المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٢

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)

قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً".

(الصحيح 10/523 ح 6094 - ك الأدب،، ب قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) .

انظر رواية البخاري من حديث كعب بن مالك المذكورة عند الآية (117-‌

‌119)

من هذه السورة. وفيها: فوالله ما أعلم أحداً أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني

وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين) إلى قوله (وكونوا مع الصادقين) .

وقد ذكر البخاري هذه الرواية في تفسير التوبة آية (119) .

قوله تعالى (ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين)

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد المروزي، حدثنا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:(إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) ، (وما كان لأهل المدينة) إلى قوله (يعملون) نسختها الآية التي تليها (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) .

(السنن ح 2505 - ك الجهاد، ب في النسخ نفير العامة بالخاصة) ، ومن طريق أبي داود، أخرجه ابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص364-365 مختصراً)، وقال الألباني: حسن (صحيح أبي داود 2/475-476 ح 2187) .

انظر حديث أبي عبس المتقدم تحت الآية رقم (216) من سورة البقرة.

ص: 500

قوله تعالى (ولا ينفقون نققة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة) الآية، قال: ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بُعدا إلا ازدادوا من الله قرباً.

قوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)

قال البخاري: حدثنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".

(الصحيح 6/250-251 ح 3116 - ك فرض الخمس، ب قول الله تعالى (فأن لله خمسه)) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 3/1524، ح 1037 - ك الأمارة، ب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) فإنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، وأنزل الله يخبر رسول الله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله إلى عشائرهم، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله:(ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعا،

ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) يعنى عصبة، يعنى السرايا، ولا يتسروا إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن،

ص: 501

تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم بعدكم قرآنا، وقد تعلمناه. فيمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله:(ليتفقهوا في الدين) يقول: يتعلمون ما أنزل الله على نبيه، ويعلموا السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين)

قال ابن كثير: وقوله تعالى (وليجدوا فيكم غلظة) أي: وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقاً لأخيه المؤمن، غليظاً على عدوه الكافر، كما قال تعالى:(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) سورة المائدة آية: 54.

وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) سورة الفتح آية: 29. وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) سورة التوبة آية: 73، وسورة التحريم آية: 9.

قوله تعالى (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون)

قال ابن كثير في قوله تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم) أي: زادتهم شكاً إلى شكهم، وريباً إلى ريبهم؛ كما قال تعالى:(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) سورة الإسراء آية: 82. وقال تعالى (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يومنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) سورة فصلت آية: 44.

انظر سورة البقرة آية (125) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض) ، وانظر سورة الأنفال آية (2) .

ص: 502

قوله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يّذكّرون)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (يفتنون)، قال: يبتلون (في كل عام مرة أو مرتين)، قال: بالسِنة والجوع.

قوله تعالى (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون)

قال ابن كثير: وقوله: (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) هذا أيضاً إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (نظر بعضهم إلى بعض) أي: تلفتوا (هل يراكم من أحد ثم انصرفوا) أي: تولوا عن الحق وانصرفوا عنه. وهذا حالهم في الدين لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه؛ كما قال تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة) سورة المدثر الآيات: 49-51. وقال تعالى: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين. عن اليمين وعن الشمال عزين) سورة المعارج آية: 36، 37.

قوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حربص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)

قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن بعث هذا الرسول الذي هو من أنفسنا الذي هو متصف بهذه الصفات المشعرة بغاية الكمال، وغاية شفقته علينا هو أعظم منن الله تعالى، وأجزل نعمة علينا، وقد بين ذلك في موضع أخر؛ كقوله تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) الآية. وقوله:(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) .

ص: 503

قال البخاري: حدثنا محمد بن عُبيد الله أبو ثابت، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عُبيد بن السبّاق، عن زيد بن تابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليّ مما كلفني من جمع القرآن.

قلتُ: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر: هو والله خير.

فلم يزل يحثّ مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا. فتتبَعت القرآن أجمعه من العُسُب والرقاع واللخاف وصدور الرجال فوجدت آخر سورة التوبة (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخرها مع خزيمة -أو أبي خزيمة- فألحقتها في سورتها. وكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.

قال محمد بن عبيد الله: اللخاف يعني الخزَف.

(الصحيح 13/195 ح 7191 - ك الأحكام، ب يستحب للكاتب أن يكون أميناً عاقلاً) .

قال البخاري: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغِفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن

ص: 504

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذين يُسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة".

(الصحيح 1/116 ح 39 - ك الإيمان، ب الدين يسر

) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) قال: جعله الله من أنفسهم، فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (عزيز عليه ما عنتم) قال: ما ضللتم.

قوله تعالى (حريص عليكم)

قال مسلم: وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحُجَزِكم وأنتم تقَحَّمون فيه".

(الصحيح 4/1789 ح 2284 - ك الفضائل، ب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته) ، وأخرجه البخاري (الصحيح ح 6483 - ك الرقاق، ب الانتهاء عن المعاصي) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (حريص عليكم) حريص على ضالهم أن يهديه الله.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإن تولوا فقل حسبي الله) يعني الكفار، تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه في المؤمنين.

وانظر سورة آل عمران آية (173) .

ص: 505