الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله
…
)
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق حدثنا خباب رضي الله عنه قال:"هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرُنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عُمير، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. قتل يوم أحد فلم نجد ما نكَفنه إلا بُردة إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطّى رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر"
(الصحيح 3/170 ح 1276 - ك الجنائز، ب إذا لم يجد كفنا إلا
…
) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان بمكة رجل يقال له: ضمرة من بنى بكر، وكان مريضاً، فقال لأهله: أخرجوني من مكة فإني أجد الحرّ فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة يعني.
فمات، فنزلت هذه الآية:(ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) .
(التفسير- سورة النساء/
100
ح 4001) . وأخرجه الطبري (التفسير 9/118 ح 10294) بسند ابن أبي حاتم نفسه، لكن وقع في إسناده "شريك" وصوابه: محمد بن شريك كما عند أبي حاتم. وعزاه السيوطي لابن المنذر أيضاً بلفظه. وعزاه الهيثمي لأبى يعلى بنحوه وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/10) وقال السيوطى عن سند أبي يعلى والطبرانى: رجاله ثقات (الدر المنثور 2/207 وسنده صحيح) .
قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)
قال البخاري: حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا يحيى ابن أبي إسحاق قال: سمعت أنساً يقول: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يُصلى ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بمكة شيئاً؟
قال أقمنا بها عشراً.
(الصحيح 2/653 ح 1081- ك تقصير الصلاة، ب ما جاء في التقصير
…
) .
وقال البخارى: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سفيان، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقِرَّتْ صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان.
(الصحيح 2/663 ح 1090- ك تقصير الصلاة، ب يقصر إذا خرج من موضعه
…
) ، و (صحيح مسلم 1/478 بعد رقم 685ك صلاة المسافرين
…
) .
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا عبد الله بن إدريس) عن ابن جريج، عن ابن أبي عمار، عن عبد الله بن بابيه، عن يعلى بن أمية؛ قال: قلتُ لعمر بن الخطاب (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمِن الناس! فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"صدقة تصدق الله بها عليكم. فاقبلوا صدقته".
(الصحيح 1/478 ح 686- ك صلاة المسافرين وقصرها، ب صلاة المسافرين وقصرها) .
قال أحمد: حدثنا الفضل بن دكين حدثنا مالك، -يعني ابن مغول- عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتين قال: قلت فأين قول الله تبارك وتعالى (إن خفتم) ونحن آمنون؟ قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال كذاك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(المسند رقم 6194) وصححه أحمد شاكر. وقال محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركى: صحيح لغيره (المسند 10/331 ح 7194) . واورده الحافظ ابن حجر محتجاً به (الفتح 2/564) .
قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم
…
)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى بعده يليه مبينا له (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا
حذرهم وأسلحتهم) الآية. وقوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) ويزيده إيضاحا أنه قال هنا (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وقال في آية البقرة (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) ؛ لأن معناه فإذا أمنتم فأتموا كيفيتها بركوعها وسجودها وجميع ما يلزم فيها مما يتعذر وقت الخوف. وعلي هذا التفسير الذي دل له القرآن فشرط الخوف في قوله (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) معتبر أي: وإن لم تخافوا منهم أن يفتنوكم فلا تقصررا من كيفيتها، بل صلوها على أكمل الهيئات، كما صرح به في قوله (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) وصرح باشتراط الخوف أيضاً لقصر كيفيتها بأن يصليها الماشي والراكب بقوله (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) . ثم قال (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم) الآية.
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال آخبرنا شعيب عن الزهري قال: سألته هل صلّى النبي صلى الله عليه وسلم -يعني صلاة الخوف-؟ قال: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل نجد، فوازينا العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله يصلى لنا، فقامت طائفة معه تصلى، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمَن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصل، فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحدٍ منهم فركع بنفسه ركعة وسجد سجدتين".
(الصحيح 2/497 ح 942- ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف) ، وأخرجه مسلم في صحيحه - ك صلاة المسافرين، ب صلاة الخوف ح 305، 306) .
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي. حدثنا عبد الله بن شقيق. حدثنا أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان وعُسفان، فقال المشركون: إن لهولاء صلاةً هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم مَيلة واحدة، وإن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يقسِم أصحابه شطرين فيُصلى بهم،
وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا حِذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الآخرون ويُصلّون معه ركعة واحدة، ثم يأخذ هؤلاء حِذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وفى الباب عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجابر وأبى عياش الزرقي وابن عمر وحذيفة وأبى بكرة وسهل بن أبي حثمة وأبو عياش الزرقى اسمه زيد بن صامت.
(سنن الترمذى 5/243 ح 3035- ك التفسير، سورة النساء)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي 3/42) . ونقل ابن رجب عن البخاري قوله: حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة: حسن (علل الترمذي 1/303) .
قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا قال: حدثني عمي، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة حدثته بهذه القصة، قالت: كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى، حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدوا لأنفسهم الثانية. ثم قامت الطائفتان جميعاً فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعاً، ثم عاد فسجد الثانية وسجدوا معه سريعاً كأسرع الاسراع جاهداً لا يألون سراعاً، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شاركه الناس في الصلاة كلها.
(السنن 2/15 ح /1242- ك الصلاة، ب من قال يكبرون جميعاً)، وأخرجه أحمد في (مسنده 6/275) من طريق: يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به وفيه: صلى رسول الله بالناس صلاة الخوف بذات الرقاع
…
والحاكم في المستدرك (1/ 336-337) من طريق: محمد بن حاتم الدورى، عن يعقوب به. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف. ووافقه الذهبي. وإسناده حسن. وقد سأل الترمذي الإمام البخاري عن أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: كل الروايات عندي صحيح وكل يستعمل. (انظر العلل لابن رجب 1/301) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم) ، وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو، فيصلى الإمام بمن معه ركعة ثم يجلس علي هيئته، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام جالس، ثم ينصرفرن حتى يأتوا أصحابهم فيقفون موقفهم، ثم يقبل الآخرون فيصلى بهم الإمام الركعة الثانية، ثم يسلم، فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية.
فهكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة.
قوله تعالى (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلى بصلاتك ففرغت من سجودها. (فليكونوا من ورائكم)، يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدو في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك، ولم تدخل معك في صلاتك.
قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) قال عبد الرحمن بن عوف، وكان جريحاً.
(الصحيح 8/264 ح 4599- التفسير) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولا جناح) لا حرج.
قوله تعالى (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (فاذكروا الله قياما) ، لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال عذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحد في تركه إلا مغلوبا على عقله فقال (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية وعلي كل حال.
قوله تعالى (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (فإذا اطمأننتم) يقول: إذا استقررتم وآمنتم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة)، قال: أتموها.
قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتابا أى: شيئا مكتوبا عليهم واجبا حتما موقوتا أي له أوقات يجب بدخولها ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات، ولكنه أشار لها في مواضع أخر كقوله (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) .
قال الترمذي: حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصلاة أولاً وآخراً، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر،
وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفرّ الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن أخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن أخر وقتها حين تطلع الشمس".
(السنن 1/283-284 ح 151- ك الصلاة، ب ما جاء في مواقيت الصلاة) ، وأخرجه الإمام أحمد في (مسنده رقم 7172) حدثنا محمد بن فضيل به. وقد أعل الترمذي الحديث برواية أخرى عن مجاهد مرسلاً، ورد ذلك التعليل ابن حزم وابن الجوزى وابن القطان والزيلعي وأحمد شاكر ومحققو (مسند أحمد 12/94-96) بإشراف أ. د. عبد الله التركي، وله شواهد صحيحة وردت في المسند برقم (6966 و4/416) ، وصححه الألبانى (صحيح سنن الترمذي رقم 129) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (موقوتا) مفروضا.
قوله تعالى (ولاتهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما)
قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله تعالى المسلمين في هذه الآية الكريمة عن الوهن الضعف في طلب أعدائهم الكافرين وأخبرهم بأنهم إن كانوا يجدون الألم من القتل والجراح فالكفار كذلك والمسلم يرجو من الله من الثواب والرحمة مالا يرجوه الكافر فهو أحق بالصبر على الآلام منه، وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) وكقوله (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن تكونوا تألمون)، قال: توجعون (وترجون من الله مالا يرجون)، قال: ترجون الخير.
قوله تعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً. واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما تعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً)
قال الترمذي: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني. حدثنا محمد بن سلمة الحرّاني. حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منّا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل، وقالوا ابن الأبيرق قالها، قال وكان أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدِمت ضافطة من الشام من الدَرْمَك ابتاع الرجل منها فخصَّ بها نفسه. وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمِّى رفاعة بن زيد حِملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعُدى عليه من تحت البيت فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمِّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدى علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا.
قال! فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار، والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح
وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشكّ أنهم أصحابها، فقال لى عمّى: يا ابن أخى لو آتيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكرتَ ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيتٍ منا أهلُ جفاء عمدوا إلى عمّى رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليرُدّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"سآمر في ذلك"، فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة فكلّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمّه عمدوا إلى أهل بيت منّا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّمته، فقال: لعمدت إلى أهل بيتٍ ذُكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة"، قال: فرجعتُ، ولوَدِدتُ أني خرجت من بعض مالى ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي ما صنعتَ؟ فأخبرته بما قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) بني أبيرق (واستغفر الله) أي مما قلتُ لقتادة (إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله -إلى قوله- غفورا رحيما) أي: لو استغفروا الله لغفر لهم، (ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه -إلى قوله- إثماً مبيناً) قوله للبيد:(ولولا فضل الله عليك ورحمته -إلى قوله- فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) فلما نزل القرأن أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فردّه إلى رفاعة، فقال قتادة: لمّا أتيتُ عمّي بالسلاح، وكان شيخاً قد عمىَ أو عشي في الجاهلية، وكنتُ أرى إسلامه مدخولاً، فلما
أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخى هو في سبيل الله، فعرفتُ أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحِق بشيرٌ بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد بن سُمية فأنزل الله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيداً) فلما نزل على سُلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره، فأخذتْ رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ لى شعر حسّان؟
ما كنتَ تأتيني بخير.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نحلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحَراني.
وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده، وقتادة هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه وأبو سعيد الخدري سعد ابن مالك بن سنان.
(السنن 5/ 244-247 ح /3036 - ك التفسير، سورة النساء)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وأخرجه الطبري في (تفسيره 9/177) ح 10411) بسند الترمذي نفسه. وأخرجه الحاكم (4/385- ك الحدود) -مع اختلاف في لفظه- من طريق: يونس بن بكير، عن ابن إسحاق به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. "وأما عن قول الترمذي: بأن يونس بن بكير وجماعة رووه عن عاصم بن عمر مرسلاً، فقد قال الشيخ أحمد شاكر: غير أن الحاكم: رواه كما ترى من طريق يونس بن بكير مرفوعاً إلى قتادة بن النعمان"(تفسير الطبري 9/183) .
وانظر حديث أم سلمة عند البخاري ومسلم المتقدم تحت الآية رقم (188) من سورة البقرة.
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي رزين:(إذ يبيتون مالا يرضى من القول) قال: يؤلفون مالا يرضى من القول.
ورجاله ثقات وسنده صحيح، وأبو رزين هو مسعود بن مالك.
قوله تعالى (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما)
انظر حديث علي الذي يرويه عن أبي بكر الصديق المتقدم عند الترمذي تحت الآية (135) من سورة آل عمران.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وسعة رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال.
قوله تعالى (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية أن من فعل ذنبا فإنه إنما يضر به خصوص نفسه لا غيرها وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقوله (ومن أساء فعليها) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك)
انظر حديث الترمذي عن قتادة بن النعمان المتقدم عند الآية (105) من السورة نفسها.
قوله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه علم نبيه صلى الله عليه وسلم ما لم يكن يعلمه، وبين في مواضع أخر أنه علمه ذلك عن طريق هذا القرآن العظيم الذي أنزله عليه كقوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) الآية.
وقوله (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتاده قوله (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) علمه الله بيان الدنيا والآخرة، بين حلاله وحرامه ليحتج به على خلقه.
قوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس
…
)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كثيرا من مناجاة الناس فيما بينهم لاخير فيه. ونهى في موضع آخر عن التناجى بما لا خير فيه وبين أنه من الشيطان ليحزن به المؤمنين وهو قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالأثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي اليه تحشرون إنما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بأذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله في هذه الآية الكريمة (أو إصلاح بين الناس) لم يبين هنا هل المراد بالناس المسلمون دون الكفار أولا.
ولكنه أشار في مواضع أخر أن المراد بالناس المرغب في الأصلاح بينهم هنا المسلمون خاصة كقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فتخصيصه المؤمنين بالذكر يدل على أن غيرهم ليس كذلك كما هو ظاهر وكقوله تعالى (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) .
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب أن حُميد بن عبد الرحمن أخبره أن أمّه أمّ كلثوم بنت عُقبة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذّاب الذي يُصلح بين الناس فينمى خيراً أو يقول خيراً".
(الصحيح 5/353 ح 2692 - ك الصلح، ب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس) ، وأخرجه مسلم (ح 2605 - ك البر، ب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه) ، وأخرجه أحمد في مسنده (6/403) وفى آخره زيادة وهي بيان ما رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب) .
قال الترمذى: حدثنا هناد. حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مُرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة"؟، قالوا: بلى قال: "إصلاح ذاتِ البين، فإن فساد ذاتِ البين هي الحالقة".
(السنن 4/663 ح 2509- ك صفة القيامة) وقال: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. وأخرجه الإمام أحمد في المسند (6/444، 445) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/275 ح 5070) كلاهما من طريق أبي معاوية به.
وعزاه الزيلعى للبزار في مسنده ثم نقل عنه قوله: لا نعلمه يروى بإسناد متصل أحسن من هذا، وإسناده صحيح (نصب الراية 4/355) ، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر والسيوطى (فيض القدير شرح الجامع الصغير 3/106) ، وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى رقم 2037) .
قوله تعالى (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ومن يفعل ذلك) تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس (ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيماً)
قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين)
انظر حديث الترمذي عن قتادة بن النعمان المتقدم عند الآية (105) من السورة نفسها.
قوله تعالى (نوله ما تولى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (نوله ما تولى) قال، من آلهة الباطل.
قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) يقول: من يجتنب الكبائر من المسلمين.
قوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إناثا)
قال الضياء المقدسى: أخبرنا أبو طاهر المبارك بن أبي المعالى -بقراءتي عليه بالجانب الغربي من بغداد- قلتُ له: أخبركم هِبة الله بن الحصين -قراءة عليه وأنت تسمع- أنا الحسن بن المذهِب، أنا أبو بكر القطيعى، نا عبد الله بن أحمد، حدثنى هدية بن عبد الوهاب ومحمود بن غيلان، قالا: نا الفضل بن مرسى، أنا حُسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب (إن يدعون من دونه إلا إناثاً) قال: مع كل صنمٍ جِنِّية.
(المختارة 3/362، 363 ح 1157) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمود بن غيلان به.
وسنده حسن، وعزاه الهيثمي لأحمد وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/12) ، وصحح إسناده، د. عامر حسن صبري في (زوائد المسند ص351 ح 144) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إلا إناثا)، يقول: ميتا.
قوله تعالى (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا)
قال الشيخ الشنقيطي: المراد في هذه الآية بدعائهم الشيطان المريد عبادتهم له ونظيره قوله تعالى (ألم أعهد إليكم يابني أدم ألا تعبدوا الشيطان) الآية، وقوله عن خليله إبراهيم مقررا له (يا أبت لا تعبد الشيطان) وقوله عن الملائكة (بل كانوا يعبدون الجن) الآية وقوله:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ولم يبين في هذه الآيات ماوجه عبادتهم للشيطان وإطاعتهم له واتباعهم لتشريعه وإيثاره على ماجاءت به الرسل من عند الله تعالى كقوله (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وقوله (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) قال: تمرد على معاصي الله.
قوله تعالى (وقال لآتخدن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خَلقَ الله)
قال الشيخ الشنقيطي: بين هنا فيما ذكر عن الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض بقوله (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن أذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
…
كما بين كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض في آيات أخر كقوله (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) وقوله (أرأيتك هذا الذي كرمت على لأحتنكن ذريته) الآية. ولم يبين هنا هل هذا الظن الذي ظنه لإبليس ببني أدم أنه يتخذ منهم نصيبا مفروضا وأنه يضلهم تحقق لإبليس أولا، ولكنه بين في آية أخرى أن ظنه تحقق له وهي قوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) الآية. ولم يبين هنا الفريق السالم من كونه من نصيب إبليس ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) .
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبا هاشم يعني ابن يوسف عن ابن جريج، أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن عكرمة يعنى قوله:(ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم) قال: دين شرعه لهم الشيطان كهيئة البحاير والسوائب.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فليبتكن أذان الأنعام) قال: البتك في البحيرة والسائبة، كانوا يبتكون أذانها لطواغيتهم.
قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمِّصات والمتفلِّجات للحُسن، المغيّرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسدٍ يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنكَ لعنت كيت وكيت،
فقال: وماليَ لا ألعن من لعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: فإني أرى أهلكَ يفعلونه. قال: فاذهبي فانظري، فذهبتْ فنظرت فلم ترَ من حاجتها شيئاًَ. فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها".
(الصحيح 8/498 ح 4886 - ك التفسير، ب (وما آتاكم الرسول فخذوه) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه - ك اللباس والزينة، ب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة
…
التالى لرقم120) .
انظر حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري عند الآية (87-88) من سورة المائدة.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (خلق الله) : دين الله.
قوله تعالى (ومن أصدق من الله قيلاً)
قال البخاري: حدثنا أدم بن أبي إياس حدثنا شعبة أخبرنا عمرو بن مُرّة سمعت مرة الهمدانى يقول: قال عبد الله: إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
(الصحيح 13/263 ح 7277 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأخرجه الإمام أحمد (المسند3/310) بلفظ: "
…
فإن أصدق الحديث كتاب الله
…
".
وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (1) من سورة القمر.
قوله تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئا من أمانيهم، ولا أماني أهل الكتاب، ولكنه أشار إلى بعض ذلك في مواضع أخر كقوله في أماني العرب الكاذبة (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) وقوله عنهم (إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) ونحو ذلك من الآيات، وقوله في أماني أهل
الكتاب (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم) الآية. وقوله (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) الآية. ونحو ذلك من الآيات.
قوله تعالى (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن ابن عُيينة (واللفظ لقتيبة) حدثنا سفيان عن ابن محيصن، شيخ من قريش، سمع محمد بن قيس بن مخرمة يُحدّث عن أبي هريرة قال: لمّا نزلت (من يعمل سوءاً يُجز به) بلغتْ من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسدّدوا. ففي كلّ ما يصاب به المسلم كفارة. حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يُشاكها".
قال مسلم: هو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن، من أهل مكة.
(الصحيح 4/1993 ح 2574 - ك البر والصلة والآداب، ب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت سعيدَ بن يسار أبا الحباب يقول: سمعت أبا هريرة يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من يرد الله به خيراً يصب منه".
(الصحيح 10/108 ح 5645 - ك المرضى، ب ما جاء في كفارة المرض
…
) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من يشرك يجز به، وهو "السوء"، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا، إلا أن يتوب قبل فيتوب الله عليه.
قوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن)، قال: أبي أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان.
قوله تعالى (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) يقول: من أخلص لله.
وانظر سورة البقرة آية (135) لبيان كلمة: حنيفاً.
قوله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا جرير. ح وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. كلهم عن الأعمش. ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وأبو سعيد الأشج (واللفظ لهما) قالا: حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أبرأ إلى كل خِلَّ من خله ولو كنت متخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً. إن صاحبكم خليل الله".
(الصحيح 4/1856 - فضائل الصحابة، ب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه) .
قوله تعالى (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لاتؤتونهن ماكتب لهن وترغبون أن تنكحوهن)
قال البخاري: حدثنا عُبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن -إلا قوله- وترغبون أن تنكحوهن) قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها فأشركته في ماله حتى في العذق. فيرغب أن ينكحها ويكره أن يُزوجها رجلاً فيشركه في ماله بما شرِكته فيعضلها، فنزلت هذه الآية.
(الصحيح 8/114 ح 4600- ك التفسير، سورة النساء ب الآية) .
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء) الآية. لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم في الكتاب ماهو، ولكنه بينه في أول السورة وهو قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) الآية.
قال مسلم: حدثي أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى التجيبي (قال أبو الطاهر: حدثنا. وقال حرملة: أخبرنا) ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أخبرنى عروة بن الزبير؛ أنه سأل عائشة عن قول الله: (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(النساء: 3) . قالت: يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليها تُشاركه في ماله فيُعجبه مالها وجمالها. فيُريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها. فيعطيها مثل ما يُعطيها غيره. فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يُقسطوا لهن. ويبلغوا بهن أعلى سُنتهن من الصداق. وأمرو أن ينكحوا من طاب لهم من النساء، سواهن قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فيهن. فأنزل الله عز وجل:(يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) قالت: والذي ذكر الله تعالى؛ أنه يُتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى التي قال الله فيها:(وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء)(النساء: 3) قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: (وترغبون أن تنكحوهن) ، رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط. من أجل رغبتهم عنهن.
(الصحيح 4/2313 ح 3018 - ك التفسير) .
انظر حديث البخاري عن عائشة عند الآية (3) من السورة نفسها.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ماكتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) فكان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقى عليها ثوبه، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة وهويها تزوجها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجل أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها فحرم الله ذلك ونهى عنه.
قوله تعالى (والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (والمستضعفين من الولدان) فكانوا في الجاهية لايورثون الصغار ولا البنات، فذلك قوله:(لا تؤتونهن ما كتب لهن) فنهى الله عن ذلك وبين لكل ذي سهم سهمه، فقال:(للذكر مثل حظ الأنثيين) صغيرا كان أو كبيرا.
قال الشيخ الشنقيطي: القسط العدل، ولم يبين هنا هذا القسط الذي أمر به لليتامى، ولكنه أشار له في مواضع أخر كقوله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وقوله (قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) وقوله (فأما اليتيم فلا تقهر) وقوله (وآتى المال على حبه ذوي القربي واليتامى) الآية. ونحو ذلك من الآيات فكل ذلك فيه القيام بالقسط لليتامى.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة يعنى قوله (فإن الله كان به عليما) قال: محفوظ ذلك عند الله، عالم به شاكر له
…
قوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدة بن سليمان. حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشه:(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً) الآية. قالت: أنزلت في المرأة تكون عند الرجل. فتطول صُحبتها. فيُريد طلاقها فتقول: لا تطلّقني، وأمسكني، وأنت في حل منّي. فنزلت هذه الآية.
(الصحيح 4/2316 ح 3021 - ك التفسير) ، (وصحيح البخاري 8/114ح 4601 - ك التفسير سورة النساء بنحوه) .
قال الترمذى: حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا أبو داود. حدثنا سليمان بن معاذ عن سِماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيتْ سودة أن يُطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومى لعائشة ففعل فنزلت (فلا جناح عليها أن يصلحا بينهما صُلحاً والصلح خير) فما اصطلحا عليه من شىء فهو جائز. كأنه من قول ابن عباس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. (السنن 5/249 ح /3040 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي) . وفيه سماك بن حرب وروايته عن عكرمة فيها اضطراب ولا يضر لأنه ثبت عن عائشة فيما أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/186) وانظر (الفتح 9/313) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (نشوزا) البغض.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فتلك المرأة تكون عند الرجل، لايرى منها ما يحب وله امرأة غيرها أحب اليه منها، فيؤثرها عليها. فأمره الله إذا كان ذلك ما تقول لها:"ياهذه إن شئت أن تقيمي على ما ترين من الأثرة، فأواسيك وأنافق عليك، فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك"، فإن هي رضيت أن تقيم بعد أن يخيرها فلا جناح عليه، وهو قوله:"والصلح خير"، وهو التخيير.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الشح: هواه في الشيء يحرص عليه.
قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)
قال الشيخ الشنقيطي: هذا العدل الذي ذكر تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة، والميل الطبيعى؛ لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة بينهن ولو حرصت.
وقال أيضاً في تفسير هذه الآية الكريمة:
اخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني: في الحب والجماع.
قوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا همام، ثنا قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل".
(السنن 2/242 ح 2133- ك النكاح، ب في القسم بين النساء) . وأخرجه الترمذي في (سننه 3/438 ح 1141 - ك النكاح، ب ما جاء في التسوية بين الضرائر) . والنسائى في (سننه 7/63 - ك عشرة النساء، ب ميل الرجل إلى بعض نسائه) . وابن ماجه في (سننه 1/633 ح 1969 - ك النكاح، ب القسمة بين النساء) . والحاكم في (المستدرك 2/186 - ك النكاح من طرق عن همام به نحوه) . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي. ونقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: إسناده على شرط الشيخين ونقل عن عبد الحق قوله: خبر ثابت (التلخيص الحبير 3/201) وقد أعله بعضهم بأن هماماً تفرد برفعه، وأن هشاماً الدستوائى قال فيه: كان يقال. لكن قال الترمذي: لا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام وهمام ثقة حافظ. وتعقبه ابن الملقن فقال: هو ثقة احتج به الشيخان وباقي الكتب السته فلا يضره ذلك (خلاصة البدر المنير 2/213) وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات (الدراية 2/66)، وصححه السيوطي (الجامع الصغير 1/430 ح 826) . وقال الألباني في جواب هذه العلة: وهذه العلة غير قادحة ولذلك تتابع العلماء على تصحيحه (إرواء الغليل 7/81) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فتذروها كالمعلقة) تذروها لا هي أيم، ولا هي ذات زوج.
قوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الزوجين إذا افترقا أغنى الله كلا منهما من سعته وفضله الواسع، وربط بين الأمرين بأن جعل أحدهما
شرطا والآخر جزاء. وقد ذكر أيضاً أن النكاح سبب للغنى بقوله (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) .
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) قال الطلاق.
قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه إن شاء أذهب الناس الموجودين وقت نزولها، وأتى بغيرهم بدلا منهم، وأقام الدليل على ذلك في موضع آخر، وذلك الدليل هو أنه أذهب من كان قبلهم وجاء بهم بدلا منهم وهو قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) . وذكر في موضع آخر: أنهم إن تولوا أبدل غيرهم وأن هؤلاء المبدلين لا يكونون مثل المبدل منهم بل يكونون خيرا منهم، وهو قوله تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) . وذكر في موضع آخر: أن ذلك هين عليه غير صعب وهو قوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: ليس بممتنع ولا صعب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا)، قادر والله ربنا على ذلك: أن يهلك من يشاء من خلقه، ويأتى بآخرين من بعدهم.
قوله تعالى (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً)
انظر سورة الإسراء آية (18) وفيها تقييد هذا الاطلاق في قوله تعالى (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) .
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا)
انظر حديث مسلم عن زيد بن خالد المتقدم في سورة البقرة آية (282) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم أو آبائهم ولايحابوا غنيا لغناه، ولا يرحموا مسكينا لمسكنته، وذلك قوله:(إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) ، فتذروا الحق، فتجوروا.
أخرج الطبري بنسده الحسن عن قتادة: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن أدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوى قرابتك أو أشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل بنفسه، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق. وبالعدل يصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويرد المعتدي ويوبخه، تعالى ربنا وتبارك وبالعدل يصلح الناس يا ابن آدم (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) يقول: أولى بغنيكم وفقيركم.
قوله تعالى (إن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإن تلووا أو تعرضوا) إن تلووا بألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها.
قوله تعالى (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا) وهم اليهود والنصارى. آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت، وأمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت. وكفرهم به: تركهم إياه ثم ازدادوا كفرا بالفرقان وبمحمد صلى الله عليه وسلم فقال الله: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا)، يقول: لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريق هدى، وقد كفروا بكتاب الله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (عذابا أليما) قال: الأليم الموجع في القرآن كله.
قوله تعالى (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) قال: نهى الله تعالى المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم ويخالفونهم في الدين.
قوله تعالى (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن جميع العزة له جل وعلى وبين في موضع آخر: أن العزة التي هي له وحده أعز بها رسوله والمؤمنين، وهو قوله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) أي وذلك بإعزاز الله لهم. والعزة: الغلبة، ومنه قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي: غلبني في الخصام.
قوله تعالى (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم)
قال الشيخ الشنقيطي: هذا المنزل الذي أحال عليه هنا هو المذكور في سورة الأنعام في قوله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) وقوله هنا (فلا تقعدوا معهم) لم يبين فيه حكم ما إذا نسوا النهي حتى قعدوا معهم، ولكنه بينه في سورة الأنعام بقوله (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله تعالى (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) ، وقوله (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقوله (وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ونحو هذا من القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم، أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله.
قوله تعالى (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة يعني قوله: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) قال: هم المنافقون.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم) يقول: نغلب عليكم.
قال الضياء: أخبرنا أبو الحسن على بن حمزة بن علي بن طلحة البغدادي -بالقاهرة- أن هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو طالب محمد بن محمد بن ابراهيم بن غيلان، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان -يعني عن الأعمش- عن ذرّ، عن يسيع، قال: جاء رجل إلى على قال: يقول الله تبارك وتعالى (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) وهؤلاء المؤمنون يُقتلون؟! فقال علي: ادنه (فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) .
(التفسير ص 98، ورجاله ثقات. وسنده صحيح) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/309) والضياء المقدسي (المختارة 2/406-407 ح 793) كلاهما من طريق الثوري به وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (سبيلا) قال: حجة.
قوله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفيه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسور.
وأخرجه بسند صحيح عن الحسن البصري بنحوه وأطول.
انظر تفسير سورة البقرة آية (9) .
قوله تعالى (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)
قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة صفة صلاة المنافقين بأنهم يقومون إليها في كسل ورياء، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا، ونظيرها في ذمهم على التهاون بالصلاة قوله تعالى (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) الآية.
وقوله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) الآية. ويفهم من مفهوم مخالفة هذه الآيات أن صلاة المؤمنين المخلصين ليست كذلك، وهذا المفهوم صرح به تعالى في آيات كثيرة كقوله (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقوله (والذين هم على صلاتهم يحافظون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس) قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلوا.
أخرج ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي الأشهب عن الحسن:(لا يذكرون الله إلا قليلا) قال: إنما قل لأنه كان لغير الله.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثني أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. لقد هممتُ أن آمر المؤذن فيُقيم، ثم آمر رجلا يؤمّ الناس، ثم آخذ شُعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد.
(الصحيح 2/165ح 657- ك الأذان، ب فضل العشاء في جماعه) .
قال مسلم: وحدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن الصباح وقتيبة وابن حُجر.
قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن؛ أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة. حين انصرف من الظهر. وداره بجنب المسجد.
فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر.
قال: فصلّوا العصر فقمنا فصلينا. فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعاً. لا يذكر الله فيها إلا قليلا".
(الصحيح 1/434، ح 622 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب التكبير بالعصر) .
قوله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)
قال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة. حدثنا أبو أسامة. قالا: حدثنا عبيد الله. ح وحدثنا محمد بن المثنى (واللفظ له) أخبرنا عبد الوهاب (يعني الثقفى) . حدثنا عُبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة".
(الصحيح 4/2146 ح 2784 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) .
أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد (مذبذبين) قال: المنافقون لا مع المؤمنين ولا مع اليهود.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هولاء) يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرحين بالشرك.
انظر تفسير سورة البقرة آية (8) .
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين)
قال ابن كثير: ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المومنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) .
وانظر تفسير سورة آل عمران آية (28) .
قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين في أسفل طبقات النار عياذا بالله تعالى. وذكر في موضع آخر أن آل فرعون يوم القيامة يؤمر بإدخالهم أشد العذاب، وهو قوله (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) . وذكر في موضع آخر أنه يعذب من كفر من أصحاب المائدة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين وهو قوله تعالى (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فهذه الآيات تبين أن أشد أهل النار عذابا المنافقون وآل فرعون ومن كفر من أصحاب المائدة.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة عن خيثمة عن عبد الله (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار) قال: في توابيت مبهمة عليهم.
(المصنف 13/154 ح 159 72) ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وسلمة هو ابن كهيل، وخيثمة هو ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي، وعبد الله هو ابن مسعود) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبا إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال: الدرك الاسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فيوقد من تحتهم ومن فوقهم.
وسنده حسن وعاصم هو ابن بهدلة، وأبو صالح هو ذكوان السمان.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: في الدرك الأسفل من النار: يعنى في أسفل النار.
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثني الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن الأسود قال: "كنا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم. قال الأسود: سبحان الله،
إن الله يقول (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) . فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله، فتفرق أصحابه، فرماني بالحصا فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم ثم تابوا، فتاب الله عليهم.
(الصحيح ح 4602 - التفسير، سورة النساء) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة (وأصلحوا) قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله ورسوله.
قوله تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) قال: إن الله جل ثناؤه لا يعذب شاكراً ولا مؤمناً.
قوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يحب الله أن يدعوَ أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعوَ على من ظلمه، وذلك قوله:(إلا من ظلم) ، وإن صبر فهو خير له.
قوله تعالى (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما نقصت صدقة من مال ومازاد الله عبداً بعفو إلا عزاً. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
(الصحيح 4/2001 ح 2588 - ك البر والصلة، ب استحباب العفو والتواضع) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أخبر الله عباده بحكمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا ثم استغفر الله يجد الله غفورا رحيما ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال.
قوله تعالى (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)
انظر حديث أبي أمامة: "كم كانت الرسل؟ " عند الحاكم المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده عن قتادة قوله: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن لبعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) ، أولئك أعداء الله اليهود والنصارى. أمنت اليهود بالتوراة وموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وأمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرأن وبمحمد صلى الله عليه وسلم، فاتخذوا اليهودية والنصرانية، وهما بدعتان وليستا من الله، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رسله.
قوله تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) ، أي كتاباً، خاصة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد، أخبرني سعيد عن قتادة في قوله:(جهرة) أي: عياناً.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فأخذتهم الصاعقة) قال: أخذتهم الصاعقة أي: ماتوا.
قوله تعالى (ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك) قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب عفوه عنهم ذنب اتخاذ العجل إلها ولكنه بينه في سورة البقرة بقوله (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: إنما سمى العجل لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد: قوله (العجل) حسيل البقرة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: قوله (عفونا) يعني: من بعد ما اتخذوا العجل.
قوله تعالى (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجداً) انظر حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم تحت الآية (58) من سورة البقرة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين في قوله:(ورفعنا فوقهم الطور) قال: رفعته الملائكة.
وسنده حسن.
قوله تعالى (وقلنا لا تعدوا في السبت) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل امتثلوا هذا الأمر، فتركوا العدوان في السبت أولا، ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا وأنهم اعتدوا في السبت كقوله تعالى (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) الآية. وقوله (واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) الآية.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة: (وقلنا لا تعدوا في السبت) أمر القوم أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا وأحلت لهم ماخلا ذلك.
قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فبما نقضهم ميثاقهم) يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم (وقولهم قلوبنا غلف) ، أي لا نفقه، (بل طبع الله عليها بكفرهم) ، ولعنهم حين فعلوا ذلك. (فلا يؤمنون إلا قليلا) لما ترك القوم أمر الله، وقتلوا رسله، وكفروا بآياته، ونقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم، طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قلوبنا غلف) قال: في غطاء.
انظر تفسير سورة البقرة آية (88) .
قوله تعالى (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا البهتان العظيم الذي قالوه على الصديقة مريم العذراء، ولكنه أشار في موضع أخر إلى أنه رميهم لها بالفاحشة، وأنها جاءت بولد لغير رشدة في زعمهم الباطل -لعنهم الله- وذلك في قوله (فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا) يعنون ارتكاب الفاحشة (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) يعني: رموها بالزنا.
قوله تعالى: (قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جيبر، عن ابن عباس قال: لما أراد الله تعالى أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر
رجلا من الحواريين، يعني فخرج عيسى من عين في البيت ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي، فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: أنت هو ذاك فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق.
فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء، فهؤلاء اليعقوبية.
وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ما شاء الله ثم رفعه إليه، فهؤلاء النسطورية.
وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: هذا إسناد صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وماصلبوه) إلى قوله (وكان الله عزيزا حكيماً) أولئك أعداء الله اليهود ائتمروا بقتل عيسى ابن مريم رسول الله، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني لم يقتلوه ظنهم يقينا.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (بل رفعه الله إليه) رفع الله إليه عيسى حيا.
قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً)
قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويفيض المالُ حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) .
(الصحيح 6/566 ح 3448 - ك أحاديث الأنبياء، ب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام .
قال مسلم: حدثنا أبو خيثمة، زهير بن حرب. حدثنا الوليد بن مسلم.
حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. حدثني يحيى بن جابر الطائى، قاضى حمص حدثني عبد الرحمن بن جُبر عن أبيه، جبير بن نفير الحضرمي، أنه سمع النوّاس بن سمعان الكلابى. ح وحدثني محمد بن مهران الرازي -واللفظ له- حدثنا الوليد ابن مسلم. حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، جبير بن نفير، عن النوّاس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة. فخفّض فيه ورفّع. حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا. فقال: "ما شأنكم؟. قلنا: يا رسول الله! ذكرتَ الدجال غداة. فخفّضتَ فيه ورفّعت. حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم. إن يخرج، وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج، ولستُ فيكم، فامرؤ حجيج نفسه.
والله خليفتيَ علي كل مسلم. إنه شاب قطط. عينه طافئة. كأني أشبّهه بعبد العزى بن قطن. فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف. إنه خارج
خلّة بين الشام والعراق. فعاث يميناً وعاث شمالاً. يا عباد الله! فاثبتوا.
قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر. ويوم كجمعة. وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنةٍ، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له. فيأمر السماء فتمطر. والأرض فتنبت، فنزوحُ عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضُروعاً، وأمدّه خواصر. ثم يأتي القوم. فيدعوهم فيردون عليه قوله. فينصرف عنهم.
فيُصبحون ممحِلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل. ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً.
فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيُقبل ويتَهَلل وجهه.
يضحك. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم. فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق. بين مهرودتين. واضعاً كفّيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه قطر. وإذا رفعه تحدر منه جُمان كاللولؤ. فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه حتى يُدركه بباب لدّ.
فيقتله. ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه. فيمسح عن وجوههم ويُحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي، لايدان لأحد بقتالهم، فحرزّ عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج. وهم من كل حدب ينسلون. فيمرّ أوائلهم على بُحيرة طبرية.
فيشربون ما فيها. ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه، مرة، ماء. ويُحصر نبي الله عيسى وأصحابه. حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه. فيُرسل الله عليهم النغف في رقابهم. فيُصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى
وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم.
فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله. فيُرسل الله طيراً كأعناق البُخت.
فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يُرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر. فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة. ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، ورُدّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمّانة. ويستظلون بقحفها. ويُبارك في الرسل. حتى أن اللقحة من الابل لتكفي الفئام من الناس. واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس. واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس. فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة. فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض رُوح كل مؤمن وكل مسلم. ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحُمر، فعليهم تقوم الساعة.
(الصحيح 4/2250 ح 2937- ك الفتن وأشراط الساعة، ب ذكر الدجال وصفته وما معه) .
قال مسلم: وحدثنا سعيد بن منصور وعمرو الناقد وزهير بن حرب. جميعاً عن ابن عيينة. قال سعيد: حدثنا سفيان بن عيينة. حدثني الزهري عن حنظلة الأسلمي. قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده! ليهلن ابن مريم بفجّ الروحاء، حاجاً أو معتمراًَ أو ليثنينهما".
(الصحيح 2/915 ح 1252 - ك الحج، ب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه) .
قال الترمذي: حدثنا قتيبة. حدثنا الليث عن ابن شهاب أنه سمع عُبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري يحدّث عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف يقول: سمعت عمي مجمع بن جارية الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد".
(السنن 4/515 ح 2244- ك الفتن، ب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في (المسند 3/420) من طريق: ابن عيينة، عن الزهري به) .
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار. ثنا يزيد بن هارون. ثنا العوّام بن حوشب. حدثني جبلة بن سُحيم عن مؤثر بن عفازة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لمّا كان ليلة أُسرِيَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، لقي إبراهيم وموسى وعيسى.
فتذاكروا الساعة. فبدأوا بإبراهيم. فسألوه عنها. فلم يكن عنده منها علم. ثم سألوا موسى. فلم يكن عنده منها علم. فرُدّ الحديث إلى عيسى بن مريم. فقال: قد عُهد إلى فيما دون وجبتها. فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله. فذكر خروج الدجال. قال: أنزل فأقتله. فرجع الناس إلى بلادهم. فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. فلا يمرون بماء إلا شربوه. ولا بشىء إلا أفسدوه. فيجأرون إلى الله. فأدعو الله أن يُميتهم. فتنتن الأرض من ريحهم.
فيجأرون إلى الله. فأدعو الله. فيرسل السماء بالماء. فيحملهم فيلقيهم في البحر.
ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم. فعُهد إليّ: متى كان ذلك، كانت الساعة من الناس. كالحامل التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها.
قال العوام: ووُجد تصديق ذلك في كتاب الله تعالى (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) .
(السنن 2/1365 ح 4081 - ك الفتن، ب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج) . وأخرجه أحمد في (المسند رقم 3556) من طريق هشيم عن العوام به. وقال محققه: صحيح، وأخرجه أحمد في (المسند رقم 4/488، 489- ك الفتن والملاحم) من طريق: سعيد بن مسعود، عن يزيد بن هارون به. وقال: صحيح الأسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وفى (زوائد ابن ماجة للبوصيري) قال: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
وانظر حديث مسلم عن أبي سريحة الآتي عند الآية (82) من سورة النمل: "إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات
…
".
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا)
يقول: يكون عليهم شهيدا يوم القيامة على أنه بلغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه.
قوله تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا. وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الطيبات التى حرمها عليهم بسبب ظلمهم ولكنه بينها في سورة الأنعام بقوله (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قوله: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) كان الله تعالى حرم على أهل التوراة حين أقروا بها أن يأكلوا الربا، ونهاهم أن يبخسوا الناس أشياءهم ونهاهم أن يأكلوا أموال الناس ظلما، فأكلوا الربا وأكلوا أموال الناس ظلما وصدوا عن دين الله وعن الإيمان بمحمد، فلما فعلوا ذلك حرم الله عليهم بعض ماكان أحل لهم في التوراة عقوبة لهم بما استحلوا مما كان نهاهم عنه، فحرم عليهم كل ذى ظفر: البعير والنعامة ونحوهما من الدواب ومن البقر والغنم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما من الشحم والحوايا يقال: هذا البقر ويقال هذا البطن غير الثرب وما اختلط بعظم من اللحم، يقول ذلك جزيناهم ببغيهم يقول باستحلالهم ماكان الله حرم عليهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) قال: أنفسهم وغيرهم عن الحق.
قوله تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) استثنى الله منهم ثنية من أهل الكتاب فكان منهم من يؤمن بالله وما أنزل عليهم وما أنزل على نبي الله يؤمنون به ويصدقونه ويعلمون أنه الحق من ربهم.
قوله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط
…
)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال سكين وعدي بن زيد: يامحمد، مانعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى! فأنزل الله في ذلك من قولهم (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) إلى آخر الآيات.
وانظر تفسير سورة البقرة آية (136) .
قوله تعالى (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك) انظر حديث أبي أمامة: "كم كانت الرسل". عند الحاكم المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة.
قوله تعالى (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الحجة التى كانت تكون للناس عليه لو عذبهم دون إنذارهم على ألسنة الرسل ولكنه بينها في (سورة طه) بقوله (ولو أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) وأشار لها في سورة القصص بقوله (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) .
قوله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود، فقال لهم: "إني والله أعلم أنكم لتعلمون أني رسول الله! فقالوا: مانعلم ذلك! فأنزل الله (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) .
وفي سورة الإسراء آية (105) بين الله تعالى أنه شهد بالحق على نزول القرآن فقال تعالى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) .
قوله تعالى (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً) انظر سورة آل عمران آية (99) لبيان (سبيل الله) .
قوله تعالى (يا أيها الناس)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: (يا أيها الناس) أي: الفريقين جميعاً من الكافرين والمنافقين.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله..)
قال الشيخ الشنقيطي: هذا الغلو الذي نهوا عنه هو قول غير الحق وهو قول بعضهم إن عيسى ابن الله، وقول بعضهم هو الله، وقول بعضهم هو إله مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا كما بينه قوله تعالى (وقالت النصارى المسيح ابن الله) وقوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وأشار هنا إلى إبطال هذه المفتريات بقوله (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) الآية. وقوله (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله) .
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ترخّص فيه وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمِد الله وأثنى عليه. ثم قال:"ما بال أقوام يتنزهون عن الشىء أصنعه؟ فو الله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية".
(الصحيح 13/290 ح 7301 - ك الاعتصام بالكتاب والسنه، ب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع لقوله تعالى (الآية) .
قال البخاري: حدثنا الحميدى حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله".
(الصحيح 6/551 ح 3445- ك أحاديث الأنبياء، ب قول الله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) مريم/16) .
قوله تعالى (وكلمته ألقاها إلى مريم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وكلمته ألقاها إلى مريم) قال: هو قوله (كن) فكان.
قوله تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبا همام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قوله:(لن يستنكف) قال: لن يستكبر.
وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/237) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً بالله ولا الملائكة المقربون) لن يحتشم المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة.
قوله تعالى (ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) أي: بينة من ربكم (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) وهو هذا القرآن.
قال الشيخ الشنقيطي: المراد بهذا النور المبين القرآن العظيم؛ لأنه يزيل ظلمات الجهل والشك كما يزيل النور الحسي ظلمة الليل، وقد أوضح تعالى ذلك بقوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا) الآية. وقوله (واتبعوا النور الذي أنزل معه) ونحو ذلك من الآيات.
وانظر تفسير سورة البقرة آية (111) .
قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
…
)
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء رضي الله عنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وأخر آية نزلت (يستفتونك) .
(الصحيح 8/117 ح 4605- ك التفسير، سورة النساء، ب (الآية) .
قال مسلم: حدثنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد. حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر. سمع جابر بن عبد الله قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. يعوداني، ماشيان فأُغمي علي. فتوضأ ثم صبّ على من وضوئه.
فأفقت فقلت: يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ فلم يرُدّ على شيئاً. حتى نزلت آية الميراث: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) .
(الصحيح 3/1234 ح 1616 -كتاب الفرائض- ب ميراث الكلالة) .
قال مسلم: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدّمي ومحمد بن المثنى (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا يحيى بن سعيد. حدثنا هشام. حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة؛ أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة.
فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم. وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدى شيئاً أهمّ عندي من الكلالة. ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة. وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري. وقال: "ياعمر!
ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟. وإنى إن أعِش أقضِ فيها
بقضية، يقضي بها من يقرأ القرأن قوله تعالى:(فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) ومن لا يقرأ القرآن.
(الصحيح 3/1236 ح 1617 - ك الفرائض، باب ميراث الكلالة) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الكلالة من لم يترك ولدا ولا والدا.
قوله تعالى (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم)
قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة بأن الأختين ترثان الثلثين، والمراد بهما الأختان لغير أم، بأن تكونا شقيقتين أو لأب بإجماع العلماء، ولم يبين هنا ميراث الثلاث من الأخوات فصاعداً، ولكنه أشار في موضع آخر أن الأخوات لا يزدن على الثلثين، ولو بلغ عددهن ما بلغ وهو قوله تعالى في البنات (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فللذكر مثل حظ الأنثيين) صغيرا أو كبيرا.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (حظ) يقول: نصيب.