المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صلاة الخسوف) - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - جـ ٢

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الْجُمُعَةِ)

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[ضَابِطُ النَّاسِ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[شُرُوطِ لُزُومِ الْجُمُعَةَ]

- ‌[آدَابُ الْجُمُعَةَ]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْعِيدِ)

- ‌[خَاتِمَةٌ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ]

- ‌[فَرْعٌ الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرُ خُطَبٍ]

- ‌(تَنْبِيهٌ) إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (تَارِكِ الصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌[فَرْعٌ لَوْ مَاتَ أَقَارِبُهُ دُفْعَةً قُدِّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ يُسْرِعُ فَسَادُهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ مَنْ قُتِلَ قَبْلُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ شَهِيدًا]

- ‌[فَرَعٌ حَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌(بَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ زَكَاةِ (الْفِطْرَةِ)

- ‌(بَابُ الصِّيَامِ)

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَرْكَانُهُ الِاعْتِكَافُ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ)

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْخِيَارِ)

- ‌[أَسْبَابُ الْخِيَارِ]

الفصل: ‌(باب صلاة الخسوف)

أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدٍ (يَرْجِعُوا) إلَى السَّوَادِ (قَبْلَ الْجُمَعْ) أَيْ: قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَهَا وَحَضَرُوا لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ وَاحِد، فَصَلَّى الْعِيدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَشْهَدَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَلْيَنْصَرِفْ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ، أَوْ بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ)

لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ خَسَفَتْ حَالُهُ أَيْ: تَغَيَّرَتْ فَالْخُسُوفُ يُقَالُ لَهُمَا كَالْكُسُوفِ وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ وَقِيلَ: الْخُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْكُسُوفُ آخِرُهُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ النَّاظِمُ اللُّغَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْبَابِ غَيْرَ مَرَّةٍ يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَكُسِفَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَانْكَسَفَتْ وَخَسَفَتْ وَخُسِفَتْ وَانْخَسَفَتْ كَذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ: كُسُوفُ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا، وَنُورُهَا بَاقٍ.

وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ، فَإِنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ، فَكُسُوفُهُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ حَقِيقَةً وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أَيْ: عِنْدَ كُسُوفِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ عِبَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُمَا فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِمَا بِالنَّهْيِ وَالْمُرَادُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا أَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ تَرْكِهَا لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ (صَلَّى) الشَّخْصُ نَدْبًا وَإِنْ فَاتَتْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ (الْخَسُوفَيْنِ بِرَكْعَتَيْنِ) وَ (زَادَ) فِيهِمَا فِيهِمَا (رُكُوعَيْنِ وَقَوْمَتَيْنِ) رُكُوعًا وَقَوْمَةً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَرُكُوعًا وَقَوْمَةً فِي الثَّانِيَةِ فَيُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ

ــ

[حاشية العبادي]

لَمْ يَرْجِعُوا بَلْ اسْتَمَرُّوا حَتَّى دَخَلَ، وَقْتُ الْجُمُعَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ م ر (قَوْلُهُ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ إلَخْ.) لَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ، بِالْعِيدِ فِيمَا ذُكِرَ الْكُسُوفُ إذَا اتَّفَقَ حُصُولُهُ أَوَّلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَضَرَ أَهْلُ السَّوَادِ لَهُ

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ)(قَوْلُهُ: لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرُ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقَ كُسُوفِ النُّجُومِ بِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الصَّلَاةِ، وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِتَغْيِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ الْهَيْئَةِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كُسُوفِ النُّجُومِ، نَعَمْ كُسُوفُهَا كَالزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَيُصَلِّي لَهُ فُرَادَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ لَمْ تَتَعَدَّدْ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَأَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً جَوَّزَهَا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ جَمِيعًا مَعَ عَدَمِ التَّوْقِيفِ فِيهِمَا بَلْ فِي أَحَدَيْهِمَا وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً لِكِنَّهِ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي وَالظَّاهِرُ اتِّفَاقُ صَلَاتَيْهِمَا كَيْفِيَّةً.

(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ عَلَى تَقْدِيرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى النَّظَرِ فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ وَلَعَلَّ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ احْتِمَالَ إرَادَةِ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهِمَا، وَلَا يَقْدَحُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُمَا لِجَوَازِ تَخْصِيصِهِمَا بِحِكْمَةٍ تَقْتَضِيهِ

ــ

[حاشية الشربيني]

[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ)(قَوْلُهُ: يُقَالُ إلَخْ) فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْقَمَرُ إلَخْ) هَذَا أَمْرٌ عَادِيٌّ فَقَدْ يَقَعُ كُلٌّ بِدُونِ الْحَيْلُولَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَاشِرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ يَوْمَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ ابْنِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَاتَ وَعُمْرُهُ سَبْعُونَ يَوْمًا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَوْمَ عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ صِغَرِ جِرْمِهِ بِالنِّسْبَةِ لِجِرْمِهَا بِكَثِيرٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ جِرْمِهَا رُؤْيَتُهَا بَلْ يَتَخَلَّفُ عِنْدَ قُرْبِ الْحَاجِبِ مِنْ النَّاظِرِ كَمَا يَعْلَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَرْكِهَا لِتَأَكُّدِ الطَّلَبِ) وَتَأَكُّدُهُ فِي النَّدْبِ يَقُومُ مَقَامَ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فِي اقْتِضَاءِ الْكَرَاهَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ حَجَرٌ بج. (قَوْلُهُ: صَلَّى إلَخْ) أَيْ: مَعَ تَعْيِينِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ وَإِذَا اخْتَارَ كَيْفِيَّةً تَعَيَّنَتْ قَالَهُ شَيْخُنَا وقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْوُصُولِ لِمَا يُعَيِّنُهَا كَالْقِيَامِ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الرُّكُوعَيْنِ وَالْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فَيَنْوِي مَا هُوَ فِيهِ وَتَنْصَرِفُ نِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ إلَيْهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ فِي هَذِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِ خِلَافِهِ تَخَالُفَ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدْ مَرَّ مَنْعُهُ. اهـ. ق ل وَفِيهِ أَنَّهُ مَرَّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي تَدَبَّرْ. وَنَقَلَ سم عَنْ م ر اخْتِيَارَ انْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. اهـ.

ص: 59

ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَذَا أَقَلُّهَا أَيْ: إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَخْذًا مِنْ خَبَرِ قَبِيصَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَخَبَرِ النُّعْمَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيُسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِمَا رَكْعَتَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: فِي تَوْشِيحِهِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: الرَّكْعَتَانِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَدْنَى الْكَمَالِ الْمُأْتَى فِيهِ بِخَاصِّيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِدُونِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ تُؤَدَّى أَصْلُ سُنَّةِ الْكُسُوفِ فَقَطْ.

(وَالْمَسْجِدُ) وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ هُوَ (الْأَوْلَى بِهَا لَا الصَّحْرَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِشَرَفِهِ؛ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ يُعَرِّضُهَا لِلْفَوَاتِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ صَلَاتَيْ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعِيدِ إظْهَارُ الزِّينَةِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ رُؤْيَةُ مَبَادِئِ الْغَيْثِ فَيُتَعَجَّلُ السُّرُورُ.

وَأَمَّا أَكْمَلُهَا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَرْبَعُ الطِّوَالُ فِيهَا يَقْرَا) أَيْ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ (حَالَ الْقِيَامَاتِ) السُّوَرَ الْأَرْبَعَ الطِّوَالَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ إنْ أَحْسَنَهَا، وَإِلَّا فَقَدْرَهَا فَيَقْرَأُ الْبَقَرَةَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَآلَ عِمْرَانَ، أَوْ قَدْرَهَا فِي الثَّانِي، وَالنِّسَاءَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الثَّالِثِ وَالْمَائِدَةَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الرَّابِعِ ذَكَرَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَفِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ: يَقْرَأُ فِي الْأَوَّلِ الْبَقَرَةَ وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا وَفِي الثَّالِثِ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَفِي الرَّابِعِ كَمِائَةٍ أَيْ: مِنْ آيَاتِهَا الْوَسَطِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَيْسَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّقْرِيبِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَتْ بِالْأَخْبَارِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: أَيْ: إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْوَتْرِ انْحَطَّتْ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْكَمَالِ. اهـ. وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فَعَلَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَإِنَّمَا يَزِيدُ إنْ نَوَاهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا صِحَّةَ إطْلَاقِ الْمَأْمُومِ بِنِيَّةِ الْكُسُوفِ، خَلْفَ مَنْ جَهِلَ، هَلْ نَوَاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النِّيَّةِ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيَنْحَطُّ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْإِمَامُ أَوْ اخْتَارَهُ بَعْدَ إطْلَاقِهِ مِنْهُمَا لِوُجُوبِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ فَارَقَهُ عَقِبَ الْإِحْرَامِ وَجَهِلَ مَا قَصَدَهُ أَوْ اخْتَارَهُ فَيُتَّجَهُ الْبُطْلَانُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْكُسُوفِ وَفِي الْوَتْرِ بِاسْتِوَاءِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةُ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَإِذَا أَطْلَقَ الْمَأْمُومُ نِيَّتَهُ خَلْفَ مَنْ قَصَدَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَعْرُوفَةَ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ فَتْوَى شَيْخِنَا وَأَرَادَ الْمَأْمُومُ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالصِّحَّةُ مُحْتَمَلَةٌ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَا دَامَ فِي الْقُدْرَة وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَأَنَّ نِيَّتَهُ خَلْفَ مَنْ نَوَى الْكَيْفِيَّةَ الْمَعْرُوفَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَإِنْ فَارَقَ.

(قَوْلَهُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَى الْأَخْذِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَدَلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ بِالزِّيَادَةِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا نُقِلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيهِمَا رَكْعَتَيْنِ) أَيْ: فِي الْخَبَرَيْنِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ) لَوْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ الْأَوْلَى تَعَدُّدُهَا فِيهِ وَفِي مَوَاضِعِ الْبَلَدِ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الصَّحْرَاءِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَتَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبَلَدِ. اهـ. أَيْ: وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ بِالْمَنْعِ كَالْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ: الْأَوْلَى بِهَا) لَمْ يَقُلْ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ فِعْلَهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْبَلَدِ أَوْلَى مِنْ الصَّحْرَاءِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: صَلَاتَيْ الْعِيدِ) حَيْثُ كَانَ الْمَسْجِدُ أَوْلَى بِهِمَا إنْ اتَّسَعَ لَا مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: يَقْرَأُ) يُمْكِنُ نَصْبُهُ " بِأَنْ " مَحْذُوفَةٍ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا بَلْ هُوَ قِيَاسٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَكُونُ أَنْ وَالْفِعْلُ عَطْفًا عَلَى الْمَسْجِدُ وَكَذَا أَنْ يُسَبِّحَا الْآتِي أَيْ: وَالْأَوْلَى الْمَسْجِدُ وَأَنْ يَقْرَأَ وَأَنْ يُسَبِّحَا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً لَفْظًا إنْشَائِيَّةً مَعْنًى مُعْتَرِضَةً بَيْنَ أَنْ يُسَبِّحَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: إذَا شَرَعَ إلَخْ) فَلَوْ أَطْلَقَ قِيلَ: يَتَخَيَّرُ وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ وَقِيلَ: عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد) لَكِنْ زَادَ النَّسَائِيّ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ هَذِهِ» وَلِلْحَاكِمِ نَحْوُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَمَانِعٌ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. اهـ. حَجَرٌ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.

(قَوْلُهُ: الْأَوْلَى) أَيْ: وَإِنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا فَاتَتْ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ لَهَا بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ لِلْوَقْتِ. اهـ. عَمِيرَةُ سم.

(قَوْلُهُ: الْبُوَيْطِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى بُوَيْطٍ قَرْيَةٌ بِصَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى وَهُوَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي حَلْقَتِهِ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ) أَيْ: الْمُتَبَايَنِ بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهُمْ عَيَّنَ هَذَا دُونَ ذَلِكَ

ص: 60

تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ، ثُمَّ الثَّالِثِ عَلَى الرَّابِعِ، وَأَمَّا نَقْصُ الثَّالِثِ عَنْ الثَّانِي أَوْ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ فَلِأَجْلِهِ لَا بُعْدَ فِي ذِكْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الثَّانِي (وَ) الْأَوْلَى (أَنْ يُسَبِّحَا أَيْ فِي الرُّكُوعَاتِ زَمَانًا فَسِيحًا) وَفِي نُسْخَةٍ صَلِحًا أَيْ: زَمَنًا صَالِحًا (لِمِائَةٍ) مِنْ آيَاتِ الْبَقَرَةِ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ (وَضِعْفِ أَرْبَعِينَا) أَيْ: وَلِثَمَانِينَ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْآيَاتِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الطِّوَالِ فِي الثَّانِي (وَلِلسَّبْعِينَ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ فِي الثَّالِثِ (وَالْخَمْسِينَا) فِي الرَّابِعِ تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ؛ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ.

(وَلَا يُطَوِّلْهَا) أَيْ: الصَّلَاةَ أَيْ: لَا يَجُوزُ تَطْوِيلُهَا بِأَنْ يَزِيدَ رُكُوعًا مَثَلًا (لِبُطْءِ الِانْجِلَا) ، كَمَا لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَالَ جَمْعٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ بِجَوَازِ زِيَادَةِ رُكُوعٍ ثَالِثٍ فَأَكْثَرَ إلَى الِانْجِلَاءِ لِأَخْبَارٍ فِي مُسْلِمٍ مِنْهَا مَا فِيهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَمِنْهَا مَا فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ خَمْسَةٌ، وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا عَنْهَا بِأَنَّ أَخْبَارَ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِكَلَامِهِمْ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ: لَا يَصِحُّ جَوَابُهُمْ بِمَا ذَكَرَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةً وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقَائِعَ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّابِتَةِ؛ لِأَنَّهَا جَرَتْ فِي أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْجَمِيعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا قَوِيٌّ اهـ وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ إنَّهَا كَانَتْ وَاقِعَةً وَاحِدَةً فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّهُ قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الثِّقَاتِ «أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَصَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ» الْحَدِيثَ ثُمَّ كَسَفَتْ أَيْضًا فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ يَوْم مَاتَ إبْرَاهِيمُ رضي الله عنه فَصَلَّى صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخُسُوفِ.

(وَلَا يُكَرِّرْهَا) بِأَنْ يُصَلِّيَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا لِبُطْءِ الِانْجِلَاءِ، كَمَا لَا يَزِيدُ رُكُوعًا فَلَوْ أَخَّرَ عَنْ هَذَا قَوْلَهُ: لِبُطْءِ الِانْجِلَاءِ كَانَ أَوْلَى وَقِيلَ: يُكَرِّرُهَا لِظَاهِرِ خَبَرِ النُّعْمَانِ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ إنْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَتُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ فَمَحَلُّ خِلَافُهُمْ إذَا صَلَّاهَا بِهَيْئَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ وَالرَّاجِحُ الْمَنْعُ، نَعَمْ لِغَيْرِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لَا بُعْدَ) وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْقِيَامَاتِ لَيْسَتْ رَكَعَاتٍ، وَمَجْمُوعُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَطْوَلُ مِنْ مَجْمُوعِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الصَّلَوَاتِ. (قَوْلُهُ: الْمَفْهُومَةُ مِنْ الطِّوَالِ) أَيْ: مِنْ ذِكْرِ الطِّوَالِ فِيمَا سَبَقَ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُطَوِّلُهَا) الْمُنَاسِبُ لِاحْتِيَاجِ النَّظْمِ إلَى تَسْكِينِهِ وَلِقَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يُطَوِّلَا فِي سَجْدَةٍ أَنَّ " لَا " نَاهِيَةٌ لَا نَافِيَةٌ

(قَوْلُهُ: بِجَوَازِ زِيَادَةِ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الزِّيَادَةُ بِلَا نِيَّتِهَا وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ أَخْبَارِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ نِيَّةُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ ابْتِدَاءً فَلْيَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَقَائِعَ لَمْ يَبْلُغُ عَدَدُهَا عَدَدَ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَالتَّعَارُضُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْقَيْدِ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ أَظْهَرُ مِنْ رُجُوعِهِ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِرّ.

(قَوْلُهُ: لِظَاهِرِ خَبَرِ النُّعْمَانِ إلَخْ) عَبَّرَ بِالظَّاهِرِ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِمَا عَدَا الْفِعْلَ الْأَوَّلَ الْكُسُوفَ بَلْ كَانَ نَفْلًا مُطْلَقًا

ــ

[حاشية الشربيني]

وَبَعْضُهُمْ بِالْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّقْرِيبِ) أَيْ: التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ مِنْ الشَّارِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَزَادَ حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: عَلَى التَّقْرِيبِ مَا لَفْظُهُ: وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَمِثْلُهُ فِي النَّاشِرِيِّ وَلَكَ أَنْ تُرِيدَ التَّقَارُبَ فِي الْعَدَدِ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدٌ إذْ عَدَدُ آيِ آلِ عِمْرَان مِائَتَانِ وَأَنْ تُرِيدَ التَّقَارُبَ فِي الْقَدْرِ مَا عَدَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدٌ إنْ أَرَدْت بِالْقَدْرِ قَدْرَ كُلٍّ بِالنِّسْبَةِ لِمُقَابِلِهِ فَإِنْ أَرَدْتَ قَدْرَ كُلٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَلِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ نِسْبَةَ كُلٍّ إلَى مَا يَلِيهِ فِي إحْدَى النَّصَّيْنِ كَهِيَ فِي الْآخَرِ ظَهَرَ فِي غَيْرِ الثَّالِثِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي لِاخْتِلَافِهِ زِيَادَةً وَنَقْصًا عَلَيْهِمَا. اهـ. شَيْخُنَا. اهـ. مَرْصَفِيٌّ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ. (قَوْلُهُ: وَضِعْفِ أَرْبَعِينَ إلَخْ) التَّفَاوُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الرَّابِعِ وَمَا قَبْلَهُ كُلٌّ بِعِشْرِينَ وَتَعْيِينُ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مَوْكُولٌ لِلشَّارِعِ. (قَوْلُهُ: بِلَا تَقْدِيرٍ) أَيْ: نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَ مَأْخُوذًا مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْحَدِيثِ.

(قَوْلُهُ: لِأَخْبَارٍ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّهَا جَرَتْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا مَحَلَّ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ هَذَا مَا رَآهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنْ مَعَهُ وَمَنَعَ غَيْرُهُ قَوْلَهُ: وَلَا مَحَلَّ إلَخْ بِأَنَّ هُنَاكَ مَحَلًّا أَظْهَرَ مِنْ هَذَا وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ. اهـ. وَحَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ إلَخْ تَدَبَّرْ، نَعَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ وَلَنَا بِإِخْبَارِ مَعْصُومٍ، وَأَمَّا خَبَرُ الْمُنَجِّمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: الْعَاشِرَةِ) فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ الثَّامِنَةِ. اهـ.

ص: 61

الْإِمَامِ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُ، بَلْ يُسَنُّ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لَوْ صَلَّى لِلْكُسُوفِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا، كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْرَاكِهِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِدْرَاكِهِ بَعْدَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَوَّلَ، وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ قَالَ: وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَأَقُولُ: قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَجَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ.

(وَلَا يُطَوِّلَا فِي سَجْدَةٍ) كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَالتَّشَهُّدِ (وَ) لَا فِي (قَعْدَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي (قُلْت وَرَدْ فِي طُولِ هَاتَيْنِ) أَيْ: السَّجْدَةِ وَالْقَعْدَةِ (أَحَادِيثُ عُمَدْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ فِي السَّجْدَةِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، بَلْ الصَّوَابُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ قَالَ: وَعَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ: إنَّ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَةَ كَالثَّانِي قَالَ: وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهَا وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ فَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ وَقَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ» .

(وَ) الْأَوْلَى بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ (الْجَهْرُ فِي) صَلَاةِ (الْخُسُوفِ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ وَلَمْ نَجِدْهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ ثَابِتٍ قَالَ: وَالْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ الْجَهْرَ لَقَالَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتٌ وَغَيْرُهُ نَفْيٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَهَرَ وَأَسَرَّ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَجَرَى عَلَى الْجَهْرِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْكُسُوفِ وَرَوَى الْجَهْرَ أَكْثَرُ فَرَجَّحْنَاهُ انْتَهَى وَالْقِيَاسُ الْإِسْرَارُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ نَهَارِيَّةٌ لَهَا مِثْلٌ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، كَمَا عَلَّلَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الثِّقَاتِ «أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخُسُوفِ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ» وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: حَكَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْهُ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَخْطُبُ) خُطْبَتَيْنِ نَدْبًا؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (كَجُمُعَةٍ) أَيْ: كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ شُرُوطِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا قَالَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ: خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ وَعَبَّرَ فِي الْوَجِيزِ بِقَوْلِهِ: خُطْبَتَيْنِ، كَمَا فِي الْعِيدِ أَيْ: إلَّا فِي التَّكْبِيرِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَيَأْتِي هُنَا مَا قَدَّمْتُهُ ثَمَّةَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْمَاعِ وَالسَّمَاعِ وَكَوْنِ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً.

وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهَا تُجْزِئُ، كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ فِيهِ - كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ - نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ لَمْ يَحْكِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَكَى عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ وَهِيَ: وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا يَخْطُبُ فِي الْعِيدَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَجِنَازَةٌ وَاسْتِسْقَاءٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ، ثُمَّ الْكُسُوفِ، ثُمَّ الْعِيدِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُعِيدُهَا) بَلْ وَأَنْ تُعِيدَهَا الْجَمَاعَةُ بِعَيْنِهَا وَإِنْ اتَّحَدَ إمَامُهَا

(قَوْلُهُ: وَلَا يُطَوِّلَا) بِإِبْدَالِ نُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ أَلِفًا أَيْ: لَا يَفْعَلُ التَّطْوِيلُ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: كَالتَّشَهُّدِ أَيْ: كَمَا لَا يُطَوِّلُ تَشَهُّدَهَا بِرّ. (قَوْلُهُ: كَالِاعْتِدَالِ) وَالرِّوَايَةُ بِتَطْوِيلِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا. اهـ. حَجَرٌ ش ع.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ) أَيْ: لَا بِمَعْنَى الْأَفْضَلِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْإِسْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسْرَارٌ فَضْلٍ. (فَرْعٌ)

إذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَهْرٍ لَكِنْ هَلْ يَنْوِي كُسُوفَ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهَا شَمْسٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي لَيْلٍ حُكْمًا أَوْ كُسُوفَ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّهُ قَمَرٌ حُكْمًا لِلْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ مَالَ م ر لِلثَّانِي وَلَا تَرَدُّدٌ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِلْ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ) يَأْتِي مَا يَرُدُّهُ. (قَوْلُهُ: فَرَجَّحْنَاهُ) قَدْ يُعَارِضُ الْكَثْرَةَ مُوَافَقَةُ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ مَنْ إلَخْ) كَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا نَصَّ إلَخْ) أَيْ: الْإِمَامُ فِي الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْمُجْتَهَدِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ إنَّمَا مُلَاحَظَتُهُ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ يُشِيرُ بِنَصِّهِ إلَى مُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ كَذَا بِهَامِشِ الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ: الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ) أَيْ: مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا وَإِلَّا أَسَرَّ مِنْ حِينَئِذٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) أَيْ: مَا لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ وَهُوَ فِيهَا إلَّا جَهَرَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَيَانًا لِلْجَوَازِ) قَدْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ التَّحْرِيم. (قَوْلُهُ: وَجَرَى إلَخْ) أَيْ: عَيْنُهُ بِدَلِيلِ آخِرِ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ) هُوَ صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ إلَخْ) أَيْ: فَتَمَيَّزَ بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْعِيدِ

(قَوْلُهُ: كَجُمُعَةِ) إنَّمَا شَبَّهُوا خُطْبَةَ الْكُسُوفِ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَخُطْبَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْعِيدِ لِيَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ فِي

ص: 62

خَطَبَ لِلْجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ لِلْجَمِيعِ خُطْبَتَانِ لَا أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلْكُسُوفِ خُطْبَةً فَرْدَةً، وَقَدْ قَالُوا: لَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ كَفَاهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يُرِيدُوا الْفَرْدَةَ قَطْعًا (لَا مُفْرَدٌ) فَإِنَّهُ لَا يَخْطُبُ لِمَا مَرَّ فِي الْعِيدِ، وَكَذَا النِّسَاءُ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ سُنَنِهِنَّ لَكِنْ لَوْ وَعَظَتْهُنَّ وَاحِدَةٌ وَخَوَّفَتْهُنَّ كَانَ حَسَنًا (وَيُنْدَبُ فِي خُطْبَةٍ ثَانِيَةٍ حَثٌّ عَلَى خَيْرٍ) كَإِعْتَاقٍ وَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ (وَ) عَلَى (تَوْبَةٍ) مِنْ الْمَعَاصِي لِلْآمِرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَكَأَنَّهُ صَحَّفَهُ مِنْ لَفْظِ النَّاسِ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ: وَيَحُثُّ فِي الْخُطْبَةِ النَّاسَ، أَوْ إنَّهُ قَاسَهُ بِالدُّعَاءِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ خُطْبَتَيْ الِاسْتِسْقَاءِ حَيْثُ قَالُوا: يُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ فِيهَا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَحُثُّ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَلِعِظَمِ التَّوْبَةِ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهَا فِي الْخَبَرِ

(وَفَاتَتْ) صَلَاةُ الْخَسُوفَيْنِ (بِانْجِلَا) كُلِّ الْقُرْصِ يَقِينًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ؛ وَلِحُصُولِ الْقَصْدِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا قُصِدَ بِهَا مِنْ الْوَعْظِ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ فَلَوْ انْجَلَى بَعْضُهُ صَلَّى لِلْبَاقِي، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْخَسِفْ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ وَلَوْ حَالَ سَحَابٌ، وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْخُسُوفِ فَإِنْ قُلْت لِمَ فَاتَتْ صَلَاةُ الْخُسُوفِ بِالِانْجِلَاءِ وَلَمْ تَفُتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْمَطَرِ؟ قُلْنَا: لَا غِنَى بِالنَّاسِ عَنْ مَجِيءِ الْغَيْثِ بَعْدَ الْغَيْثِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُمْ هُنَاكَ لِطَلَبِ الْغَيْثِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُنَا لِأَجْلِ الْخُسُوفِ، وَقَدْ زَالَ بِالِانْجِلَاءِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ.

(وَبِالْغُرُوبِ) لِلشَّمْسِ كَاسِفَةً (فَاتَهُ الْكُسُوفُ) أَيْ: صَلَاةُ كُسُوفِهَا؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ (وَ) فَاتَهُ (بِطُلُوعِ شَمْسِهِ) وَلَوْ بَعْضِهَا (الْخُسُوفُ) أَيْ: صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ؛ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ طُلُوعِهَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا لَيْلًا؛ لِبَقَاءِ سُلْطَانِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ وَلَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنَّهُ لَوْ خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ صَلَّى لَهُ لِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ خَسَفَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُصَلِّي لَهُ وَلَوْ ظَنَّ الْكُسُوفَ تَحْتَ الْغَمَامِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَهُ وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ كَمَا لَوْ انْجَلَى الْكُسُوفُ فِي أَثْنَائِهَا.

(وَحَيْثُ لَا يَأْمَنُ مِنْ فَوْتٍ) بِأَنْ خَافَ فَوْتَ بَعْضِ صَلَوَاتٍ اُجْتُمِعَتْ عَلَيْهِ (بَدَا بِالْفَرْضِ) الْعَيْنِيِّ مِنْ جُمُعَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا إنْ خَافَ فَوْتَهُ؛ لِتَعَيُّنِهِ؛ وَلِضِيقِ وَقْتِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

النَّقْصِ بِنَحْوِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ: قُلْنَا لَا غَيْرَ إلَخْ) هَلَّا صَلَّى هُنَا لِدَفْعِ الْكُسُوفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا صَلَّى ثَمَّ لِلْغَيْثِ الْمُسْتَقْبَلِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُعْمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ) وَظَاهِرُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَا فِي نَحْوِ الصَّوْمِ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِمْ: لَهُمْ أَوْ وَلِغَيْرِهِمْ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ أَصْلِهَا خُرُوجًا عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ فَاحْتِيطَ لَهَا مَا لَمْ يُحْتَطْ لِغَيْرِهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْبَاقِيَ إلَى الطُّلُوعِ لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي لَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَسَعَ الصَّلَاةَ، وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا وَلَا مَعَ الْجَهْلِ إنْ صَلَّاهَا بِالْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ بَعْضِهِمْ: وَلَهُ الشُّرُوعُ فِيهَا إذَا خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَإِنْ عَلِمَ طُلُوعَ الشَّمْسِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَبْطُلْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا رَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ صَارَتْ قَضَاءً وَلَا يُرَدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ ذَاتَ السَّبَبِ لَا تَقْضِي، فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: بَدَأَ بِالْفَرْضِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ أَوْ ظُنَّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْهَامِشِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ خِلَافُهُ.

(قَوْلُهُ: بِالْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ) حَمَلَهُ الْجَوْجَرِيُّ عَلَى الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مَعَ عِيدٍ إذَا فُرِضَ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَقَوْلٌ الشَّارِحِ مِنْ جُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَمْلِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بَدَأَ بِالْفَرْضِ بَدَأَ بِهِ إنْ كَانَ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَيِّتُ إلَخْ مَعْنَاهُ، ثُمَّ إنْ فَعَلَ الْفَرْضَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْضٌ عَيْنِيٌّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إدْخَالَ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ فِي التَّصْوِيرِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُنَافِي ذِكْرَ الْعِيدِ وَلَا يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ أَدَاءِ الْفَرْضِ مَعَ الْعِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَافَقَ الْجَوْجَرِيَّ فَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي وَقْتِ الْعِيدِ فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُ اجْتِمَاعِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ الدَّالُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِقَضَاءِ الْعِيدِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ قُلْت: هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَحَيْثُ لَا يَأْمَنُ مِنْ فَوْتِ الدَّالِ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِاجْتِمَاعِ صَلَوَاتٍ مُؤَدَّاةٍ خِيفَ فَوْتُ بَعْضِهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

خُطْبَةِ الْكُسُوفِ تَكْبِيرٌ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ بَلْ فِيهَا اسْتِغْفَارٌ. اهـ. نَاشِرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ) نَازَعَ فِيهِ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ -: يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ عَنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ بَلْ وَبِخَبَرِ نَحْوِ صَبِيٍّ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالتَّعْلِيلُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا مَمْنُوعٌ بِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ الشُّرُوعِ فِيهَا مَعَ الشَّكِّ فِي الِانْجِلَاءِ مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَنْعِ فِيمَا لَوْ فَعَلَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بَدَأَ إلَخْ) ثُمَّ الْفَرِيضَةُ أَوْ الْعِيدُ

ص: 63

(ثُمَّ) بِصَلَاةِ (الْمَيْتِ) وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ مَا يَأْتِي لِمَا يَخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ بِتَأْخِيرِهَا؛ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي (ثُمَّ عَيَّدَا) أَيْ: أَتَى بِصَلَاةِ الْعِيدِ إنْ خَافَ فَوْتَهَا؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، كَمَا مَرَّ فِي النَّفْلِ (ثُمَّ) بِصَلَاةِ (الْكُسُوفِ) لِلشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهَا بِالِانْجِلَاءِ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَى الْوَتْرِ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُ أَيْضًا بِالْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْهُ وَكَوْنُ فَوْتِهَا غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ بِخِلَافِ فَوْتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ لِرِعَايَتِهِمْ خَوْفَ فَوْتِهَا بِالِانْجِلَاءِ فَإِنْ قِيلَ: رَاعُوهُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يَتَيَقَّنُ فَوْتَهُ قُلْنَا: مُعَارَضٌ بِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الْوَتْرِ بِالْقَضَاءِ دُونَ هَذِهِ (وَلِأَمْنِ الْفَوْتِ) قَسِيمٌ لِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ (كُسُوفَهُ) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: وَلَا مِنْهُ فَوْتُ الصَّلَوَاتِ بِأَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْهَا بَدَأَ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ (بَعْدَ صَلَاةِ الْمَوْتِ) فَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِمَا مَرَّ وَلَا يَتْبَعُ الْإِمَامُ الْجِنَازَةَ، بَلْ يَشْتَغِلُ بِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ تَأَخَّرَ حُضُورُ الْجِنَازَةِ أَوْ وَلِيُّهَا أَفْرَدَ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهَا.

(وَلْتَكْفِهِ الْخُطْبَةُ) أَيْ: الْخُطْبَتَانِ (مَرَّةً) وَاحِدَةً (فِي) اجْتِمَاعِ (عِيدٍ وَجُمُعَةٍ) كَائِنَةً (عَقِيبَ) صَلَاةِ (الْكَسْفِ) أَيْ: بَعْدَهَا، كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي سَوَاءٌ أَتَى بِالْعِيدِ بَيْنَهُمَا أَمْ قَدَّمَهُ فَيَأْتِي بِالْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ خُطْبَتَهَا قَبْلَهَا وَخُطْبَةَ الْآخَرِينَ بَعْدَهُمَا وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ أَحَدِهِمَا، إذْ لَا يَجِبُ الْوِلَاءُ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَخُطْبَتِهِ (قُلْت: نَوَى بِالْخُطْبَتَيْنِ) الْمَذْكُورَتَيْنِ (الْجُمُعَهْ لَا غَيْرَهَا) مِنْ الْآخَرِينَ (ذَاكِرَ هَذَيْنِ) أَيْ: مُتَعَرِّضًا لِشَأْنِهِمَا فِي الْخُطْبَتَيْنِ (مَعَهْ) أَيْ: مَعَ شَأْنِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْوِهِمَا مَعَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَهُمَا بِخُطْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لَمْ يَتَدَاخَلَا، لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُمَا بِفِعْلِ وَاحِدٍ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالضُّحَى بِخِلَافِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالتَّحِيَّةِ قَالَ السُّبْكِيُّ:

ــ

[حاشية العبادي]

(قَوْلُهُ: لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ إلَخْ) وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ظُنَّ تَغَيُّرُهُ قُدِّمَتْ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْمَكْتُوبَةِ شَرْحُ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ عِيدٌ) يُفِيدُ اجْتِمَاعَ الْعِيدِ مَعَ الْجُمُعَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْإِفْضَاءُ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْجِنَازَةِ حَتَّى عَلَى الْمَكْتُوبَةِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُهَا. اهـ. وَاعْتَمَدَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَأَفْتَى بِهَا وَإِذَا قُلْنَا بِهَا: فَهَلْ يَجِبُ أَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إلَى تَشْيِيعِهَا أَوَّلًا، فَلَهُمْ بَعْدِهَا أَنْ يُؤَخِّرَ وَلِتَشْيِيعِهَا حَيْثُ أَمِنَ التَّغَيُّرَ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَضِيَّةُ عِبَارَتِهِمْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ الثَّانِي، ثُمَّ لَعَلَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ عَنْ الْفَرْضِ لِانْتِظَارِ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ فَلَا تَهَاوُنَ بِهِ وَلَا ازْدِرَاءَ

(قَوْلُهُ: وَلْتَكْفِهِ الْخُطْبَةُ إلَخْ) إنْ أَمِنَ فَوَاتًا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ وَفَرِيضَةٌ أَوْ عِيدٌ فَبِجِنَازَةٍ يَبْدَأُ نَدْبًا عَلَى الْأَوْجَهِ إنْ لَمْ يَخْشَ التَّغَيُّرَ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا قَبْلَ الْكُلِّ، ثُمَّ كُسُوفٍ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَكِنْ يُخِفُّهُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى نَحْوِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ، ثُمَّ الْفَرِيضَةِ أَوْ الْعِيدِ لَكِنْ يُؤَخِّرُ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ عَنْ الْفَرِيضَةِ وَلَوْ جُمُعَةً كَذَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَانْظُرْ قَوْلَهُ: لَكِنْ يُؤَخِّرُ إلَخْ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلْتَكْفِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عِيدٌ وَجُمُعَةٌ) أَيْ: بِأَنْ قَضَى الْعِيدَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: تَخَلَّلَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْآخَرِ وَالْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ: قُلْت: نَوَى إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهَا حَتَّى لَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ تَقَدُّمَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي صَرْفَهَا لَهَا وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ سَقَطَتْ وَهُوَ الْأَقْوَى نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. أَيْ: وَإِنْ سَقَطَتْ فَلَا صَارِفَ وَقَدْ يَمْنَعُ سُقُوطَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْجُمُعَةَ لَا غَيْرَهَا) هُوَ مِثْلُ تَعْبِيرِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ: وَقَصَدَ بِالْخُطْبَةِ الْجُمُعَةَ فَقَطْ. اهـ.

وَإِنَّمَا قَالَ فِي شَرْحِهِ: مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَفْيُ جَوَازِ قَصْدِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ مَعَهَا فَقَطْ لَا نَفْيُ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مُتَعَرِّضًا لِشَأْنِهِمَا) أَيْ: مَا يُنْدَبُ ذِكْرُهُ فِي خُطْبَتِهِمَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ: وَيُحْتَرَزُ عَنْ التَّطْوِيلِ الْمُوجِبِ لِلْفَصْلِ. اهـ. وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ فِي شَأْنِهِمَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فَاصِلًا بَيْنَ أَرْكَانِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ مَا يَأْتِي بِهِ فِي شَأْنِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْوَعْظِ وَالْحَثِّ عَلَى الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى فَهَذَا لَا يُنَافِي خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا بَيْنَ أَرْكَانِهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) وَلَوْ عَلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَلَوْ حَالَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَكُونُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ مَنْعِ ابْتِدَاءِ صَلَاةٍ بَعْدَ جُلُوسِهِ. اهـ. شَيْخُنَا. اهـ. مَرْصَفِيٌّ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْحَمَّالِينَ وَأَهْلِ الْمَيِّتِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ تَجْهِيزُهُ لِيَذْهَبُوا بِهَا وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ تَجْهِيزُهُ قَالَ م ر: بَلْ كُلُّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ عَنْ تَشْيِيعِهِ. اهـ. سم عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَتَى إلَخْ) صَرِيحٌ فِي اجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ وَلَا تَكُونُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعِيدُ قَضَاءً وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: قُلْت: نَوَى إلَخْ) وَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ) قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا نَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ

ص: 64

وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ؛ لِحُصُولِ الْقَصْدِ بِهَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ " بِعَقِبِ " صَلَاةُ الْكُسُوفِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ عَلَيْهَا؛ لِخَوْفِ فَوْتِهَا، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَكْفِيهِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الْكُسُوفَ، ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِ وَوَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ عَقِيبَ الْكَسْفِ وَالْعِيدِ وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَزَاحَمَانِ بِأَنْ يَثْبُتَ الْعِيدُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْقَضَاءُ فِي يَوْمِهِ أَوْلَى لَيْسَ بِوَارِدٍ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ: عَقِيبَ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ تَرْكُهَا، وَاعْتَرَضَ عَلَى تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ بِأَنَّ الْكُسُوفَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّهُ مَاتَ فِي الْعَاشِرِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ مِثْلَهُ وَكَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ وَاشْتُهِرَ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ الثَّانِي أَنَّ وُقُوعَ الْعِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً، الثَّالِثِ أَنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يُصَوِّرُ مَا لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ) لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِ وَوَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا قَدْ يُقَالُ: الْمُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْجُمُعَةَ لَمْ تَكْفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِيدِ بِأَنْ أَرَادَ قَضَاءَهُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ قَدَّمَ الْجُمُعَةَ عَلَيْهِ فَيَخْطُبُ لَهَا، ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الْعِيدَ قَضَاءً، ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ تَصْوِيرُهُ عَلَى الْمُزَاحَمَةِ حَتَّى يَنْتَفِيَ بِانْتِفَائِهَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَتَأَتَّى فِي الْعِيدِ) هَلَّا أَتَى فِي الْعِيدِ قَضَاءً كَمَا هُوَ صُورَةُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْضِيَ الْعِيدَ بَعْدَ فِعْلِ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا مُزَاحَمَةَ) أَقُولُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فِي اجْتِمَاعِ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ لِصِدْقِهِ بِفِعْلِ الْعِيدِ آخِرَ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَعْقُبُ فِعْلَهَا دُخُولُ الزَّوَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا اجْتِمَاعَ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ عَقِيبَ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلْعِيدِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الِاحْتِرَازِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى تَقَدُّمُ الْعِيدِ بِأَنْ يُفْعَلَ آخِرَ وَقْتِهِ بِحَيْثُ يَعْقُبُ فِعْلَهُ الزَّوَالُ سم. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَارِدٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُزَاحَمَةِ وَالْعِيدِ الْمَقْضِيِّ لَا يَكُونُ مُزَاحِمًا لِفَوَاتِ وَقْتِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَارِدٍ) إذْ التَّزَاحُمُ مَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَهُمَا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ يَقْطَعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ غَدًا مِنْ شَوَّالٍ بِرّ وَالْغَدُ الْمَذْكُورُ هُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْوَاقِعِ وَهُوَ مَحَلُّ الْكُسُوفِ وَعِنْدَ الشَّهَادَةِ لَا كُسُوفَ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْغَدُ وَحَصَلَ فِيهِ الْكُسُوفُ قَطَعَ حِينَئِذٍ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ السَّابِقَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ) اُنْظُرْ لِمَ صَوَّرَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ بِنُقْصَانِهِمَا غَيْرُ الشَّاهِدِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ؟ . (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةٌ) زَادَ غَيْرُهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ عَلِمَ بِالْحِسَابِ كَذَّبَ الْبَيِّنَةَ بِرّ. (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةٌ) أَيْ: فَيَكُونُ يَوْمُ الْعِيدِ فِي الظَّاهِرِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْوَاقِعِ.

(قَوْلُهُ: الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ) وَلَوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَاسْتِسْقَاءٌ جَازَ التَّحَوُّلُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَحْوِيلِ الرِّدَاءِ كَذَا فِي الْأَنْوَارِ وَبَحَثَ الْمُزَجَّدُ نَدْبَ ذَلِكَ وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَنْوَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ. وَاسْتِدْبَارُ الْخَطِيبِ الْقَوْمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ بَلْ قِيلَ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْجُمُعَةِ حَصَلَا مَعَ التَّشْرِيكِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغُسْلَ وَسِيلَةٌ وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَاحِدٌ وَهُوَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ مَعَ كَوْنِ أَظْهَرِ مَقَاصِدِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ التَّنْظِيفَ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمَّا طُلِبَ فِي الْكُسُوفِ مَا لَمْ يُطْلَبْ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ صَارَا كَأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْقَصْدِ إلَخْ) عَلَّلَ م ر بِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْقَصْدِ بِهَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ فِيهِمَا الْوَعْظُ إذْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ حَاصِلٌ بِوَاحِدَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا) فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُزَاحَمَةِ وَلَيْسَ

ص: 65