المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها - الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتشيع الأول والشيعة الأولى

- ‌الباب الثانيالتشيع والسبأية

- ‌عبد الله بن سبا والسبئية

- ‌الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌الباب الثالثالشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنهوالسبأية وفتنهم أيامه

- ‌ الواقدي

- ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

- ‌ سعيد بن العاص

- ‌ عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق

- ‌مروان بن الحكم

- ‌ قضية الأذان الثاني في الجمعة

- ‌الباب الرابعتطوّر التشيع الأول والشيعة الأولىودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

- ‌ الشيعة الأولى

- ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

- ‌ الكيسانية

- ‌الشيعة أيام الحسين

- ‌ الفرس

- ‌الكيسانية

- ‌ الغرابية

- ‌الجارودية

- ‌الشيعة أيام جعفر بن الباقر

- ‌الشيعة بعد وفاة جعفر

- ‌ الفطحية:

- ‌الإسماعيلية

- ‌القرامطة

- ‌الدروز

- ‌فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

- ‌الشيعة أيام علي بن موسى

- ‌الشيعة أيام محمد بن علي

- ‌الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري

- ‌الباب السادسالشيعة الاثنا عشرية

- ‌لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

- ‌للإِمام علامات

- ‌الأخبارية والأصولية

- ‌أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

- ‌الباب السابعالشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

- ‌ هل الدين إلا الحب

- ‌من يكون المهدي

- ‌منزلته وشأنه

- ‌ماذا يعمل بعد رجعته

- ‌رجعة الأئمة مع رجعة القائم

- ‌ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً

- ‌دابّة الأرض

- ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

- ‌كتب المستشرقين

الفصل: ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

‌الباب الخامس

فرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

اجتمع شيعة علي رضي الله عنه بعد استشهاده حول ابنه الحسن رضي الله عنه، وجعلوه إمامًا لهم في اليوم الثالث بعد انتقال أبيه من دار الدنيا إلى دار الآخرة " (1) ".

وأول من بايعه كان قيس بن سعد بن عبادة" (2) ".

وعند ذاك ظهرت السبئية من جديد بكل قوة وأظهروا العقائد التي طالما أخفوها خوفًا من بطش عليّ رضي الله عنه، وحذرًا من يقظته ومراقبته الأفكار الهدامة ومن يريد بثها في صفوف شيعته، ومعاقبتهم معاقبة شديدة، ولقد ذكر مؤرخ شيعي حيث قال:

إن بدعة السبئية في الغلو ظهرت على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طاب رضي الله عنه عندما مرّ بقوم يأكلون في شهر رمضان نهارًا، فقال لهم: أسفر أنتم أم مرضى؟ قالوا لا ولا واحدة منهما، قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية؟ قالوا: لا. قال: فما بال الأكل نهارًا في رمضان؟ فقالوا له: أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته. فاستتابهم واستأنى ووعّدهم فأقاموا على قولهم. فحفر لهم حفرًا دخن عليهم فيها طمعًا في رجوعهم، فأبوا فحرقهم وقال: ألا تروني قد حفرت لهم حفرًا:

(1) - مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص426

(2)

- الطبري: ج6 ص91 -

ص: 163

إني إذا رأيت شيئًا منكرًا

أوقدت ناري ودعوت قنبرا

فلم يبرح عليه السلام من مكانه حتى صاروا حممًا. ثم استترت عنهم المقالة سنة أو نحوها، ثم ظهر عبد الله بن سبأ وكان يهوديًّا يتستر بالإسلام بعد وفاة أمير المؤمنين رضي الله عنه فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية، وقالوا:"إن عليًّا لم يمت"(1) ".

وبمثل ذك القول قال أقدم من كتب عن الفرق من الشيعة النوبختي حيث قال:

فلما قتل علي عليه السلام افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من الله عز وجل ورسوله عليه السلام فصاروا فرقًا ثلاثة، فرقة منهم قالت:

إن عليًّا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة تسمى (السبأية) أصحاب "عبد الله بن سبأ" وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليًّا عليه السلام أمره بذلك فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديًّا فأسلم ووالى عليًّا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي

(1) - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين الشيعي ص54 - 55، ابن أبي الحديد ج2 ص309

ص: 164

عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض ولاية علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه،؟؟ وهناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، وقد بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" (1) ".

وأورد مثل هذا كل من ألمّ بتاريخ التشيع وفرقه سواء كان من الشيعة أم من السنة. كما ذكرناه فيما قبل من مؤلفي الشيعة وكتبهم.

ولقد ذكر ظهور السبئية من جديد والمجاهرة بعقائدهم الخبيثة بعد مقتل علي رضي الله عنه من كتب علماء السنة في الفرق من عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق " (2) " والأشعري في مقالات الإسلاميين " (3) " والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (4) " والأسفرائيني في التبصير " (5) "والشهرستاني في الملل

والنحل " (6) " وابن حزم الظاهري في الفصل " (7) " وأبو الحسن البلطي في التنبيه" (8) " والجرجاني في التعريفات " (9) " والمقريزي في الخطط.

فذكر كل واحد منهم أن عبد الله بن سبأ رجع بعد شهادة علي رضي الله عنه من منفاه وأظهر عقائده في عليّ آنذاك، فيقول

(1) - فرق الشيعة للنوبختي ص43 - 44 ط. النجف

(2)

- ص225 و233

(3)

- ج1 ص85

(4)

- ص57

(5)

- ص108 - 109

(6)

- ج2 ص11 الهوامش

(7)

- ج4 ص180

(8)

- ص25 و148

(9)

- ص79

ص: 165

الأسفرائيني:

"ثم إن عليًّا رضي الله عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليًّا"(1) ".

وكذلك قال الشهرستاني:

"إنما أظهر عبد الله بن سبأ بعد انتقال علي رضي الله عنه واجتمعت عليه جماعته"(2) ".

فحاربه الحسن رضي الله عنه وحارب أفكاره وعقائده دأب أبيه كما ذكر ابن أبي الحديد الشيعي:

"ثم ظهر عبد الله بن سبأ وكان يهوديًّا يتستر بالإسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام فأظهرها، واتبعه قوم فسموا السبئية، وقالوا: إن عليًّا عليه السلام لم يمت، وإنه في السماء، والرعد صوته والبرق ضوئه؛ وإذا سمعوا صوت الرعد، قالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين! وقالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلظ قول، وافتروا عليه أعظم فرية، فقالوا كتم تسعة أعشار الوحي، فنقض عليهم قولهم الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي الله عنه في رسالته، التي يذكر فيها الإرجاء، رواها عنه سليمان بن أبي شيخ، عن الهيثم بن معاوية، عن عبد العزيز بن أبان، عن عبد الواحد بن أيمن المكي، قال: شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة، فذكرها وقال فيها: ومن قول هذه السبئية: هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم؛ وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي؛ ولو كتم

(1) - الفرق بين الفرق ص233

(2)

- الفصل ج2 ص11 الهوامش

ص: 166

صلى الله عليه وسلم شيئًا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى:{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} " (1) "

ولكن لم يكن محاربته إياهم مثل محاربة أبيه، فبدأ السبئية يزرعون بذور الفتنة والفساد ويبثون سموم الخلاف والشقاق والفرقة بكل حرية وانطلاقة، وخاصة بعد أن تخاذل الشيعة عن الحسن وبعد تفرقهم عنه ودخول بعضهم في السبئية وميول بعضهم إلى معاوية والتحاق البعض الآخرين بالخوارج وغيرهم، ولقد صوّر هذه الأحوال شيخ الشيعة المفيد والأربلي الشيعي والمجلسي في كتبهم وهم يذكرون تحرك معاوية إلى العراق:

"وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن عليه السلام وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولبيه، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين، فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد رضي الله عنه أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له ليتميز بذلك أولياءه من أعداءه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر بهم أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال:

الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي

(1) - شرح النهج لابن أبي الحديد ج8 ص120 ط. دار إحياء الكتب.

ص: 167

صلى الله عليه وسلم.

"أما بعد: فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ولا مريدًا له بسوء ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أميّ ولا تردوا علي رأيي غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا. قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إيه، فقالوا: كفر والله الرجل، ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عانقه، فبقي جالسًا متقلدًا السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه وأحدث به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال: ادعوا إليّ ربيعة وهمدان فدعوا فطافوا به ودفعوا الناس عنه رضي الله عنه وسار ومعه شوب من غيرهم، فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته وبيده مغول وقال الله أكبر أشركت يا حسن! كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن عليه السلام وخرّا جميعًا إلى الأرض، فوثب إليه رجل من شيعة الحسن رضي الله عنه يقال له عبد الله بن خطل الطائي فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له ظبيان بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك، وأخذ آخر كان معه فقتل، وحمل الحسن عليه السلام على

سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين عليه السلام بها فأقره الحسن عليه السلام على ذلك، واشتغل الحسن عليه السلام

ص: 168

بنفسه يعالج جرحه، وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن رضي الله عنه إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به، وبلغ الحسن رضي الله عنه ذلك وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه وكان قد أنقذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ويرده عن العراق وجعله أميرًا على الجماعة، وقال: إن أصبت فالأمير قيس بن سعد، فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبوبية بإزاء مسكن وإن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المسير إليه وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة، فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته، وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس بن سعد رضي الله عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصته من شيعة أبيه وشيعته، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطًا كثيرة وعقد له عقودًا كان الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن رضي الله عنه وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدًّا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى

ص: 169

عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة. فتوثق رضي الله عنه لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والأعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين رضي الله عنه والعدول عن القنوت عليه في الصلاة وأن يؤمن شيعته رضي الله عنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهد عليه وحلف له بالوفاء" (1) ".

وزاد على ذلك ابن أبي الحديد الشيعي:

لما أراد الحسن أن يرتحل إلى المدائن قام فخطب الناس فقال: أيها الناس؛ إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإني والله ما أصبحت محتملاً على أحد من هذه الأمة ضغينة في شرق ولا غرب، ولما تكرهون في الجماعة والألفة والأمن وصلاح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة، والخوف

والتباغض والعداوة، وإن عليًّا أبي كان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل. ثم نزل.

فقال الناس: ما قال هذا القول إلا وهو خالع نفسه ومسلم الأمر لمعاوية، فثاروا به فقطعوا كلامه، وانتهبوا متاعه، وانتزعوا مطرفًا عليه، وأخذوا جارية كانت معه، واختلف الناس فصارت طائفة معه؛ وأكثرهم عليه، فقال: اللهم أنت المستعان، وأمر بالرحيل، فارتحل الناس، وأتاه رجل بفرس، فركبه وأطاف به بعض أصحابه، فمنعوا الناس عنه وساروا، فقدمه سنان بن الجراح الأسدي إلى مظلم ساباط، فأقام به فلما دنا منه تقدم إليه يكلمه، وطعنه في فخذه بالمعول طعنة كادت تصل إلى

(1) - الإرشاد للمفيد ص189 - 191، جلاء العيون للمجلسي ص90 وما بعد، كشف الغمة للأربلي ج2 ص65 ط. بيروت، ومثل ذلك في تاريخ اليعقوبي الشيعي ص214 - 215، مروج الذهب ص431

ص: 170

العظم، فغشي عليه وابتدره أصحابه" (1) ".

ولقد صرح المؤرخون والكتّاب من الشيعة بأن الذين غصبوا الحسن وانتهبوا مضاربه وما فيها وجرحوه كانوا من ساباط المدائن، وهي المحل الذي نفي إليه عبد الله بن سبأ من قبل علي رضي الله عنه، وكانوا متأثرين بأفكاره وعقائده والساعين في الفرقة والاختلاف، ومن بينهم كان فريسة السبئية المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي كان له شأن فيما بعد والذي أظهر نفس العقائد التي تلقنها من عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر الخبيث ومن السبئية الماكرة الخبيثة، ولقد ذكر المؤرخون أن السن بن علي رضي الله عنه دخل المدائن ونزلها وهو جريح على علم المختار:

"فقال له المختار وهو شاب: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: تأخذ الحسين بن علي وتقيده وتبعثه إلى معاوية، فقال له عمه: قبحك الله وقبح ما جئت به، أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2) "

ولما رأى الحسن ذلك ومعاملة السبئية من جانب، وتخاذل الشيعة من جانب، وإراقة الدماء من ناحية أخرى رأى الصلح خيرًا، ولقد ذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي:

وحمل الحسن إلى مدائن وقد نزف نزفًا شديدًا، واشتدت به العلة، فافترق الناس عنه، وقدم معاوية إلى العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن

(1) - شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص36

(2)

- الطبري ج6 ص92، ابن الأثير ج3 ص203، ابن كثير ج8 ص14، واللفظ له.

ص: 171

دماءكم بآخرنا، وقد سالمت معاوية، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" (1) ".

ولم يكتف الحسن بصلحه مع معاوية وتسليمه الأمر له، بل وأكثر من ذلك بايعه على رؤوس الأشهاد وبمن معه من إخوانه وقادة جيشه كما ذكر الرجالي الشيعي المشهور، الكشي عن جعفر بن الباقر أنه قال:

"إن معاوية كتب إلى الحسن رضي الله عنه أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا إلى الشام فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء فقال: يا حسن قم فبايع، ثم قال للحسين رضي الله عنه: قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال: يا قيس قم فبايع، فالتفت إلى الحسين رضي الله عنه ينظر ما يأمره فقال: يا قيس إنه إمامي - يعني الحسن رضي الله عنه"(2) "

وذكر مثل هذا شيعي متعصب المجلسي في كتابه (جلاء العيون) الفارسي" (3) " وثقة محدثي الشيعة العباس القمي في تاريخه الفارسي الكبير منتهى الآمال" (4) " وكذلك ابن أبي الحديد الشيعي في كتابه شرح نهج البلاغة" (5) ".

وعندئذ افترق الشيعة بفرق أخرى:

"لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر أصحابه على إمامته إلى أن قتل، فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم ساباط وثب عليه رجل من هناك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجان دابته ثم قال الله أكبر أشركت كما

(1) - تاريخ اليعقوبي ج2 ص215

(2)

- رجال الكشي ص102.

(3)

- ج1 ص395

(4)

- ص316

(5)

شرح النهج ج16 ص38 -

ص: 172

أشرك أبوك من قبل وطعنه بمعول في أصل فخذه فقطع الفخذ إلى العظم، فاعتنقه الحسن وخرا جميعًا فاجتمع الناس على الجراح فوطئوه حتى قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتي به المدائن، فلم يزل يعالج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحًا من طعنته كاظمًا لغيظه متجرد طريقه على الشجا والأذى من أهل دعوته حتى توفي رضي الله عنه في آخر صفر سنة سبع وأربعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة أشهر، وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلاث من الهجرة من شهر رمضان وإمامته ست سنين وخمسة أشهر" (1) ".

ففرقة ثبتوا مع الحسن بعد هذا الصلح وبايعوا معاوية رضي الله عنه معه، وأطاعوا وأخلصوا له الوفاء طيلة حياتهم من سنة إحدى وأربعين إلى سنة ستين من الهجرة، وكان على رأس هؤلاء أولاد علي رضي الله عنه وأهل بيته من الحسين ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن العباس وأبناء عقيل وجعفر وغيرهم من الهاشميين الكبار من أسرة النبي صلى الله عليه وسلم يعتقدون نفس الاعتقادات التي كان يعتقدها المسلمون عامة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدون تكفير أحد وتفسيق أحد من المسلمين، متحدين متفقين، ناسين الخلافات التي حدثت، ومعرضين عن الوقائع التي وقعت، متآخين متزوجين فيما بينهم كما ذكرنا ذلك مفصلاً فيما سبق،

وفرقة مالت عن الحسن والحسين وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وعرفت بعد ذلك بالكيسانية وقويت بعدما صالح الحسن معاوية وازدادت قوتها وشوكتها وحملت نفس الأفكار التي كانت تحملها السبئية، وتطورت فيما بعد تطورًا سريعًا، وتشعبت منها فرق شيعية كثيرة أخرى

(1) - النوبختي ص46

ص: 173