المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (لكل - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٢

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (لكل

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال: الدين واحد والشريعة مختلفة.

قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات)

انظر سورة البقرة آية (1‌

‌48)

.

قوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم)

أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صوريا، وشأس بن قيس، بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يامحمد، إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولاتتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) إلى قوله (لقوم يوقنون) .

قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون)

انظر حديث أبي داود المتقدم عند الآية رقم (42) من السورة نفسها.

أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أفحكم الجاهلية يبغون) قال: يهود.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) ذكر تعالى هذه في الآية الكريمة أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، ولكنه بين في مواضع أخر أن ولاية بعضهم لبعض زائفة وليست خالصة، لأنها لاتستند على أساس صحيح، هو دين الإسلام، فبين

ص: 188

أن العداوة والبغضاء بين النصارى دائمة إلى يوم القيامة، بقوله:(ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) وبين مثل ذلك في اليهود أيضاً، حيث قال فيهم:(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) . والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم، كما هو صريح السياق، خلافاً لمن قال إنها بين اليهود والنصارى. وصرح تعالى بعدم اتفاق اليهود معللاً له بعدم عقولهم في قوله:(تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) .

وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم؛ وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى:(ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليهود ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) . ونهى في موضع آخر عن توليهم مبيناً سبب التنفير منه؛ وهو قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) . وبين في موضع آخر: أن محل ذلك، فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاح، لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم،

ص: 189

بقدر المداراة التي يكتفى بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة.

ومن يأتي الأمور على اضطرار

فليس كمثل آتيها اختيار

ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم.

قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) قال: المنافقون، في مصانعة اليهود ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادهم إياهم وقول الله تعالى ذكره (نخشى أن تصيبنا دائرة) قال يقول: نخشى أن تكون الدائرة لليهود.

انظر سورة البقرة آية (10) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: بالقضاء.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: فتح مكة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) من موادتهم اليهود، ومن غشهم للإسلام وأهله.

قوله تعالى (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين)

قال الشيخ الشنقيطي: وبين الله تعالى في موضع أخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين أنهم منهم، إنما هو الفرق أي الخوف، وأنهم لو وجدوا محلاً

ص: 190

يستترون فيه عن المسلمين لسارعوا إليه، لشدة بغضهم للمسلمين، وهو قوله (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون) ففي هذه الآية بيان سبب أيمان

المنافقين ونظيرها قوله: (اتخذوا أيمانهم جنة) . وبين تعالى في موضع آخر، أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون وأنهم إن رضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عنهم وهو قوله (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لايرضى عن القوم الفاسقين) .

قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

قال ابن كثير: يقول الله تعالى مخبرا عن قدراته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: بممتنع ولا صعب.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) الآية، وعيد من الله أنه من ارتد منكم أنه سيستبدل خيراً منهم.

قال الحاكم أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا وهب بن جرير وسعيد بن عامر (قالا) ثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضاً الاشعري يقول: لما نزلت (فسوف يأتي الله لقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قومك يا أبا موسى". وأومى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري.

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 2/313) وصححه الذهبي وابن الملقن، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 17/371 ح 1016) ، وأبو بكر ابن أبي شيبة في مسنده - كما في إتحاف الخيرة (1/163 ح 103) ، الطبري في (تفسيره 1/414-415 ح 12188، 12192)، وابن حاتم في (تفسيره 5/169 ح 266) كلهم من طريق شعبة به. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/16)، وقال البوصيري في الإتحاف: هذا إسناد رواته ثقات.

ص: 191

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) يعني بالأذلة: الرحماء.

قوله تعالى (ولا يخافون لومة لائم)

قال ابن ماجة: حدثنا عمران بن موسى، أنبأنا حماد بن زيد، ثنا على بن زيد ابن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيباً، فكان فيما قال:"ألا، لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء، فهبنا.

(السنن ح 4007 - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وأخرجه الترمذي (السنن ح 2191 - ك الفتن، ب ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة) بإسناد ابن ماجة نفسه في حديث طويل وفيه موضع الشاهد. قال أبوعيسى: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم 3237) وقد توبع علي بن زيد على إسناد هذا الحديث، فأخرجه أحمد (المسند 3/5) من طريق سليمان بن طرخان، و (3/44) من طريق أبي سلمة، و (3/46-47) من طريق المستمر بن الريان، كلهم عن أبي نضرة به. وأخرجه أحمد (المسند 3/87) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/509ح 275) من طرق عن خالد بن عبد الله، عن الجريري عن أبي نضرة به. وخالد بن عبد الله هو الواسطي، وقد أخرج البخاري ومسلم روايته عن الجريرى. قال محقق الإحسان: إسناده صحيح، رجاله رجال مسلم إلا الجريري وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده (2/536 ح 1411) ضمن حديث طويل، من طريق الحسن عن أبي سعيد، وفيه قوله: حدثنا أبو سعيد، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال صحيح (مجمع الزوائد 7/ 274) .

قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا

)

قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد ربه قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن أبيه أنهم أسلموا أو كان فيمن أسلم فبعثوا وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعتهم وإسلامهم فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقالوا يا رسول الله نحن من قد عرفت وجئنا من حيث قد علمت وأسلمنا فمن ولينا؟ قال:"الله ورسوله". قالوا: حسبنا رضينا.

(المسند 4/232) ، وأخرجه أبو يعلى في (مسنده 12/203 ح 6825) من طريق الأوزاعي، والطبراني في (الكبير 18/329 ح 846) مطولا من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن يحيى السيبانى عن ابن الديلمي به. وعزاه الهيثمي لأحمد وأبى يعلى والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن فيروز وهو ثقة (مجمع الزوائد 9/406) وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.

ص: 192

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.

قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب فقال: لا تخافوا الدولة والدائرة فقال (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) و (الحزب) هم الأنصار.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين)

أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: قال كان رفاعة بن زيد في التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) إلى قوله تعالى (والله أعلم بما كانوا يكتمون) .

قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون)

أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به. فأنزل الله فيهم: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) .

ص: 193

قوله تعالى (وجعل منهم القردة والخنازير)

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب (واللفظ لأبي بكر) . قالا: حدثنا وكيع، عن مسعر، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن المعرور بن سويد، عن عبد الله، قال: قالت أم حبيبة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمتعني بزوجي، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي، معاوية قال: فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يُعجِّل شيئاً قبل حله. أو يؤخر شيئاً عن حله. ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل".

قال: وذُكرتْ عنده القردة. قال مسعر: وأُراه قال: والخنازير من مسخ.

فقال: " إن الله لم يجعل لمسخِ نسلاً ولا عقباً. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".

(الصحيح 4/2050- 2051 ح 2663 - ك القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرهما لا تزيد ولا تنقص

) .

أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) قال: مسخت من يهود.

قوله تعالى (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا له والله أعلم بما كانوا يكتمون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا) الآية، أناس من اليهود، كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذى جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله صلى الله عليه وسلم.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي نحوه.

ص: 194

قوله تعالى (وترى كثيراً منهْم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ماكانوا يعملون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) قال: (الإثم) ، الكفر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم.

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأكلهم السحت) قال: الرشا.

قوله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) يعنى: الربانيين، أنهم: لبئس ما كانوا يصنعون.

قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)، قال: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً.

قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام، حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن يمين الله ملأى لا يفيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلقَ السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض -أو القبض- يرفع ويخفِض".

(صحيح البخاري 13/414 ح 7419 - ك التوحيد، ب (وكان عرشه على الماء..) ، (وصحيح مسلم 2/690 - ك الزكاة، ب الحث على النفقة، من طريق الأعرج عن أبي هريرة بنحوه) .

ص: 195

قوله تعالى (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم.

قوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً) أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليهم.

قوله تعالى (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) يقول: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله (لكفرنا عنهم سيئاتهم) .

قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة

)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم) يعني: لأرسل السماء عليهم مدراراً (ومن تحت أرجلهم) تخرج الأرض بركتها.

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه ليسر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض. وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصاً بهم كقوله عن نوح وقومه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل

ص: 196

لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) وقوله عن هود وقومه (وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) الآية. وقوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقومه (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى) .

قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال:"ذاك عند أوان ذهاب العلم" قلتُ: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويُقرئه أبناؤنا أبناهم، إلى يوم القيامة؟ قال:"ثكلتك أمك، زياد إن كنتُ لأراكَ من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟ ".

(السنن 2/1344 ح 4048 - ك الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم)، وأخرجه أحمد (المسند 4/160) عن وكيع عن الأعمش به. وذكره ابن كثير في تفسيرة (3/140) وقال: هذا إسناد صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح 3272) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله (منهم أمة مقتصدة) يقول: على كتابه وأمره، ثم ذم أكثر القوم فقال:(وكثير منهم ساء ما يعملون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (منهم أمة مقتصدة) يقول: مؤمنة.

قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. أمر تعالى في هذه الآية نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه، وشهد له بالامتثال في آيات متعددة، كقوله:(اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ)، وقوله:(فتول عنهم فما أنت بملوم) ولو كان يمكن أن يكتم شيئاً لكتم قوله تعالى (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ، فمن زعم أنه صلى الله عليه وسلم، كتم حرفاً مما أنزل عليه، فقد أعظم الافتراء على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 197

قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت. مَن حدّثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزل عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك) الآية.

(صحيح البخاري 8/124 ح 4612 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/159 ح 177 مطولاً - ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى)) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ، يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك، لم تبلغ رسالاتي.

قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)

قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر. ح وحدثني أبو عمران، محمد بن جعفر بن زياد (واللفظ له) . أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد) عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قِبل نجد، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظتُ وهو قائم على رأسي فلم أشَعر إلا والسيِف صَلتاً في يده، فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلتُ: "الله". ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟.

قال: قلت: "الله". قال: " فَشَام السيف، فها هو ذا جالس" ثم لم يعرِض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(صحيح مسلم 4/1786 ح 843 - ك الفضائل، ب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس) ، وأخرجه البخاري في (الصحيح 6/96 ح 2910 - ك الجهاد، ب من علق سيفه بالشجر) .

ص: 198

قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا على بن مسهر، أخبرنا يحيى ابن سعيد، أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم سهِرَ، فلما قدم المدينة قال:"ليت رجلا من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة". إذ سمعنا صوت سلاح، فقال:"من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك. فنام النبي صلى الله عليه وسلم.

(الصحيح 6/95 ح 2885 - ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1875 ح 2410 - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص) .

قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسرائيل قال: سمعت جعدة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رجلا سمينا فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". قال: وأتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لم ترع لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله على".

(المسند 3/471) ، وأخرجه الطبراني في (الكبير 2/319 ح 2183) من طريق علي بن الجعد، عن شعبة به مختصراً، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير أبي إسرائيل الجشمي، وهو ثقة (مجمع الزوائد 8/227) . وصحح إسناده الحافظ ابن حجر. (تهذيب التهذيب 2/81) .

قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: "الله". فأنزل الله (والله يعصمك من الناس) .

وهذا إسناد حسن (الفتح 6/98) .

قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشهَ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم:"يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله".

حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه.

ص: 199

(السنن 5/251 ح 3046 - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) وقال: غريب، وأخرجه الطبري (التفسير 10/469 ح 12276) عن المثنى، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية 67 - ح 357) عن إبراهيم بن مرزوق البصري، والحاكم (المستدرك 2/313) من طريق محمد بن عيسى القاضي، كلهم عن مسلم ابن إبراهيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن (فتح الباري 6/82) وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 2440) . وذكر ابن كثير لهذا الحديث شواهد عن أبي سعيد، وعصمة بن مالك وغيرهما (التفسير 2/125-126) .

قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين)

قال ابن حجر: وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه. قالوا: فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن لك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.

(الفتح 8/269) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) قال: فلا تحزن.

قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) الآية.

ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قوله تعالى:(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) الآية. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي بأس

ص: 200

شديد) وبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الآخرة بقوله (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) وبين التوبة التي بينهما بقوله (ثم رددنا لكم الكرة عليهم، وأمددناكم بأموال وبنين، وجعلناكم أكثر نفيراً)، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله:(وإن عدتم عدنا) فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه صلى الله عليه وسلم، وكتم صفاته التى في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم فسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم وذراريهم وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفاً من ذلك في سورة الحشر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وحسبوا ألا تكون فتنة) الآية يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء (فعموا وصموا) كلما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فيه.

انظر سورة البقرة آية (18) عند قوله تعالى (صم بكم عمي) .

قوله تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة)

بيانه في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) النساء: 116.

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

(صحيح مسلم 1/74 ح 54 - ك الإيمان، ب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون

) .

قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، قال: قالت النصارى هو والمسيح وأمه، فذلك قول الله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) .

ص: 201

قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أخر، أن جميع الرسل كانوا كذلك، كقوله:(وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) الآية، وقوله:(وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام) الآية.

قوله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل) قال: يهود.

قوله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى بن مريم، ولعنوا في الزبور على لسان داود.

قوله تعالى (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) قال: المنافقون.

قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشهدين)

قال الطبري: حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة

ص: 202

خاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب، وابن مسعود، وعثمان بن مظعون، في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغ ذلك المشركين، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، فقالوا: إنه خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها، زعم أنه نبي وإنه بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم، قال: إن جاؤوني نظرت فيما يقولون. فقدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأموا باب النجاشي، فقالوا: استأذن لأولياء الله، فقالا: ائذن لهم، فمرحباً بأولياء الله، فلما دخلوا عليه سلموا، فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك؟ لم يحيوك بتحيتك التي تحيَّ بها. فقال لهم: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ فقالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة.

قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال: يقول: هو عبد الله، وكلمة من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه. ويقول في مريم: إنها العذراء البتول.

قال: فأخذ عوداً من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود. فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرأوا فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى، فعرفت كل ما قرءوه وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره:(ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) الآية.

(التفسير 10/499-500 ح 12317) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية 83 ح 428) عن أبيه عن عبد الله بن صالح به، ولفظه أخصر من لفظ الطبري. وإسناده جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية 29 من سورة النساء.

ص: 203

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً)

قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا خالد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص بنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب.

ثم قرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تُحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم) .

(صحيح البخاري 8/126 ح 4615 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . (صحيح مسلم 2/1022 ح 1404 - ك نكاح، ب نكاح المتعة وبيان انه ابيح ثم نسخ) .

قال الحافظ ابن حجر: أخرج الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال: إني حرمته أن لا آكله. فقال: ادن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية إلى قوله: (ولا تعتدوا) .

(الفتح 11/575) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/313-314) .

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد ابن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأينَ نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر.

وقال أخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

(الصحيح 9/5-6 ح 5063 - ك النكاح، ب الترغيب في النكاح) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/1020 ح 1401 - ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه) .

ص: 204

قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى قوله:(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) إلى قوله: (بما عقدتم الأيمان) قال: واللغو من الأيمان، هي التي تكفر، لا يؤاخذ الله بها. ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له، ولم يتحول عنه، ولم يكفر عن يمينه، فتلك التي يؤخذ بها.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) يقول: ما تعمدت فيه المأثم، فعليك فيه الكفارة.

قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين، وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره.

قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان ابن عيينة عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة فنزلت الآية (من أوسط ما تطعمون أهليكم) .

(السنن - الكفارات، ب من أوسط ماتطعمون أهليكم) ، وصحح إسناده البوصيري (مصباح الزجاجة 2/135) ، وكذا الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح 1717) .

انظر حديث معاوية بن الحكم المتقدم عند الآية (238) من سورة البقرة.

وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "اعتقها فإنها مؤمنة".

ص: 205

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة، الأول فالأول، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (رجس من عمل الشيطان) يقول: سخط.

قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى، أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان عن الشعبي عن ابن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل".

(صحيح البخاري 8/126 ح 4619- ك التفسير- سورة المائدة) .

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة".

(صحيح البخاري 10/33 ح 5575 - ك الأشربة، ب قول الله تعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب)) .

قال مسلم: حدثنا سُويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة (رجل من أهل مصر) ، أنه جاء عبد الله بن عباس. ح وحدثنا أبو الطاهر (واللفظ له) ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس وغيره عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة السبأي (من أهل مصر)، أنه سأل عبد الله بن عباس عمّا يُعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: إن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ "قال: لا. فسارَّ إنساناً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِم ساررته؟ ".

فقال: أمرته ببيعها. فقال: "إن الذي حرم شُربها حرّم بيعها". قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها.

(صحيح مسلم 3/1206 ح 1579 - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر) .

ص: 206

وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا سماك بن حرب. حدثني مصعب بن سعد عن أبيه، أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب. قالت: زعمت أن الله وصّاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد. فقام ابن لها يقال له عُمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد. فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية:(ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصله في عاميِن أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) لقمان: 15، وفيها (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيِمة عظيمة، فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم فقلتُ: نفّلنى هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله. فقال:"رُدّه من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلتُ: أعطنيه. قال: فشد لي صوته: "ردّه من حيث أخذته". قال: فأنزل الله عز وجل (يسألونك عن الأنفال) الأنفال: 1. قال: ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني، فقلتُ: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى. قلت: فالنصف. قال: فأبى. قلت: فالثلث. قال: فسكت. فكان بعد الثلث جائزاً. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً -وذلك قبل، أن تحرّم الخمر- قال: فأتيتهم في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر، قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيى الرأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله عز وجل فيّ -يعني نفسه- شأن الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) .

(صحيح مسلم 14/1877 ح 1748 - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه) .

ص: 207

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز (يعنى الدراوردي) عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرّة يقال له المِزر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أو مسكر هو؟ " قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام. إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا: يا رسول الله وماطينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار".

(صحيح مسلم 3/1587 ح 2002 - ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام) .

قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن منير قال: سمعت أبا عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له.

(السنن 3/580 ح 1295 - ك البيوع، ب النهي أن يتخد الخمر خلا) وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجة (السنن 2/1122 ح 3381 - ك الأشربة، ب التجارة في الخمر) من طريق محمد بن سعيد التستري عن أبي عاصم به. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي 2/27) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 6/181-183) من طرق عن شبيب بن بشر به، وحسن محققه أسانيدها) .

انظر حديث عمر المتقدم في سورة البقرة عند الآية (219) .

قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ابن همام، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال؟ "يا أيها الناس: إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمراً، فمن كان عنده شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة، فسفكوها.

(الصحيح 3/1205 ح 1578 - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر) .

ص: 208

قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، ثنا يزيد بن هارون الواسطي، ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه".

(السنن 4/164 ح 4484 - ك الحدود، ب إذا تتابع في شرب الخمر) ، وأخرجه النسائي (السنن 8/314 - ك الأشربه، ب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر) ، وابن ماجة (السنن 2/859 ح 2572 - ك الحدود، ب في شرب الخمر مراراً) كلاهما من طريق شبابة، عن ابن أبي ذئب به. وأخرجه أحمد (المسند ح 7898، 10554) عن يزيد عن ابن أبي ذئب به. والحديث صحيح أفاض الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في تصحيحه وذكر شواهده. وصححه كذلك الألباني (السلسلة الصحيحة ح 1360) .

وانظر حديث أبي داود عن أبي موسى الأشعري المتقدم تحت الآية رقم (219) من سورة البقرة.

قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه".

(الصحيح 4/1770 ح 2260 - ك الشعر، ب تحريم اللعب بالنردشير) .

قال النسائي: أنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة، أنا حجاج بن منهال، نا ربيعة ابن كلثوم بن جبير عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته

فيقول: قد فعل هذا بي أخي - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله عز وجل:(إنما الخمر والميسر) إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) .

ص: 209

(التفسير 1/447-448 ح 171) ، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 12/56 ح 12459) ، والطبري في تفسيره (10/571 ح 12522) ، والحاكم في (المستدرك 4/141-142) ، والبيهقي في (سننه 8/285-286) ، كلهم من طريق ربيعة بن كلثوم به مثله. وهذا الإسناد رجاله أئمة ثقات، إلا أن ربيعة بن كلثوم وأباه في حفظهما شيء، وقد روى لهما مسلم رحمه الله. ويشهد لشطر الحديث الأول حديث سعد بن أبي وقاص عند الإمام مسلم، وقد تقدم عند الآية (90) من السورة نفسها، ويشهد لشطره الثاني حديث البراء عند الترمذي وغيره الماضي قبل هذا الحديث مباشرة، فيكون حديث ابن عباس هذا حسناً إن شاء الله. وقد سكت عنه الحاكم - مع نقل السيوطي عنه انه صححه؟ (الدر المنثور 3/157-158) . وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/18) .

قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)

قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: إن الخمر التي أهريقت الفضيخ. وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا منادى، فقال أبو طلحة: اخرُج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت. فقال لي: اذهب فأهرقها. قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال: بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) .

(صحيح البخاري 8/128 ح 4620 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) ، (صحيح مسلم 3/1570 - ك الأشربة، ب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر) .

قال مسلم: حدثنا منجاب بن الحارث التميمي وسهل بن عثمان وعبد الله ابن عامر بن زرارة الحضرمي وسُويد بن سعيد والوليد بن شجاع (قال سهل ومنجاب: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا) على بن مسهر عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا) المائدة: 93 إلى آخر الآية. قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيل لي: أنت منهم".

(صحيح مسلم 4/1910 ح 2459 - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما .

ص: 210

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم)

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (تناله أيديكم ورماحكم) قال: النبل (رماحكم) تنال كبير الصيد (وأيديكم) تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أيديكم ورماحكم) قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلى الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها أي مفهوم مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) يعني: إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه، وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة، إلا أن يعفو الله.

قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبيا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل إيّلا أو نحوه، فعليه بقرة، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل.

ص: 211

قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً)

انظر سورة البقرة آية (48) عند قوله تعالى (ولا يؤخذ منها عدل) .

قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منكم، كما قال الله عز وجل.

قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم

)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة نرصُدُ عيراً لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، وألقى البحر حوتاً يقال له العنبر، فأكلنا نصف شهر، وادَّهنا بودكه حتى صلحت أجسامنا، قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه فمر الراكب تحته، وكان فينا رجل، فلمّا اشتد الجوع نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاث جزائر، ثم نهاه أبو عبيدة.

(صحيح البخاري 9/530 ح 5494 - ك الذبائح والصيد، ب قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر)) .

قال الطبري: حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد ابن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال: طعامه ما لفظه ميتاً فهو طعامه.

(التفسير 11/70 ح 12729) قال الشيخ محمود شاكر: إسناد صحيح، ورجاله ثقات حفاظ) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعامه متاعا لكم) يعني: بطعامه، مالحه، وما قذف البحر منه، مالحه.

قوله تعالى (وحرّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً)

قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عثمان -هو ابن موهب- قال: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال: خذوا

ص: 212

ساحل البحر حتى نلتقى، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يُحرم. فبينما هم يسيرون إذ رأوا حُمُر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحم الأتان. فلمّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حمر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحمها. قال: "منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لحمها".

(صحيح البخاري 4/35 ح 1824 -ك جزاء الصيد- ب لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال) .

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء -أو بودان- فردّه عليه فلمّا رأى ما في وجهه قال:"إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم".

(صحيح البخاري 4/38 ح 1825 - ك جزاء الصيد، ب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل) .

قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال: حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة، أن سعيد بن المسيب حدثه، عن أبي هريرة أنه سئل عن صيد صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقي عمر ابن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك.

(وصححه أحمد شاكر. التفسير ح 12754) .

قال مسلم: وحدثنا يحيى، قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور".

(كتاب الحج ح 1199، ب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرام) .

ص: 213

قال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور".

(صحيح البخاري 4/42 ح 1829 - ك جزاء الصيد، ب ما يقتل المحرم من الدواب) .

قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) يعنى: قياما لدينهم، ومعالم لحجهم.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)

قال البخاري: حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضلُّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتي فرغ من الآية كلها.

(صحيح البخاري 8/130 ح 4622 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) .

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد، حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحرم فحرّم من أجل مسألته".

(صحيح البخاري 13/278 - ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال ح 7289) .

قال مسلم: حدثنا محمود بن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد اللؤلؤي. وألفاظهم متقاربة (قال محمود: حدثنا النضر بن شميل. وقال الآخران:

ص: 214

أخبرنا النضر) أخبرنا شعبة، حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عُرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً".

قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشدّ منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين. قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، قال: فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: "أبوك فلان". فنزلت: (يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم) .

(صحيح مسلم 4/1832 ح 2359 - ك الفضائل، ب توقيره صلى الله عليه وسلم) ، وأخرجه البخاري بنحوه الصحيح - الفتن باب التعوذ من النفاق ح 7089 ح 7295) .

قال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".

(صحيح البخاري 13/264 ح 7288 - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الإقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، (صحيح مسلم 4/1830 - ك الفضائل، ب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عمالا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف ومالا يقع، ونحو ذلك ح 1337 نحوه) .

قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)

قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البَحيرة التي يُمنع درّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يُحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت عمرو ابن عامر الخزاعى يجرّ قصبه في النار، كان أول من سيّب السوائب". والوصيلة: الناقة البكر تبَكر في أول نِتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يُسيّبونهم

ص: 215

لطواغيتهم أن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضِرابه ودَعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يُحمل عليه شيء، وسموه الحامي. وقال لي أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيداً يُخبره بهذا قال: وقال أبو هريرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. (صحيح البخاري 8/132-133 ح 4623 -ك التفسير- سورة المائدة) ، (صحيح مسلم 4/2192 ح 51 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء. نحوه) .

قال البخاري: حدثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عَمْراً يَجُر قصبه، وهو أول من سيب السوائب".

(صحيح البخاري 8/132-133 ح 4624 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) . ابن عمرو بن لي قمعه (انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/78، والمستدرك 4/605) .

قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة فقال: هل لك مال؟ قال: قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك. ثم قال: هل تنتج إبل قومك صحاحاً آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول: هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله عز وجل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحدّ. وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك. قال: فقلت: يا رسول الله أرأيت رجلاً نزلت به فلم يكرمني ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه بما صنع أم أقريه؟ قال: أقره.

(المسند 3/473) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/181) من طريق وهب بن جرير كلاهما عن شعبة به، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي للطبراني في الصغير وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 5/133) ، وصححه الألباني بشواهده في (غاية المرام ح 75) .

ص: 216

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) ليسيبوها لأصنامهم (ولا وصيلة)، يقول: الشاة، (ولا حام) يقول: الفحل من الإبل.

قوله تعالى (وأكثرهم لا يعقلون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأكثرهم لا يعقلون) يقول: تحريم الشيطان الذي حرم عليهم، إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)

قال الشيخ الشنقيطي: قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله (إذا اهتديتم) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد؛ أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) . فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلت الآيات كقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهو عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده.

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب. وهذا حديث أبي بكر. قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

(الصحيح 1/69 ح 49 - ك الإيمان، في بيان كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان

) .

ص: 217

قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن جرير، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز منهم وأمنع، لا يُغيّرون، إلا عمّهم الله بعقاب".

(السنن ح 4009 - الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وأخرجه أحمد وأبو داود من طريقين عن جرير به نحوه (المسند 4/361، 363، 364، 366) ، (السنن4/122 - الملاحم، ب الأمر والنهي) ، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق كذلك، وصححه ابن حبان (الإحسان 1/259 ح 300) ، وأيضاً صححه الألباني (صحيح الجامع رقم 5749) ، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/493 ح 8085) .

قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد. ح وثنا عمرو بن عون، أخبرنا هشيم المعني، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب". وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".

قال أبو داود: ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، وقال شعبة فيه:"ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله".

(السنن 4/122 ح 4338 - ك الملاحم، ب الأمر والنهي) ، وأخرجه الترمذى (السنن 5/257 ح 3057 - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) والضياء في (المختارة 1/146-147) من طريق يزيد بن هارون. وابن ماجة (السنن 2/1327 ح 4005 - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من طريق ابن نمير وأبى أسامة، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به، وأخرجه أحمد (المسند 1/2) عن ابن نمير به، قال محققه: إسناد صحيح (المسند 1/160) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/261 ح 304) ، وأبو يعلى في (مسند 1/118 ح 128) كلاهما من طريق شعبة، عن إسماعيل به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذى ح 2448) ، وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.

ص: 218

قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا: حدثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألوا، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! قال: فقال الرجل: إني لست إياك أسأل أنا أسأل الشيخ، فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى -لا أبا لك- أني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول:(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون) .

(التفسير 11/140 ح 12854) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا محمد بن فضيل، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أبو طوالة، ثنا نهار العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقّن الله عبداً حجته، قالا: يارب رجوتك، وفرِقْتُ من الناس".

(السنن 2/1332 ح 4017 - ك الفتن، ب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/77) من طريق وهب، عن يحيى بن سعيد به. قال العراقي: رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، بإسناد جيد. (تخريج الإحياء 3/1273 ح 1926) وقال البوصيرى: إسناد صحيح

(مصباح الزجاجة 2/300) وقال الألباني: هذا إسناد جيد (السلسلة الصحيحة ح 929) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم) يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتي.

ص: 219

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين)

قال البخاري: وقال لي على بن عبد الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلمّا قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوّصاً من ذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وُجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) .

(صحيح البخاري 5/480 ح 2780 - ك الوصايا، ب قوله الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت..)) . وقد حسنه علي بن المديني، كما نقله المزي في (تهذيب الكمال 18/312) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) إلى قوله: (ذوا عدل منكم) فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين. ثم قال:(أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد. فذلك قوله:(فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يقول: إن اطلع على الكافرين كذبا

ص: 220

(فآخران يقومان مقامهما) يقول: من الأولياء، فحلفا بالله إن شهادة الكافرين باطلة وإنا لم نعتد فترد شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم. وليس على شهود المسلمين إقسام، وإنما الإقسام إذا كانوا كافرين.

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: سمعت ابن المسيب يقول: (اثنان ذوا عدل منكم) أى: مسلمين (أوآخران من غيركم) أهل الكتاب.

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كاتم الشهادة أثم وبين في موضع آخر أن هذا الإثم من الآثام القلبية وهو قوله: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) ومعلوم أن منشأ الآثام والطاعات جميعاً من القلب، لأنه إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله.

قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا.

انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (31) من سورة البقرة.

وهو حديث: "كم كانت الرسل؟

") .

قوله تعالى (تكلم الناس في المهد)

انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (46) من سورة آل عمران. وهو حديث: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة

") .

قوله تعالى (وإذ تخرج الموتى بإذني)

قال الشيخ الشنقيطي: معناه إخراجهم من قبورهم أحياء بمشيئة الله، وقدرته كما أوضحه بقوله:(وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) .

ص: 221

قوله تعالى (وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات)

قال الشيخ الشنقيطي: لم يذكر هنا كيفية كفه إياهم عنه، ولكنه بينه في موضع آخر كقوله:(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) الآية. وقوله: (ومطهرك من الذين كفروا) .

قوله تعالى (وإذ أوحيت إلى الحواريين)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذ أوحيت إلى الحواريين) يقول: قذفت في قلوبهم.

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: الحواري: الوزير.

قوله تعالى (مائدة من السماء)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (مائدة من السماء) قال: مائدة عليها طعام، أتوا بها، حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم.

قوله تعالى (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.

قوله تعالى (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه)

قال أحمد: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن عمران أبي الحكم السلمي عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يصبح لنا الصفا ذهبة، فإن أصبحت ذهبة اتبعناك وعرفنا أن ما قلت كما قلت. فسأل ربه عز وجل، فأتاه جبريل فقال: إن شئت أصبحت لهم هذه الصفا ذهبة، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحنا لهم أبواب التوبة.

قال: "يا رب لا، بل افتح لهم أبواب التوبة".

(المسند 1/345) ، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (12/152 ح 12736) ، والحاكم في (المستدرك 1/53 و2/314 و4/240) من طريق سفيان به مثله. ووقع عند الإمام أحمد (1/242)

ص: 222

وعند الحاكم في الموضع الأول والثاني (عمران بن الحكم) والصواب المثبت كما نبه على ذلك: الهيثمي في مجمع الزوائد (7/50) وابن حجر في تعجيل المنفعة (ص 319) قال الحاكم في الموضع الثاني: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وقال الحاكم أيضاً في الموضع الثالث: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل الشيخ أحمد شاكر عن ابن كثير أنه قال: إسناد جيد. (حاشية المسند رقم2166) . وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/50، 10/96) وصحح إسناده أحمد شاكر في الموضع المشار إليه عاليه) .

قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)

قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوُس عن أبي هريرة قال: تلقّى عيسى حُجّته ولقاه الله في قوله: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمّي إلهين من دون الله) قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله: (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) الآية كلها.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذى 5/260 - ك التفسير، سورة المائدة ح /3062) ، وأخرج النسائي في (التفسير 1/468 ح 182) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/474 ح 992) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به. وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى 3/48-49) .

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) متى تكون؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول:(هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) .

قوله تعالى (وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)

قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) إلى أخر الآية. ثم

ص: 223

قال: "ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يارب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دُمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم".

(صحيح البخاري 8/135 ح 4625 -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) و (11/385- ك الرقاق، ب الحشر) ، (صحيح مسلم 4/2194 - ك الجنه وصفة نعيمها وأهلها، ب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة) .

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (كنت أنت الرقيب عليهم) قال: الحفيظ عليهم.

قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)

قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم:(رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني) إبراهيم: 36، الآية.

وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت

العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي". وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسلْه ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال. وهو أعلم.

فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

(صحيح مسلم 1/191 ح 202 - ك الأيمان، ب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم) .

قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه)

انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (15) من آل عمران.

ص: 224