المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله - الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولالتشيع الأول والشيعة الأولى

- ‌الباب الثانيالتشيع والسبأية

- ‌عبد الله بن سبا والسبئية

- ‌الأفكار اليهودية المدسوسة

- ‌الباب الثالثالشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنهوالسبأية وفتنهم أيامه

- ‌ الواقدي

- ‌ الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة:

- ‌ سعيد بن العاص

- ‌ عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق

- ‌مروان بن الحكم

- ‌ قضية الأذان الثاني في الجمعة

- ‌الباب الرابعتطوّر التشيع الأول والشيعة الأولىودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

- ‌ الشيعة الأولى

- ‌الباب الخامسفرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

- ‌ الكيسانية

- ‌الشيعة أيام الحسين

- ‌ الفرس

- ‌الكيسانية

- ‌ الغرابية

- ‌الجارودية

- ‌الشيعة أيام جعفر بن الباقر

- ‌الشيعة بعد وفاة جعفر

- ‌ الفطحية:

- ‌الإسماعيلية

- ‌القرامطة

- ‌الدروز

- ‌فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

- ‌الشيعة أيام علي بن موسى

- ‌الشيعة أيام محمد بن علي

- ‌الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري

- ‌الباب السادسالشيعة الاثنا عشرية

- ‌لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

- ‌للإِمام علامات

- ‌الأخبارية والأصولية

- ‌أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

- ‌الباب السابعالشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

- ‌ هل الدين إلا الحب

- ‌من يكون المهدي

- ‌منزلته وشأنه

- ‌ماذا يعمل بعد رجعته

- ‌رجعة الأئمة مع رجعة القائم

- ‌ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً

- ‌دابّة الأرض

- ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

- ‌مصادر الكتاب ومراجعه

- ‌كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

- ‌كتب المستشرقين

الفصل: ‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

‌الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

وكي لا يطول بنا الحديث، نذكر فقط رواية واحدة تشتمل على خطبة علي رضي الله عنه حسب زعم القوم، وفيها كل ما يعتقده القوم من الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.

يذكر الجزائري هذه الخطبة في كتابه المشهور رواية عن محمد الباقر أنه قال:

" إن أمير المؤمنين عليه السلام، خطب خطبة ذات يوم فحمد الله، وأثنى عليه بالوحدانية. وقال: إن الله سبحانه تكلم بكلمة، فصارت نوراً، فخلق منه نور النبي ونوري ونور الأئمة. وتلكم بكلمة أخرى، فصارت روحاً، فأسكنها في ذلك النور. وذلك النور مع تلك الروح، ركبها في أبداننا معاشر الأئمة. فنحن الروح المصطفاة، ونحن الكلمات التامات، ونحن حجة الله الكاملة على الخلق. فنحن نوراً أخضر، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا مخلوق ولا مخلوقات.

وكنا نسبح الله ونقدسه قبل خلق الخلق. فأخذ الله لنا العهد من أرواح الأنبياء على الإيمان بنا، وعلى نصرتنا. وهذا معنى قوله سبحانه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} فقال عليه السلام: يعني الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله، ونصرة وصيّه. وهذه النصرة قد صارت قريبة. وقد أخذ الله الميثاق مني ومن نبيه لينصرن كل منا صاحبه، فأما أنا فقد نصرت النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد معه وقتلت أعداءه. وأما نصرته لي وكذا نصرة الأنبياء عليهم السلام فلم تحصل بعد، لأنهم ماتوا قبل إمامتي، وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي، ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب، ويخرج الله

ص: 391

لنصرتي الأنبياء من آدم إلى محمد، يجاهدون معي، ويقتلون بسيوفهم الكفار الأحياء، والكفار الأموات الذين يحييهم الله تعالى. وأعجب وكيف لا أعجب من أموات يحييهم الله تعالى، يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجاً لبيك لبيك يا داعي الله. ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها، حتى يقتلون الكافرين الجبارين والظالمين من الأولين والآخرين. حتى يحصل لنا ما وعدنا الله. ثم تلى

هذه الآية: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .

قال عليه السلام: يعني يعبدونني ولا يتقون من أحد، لأن لي رجعة بعد رجعة، وحياة بعد حياة. أنا صاحب الرجعات، وصاحب الصولات، وصاحب الإنتقامات، وصاحب الدولة العجيبة. أنا حصن الحديد، وأنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا أمين الله على علمه، وصندوق سرّه وحجابه وصراطه وميزانه وكلمته. أنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى. أنا صاحب الجنة والنار، أسكن أهل الجنة في جنتهم، وأهل النار في نارهم، وأنا الذي أزوّج أهل الجنة. وإليّ مرجع هذا الخلق في القيامة، وعليّ حسابهم.

وأنا المؤذن على الأعراف، وأنا الذي أظهر آخر الزمان في عين الشمس، وأنا دابة الأرض التي ذكرها الله في الكتاب أظهر آخر الزمان، ومعي عصا موسى وخاتم سليمان أضعه في وجه المؤمن والكافر، فتنقش فيه هذا مؤمن حقا، وهذا كافر حقا.

وأنا أمير المؤمنين وإمام المتقين ولسان المتكلمين وخاتم أوصياء النبيين ووارثهم وخليفة الله على العالمين. وأنا الذي علمني الله علم البلايا والمنايا وعلم القضاء بين الناس. وأنا الذي

ص: 392

سخّر لي الرعد والبرق والسحاب والظلمة والنور والرياح والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم. أيها الناس، اسألوني عن كل شيء " (1).

فهذه الرواية، ومثل هذه الرواية وإنها لكثيرة جداً موجودة منتشرة في كتب القوم، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

فهذه العقائد التي تتبناها الشيعة الاثنا عشرية وتعتقدها، ويعتقدها الإماميون والجعفريون الذين يُعدون من الشيعة المعتدلة. وهي عين تلك العقائد التي وضع بذروها عبد الله بن سبأ، ونشرتها السبئية وروجتها بين الفئات الشيعية المختلفة. ولولا خوف الإطالة، لأكثرنا الروايات التي وردت في كتبهم المعتبرة المعتمدة الموثوقة لديهم. ولكننا نرى أن ما ذكر فيه الكفاية لمن أراد أن يتثبت ويتحقق. وكذلك لمن أراد أن يتبصّر ويهتدي. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ونختم الكلام في هذا الموضوع، بنقل آراء بعض المستشرقين في علاقة الشيعة بالسبئية، أو بتعبير صحيح بالعقائد الأجنبية المدسوسة بين المسلمين، يهودية كانت أم إيرانية، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا قريبة ولا بعيدة.

فيقول المستشرق دوزي:

" كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية، وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي الذي يحب الحرية، وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد.

لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي، أمراً غير معهود ولا مفهوم، لأنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم، لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولداً يرثه، فإن علياً هو الذي

(1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ج2 ص 99، 100.

ص: 393

يجب أن يخلفه، وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي.

ومن هذا، فإن جميع الخلفاء - ماعدا علياً - كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم لا تجب لهم طاعة. وقوّى هذا الاعتقاد عندهم، كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية، فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم. وهم قد اعتادوا أيضاً أن يروا في ملوكهم أحفاداً منحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته. فالطاعة المطلقة " للإمام " الذي من نسل علي، كانت في نظرهم الواجب الأعلى، حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب، استطاع بعد ذلك بغيرلائمة ضمير أن يُفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيراً رمزياً، وأن يتجاوزها ويتعداها.

لقد كان " الإمام " عندهم هو كل شئ، إنه الله قد صار بشراً. فالخضوع الأعمى المقرون بانتهاك الحرمات، ذلك هو الأساس في مذهبهم " (1).

وبمثل ذلك، قال المستشرق ملّر، وزاد عليه:

" أن الفرس كانوا تحت تأثير الأفكار الهندية قبل الإسلام بعهد طويل يميلون إلى القول بأن الشاهنشاه هو تجسيد لروح الله التي تنتقل في أصلاب الملوك إلى الأبناء "(2).

ويذكر هذه الآراء، مستشرق ألماني متعاطف على الشيعة، ولهوزن فيقول:

" أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين، فليست تلك الملاءمة دليلاً عليه. بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك. إذ تقول أن التشيّع الواضح الصريح كانً قائماً أولاً في الدوائر العربية، ثم انتقل

(1) مقالة في تاريخ الإسلام للدوزي ص 220 وما بعد.

(2)

كتاب ملر، ج 1 ص 327.

ص: 394

بعد ذلك منها إلى الموالي، وجمع بين هؤلاء وبين تلك الدوائر، وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أنهم " السبئية "(ص 703 س 17، ص704 س 11) ولم يكونوا من الموالي، بل من العرب، إذ كانوا من عشائر: نهد وخارف وثور وشاكر وشبام. وهؤلاء السبئية كانوا على علاقات سيئة بعشائرهم، نتيجة لمذهبهم الغريب، خصوصاً شبام بالنسبة إلى قبيلة همدان. بينما كانوا على علاقات وثيقة جداً بالمختار، ومن أجله خاضوا النار، ووشوا بقبائلهم.

ونجد حديثاً عن بطانة من الشيعة العرب، كانت تجتمع في منزلي امرأتين بارزتين. وتذكر أسماء بعض أفراد هذه البطانة، ومنهم إبن نوف الهمداني، الذي كان ينافس مولاه وأستاذه (المختار) في التنبؤ. لقد كان يصنع وحياً لدى الكرسي المقدس، وكان أحد عمومة الأعشى ممن تأثر لهذا الوحي. وكان أول سادن للكرسي، هو موسى بن أبي موسى الأشعري، ثم تلاه حوشب البرسمي. والبيئة هنا كلها يمنية. ويقال أن المختار قد أظهر الكرسي على أنه كرسي علي بن أبي طالب. ولكن ثمة روايات أخرى تقول بعكس ذلك، وهذه الروايات الثانية أقرب إلى التصديق. وعلى كل حال، فقد كان الكرسي في حوزة اليمنيين، وأصله إنما يبحث لديهم. ولم يكن اختراعاً أبدعه الهوى، بل مثله مثل الحجر الأسود كان قطعة وثنية، وفي الأصل كرسي الله ثم كرسي علي، لأنهم ألهوا علياً. وكراسي الله الخالية هذه نجدها كثيراً، وإن لم تكن عادة من الخشب.

ومنشأ السبئية، يرجع إلى زمان علي والحسن، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ. وكما يتضح من اسمه الغريب، فإنه كان أيضاً يمنياً.

والواقع أنه من العاصمة صنعاء. ويُقال أنه كان يهودياً. وهذا يقود بالقول بأصل يهودية الفرقة السبئية " (1).

(1) الخوارج والشيعة لولهوزن ص170،169 ط. عربي.

ص: 395

ثم يقول:

" يلوح أن مذهب الشيعة الذي يُنسب إلى عبد الله بن سبأ أنه مؤسسه، إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين. والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده بطريقة عارضة، دون أن أعير المسألة من الأهمية أكبر مما تستحق.

كان القدماء من أنصار علي، يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين في خلافته - في سلك واحد - وكان يوضع في مقابل الأمويين المغتصبين للخلافة بوصفه استمراراً للخلافة الشرعية، وحقه في الخلافة ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة، وأنهم وضعوه في القمة، وتلقى البيعة من أهل المدينة. ولم ينشأ هذا الحق - أو على الأقل لم ينشأ مباشرة - عن كونه من آل بيت الرسول، ومع ذلك فيبدو أن آل البيت أنفسهم قد ادعوا حق ميراث الخلافة عن رسول الله منذ البداية. وبعد وفاة علي، كانت المعارضة ضد الأمويين تنظر إلى أبناء عليّ على أنهم المطالبون الشرعيون للخلافة.

ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلافة، ولا بد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة. وزعم أن النبوة لم تنته بمحمد، بل استمرت في علي وبنيه، كان هذا الزعم هو الخطوة الأخيرة.

إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان الله على الأرض قد انتقلت من اليهودية إلى الإسلام. ولكن الإسلام السني يقول إن محمداً خاتم النبيين، وبعد وفاته حلت محله الشريعة، وهي أثر مجرد غير مشخص، ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جداً. فكان ذلك نقصاً ملموساً، فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة.

وكان المبدأ الأساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو:

أن النبوة، وهي المعوض الشخصي الحي للسلطة الإلهية، تنتسب بالضرورة إلى الخلافة، وتستمر تحيا فيها. وقبل محمد

ص: 396

وجدت سلسلة طويلة متصلة من الأنبياء الذين يتلو بعضهم بعضاً، على نحو ما يقول اليهود، (سلسلة دقيقة من الأنبياء).

وكما يذكر في أصحاح 18 من سفر " ثنية الإشتراع " من أنه لم يخل الزمان أبداً من نبي يخلف موسى ومن نوعه. وهذه السلسلة لا تقف عند محمد. ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته (وهذا الزميل الثاني هو أيضاً فكرة يهودية) فكما كان لموسى خليفة هو يوشع، كذلك لمحمد خليفة هو عليّ، به يستمر الأمر. على أن كلمة " نبي " لم تطلق على عليّ وبنيه - بل أطلق عليهم أسماء " الوصي " أو " المهدي " أو " الإمام " عامة - ولكن إن لم يطلق عليهم الاسم، فإن الحقيقة الفعلية كانت مقصودة بوصفهم عارفين بالغيوب وتجسيدات للخلافة عن الله " (1).

وأخيراً يذكر:

" وأقيم تأليه بيت الرسول على أساس فلسفي بواسطة مذهب " الرجعة " أو (تناسخ الأرواح) فالأرواح تنتقل بالموت من جسم إلى جسم، وثمة بعث مستمر في المجرى الطبيعي للحياة الدنيا. وهذا في تناقض حاد مع القول ببعث واحد عند زوال الدنيا. ويستفيد هذا المذهب أهمية عملية، خصوصاً عن طريق رفعه إلى روح الله التي تحل في نفوس الأنبياء. فهذه الروح تنتقل من نبي إلى نبي آخر بعد وفاة السابق، ولا يوجد في الوقت الواحد غير نبي واحد، ويتتابعون حتى يبلغوا ألف نبي. وتبعاً لهذا فإن الأنبياء جميعاً بما يُبعث في كل منهم من روح الله، والحق أن النبي الصادق الحق واحد يعود أبداً من جديد.

وبهذا المعنى قالوا أن محمداً يُبعث في عليّ وآل عليّ.

ويبنون ذلك على الآية 85 من السورة 28، والآية 8 من السورة 82.

وهذا يُذكّر كثيراً

(1) الخوارج والشيعة لولوزن ص 171، 172.

ص: 397

بالفكرة (المحتمل جداً أنها) يهودية، وإن كانت من البدع اليهودية، التي وردت في المواعظ المنحولة على كليمانس " pscudoclementinen"، فروح الله تتحد في آدم مع شخص إنسان يظهر بصفة النبي الصادق في صور متعددة، وقد قدر له السيادة على الملكوت الدائم. راجع:

(1، 1، p.283''Gieselers KG. (4. Aufl.) .

ولكن المتأخرين قد فهموا - فيما يبدو - " الرجعة " على نحو آخر، فقد تصوروها على نحو ديالكتيكي. فقالوا بفترة " غيبة " دورية للإمام الصادق، ثم سموها - في مقابل ذلك - ظهوره من جديد " رجعة ".

والمعنى الأصيل للرجعة يظهر جلياً من مرادفتها لتناسخ الأرواح. والسيد الحميري يؤمن أيضاً برجعته نفسه، ومن أجل ذلك كانوا يسخرون منه، ويشنعون عليه (" الأغاني " ج 7 ص 8). كما يتضح أيضاً من كون كثيّر كان يعد جميع أبناء الحسن الحسين أنبياء صغاراً، لأنه كان يؤمن بالرجعة (الأغاني 8/ 34)، وكذلك من كون محمد كان ينظر إليه على أنه يرجع، خصوصاً في ورثة دمه (آله) ونبوته " (1).

ثم نقل ما قاله أبو حمزة الخارجي في خطبة له على المنبر بالمدينة المنوّرة عن الشيعة نقلاً عن (الأغاني) أنه قال:

" شيعة ظاهرت بكتاب الله، وأعلنت الفرية على الله، لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن، ولا عقل بالغ في الفقه، ولا تفتيش عن حقيقة الصواب. قد قلدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم، غياً كان أو رشداً، أو ضلالة أو هدى.

ينتظرون الدول في رجعة الموتى، ويُؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدّعون علم الغيب لمخلوق لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته، بل لا

(1) أيضاً 173، 174.

ص: 398

يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه. ينقمون المعاصي على أهلها، ويعملون

إذا ظهروا بها، ولا يعرفون المخرج منها. جفاة في الدين، قليلة عقولهم، قد قلدوا أهل البيت من العرب دينهم، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة، وتنجيهم من عقاب الأعمال السيئة " (1).

وبمثل ذلك القول، قال هشام بن عبد الملك الأموي في كتاب له إلى يوسف بن عمر:

" إن عبادة الشيعة لله، كانت عبادة لبني الإنسان، والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً. كانوا يعترضون على إمامة السلطة القائمة، ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول (ذرية آل البيت) لم تكن أفضل منها، إذ كانت تفضي إلى إهدار القانون، وكسر الشريعة. فالإمام عندهم كان فوق النصوص الحرفية. وكان يعلم الغيب، فمن اتبعه وأطاعه، سقطت عنه التكاليف، وخلا من المسؤولية "(2).

ولا بأس بنقل ما كتبه أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) عن الشيعة، ولو أننا ذكرنا منه جزء فيما مر، فإنه قال:

" والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد. ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتيه وهندية. ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته. كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواءهم. فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول في الرجعة. وقال الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً، كما قال اليهود: لن تمسنا

(1) الخوارج والشيعة ص 175.

(2)

أيضاً ص 175 نقلاً عن الطبري ج 2 ص 882.

ص: 399

النار إلا أياماً معدودات.

والنصرانية ظهرت في التشيع، في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه. وقالوا إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الإمام. وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبداً، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي.

وتحت التشيع، ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الإسلام.

وتستر بعض الفرس بالتشيّع، وحاربوا الدولة الأموية، وما في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم. قال المقريزي:

" واعلم إن السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة الإسلام، أن الفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها، بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم. فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب عند الفرس أقل من الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق .. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فاظهر قوم منهم لإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم عليّ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم عن طريق الهدى.

وقد ذهب الأستاذ " ولهو سن Wellhausin " إلى أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية، مستدلاً بأن مؤسسها عبد الله بن سبأ وهو يهودي. ويميل الأستاذ " دوزي Dozy " إلى " أن أساسها فارسي، فالعرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالمَلِك، وبالوراثة في بيت المالك، ولا يعرفون معنى لانتخاب الخليفة، وقد مات محمد ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده إبن عمه علي بن أبي طالب. فمن أخذ

ص: 400

الخلافة منه كأبي بكر وعمر وعثمان والأمويين، فقد اغتصبها من مستحقها.

وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي ّ وذريته وقالوا: إن طاعة الإمام أول واجب، وإن طاعته إطاعة الله ".

والذي أرى - كما يدلنا التاريخ - أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس الإسلام، ولكن معنى ساذج، وهو أن علياً أولى من غيره من وجهتين، كفايته الشخصية، وقرابته للنبي، والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت الرياسة، وهذا الحزب - كما رأينا - وُجد من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونما بمرور الزمان وبالمطاعن في عثمان، ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية

ونصرانية ومجوسية. وأن كل قوم من هؤلاء، كانوا يصبغون التشيّع بصيغة دينهم. فاليهود تصبغ الشيعة يهودية، والنصارى نصرانية، وهكذا.

وإذ كاد أكبر عنصر دخل في الإسلام هو عنصر الفارسي كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو الفرس " (1).

وهذا آخر ما أردنا إثباته في كتابنا هذا، والله يهدينا إلى سبيل الرشاد، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من خدمة دينه، ورفع كلمته والدفاع عن شريعته وحملة شريعته محمد وأصحابه وأهل بيته أجمعين، وصلى الله على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

* * *

(1) فجر الإسلام ص 276 إلى 278.

ص: 401