الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَمَاعَةَ إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ الْجُمُعَةِ أَوْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ ظَهَرَ عُذْرُهُمْ لَمْ يُنْدَبْ الْإِخْفَاءُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَالْجَمَاعَةِ لِلْمَعْذُورِينَ إذَا صَلَّوْا الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا سُنَّةً لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ: لَا تُسَنُّ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ شِعَارُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ سُنَّتْ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرِّمَنْ سَفَرْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ: وَحَرَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَفَرًا (أُبِيحَ مَا لَمْ تَتَأَتَّ الْجُمُعَهْ وَلَمْ يَنَلْهُ ضَرَرٌ لَوْ وَدَّعَهْ) أَيْ: لَوْ تَرَكَ السَّفَرَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمْ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدَهُ؛ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُفَوِّتُهَا، كَالتِّجَارَةِ، وَاللَّهْوِ، وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُ الْوُجُوبِ مُوَسَّعًا إذْ النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِيهَا، فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُهُ، وَأَمَّا قَبْلَهُ؛ فَلِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِغُسْلِهَا، وَيَلْزَمُ السَّعْيُ بَعِيدَ الدَّارِ قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالْمُبَاحِ الطَّاعَةُ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ، فَلَا يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاعَةِ، وَالْمُبَاحِ وَصَحَّحَهَا النَّوَوِيُّ، وَفِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَبِقَوْلِهِ: مَا لَمْ تَتَأَتَّ الْجُمُعَةُ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا تَأَتَّتْ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ مَقْصِدِهِ، أَوْ لَمْ تَتَأَتَّ لَكِنْ نَالَهُ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ، فَلَا يَحْرُمُ سَفَرُهُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ فِي الْأَوَّلِ وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» فِي الثَّانِي وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنَلْهُ ضَرَرٌ لَكِنْ خَافَ الْوَحْشَةَ يَحْرُمُ سَفَرُهُ، وَاَلَّذِي فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِلْوَحْشَةِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ.
، وَأَمَّا الْآدَابُ، فَهِيَ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْحُضُورِ إلَى الْجُمُعَةِ، أَوْ بِالْخُطْبَةِ، أَوْ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَقَالَ (وَلِمُرِيدِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ (اسْتَحَبُّوا الْغُسْلَا) لَهَا، بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» «وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» «وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا» زَادَ النَّسَائِيّ
ــ
[حاشية العبادي]
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُمْ إظْهَارُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَقَامُوهَا، بِالْمَسَاجِدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهَا) كَانَ هَذَا الْقَيْدُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَإِلَّا، فَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فِي قَضَاءٍ اتَّفَقَ فِيهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ سَفَرْ) ، وَيَصِيرُ مَمْنُوعًا مِنْ الرُّخَصِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِهِ تُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَا مِنْ بَلَدِهِ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا عَاصِيًا بِرّ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ إلَخْ.) لَوْ قَارَنَ السَّفَرُ طُلُوعَ الْفَجْرِ، فَهَلْ يُحْرِمُ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحَقُّقِ الطُّلُوعِ وَتَمَامِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ مَعَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَارَنَ إحْرَامُهُ بِالصُّبْحِ طُلُوعَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الطَّاعَةُ، وَاجِبَةٌ إلَخْ.) لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ فَوْرِيًّا اتَّجَهَ إبَاحَةُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ بَلْ وُجُوبُ التَّرْكِ، بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ بِرّ (قَوْلُهُ: مَا إذَا تَأَتَّتْ إلَخْ.) لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ، بِهَا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا بَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ، فَوْقَ الْحَاجَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهَا عَلَى وَجْهٍ مُجْزِئٍ كَأَنْ يُدْرِكَ السَّابِقَةَ جَازَ السَّفَرُ، وَإِلَّا، فَلَا (وَقَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ سَفَرُهُ) حَيْثُ جَازَ السَّفَرُ لِتَأَتِّيهَا فِي طَرِيقِهِ، أَوْ مَقْصِدِهِ، فَسَافَرَ، فَهَلْ لَهُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَافِرًا، وَالْمُسَافِرُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ التَّأَتِّي لِجَوَازِ الشُّرُوعِ فِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ إنْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ بِقَصْدِ تَرْكِهَا، فَلَا إشْكَالَ فِي الْحُرْمَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْأَنْوَارِ مَا يُفِيدُ امْتِنَاعَ تَرْكِهَا حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا جَازَ أَيْ: السَّفَرُ لِإِمْكَانِهَا فِي طَرِيقِهِ، فَعَلَيْهِ حُضُورُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَحْرُمُ سَفَرُهُ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ)
ــ
[حاشية الشربيني]
مَا لَمْ تَتَأَتَّ) أَيْ: مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ إدْرَاكِهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ مَعَ ظَنِّ الْعَدَمِ، أَوْ التَّسَاوِي، فَيَحْرُمُ مَعَهُ السَّفَرُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي النَّاشِرِيِّ (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُهُ) أَيْ: لِأَنَّهُ إنْ عَجَّلَ تَعَيَّنَ التَّعْجِيلُ، وَسَقَطَتْ خِيرَةُ النَّاسِ، وَأَمْرُ الْإِمَامِ مُغَيَّبٌ فِي ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُ مَا يَكُونُ قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَوْ خَالَفَ، وَسَافَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّرْخِيصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ بِالْيَأْسِ عَادَةً مِنْ إدْرَاكِهَا. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ بِرّ وَم ر (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ السَّعْيُ إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ الْعَجْزِ لَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ) نَعَمْ لَوْ، وَجَبَ فَوْرًا كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ، وَطِئَتْهَا الْكُفَّارُ، وَأَسْرَى اخْتَطَفُوهُمْ، وَجَبَ السَّفَرُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ. اهـ. مِنْ هَامِشٍ صَحِيحٍ عَلَى الشَّارِحِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: مَا إذَا تَأَتَّتْ فِي طَرِيقِهِ) بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُهَا بِقَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ فَإِنْ تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ فَلَا إثْمَ، وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ، وَإِدْرَاكُهَا، وَجَبَ كَمَا فِي سم عَلَى حَجَرٍ، وَأَقَرَّهُ ع ش، وَلَوْ عَنَّ لَهُ التَّرْكُ بَعْدَ السَّفَرِ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهَا فِيهِ جَازَ لِأَنَّهُ حَيْثُ سَاغَ لَهُ السَّفَرُ، وَعُدَّ مُسَافِرًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِينَ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ كَمَا إنَّ الْمُقَاتِلَ فِي الصَّفِّ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ إلَّا مُتَحَيِّزًا فَإِذَا انْصَرَفَ لِلتَّحَيُّزِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، وَعَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ سَابِقِهِ أَيْ: حَيْثُ، وَجَبَ فِيهِ الْعَوْدُ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّ كِلَا السَّفَرَيْنِ جَائِزٌ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ خَطَأُ الظَّنِّ كَانَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَكَانَ سَفَرُهُ غَيْرَ جَائِزٍ فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْعَوْدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَيَّنَ إصَابَةُ ظَنِّهِ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ سَفَرَهُ مُعْتَدٌّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لَهَا، وَلَا الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِمَامِ لِإِلْغَاءِ فِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَامِدًا لِلِاعْتِدَادِ بِفِعْلِهِ كَذَا فِي الْمَنْهَجِ، وَهَامِشِهِ لِلشَّيْخِ الْجَوْهَرِيِّ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ قَالَ: وَيَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُ ظَنِّهِ اهـ لَكِنْ رَأَيْت بِهَامِشٍ عَنْ شَيْخِنَا ذ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّرْكُ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَكَانَ تَحَيُّلًا عَلَى إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ سَفَرُهُ)، وَإِنْ تَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ بِسَبَبِهِ م ر وَحَجَرٌ سم (قَوْلُهُ:، وَصَوَّبَهُ إلَخْ.) قَالَ الدَّمِيرِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلنُّزْهَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْفَارِ الْبَطَّالِينَ، وَإِلَّا فَلَا نَظَرَ لِلْوَحْشَةِ
[آدَابُ الْجُمُعَةَ]
(قَوْلُهُ:، وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَاجِبٌ) أَيْ مُتَأَكِّدٌ
«هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَصَرَفَهَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ، فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْت حِينَ سَمِعْت النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْت، ثُمَّ أَقْبَلْت، فَقَالَ عُمَرُ، وَالْوُضُوءُ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَذَكَرَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى عُثْمَانَ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَنْفِي أَنَّهُ اغْتَسَلَ قَبْلَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمَرَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَرَائِنَ مِنْهَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لَاغْتَسَلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عَطْفِ اسْتِحْبَابِهِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ الْمُقَيَّدِ بِبَعْدِ الْفَجْرِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ وَيُفَارِقُ غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّكْبِيرِ إلَى الصَّلَاةِ (لَكِنَّهُ) أَيْ: غُسْلَ الْجُمُعَةِ (عِنْدَ الرَّوَاحِ) إلَيْهَا (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ وَخَرَجَ بِمُرِيدِهَا غَيْرُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ لِمَفْهُومِ خَبَرِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» وَيُفَارِقُ الْعِيدَ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِمُرِيدِهِ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُضَايِقُ فِي هَذَا الْفَرْقِ.
وَلَوْ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَبْطُلْ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: (وَالتُّرْبُ إنْ يَعْجِزْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (عَنْ الْمَا نُدِبَا) التَّيَمُّمُ بِهِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ
(مُبَكِّرًا) إلَى الْجُمُعَةِ لِخَبَرَيْ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ، فَالْأَوَّلَ» «، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَيْ: مِثْلَهُ، ثُمَّ رَاحَ أَيْ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ السَّاعَاتِ سِتٌّ قَالَ: فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَا مَرَّ «وَفِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً، وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا «فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وَالْخَامِسَةِ عُصْفُورًا، وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ،
وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا الشَّمْسِ، وَلَا الزَّوَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ، وَيَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ
ــ
[حاشية العبادي]
يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ تَأَكُّدَ الطَّلَبِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: وَخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ إلَخْ.) فِي حَيِّزِ الصَّرْفِ عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ) ، فَالتَّقْدِيرُ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ سَفَرْ، وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَا لِمُرِيدِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ التَّنْظِيفِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ
(قَوْلُهُ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى إلَخْ.) ، وَلَوْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَ، وَعَادَ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا، بِالْمَسْجِدِ، فَهَلْ لَهُ ثَوَابُ الْجَائِي فِي السَّاعَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَهَيَّأَ لَهَا كَأَنْ اغْتَسَلَ بِقَصْدِهَا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِهَا، فَلَهُ ثَوَابُ الْجَائِي فِي الْأُولَى إنْ تَهَيَّأَ فِي الْأُولَى، أَوْ ثَوَابُ الثَّانِيَةِ إنْ تَهَيَّأَ فِيهَا، وَهَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ هَلْ يُسَاوِي مَا لَهُ مَا لِمَنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: مَنَعَ ذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَأَنْصَتَ) عَطْفُ مُغَايِرٍ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ إلَخْ) فِيهِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ: بَعْدَ النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُضَايِقُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) لَعَلَّهُ بِمَا قَالُوهُ إنَّمَا جَازَ غُسْلُ الْعِيدِ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْظِيفَ مَقْصُودٌ فِيهِ أَيْضًا لِلِاجْتِمَاعِ، وَأَيْضًا الِاجْتِمَاعُ بِالنَّاسِ مَطْلُوبٌ فِيهِ لِلتَّهْنِئَةِ حَرِّرْهُ (قَوْلُهُ: إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ فَنَابَ فِيهِ التَّيَمُّمُ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ بِالتَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْغُسْلُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ:، وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ.) هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ الْمَخْصُوصَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ اغْتَسَلَ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَاحَ) أَيْ: قَاصِدًا حُضُورَهُ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ ق ل (قَوْلُهُ: اسْمٌ لِلْخُرُوجِ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَالْفُقَهَاءُ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ، وَفِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِمَجَازَيْنِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ.) فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُجَاوِرِ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ اسْتِعَارَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ فِيهِ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ، وَمُجَاوِرِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ، وَالْحَقِيقِيِّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُجَاوِرَةَ لِعَدَمِهَا إلَّا بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ، وَمُسَبِّبِ الْمَجَازِيِّ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّهُ شَبَّهَ الذَّهَابَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِهِ بَعْدَهُ لِسَبَبِيَّةِ كُلٍّ فِي حُصُولِهَا. اهـ.
فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ، بَلْ تَرْتِيبَ الدَّرَجَاتِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ) ، وَعَلَى هَذَا، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ السِّتِّ لِلتَّمْثِيلِ، وَالتَّنْبِيهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهَا كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ إلَخْ.) إذْ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَاخْتَلَفَ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ سَوَاءٌ كَانَ مَبْدَؤُهَا الْفَجْرَ، أَوْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَكَذَا إذَا جَعَلْنَاهَا سِتًّا مِنْ ثِنْتَيْ عَشَرَ مَبْدَؤُهَا الْفَجْرُ بِأَنْ كُنَّا نَقْسِمُ النَّهَارَ كُلَّهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً مُسْتَوِيَةً أَيًّا كَانَ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ، وَكَتَبَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةَ لَزِمَ انْتِهَاءُ التَّبْكِيرِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِنَحْوِ سَاعَتَيْنِ، وَفِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ بِيَسِيرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ إذْ لَا يَنْتَهِي إلَّا بِالزَّوَالِ أَوْ الصُّعُودِ. اهـ. وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى السَّاعَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ السِّتِّ لَا حِكْمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مَرَاتِبُهُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ: يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَيُنْظَرُ إلَى السَّاعَاتِ مِنْ حَيْثُ الِانْقِسَامُ إلَيْهَا، وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِشَيْءٍ، وَلَا يُنْظَرُ لِأَفْرَادِ الْجَائِينَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ تَفَاوُتُهُمْ فِي الْبَيْضَةِ مَثَلًا بِسَبَبِ التَّرَتُّبِ فِي الْمَجِيءِ فِي سَاعَاتِهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الرَّوْضَةِ، وَالْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ.
وَوَجَّهَ ع ش النَّظَرَ بِأَنَّ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ أَجْزَاؤُهَا كَثِيرَةٌ فَلَوْ تَرَتَّبَ الْجَاءُونَ مِنْ أَوَّلِ السَّاعَةِ إلَى آخِرِهَا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا لِكُلٍّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ يُدْفَعُ النَّظَرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَيْءٍ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى بَدَنَةً، وَلَكِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا بِحَسَبِ مَجِيئِهِمْ. اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَمَا عَرَفْت مَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْمَجْمُوعِ دُونَ الرَّوْضَةِ، وَعَكْسِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ حَدِيثَ الِاخْتِلَافِ عِنْدِي أَهْوَنُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ) أَيْ: الشَّامِلَةِ لِلزَّمَانِيَّةِ، وَهِيَ انْقِسَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مُتَسَاوِيَةً طَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمْ قَصُرَ، وَلِلْمُسْتَوِيَةِ، وَهِيَ انْقِسَامُهَا أَرْبَعًا، وَعِشْرِينَ سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فَعَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ النَّهَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْفَلَكِيِّينَ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةَ، بَلْ تَرْتِيبَ إلَخْ.) مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ: فَكُلٌّ دَاخِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَالْمُقَرِّبِ بَقَرَةً، وَبِدَرَجَتَيْنِ كَالْمُقَرِّبِ كَبْشًا، وَبِثَلَاثٍ دَجَاجَةً، وَبِأَرْبَعٍ بَيْضَةً. اهـ. قَالَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ فَانْظُرْ عَلَى هَذَا الدَّاخِلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ دَرَجٍ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا لَمْ يَظْهَرْ انْحِصَارُ الدَّرَجِ فِي هَذَا الْعَدَدِ، وَمَا الْمُرَادُ بِالدَّرَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَرَاتِبُ السَّبْقِ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهُ جَازَ وَاحِدٌ، أَوْ أَكْثَرُ، ثُمَّ جَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَدْ سَبَقَ الْأَوَّلُ بِدَرَجَةٍ، وَالثَّانِي بِدَرَجَتَيْنِ، وَهَكَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَتَوْضِيحُ مَا اسْتَظْهَرَهُ أَنَّ الْبَدَنَةَ الَّتِي لِلثَّانِي أَقَلُّ مِنْ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةَ الَّتِي لِلثَّالِثِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالْكَبْشِ، وَاَلَّتِي لِلرَّابِعِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالدَّجَاجَةِ، وَاَلَّتِي لِلْخَامِسِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالْبَيْضَةِ، وَاَلَّتِي لِلسَّادِسِ أَقَلُّ مِنْ الَّتِي لِلْأَوَّلِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ الْأَوَّلِ، وَالْخَامِسِ الَّتِي هِيَ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ لَكِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَاَلَّتِي لِلسَّابِعِ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ لَكِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ بَدَنَةِ السَّادِسِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمَا مَرَّ، وَالْبَقَر الَّتِي هِيَ بَيْضَةٌ أَيْضًا، وَهَكَذَا، وَقِسْ عَلَيْهِ نِسْبَةَ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي، وَهَكَذَا، وَلِنُوَضِّحَ ذَلِكَ بِمِثَالٍ لَوْ فَرَضْنَا التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ النِّصْفَ، وَبَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْكَبْشِ كَذَلِكَ، وَبَيْنَ الدَّجَاجَةِ، وَالْكَبْشِ كَذَلِكَ، وَالْبَيْضَةِ كَذَلِكَ، وَفَرَضْنَا أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي مَنْ رَاحَ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ يَكُونُ مِقْدَارُ الثَّانِي خَمْسِينَ أَلْفًا، وَالثَّالِثِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَالرَّابِعِ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا، وَالْخَامِسِ سِتَّةً وَرُبُعًا، وَالسَّادِسِ ثَلَاثَةً وَثُمُنًا، وَهَكَذَا فَتَجِدُ الْأَوَّلَ زَادَ عَلَى الثَّانِي بِنِصْفِ مِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَزَادَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّالِثِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مِقْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْكَبْشِ، وَزَادَ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ بِنِصْفِ مِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَعَلَى الرَّابِعِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مِقْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْكَبْشِ، وَهَكَذَا فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ أَفَادَ فِيهِ بَعْضُ إخْوَانِنَا الْمُتَّقِينَ فَاعْتَنِ بِهِ فَلَمْ أَجِدْ مِثْلَهُ. اهـ.
مَرْصَفِيٌّ، وَأَظُنُّ بَعْضَ إخْوَانِهِ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ الذَّهَبِيَّ رحمه الله فَإِنَّ عَادَتَهُ النَّقْلُ عَنْهُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ فَائِدَتُهُ أَنَّهَا الْمَرَاتِبُ الْكُبْرَى، وَمَا زَادَ يُقَاسُ (قَوْلُهُ: بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ) أَيْ: هِيَ بِمِقْدَارِ بَيْضَةٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْبَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْبَيْضَاتِ (قَوْلُهُ: بَلْ تَرْتِيبُ إلَخْ.) أَيْ: وَذِكْرُ الْبَدَنَةِ
وَفُضِّلَ السَّابِقُ عَلَى مَنْ يَلِيهِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ وَقَالَ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ:، بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْأَخِيرِ وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا فِي دَرَجَاتِ صَلَاةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَالْقَلِيلِ، ثُمَّ نُدِبَ التَّبْكِيرُ مَحَلَّهُ فِي الْمَأْمُومِ، أَمَّا الْإِمَامُ، فَيُنْدَبُ لَهُ التَّأَخُّرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ
(لَابِسَ) ثِيَابٍ (بِيضٍ) لِلْخَبَرِ الْآتِي مَعَ خَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا:، فَإِنْ لَبِسَ مَصْبُوغًا، فَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ كَالْبُرُدِ لَا عَكْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ الْإِمَامُ فِي حُسْنِ التَّهْيِئَةِ، وَيَتَعَمَّمَ، وَيَرْتَدِيَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي لِلْأَمَامِ لُبْسُ السَّوَادِ وَكَرِهَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَالصَّحِيحُ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَظُنَّ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ
(طُيِّبَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِخَبَرِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ طِيبِ النِّسَاءِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِنَّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ نَدْبَ التَّبْكِيرِ وَلُبْسِ الْبِيضِ وَالتَّطَيُّبِ تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْحَاوِي لِعَطْفِهِ لَهَا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ بِخِلَافِ عِبَارَةِ النَّظْمِ لِنَصْبِهِ لَهَا بِالْحَالِيَّةِ، بَلْ تُفِيدُ كَوْنَهَا قُيُودًا لِنَدْبِ مَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُفْسِدًا لَكِنَّهُ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ مُبَكِّرٌ، وَلَابِسٌ بِمَعْنَى التَّبْكِيرِ، وَاللُّبْسِ وَيُقْرَأُ طِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ وَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَنْصُوبَةً عَطْفًا عَلَى الْغُسْلِ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ وَيُمْكِنُ نَصْبُهَا بِلَا تَأْوِيلٍ أَخْبَارًا لِكَانَ مُقَدَّرَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَ وَأَنْ يَكُونَ مُبَكِّرًا إلَى آخِرِهِ
(وَ) نُدِبَ (الْمَشْيُ) إلَى الْجُمُعَةِ، بَلْ وَإِلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِعُذْرٍ لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ «مَا رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيدٍ، وَلَا جِنَازَةٍ وَلَمْ» يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ بَابَ حُجْرَتِهِ كَانَ بِالْمَسْجِدِ وَرُوِيَ غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفُ أَرْجَحُ وَعَلَيْهِمَا فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهُمَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا، فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسَنُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ ثَانِيهَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا غَسَلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ، وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ وَرُوِيَ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ أَشْهَرُ.
فَعَلَى التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ) ، أَوْرَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْفَلَكِيَّةِ لَيْسَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرَادَتِهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةَ، وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ بِالْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ، وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي لِمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهَا مِنْ الْفَجْرِ، فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْحِصَّةَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ أَزْيَدُ مِنْ بَاقِي النَّهَارِ بِكَثِيرٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُقْسَمَ الْحِصَّةُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ لَكِنْ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَزْيَدُ مِنْ سَاعَاتِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ حَدِيثِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» ، وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا مُتَسَاوِيَةٌ لَا تُمْكِنُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ إلَخْ. فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي مَعْنَاهُ. اهـ.
وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِمَامُ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَخْ.) هَلْ لَهُ ثَوَابُ الْمُبَكِّرِ قَالَ م ر: نَعَمْ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا أَمْرُهُ بِالتَّأْخِيرِ لَبَكَّرَ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ فَوْقَ ثَوَابِ الْمُبَكِّرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَابِسُ بِيضٍ) لَوْ اتَّفَقَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ الْعِيدِ، فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْأَبْيَضُ مُرَاعَاةً لِلْجُمُعَةِ، أَوْ الْأَغْلَى مُرَاعَاةً لِلْعِيدِ، أَوْ الْأَفْضَلُ الْأَغْلَى إلَّا عِنْدَ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، فَالْأَبْيَضُ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لَا عَكْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهُ الْغَزَالِيُّ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَتَرْكُ السَّوَادِ، أَوْلَى. إلَّا إنْ خَشِيَ مَفْسَدَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: عَطْفًا عَلَى الْغُسْلِ) وَحِينَئِذٍ، فَيَتَقَيَّدُ طَلَبُ الثَّلَاثَةِ بِإِرَادَةِ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَغَيْرِهَا ضَرْبُ مَثَلٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ ح ل (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَسْتَوِيَ إلَخْ.) دَفَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ:
بَاكِرًا وَعَلَى التَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أَتَى بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَابْتَكَرَ أَيْ: أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقَوْلُهُ: مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْكَبْ أَفَادَ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَنَفَى احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ الْمَشْيُ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا الرُّجُوع، فَلَا يُنْدَبُ فِيهِ الْمَشْيُ بَلْ يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ هَلَّا تَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ فِي الظَّلْمَاءِ، وَالرَّمْضَاءِ، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ فِي ذَهَابِي وَعَوْدِي، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَ اللَّهُ لَك ذَلِكَ» أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَتَبَ لَك ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (بِالْهِينَةِ) أَيْ بِلَا سُرْعَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ، فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» ، فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا قَالَ فِي الْأُمِّ: لَمْ أُحِبَّهُ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، فَمَعْنَاهُ امْضُوا؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ، وَالْعَدْوِ، فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، فَإِنْ ضَاقَ، فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ
(وَالْفَضْلَاتُ زَالَتْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ وَنُدِبَ إزَالَةُ الْفَضَلَاتِ كَالْوَسَخِ، وَالظُّفُرِ، وَالشَّعْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ» وَاكْتَفَى الْحَاوِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ: وَالتَّطَيُّبُ أَيْ: بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ، وَالْفَضْلَةِ كَمَا شَرَحَهُ عَلَيْهِ شُرَّاحُهُ
(وَ) نُدِبَ (عِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ، فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ بِالْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ.
وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ، وَالِاسْتِمَاعُ شَغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ وَصَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَتَى السَّاعَةُ، فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اُسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُمَا، بِمَعْنًى) ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَا فَسَّرَ بِهِ بَكَّرَ (قَوْلُهُ: أَفْضَلِيَّتُهُ) أَيْ عَلَى الرُّكُوبِ (قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ) جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحُوهُ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ) أَيْ: إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ فَإِنْ قُلْت: إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِدْرَاكُ، فَلِمَ طُلِبَ قُلْت لِلِاحْتِيَاطِ
(قَوْلُهُ: وَالْفَضَلَاتُ زَالَتْ) خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى
(قَوْلُهُ: خَبَرُ الْبَيْهَقِيُّ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَخْ.) ، أَوْرَدَ فِي شَرْحِ الرَّوْض أَيْضًا خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَدَعَا» ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا أُورِدَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ، بِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنَمَا إلَخْ. مُصَرِّحٌ، بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَقَوْلُهُ: قَامَ الْأَعْرَابِيُّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، فَيَدْفَعُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَعَلِمَهُ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ الْبَيَانِ، وَلَا سِيَّمَا، وَالسُّكُوتُ عَنْ الْبَيَانِ يُوهِمُ الْحَاضِرِينَ الْجَوَازَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَقَدْ أَشَارَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ، بِالِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ اتِّخَاذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الرَّوْضُ: وَلِلدَّاخِلِ أَيْ: وَيُبَاحُ الْكَلَامُ، بِلَا كَرَاهَةٍ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَجْلِسْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي: مَا لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ مَكَانًا، وَيَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَالتَّقْيِيدُ، بِالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إنَّمَا سَأَلَ النَّبِيَّ بَعْدَ أَنْ اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا، وَخِلَافُ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ سم (قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ: إلَخْ) .
عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ «إنَّ رَجُلًا دَخَلَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ» إلَخْ. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْقَوْلَ حَالَ الْخُطْبَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
لَكِنْ إلَخْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: فَضِيلَتُهُ) فِي شَرْحِ م ر أَيْ: أَفْضَلِيَّتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» ) فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ قَالَ مُحَشِّيهِ وَرُوِيَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) أَيْ: يَضِقْ بِخُرُوجِهِ أَوْ بِفَوَاتِهَا لِلْمَسْبُوقِ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلَا يَسْعَى لِغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا يَسْعَى لِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا لِلرَّكَعَاتِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَالظُّفُرِ) ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي كَيْفِيَّةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ لِلْيَدَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِمُسَبِّحَةِ يَمِينِهِ إلَى خِنْصَرِهَا، ثُمَّ إبْهَامِهَا، ثُمَّ بِخِنْصَرِ يُسْرَاهُ إلَى إبْهَامِهَا عَلَى التَّوَالِي، وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيَمِينِ إلَى خِنْصَرِ الْيَسَارِ عَلَى التَّوَالِي كَذَا فِي حَوَاشِي الْمَدَنِيِّ لَكِنْ قَالَ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ تَقْدِيمُ إبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى مُسَبِّحَتِهَا قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ إنَّهُ نَقَلَ فِي التَّجَارِبِ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ فِي الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ أَنَّ إزَالَتَهُمَا عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُرُوفِ خَوَابِسَ، أَوْ خسب أَمَانٌ مِنْ الرَّعْدِ. اهـ
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْخُطْبَةِ الْإِنْصَاتُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّمْتِ، وَالسُّكُوتِ، وَالْإِنْصَاتِ، وَالْإِصَاخَةِ أَنَّ الصَّمْتَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ فِيهِ لِلنُّطْقِ، وَفِيمَا لَهُ قُوَّةُ النُّطْقِ، وَلِذَا قِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُطْقُ الصَّامِتِ، وَالسُّكُوتُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ فَتَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ، وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ، وَمَتَى انْفَكَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَقُلْ إنْصَاتٌ، وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فَقَوْلُهُ:
النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الثَّالِثَةِ مَا أَعْدَدْت لَهَا قَالَ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» ، فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَهُ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا قُلْت: لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» ، فَمَعْنَاهُ تَرَكْت الْأَدَبَ وَنَدْبُ الْإِنْصَاتِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ، وَيَسْتَوِي فِي نَدْبِ الْإِنْصَاتِ سَامِعُ الْخُطْبَةِ وَغَيْرُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَعَنْ قَطْعِ كَثِيرٍ، ثُمَّ نَقَلَا عَنْهُمْ أَنَّ غَيْرَ السَّامِعِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ وَكَلَامِ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتِّلَاوَةِ، وَالذِّكْرِ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ
(وَ) نُدِبَ (تَرْكُ بَدْءٍ) أَيْ: ابْتِدَائِهِ (بِسِوَى تَحِيَّتِهْ) بِالْمَسْجِدِ، أَوْ بِسِوَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ، وَالْمَعْرُوفُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ تَحْرِيمُ الِابْتِدَاءِ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْإِمَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ إنْ قَطَعَ الْكَلَامَ هَيِّنٌ مَتَى
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ.) بَيَانُ، وَجْهِ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ: لَهُ وُجُوبُهُ) أَيْ: الْإِنْصَاتِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي) بَلْ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْوَاجِبَ السَّمَاعُ، بِالْقُوَّةِ، بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ أَصْغَى لَسَمِعَ لَا الْفِعْلُ وَعَلَيْهِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ) لِإِمْكَانِ السَّمَاعِ مَعَ التَّكَلُّمِ
(قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّتِهْ) أَيْ: مِنْ الصَّلَوَاتِ يَخْرُجُ بِالطَّوَافِ، فَلَا يُحْرِمُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي رَكْعَتَيْهِ، فَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ إنْ دَخَلَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلطَّوَافِ صَلَّى التَّحِيَّةَ، أَوْ مُرِيدًا لَهُ، وَطَافَ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ دُخُولِهِ، وَفَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِمَا إلَّا أَنَّهَا تَفُوتُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِذَا فَاتَتْ التَّحِيَّةُ امْتَنَعَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ حَالَ الْخُطْبَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ تَحِيَّةً، أَوْ مُتَضَمِّنَةً لَهَا، وَإِذَا طَالَ الْفَصْلُ هُنَا لَمْ تَكُنْ مُتَضَمِّنَةً لَهَا لِفَوَاتِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ، وَلَوْ صَرَفَهَا عَنْ التَّحِيَّةِ تَمَحَّضَتْ لِغَيْرِ التَّحِيَّةِ، فَتَمْتَنِعُ بَلْ الْمُتَمَحِّضَةُ لِغَيْرِ التَّحِيَّةِ مُمْتَنِعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ (قَوْلُهُ: بِالْمَسْجِدِ) ، فَالضَّمِيرُ فِي تَحِيَّتِهِ لِلشَّخْصِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِسِوَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَخْ.) ، فَالضَّمِيرُ لِلْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: إذَا جَلَسَ) أَخْرَجَ مَا قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ، وَقَدْ يُوَجَّهُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ، بِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْمَنْعِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَامَ لِلْخُطْبَةِ، وَجَبَ عَلَى هَذَا الْمُصَلِّي التَّخْفِيفُ نَعَمْ إنْ تَحَرَّى التَّأْخِيرَ لِيُوقِعَ بَعْضَهَا حَالَ الْخُطْبَةِ، فَفِيهِ نَظَرٌ م ر إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ أَخْرَجَ إلَخْ. قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ الْآتِي خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ (قَوْلُهُ: إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ إلَخْ.) أَخْرَجَ مَا قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَلَوْ حَالَ الصُّعُودِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمُ الِابْتِدَاءِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِذَا حُرِّمَتْ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا إلَى أَنْ قَالَ: بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِنَحْوِ صَمَمٍ بَلْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَحَلِّ الْخُطْبَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَيَنْبَغِي أَيْ: يَجِبُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ أَيْ: صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ، وَجُلُوسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ) هَلْ تَبْطُلُ بِهِ يُتَّجَهُ الْإِبْطَالُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الصَّلَاةِ إلَخْ.) وَكَالصَّلَاةِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ كَمَا فِي، فَتَاوَى شَيْخِنَا الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: تَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ إذْ صَعِدَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَمَّ صُعُودُهُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ، وَجُلُوسِهِ اهـ. وَقَضِيَّةُ عِبَارَتِهِمْ جَوَازُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَلَوْ، بِرُبَاعِيَّةِ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَى الْجُلُوسِ مَا يَسَعُ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ التَّكْلِيفِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ. نَعَمْ إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ، وَجَبَ التَّخْفِيفُ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ، وَيُحْتَمَلُ امْتِنَاعُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ أَنَّ الْبَاقِيَ إلَى الْجُلُوسِ لَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ (قَوْلُهُ: انْقَطَعَ الْكَلَامُ إلَخْ.) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الطَّوَافَ كَالْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ هَيِّنٌ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ فِيهِ م ر
ــ
[حاشية الشربيني]
وَأَنْصِتُوا بَعْدَ الِاسْتِمَاعِ ذِكْرُ خَاصٍّ بَعْدَ عَامٍّ، وَالْإِصَاخَةُ الِاسْتِمَاعُ لِمَا يَصْعُبُ اسْتِمَاعُهُ، وَإِدْرَاكُهُ كَالسَّبِّ، وَالصَّوْتِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ نَقَلَهُ ع ش عَنْ الْمُنَاوِيِّ عَنْ الرَّاغِبِ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي مَا مَرَّ إلَخْ.) تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ السَّمَاعُ بِالْقُوَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: يُسَنُّ الْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ أَيْ: عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْنَوِيِّ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ السَّمَاعِ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّةٍ) أَيْ: مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَضَاءً سُنَّةَ الصُّبْحِ، أَوْ نَفْسَ الصُّبْحِ سَوَاءٌ نَوَى مَعَهَا التَّحِيَّةَ، أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا عَنْهَا. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: بِسِوَى تَحِيَّتِهِ بِالْمَسْجِدِ) أَيْ: بِغَيْرِ تَحِيَّةِ الشَّخْصِ حَالَ كَوْنِهِ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ بِغَيْرِ تَحِيَّةِ الشَّخْصِ الْوَاقِعَةِ بِالْمَسْجِدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَلَسَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ الْمُصَلِّي بِغَيْرِ مَحَلِّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ التَّحِيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ فِعْلَ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ بِمَحَلِّهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَقْتَ فِعْلِهَا مَانِعُ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي حِلِّهِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى إرْجَاعِ ضَمِيرِ تَحِيَّتِهِ لِلشَّخْصِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَحْرُمُ
ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَمِنَ فَوَاتَ ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ، أَمَّا التَّحِيَّةُ، فَيُسَنُّ فِعْلُهَا لِلدَّاخِلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ لِمَا مَرَّ ثَمَّةَ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ، وَهُوَ يَخْطُبُ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» قَالَ فِي الْأُمِّ: وَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الرَّاتِبَةَ صَلَّاهَا وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ (قُلْت: وَلَمْ تُنْدَبْ) أَيْ: التَّحِيَّةُ لِلدَّاخِلِ، بَلْ تُكْرَهُ (أَخِيرَ خُطْبَتِهْ) أَيْ: خُطْبَةِ الْإِمَامِ، أَوْ الدَّاخِلِ لِصِدْقِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَخْطُوبٌ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا ظَنَّ فَوْتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ، فَيَقِفُ حَتَّى تُقَامَ، وَلَا يَقْعُدُ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِيهِ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ، بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا بِخِلَافِهَا ثَمَّةَ وَلِتَفْصِيلِهِمْ ثَمَّةَ بَيْنَ ذَاتِ السَّبَبِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا هُنَا، بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَتَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ فِي الْمَنْعِ بِالتَّنَفُّلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
(وَالرَّدُّ لِلسَّلَامِ) عَلَى الْمُسْلِمِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ (بِالنَّدْبِ أَمَسْ) أَيْ: أَهَمُّ بِنَدْبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ حِينَئِذٍ مُضَيِّعٌ سَلَامَهُ كَالْمُسَلِّمِ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ بِجَامِعِ كَرَاهَةِ السَّلَامِ فِيهِمَا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ وُجُوبُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ وَعَنْ آخَرِينَ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ مِنْ قَاضِي الْحَاجَةِ حَيْثُ لَا يُنْدَبُ، وَلَا يَجِبُ لَائِجٌ
(وَيُنْدَبُ التَّشْمِيتُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ (لِامْرِئٍ عَطَسْ) وَحَمِدَ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَك اللَّهُ، أَوْ يَرْحَمُك اللَّهُ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْدَبْ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ.
وَتَصْرِيحُ صَاحِبِ الْحَاوِي فِي الْعُجَابِ بِالنَّدْبِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا يُعَيِّنُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ فِي الْحَاوِي وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالتَّشْمِيتِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ، وَإِنْ صَحَّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى التَّحِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَكَ غَيْرَ التَّحِيَّةِ
(وَسُنَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْخَطِيبُ) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ (عَلَى الَّذِي مِنْ مِنْبَرٍ قَرِيبُ) لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَحْكَامِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ عِنْدِ الْمِنْبَرِ بِالسَّلَامِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَخْرُجُ لِلْخُطْبَةِ مِنْ قَرِيبِ الْمِنْبَرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَكُلُّ مَنْ دَنَا مِنْ مَمَرِّهِ كَمَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي سَنِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ
(وَبَعْدَمَا تَمَّ لَهُ الصُّعُودُ يُقْبِلُ) أَيْ: وَسُنَّ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ صُعُودِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ) وَيُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ أَيْضًا نَظَرًا لِلْمَظِنَّةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّحِيَّةُ إلَخْ.) يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ التَّحِيَّةِ امْتِنَاعُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ، وَعَلَى مَنْ دَخَلَ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي غَيْر مَسْجِدٍ م ر (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ فِعْلُهَا) أَيْ: بِشَرْطِ الْإِحْرَامِ بِرَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّحِيَّةُ تَحْصُلُ بِالْأَكْثَرِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ هُنَا، بِأَكْثَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ «، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَالدَّاخِلُ لَا فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ مُخَفَّفَةً إنْ صَلَّى السُّنَّةَ، وَإِلَّا صَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْ: مُخَفَّفَةً، وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ. اهـ.
، وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، وَعَلَيْهِ، فَهَلْ يَتْرُكُ سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ إذْ لَيْسَا مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ يَعْرِضَانِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِلَّا يَظُنَّ، فَوَاتَ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: بَلْ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ.) لِلِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ: لَوْ تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا) ، وَلَوْ فَوْرِيًّا
(قَوْلُهُ: أَمَسْ) مِنْ الْوُجُوب (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إلَخْ.) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ إلَخْ.) كَانَ يُمْكِنُ الْبِنَاءُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي جَوَازَ الْكَلَامِ لِعَارِضٍ مُهِمٍّ كَإِنْذَارِ غَافِلٍ عَمَّا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْتِدَاءُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَا يَكُونُ عَارِضًا مَهْمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّطْوِيلُ) أَيْ: عُرْفًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَفِي ق ل التَّحْقِيقُ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْأَكْمَلَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْعُدُ) لِئَلَّا يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ كَرَاهَةِ السَّلَامِ إلَخْ.) فَرَّقَ حَجَرٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى نَحْوِ قَاضِي الْحَاجَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إلَخْ.) ، وَمَعْنَاهُ بِهَا الدُّعَاءُ بِحِفْظِ الشَّوَامِتِ، وَهِيَ مَا بِهِ قِوَامُ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ الْعَاطِسَ يَنْحَلُّ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ بِرَأْسِهِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعُنُقِ فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى بِرَحْمَةٍ يَرْجِعُ بِهَا بَدَنُهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِرَّ دُونَ تَغَيُّرٍ، وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الدُّعَاءُ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى سَمْتِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَذَا بِهَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الشَّارِحِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَحَمِدَ اللَّهَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ الْحَمْدَ إذَا لَمْ يَحْمَدْ، وَفِي التُّحْفَةِ يُسَنُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْحَاضِرِينَ) أَيْ: عَلَى كُلِّ صَفٍّ مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَرِيبِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَلَا تُطْلَبُ لَهُ التَّحِيَّةُ إنْ حَضَرَ، وَقْتَ الْخُطْبَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: بِالسَّلَامِ) أَيْ: الثَّانِي
الْإِقْبَالُ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ (وَالتَّسْلِيمُ) عَلَيْهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرُهُ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ
(وَ) سُنَّ لَهُ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ (الْقُعُودُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (لِيَفْرُغَ) أَيْ إلَى أَنْ يَفْرُغَ (الْأَذَانَ شَخْصٌ) بَيْنَ يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» وَقَالَ عَطَاءٌ: إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَالْأَمْرُ الَّذِي عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلَيَّ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَاحِدًا كَمَا أَفَادَهُ تَعْبِيرُ النَّظْمِ بِشَخْصٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةً وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْخَطِيبُ بِالدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ طَالَ الْمِنْبَرُ، فَبِالسَّابِعَةِ
(وَقَعَدْ) نَدْبًا (بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أَيْ: بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي قُعُودِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»
(وَكَوْنُ خُطْبَةٍ) أَيْ: وَسُنَّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ (قَرِيبَةً إلَى فَهْمٍ) أَيْ: فَهْمِ الْحَاضِرِينَ أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَرَوَاهُ فِي الْبَحْرِ مَرْفُوعًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ، وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْفَهْمِ (بَلِيغَةً) أَيْ: خَالِيَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَذَلَةِ إذْ لَا تَصْدَعُ فِي الْقَلْبِ (بِقَصْدٍ) أَيْ: مَعَ تَوَسُّطٍ بَيْنَ الطُّولِ، وَالْقِصَرِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضًا «طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ» أَيْ: عَلَامَةٌ عَلَيْهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ، وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى ق لِثُبُوتِهَا فِي مُسْلِمٍ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَهَا أَحْيَانَا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ، أَوْ لِعِلْمِهِ بِرِضَا الْحَاضِرِينَ وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ فِي الْخُطْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ
(شَغَلَا) أَيْ الْخَطِيبَ نَدْبًا (يَدًا) وَهِيَ الْيُسْرَى (بِنَحْوِ سَيْفٍ) كَعَصًا وَقَوْسٍ وَعَنَزَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ وَعَصًا» وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ (وَ) الْيَدَ (الْأُخْرَى) أَيْ الْيُمْنَى (شَغَلْ) نَدْبًا (بِمِنْبَرٍ) أَيْ: قَبَضَ بِهَا حَرْفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيْفًا، أَوْ نَحْوَهُ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، أَوْ أَرْسَلَهُمَا، وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ، وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا (مُسْتَدْبِرًا) فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي خَبَرِهِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا قَبُحَ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ عُرْفِ الْمُخَاطَبَاتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِدْبَارِهِمْ لَهَا لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَهَا وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ الْتِفَاتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِيَدِهِ، وَالدَّقُّ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ وَالدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يُجَازِفْ فِي وَصْفِهِ اهـ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةً) زَادَ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِرّ
(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] قَالَ فِي الْعُبَابِ:، وَأَنْ يَقْرَأَهَا فِيهِ أَيْ: الْجُلُوسِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ وَيُوَجَّهُ، بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأَ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ» ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ، فَهِيَ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا، وَفَضَائِلهَا، وَخُصُوصِيَّاتِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَجَابَ إلَخْ.) ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ، وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ قِ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى مَا يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: قَالَ: يَعْنِي: الْأَذْرَعِيَّ، وَفِي اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ ق شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَرَأَهَا أَحْيَانًا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ، أَوْ لِعِلْمِهِ، بِرِضَا الْحَاضِرِينَ، أَوْ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِمْ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ، بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ قِ، أَوْ بَعْضِهَا فِي خُطْبَةِ كُلِّ جُمُعَةٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ، فَلَا، وَجْهَ لَهُ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ. اهـ
(قَوْلُهُ: جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إلَخْ.) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَغْلُ الْيَمِينِ، بِالْمِنْبَرِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقَّبَ مِثْلَ مَا هُنَا مَا نَصُّهُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيَمِينَ بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ. اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَبِالسَّابِعَةِ) كَأَنَّهُ لِفِعْلِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه لَهُ؛ لِأَنَّ «مِنْبَرَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ غَيْرَ الْمُسْتَرَاحِ» فَلَمَّا خَطَبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ نَزَلَ دَرَجَةً، ثُمَّ عُمَرُ دَرَجَةً، ثُمَّ عَلِيٌّ دَرَجَةً فَلَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ لَمْ يَجِدْ دَرَجَةً يَنْزِلُ إلَيْهَا فَزَادَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ كَذَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَزَلَ دَرَجَةً فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ: كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] هَذَا هُوَ الْمَنْدُوبُ، أَمَّا الْجُلُوسُ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ فَوَاجِبٌ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَاقْصُرُوا) رَوَاهُ الْمَحَلِّيُّ، وَاقْصُرُوا بِضَمِّ الصَّادِ مِنْ قَصَرَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ، وَأَمَّا أَقْصَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَمَصْدَرُهَا الْإِقْصَارُ كَمَا قَالَ بَعْدُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ) أَيْ: وَمُسْتَقْبِلًا لِلْحَاضِرِينَ، وَيُنْدَبُ لَهُ اسْتِقْبَالُهُمْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَعَلَّ هَذَا حِكْمَةُ وَضْعِ الْمَنَابِرِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ مُنْحَرِفَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ إلَخْ.)
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ فِيهِ عَدَمُ اسْتِحْبَابِهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ: وَهَذَا إذَا دَعَا لَهُ بِعَيْنِهِ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَنَحْوِهِمَا، فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ
(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ (نَزَلْ عَنْ مِنْبَرٍ مُبْتَدِرًا مَقَامَهْ) أَيْ: الْمِحْرَابَ بِحَيْثُ يَكُونُ (بَالِغَهُ مَعَ آخِرِ الْإِقَامَهْ) لِلصَّلَاةِ مُبَالَغَةً فِي رِعَايَةِ الْوَلَاءِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ
(وَ) يُنْدَبُ لَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سُورَةُ الْجُمُعَةِ) أَيْ: قِرَاءَتُهَا (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى هُوَ أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] » قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ قَرَأَ بِ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] كَانَ حَسَنًا (وَإِنْ يَتْرُكْ) سُورَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى (فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ ثَانِيَةً) أَيْ: فَيَأْتِي بِهَا مَقْرُونَةً مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:.
وَلَا يُعَارَضُ بِتَطْوِيلِهَا، فَإِنَّ تَرْكَهُ أَدَبًا لَا يُقَاوِمُ فَضْلَهُمَا انْتَهَى عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّطْوِيلِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَهُنَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ إذْ السُّنَّةُ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1] فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَهَا عَلَى الْأُولَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَتَعْبِيرُ النَّظْمِ بِالتَّرْكِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي كَالرَّافِعِيِّ بِالنِّسْيَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا وَإِكْثَارُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ وَإِكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَهَا رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ، فَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّلُهَا» ، وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ» وَوَرَدَ تَعْيِينُهَا، فَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ» أَيْ: عَلَى الْمِنْبَرِ «إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ» أَيْ: يَفْرُغَ مِنْهَا وَصَوَّبَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ، وَفِي بَعْضِهَا فِي آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ التَّعْيِينِ فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ، بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ اسْتَحَبَّ الدُّعَاءَ فِيهَا
(وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) إنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ كَانَ وَلَمْ تَتَزَيَّنْ وَلَمْ تَتَطَيَّبْ كَمَا زَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (قُلْت بِإِذْنِ زَوْجِهَا يَجُوزُ) أَيْ حُضُورُهَا (وَإِنْ يَكُنْ لِبَاسُهَا مَشْهُورَا، أَوْ صَحِبَتْ طِيبًا، فَلَا حُضُورَا) أَيْ يُكْرَهُ لَهَا الْحُضُورُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ، فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَارِكَاتٌ لِلطِّيبِ وَلِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا، فَيَحْرُمُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَبِالْمُنَافِقِينَ تَقْتَرِنْ) لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ إحْدَاهُمَا، فَيُتَّجَهُ قِرَاءَةُ الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَهَا بِالْأَصَالَةِ، فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا. اهـ.، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى إلَخْ.) (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ الْجُمُعَةَ، وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى وَ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى، وَالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِهِ (قَوْلُهُ: قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ: وَلَا نَظَرَ إلَى لُزُومِ مُخَالَفَةِ تَرْتِيبِ السُّوَرِ هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الْمَطْلُوبِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: يَوْمَهَا، وَلَيْلَتَهَا)، وَقِرَاءَتُهَا يَوْمَهَا أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: أَوْ إكْثَارُ الصَّلَاةِ) الْوَجْهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْكَهْفَ مَطْلُوبَةٌ، بِخُصُوصِهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ أَكْثَرُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْكَهْفِ مَعَ التَّدَبُّرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهَا بِدُونِهِ خِلَافًا لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَسَاوِيهِمَا تَمَسُّكًا، بِمَا هُوَ وَهْمٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَتَحْضُرُ الْعَجُوزُ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ كَأَصْلِهِ الْإِبَاحَةَ، وَهِيَ لَا تُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْأَوْلَى لَهُنَّ التَّرْكُ لِعُمُومِ حَدِيثِ «، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» قَالَ: وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحَةٌ فِي اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لَهُنًّ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَا بَأْسَ عَلَى الْعَجُوزِ فِي الْحُضُورِ، وَفِي بَابِ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْمُدْرَكُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ، وَإِذَا نَظَرْت إلَى عُمُومِ الطَّلَبِ، وَأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مَنَعْت قَوْلَهُ: وَالْمُدْرَكُ وَاحِدٌ كَذَا، بِخَطِّ شَيْخِنَا، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ)
ــ
[حاشية الشربيني]
مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إلَخْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ.) بِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) أَيْ: فِي، وَقْتِ الْإِجَابَةِ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ
(قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ لَهُمَا الْحُضُورُ) أَيْ: مَعَ الرِّجَالِ، أَمَّا حُضُورُهُمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ