المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٢

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا

هل بلغت عبادي؟ وأنا قائل له: رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم مدعوون ومفدمة أفواهكم بالفدام....

(المسند 5/4) ، وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه 11/130) ، والطبراني في (الكبير 19/407) ، وابن عبد البر في (الإستيعاب 1/323) - هامش الإصابة - من طرق عن بهز به وصححه ابن عبد البر.

وأصله في (سنن النسائي 5/4-5) ، وحسنه الألباني في (صحيح النسائي 2/511 و542) .

انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمر الآتي عند الآية ‌

(6)

من سورة التحريم.

قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يقص على عباده يوم القيامة ما كانوا يعملونه في الدنيا، وأخبرهم بأنه جل وعلا لم يكن غائباً عما فعلوه أيام فعلهم له في دار الدنيا، بل هو الرقيب الشهيد على جميع الخلق، المحيط علمه بكل ما فعلوه من صغير وكبير، وجليل وحقير، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) وقوله (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم) وقوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب) .

انظر حديث البخاري عن عدي بن حاتم المقدم عند الآية (131) من سورة آل عمران.

قال ابن كثير: (وما كنا غائبين) يعني: أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) .

ص: 300

قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق

)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والوزن يومئذ الحق) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن وزنه للأعمال يوم القيامة حق أي لا جور فيه، ولا ظلم، فلا يزاد في سيئات مسيء، ولا ينقص من حسنات محسن.

وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين)

وقوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) الآية إلى غير ذلك من الآيات.

قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا ابن أبي مريم، ثنا الليث، حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُصاح برجل من أمتي، يوم القيامة، على رءوس الخلائق. فيُنشر له تسعة وتسعون سجلا. كل سجل مدّ البصر. ثم يقول الله عز وجل: هل تُنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا. يارب! فيقول: أظلمتك كتبتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيُهاب الرجل، فيقول: لا.

فيقول: بلى. إن لك عندنا حسنات. وإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، قال، فيقول: يارب!

ما هذه البطاقة مع هذه السجلات! فيقول: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كِفّة والبطاقة في كِفّة. فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة".

قال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة. وأهل مصر يقولون للرقعة: بطاقة.

(سنن ابن ماجة 2/1437 ح 4300 - ك الزهد، ب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة)، وأخرجه الترمذي من طريق ابن المبارك عن الليث (السنن - ك الإيمان - ب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله) . وقال: حسن غريب. ونقل الحافظ ابن كثير التصحيح في كتاب التفسير، وأخرجه أحمد من طريق ابن المبارك نحوه (المسند ح 6994) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث نحوه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (المستدرك 1/529) ، ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/420) ، وصححه الألباني في (صحيح من الترمذي ح 2127) .

ص: 301

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (والوزن يومئذ الحق) توزن الأعمال.

قوله تعالى (

فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون)

قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن من ثقلت موازينهم أفلحوا، ومن خفت موازينهم خسروا بسبب ظلمهم، ولم يفصل الفلاح والخسران هنا. وقد جاء في بعض المواضع ما يدل على أن المراد بالفلاح هنا كونه في عيشة راضية في الجنة، وأن المراد بالخسران هنا كونه في الهاوية في النار، وذلك في قوله (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية) . وبين أيضاً خسران من خفت موازينه بقوله (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجعلنا لكم فيها معايش) الآية. لم يبين هنا كيفية هذه المعايش التي جعل لنا في الأرض، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً متاعاً لكم ولأنعامكم) . وقوله (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) وقوله (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك الآيات لأولي النهى) . وذكر كثيراً من ذلك في سورة النحل كقوله (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) إلى غير ذلك من الآيات.

ص: 302

قوله تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) قوله (خلقناكم) يعني آدم، وأما (صورناكم) فذريته.

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قول الله (ولقد خلقناكم) قال: آدم (ثم صورناكم) قال: في ظهر آدم عليه السلام.

قوله تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) قال بعض العلماء، معناه: ما منعك أن تسجد، و (لا) صلة، ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة "ص"(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) الآية.

قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقت من نار وخلقته من طين)

قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ذكر في هذه الآية الكريمة: أن إبليس -لعنه الله- خلق من نار، وعلى القول بأن إبليس هو الجان الذي هو أبو الجن. فقد زاد في مواضع أخر أوصافاً للنار التي خلقه منها. من ذلك أنها نار السموم. كما في قوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) ، ومن ذلك أنها خصوص المارج. كما في قوله (وخلق الجان من مارج من نار) والمارج أخص من مطلق النار لأنه اللهب الذي لا دخان فيه.

انظر مسلم عن عائشة الآتي عند الآية (27) من سورة الحجر.

قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين)

قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين) . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه عامل إبليس اللعين بنقيض قصده حيث كان قصده التعاظم والتكبر، فأخرجه الله صاغراً حقيراً

ص: 303

ذليلاً، متصفاً بنقيض ما كان يحاوله من العلو والعظمة، وذلك في قوله (إنك من الصاغرين) والصغار: أشد الذل والهوان، وقوله (اخرج منها مذموماً مدحوراً) ونحو ذلك من الآيات. ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة، وإنما يحصل له نقيض ذلك؛ وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) . وبين في مواضع أخر كثير من العواقب السيئة التي تنشأ عن الكبر -أعاذنا الله والمسلمين منه- فمن ذلك أنه سبب لصرف صاحبه عن فهم آيات الله، والاهتداء بها كما في قوله تعالى (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) الآية. ومن ذلك أنه من أسباب الثواء في النار كما في قوله تعالى (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) وقوله (ذلك بأنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) ومن ذلك أن صاحبه لا يحبه الله تعالى كما في قوله (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فأخرج إنك من الصاغرين) و (الصغار) هو الذل.

قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين)

قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) . لم يبين هنا في سورة الأعراف الغاية التي أنظره إليها، وقد ذكرها في "الحجر" و"ص" مبيناً أن غاية ذلك الإنظار هو يوم الوقت المعلوم. لقوله في سورة "الحجر" و"ص"(إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) فقد طلب الشيطان الإنظار إلى يوم البعث، وقد أعطاه الله الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم.

وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى - والعلم عند الله تعالى.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى، فصعق من في السماوات ومن في الأرض، فمات.

ص: 304

قوله تعالى (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم)

قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل قال: حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرُقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين أبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تُجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويُقسم المال، فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يُدخله الجنة. ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة".

(السنن 6/21-22 - ك الجهاد، ب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد) ، وأخرجه أحمد (3/483) ، والطبراني (6558) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/453، 454 ح 4593) من طرق عن موسى بن المسيب به، ووقع عند أحمد: موسى بن المثنى، وقال محقق الإحسان: إسناده قوي. وصححه الألباني (صحيح سنن النسائي ح 2937) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فبما أغوتينى) يقول أضللتنى.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (صراطك المستقيم) قال: الحق.

قوله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) يعنى الدنيا (ومن خلفهم) من الآخرة (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم (وعن شمائلهم) من قبل سيئاتهم.

ص: 305

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار (ومن خلفهم) من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم بطأهم عنها (وعن شمائلهم) زين لهم السيئات والمعاصى، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يا ابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله!.

قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تجد أكثرهم شاكرين) هذا الذي ذكر إبليس أنه سيوقع بني آدم فيه قاله ظناً منه أنهم سيطيعونه فيما يدعوهم إليه حتى يهلكهم. وقد بين تعالى في سورة "سبأ" أن ظنه هذا صدق فيهم بقوله (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه) الآية. كما تقدمت الإشارة إليه.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) يقول: موحدين.

قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تَبِعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) . بين في هذه الآية الكريمة أنه قال لإبليس: اخرج منها في حال كونك مذءوماً مدحوراً. والمذءوم: المعيب أو الممقوت، والمدحور: المبعد عن الرحمة، المطرود، وأنه أوعده بملء جهنم منه، وممن تبعه.

وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالى (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) وقوله (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورَجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) وقوله (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون) إلى غير ذلك من الآيات.

ص: 306

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (مذءوماً) قال: منفياً (مدحوراً) قال: مطروداً.

قوله تعالى (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) إلى قوله (

وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)

انظر سورة البقرة آية (35-36) .

قوله تعالى (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.

قوله تعالى (بدت لهما سوآتهما)

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (بدت لهما سوآتهما) قال: كانا لا يريان سوآتهما. فقال آدم عليه السلام: يارب، أرأيت إن تبت فاستغفرت؟ قال إذاً أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يستغفر، وإنما سأل النظرة، فأعطى كل واحد منهما الذي سأل.

قوله تعالى (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يخصفان) قال: يرقعان، كهيئة الثوب.

قوله تعالى (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)

ولقد تاب الله على آدم وحواء كما في قوله تعالى (

فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) سورة البقرة آية (37) .

ص: 307

قوله تعالى (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر)

أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر) قال: هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) سورة البقرة آية (22) .

قوله تعالى (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون)

قال ابن كثير: كقوله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) طه آية: 55. يخبر تعالى أنه يجعل الأرض داراً لبني آدم مدة الحياة الدنيا، فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويجازي كلا بعمله.

قوله تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (لباسا يواري سوآتكم) قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وريشاً) يقول: مالا.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولباس التقوى) هو الإيمان.

قوله تعالى (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) . حذر تعالى في هذه الآية الكريمة بني آدم أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم، وصرح في موضع آخر. أنه حذر آدم من مكر إبليس قبل أن

ص: 308

يقع فيما وقع فيه، ولم ينجه ذلك التحذير من عدوه وهو قوله تعالى (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) .

أخرج آدم بن بي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه يراكم هو وقبيله) قال: قبيله الجن والشياطين.

قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون)

قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) الآية. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: إن الكفار إذا فعلوا فاحشة، استدلوا على أنها حق وصواب، بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأنهم ما فعلوها، إلا لأنها صواب ورشد. وبين في موضع آخر: أن هذا واقع من جميع الأمم، وهو قوله تعالى (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) . ورد الله عليهم هذا التقليد الأعمى في آيات كثيرة، كقوله (أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) وقوله (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) وقوله (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) إلى غير ذلك من الآيات.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل لم تفعلون ذلك؟ قالوا:(وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) .

قوله تعالى (قل أمر ربي بالقسط)

أي بالعدل، كما تقدم في سورة آل عمران آية (18) .

قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) يقول: اجعلوا وجوهكم عند كل مسجد إلى الكعبة حيث ماصليتم.

ص: 309

قوله تعالى (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة)

قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عُراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) إلى آخر الآية.

ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم. ألا وإنه يُجاءُ برجال من أمتى فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابى، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم. فلما توفيتني كنتَ أنتَ الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".

(الصحيح 8/135 ح 4625 - ك التفسير، ب (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم

) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2194 - ك الجنة، ب فناء الدنيا

) .

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يُبعث كل عبدٍ على ما مات عليه".

(الصحيح 4/2206 ح 2878 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال جل ثناؤه:(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) - سورة التغابن:2 - ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنا وكافرا.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (كما بدأكم تعودون) يحييكم بعد موتكم.

ص: 310