المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ هل الدين إلا الحب - الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتشيع الأول والشيعة الأولى

- ‌الباب الثانيالتشيع والسبأية

- ‌عبد الله بن سبا والسبئية

- ‌الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌الباب الثالثالشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنهوالسبأية وفتنهم أيامه

- ‌ الواقدي

- ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

- ‌ سعيد بن العاص

- ‌ عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق

- ‌مروان بن الحكم

- ‌ قضية الأذان الثاني في الجمعة

- ‌الباب الرابعتطوّر التشيع الأول والشيعة الأولىودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

- ‌ الشيعة الأولى

- ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

- ‌ الكيسانية

- ‌الشيعة أيام الحسين

- ‌ الفرس

- ‌الكيسانية

- ‌ الغرابية

- ‌الجارودية

- ‌الشيعة أيام جعفر بن الباقر

- ‌الشيعة بعد وفاة جعفر

- ‌ الفطحية:

- ‌الإسماعيلية

- ‌القرامطة

- ‌الدروز

- ‌فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

- ‌الشيعة أيام علي بن موسى

- ‌الشيعة أيام محمد بن علي

- ‌الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري

- ‌الباب السادسالشيعة الاثنا عشرية

- ‌لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

- ‌للإِمام علامات

- ‌الأخبارية والأصولية

- ‌أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

- ‌الباب السابعالشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

- ‌ هل الدين إلا الحب

- ‌من يكون المهدي

- ‌منزلته وشأنه

- ‌ماذا يعمل بعد رجعته

- ‌رجعة الأئمة مع رجعة القائم

- ‌ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً

- ‌دابّة الأرض

- ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

- ‌كتب المستشرقين

الفصل: ‌ هل الدين إلا الحب

وتأليه الخلق وإتصافهم بصفات الله، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي.

فهذه هي الأفكار السبئية التي اقتبسناها من عبارات الشيعة وأئمتهم حول عبد الله بن سبأ، والعقائد التي دعوا إليها وروجوها بين المسلمين، والعبارات والنصوص التي سردناها في الباب الثاني، حيث ذكرنا عبد الله بن سبأ والسبئية بالتفصيل.

وهذه هي خلاصة أقوالهم التي قالوها والأعمال التي قاموا بها.

والآن لنضع النقاط على الحروف ونقول:

أما الأول: أي تكوين اليهود جمعيات تحت قيادة عبد الله بن سبأ للدس والفتنة، فلا نحتاج لإثباتها إلى أي شيئ، بعدما أثبتناها من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد، غير السنة، وتصريحاتهم، وبعد ما أطنبنا القول فيه فيما مرّ.

والثاني: أي إظهار الحب والولاء والموالاة لعلي وأولاده، فهذا هو الذي جعله الشيعة شعاراً لهم وما أكثر ما قالوه في هذا وتقوّلوا به على عليّ وأولاده - كذباً وزوراً - حتى جعلوا الدين كله موالاة لعلي وأولاده، دون الإيمان بالقرآن والسنة، بل ودون الإيمان بالله ورسوله والإمتثال بأوامرهما، والتجنب عن النواهي، وبدون العمل الصالح والسعي إلى المكارم والفضائل والحسنات.

فلقد قالوا فيما قالوا، وما أكثره وما أشنعه، عن أبي جعفر أنه قال:

"‌

‌ هل الدين إلا الحب

" (1).

فالحب هو الدين، لا الصلاة ولا الزكاة ولا الحج ولا الصوم، ولا غير ذلك من العبادات التي أمر الله بإتيانها وأدائها، ولا الأمر بالمعروف

(1) كتاب الروضة من الكافي الكليني، باب وصية النبي لأمير المؤمنين ج8 ص 80 ط. طهران.

ص: 333

والنهي عن المنكر، ولا التجنب للبغي والفحشاء، ولا التقيد بالقيود في المعاملات، ولا المراعاة التي أمُر بها الإنسان للتعايش مع ذويه وعشيرته وجيرانه ومجتمعه، ولا الحقوق ولا الفرائض، ولا الواجبات ولا المحرمات، فإن الدين هو الحب وحده.

وهوالإيمان أيضاً كما نقلوه عن أبي جعفر محمد الباقر، الإمام الرابع المزعوم:

" حبنا إيمان، وبغضنا كفر "(1).

لا الإيمان بالله ولا بالرسل ولا بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين، ولا بالكتاب المنزل عليه، ولا بالتعاليم التي منحها لأصحابه وتلاميذه، لأنه ما أرسل الرسل، وما نزلت الكتب، ولم يأت الأنبياء إلا للدعوة إلى عليّ وأولاده، وحبهم والموالاة لهم.

ولقد ذكر المفسر الشيعي الكبير البحراني، في مقدمة تفسيره الكبير عن واحد من أصحاب عليّ، حبة العوفي، أنه قال:

" قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله عز وجل عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض، أقرّ بها من أقرّ بها، وأنكرها من أنكرها، أنكرها يونس، فحبسه في بطن الحوت حتى أقرّ بها "(2).

وذكر عن (البصائر) عن محمد بن مسلم، أنه قال:

" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية عليّ، وأخذ عهد النبيين على ولاية عليّ "(3).

وليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك، كما قال:

" وفي كنز الفوائد نقلاً من خط الشيخ الطوسي من كتاب مسائل

(1) الأصول من الكافي ج1 ص188.

(2)

بصائر الدرجات ج2 ص 10ط. إيران نقلاً عن تفسير البرهان، مقدمة ص 25.

(3)

أيضاً ص 26.

ص: 334

البلدان، عن جابر الجعفي عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، قال: دخل سلمان على علي ّ، فسأله عن نفسه؟ فقال: يا سليمان، أنا الذي دعيت الأمم كلها إلى طاعتي، فكفرت فعذبت في النار، وأنا خازنها عليهم، حقاً أقول يا سلمان إنه لا يعرفني أحد حق معرفتي إلا كان معي، أخذ الله على الناس الميثاق لي فصدق من صدق، وكذب من كذب. قال سلمان: لقد وجدتك يا أمير المؤمنين في التوراة كذلك، وفي الإنجيل كذلك، بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفة! أنت حجة الله الذي تاب به على آدم، وبك أنجى يوسف من الجب، وأنت قصة أيوب، وسبب تغير نعمة الله عليه. فقال أمير المؤمنين: أتدري ما قصة أيوب؟. قال: الله أعلم وأنت يا أمير المؤمنين. قال: لما كان عند الانبعاث للمنطق، شك أيوب في ملكي، فقال: هذا خطب جليل، وأمر جسيم. فقال الله: يا أيوب، أتشك في صورة أقمته أنا؟ إني ابتليت آدم بالبلاء، فوهبته له، وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، فأنت تقول خطب جليل وأمر جسيم، فوا عزتي وجلالي لأذيقنك من عذابي أو تتوب إليّ بالطاعة لأمير المؤمنين. ثم أدركته السعادة بي. يعني أنه تاب وأذعن بالطاعة لعلي عليه السلام " (1).

وغير هذا أيضاً:

" ففي سرائر إبن إدريس من جامع البزنطي، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ما من نبي، ولا من آدمي ولا من إنسي ولا جني ولا ملك في السماوات والأرض إلا ونحن الحجج عليهم، وما خلق الله خلقاً إلا وقد عرض ولا يتنا عليه، واحتج بنا عليه، فمؤمن بنا وكافر جاحد، حتى

(1) تفسير البرهان للبحراني، مقدمة ص27.

ص: 335

السموات والأرض " (1).

وتتمة هذا الخبر في مناقب إبن شهر آشوب، عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عرض الله أمانتي على السموات السبع بالثواب والعقاب، فقلن ربنا لا تحملنا بالثواب والعقاب، لكننا نحملها بلا ثواب ولا عقاب. وإن الله عرض ولايتي وأمانتي على الطيور، فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابر، وأول من جحدها البوم والعنقاء، فلعنهما الله من بين الطيور، فأما البوم فلا تقدر أن تطير بالنهار لبغض الطير له، وأما العنقاء فغابت في البحار لا ُترى. وإن الله عرض أمانتي على الأرض، فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيّبة زكيّة، وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً، وجعل ماءها زلالاً. وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولا يتي، جعلها سبخاً وجعل نباتها مرّاً وعلقماً، وجعل ثمرها العوسج والحنطل، وجعل ماءها ملحاً أجاجاً " (2).

وأما بخاريهم الكليني، فروى في صحيحه عن أبي عبد الله جعفر - الإمام السادس عندهم - أنه قال:

" ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها "(3).

وعن أبيه أبي جعفر - محمد الباقر - أنه قال:

" والله إن في السماء لسبعين صفاً من الملائكة، لو اجتمع أهل الأرض كلهم يحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم، وإنهم ليدينون بولايتنا "(4).

وعنه أيضاً أنه قال:

(1) أيضاً ص 26.

(2)

أيضاً.

(3)

كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437.

(4)

أيضاً ص 437.

ص: 336

" إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا، وهم ذرّ "(1).

وأخيراً، روى الكليني عن إمامه المعصوم، عن أبي الحسن أنه قال:

" ولاية علي عليه السلام مكتوبة في صحف جميع الأنبياء "(2).

وكما روى أيضاً عن سالم الحناط، قال:

" قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين، قال: هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام "(3).

وكذلك سُئل أبو جعفر عن قول الله عز وجل: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، قال: الولاية " (4).

وابنه جعفر قال:

" ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى "(5).

وروى الكليني عن الصومالي:

" عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله إلى نبيّه صلى الله عليه وآله: فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك على صراط مستقيم، قال: إنك على ولاية عليّ، وعليّ هو الصراط المستقيم "(6).

وإن لم يأت العبد بولاية عليّ، لم يسأله عن شيء، وأمر به إلى النار.

(1) أيضاً ص438.

(2)

كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437.

(3)

أيضاً، باب فيه نكت من التنزيل في الولاية ج1 ص312.

(4)

أيضاً ص 413.

(5)

أيضاً ص418.

(6)

أيضاً ص 417.

ص: 337

وعلى ذلك قال البحراني، مفسر الشيعة:

" إن الله لم يبعث نبياً قط إلا بعد ما أقرّ بالولاية لأهل البيت، وإن بعثة الأنبياء كانت لذلك أيضاً "(1).

وإن هذه الموالاة هي سبب دخول الجنة والنجاة من النار، لا الأعمال ولا الحسنات. فمن والى علياً وأولاده فهم من أهل الجنة، وغيره يدخل النار ولو صام وصلى. كما نقلوا عن جعفر أنه قال:

" سواء على من خالف لنا أهل البيت لا يبالى صلى أو صام، أو زني أو سرق. إنه في النار، إنه في النار "(2).

وكذبوا على رسول الله أنه قال لعليّ رضي الله عنه:

" من أحبك كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة، ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً "(3).

وكذلك روى صدوقهم - وهو كذوبهم:

" قال رسول الله (ص): يا علي إن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك، فأبشر"(4).

وذكر العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله جعفر أنه قال:

" المؤمنون بعليّ هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم مسيئة "(5).

حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة (6) وبغضه معصية لا تنفع

(1) أنظر البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، مقدمة ص 339 ط. إيران.

(2)

أيضاً، الفصل الثاني في بيان فرض ولاية أهل البيت ص 21.

(3)

عيون أخبار الرضا ج2 ص 85. ط. طهران.

(4)

أيضاً ج 2 ص47.

(5)

تفسير العياشي ج 1 ص 139.

(6)

ويجب الانتباه أنه لم يرو هذه الروايات إلا الوضّاعون الدجالون من الشيعة الذين ينقلون عن دجاجلة كذابين مثلهم. وقد وردت هذه الروايات بطرق الشيعة الكذابين أيضاً في بعض كتب السنة الذين لم يلتزموا بإيراد الروايات الصحيحة، ولم يلزموا أنفسهم تنقيد الرواة وتنقيح أحوالهم، فلا يعتمد على تلك المرويات، لأنها منقولة ومروية من الشيعة لترويج باطلهم ونشر أباطيلهم. ولله الحمد والمنة أن عند السنة معياراً قوياً ومحكاً صالحاً لتنقية هذه الروايات وتنقيحها، لتمييز الحق من الباطل. كما عندهم أصول وضوابط وقواعد لنقد الرجال جرحاً وتعديلا. فلا تقبل الروايات والرواة عندهم إلا الصادقة عن الصدوق، ولا يلتفت إلى الضعفاء والوضع والوضاع، وإلي الأكاذيب والكذبة.

ص: 338

معها حسنة (1).

وأخيراً، ما كذبوه على رسول الله أنه قال:

" سمعت الله عز وجل يقول:

علي بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي، لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من أنكره وإن أطاعني " (2).

فالقضية واضحة بأن طاعة الله ليست بطاعة، ومعصية الله ليست بمعصية ما دام الحب والولاء لعلي وأولاده موجود. وهذا ما كان يقصده اليهودية البغضاء لإبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن الشريعة السماوية التي لا تفرق بين شخص وشخص، ولا تجعل مدار العز والشرف إلا على العمل والتقوى، كما قال جل من قائل:

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (3).

وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)} (4).

وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ

(1) منهج الصادقين ج 8 ص110.

(2)

البرهان، مقدمة ص 13.

(3)

سورة الحجرات الآية 13.

(4)

سورة الشعراء آية 90.

ص: 339

لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).

وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (2).

وقال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3).

وقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)} (4).

وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} (5).

نعم الشريعة التي لم تفرق بين شخص وشخص لحسبه ونسبه، فلم تفرق بين أبي لهب بأنه يدخل الجنة لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تقتصر على البيان بأنه من أهل النار، بل قرن ذكره باللعن في الكتاب الذي يبقى أبد الدهر. حيث قال:

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (6).

ولم تفرق تلك الشريعة السمحاء بين بلال وغيره لأنه حبشي وغير

(1) سورة المؤمنون الآية 1 إلى الآية 11.

(2)

سورة الزلزلة الآية 8،7.

(3)

سورة الأنعام الآية 164.

(4)

سورة الليل الآية 9.

(5)

سورة المدثر الآية 38 إلى الآية 48.

(6)

سورة تبت (المسد).

ص: 340

عربي وقرشي ومكي، جاء إلى مكة وهو مملوك لغيره، بل بُشّر بالجنة بلسان الناطق بالوحي، لأن أعماله أهلته لذلك.

وهم الذين كانوا يرون الإيمان بالله وبالرسول وبالكتاب الذي نزل عليه، والأعمال الصالحة حسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم سبباً لدخول الجنة. كانوا يقومون ليلاً، ويصومون نهارا، ويرفعون رايات الجهاد، وينزل عليهم النصر من فوق السماء، ويؤيدهم ملائكة الرب وجنود الرحمان. وهم الذين كانوا يرون الجنة تحت ظلال السيوف لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ولإظهار دين الله كله. وهم الذين كانوا يقهرون سلاطين الأمم وملوكها وجبابرة الأرض وطغاتها، وهم الذين اندحرت أمامهم فلول اليهودية وجيوش النصرانية وعساكر المجوسية، وهم الذين أريد بهم وبأخلافهم أن يبعدوا عن هذه الشريعة الحية المحيية للأموات، والباعثة فيهم الأرواح.

أرادوا إماتة هذه الأمة المقدامة، لردهم عن دينهم، وإبعادهم عن تعاليم الإسلام الحقيقية، عن الإيمان والعمل والجد والجهاد.

فقالوا:

لا يحتاج لدخول الجنة، وإرضاء الرب إلى كل هذه المشقة والعناء، بل يكفي لها حب أشخاص والولاية لهم.

ففازوا في مقاصدهم الخبيثة بعض الفوز، وانطلت مكايدهم على بعض السذج الغفلة من الناس، والمغرورين والمخدوعين بأسماء أشخاص لم يكونوا إلا عباداً لله المتقين، العاملين المؤمنين.

فبدل أن يكون أمام أعينهم أن أول ما يُسأل العبد عنه الصلاة، كي لا يصلوا ويجتهدوا في التقرب إلى الله بالركوع والسجود والقيام إليه، قالوا:

قال أبو الحسن عليه السلام الإمام الثامن عندهم - " أول ما يُسأل عنه العبد، حبنا أهل البيت "(1).

(1) عيون أخبار الرضا ج2 ص 65، أيضاً البرهان، مقدمة ص 22.

ص: 341

وعلى ذلك جعلت الولاية أهم من الصلاة والزكاة، ومن كل شيء ذكرناه آنفا، وكما ورد في الكافي للكليني، عن أبي جعفر أنه قال:

" بُني الإسلام على خمس، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية "(1).

بل وهي المقصود، كما كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" أتاني جبريل عليه السلام وقال: يا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول: فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع، وفرضت الزكاة ووضعتها عن من لا يملك النصاب، وجعلت حب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليس فيه رخصة "(2).

ولذلك جعلوها مدار الكفر والإيمان، كما هو ظاهر من هذه الروايات، وكما بيّناه آنفا.

وأما من قال من الشيعة المعاصرين (3)، بأن الاعتقاد بالولاية ليس بالضروري، وأنه بعدم الاعتقاد بها لا يخرج عن كونه مسلماً، ليس إلا خداعاً وتزويراً. ولا يتفوّه بمثل هذه الكلمات إلا في كتب الدعاية، ولإيقاع السذج من المسلمين في شراكهم وحبائلهم. وإلا فهم لا يعتقدون بمثل هذه الاعتقادات كما ذكر وصرح به أئمة الشيعة.

ولقد ذكر السيد البحراني عن عديد من أئمة الشيعة، بأن هذه العقيدة اليهودية التي أوجدها وأنشأها عبد الله بن سبأ اليهودي لتعطيل الشريعة، وإبعاد المسلمين عنها، هي مدار الإيمان، وهي مدار النجاة، والمنكر

(1) الكافي في الأصول، باب دعائم الإسلام ج2 ص 18.

(2)

البرهان، مقدمة ص 22.

(3)

ألا وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وفروعها) ص 103، 104 الطبعة التا سعة بيروت 1960م، وكذلك السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) ج1 ص69.

ص: 342

بها لا يُعد مؤمناً.

ونذكر ههنا، عن إمامهم وشيخهم المفيد، أنه ذكر في كتاب المسائل:

" اتفقت الإمامية على أن من ينكر إمامة إمام، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض طاعته، فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار

وقال: لا يجوز لأحد من أهل الإيمان، أن يغسّل مخالفاً للحق في الولاء، ولا يصلي عليه " (1).

ونقل مثل ذلك عن بابويه القمي شيخ الطائفة الطوسي، والملا باقر المجلسي، والسيد شريف المرتضى، وغيرهم من الكثيرين مثله.

وأما البغض والحسد لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم والعيب عليهم وشتمهم، فصار من لوازم مذهب الشيعة، وقلما يوجد كتاب من كتبهم إلا وهو مليء بالطعن والتعريض بهم. بل ولقد خصص أبواب مستقلة لتكفير وتفسيق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يذكرهم أحد من القوم إلا ويسبق ذكرهم بالشتيمة ويلحق بالسباب.

ولقد مثلنا لهذا في كتابنا (الشيعة والسنة) في الباب الأول منه. كما فصلنا القول في هذا الخصوص في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) في الباب الثاني منه، ولا نريد أن نعيد ما ذكرناه هناك تجنباً للإطالة. فليرجع القارئ في معرفة ذلك إلى هذين الكتابين.

ونقتصر على ما كتبه إمام شيعة اليوم السيد الخميني في كتابه (كشف الأسرار).

وهو مع كونه رجلاً سياسياً - والسياسة تتطلب بعض الملاينة والمهادنة والمراعاة للآخرين - يذكر بكل صراحة ووضوح:

أن أبا بكر وعمر وعثمان، لم يكونوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وأكثر من ذلك أنهم غيروا أحكام الله، وحللوا حرام الله، وظلموا أولاد الرسول، وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين (2).

(1) البرهان، مقدمة ص 20.

(2)

ملخص ما قاله السيد الخميني في كتابه (كشف الأسرار) ص 110 وما بعد ط فارسي.

ص: 343

وبعد ذلك يذكر عقيدته، عقيدة الشيعة في الإمامة، فيقول تحت عنوان: لماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن صريحاً:

" ولقد ظهر مما ذكر، أن الإمامة أصل من الأصول المسلمة الإسلامية بحكم العقل والقرآن. وأن الله قد ذكر هذا الأصل المسلم في عديد من مواضع القرآن. فيمكن أن يسأل سائل: مادام هذا، فلماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن، لكي لا تقع خلافات وحروب حوله كما وقعت؟

فالجواب على ذلك بوجوه، وقبل حل هذا الإشكال، نريد أن نقول جهراً: إن كل الخلافات التي حلت بين المسلمين في جميع أمورهم وشئونهم، لم تقع بينهم إلا من أثر السقيفة. ولو لم يكن ذلك اليوم، لم يكن بين المسلمين خلاف في القوانين السماوية. فنقول: لو ذكر إسم الإمام في القرآن فرضاً، لم يكن يرفع النزاع بين المسلمين، لأن الذين لم يدخلوا الإسلام إلا طمعاً في الرئاسة، وتجمعوا وتحزبوا لنيلها، لم يكونوا مقتنعين بنصوص القرآن وآياته. ولم يكونوا منتهين عن أطماعهم وأغراضهم. بل كان من الممكن أن يزدادوا في مكرهم، ويصلوا إلى هدم أساس الإسلام. لأن الطامعين في الرئاسة والطالبين لها لو رأوا مقصودهم لا يحصل بإسم الإسلام، لشكلوا آنذاك حزباً معارضاً للإسلام ومخالفه. وآنذاك لم يكن لعلي بن أبي طالب أن يسكت، فكان من نتيجة ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الذي يقلع جذرة الإسلام، ويقطع دابره. وعلى ذلك كان ذكر إسم علي بن أبي طالب في القرآن خلاف مصلحة أصل الإمامة.

وأيضاً لو كان إسم الإمام مذكوراً في القرآن، لم يكن مستبعداً من الذين لم تكن علاقتهم بالإسلام والقرآن غير الدنيا والرئاسة، الذين جعلوا القرآن وسيلة لإجراء نياتهم الفاسدة، لم يكن مستبعداً منهم أن يحذفوا تلك الآيات من القرآن، ويحرفّوا كتاب الله، ويبعدوه عن أنظار الناس

ص: 344

إلى الأبد.

وأيضاً لو لم يحدث من هذا شيء على الفرض والتقدير، لم يكن من غير المتوقع من ذلك الحزب الطامع الحريص على الرئاسة، أن يختلقوا حديثاً كاذباً على رسول الله أنه قال قبيل وفاته إن الله خلع عليّ بن أبي طالب من منصب الإمامة، وجعل الأمر شورى بينكم.

ولا ينبغي لأحد أن يقول: لو ورد ذكر ذلك الإمام في القرآن، لما استطاع الشيخان أن يخالفاه، ولو خالفاه فرضاً، لم يقبله المسلمون، وقاموا ضدهما. فنحن نقول: إنه لا ينبغي القول بهذا، لأننا نعرف أنهما خالفا صريح القرآن جهراً وعلناً والناس لم يردوا عليهما، بل قبلوا مخالفتهما للقرآن " (1).

ثم مثل بأمثلة كثيرة حسب زعمه لإثبات مخالفة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما القرآن بعنوان (مخالفة أبي بكر النصوص القرآنية) و (مخالفة عمر قرآن الرب) " (2).

وأخيراً قال بعد ذكر هذه المخالفات المزعومة:

" ويعلم بهذا كله، مخالفة أبي بكر وعمر القرآن في حضور المسلمين ولم يكن هذا الأمر ذا بال عندهم، بل كانوا هم معهما، وفي حزبهما مناصرين مساعدين لهما في نيل المقصود. ويعرف بهذا كله، أنه لو ورد ذكر الإمام في

(1) كشف الأسرار للسيد الخميني (*) ص 114،113،112 ط. فارسي.

(2)

أنظر ص 114 و 117 - كشف الأسرار.

(*) والمفروض أن يُسمى هذا الكتاب كشف أسرار الخميني، لا كشف الأسرار للسيد الخميني، لأنه فعلاً يكشف الأسرار عن هذا الرجل زعيم الشيعة ومصلح الأمة كما يزعمه بعض المغفلين والسذج من أهل السنة في مختلف بقاع الأرض من العالم الإسلامي وغير الإسلامي. وأتمنى أن يقوم بترجمة هذا الكتاب أحد من العارفين، وتكون له معرفة باللغة الفارسية، فينقله إلى اللغات العالمية الأخرى، حتى تكون أسرار السيد الخميني مكشوفة عندهم.

والجدير بالذكر، أن هذا الكتاب لا زال يُطبع في إيران ويُوزع من قبل الحكومة الإيرانية في الداخل والخارج، بدون أي تغيير أو تبديل فيه. وواعجبا للموجدين الأعذار، الذين يختلقونها من عند أنفسهم، والكاتب المؤلف حي لا ينطق ببنت شفة في هذا الموضوع. وكيف ينطق وهذه هي العقائد التي يبتني عليها مذهبه ومسلكه، وهذه هي الأسس التي يقوم عليها دينه وموقفه. وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

ص: 345

القرآن، لم يكونوا تاركين للرئاسة لقول الله عز وجل، ولا معطين له أي اهتمام. وكما أن أبا بكر الذي كان خداعه ظاهراً وزائداً، استطاع أن يحرم ابنة رسول الله من إرثها الثابت بالقرآن والعقل، باختلاق

حديث مكذوب، لم يكن مستبعداً من عمر أن يقول بأن الله أو جبريل أو الرسول أخطئوا في ذكر إسم الإمام في القرآن وآياته، ولذلك لا يُنظر إليه، ولا يُعمل به، وآنذاك قام حزب السنة وتابعوه على قوله، وتركوا القرآن مهجورا. كما أنهم تابعوه في جميع التغييرات التي أتى بها في دين الإسلام، ورجحّوا قوله على القرآن وآياته، وقدموه على أحاديث رسول الإسلام وأقواله " (1)

وهناك كثير وكثير من هذا القبيل.

هذه هي عقيدة القوم في أبي بكر وعمر وعثمان، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ورضوا عنه. قد ذكرناها من رجل سياسي بارز، يُعد نائب الإمام الغائب عند الشيعة، ومصلح الأمة عند بعض السنة، طبق ما توارثه من السبئية وعبد الله بن سبأ، وعليها يُقاس عقيدة الآخرين من القوم الذين لم يُمارسوا السياسة، ولم يستلموا الزعامة الدينية، ولم يتسلطوا على البلاد التي يسكنها كثير من السنيين الذين يحتاجون إلى المداهنة والمراعاة.

وأما الطعن في عثمان ذي النورين رضي الله عنه، واللعن عليه وعلى أعماله، فإنها أمور لا تحتاج إلى البيان، وخصوصاً بعد ما ذكرناه في الباب الأول والثاني من المثالب والمطاعن المنقولة من كتب القوم أنفسهم، بذكر الصفحات والمجلدات.

ومن أراد الاستزادة، فليرجع إليهما، وإلى كتابنا (الشيعة والسنة) و (الشيعة وأهل البيت).

والجدير بالذكر، أن كتب الشيعة الإثني عشرية، لا يخلو كتاب من

(1) كشف الأسرار ص 120،119.

ص: 346

كتبهم سواء كان في التفسير أو الحديث أو التاريخ أو السيرة أو الرجال أو الكلام أو العقائد أو غير ذلك، من نفس المطاعن التي كان يرددها السبئيون ضد عثمان رضي الله عنه وحكومته وعماله، لا فرق بين هؤلاء وأولئك، إلا الإضافات والزيادات التي اختارها شيعة اليوم، ولم تكن معروفة أيام السبئية.

وأما الوصاية والغَيْبة والرجعة التي نادى بها عبد الله بن سبأ وشلته، وكذلك العقائد الأخرى المنافية للإسلام، والأجنبية على المسلمين، والمرّوجة من قبل اليهودية والمجوسية، من اتصاف الخلق بأخلاق الخالق، وتأليه العباد، والحلول، والاتحاد، والتناسخ، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي على أحد، وإتيان الكتاب وغيرها من الأمور، هي عين تلك العقائد التي انتقلت إلى شيعة اليوم، وإلى الشيعة الإثني عشرية خاصة.

وعلى ذلك قال كبير الشيعة في الرجال، المامقاني في كتابه (تنقيح المقال):

" إن ما كان يُعد يومئذ غلواً، صار يُعد الآن من ضروريات المذهب "(1).

وصحيح ما قاله الماقماني، فإنه لم يكن يُعرف هذه الأمور في التشيع الأول لدى الشيعة الأولى، فإن القوم أخذوها من السبئية، وجعلوها عقائد لهم ومعتقدات، وملئوا بها كتبهم ورسائلهم، فقالوا: إن علياً رضي الله عنه كان وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلقوا لذلك روايات موضوعة كثيرة، منها ما رواه الكليني في كافيه عن جعفر أنه قال:

" كان حيث طلقت آمنة بنت وهب، وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله،

(1) تنقيح المقال للمامقاني نقلاً عن هامش المنتقي للذهبي ص 193.

ص: 347

حضرتها فاطمة بنت أسد، امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت أحداهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟. قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب. فبينما هما كذلك، إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما: مالكما، من أي شيء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود " (1).

وأيضاً ما اختلقوه، بأنه لما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين:

" دعاهم رسول الله (ص) فأكلوا ولم يبين لهم في الطعام إلا أثر أصابعهم، وكانوا نحواً من أربعين رجلاً، وشربوا شنة من قدح، كفاهم جميعاً وزاد عنهم. فلما فرغوا، قال لهم في آخر كلامه: إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فآيكم يؤازرني على أمري هذا، على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم؟ فسكتوا جميعاً، فقام عليّ (ع) وقال: أنا يا رسول الله أؤآزرك عليه، فأخذ رسول الله (ص) برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع "(2).

ثم قالوا بنفس ما قاله عبد الله بن سبأ، وبألفاظه كذباً على أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:

" وأيم الله، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم. وأيم الله، ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من جاء بعد آدم من الأنبياء قد

(1) الروضة من الكافي للكليني ج 8 تحت عنوان إخبار أبي طالب بولادة علي، وأنه وصي النبي ص302.

(2)

الأرشاد المفيد ص 11، أعلام الورى للطبرسي ص 162، الصافي ج 2ص 227، تفسير القمي جزء 2ص 124، نور الثقلين ج 4 ص67، منهج الصادقين ج 6 ص487، أعيان الشيعة الجزء الأول ص 209.

ص: 348

أتاه الأمر فيه ووضع له وصياً من بعده. وأيم الله، إن كان النبي ليؤمر فما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله أن أوصي إلى فلان " (1).

وعن جعفر أنه قال:

" أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى ولده هارون

فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى الله عليه وآله.

فلما بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وآله، أسلم له العقب من المستحفظين، وكذبه بنو إسرائيل، ودعا إلى الله عز وجل، وجاهد في سبيله. ثم أنزل الله عز وجل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك، فقال: رب، إن العرب قوم جفاة، لم يكن فيهم كتاب، ولم يُبعث إليهم نبي، ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهم السلام ولا شرفهم، ولا يُؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي. فقال الله جل ذكره: ولا تحزن عليهم، وقل سلام فسوف تعلمون. فذكر من فضل وصيه ذكراً، فوقع النفاق في قلوبهم، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ما يقولون، فقال الله جل ذكره: يا محمد، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكنك الظالمين بآيات الله يجحدون، ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم، ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيه، حتى نزلت هذه السورة، فاحتج عليهم حين علم بموته، ونعت إليه نفسه، فقال الله جل ذكره:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} يقول: إذا

(1) كتاب الحجة ج 1 ص 250 ط. إيران.

ص: 349

فرغت فانصب علمك، وأعلن وصيك، فأعلمهم فضله علانية، فقال صلى الله عليه وآله:

من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه - ثلاث مرات - ثم قال: لأبعثن رجلاً يحب الله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار يعرّض بمن رجع، ويجبّن أصحابه ويجبّنونه. وقال صلى الله عليه وآله: عليّ سيد المؤمنين. وقال: عليّ عمود الدين. وقال: هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي. وقال: الحق مع عليّ أينما مال " (1).

وعنه أيضاً أنه قال:

" إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً، لم ينزل على محمد صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرائيل عليه السلام: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه السلام، وميراثه لعلي عليه السلام وذريتك من صلبه. قال: وكان عليه خواتيم، قال: ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها. ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيها أن قاتل، فاقتل و ُتقتل، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك. قال: ففعل عليه السلام. فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل

ذلك، ففتح الخاتم الرابع، فوجد فيها أن أصمت وأطرق لما حجب العلم. فلما توفي ومضى، دفعها إلى محمد بن علي عليه السلام، ففتح الخاتم الخامس، فوجد فيها أن فسّر كتاب الله، وصدّق أباك وورّث ابنك، واصطنع الأمة، وقم بحق الله عز وجل،

(1) كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 293، 294.

ص: 350

وقل الحق في الخوف والأمن، ولا تخش إلا الله، ففعل. ثم دفعها إلى الذي يليه " (1).

وأخيراً ما رواه عن أبي جعفر قال:

" لما قضى محمد نبوته، واستكمل أيامه، أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك، كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء "(2).

هذا عين ما قاله عبد الله بن سبأ والسبئية: أن يوشع بن نون وصي موسى، وعلي وصي رسول الله. وإن إمامة علي لفرض من الله عز وجل (3).

الغيبة

وأما القول بالغيبة والرجعة، فلقد تلقفه الشيعة من السبئية منذ تطور الشيعة وانقراض الشيعة الأولى، فلقد قالوا في كل من زعموا إمامته من علي رضي الله عنه إلى الغائب الموهوم الذي لم يولد.

ولقد ذكرنا فيما مر من أقوالهم في واحد واحد من أئمتهم ونقتصر هاهنا على ما يقوله الشيعة الاثنا عشرية في غائبهم الموهوم، فيقولون: إنه ولد للحسن العسكري ولد، على اختلاف مقولاتهم في ذلك كما سبق ذكره في الباب السابق، ثم يقولون: أنه غاب عن الأعين، وله غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة

(1) أيضاً، باب إن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله ج1 ص280 ..

(2)

أيضاً، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين ج1 ص 293.

(3)

أنظر لذلك رجال الكشي ص 109 ط. كربلاء - العراق، فرق الشيعة للنوبختي ص 44،43 ط. النجف - العراق، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص 143ط. إيران وغيرها من الكتب.

ص: 351

الكبرى.

كما كذبوا على جعفر أنه قال:

" للقائم غيبتان، إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة. الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه "(1).

وعنه أيضاً أنه قال:

" لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال: هلك، في أي واد سلك؟ قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع، فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله "(2).

وعن أبيه مثله (3)

" أما غيبته الصغرى منهما، فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين، وأبوابه معروفين. لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي، فهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمر وعثمان بن سعيد السمان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

وكانت مدة هذه الغيبة، أربعاً وسبعين سنة. وكان أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه وجده من قبل، وثقة لهما. ثم تولى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده.

ولما مضى لسبيله، قام ابنه محمد مقامه رحمهما الله بنصه عليه. ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة.

وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت، بنص أبي جعفر محمد بن عثمان

(1) كتاب الحجة من الكافي ص 340، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 170 ط. مطبعة الصدوق طهران.

(2)

كتاب الحجة من الكافي ص 340.

(3)

كتاب الغيبة للنعماني ص 173.

ص: 352

عليه وأقامه مقام نفسه، ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة.

وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد العمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفي لنصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.

فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري، فحضرته قبل وفاته بأيام، فخرج وأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص لأحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال: فانتسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده. فلما كان اليوم السادس، عدنا وهو بنفسه، فقيل له: من وصيك؟. قال: لله أمر هو بالغه، فقضى.

فهذا آخر كلام سُمع منه.

ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى " (1).

وأما أين يستقر غائبهم، وماذا يعمل. فيقولون إنه مستقر في سرداب سامراء، كما يروي القطب الراوندي " أن العباسيين بعثوا عسكراً، فلما دخلوا الدار، سمعوا من السرداب قراءة القرآن، فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج، وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم، فخرج من السكة على باب السرداب ومر عليهم، فلما غاب، قال الأمير:

(1) أعلام الورى للطبرسي ص 445.

ص: 353

إنزلوا عليه، فقالوا: أليس هو قد مر عليك؟ فقال: ما رأيت، وقال: ولمَ تركتموه؟ قالوا: إنا حسبنا أنك تراه " (1).

أو بالمدينة (2).

أو في مكة (3).

أو برضوى - الجبل الذي يقولون فيه أنه غاب فيه محمد بن الحنفية، كما نقلنا عن السيد الحميري شاعر الشيعة أنه قال:

تغيب لا يرى فيهم زماناً

برضوى عنده عسل وماء (4).

ويقولون: في ذي طوى.

كما يذكر النوري الطبرسي:

أن للشيعة دعاءاً مشهوراً رووه عن الأئمة عليهم السلام، يُعرف بدعاء الندبة، أمروا بقرآءته في الأعياد الأربعة، وفيه ما يُخاطب به إمام زمانه الحجة عليه السلام:

ليت شعري استقرت بك النوى

بل أي أرض تقلك أو ثرى

أبرضوى أم بغيرها، أم بذي طوى (5).

أو في اليمن بواد يُقال له شمروخ (6).

أو الجزيرة الخضراء (7).

وأما الجزائري، فقد ذكر قصة طويلة غريبة عجيبة، أنه يذكر الجزر التي مسيرة مدتها سنة:

" لا يوجد في أهل تلك الخطط والضياع غير المؤمن الشيعي الموحد، القائل بالبراءة والولاية .. سلاطينهم أولاد إمامهم، يحكمون

(1) كتاب الخرائج للرواني نقلاً عن كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي ص 211ط. طهران، الفصول المهمة ص 293 ط منشورات الاعلمي طهران.

(2)

الكافي في الأصول، كتاب الحجة ج1 ص328، الفصول المهمة ص 292.

(3)

كشف الأستار ص 215.

(4)

فجر الإسلام لأحمد أمين ص 273.

(5)

كشف الأستار ص 215.

(6)

الأنوار النعمانية للجزائري ج 2 ص 65.

(7)

بحار الأنوار للمجلسي ج13 باب جزيرة الخضراء.

ص: 354

بالعدل وبه يأمرون، ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منها على اختلاف الأديان والمذاهب " (1).

وكذلك يقولون: إنه في جابلقاء، أو في جابلساء، وغيرها من الخرافات.

وأما ماذا يعمل، فيقولون:

" إنه يشهد الموسم (الحج) فيراهم، ولا يرونه "(2).

ويروون أن خادمة إبراهيم بن عبدة، قالت:

" كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا، فجاء عليه السلام حتى وقف على إبراهيم، وقبض على كتاب مناسكه، وحدثه بأشياء "(3).

ويكذب آخر - وهو أبو عبد الله الصالح - فيقول:

" إنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون إليه، وهو يقول: ما بهذا أمروا "(4).

ويقول الآخر:

" شاهدت سيماء (إسم رجل من أتباع السلطان) آنفا بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين، فقال له: ما تصنع في داري؟ فقال سيماء: إن جعفراً زعم أن أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار "(5).

ويحكي الآخر:

" كنت حاجاً مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف، فإذا بشاب قاعد عليه

(1) أنظر الأنوار النعمانية لمحدّث الشيعة الجزائري، باب نور في ولادة عليه السلام ج2 ص 58 وما بعد.

(2)

الأصول من الكافي، كتاب الحجة، باب في الغيبة ج 1 ص 338.

(3)

أيضاً، باب في تسمية من رآه ص 331.

(4)

أيضاً.

(5)

أيضاً.

ص: 355

إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً، وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فردناه، فدنا من الشاب، فسأله، فحمل شيئاً من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا. فدنونا من السائل، فقلنا له: ويحك، ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة، قدرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي: مولانا ونحن لا ندري. ثم ذهبنا في طلبه، فدرنا الموقف كله، فلم نقدر عليه، فسألنا كل من حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا: شاب علوي، يحج في كل سنة ماشياً " (1).

ثم يحكون وينسبونه إلى علي الرضا أنه قال:

" لا يُرى جسمه، ولا يُسمى اسمه "(2).

كما نقلوا عن الحسن العسكري أنه قال:

" إنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه، قيل: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا، الحجة من آل محمد "(3).

ويقول الأربلي:

" إنه حي موجود، يحل ويرتحل، ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك "(4).

ثم حكى قصة، أن شمس الدين الهرقلي قال:

" حكى لي والدي أنه خرج فيه - وهو شاب - على فخذه الأيسر توثة (بثرة متقيحة) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقشق، ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً، ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين على بن

(1) أيضاً ص 332.

(2)

أيضاً ص 333.

(3)

أيضاً باب النهي عن الإسم ص 332،333.

(4)

كشف الغمة للأربلي ج3 ص283.

ص: 356

طاووس رحمه الله، وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها، فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التونة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، ومتى قطعت، خيف أن يُقطع العرق فيموت. فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه: أنا متوجه إلى بغداد، وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني. فأصعد معه، وأحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره. فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك، فالله تعالى قد نهى عن ذلك، ورسوله. فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى، على مشرفة السلام. ثم أنحدر إلى أهلي، فحسن ذلك.

فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه. قال: فلما دخلت المشهد، وزرت الأئمة عليهم السلام ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام عليه السلام، وقضيت بعض الوقت في السرداب، وبت في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملئت إبريقا كان معي، وصعدت أريد المشهد.

فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم. فحسبتهم منهم، فالتقينا. فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط، وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً بيده رمح والآخر متقلد بسيف، وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعب في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه، فردّ عليهم السلام.

فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلى أهلك؟ فقال: نعم، فقال له:

ص: 357

تقدم حتى أبصر ما يوجعك. قال: فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول. ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي، إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني، ثم استوى في سرجه كما كان.

فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل. فعجبت من معرفته بإسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله. قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام. فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه.

ثم أنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع، فقلت: لا أفارقك أبداً. فقال: المصلحة رجوعك. فأعدت عليه مثل القول الأول. فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرتين إرجع وتخالفه؟ فجبهني بهذا القول، فوقفت. فتقدم خطوات والتفت إلي وقال: إذا وصلت بغداد، فلا بد أن يطلبك أبو جعفر، يعني الخليفة المستنصر رحمه الله، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى علي بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار وأصحابه معه.

فلم أزل قائماً أبصرهم، إلى أن غابوا عني، وحصل عندي أسف لمفارقته. فقعدت إلى الأرض ساعة، ومشيت إلى المشهد. فاجتمع القوم حولي، وقالوا: نرى وجهك متغير، أوجعك شيء؟ قلت: لا. قالوا: أخاصمك أحد؟. قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم، هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟. فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت: لا، بل هو الإمام عليه السلام. فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت: هو صاحب الفرجية. فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثم كشف رجلي

ص: 358

فلم أر لذلك المرض أثراً، فداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً " (1).

كما حكى، أن أبا عطوة، كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية، ويقول: لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرئني من هذا المرض، وتكرر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة، إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً، فقال: ألحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي. فخرجنا، فلم نرَ أحداً، فعدنا إليه، وسألناه، فقال: أنه دخل إليّ شخص، وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا صحب بنيك، قد جئت لأبرئك مما بك. ثم مد يده فعصر قروتي ومشى، ومددت يدي فلم أر لها أثراً. قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبه.

واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرّ بها. والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة. وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها، فخلصهم، وأوصلهم إلى حث أرادوا " (2).

فهذا هو غائبهم، وهذه هي الأساطير والقصص التي يحكونها عنه غيبته.

الرجعة

وأما الرجعة، فقال بها الشيعة الإثني عشرية طبق ما قاله عبد الله بن سبأ. بفرق أنه قال في علي رضي الله عنه، وهؤلاء قالوا في معدومهم.

والجدير بالذكر، أن هذه العقيدة من العقائد التي فشت وانتشرت في جميع

(1) كشف الغمة للأربلي ج3 ص 283، 284، 285، منتهى الآمال للعباس القمي ص 1244.

(2)

كشف الغمة للأربلي ج3 ص 287.

ص: 359

فرق الشيعة في مختلف العصور غير الشيعة الأولى، كما ذكرناها في الأبواب السابقة.

ثم لم يكتف الشيعة الاثنا عشرية بالقول إن معدومهم الغائب هو الذي سيرجع، بل قالوا أكثر من ذلك، وهو أنه يرجع ويرجع الآخرون من الشيعة وأئمتهم وأعدائهم حسب زعمهم. وهناك روايات وأكاذيب لا ُتعد ولا ُتحصى في هذا المعنى.

وقد صنفت في هذا الخصوص كتب مستقلة عديدة. فنختار من الأساطير المضحكة والقصص المبكية أخباراً قليلة، لوضع النقاط على الحروف، ولتمييز الحقائق عن أن القوم ماذا يقولون، وماذا يعتقدون. وإلى أي حد ينقمون قوم رسول الله وقبيلته، أصحابه وأزواجه، أمته وشريعته التي جاء بها من الله عز وجل، والقرآن الذي نزل عليه، والأمر الذي أعطاه متبعيه والمؤمنين به.

عقيدة الشيعة التي توارثها من اليهودية وعملاء عبد الله بن سبأ وطائفته، وتناقلوها جيلاً بعد جيل. والتي قال عنها كبيرهم وخاتمة محدثيهم الملا باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار) بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة:

" اعلم يا أخي، أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدّت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار

وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم " (1).

فيروي القوم عن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال:

(1) بحار الأنوار للمحلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى.

ص: 360