المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال البخاري: - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ٢

[حكمت بشير ياسين]

الفصل: قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال البخاري:

قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخل أصابعه في الماء فيُخلل بها أصول شعره، ثم يَصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جِلده كله".

وقال البخاري حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "توضأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وُضوءه للصلاة غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء ثم نحّى رجليه فغسلهما" هذه غُسله من الجنابة.

(الصحيح 1/429 و‌

‌43

1 ح 248، 249- ك الغسل، ب الوضوء قبل الغسل) .

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى بن ملك السوسي، ثنا أبو بدر، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله، قال أبو بدر -وليس هو السعدي- عن المنهال ابن عمرو، عن زر بن حبيش عن علي قال: نزلت هذه الآية في المسافر (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم، وصلى، حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل وصلى.

(التفسير -سورة النساء آية 43 - ح 3196. وأخرجه الطبري (التفسير 8/379 ح 9537) من طريق ابن أبي ليلى، عن المنهال به. والإسناد حسن بهذه المتابعة (انظر حاشية تفسير ابن أبي حاتم) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال: مسافرين لا يجدون ماء.

قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً)

قال البخاري: حدثنا أدم قال حدثنا شعبة حدثنا الحكم عن ذرّ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني

ص: 56

أجنبتُ فلم أصب الماء. فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنّا كنا في سفر أنا وأنت، فأمّا أنتَ فلم تصل، وأما أنا فتمعّكت فصليت، فذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كان يكفيك هكذا" فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.

(الصحيح 1/528 ح 338- ك التيمم، ب المتيمم هل ينفخ فيهما) ، وأخرجه مسلم (الصحيح ح 112، 113 - ك الحيض، باب التيمم) .

قال البخاري: حدثنا محمد أخبرنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: هلكت قلادة لأسماء، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالاً فحضرت الصلاة وليسوا على وُضوء ولم يجدوا ماء، فصلّوا وهم على غير وضوء فأنزل الله. يعنى آية التيمم.

(الصحيح 8/100 ح 4583- ك التفسير، سورة النساء) .

وانظر حديث البخاري عن جابر بن عبد الله المتقدم عند الآية 151 من سورة آل عمران، وهو حديث: "أعطيت خمساً

".

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا خالد الواسطى، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ح وحدثنا مسدد: أخبرنا خالد -يعنى ابن عبد الله الواسطى- عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا ذر، ابدُ فيها" فبدوتُ إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والستّ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أبو ذر" فسكت، فقال:"ثكلتك أمك أبا ذر، لأمك الويل" فدعا لى بجارية سوداء، فجاءت بعس فيه ماء فسترتني بثوب، واستترت بالراحلة، واغتسلت فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك، فإن ذلك خير.

وقال مسدد: غنيمة من الصدقة.

ص: 57

(السنن 1/90-91 ح 332 - ك الطهارة، ب الجنب يتيمم) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/135 ح 311) من طريق وهب بن بقية. والحاكم (المستدرك 1/176-177) من طريق مسدد، كلاهما عن خالد الواسطى عن خالد الحذاء به. وأخرجه الترمذي (السنن 1/211-212) ، وأحمد (المسند 5/180) كلاهما من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء به. وأخرجه النسائى (السنن 1/171) ، وأحمد (المسند 5/6) كلاهما من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو ابن بجدان به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل محقق الإحسان تصحيح الأئمة: أبي حاتم والدارقطنى والنووي له. وقال الألبانى: صحيح (صحيح الترمذي ح 107) .

قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام ح وحدثنا أبو نعيم، عن هشام، عن قتادة، عن الحسن عن أبي رافع، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل".

(الصحيح 1/470 ح 291- ك الغسل، ب إذا التقى الختانان) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الحيض، ب نسخ الماء من الماء ح 348) .

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت.

(السنن 1/46 ح 179- ك الطهارة، ب الوضوء من القبلة) . وأخرجه الترمذي (السنن 1/133 ح 86- ك الطهارة، ب ترك الوضوء من القبلة) من طريق: أحمد بن منيع، ومحمود بن غيلان، والحسين بن حريث. وابن ماجه (السنن 1/168 ح 502 - ك الطهارة، ب الوضوء من القبلة (من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وعلى بن محمد. وأحمد (المسند 6/210) . والطبرى (التفسير 8/396 ح 9630) من طريق أبي كريب. كلهم عن وكيع عن الأعمش به، وقد أعل بعضهم هذا الحديث بعدم سماع حبيب بن أبي ثابت من عروة، لكن صححه جماعة من الأئمة، وقال أبو داود -مشيراً إلى صحة سماع حبيب من عروة-: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً. ومال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيحه (نصب الراية 1/38) . وقال البوصيرى: رواه البزار بإسناد حسن. وأفاض العلامة أحمد شاكر في تصحيح الحديث ودفع علته فأجاد رحمه الله (حاشية سنن الترمذى) وقال الألبانى: صحيح (صحيح الترمذى ح 75) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "الملامسة": النكاح..

ص: 58

قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، ثنا أبو جعفر الجمال، ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال: كل شيء وضعت عليه يدك صعيد حتى غبار لبدك فتيمم به.

ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فإن أعياك الماء، فلا يعييك الصعيد أن تضع فيه كفك، ثم تنفضهما فتمسح بهما وجهك وكفيك، ولا بعد ذلك لغسل جنابة ولا لوضوء صلاة، فمن تيمم بالصعيد وصلى ثم قدر على الماء بعد فعليه الغسل وحسبه صلاته التي كان صلى.

قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) الآية

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب مع اشترائهم الضلالة يريدون إضلال المسلمين أيضاً. وذكر في موضع أخر أنهم كثير، وأنهم يتمنون ردة المسلمين، وأن السبب الحامل لذلك هو الحسد أنهم ما صدر منهم ذلك إلا بعد معرفتهم الحق وهو قوله تعالى:(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) . وذكر في موضع آخر أن هذا الإضلال الذي يتمنونه للمسلمين لا يقع من المسلمين وإنما يقع منهم - أعني المتمنين الضلال.

للمسلمين - وهو قوله (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) .

ص: 59

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد التابوت من عظماء اليهود إذا كَلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله تعالى فيه:(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (اشتروا الضلالة)

يقول اختاروا الضلالة.

وهذا الأثر قد أورده ابن أبي حاتم في سورة البقرة.

قوله تعالى (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين)

أخرج وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعنى يحرفون حدود الله في التوراة.

قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:(واسمع غير مسمع)، قال: كما تقول اسمع غير مسموع منك. ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

وانظر تفسير سورة البقرة الآية (104) .

قوله تعالى (ولو أنهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم)

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (وانظرنا)، قال: أفهمنا بين لنا.

قوله تعالى (يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار اليهود: عبد الله بن صوريا، وكعب بن أسد فقال لهم: يامعشر اليهود، اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق!

ص: 60

فقالوا: مانعرف ذلك يامحمد! وجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر، فأنزل الله فيهم (يا أيها الذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) .

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) فنردها عن الصراط، عن الحق (فنردها على أدبارها)، قال: الضلالة.

قوله تعالى (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت)

قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا صفة لعنه لأصحاب السبت، ولكنه بين في غير هذا الموضع أن لعنه لهم هو مسخهم قردة ومن مسخه الله قردا غضبا عليه فهو ملعون بلا شك، وذلك قوله تعالى:(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) وقوله (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) والاستدلال على مغايرة اللعن للمسخ بعطفه عليه في قوله (قل أؤنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) لا يفيد أكثر من مغايرته للمسخ في تلك الآية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) إلى قوله (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) أي: نحولهم قردة.

قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء وأن من أشرك به فقد افترى إثما عظيما. وذكر في مواضع أخر أن محل كونه لا يغفر الإشراك به إذا لم يتب المشرك من ذلك فإن تاب غفر له كقوله (إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحاً) الَاية فإن الاستثناء راجع لقوله (والذين لا يدعون مع الله إلها أخر) وما عطف عليه لأن معنى الكل جمع في قوله (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) الآية وقوله (قل للذين كفروا إن

ص: 61

ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وذكر في موضع آخر أن من أشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق وهو قوله في هذه السورة الكريمة أيضاً (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) وصرح بأن من أشرك بالله فالجنة عليه حرام ومأواه النار بقوله (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) وقوله (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) .

قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم -ومعاذ رديفه على الرحل- قال: "يامعاذ بن جبل". قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: "يامعاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً)،. قال:"ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله صِدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار"، قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتّكلوا". وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.

وقال البخاري: حدثنا مسدد قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال سمعت أنسا قال: ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ "من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة" قال: ألا أبشر الناسَ؟ قال: "لا؛ إني أخاف أن يتكلوا"

(الصحيح 1/272 و274 ح 128، 129- ك العلم، ب من خص بالعلم قوماً دون قوم

) .

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة.. حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن المعرور بن سُويد، عن أبي ذر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد. ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها. أو أغفر. ومن تقرب منّي شبرا، تقربتُ منه ذراعاً. ومن تقرب مني ذراعاً، تقربتُ منه باعاً. ومن أتاني يمشي، أتيته هرولة. ومن لقيني بِقُراب الأرض خطيئة لا يُشرك بي شيئاً، لقيته. بمثلها مغفرة".

ص: 62

(الصحيح 4/2068 ح 2687 - ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى) .

قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر حدثه، أن أبا الأسود الديلى حدثه، أن أبا ذر رضي الله عنه حدثه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال:"ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت: وان زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق".

قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر". وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.

قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله، غفر له.

(الصحيح 10/283 (الفتح ح رقم 5827) - ك الباس، ب الثياب البيض) وأخرجه مسلم (الصحيح 1/95 ح 154- ك الإيمان، ب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة

) .

قال النسائى: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا صفوان بن عيسى، عن ثور،

عن أبي عون عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يخطب -وكان قليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال سمعته يخطب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً".

(السنن 7/81 - تحريم الدم) وأخرجه أحمد (المسند 4/99) عن صفوان بن عيسى به. والحاكم (المستدرك 4/351) من طريق بكار بن قتية عن صفوان، عن ثور به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وصححه الألبانى (صحيح النسائي ح 3719) .

وللحديث شواهد، منها: عن أبي الدرداء، أخرجه ابن حبان (الإحسان 13/318 ح 5980) والحاكم (المستدرك 4/351) وغيرهما من طرق عن عبد الله بن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، وفيه: "

إلا من مات مشركاً" قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) وأخرج البزار: حديث

عبادة بن الصامت نحوه (المسند 7/163 ح 2730) . وق الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/296) .

ص: 63

وانظر حديث مسلم عن جابر الآتي عند الآية 90 من سورة النمل.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله لايغفر أن يشرك به) فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجاها أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة.

قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً)

قال الشيخ الشنقيطي: أنكر تعالى في هذه الآية تزكيتهم أنفسهم بقوله (ألم تر إلى الذين) وبقوله (انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا) وصرح بالنهى العام عن تزكية النفس وأحرى نفس الكافر التي هي أخس شيء وأنجسه بقوله (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ولم يبين هنا كيفية تزكيتهم أنفسهم. ولكنه بين ذلك في مواضع أخر، كقوله عنهم (نحن أبناء الله وأحباؤه) وقوله (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أونصارى) إلى غير ذلك من الآيات.

قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن معبد الجهنى، عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والتمادح، فإنه الذبح".

(السنن 2/1232 ح 3743 - ك الأدب، ب المدح) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/93) عن محمد ابن جعفر عن شعبة وحجاج عن سعد به، وفيه زيادة وهي قوله:"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر". قال البوصيرى: هذا إسناد حسن، لأن معبداً مختلف فيه، وباقى رجال الإسناد ثقات (مصباح الزجاجة 3/181) . وحسنه الألباني كذلك (صحيح سنن ابن ماجة ح 3017) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) وهم أعداء الله اليهود،

ص: 64

زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، فقالوا:(نحن أبناء الله وأحباؤه) . وقالوا: لا ذنوب لنا.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فتيلا) الذي في الشق: الذي في بطن النواة.

قوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً)

قال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لمّا قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه، فقالوا: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل يثرب، فنحن خير أم هذا الصنَيْبير المنْبَتِر من قومه يزعم أنه خير منا؟

فقال: أنتم خير منه، فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن شانئك هو الأبتر) ونزلت: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يومنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) .

(الإحسان، 14/534 ح 6572 - ك التاريخ، ب تسمية المشركين صفي الله صلى الله عليه وسلم الَصنيبير) .

وأخرجه الطبري (ح 9786) ، وعزاه ابن كثير للبزار، وقال: وهو إسناد صحيح (التفسير 4/ 598) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الجبت) السحر.

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا وكيع ح، وثنا أحمد بن سنان، ثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد، عن عمر قال:(الجبت) السحر. (الطاغوت) : الشيطان.

أخرجه البخارى عن عمر معلقاً. قال ابن حجر: وصله عبد بن حميد في تفسيره ومسدد في مسنده، وعبد الرحمن بن رسته في كتاب (الإيمان) ، كلهم من طريق أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر مثله وإسناده قوي، وقد وقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من حسان وسماع حبان من عمر في رواية ابن رسته) . (فتح الباري 8/252، وانظر التهذيب 2/252) 0 أي في رواية ابن رسته.

ص: 65

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفر، ثنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) قال: يهود تقول ذلك يقولون: قريش أهدى من محمد وأصحابه.

وإسناده حسن.

قوله تعالى (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً)

أنظر سورة البقرة آية (159) .

قوله تعالى (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (نقيرا) : النقطة التي في ظهر النواة.

قوله تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (أم يحسدون الناس) قال يهود (على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب) وليسوا منهم (والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما) قال: النبوة.

قوله تعالى (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه)

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (فمنهم من أمن به) قال: بما أنزل على محمد من يهود (ومنهم من صد عنه) .

قوله تعالى (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نَضِجَتَ جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) يقول: كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (عزيزا حكيما) يقول: عزيزا في نقمته إذا انتقم

ص: 66

قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة)

انظر تفسير سورة البقرة آية (25) .

قوله تعالى (وندخلهم ظلا ظليلًا)

قال الشيخ الشنقيطي: وصف في هذه الآية الكريمة ظل الجنة بأنه ظليل ووصفه في آية أخرى بأنه دائم، وهي قوله (أكلها دائم وظلها) ووصفه في آية أخرى بأنه ممدود وهي قوله (وظل ممدود) وبين في موضع أخر أنها ظلال متعددة وهو قوله (إن المتقين وظلال وعيون) الآية، وذكر في موضع أخر أنهم في تلك الظلال متكئون مع أزواجهم على الأرائك وهو قوله (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) .

انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي عند الآية (30) من سورة الواقعة.

قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله (إن الله كان سميعاً بصيراً)

قال مسدد: حدثنا يحيى، ثنا سفيان، حدثنى عبد الله بن السائب، عن زاذان قال: قال عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه: القتل في سبيل الله تعالى يكفر الذنوب كلها غير الأمانة. يؤتى بالشهيد في سبيل الله عز وجل، فيقال: أد أمانتك، فيقول: من أين أؤديها، فقد ذهبت الدنيا؟ قال فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، حتى إذا انتهى به إلى قرار الهاوية مثلت له أمانته كهيئة يوم ذهبت، فيحملها فيضعها على عاتقه، فيصعد في النار، حتى إذا رأى أنه قد خرج منها هوت وهوى في أثرها أبد الآبدين، ثم قرأ عبد الله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) .

(المطالب العالية ل/133/ب) ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (تفسير آل عمران والنساء ح 3481) من طريق سفيان الثوري به، إلى قوله "أبد الآبدين". وزاد: قال زاذان: فأتيت البراء فحدثته، فقال: صدق أخي (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) . وهذا إسناد صحيح عن ابن مسعود. وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ح 144) وأبو نعيم في الحلية (4/201) والبيهقي

ص: 67

في (شعب الإيمان 4/323-324 ح 5266) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن السائب به، وزادوا في قول ابن مسعود:"وإن الأمانة في الصلاة والزكاة والغسل من الجنابة والكيل والميزان والحديث"، وأعظم من ذلك الودائع". واللفظ للخرائطي، وزاد أبو نعيم والبيهقي أيضاً قول البراء.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (ح 250) ، والطبري في تفسيره (22/56) وابن أبي حاتم في تفسيره (آل عمران والنساء ح 3482) والخرئطي في (مكارم الأخلاق ح 145) والطبرانى في الكبير (10/270 ح 10527) وغيرهم من طريق إسحاق الأزرق عن شريك عن الأعمش عن عبد الله بن السائب به مرفوعاً، وفيه الزيادتان السابقتان، وزادوا أيضاً:"قال شريك: وحدثنا عياش العامري عن زاذان عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو منه، ولم يذكر الأمانة في الصلاة والأمانة في كل شيء". واللفظ لابن أبي الدنيا. وقال ابن كثير: إسناد جيد ولم يخرجوه (التفسير 3/524) وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 5/293) . وقال الدارقطني: الموقوف هو الصواب (العلل 5/78) ، ولكن له حكم الرفع إذ ليس للاجتهاد فيه مجال.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعني السلطان يعظون النساء.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه.

قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)

قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا إسماعيل، عن مصعب بن سعد قال: قال على رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن: فحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدى الأمانة. وإذا فعل ذلك، فحق على الناس أن يسمعوا، وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا.

ورجاله ثقات وسنده صحيح وتقدم بحثه في تفسير ابن أبي حاتم.

قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائى، المعنى، قالا: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حرملة -يعني ابن عمران- حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله تعالى: (سميعاً بصيراً) قال:

ص: 68

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس: قال المقرىء: يعنى أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً.

قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية.

(السنن 4/233 ح /4728- ك السنة، ب في الجهمية) . وأخرجه ابن خزيمة في (التوحيد 1/97 ح 46) عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن يزيد به. قال محققه: رجال المسند كلهم ثقات في الصحيحين أو في أحدهما، وأخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن يزيد به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/236) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/498) من طريق: محمد بن يحيى الذهبي عن المقرى به، قال محققه: إسناده صحيح على شرط الصحيح، وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود 3/895 ح 3954) .

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)

قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا حجّاج بن محمد، عن ابن جريج، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) قال: نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.

(الصحيح 8/101-102 ح 4584- ك التفسير، سورة النساء) ، (صحيح مسلم 3/1465 ح 1834 ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء) .

وقال البخاري: حدثنا محمد بن أبان، حدثنا غندر، عن شعبة، عن أبي التياح أنه سمع أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: "اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة".

(الصحيح 2/696 ح 696 ك الأذان، ب إمامة المفتون والمبتدع

) .

قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم

ص: 69

وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلما همّوا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لو دخلوها ما خرجو منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف".

(الصحيح 13/130 ح 7145 - ك الأحكام، ب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) .

وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1469 ح 1840- ك الأمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) .

انظر حديث البخاري عند الآية 80 من السورة نفسها.

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".

(الصحيح 3/1469 ح 1839- ك الأمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) .

قال البخاري: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عُبادة بن الوليد أخبرنى أبي عن عُبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشَط والمكرَه، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم -أو نقول- بالحق حيثما كنا ولا نخاف في الله لومة لائم".

(الصحيح 13/204 ح 7199، 7200- ك الأحكام، ب كيف يبايع الإمام الناس) . وأخرجه مسلم في (صحيحه 3/1470 ح 41- ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية) .

قال الحاكم: حدثنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل ببغداد، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي. وحدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري من أصل كتابه وسأله عنه أبو على الحافظ ثنا عثمان بن سعيد الدارمي (قالا) ثنا نعيم بن حماد، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهرى، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف فقال: "نَضَّر الله عبداً سمع مقالتىَ فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه

ص: 70

لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والطاعة لذوي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".

(المستدرك 1/86-87- ك العلم)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، قاعدة من قواعد أصحاب الروايات، ولم يخرجاه

ووافقه الذهبي. والحديث عند الطبرانى في (الكبير 2/127 رقم 1544) من هذا الوجه. قال الهيثمي في (المجمع 1/139) : رجاله موثقون. وقال الألبانى: إسناد حسن (صحيح الترغيب 1/42) .

قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قول الله تعالى:(وأولى الأمر منكم) قال: هم الأمراء.

ورجاله ثقات وسنده صحيح.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) يعني أهل الفقه والدين واْهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معانى دينهم ويأمرونهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على العباد.

وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/123) .

قوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية

قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: لأنه تعالى قال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وأوضح هذا المأمور به هنا بقوله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الآية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) يقول: ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) .

ص: 71

قوله تعالى ذلك خير وأحسن تأويلا)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وأحسن تأويلا)، قال: أحسن جزاء.

قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت

) الآية

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت قبل توبته فيما بلغني، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشير كانوا يدّعون الإسلام، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية، فأنزل الله تعالى فيهم (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) .

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصى، ثنا أبو اليمان، ثنا صفوان يعنى ابن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الأسلمى كاهنا يقضى بين اليهود، فتنافروا إليه أناس من أسلم من اليهود فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) .

(ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وصححه السيوطي في الدر المنثور 2/178) .

قوله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً)

قال ابن كثير: وقوله (ويصدون عنك صدوداً) أي: يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك، كما قال تعالى عن المشركين (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) ، هؤلاء وهؤلاء بخلاف المؤمنين، الذين قال الله فيهم (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) الآية.

ص: 72

ثم قال تعالى في ذم المنافقين: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم) أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير، إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك (ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) أى: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى) إلى قوله (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) .

قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إلا ليطاع بإذن الله) واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.

قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)

قال الشيخ الشنقيطي: أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرا وباطنا ويسلمه تسليما كليا من غير ممانعة ولامدافعة ولامنازعة، وبين في آية أخرى أن قول المؤمنين عصور في هذا التسليم الكلى، والانقياد التام ظاهراً وباطناً لما حكم صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى:(إنما كان قول المومنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) الآية.

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رُمح.

أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه، أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحَرّة التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يمر. فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسق. يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري. فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك!

ص: 73

فتلوّن وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: "يا زبير اسق. ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدْر"؟. فقال الزبير: والله! إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً) .

(الصحيح 4/1829-1830 ح 2357- ك الفضائل، ب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم) ، وأخرجه البخاري (الصحيح 5/34 ح 2359- ك الشرب، ب سكر الأنهار) .

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً) قال: شكاً.

قوله تعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً)

وبه عن مجاهد قوله (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) هم يهود يعنى الرب كما أمر أصحاب موسى.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً) قال تصديقاً.

قوله تعالى (ولهديناهم صراطاً مستقيماً)

انظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية 6 من سورة الفاتحة.

قوله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)

قال مسلم: وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة قالت: كنتُ أسمع أنه لن يموت نبيّ حتى يُخيّر بين الدنيا والآخرة. قالت: فسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه، وأخذتْهُ بُحَّة، يقول:(مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً) قالت: فظننته خير حينئذ.

(الصحيح 4/1893 بعد رقم ح 2444- ك فضائل الصحابة) ب فضل عائشة رضي الله عنها ، وأخرجه البخارى (الصحيح 8/136 ح 4435- المغازي) .

ص: 74

قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدّون الشهيد فيكم؟. قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقيل". قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله! قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في الطاعون فهو شهيد.

ومن مات في البطن فهو شهيد".

قال ابن مقسم: أشهد على أبيك، في هذا الحديث؛ أنه قال:"والغريق شهيد".

(الصحيح 3/1521 ح 1915- ك الإمارة، ب بيان الشهداء) .

قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدرى الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبباء لا يبلغها غيرهم؟

قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين".

(الصحيح 6/368 ح 3256- ك بدء الخلق، ب ماجاء في صفة الجنة

) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2177 ح 2831- ك الجنة وصفة نعيمها، ب ترائي أهل الجنة اهل الغرف) .

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي زائل، عن أبي موسى قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟

قال: "المرء مع من أحب".

(الصحيح 10/573 ح 6170 - ك الأدب، ب علامة الحب في الله) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2034 ح 2640- ك البر والصلة، ب المرء مع من أحب) من حديث ابن مسعود بنحوه.

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي أبو عبد الله حدثنا عبد الله ابن عمران العابدي حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والله إنك لأحب إلى من نفسي، وإنك أحب إلى من أهلى ومالى وأحب إلى من ولدى وإني لأكون

ص: 75

في البيت فأذكرك فما أصبر حتى أتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) الآية.

(المعجم الصغير 1/26) ، وأخرجه أبو نعيم (حلية الأولياء 4/240) عن أحمد بن عمرو الخلال به.

وعزاه الحافظ ابن كثير إلى المقدسى في (صفة الجنة) من طريق الطبراني، ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً.

(التفسير 1/523) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله ابن عمران العابدى، وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/7) ، والحديث أخرجه ابن أبي حاتم (التفسير ح 3575) ، والطبري (التفسير ح 9925) من طريق جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق به مرسلاً. وهو إسناد حسن على إرساله (انظر تفسير ابن أبي حاتم- الحاشية) .

قوله تعالى (ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً)

إشارة إلى مقام الطاعة بالله والرسول كما في الآية السابقة.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال:(خذوا حذركم فانفروا ثبات) قال: عصبا، يعنى سرايا متفرقين (أو انفروا جميعاً) يعني كلكم.

قوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا)

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة) إلى قوله (فسوف نؤتيه أجرا عظيما) مابين ذلك في المنافقين.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (وإن منكم لمن ليبطئن) يقول: وإن منكم لمن ليتخلفن عن الجهاد (فإن أصابتكم مصيبة) من العدو والجهد من العيش.

ص: 76

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا سمعوا بأن المسلمين أصابتهم مصيبة أي: من قتل الأعداء لهم، أو جراح أصابتهم أو نحو ذلك يقولون إن عدم حضورهم معهم من نعم الله عليهم. وذكر في مواضع أخر: أنهم يفرحون بالسوء الذي أصاب المسلمين، كقوله تعالى (وإن تصبكم سيئة يفرحرا بها) وقوله (وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل، ويتولوا وهم فرحون) .

قوله تعالى (ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية، أن المنافقين إذا سمعوا أن المسلمين أصابهم فضل الله أي: نصر وظفر وغنيمة، تمنوا أن يكونوا معهم ليفوزوا بسهامهم من الغنيمة، وذكر في مواضع أخر أن ذلك الفضل الذي يصيب المؤمنين يسوءهم لشدة عداوتهم الباطنة لهم كقوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم) وقوله (إن تصبك حسنة تسؤهم) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولئن أصابكم فضل من الله) يعنى فتحاً وغنيمة وسعة في الرزق، قوله تعالى (ليقولن) المنافق وهو نادم في التخلف، قوله (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) يقول: كأنه ليس من أهل دينكم في المودة، فهذا من التقديم، قوله:(ياليتنى كنت معهم) قال: المنافق نادم في التخلف يتمنى ياليتني كنت معهم، قوله (فأفوز) يعني أنجو بالغنيمة، قوله (عظيما) يقول: وافرا.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ياليتني كنت معهم) قال: قول حاسد.

قوله تعالى (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيماً)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة.

ص: 77

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة، أنه سوف يؤتى المجاهد في سبيله أجرا عظيما سواء قتل في سبيل الله، أم غلب عدوه وظفر به وبين في موضع أخر: أن كلتا الحالتين حسنى، وهو قوله (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) .

قوله تعالى (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)

قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن عبيد الله قال: سمعتُ ابن عباس قال: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين.

(الصحيح 8/103 ح 4587- ك التفسير، سورة النساء) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) قال: أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفى المؤمنين، كانوا بمكة.

قوله تعالى (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا)

انظر تفسير سورة آل عمران آية 13 وسورة النساء آية (51) .

قوله تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية)

قال الحاكم: حدثنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري ثنا إبراهيم بن هلال ثنا على بن الحسن بن شقيق أنبأ الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ قال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا" فكفوا فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس) .

(هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه المستدرك 2/307 ووافقه الذهبي) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن الحسن بن شقيق به، ورجاله ثقات وسنده صحيح) .

ص: 78

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قوله: (وأقيموا الصلاة) قال الزهري: أن يصلى الصلوات الخمس لوقتها.

ورجاله ثقات وسنده صحيح، والوليد هو ابن مسلم القرشى.

قوله تعالى (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (لولا أخرتنا إلى أجل قريب) وهو الموت.

قال ابن أبي حاتم: حدثنى أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حماد بن زيد، عن هشام قال: قرأ الحسن (قل متاع الدنيا قليل) قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك، ما الدنيا كلها من أولها إلى أخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه.

ورجاله ثقات وسنده صحيح.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لمن اتقى) يقول اتقى معاصى الله.

قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولو كنتم في بروج مشيدة) يقول: في قصور محصنة.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) قال هذه في السراء، قوله (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) قال فهذه في الضراء.

قوله تعالى (قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (قل كل من عند الله) النعم والمصائب.

ص: 79

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم الله بها عليك، وأما السيئة فابتلاك الله بها.

قوله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (الحسنة) ما فتح الله عليه يوم بدر، وما أصابه من الغنيمة والفتح و (السيئة) ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته.

قال الطبري: حدثني يونس قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) قال: بذنبك وأنا قدرتها عليك.

قوله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله)

قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يُطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصِ الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه، ويُتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجراً، وإن قال بغيره فإن عليه منه".

(الصحيح 6/135 ح 2957- ك الجهاد والسير، ب يقاتل من وراء الإمام) ، (صحيح مسلم 3/1466 - ك الإمارة، ب وجوب طاعة الأمراء في غير معصيه

) .

وانظر الأحاديث المتقدمة عند الآية (59) من السورة نفسها.

قوله تعالى (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول) قال: يغيرون ما عهد النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 80

قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)

قال أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: لقد جلست أنا وأخى مجلساً ما أحب أن لى به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرأن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً قد احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول:"مهلاً يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضا فماعرفتم فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه".

(المسند ح 6702) . وأخرجه ابن ماجة (السنن 1/33 ح 85- المقدمة، ب في القدر) من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب بنحوه مختصراً، وفيه:"إنهم اختصموا في آية من القدر".

قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 1/58) . وقال الألبانى: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة ح 69) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفلا يتدبرون القرأن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) أي: قول الله لا يختلف، وهو حق ليس فيه باطل، وإن قول الناس يختلف.

قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)

قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا عمر بن يونس الحنفى. حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك أبي زُميل. حدثني عبد الله بن عباس. حدثنى عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلتُ المسجد. فإذا الناس

ص: 81

ينكتون بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر: فقلتُ: لأعلمنّ ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة.

فقلتُ: يابنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

فقالت: مالى ومالك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلتُ على حفصة بنت عمر. فقلتُ لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحبكِ. ولولا أنا لطلقكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكتْ أشد البكاء. فقلتُ لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خِزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدأ على أسكفة المشربة. مدلِّ رجليه على نقير من خشب. وهو جِذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر. فناديت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلىّ. فلم يقل شيئاً. ثم قلت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلى. فلم يقل شيئاً.

ثم رفعتُ صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لى عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنّي أظنّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أنّي جئتُ من أجل حفصة. والله! لئن أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعتُ صوتي. فأومأ إلى أن ارْقه.

فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير. فجلستُ. فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثّر في جَنْبه. فنظرت ببصرى في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضةٍ من شعير نحو الصاع. ومثلها قَرَظاً في ناحية الغرفة.

وإذا أفيق معلق. قال: فابتدرتْ عيناي. قال: "ما يُبكيك؟ يا ابن الخطاب"!

قلتُ: يا نبي الله! ومالى لا أبكى؟ وهذا الحصير قد أثّر في جنبك وهذه خِزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار.

وأنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته. وهذه خِزانتك. فقال: "يا ابن الخطاب!.

ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا"؟. قلتُ: بلى. قال ودخلتُ

ص: 82

عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلتُ: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلّقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلّما تكلمت، وأحمد الله، بكلام إلا رجوت أن يكون الله يُصدق قولى الذي أقول، ونزلت هذه الآية. آية التخيير (عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن)(66/ التحريم/5) .

(وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)(66/ التحريم/4) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله! أطلقتهن؟ قال: لا "قلتُ: يا رسول الله! إني دخلتُ المسجد والمسلمون ينكبنون بالحصى. يقولون: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. أفأنزل فأُخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال نعم إن شئت" فلم أزل أْحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه. وحتى كشر فضحك. وكان من أحسن الناس ثَغْراً. ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلتُ. فنزلتُ أتشبّث بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده. فقلتُ: يا رسول الله!

إنما كنتَ في الغرفة تسعة وعشرين. قال: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين" فقمتُ على باب المسجد. فناديت بأعلى صوتي: لم يُطّلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه.

ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله عز وجل آية التخيير.

(الصحيح 2/1105 ح 1479- ك الطلاق، ب في الإيلاء واعتزال النساء

) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) يقول سارعوا به وأفشوه.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم) يقول: إلى علمائهم.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال الذين يتتبعونه ويتجسسونه.

ص: 83

قوله تعالى (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) فهو في أول الآية لخبر المنافقين، قال (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) إلا قليلا، يعني بالقليل "المؤمنين".

قوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك

)

قال الإمام أحمد: ثنا سليمان بن داود الهاشمى قال أنا أبو بكر عن أبي إسحاق قال قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة قال: لا لأن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم فقال (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) إنما ذاك في النفقة.

(المسند 4/281) ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأبو بكر هو: ابن عياش المقري ثقة الا أنه ساء حفظه لما كبر وكتابه صحيح والحديث ليس من سوء حفظه لأنه ثبت في الصحيح من حديث حذيفة وغيره (انظر صحيح البخارى -التفسير- سورة البقرة، باب (وآنفقوا في سبيل الله) رقم 4516) .

وأبو إسحاق هو السبيعي، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش به، (تفسير ابن أبي حاتم رقم 3745) وانظر تفسير ابن كثير فقد ذكر رواية أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه (2/322 و323) وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/275-276) .

قوله تعالى (وحرض المؤمنين على القتال عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا)

قال الشيخ الشنقيطي: لم يصرح هنا بالذى يحرض عليه المؤمنين ماهو، وصرح في موضع أخر بأنه القتال، وهو قوله (وحرض المؤمنين على القتال) وأشار إلى ذلك هنا بقوله في أول الآية (فقاتل في سبيل الله) وقوله في آخرها:(عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) الآية.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأشد تنكيلا) أى عقوبة.

ص: 84

قوله تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها)

أخرج أدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة)، قال: شفاعة بعض الناس لبعضهم

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) أي حظ منها، (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) والكفل هو الإثم.

قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا أبو بريدة بن عبد الله بن أبي بردة، حدثنا أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: "اشفعوا تؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء".

(الصحيح 3/351 ح 1432 - ك الزكاة، ب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها) . وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2026 ح 2627 - ك البر والصلة، ب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام) .

قوله تعالى (وكان الله على كل شيء مقيتا)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (مقيتا) حفيظاً.

قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم، فقل: وعليك".

(الصحيح 11 ح 6257- ك الإستئذان، ب كيف يرد على أهل الذمة بالسلام؟) . وأخرجه مسلم في (صحيحه4/1706- ك السلام، ب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم) .

ص: 85

قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز (يعنى الدراوردي) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".

(الصحيح 4/1707 ح 2167 - ك السلام، ب النهي عن ابتداء أهل الكتاب، بالسلام

) .

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "عشر" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال:"عشرون" ثم جاء أخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال:"ثلاثون".

(السنن 4/350 ح 5195- ك الأدب، ب كيف السلام؟) .، وأخرجه الترمذي (5/52 ح 2689- ك الاستئذان، ب ما ذكر في فضل السلام) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن والحسين بن محمد الجريري عن محمد بن كثير به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال ابن حجر. سند قوي (الفتح 11/6) ، صححه الألباني (انظر صحيح سنن الترمذي ح 2163) .

روى ابن أبي شيبة: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله قال:"إن السلام اسم من أسماء الله فأفشوه".

وبالإسناد نفسه قال: إن الرجل إذا مر بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له فضل درجة عليهم، لأنه أذكرهم السلام.

(المصنف 8/438 و441 ح 5796، 5807) ، وأخرجه الخطيب في (موضح الأوهام 1/409-410) من طريق ابن جريج، عن فافاه به. وقد روي هذا الحديث عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، أخرجه كذلك: البزار في (مسنده 5/174-175 ح 1770، 1771) ، والطبرانى في (الكبير 10/224 ح 10391، 10392) ، وابن حبان في (روضة العقلاء ص 112) ، من طرق، عن الأعمش به، وساقوه جميعاً مساق حديث واحد. قال المنذري. رواه البزار والطبراني، وأحد إسنادي البزار جيد قوي. (الترغيب والترهيب 3/427-428)، وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين والطبرانى بأسانيد، وأحدهما رجاله رجاله الصحيح عند البزار والطبراني. (مجمع الزوائد 8/29) .

وقال الحافظ ابن حجر: رواه البزار بإسناد جيد. (التلخيص الحبير 4/94) . ورمز له السيوطي بالحسن في (الجامع الصغير 4/151مع فيض القدير) ، وصححه الألبانى في (صحيح الجامع 3697) .

ص: 86

وأما الاختلاف في رفعه ووقفه: فقد صحح الأئمه روايه الوقف، فقال الدارقطني -بعد أن ذكر الخلاف في رفعه-: والموقوف أصح. (العلل 5/76) . وقال الحافظ ابن حجر:

وطريق الموقوف أقوى.

(فتح الباري 11/3) والحديث وإن كان موقوفاً، إلا أن أكثره له معنى الرفع؛ إذ أنه مما لا بمجال للرأي فيه. هذا، وللشطر الأول منه شاهد من رواية أنس رضي الله عنه، أخرجه البخارى في (الأدب المفرد 2/449 ح 989 - مع فضل الله الصمد) إلى قوله "

فأفشوا السلام بينكم. وحسن الحافظ ابن حجر إسناده (فتح الباري 11/13) ، وصحيح إسناده الألبانى (السلسلة الصحيحة رقم 184) ، وحسن الحديث في (صحيح الأدب المفرد ص 380 ح 760) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) عن قتادة يقول: حيوا أحسن منها، أي: على المسلمين (أو ردوها) أي: على أهل الكتاب.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (حسيبا) قال: حفيظاً.

قوله تعالى (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لاريب فيه)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (لاريب فيه) لا شك فيه.

قوله تعالى (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا)

قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر وعبد الرحمن قالا: حدثنا شعبة، عن عدى عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (فما لكم في المنافقين فئتين) رجع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أحدٍ وكان الناس فيهم فِرقتين: فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين) .

(الصحيح 8/104-105 ح 4589 -ك التفسير- سورة النساء) ، (صحيح مسلم 4/2142 ح 2776 - ك صفات المنافقين) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (والله أركسهم بما كسبوا) يقول: أوقعهم.

ص: 87

قوله تعالى (أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا)

قال الشيخ الشنقيطي: أنكر تعالى في هذه الآية الكريمة على من أراد أن يهدي من أضل الله، وصرح فيها بأن من أضله الله لايوجد سبيل إلى هداه وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم) وقوله (ومن يضلل الله فلا هادى له) .

قوله تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فإن تولوا) يقول: إذا أظهروا كفرهم.

انظر سورة البقرة آية (191) وسورة الأنفال آية (57) .

قوله تعالى (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (أوجاءوكم) يقول: رجعوا فدخلوا فيكم.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (حصرت صدورهم) ضاقت.

قوله تعالى (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (أن يقاتلوكم) أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه.

ص: 88

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (فإن اعتزلوكم)، قال: نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .

انظر تفسير سورة البقرة آية (208) .

قوله تعالى (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) قال: ناس كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش يرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا. فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ستجدون آخرين يريدون) قال: حيا كانوا بتهامة، قالوا: يانبي الله: إنا لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا فأرادو أن يأمنوا رسول الله، ويأمنوا قومهم فأبى الله ذلك عليهم.

وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضاً في الإحتجاج.

قوله تعالى (كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا فيها)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) كلما عرض لهم بلاء هلكوا فيه.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) قال كلما ابتلوا بها عموا فيها.

قوله تعالى (فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (فإن لم يعتزلوكم) قال: أمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.

انظر تفسير سورة البقرة آية (208) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) أما السلطان فهو الحجة.

ص: 89

قوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) يقول: ماكان له ذلك فيما أتاه من ربه، من عهد الله الذي عهد إليه.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (فتحرير رقبة مؤمنة)، يعني بالمؤمنة: من عقل الإيمان وصام، وصلى فإن لم يجد رقبة، فصيام شهرين متتابعين، وعليه دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا بها عليه.

قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى. أخبرنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن عُبيد بن نضيلة الخُزاعي، عن المغيرة بن شعبة. قال: ضربتْ امرأة ضرّتها بعمود فسطاط وهي حبلى. فقتلتها. قال: وإحداهما لِحيانية.

قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة. وغرّة لما في بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسجع كسجع الأعراب"؟ قال: وجعل عليهم الدية.

(الصحيح 3/1310 ح 1682- ك القسامة، ب دية الجنين

) .

وانظر حديث مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي المتقدم تحت الآية رقم (238) من سورة البقرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها فإنها مؤمنة".

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة أو صام شهرين متتابعين ولا دية عليه.

ص: 90

قال البخاري: حدثنا قيس بن حفص حدثنا عبد الواحد حدثنا الحسن بن عمرو، حدثنا مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل معاهداً لم يرِحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً".

(الصحيح 6/311 ح 3166- ك الجزية، ب إثم من قتل معاهداً بغير جرم) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وإذا كان كافرا في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين.

انظر تفسير سورة البقرة آية (185) .

قال ابن أبي حاتم حدثنا عمار بن خالد التمار، ثنا أسباط، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة قال: اذا كان (فمن لم يجد) فالأول الأول.

ورجاله ثقات وسنده صحيح، وأسباط هو ابن محمد.

قوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)

قال البخاري: حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن زبيد قال: سألت أبا وائل عن المرجئة، فقال: حدثني عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سِباب المسلم فسُوق وقتاله كفر".

(الصحيح 1/135 ح 48 - ك الايمان، ب خوف المؤمن من أن يحبط عمله

) ، صحيح مسلم 1/81 - ك الايمان، ب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق") .

قال البخاري: حدثنا علي حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حَراماً".

(الصحيح 12/194 ح 6862 - ك الديات، ب قول الله تعالى (الآية) .

ص: 91

قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا مغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلتُ فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) هي أخر ما نزل، وما نسخها شيء.

(الصحيح 8/106 ح 4590 - ك التفسير، سورة النساء، ب (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم)) .

وانظر سورة الفرقان آية (68) حديث النسائي عن زيد بن ثابت.

قال البخارى: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء".

(الصحيح 12/194 ح، 6864- ك الديات، ب قول الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 3/1304 ح 1678- ك القسامة، ب المجازاة بالدماء في الآخرة) من طريق عبدة بن سليمان ووكيع، كلاهما عن الأعمش به، وفيه:"يوم القيامة".

قال البخاري: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقينى أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار". قلت: يارسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".

(الصحيح 12/192 ح 6875 -فتح البارى- ك الديات، ب قوله تعالى (ومن أحياها

)) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2213 ح 2888- ك الفتن وأشراط الساعة، ب إذا تواجه المسلمان بسيفهما) وعنده قول الأحنف: قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم -يعنى علياً-

) .

قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عُيينة، عن عمار الدهني، عن سالم ابن أبي الجعد، قال: سئل ابن عباس عمّن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: ويحه! وأنى له الهدى؟ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "يجئ القاتل، والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه

ص: 92

يقول: ربّ! سَل هذا، لِم قتلنى"؟ والله! لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم، ثم ما نسخها بعد ما أنزلها.

(السنن ح 2621 - ك الديات، ب هل لقاتل مؤمن توبة) . وأخرجه أحمد والنسائي من طرق عن سالم به نحوه. وقال ابن كثير: وقد روى هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة. (المسند 1/240) ، (السنن - التحريم 7/85)، (التفسير 2/333) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجه 2/93) .

وأخرجه الطبري (9/63 ح 10188) من طريق يحيى الجابر عن سالم، بزيادة ألفاظ فيه. قال الشيخ أحمد شاكر: وهو حديث صحيح.

وانظر سورة النساء آية (48) حديث النسائي عن معاوية.

وانظر سورة الفرقان آية (69) .

قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح، عن أبي الجهم الجوزجانى، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".

(السنن ح 2619- ك الديات، ب التغليظ في قتل مسلم ظلماً)، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه البيهقى والأصبهانى من هذا الوجه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه النسائى في الصغرى من حديث بريدة بن الحصيب ومن حديث عبد الله بن مسعود (مصباح الزجاجة 2/83) . وحسن إسناده المنذرى (الترغيب 3/202)، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/92) . وله شاهد أخرجه النسائى من حديث بريدة (السنن 7/83) صحح إسناده ابن الملقن (خلاصة البدر المنير 2/261) .

قال الضياء المقدسي: أخبرنا عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد المروزي - بها- أن أبا الفضل محمد بن عبد الواحد بن محمد المغازلى أخبرهم -قراءةً عليه- أنا أبو الخير محمد بن أحمد بن رَرَا الأصبهاني -قراءة عليه- أبنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، ثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، ثنا عبد الرحمن بن علي بن خشرم، ثنا سُويد بن نصر، ثنا ابن المبارك، عن سليمان التيمى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبى علَي أن يجعل لقاتل المؤمن توبة".

(المختارة 6/163 ح /2164) قال محققه: إسناده صحيح، وصححه السيوطي (الجامع الصغير 1/71) ، وصححه الألبانى (السلسلة الصحيحة 2/309 ح 689) .

ص: 93

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله لأن الله سبحانه يقول (فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه وأعد له عذابا عظيماً) .

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا

) إلى قوله (إن الله كان بما تعملون خبيراً)

قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن (محمد بن) إسحاق حدثني يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم مر بنا عامر الأشجعي على قعود له متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعلمون خبيراً) .

(المسند 6/11) ، وأخرجه الطبري في (تفسيره رقم 10212، 10213)، وغيرهما. قال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/7) . وقال د. حكمت بشير: إسناده حسن (مرويات الإمام أحمد 1/386)

قال البخاري: حدثني على بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) .

قال: قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحِقه المسلمون. فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله (عرض الحياة الدنيا) تلك الغنيمة. قال: قرأ ابن عباس: (السلام) .

(الصحيح 8/107 ح 4591 - ك التفسير، سورة النساء، ب (الآية)) ، (صحيح مسلم، 4/2319 - ك التفسير) .

ص: 94