المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش؟ فذكر لهم قول - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٢

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش؟ فذكر لهم قول

فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش؟ فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أنا أقتل أبياً" ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات أبي إلى النار، فسحقاً لأصحاب السعير، قبل إن يقدم مكة فأنزل الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الآية.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/327 - ك التفسير، سورة الأنفال وصححه الذهبي وابن الملقن) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر فقال: يارب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا! فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب! فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.

(التفسير 13/445 ح 15827) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة الأنفال/‌

‌17

ح 174) من طريق أبيه، عن أبي صالح به. وهذا الإسناد جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية (29) من سورة النساء. والحديث أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد 6/74) وعزاه للطبراني ثم قال: إسناده حسن.

قوله تعالى (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين)

قال النسائي: أنا عبيد بن سعيد بن إبراهيم بن سعد، نا عمي، نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبو جهل، وإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى لما لا نعرف فافتح الغد، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .

(التفسير 1/518 ح 221) ، وأخرجه أحمد (المسند 5/431) ، والطبري (التفسير 13/452 ح 15839) ، وابن أبي حاتم (التفسير الأنفال/19 ح 183)، والحاكم (المستدرك 2/328) من طرق عن ابن شهاب به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعند هؤلاء جميعاً:"فأحسنه الغداة". وفي إسناده عبد الله بن ثعلبة له رؤية ولم يثبت له سماع، وله شاهد أخرجه الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما اصطف القوم قال أبو جهل: الله أولانا بالحق فانصره.

ص: 391

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.

وانظر سورة البقرة آية (89) وفيها يستفتحون: يستنصرون.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه!.

ففتح بينهم يوم بدر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإن تعودوا نعد) إن تستفتحوا الثانية، نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم (ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) ، محمد وأصحابه.

قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وهم لا يسمعون) قال: عاصون.

قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)

قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) قال: هم نفر من بني عبد الدار.

(الصحيح 8/158 ح 4646 -ك التفسير- سورة الأنعام) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الصم البكم الذين لا يعقلون) قال: الذين لا يتبعون الحق.

وانظر سورة البقرة آية (18) .

ص: 392

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم

)

قال البخاري: حدثني إسحاق قال: أخبرنا رَوح، حدثنا شعبة، عن خبيْب ابن عبد الرحمن، سمعت حفص بن عاصم يُحدّث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال:"ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) "ثم قال: "لأعلّمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج". فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت له. وقال معاذ: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، سمع حفصاً، سمع أبا سعيد رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وقال:"هي الحمد لله رب العالمين، السبع المثاني".

(الصحيح 8/158 ح 4647 -ك التفسير- سورة الأنعام، ب الآية) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (لما يحييكم) قال: الحق.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.

قوله تعالى (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)

قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله قال: كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: "لا ومقلب القلوب".

(الصحيح 11/521 ح 6617 - ك القدر، ب يحول بين المرء وقلبه) .

وانظر الأحاديث المتقدمة عند آية (8) من سورة آل عمران.

ص: 393

أخرج الطرى بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)، يقول: يحول بين المؤمن وبين الكفر، ويحول بين الكافر وبين الإيمان.

قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة

)

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا قال: سمعت عامراً يقول: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها كَمَثَلِ قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجَوا جميعاً"،

(الصحيح 5/157 ح 2493 - ك الشركة، ب هل يقرع في القسمة) .

قال أحمد: ثنا حسين، قال: ثنا خلف -يعني ابن خليفة- عن ليث، عن علقمة بن مرتد، عن المعرور بن سويد، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله عز وجل بعذاب من عنده"، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون، قال:"بلى"، قالت: فكيف يمنع أولئك؟ قال: "يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان".

(المسند 6/304) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/268) ، وللحديث شواهد أخرى استوفاها الهيثمي في الموضع المشار إليه. منها ما أخرجه الحاكم بسنده عن مولاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/523) ، وصحح إسناده الألباني (السلسلة الصحيحة 3/360) .

أخرج مسلم بسنده عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

(صحيح مسلم - كتاب الفتن ح 2880) .

ص: 394

وقال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد يعني ابن سعيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه! قال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت.

(المسند ح 1414)، وقال محققه: إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/27) . وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 3/66 ح 872) من طريق الإمام أحمد به وقال محققه: إسناده حسن.

وانظر حديث أبي بكر وجرير عند تفسير الآية (105) من سورة المائدة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب.

قوله تعالى (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (فآواكم)، قال: إلى الأنصار بالمدينة (وأيدكم بنصره) وهولاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أيدهم بنصره يوم بدر.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتخونوا أماناتكم) والأمانة، الأعمال التي أمن الله عليها العباد يعني الفريضة.

يقول: (لا تخونوا) يعني: لا تنقصوها.

قوله تعالى (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم)

قال الشيخ الشنقيطي: أمر تعالى الناس في هذه الآية الكريمة أن يعلموا: أن أموالهم وأولادهم فتنة يختبرون بها، هل يكون المال والولد سبباً للوقوع فيما

ص: 395

لا يرضى الله؟. وزاد في موضع آخر أن الأزواج فتنة أيضاً، كالمال والولد، فأمر الانسان بالحذر منهم أن يوقعوه فيما لا يرضي الله. ثم أمره إن اطلع على ما يكره من أولئك الأعداء الذين أقرب الناس له، وأخصهم به، وهم الأولاد والأزواج أن يعفو عنهم، ويصفح ولايؤاخذهم، فيحذر منهم أولاً، ويصفح عنهم إن وقع منهم بعض الشيء، وذلك في قوله في التغابن:(يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) .

وصرح في موضع آخر بنهي المؤمنين عن أن تلهيهم الأموال والأولاد عن ذكره جل وعلا، وأن من وقع في ذلك فهو الخاسر المغبون في حظوظه، وهو قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) . والمراد بالفتنة في الآيات: الاختبار والابتلاء، وهو أحد معاني الفتنة في القرآن.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويُكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)

قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث مَن كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار".

(الصحيح 1/77 ح 16 - ك الأيمان، ب حلاوة الإيمان) وأخرجه مسلم (الصحيح 1/66 ح 43 - ك الإيمان، ب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فرقانا)، قال: مخرجا في الدنيا والآخرة.

ص: 396

قوله تعالى (وإن يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر قال: وأخبرني عثمان الجزري أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال.

(المسند ح 3251)، قال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن، وهو أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار (البداية والنهاية 3/181) . وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 7/236) .

وقصة مكر قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم رواها بطولها: الطبري (التفسير ح 15965) ، وأبو نعيم (دلائل النبوة 1/63) ، والبيهقى (دلائل النبوة 2/468-469) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس، وكذلك أخرجها ابن سعد (الطبقات 1/227) من حديث عائشه وابن عباس وعلى وسراقة بن جعشم.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) ، يعني ليوثقوك.

وانظر سورة الإسراء آية (73 و76) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ليثبتوك أو يقتلوك)، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.

قوله تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن هذا إلا أساطير الأولين) رد الله عليهم كذبهم وافتراءهم هذا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى (وقالوا أساطير

ص: 397

الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً. قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً) وما أنزله عالم السر في السموات والأرض فهو بعيد جداً من أن يكون أساطير الأولين، وكقوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) .

إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)

قال البخاري: حدثني أحمد، حدثنا عبد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن عبد الحميد -هو ابن كرديد صاحب الزيادي- سمع أنس بن مالك رضي الله عنه: قال أبو جهل (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب إليم) فنزلت (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) الآية.

(الصحيح 8/158 ح 4648 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2154 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب قوله (إن الإنسان ليطغى)) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إن كان هذا هو الحق من عندك) قال: قول النضر بن الحارث أو: ابن الحارث بن كلدة. ا.هـ.

وأخرجه من طرق صحيحه مرسلة أخرى، عن سعيد بن جبير وعطاء والسدي، وهي مراسيل يقوي بعضها بعضاً.

قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا الأسود بن عامر شاذان، ثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي، عن محمد ابن كعب القرظي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان فيكم أمانان مضت إحداهما وبقيت الأخرى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) .

(المستدرك 1/542 - ك الدعاء)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) .

ص: 398

قال أحمد: ثنا أبو سلمة، أنا ليث، عن يزيد بن الهاد عن عمرو، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. "إن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم مادامت الأرواح فيهم، فقال الله: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني".

(المسند 3/29) ، وأخرجه أيضاً عن يونس عن ليث به (المسند 3/41)، وعزاه الهيثمي لأحمد وأبي يعلى والطبراني في الأوسط ثم قال: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أبى يعلى (مجمع الزوائد 10/207) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 4/261) من طريق دراج عن أبى الهيثم عن أبي سعيد به.

وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في (السلسله الصحيحة ح 104) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم) يقول: ماكان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ثم قال: (وما كان الله معذبهم وهم بستغفرون) يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار.

ثم قال. (وما لهم ألا يعذبهم الله) ، فعذبهم يوم بدر بالسيف.

قوله تعالى (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون)

قال الشيخ الشنقيطي: صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بنفي ولاية الكفار على المسجد الحرام، وأثبتها لخصوص المتقين، وأوضح هذا المعنى في قوله (ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك إن يكونوا من المهتدين) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (إن أولياؤه إلا المتقون) ، من كانوا، وحيث كانوا.

قوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) المكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.

ص: 399

قوله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) الآية حتى قوله (أولئك هم الخاسرون) قال: في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد.

ورواه الطبري بسنده الحسن عن السدي ورواه عن غير السدي فهذه مراسيل يقوي بعضها بعضاً.

قوله تعالى (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ليميز الله الخبيث من الطيب) ، فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة.

قوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين)

قال البخاري: حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر".

(الصحيح 12/277 ح 6921 - ك استتابة المرتدين، ب إثم من أشرك بالله) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 1/111 ح 120 - ك الأيمان، ب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية) .

قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي وأبو معن الرقاشي وإسحاق ابن منصور كلهم عن أبى عاصم واللفظ لابن المثنى: حدثنا الضحاك (يعني أبا عاصم) قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال. حدثني يزيد بن أبى حبيب، عن ابن شُماسة المهري، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إني قد كنت على أطباق ثلاث. لقد رأيتني وما أحد أشدّ بُغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم منى، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مُتُّ على

ص: 400

تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضتُ يدي. قال: "مالك يا عمرو؟ ". قال قلتُ: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟ " قلتُ: أن يُغفر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ " وما كان أحدٌ أحب إلىّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجَلَّ في عيني منه. وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالاً له. ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقتُ. لأني لم أكن أملأ عينيّ منه. ولومُتُّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا مت، فلا تصحبني نائحة ولا نار. فذا دفنتموني فشُنُّوا عليّ التراب شناً. ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور. ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي.

(الصحيح 1/112-113 ح 121 - ك الايمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله

) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فقد مضت سنة الأولين) في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم قبل ذلك.

قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يعني: حتى لا يكون شرك.

قال البخاري: حدثنا الحسن بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن يحيى، حدثنا حَيوة، عن بكر بن عمرو، عن بُكير، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) إلى آخر الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي أعَير بهذه الآية ولا أقاتل أحبَّ إليّ من أن أعيَّر بهذه الآية التي يقول الله تعالى: (ومن يقتل مومناً متعمداً) إلى آخرها. قال: فإن الله يقول: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا، فكان الرجل يُفتن في دينه: إما يقتلوه، وإما يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن قتنة. فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال: فما قولك

ص: 401

في عليّ وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في عليّ وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه، فكرهتم أن يعفو عنه، وأما عليّ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه -وأشار بيده- وهذه ابنته -أو بنته- حيث ترون.

(الصحيح 8/160 ح 4650 -ك التفسير- سورة الأنفال، ب الآية) .

وقال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا بيان: أنّ وبرة حدثه قال: حدثني سعيد بن جبير قال: خرج علينا -أو إلينا- ابنُ عمر، فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.

(الصحيح 8/160 ح 4651 -ك التفسير- سورة الأنفال) .

وانظر حديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.." في سورة التوبة آية (5) .

قال البخاري: حدثنا عثمان، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية. فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل".

(الصحيح 1/268 ح 123 - ك العلم، ب من سأل وهو قائم عالماً جالساً) .

قال ابن ماجة: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا على بن مسهر، عن عاصم، عن السميط بن السمير، عن عمران بن الحصين، قال: أتى نافع بن الأزرق وأصحابه. فقالوا: هلكتَ يا عمران! قال: ما هلكتُ؟ قالوا: بلى. قال: ما الذي أهلكني؟ قالوا: قال الله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) قال: قد قاتلناهم حتى نفيناهم، فكان الدين كله الله، إن شئتم حدّثتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: وأنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بعث جيشا من المسلمين إلى

ص: 402

المشركين، فلما لقوهم قاتلوهم قتالاً شديداً، فمنحوهم أكتافهم. فحمل رجل من لُحمتي على رجل من المشركين بالرمح، فلمّا غشيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، إني مسلم. فطعنه فقتله. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكتُ. قال: "وما الذي صنعتَ؟ " مرّةً أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فهلا شققت عن بطنه فعلمتَ ما في قلبه؟ ". قال: يا رسول الله! لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: "فلا أنت قبلتَ ماتكلّم به، ولا أنت تعلم ما في قلبه

".

(سنن ابن ماجة 2/1296 ح 3930 - ك الفتن، ب الكف عمن قال لا إله إلا الله)، قال البوصيرى: هذا إسناد حسن، عاصم هو الأحول روى له مسلم. والسميط: وثقه العجلي وروى له مسلم في صحيحه، وسويد بن سعيد مختلف فيه (مصباح الزجاحة 3/222) ، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة من غير طريق سويد من طريق حفص بن غياث عن عاصم به رقم 3931. ولذا حسنه الألباني (انظر صحيح ابن ماجه 2/348) .

قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير)

قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل شيء حواه المسلمون من أموال الكفار فإنه يخمس حسبما نص عليه في الآية، سواء أوجفوا عليه الخيل والركاب أولا، ولكنه تعالى بين في سورة "الحشر" أن ما أفاء الله على رسوله من غير إيجاف المسلمين عليه الخيل والركاب، أنه لا يخمس ومصارفه التي بين أنه يصرف فيها كمصارف خمس الغنيمة المذكورة هنا، وذلك في قوله تعالى في فيء بني النضير:(وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) الآية، ثم بين شمول الحكم لكل ما أفاء الله على رسوله من جميع القرى بقوله (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) الآية.

ص: 403

قال البخاري: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال: كنت أقعد مع ابن عباس يُجلسني على سريره، فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهماً من مالي. فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ القوم -أو من الوفد؟ "- قالوا: ربيعة. قال: "مرحبا بالقوم -أو بالوفد- غير خزايا ولا ندامى". فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمُرنا بأمر فصْلٍ نُخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة.

فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال:"أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخُمس". ونهاهم عن أربع: عن الحنتم، والدبّاء، والنقير، والمزفت -وربما قال: المقيَّر- وقال: "احفظوهن، وأخبروا بهن مَن وراءكم".

(الصحيح 1/157 ح 53 - ك الإيمان، ب أداء الخمس من الإيمان) .

وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن جُبير بن مطعم قال: مَشَيت أنا وعثمان بن عفان فقال: يا رسول الله أعطيتَ بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد".

(الصحيح 6/616 ح 3502 - ك المناقب، ب مناقب قريش) .

وقال: حدثني محمد بن بشار، حدثنا روح بن عُبادة، حدثنا علي بن سويد ابن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنتُ أبغض علياً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال:"يا بُريدة أتبغض علياً؟ ". فقلت: نعم. قال: "لا تُبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك".

(الصحيح 7/664 ح 4350 - ك المغازي، ب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع) .

ص: 404

قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (يعنى ابن بلال) ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز، أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خِلال. فقال ابن عباس: لولا أن أكتم عِلماً ما كتبتُ إليه. كتب إليه نجدة: أما بعد. فأخبِرْني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يُتم اليتيم؟ وعن الخمس لِمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبتَ تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى وُيحذين من الغنيمة. وأما بسهم فلم يضرب لهن. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان. وكتبت تسألني: متى ينقضي يُتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه. ضعيف العطاء منها. فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس، فقد ذهب عنه اليتم. وكتبتَ تسألني عن الخمس لمن هو؟ وإنا كنا نقول: هو لنا. فأبى علينا قومنا ذاك.

(الصحيح 3/1444-1445 ح 1812 - ك الجهاد والسير، ب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا بسهم) .

قال الترمذي: حدثنا هناد، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفّل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد.

(السن 4/130 ح 1561 - ك السير، ب في النفل. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وأخرجه الحاكم من طريق ابن أبي الزناد وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/128-129 و3/39) .

وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح 1266)، وأخرجه أحمد (المسند ح 2445) عن سريج عن ابن أبي الزناد بأطول منه. قال محققه: إسناده صحيح) .

قال أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا قرة، قال: سمعت يزيد بن عبد الله قال: كنا بالمربد فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية، فقال: أجل، قلنا: ناولنا هذه القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها، فقرأناها، فإذا فيها: "من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أُقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم

ص: 405

الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله "فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(السنن 3/153-154 ح 2999 - ك الخراج والإمارة والفيء، ب ما جاء في سهم الصفي)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/497 ح 6557) عن الفضل بن الحباب عن مسلم بن إبراهيم به. قال محققه: إسناده صحيح.. وأخرجه النسائي (السنن 7/134 - ك قسم الفيء) ، وأحمد (المسند 5/77، 78) من طرق عن الجريري عن يزيد به. وذكره ابن كثير في جملة من الأحاديث ثم قال: هذه أحاديث جيدة) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 2/581 ح 2592) .

قال النسائي: أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث قال، حدثنا محبوب يعني ابن موسى قال، أنبأنا أبو إسحاق وهو الفزاري، عن عبد الرحمن بن عياش عن سليمان بن موسى عن مكحول، عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة ابن الصامت قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير فقال:"يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم". قال أبو عبد الرحمن: اسم أبي سلام ممطور وهو حبشي، واسم أبي أمامة: صدي بن عجلان.

(السنن 7/131 - ك قسم الفيء) ، وأخرجه ابن حبان (الإحسان 11/193-194 ح 4855)، وأخرجه الحاكم (المستدرك 3/49) من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى به بأطول منه. قال الألباني: حسن صحيح (صحيح النسائي ح 3858) وللحديث شاهد عن عمرو بن عبسة.

أخرجه أبو داود (السنن 3/82 - ك الجهاد، ب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه من طريق أبي سلام عنه به) . قال الألباني: وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عتبة وهو ثقة.

(الصحيحة 2/718 ح 985) و (صحح أبي داود ح 2393) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) قال: كان الفىء في هؤلاء، ثم نسخ في ذلك سورة الأنفال فقال (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن بالله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال، وجعل الخمس لمن كان له الفىء في سورة الحشر، وسائر ذلك لمن قاتل عليه.

وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان: اليتامى والمساكين وابن السبيل.

ص: 406

قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) يعني بالفرقان: يوم بدر فَرَّق الله بين الحق والباطل.

(المستدرك 3/23 - ك المغازي) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) .

انظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (3-4) من سورة آل عمران.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم الفرقان)، يعنى: بـ (الفرقان) ، يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل.

قوله تعالى (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم)

أخرج الطبري عن قتادة قوله (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) وهما شفير الوادي كان نبي الله أعلى الوادي والمشركون أسفله.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (والركب أسفل منكم)، قال: أبو سفيان وأصحابه، مقبلون من الشام تجارا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.

قال ابن كثير وقوله (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة، لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك. وهذا تفسير جيد، وبسط ذلك أنه تعالى يقول: إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد، لينصركم عليهم، ويرفع كلمة الحق على الباطل ليصير الأمر ظاهراً، والحجة قاطعة، والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة، فحينئذ (يهلك من هلك) أي يستمر في الكفر من استمر

ص: 407

فيه على بصيرة من أمره أنه بطل، ليقام الحجة عليه، (ويحيى من حيَّ) أي: يؤمن من آمن، (عن بينة) أي: حجة وبصيرة. والإيمان هو حياة القلوب، قال تعالى (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) .

قوله تعالى (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور)

أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم.

قوله تعالى (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور)

قال الطبري: حدثنى ابن بزيع البغدادي قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة! قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفاً.

وابن بزيع هو: محمد بن عبد الله بن بزيع. وسنده صحيح.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الزبير ابن الخريت، عن عكرمة (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) قال: حضض بعضهم على بعض.

وصححه ابن كثير.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)

قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو، وذكر الله كثيراً مشيراً إلى أن ذلك سبب للفلاح، والأمر بالشيء نهي عن ضده، أو مستلزم للنهي عن ضده، كما علم في الأصول، فتدل

ص: 408

الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات أمام الكفار، وقد صرح تعالى بهذا المدلول في قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار) إلى قوله (وبئس المصير) . وفي الأمر بالإكثار من ذكر الله تعالى في أضيق الأوقات؛ وهو وقت التحام القتال دليل واضح على أن المسلم ينبغي له الإكثار من ذكر الله على كل حال، ولاسيما في وقت الضيق، والمحب الصادق في حبه لا ينسى محبوبه عند نزول الشدائد.

قال البخاري: وقال أبو عامر: حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تمنّوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا".

(الصحيح 6/181 ح 3026 - ك الجهاد والسير، ب لا تمنوا لقاء العدو) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح ح 1742 - ك الجهاد، ب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء) .

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق -هو الفزاري- عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النخير مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبا له قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التى لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس.

ثم قام في الناس خطيباً قال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم".

(الصحيح 6/140 ح 2965-2966 - ك الجهاد والسير، ب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الجهاد، ب كراهية تمني لقاء العدو) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) ، افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون، عند الضراب بالسيوف.

قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، ثنا بقية، حدثني بحير، عن خالد بن معدان، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

ص: 409

قال: "الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد؛ فإن نومه ونبْهه أجر كله. وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكَفَاف".

(السنن 3/13-14 ح 2515 - ك الجهاد، ب في من يغزو ويلتمس الدنيا) ، وأخرجه النسائي (6/49 - ك الجهاد، في فضل الصدقة في سبيل الله) ، والدارمي في (السنن 2/208-209 - ك الجهاد، ب الغزو غزوان) ، وأحمد في مسنده (5/234) من طرق عن بقية به. حسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 2/478 ح 2195) . وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات ليس فيه إلا ما يخشى من تدليس بقية، وقد صرح بالتحديث كما في رواية أبي داود (انظر مرويات الدارمي في التفسير ص252) .

قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الآية

قال الشيخ الشنقيطي: نهى الله جل وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التنازع، مبيناً أنه سبب الفشل، وذهاب القوة، ونهى عن الفرقة أيضاً في مواضع أخر؛ كقوله (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ونحوها من الآيات.

وقوله في هذه الآية (وتذهب ريحكم) أي قوتكم.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (وتذهب ريحكم) قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد.

قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (بطرا ورئاء الناس) قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر. وأخرجه بنحوه بسند صحيح عن قتادة.

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان غر الكفار، وخدعهم، وقال لهم: لا غالب لكم وأنا جار لكم. وذكر المفسرون: أنه تمثل لهم في صورة (سراقة بن مالك بن جعشم) سيد بني مدلج بن بكر بن كنانة، وقال لهم ما ذكر الله عنه، وأنه يجيرهم من بني كنانة، وكانت بينهم عداوة

ص: 410

(فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه) عندما رأى الملائكة وقال لهم (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) فكان حاصل أمره أنه غرهم، وخدعهم حتى أوردهم الهلاك، ثم تبرأ منهم. وهذه هي عادة الشيطان مع الإنسان كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) الآية. وقوله (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم) إلى قوله (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) .

وكقوله (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجل من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين:(لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم) . فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى به في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل المشركين، انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: (إني أرى ما لا

ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) ، وذلك حين رأى الملائكة.

قوله تعالى (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) قال لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: وما هؤلاء؟ غر هولاء دينهم، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في أنفسهم في ذلك، فقال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) .

(التفسير - سورة الأنفال ح 521) ، وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل 3/120-121) من طريق علي بن أبي طلحة به.

وانظر سورة البقرة آية (10) في قلوبهم مرض أي شك.

ص: 411

قال الطبري: حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن:(إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين.

وسنده صحيح.

قوله تعالى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: يوم بدر.

انظر سورة الأنعام آية (93) .

قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب)

انظر سورة آل عمران آية (11) .

قوله تعالى (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر؛ كقوله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) . وقوله (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) . وقوله (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) إلى غير ذلك من الآيات.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، يقول: نعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم به على قريش، وكفروا، فنقله إلى الأنصار.

ص: 412

قوله تعالى (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين)

انظر سورة البقرة عن اغراق آل فرعون آية (50) وسورة آل عمران آية (11) في تفسير بقية الآية.

قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون)

انظر سورة الفرقان آية (44) وفيها بيان شر الدواب قال تعالى: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) .

قوله تعالى (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم) قال: قريظة، ما لأوا على محمد يوم الخندق أعداءه.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) يعنى: نكل بهم من بعدهم.

انظر سورة النساء آية (89) .

قوله تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري، قال: ثنا شعبة، عن أبي الفيض، عن سليم بن عامر -رحل من حمير-، قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو بِرذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو ابن عبسة، فأرسل إليه معاوية، فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد لا يَشُدُّ عقدة ولا يحلها حتى يقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء"

فرجع معاوية.

(السنن 3/83 ح 2759 - ك الجهاد، ب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/143 ح 1580 - ك السير، ب ما جاء في الغدر) من طريق: أبي داود الطيالسي. وأحمد (المسند 4/111) من طريق: محمد بن جعفر، كلاهما عن شعبة به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح 1285) .

ص: 413

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فانبذ إليهم على سواء) قال: قريظة.

وانظر آية (71) من السورة نفسها.

قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

)

قال مسلم: حدثنا هارون بن معروف، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي علي، ثُمامة بن شُفيٍّ؛ أنه عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر، يقول:" (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".

(الصحيح 3/1522 ح 1917 - ك الإمارة، ب فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسبه) .

قوله تعالى (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)

قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

(الصحيح 3/1492 ح 1871 - ك الإمارة، ب الخيل في نواصيها الخير) ، وأخرجه البخاري 6/64 - ك الجهاد، ب الخيل معقودة في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) .

قال البخاري: حدثنا علي بن حفص، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا طلحة بن أبي سعيد قال: سمعت سعيداً المقبري يُحدث أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ احتبس فرساً في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإنّ شِبعه وريّه ورَوْثه وبوله في ميزانه يوم القيامة".

(الصحيح 6/67 ح 2853 - ك الجهاد، ب من احتبس فرسا في سبيل الله) .

قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمّان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجرٌ، ولرجل سِترٌ، وعلى رجل وِزر. فأما الذي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مَرْج أو روضة، فما أصابت في طِيَلها ذلك في المرج

ص: 414