الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وكان الإمام بعد أبي جعفر عليه السلام إبنه أبو الحسن علي بن محمد (ع) لاجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله، وإنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة "(1).
وتوفي يوم الجمعة سنة ستين ومائتين، وكان مولده بالمدينة في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي وثلاثين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، في البيت الذي دفن فيه أبوه، وأمه أم ولد يقال لها حديثة (2).
وعمره يومئذ ثماني وعشرون سنة.
وقال النوبختي:
يقال: لإمه أصفان، وقيل: سليل، وقيل غير ذلك.
وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل. وكانت في سني أمامته بقية ملك المعتز أشهرا، ثم ملك المهتدي أحد عشر شهراً وثمانية وعشرين يوماً، ثم ملك أحمد المعتمد على الله بن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهراً " (3).
وفي أيامه ادعى كثير من العلويين الإمامة، منهم علي بن زيد بن الحسين العلوي (4).
وكذلك الكثيرون الذين ذكرهم الأصفهاني في مقاتل الطالبيين والمسعودي في مروج الذهب، وأما من السنة فذكرهم جميع المؤرخين.
الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري
مات الحسن العسكري بدون خلف ولا عقب كما نص على ذلك
(1) الإرشاد ص 327.
(2)
أيضاً ص 335.
(3)
أعلام الورى ص 367.
(4)
مقاتل الطالبيين ص 675، مروج الذهب ج3 ص94.
النوبختي: " توفى ولم يُر له أثر، ولم يُعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه "(1).
فأوجد موته خلافاً شديداً في شيعته، لأن التشيّع بعد تطوره يوجب على مدعي الإمامة أن يكون بعده عقب، وكذلك أن يكون عليه نص من الذي قبله، وهو الذي يقوم بتجهيزه وتكفينه، فكيف وهنا لا يُرى له أثر، فالتجؤوا لتأويل ذلك إلى سخافات عديدة. كل قوم حسب أهوائهم ومزاعمهم يهوون.
فقال النوبختي:
" فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة.
ففرقة قالت:
أن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما هو غائب وهو القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر، لأن الأرض لا تخلو من إمام ..
وقالت الفرقة الثانية:
أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهدي، لأننا روينا أن معنى القائم، هو أن يقوم بعد الموت، ويقوم ولا ولد له، لأن الإمامة كانت تثبت لولده، ولا أوصى إلى أحد، فلا شك أنه القائم ..
وقالت الفرقة الثالثة:
أن الحسن بن علي توفي، والإمام بعده أخوه جعفر وإليه أوصى الحسن .. فلما قيل له أن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارمين متعادين طول زمانهما، وقد وقفتم على صنائع جعفر وسوء معاشرته له في حياته، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه. قالوا: إنما ذلك بينهما في الظاهر، وأما في الباطن فكانا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما .. .
وممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه، علي بن الطاهر الخراز، وكان متكلماً محجاجاً، وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني.
(1) الشيعة للنوبختي ص 118، 119.
وقالت الفرقة الرابعة:
أن الإمام بعد الحسن جعفر، وأن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه، لا من قبل الحسن، وأن الحسن كان مدعياً باطلاً، لأن الإمام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف. والحسن قد توفي ولا وصية له ولا ولد، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه، كما لا يجوز أن تكون الأمامة في الأخوين بعد الحسن والحسين كما نص عليه جعفر.
وأما الفرقة الخامسة: فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي أخي الحسن المتوفى في حياة أبيه، وأما الحسن وجعفر فإنهما ادعيا ما لم يكن لهما، لأن جعفر فيه خصال مذمومة وهو بها مشهور. ظاهر الفسق وغير صائن نفسه، معلن بالمعاصي. ومثل هذا لا يصلح للشهادة على درهم، فكيف يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وآله؟
وأما الحسن فلقد توفى ولا عقب له.
وقالت الفرقة السادسة:
أن للحسن بن علي إبناً سماه محمداً، وولد قبل وفاته بسنين، وزعموا أنه مستور، لا يُرى خائف من جعفر.
وقالت الفرقة السابعة:
بل ولد بعد وفاته بثمانية أشهر، وأن الذين ادعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان لم يخف غيره، ولكنه مضى ولم يُعرف له ولد. ولا يجوز أن يخفي ذلك وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتاً عند السلطان وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل ذلك عند السلطان وخفى أمره، فقد ولد له إبن بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، وقد كان أمر أن يُسمى محمداً، وأوصى بذلك، وهو مستور لا يُرى.
وقالت الفرقة الثامنة:
أنه لا ولد لحسن أصلاً، لانا قد أمتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه، فلم
نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولد، لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله أن يُقال خلف إبناً نبياً رسولا. وكذلك في عبد الله بن جعفر بن محمد أنه خلف إبنا، وأن أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام، لأن مجيئ الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيئ الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه، ولا خلف عبد الله بن جعفر إبناً، ولا كان للرضا أربعة بنين. فالولد قد بطل لا محالة، ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت، فإنه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له، فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة.
واحتج أصحاب الولد على هؤلاء فقالوا: أنكرتم علينا أمراً قلتم بمثله، ثم لم تقنعوا بذلك حتى أضفتم إليه ما تنكره العقول، قلتم أن هناك حبلاً قائماً، فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك، فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم، فاستقصينا في ذلك غاية الإستقصاء فلم نجده، فنحن في الولد أصدق منكم. لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف، أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك ويصح نسبه، والأمر الذي ادعيتموه منكر وشنيع، ينكره عقل كل عاقل، ويدفعه التعارف والعادة، مع مافيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر، وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون، وإنكم على قولكم بلا صحة ولا بيّنة.
وقالت الفرقة التاسعة:
أن حسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه عليه السلام. فكما صحت وفاتهم بالخبر الذي لا
يكذب مثله، كذلك صح أنه لا إمام بعد الحسن .... والأرض اليوم بلا حجة إلا أن يشاء الله، فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله، فيحيي الأرض بعد موتها، كما بعث محمد صلى الله عليه وآله حين فترة من الرسل.
وقالت الفرقة العاشرة:
أن أبا جعفر محمد بن علي كان الميت في حياة أبيه، وهو الذي كان الإمام بوصية من أبيه، ثم أوصى هو إلى غلام له صغير كان في خدمته يُقال له نفيس، ثم بعد موته نقل هذا الغلام الوصية إلى جعفر.
وقالت الفرقة الحادية عشرة:
قد اشتبه علينا الأمر، ولا ندري من هو الإمام، وأن الأرض لا تخلو من حجة فنتوقف ولا نقدم على شيئ حتى يصح لنا الأمر ويتبين.
وقالت الفرقة الثانية عشرة:
ليس القول كما قال هؤلاء، بل لا يجوز أن تخلو الأرض من حجة، ولو خلت لساخت الأرض ومن عليها.، وأما هو خائف مستور بستر الله لا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه، وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه حرام.
وقالت الفرقة الثالثة عشرة:
أن الحسن بن علي توفى، وأنه كان الإمام بعد أبيه، وأن جعفر بن علي الإمام بعده، كما كان موسى بن جعفر إماماً بعد عبد الله بن جعفر، للخبر الذي روى أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى. وأن الخبر الذي روى عن الصادق عليه السلام، أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه، فإنه لا تخرج منه إلى أخيه، بل تثبت في
خلفه. وإذا توفى ولا خلف له، رجعت إلى أخيه ضرورة، لأن هذا معنى الحديث عندهم. وكذلك قالوا في الحديث الذي روى أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره. وأقروا أن جعفر بن محمد عليهما السلام غسله موسى، وادعوا أن عبد الله أمره بذلك، لأنه كان الإمام بعده، وإن جاز أن لا يُغسله لأنه إمام صامت في حضرة عبد الله.
فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين، إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا. والإمام عندهم جعفر بن علي، على هذا التأويل ضرورة.
وأما الفرقة الرابعة عشرة فقالت:
إن الإمام بعده إبنه محمد، وهو المنتظر، غير أنه مات، وسيجئ ويقوم بالسيف، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا (1).
فهذه هي الفرق المشهورة للشيعة، ذكرناها من كتب القوم أنفسهم، مع سرد الروايات والعبارات من كتب السنة أيضاً تأييداً وتوثيقاً، لا أصلاً واستدلالاً.
غير أن هنالك فرقاً شيعية أخرى، ذكرها أصحاب الفرق من السنة من البيانية والجناحية والرزامية والمقنعية والحلمانية والخلاجية والأزافرة وغيرهم، لم نذكرها لانقراضها، ولعدم ورود ذكرها في كتب الشيعة، وكي لا يقول قائل:
يعلم الله أن هذه الأسماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في كتب الشيعة، وما هي إلا مختلقة لا يُقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين. وهي أسماء بلا مسميات، ولم يذكرها أحد من المؤرخين، ولا نقلها من
كتب في الملل والشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق والمقالات المتكفل بذكر
(1) ملخصاً فرق الشيعة للنوبختي ص 119 وما بعد.
فرق الشيعة وغيره (1).
وبقيت هناك فرق أخرى، ألا وهي:
الأثنا عشر أو الجعفرية الإمامة، فإنها ذكرت ضمن الأربع عشرة فرقة التي افترقت بعد موت الحسن العسكري، ولكن لما لها من أهمية، وإن هذا السرد الطويل لم يكن إلا لأجلها، لأنه عند إطلاق لفظ الشيعة لا يتبادر إلى الذهن الآن إلا هذه الفرقة. فنخصص لها باباً مستقلاً في تاريخها وعقائدها وعلاقتها بالسبئية، وتوارثها جميع الأفكار الموجودة في الفرق البائدة من الغلاة والمتطرفين. كما سنذكر الفرق التي تفرقت منها، وهي موجودة حتى الآن.
ونلفت ههنا أنظار القرآء والباحثين إلى أمر هام يجب الإنتباه إليه، وهو ان كل فرقة من فرق الشيعة التي ذكرناها في هذا الباب سيجد القارئ من مطالعة موجز المعتقدات والعقائد التي حملها أؤلئك، أن كل واحدة منها أخذ حظاً وافراً من السبئية أبناء اليهود، واغترفت غرفاً كثيرة من الأديان الباطلة الأخرى من النصرانية والمجوسية والأفكار المدسوسة من الهندوس والبابليين والعاشوريين والكلدانيين وغيرهم، كما أن الشيعة بعد تطور التشيّع الأول في جميع أدوارهم وعصورهم، التزموا بقول الرجعة والغيبة والولاية والبراءة والوصاية والتوارث، كما أرسخها مؤسس القوم عبد الله بن سبأ وشلته الماكرة.
(1) أعيان الشيعة للسيد محسن أمين القسم الأول الجزء الأول ص24.