فدفعوه وجاء به عبادة إلى معاوية وقال هذا الذي بعث عليك أبا ذر ولما كثر ذلك على معاوية شكاه إلى عثمان

(1) - انظر تاريخ الطبري: ج5 ص.

(2)

- تاريخ دمشق لابن عساكر: ج7 ص429

ص: 125

فاستقدمه وقال له ما لأهل الشام يشكون منك؟ فأخبره، فقال يا أبا ذر لا يمكن حمل الناس على الزهد وإنما عليّ أن أقضي بينهم بحكم الله وأرغبهم في الاقتصاد، فقال أبو ذر لا نرضى من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والإخوان ويصلوا القرابة، فقال له كعب الأحبار من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه، وقال يا ابن اليهودية ما أنت وهذا! فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه، ثم استأذن أبو ذر عثمان في الخروج من المدينة وقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني

بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا، فأذن له ونزل بالربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقًا وكان يتعاهد المدينة فعدّ أولئك الرهط خروج أبي ذر فيما ينقمونه على عثمان" (1) ".

وقد ثبت بذلك أشياء منها:

أولاً: أن أبا ذر رضي الله عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد الله بن سبأ، وهو الذي كان يحرضه.

ثانيًا: كان رضي الله عنه يقول بأقوال ويدعوا الناس إلى آراء لم يأخذ بها أحد من الصحابة ولم يعمل بها أحد من حكام المسلمين وحتى عليّ لم يعمل بها في إمرته.

ثالثًا: كان معاملة عثمان معه معاملة الرفق والرفيق.

رابعًا: شدة أبي ذر بآرائه وأفكاره، وضربه كعب الأحبار وجرحه إياه.

خامسًا: شفاعة عثمان إلى كعب الأحبار لعدم الاقتصاص منه وطلبه العفو والسمح.

(1) - ابن خلدون: ج2 ص139

ص: 126

سادسًا: استيذان أبي ذر عثمان في الخروج من المدينة امتثالاً بقول رسول الله.

سابعًا: نزوله الربذة برضاه، لا نفيًا ولا طردًا من عثمان.

ثامنًا: لم يكن الربذة خلاء ولا صحراء كما يصورها الأعداء، بل كان فيها عمران حتى بني بها مسجدًا.

تاسعًا: إقطاع عثمان إياه صرمة من الإبل وإعطاؤه إياه مملوكين للخدمة، وإجراء الأرزاق عليه.

عاشرًا: لم يكن منفيًّا ومطرودًا حيث كان يتعاهد المدينة.

فتلك عشرة كاملة

والجدير بالذكر أن الربذة لم تكن بعيدة من المدينة لأن بنيهما ثلاثة أميال فقط، وقال ياقوت: وكانت في أحسن منزل في طريق المدينة" (1) ".

وعلى ذلك قال أبو بكر ابن العربي:

"وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل"(2) ".

ونقل الذهبي عن الحسن البصري أنه قال:

"معاذ الله أن يكون أخرجه عثمان"(3) ".

ومثل هذا روي عن زوجة أبي ذر أنها قالت:

"والله ما سير عثمان أبا ذر إلى ربذة"(4) ".

وأما عدم أخذه القصاص من عبيد الله بن عمر على قتله هرمزان فالغريب أن الشيعة يقولون بهذا القول، الذي يدعون موالاة علي رضي الله عنه

(1) - هوامش المنتقى: ص380

(2)

- انظر العواصم من القواصم: ص73

(3)

- المنتقى: ص396. ط. مصر

(4)

- نفس المصدر والصفحة.

ص: 127

ومشايعته، وأنّى لهم تلك وهم أنفسهم يذمون كل من طالب عليها قصاص عثمان ممن قتله؟.

ثانيًا: ولقد ثبت أن الهرمزان كان واحدًا ممن دبروا اغتيال الفاروق الأعظم رضي الله عنه وقتله، وهاهو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يذكر غداة طعن عمر:

مررت بأبي لؤلؤة عشي أمس، ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيّ، فلما رهقتهم ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظروا بأي شيء قتل وقد تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل بني تميم، فرجع إليهم التميمي وقد كان ألظّ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن" (1) ".

ثالثًا: إن القمازبان بن الهرمزان عفى عنه وغفر له قتل أبيه، وهاهو النص كما رواه أبو المنصور أنه قال:

سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟. فقال: ابس به، فرآه رجل. فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله، فلما ولّى عثمان دعاني فأمكنني منه، ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به وما في الأرض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم: إلى قتله؟ قالوا: نعم، وسبوا عبيد الله، فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا وسبّوه، فتركته لله ولهم، فاحتملوني. فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم " (2) ".

(1) - الطبري: ج5 ص42.

(2)

- الطبري: ج5 ص43 - 44

ص: 128