الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواب سؤالات وردت من بعض العلماء
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله الطاهرين، وأصحابه الراشدين.
وبعد:
فإنها وردت هذه الأسئلة الجليلة من سيدي العلامة صافي الدين أحمد بن يوسف زبارة (1) - سدد الله إيراده وإصداره، وكثر الله فوائده، وأعلا مناره -.
(الأسئلة)
ولفظها: عرض لمحبكم إشكالات أفضلوا بإيضاح الجواب في حل إشكالها - أدام الله عليكم النعماء بأسمائه الحسنه ونوره الأسمى-.
الأول: ما الدليل على قراءة المؤتم بعد الإمام غير الفاتحه مع النهي بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاتفعلوا إلا بفاتحة الكتاب"(2) وظاهره العموم، سواء كانت الصلاة جهلاية أو سرية، ومن قال: إنما النهي من يقرأخلفه في الجهرية فقد أغرب، فإن الحديث الذي رواه مسلم (3) عن عمران بن حصين قال: صلى بنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر أو العصر فقال: "أيكم قرأخلفي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى؟ "فقال رجل: أنا ولم أرد إلا الخير قال: "قد علمت أن بعضكم خالجنيها "وبمثلها الرواية (4)
(1) السيد أحمد بن يوسف بن الحسين بن علي زبارة ولد سنة 166هـ توفي سنة 1252هـ قرأ على مشايخ صنعاء، فمن جملة مقروءاته، القراءت السبع تلاه الشيخ العلامة هادي بن حسين القارني، وقرأ النحو والصرف، والمعاني والبيان والأصول على مشايخ صنعاء. "البدر الطالع" رقم (81)، "نيل الوطر"(1).
(2)
سيأتي تخريجه.
(3)
في صحيحه رقم (47).
(4)
عند مسلم في صحيحه رقم (48).
الثانية، وقال: صلى الظهر، وفيه:"قد ظننت أن بعضكم خالجنيها" والرواية (1) الثالثة، وفيه صلى الظهر وقال:"قد علمت أن بعضكم خالجنيها "فعلى هذه الروايات ظهر لي أن الأقوى عدم القراءة خلف الإمام مطلقا كقول أبي حنيفة وأصحابه، ما عدا بالفاتحة للمخصص، فأفضلوا بما يحل للأشكال - أحسن الله إليكم -.
الثاني: في اللعان: لو حلف الملاعن إنه لصادق فيما رمى زوجته من الزنا، ونفى ولدها أربعا فأجابت أنه كاذب فيما رماها بها من الزنا، وأنه -أي الولد - من غلط أوشبهة فهل نقول: يجب عليها الرجم وانتفاء الولد بشهادة زوجها أو لا يكفي ذلك بل نقول: لا ينتفي الولد ولا يجب الرجم لدعواها الشبهة المحتملة؟ أفضلوا بإيضاح مبهم المشكل- أحسن الله إليكم -.
الثالث: في رجل أقر بعلوق أمته من مائة، ثم مات ولم تحض، ولم يعلم هل ثبتت من أهل الحيض متقدما أم لا؟ وهل الحيض منقطع لعارض أو غير ثابت من الأصل، ولم يظهر من الإمارات سواه، فكم ينتظر للأمه بعد الإقرار العلوق لثبوت الشك أشهر فما دون كما ذكره أهل المذهب أنه لا يثبت إلا إذا علم بحركة ضرورية، أو أتت به بدون ستة أشهر، لأنهم يجبون أن يدعيه، ويكفي تلك الدعوة لمن ولد بعدها بدون أدنى مدة الحمل لا أكثر منها، فلا يلحق (1أ) الحمل بعدم الدعوة وتعذرها بعد موته أم يكفي دعوتها مع قولهم: ولا يصبح من السبي في الرحامات؟ فأفضلوا بإيضاح هذه الثلاثة الإشكالات فهي حوادث في الزمان - كثر الله إفادتكم، وشرح لكم الصدر - انتهى.
(1) عند مسلم في صحيحه رقم (49).
(الجواب)
أقول: الجواب عن السؤال الأول - بمعونة الله - يتضح بإيراد الأدلة القاضية بمنع القراءة خاف الإمام، وتقييدها بما يفيد اختصاص ذلك بالجهرية دون السرية.
الدليل الأول: مما استدلوا به قول الله- عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(1) وهذه الآية إنما تدل على المنع من القراءة حال جهر الإمام بالقراءة لقوله: (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) والاستماع إنما يكون لقراءة مجهور بها لا لقراءة مخافتة، وما كان صلى الله عليه وآله وسلم يجهر بالقراءة إلا في الصلوات الجهرية، لا في الصلوات السرية، فإنه يخافت بها، وما يعرفون قراءته فيها إلا باضطراب لحييه كما ثبت ذلك. وقد يسمعهم الآية أحيانا على جهة الندرة والقلة فيعرفون أنه قرأ بسورة كذا. وغاية ما يلزم من ذلك أنه ينصت المؤتم في السرية إذا سمع جهر الإمام بتلك الآية التي يجهر بها نادرا، وذلك لا يستلزم ترك القراءة مطلقا لا شرعا، ولاعقلا.
الدليل الثاني: ما ثبت عند أهل السنن (2) وغيرهم (3)، وصححه جماعة من الأئمة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه أبوهريرة:" إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا" فهذا يدل على وجوب الإنصات عند وقوع القراءة. وقد تبين كونه قال ذلك في صلاة جهرية بما أخزجه أبو داود (4)، والنسائي (5) ..............................
(1)[الأعراف: 204].
(2)
أخرجه أبو داود رقم (604) والنسائي (2) وبن ماجه رقم (846).
(3)
كأحمد (2). والطحاوي في" شرح معاني الآثار"(1) والدارقطني (1 رقم 10)
وهو حديث صحيح.
(4)
في "السنن" رقم (862)
(5)
في السنن (2 - 141 رقم 919).
والترمذي (1) وحسنه من حديث أبي هريرة قال: أنصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال:: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ "فقال رجل: نعم يارسول الله، فقال: "إني أقول مالي أنازع القرآن".
الدليل الثالث: أخرج أبو داود (2) والترمذي (3) من حديث عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-الصبح فثقلت عليه القراءة، فلم أنصرف قال:"إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم" قال: قلنا: يارسول الله إي والله قال: "لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإن لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وفي لفظ: "فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن"ففي اللفظ الأول التصريح بأن ذلك في صلاة الصبح، وفي اللفظ الآخر التصريح بتقيد النهي عن القرآن بجهر الإمام بها. وقد أخرج الرواية الثانية هذه أيضًا [1ب] مالك (4) وأحمد (5)، والدارقطني (6)، وقال: كل رواتها ثقات.
وأخرج الدارقطني (7) وقال: رجاله كلهم ثقات من حديث عبادة بن الصامت أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يقرأن أحدكم شيئا من القرآن إذا جهرت"(8)
(1) في "السنن" رقم (312) وقال: هذا حديث حسن. وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (823).
(3)
في "السنن" رقم (311).
قلت: وأخرجه أحمد (5) والدارقطني (1318 رقم 5) وابن خزيمة (3 - 37 رقم1581) وابن الجارودفي "المنتقي"رقم (321) والحاكم (1). وهو حديث صحيح.
(4)
لم أجده في الموطأ.
(5)
في "المسند"(5).
(6)
في "السنن"(1) وهو حديث ضعيف.
(7)
في"السنن"(1).
(8)
في هامش المخطوط: "يقال مسألة إن مفهوم الشرط صلح للتقيد إذا لم يعارض بما هو أقوى منه وقد عارضه " لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب" تمت.
بالقراءة" ولا يخفاك أن هذه القيود صالحة لتقييد ما ورد مطلقا كحديث عبد اللهبن شداد (1)
وهو الدليل الرابع: من هذه الأدلة التي ذكرناها ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له " أخرجه مالك (2) وأحمد (3)، والترمذي (4) وقال (5): حسن صحيح: والدارقطني (6) وقال: وقد روي مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل، وقد تقرر في الأصول وجوب حمل المطلق على المقيد (7)، فما يرد مطلقا من الأحاديث الدالة على ترك القراءة خلف الإمام فهو يقيد بذلك القيد الثابت من طرق صحيحة، مع ما يعضده من دلالة الكتاب العزيز بقوله:(فَاسْتَمِعُوا لَهُ) فإنه لا يستمع إلا لقراءة مجهورة كما سلف. وأما ماذكره
(1) في"الموطأ" رقم (117) رواية محمد بن الحسن الشيباني.
(2)
في"الموطأ" رقم (117) رواية محمد بن الحسن الشيباني.
(3)
في "المسند"(3).
(4)
في "السنن"(2).
(5)
في السنن" (2).
(6)
في "السنن"(1 رقم4).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (850) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1) والدارقطني 1 رقم20) وابن عدى في "الكامل"(6) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1050) وأبو نعيم في "الحلية"(7) من طرق عن جابر قال: قال رسول الله_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ".
وهو حديث حسن.
قال المحدث الألباني في " الإرواء"رقم (500): حديث حسن ثم قال: روى عن جماعة من الصحابة منهم. عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة، وابن عباس وفي الباب عن أبي الدرداء وعلي، والشعبي مرسلا.
(7)
انظر "الكوكب المنير"(3) و"المسودة "(ص99).
السائل - كثر الله فوائده - من الاستدلال بحديث عمران بن حصين وهو الصحيحين (1) وغيرهما (2) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ خلفه:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فلما انصرف قال:"أيكم قرأ؟ أو أيكم القارئ؟ " فقال: "قد ظننت أن بعضكم خالجنيها". وفي لفظ (3): "قد علمت أن بعضكم خالجنيها"(4) فهذا ليس فيه النهي عن قراءة المؤتم خلف الإمام في السرية سرا، بل فيه النهي عن أن يجهر المؤتم في السرية بقراءة يخالج فيها إمامه، وذلك لا يكون إلا بقراءة مجهورة. ولم يذكر في هذا الحديث النهي للمؤتمين به عن القراءة لا سرا ولا جهرا، ولكنه يفهم من وصف تلك القراءة بتلك السورة بأنها مخالجة له.
(1) بل أخرجه مسلم في صحيحه رقم (48) كما ذكر المصنف في بداية الرسالة.
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام"(ص92).
(2)
كأحمد (4) وأبو داود رقم (829) والبيهقي (2) والنسائي (3). وابن حبان في صحيحه رقم (1845). وهو حديث صحيح.
(3)
عند مسلم في صحيحه رقم (398).
(4)
قال الخطابي في "معالم السنن"(1): قوله: "خالجنيها" أي: جاذبنيها، والخلج: الجذب، وهذا وقوله:"نازعنيها" سواء وإنما أنكر عليه محاذاته في قراءة السورة حتى تداخلت القراءتان وتجاذبته وأما قراءة فاتحة الكتاب فإنه مأمور بها في كل إن أمكنه أن يقرأ في السكتتين فعل وإلا قرأ معه لا محالة.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فروى عن جماعة من الصحابة أنهم أوجبوا القراءة خلف الإمام وروي عن آخرين أنهم كانوا لا يقرءون، وافترق العلماء فيه على ثلاثة أقاويل. فكان مكحول والأوزاعي والشافعي وأبو ثور يقولون: لا بد من أن يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به وفيما لا يجهر.
وقال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق يقرأ فيما أسر الإمام فيه ولا يقرأ فيما يجهر به. وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا يقرأ أحد خلف ال. وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا يقرأ أحد خلف الإمام جهر الإمام أو أسر، واحتجوا بحديث رواه عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".وهو حديث حسن وقد تقدم تخريجه.
إن مثل ذلك لا يحسن، وليس في قراءة المؤتم خلف إمامه سرا مخالجة البتة. ولم يرد النهي عنه في شيء من السنة، فلا وجه حينئذ (1) لجعل ذلك دليلا على ترك القراءة في السرية مطلقا، أو تركها إلا بفاتحة الكتاب. بل يقرأ المؤتم خلف إمامه في صلاة السر بما أراد، لكن قراءة مسرورا غير مجهورة.
وأما الصلاة المجهورة التي ورد النهي عن القراءة فيها إلا بفاتحة الكتاب (2) فلا يقرأ بشيء إلا مخصصه الدليل، ومن جملة ما خصه الدليل فاتحة الكتاب تخصيصا متصلا خارجا من مخارج صحيحة، وحسنة. وقد تقر ان بناء العام على الخاص [2أ] مجمع عليه (3)، وذلك لا يستلزم الإجماع على أنه لا بد للمؤتم من قراءة فاتحة الكتاب خلف إمامه في الجهرية، ومن قال من اهل العلم بأنه لا يقرأ أبدا مع كونه ممن يقول بهذا الأصل
(1) قال القرطبي في "المفهم " (2: قوله: "قد علمت أن بعضكم خالجنيها" أي: خالطنيها، ويروى:"نازعنيها" أي كأنه نزع ذلك من لسانه وهو مثل حديثه الآخر: "مالي أنازع القرآن" ولاحجة فيه لمنكري القراءة، لأن النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، إنما أنكر المخالجة لا القراءة.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2 - 286): في هذا الحديث القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء في هذا الحديث من أكثر الطرق "صلاة الظهر" بغير شك، وقد يحتج به من يمنع القراءة جملة خلف الإمام. ولا حجة له فيه لأنه لم ينهى عنه وإنما أنكر مجاذبته للسورة، فقال:" قد علمت أن بعضكم خالجنيها" ولم ينههم عن القراءة كما نهاهم في صلاة الجهر، وأمرهم بالإنصات، وإنما ينصت لما يسمع بل في هذا الحديث حجة أنهم كانوا يقرؤون خلفه، ولعل إنكار النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كان لجهر الآحر عليه فيها أو ببعضها حين خلط عليه لقوله:"خالجنيها" وقد اختلفت الآثار في قراءة النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فيهما، والصحيح والأكثر قراءته فيهما وهو قول الجمهور من السلف والعلماء وإنما روى تركه القراءة عن ابن عباس وقد روى عنه خلافه.
وفيه قراءة المأموم فيما أسر فيه إمامه، وأن نهي النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إنما هو لمنازعته السورة التي قرأ بها لقوله:"خالخنيها" وأن نهيه أن يقرأ معه إنما كان فيما جهر فيه كما جاء في الحديث مفسرا.
…
".
(2)
تقدم ذلك.
(3)
انظر"البحر المحيط"(3 - 410) للزركشي.
أعني بناء العام على الخاص، ويعمل به في مسائل الشرع فالحجة عليه قائمة، فإن قال معتذرا عن ذلك بإنكار الإجماع على بناء العام على الخاص فهذه كتب الأصول بأسرها ترد عليه، وهي موجودة على ظهر البسيطة، وإن قال معتذرا عن ذلك بأنه لم يقف على الخاص أو لم يثبت له فالحجة عليه قائمة بوجوده في دواوين الإسلام وغيرها من طرق ينتهض بعضها (1) للاحتجاج به، فاضلا عن كلها، ولاسيما مع ما ثبت من طرق كثيرة في الصحيحين (2) وغيرهم (3) بأنه:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وورد ايضا ما يدل على أن الفاتحة متعينة في كل ركعة على كل مصلى كما ورد في بعض طرق حديث المسيء من قوله- صلى الله عليه وآله وسلم:"ثم كذلك في كل ركعاتك افعل "
(4)
وورد (5) أيضا ما يؤيد ذلك ويقويه.
(1) في حاشية المخطوط: " من أصول ما يغني للقراءة بعد الإمام في الجهرية بأن تقديم الدليل القطعي على الظني واجب والدليل القطعي قوله تعالى: (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) والله أعلم. يقال هو ظني الدلالة فيما نحن بصدده كما يعرف ذلك اطلع على تفسيرها، هذا على تسليم أن القراءة سرا ينافي الاستماع والإنصات".
(2)
أخرجه الخاري في صحيحه رقم (756) ومسلم رقم (34).
(3)
كأحمد (5) والدارمي (1) وأبو داود رقم (822) والترمذي رقم (247) والنسائي (2) وابن ماجه رقم (837) والدارقطني (1 رقم 17) والبيهقي (2).
(4)
أخرجه أحمد (4) وابن حبان في صحيحه رقم (1787) وأبو داود رقم (857و858) و (861) والنسائي (2) والبيهقي في " السنن"(2، 134، 372، 374، 385) وابن خزيمة في صحيحه رقم (545) والحاكم (1/ 241، 242) وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
كلهم من حديث رفاعة بن رافع الزرقي: أن النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ علمه -المسيء لصلاته -أن يقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن يقرأ ثم قال له: "اصنع ذلك في كل ركعة ".
وهو حديث صحيح.
(5)
(منها) ما أخرجه مسلم رقم (41) وأبو داود رقم (821) والترمذي رقم (247) والنسائي (2) وأحمد (2) ومالك في "الموطأ"(1 رقم 39) والشافعي في "الأم"(1) والبيهقي (2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج " يقولها ثلاثا بمثل حديثهم.
(ومنها) ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (39) وأبو داود رقم (812) والترمذي رقم (247) والنسائي (2 - 136) ومالك (1 رقم 39) وأحمد (2) عن أبي هريرة رضى الله عنه سمعت رسول الله_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يقول: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج هي خداج غير تمام" قال: فقلت: يا أبا هريرة إن أحيانا أكون وراع الإمام، قال فغمز ذرعي ثم قال: اقرأ بها في نفسك يافارسي، فإني رسول الله_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يقول:"قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" قال رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "اقرؤوا، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله تبارك وتعالى: حمدني عبدي. .. "
وقد قال بعض اهل العلم: إن النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهرية متوجه إلى قراءة من المؤتم ينازع فيها إمامه، ويخلط عليه. واستدل بما وردا في بعض الروايات بلفظ:"مالي أنازع القرآن (1) وفي بعضها بلفظ: "خلطتم علي " (2) وفي بعضها: "قد علمت أن بعضكم خالجنيها" (3). ومعلوم أن المنازعة والمخالجة والخلط على الإمام لا يكون إلا بقراءة مجهورة، فنهى عنها واستثنى من ذلك فاتحة الكتاب. وهذا الاستثناء يقتضي جواز الجهر بالفاتحة، وجواز الإسراربما عداها، ولم يدفع ذلك من قال بأن النهي متوجه إلى مطلق القراءة إلا بقول أنس بن مالك (4): "أقرأ بها يافارسي في نفسك" (5) وهذا دفع غير صحيح لما تقرر من عدم حجية أقوال بعض الصحابة في المسائل التي هي مطارح الاجتهاد، ومسارح القول بالرأي، وأنما الحجة إجماعهم كما هو مقرر في موطنه.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
في حاشية المخطوط: "صوابه أبو هريرة كما هو في صحيح مسلم".
(5)
تقدم تخريجه آنفا.
وقد عرفت أن حمل المطلق على المقيد قاعده مقررة في الأصول (1)، مدلول عليها بما تقتضيه لغة العرب من ذلك، على أن هذا الدفع من أصله غير وارد، ولا يصح الاستدلال به على توجه النهي إلى مطلق القراءة، لأن قوله:"أقرأ به في نفسك"(2) ليس فيه إلا إسرار المؤتم لقراءة الفاتحة خلف إمامه (3)، وذلك لا يدل على ما استدلوا به عليه [2ب] من توجه النهي إلى مطلق القراءة، وباينه أن توجه النهي إلى مطلق القراءة كما قال يستلزم أن يكون الاستثناء للفاتحه على الطريقة التي كان النهي عليها كما هو شأن الاستثناء، وذلك يقتضي أن يجوز الجهر بها كما يجوز الإسرار بها. فأنس بن مالك أفتى بأحد الجائزين المفهومين من المستثني منه والمستثني، فإنك إذا قلت: أكرم القوم إلا بني فلان كان هذا التركيب دالا على إكرام كل القوم على أي صفة كانوا، وعلى أي حال من أحوالهم صاروا وعدم إكرام بني فلان على أي صفة كانوا، وعلى أي حال من أحوالهم صاروا، لما تقرر من دلالة العام على ما لا بد منه من الأزمنة والأوصاف والأحوال كما يفيد عموم الأشخاص، فهذا تقرير الدليل الذي استدل به ذلك البعض على ماقالوا، وفيه من القوة ما تراه، وإن كنت لا أوافقهم في ذلك لأمرين:
(1) انظر "البحر المحيط "(3 - 412) للزركشي.
(2)
تقدم تخريجه من حديث أبي هريرة.
(3)
قال القرطبي في "المفهم"(2): واختلف العلماء في القراءة في الصلاة: فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفز في كل ركعة وهو مشهور، قول مالك، وعنه أيضًا أنها واجبه في جل الصلاة وهو قول إسحاك وعنه. أنها تجب في ركعة واحدة وقاله المغيرة والحسن وعنه: أن القراءة لا تجب في شيئا من الصلاة وهو أشذ الروايات.
وحكى عنه: أنها تجب في نصف الصلاة. وإليه ذهب الأوزاعي؛ وذهب الأوزاعي أيضا، وأبو أيوب وغيرهم إلى أنها تجب على الإمام، والفذ والمأموم على كل حال، وهو أحد قولي الشافعي.
الأول: أن الأمر كما لو كان كما ذكروه لكان الخلط على الإمام، والمنازعة والمخالجة موجودة بوجود الجهر بالفاتحة فلا تحصل المصلحة المقصودة من النهي، ولا تندفع المفسدة المدفعوة به.
الأمر الثاني: أنه لم يرد دليل صحيح أو حسن يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم بعد هذا النهي كانوا كلهم أو بعضهم أو فردا من أفرادهم يجهرون بالقراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفاتحة الكتاب، ولا خلف من كان يؤمهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين. (1)
وأما الجواب عن السؤال الثاني:
فنقول: إن كان لدعواهها من غلط أو شبهة ما يدل عليها دلالة تقتضي أن تلك الدعوة تفيد الشبهة التي تدرأ بها الحدود كان ذلك مقتضيا لبطلان ذلك اللعان (2) من الأصل، ودرء الحد، فإن عروض هذه الشبهة الدافعة للحد تفيد أنه كان الرمي في حال لا يجب عليهما فيه الحد.
وأما إذا لم يكن لتلك الدعوى وجه صحة أصلا فقد وقع اللعان بينهما
(1) انظر "المغني"(2 - 158).
(2)
اللعان: وهو مشتق من اللعن، لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا.
وقيل: سمي بذلك لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبا فتحصل اللعنة عليه، وهي الطرد والإبعاد. والأصل فيه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور 6: 9].
وتمت ألفاظه المعتبرة، وسقط الحد عليهما جميعا، وثبتت بينهما أحكام اللعان جميعها، لأن تلك الشبهة مع عدم دلالة دليل عليها أصلا لم تكن محتملة ولا مقتضية لبطلان ما قد وقع منهما [3أ] من التلاعن الذي وقع فيه الاستيفاء لما هو معتبر فيه من الشروط (1) والألفاظ.
نعم. من يقول: إن مجرد دعوى الشبهة (2) موجبة لسقوط الحد الشرعي (3) وإن لم
(1) سبب اللعان: رمي الزوج زوجته بالزنا، وليس له بينة على ذلك.
حكمه: إن زنت زوجة الرجل وليس لها على زناها بينة، فإما أن تحمل من هذا الزنا أولا تحمل منه.
فإن لم تحمل: جاز له أن يرميها بالزنا ويلاعنها، وإن حملت من هذا الزنا: وجب عليها أن يرميها بالزنا وينفي ولدها ويلاعنها إنلم تكن له بينة
انظر: "مجموع الفتاوي" لابن تيمية (28).
صيغته: تقدمت صيغة اللعان في الآيات من سورة النور من (6 - 9) ويجوز له أن يقول في اللعان: "فعلى سخط الله" بدلا من قوله "فعلى لعنة الله" الواردة في صيغة اللعان في القرآن الكريم، ويجوز له أن يلاعن بالعربية وبغير العربية. "
اللاختيارات" للبعلي (ص475).
آثار اللعان:
أ - إذا شهد الزوج على زوجته أربع شهادات بالله أنها زنت فقد سقط عنها حد القذف، ووجب حد الزنا على المرأة، فإن شهدت أربع شهادات بالله على كذب زوجها فقد سقطعنها حد الزنا وإن رفضت ذلك أقيم عليها حد الزنا.
ب - انقطاع نسب الولد الذي تم اللعان على نفي نسبه عن الزوج الملاعن.
ج- وقوع الفرقة المؤبدة بين الزوجين المتلاعنين.
انظر "المغني"(11 - 148). "مجموع الفتاوى"(15).
(2)
الشبهة هي ما التبس أمره حتى لا يمكن القطع أحلال هو أم حرام، أو هي مايشبه الثابت وهو ليس بثابت.
(3)
الحدود كلها تسقط بالشبهة ومن الشبهة المسقطة للحد: شهة القئمة على الفاعل وهي على أنواع انعدام الرضى بالجريمة، فأن زنا بها وهي نائمة لا حد عليها ومن أكره على الزنا حتي زنى فلا حد عليه.
والجهل، فمن جهل التحريم فلا حد عليه.
اعتقاد الحل: فمن أقد على الجريمة وهو يعتقد أنها حلال، يجهل التحريم فلما علمه استغفر فلا حد عليه ومن نكح امرأة يعتقد حلها له، ثم تبين أنها أخته من الرضاعة فلا حد عليه ولا مهر.
الاضطرار: فلا يقام حد السرقة على الجائع إذا سرق ما يأكله أو يطعم به عياله
التأويل يسقط الإثم في الحدود ولكنه لا يسقط العقوبة
شبهة الملك: إذا وطئ المرتهن الجارية المرتهنة أو الشريك الأمة المشتركة فلا حد عليهما، لما له في ذلك من شبهة الملك، وعلى الواطئ مهر واحد وإن تكرر الوطء. ج-الشبهة في الأثبات: حيث يدرأ الحد عن القاذف بشهادة أهل الفسق والعصيان على الزنا، وبإقرار الزاني على نفسه بالزنا مرة او مرتين أو ثلاثا، فإن هذا لا يوجب حد الزنا عليه لنقض الإثبات ولكنه يسقط حد القذف عن قاذفه للشبهة في الأثبات. د- شبهة العقد: كمن وطئ جارية مشتراة شراء فاسدا، فلا حد عليه ولا مهر، ولا أجرة لمنافعها. ه - وليس للدولة أن تسقط الحد عن شخص مقابل مال تأخذه لبيت المال ولا يجوز له أن تستبدل بالحد المال.
انظر: "مجموع الفتاوى"(28، 277) و (29)(31).
تكن صحيحة في نفس الأمر، ولا محتملة في الواقع يلزم على قوله أنه لا لعان هنا، ولا ثبوت حد على واحد منهما، أما كونه لا لعان فلكونه وقع في حال لا يوجب الرمي فيه الحد، لأن عروض تلك الشبهة رفع الرمي الواقع من الزوج بالزنا بظهور ما لم يكن معلوما عنده حال الرمي، وأوجب صدق المرأة في تكذيبه، لأنه غير زانية حينئذ. وأما كونه لأحد على واحد منهما فلكون الزوج قد ظهرت له شبهة بتلك الدعوى كما ظهرت لها، واندفع عنه بها الحد كما اندفع عنها بها كما لو قال في موقف اللعان لغير امرأته وهو يظنها امرأته: والله إني لصادق فيما رميت به هذه من الزنا، ثم تبين له أن
تلك المرأة ليست امرأته، فإن هذا اللفظ مع الأشارة التي هي معينة لمن وقع الرمي له كمد أكمل تعين لم تقتض ثبوت اللعان، على تقدير أنها أجابته بقولها: والله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، لأني لم أكن امرأته، وكذلك لا يقتضي ذلك ثبوت الحد على أحدهما بلا خلاف، لأنه قد تبين أن إشارته إلى تلك المرأة التي لم تكن امرأته غلط منه لا عن قصد وعمد. وتبين صدق تلك المرأة في تكذيبه (1)
وأما الجواب عن السؤال الثالث:
فلابد بعد إقرار السيد بعلوق أمته من الانتظار للحمل إلى المدة المعتبرة (2) في سائر الحوامل من غير تقييد بمدة مخصوصة في الأمة فمن قال: أكثره أربع سنين قال في هذه كذلك [3ب]، ولم يدل دليل على اعتبار الستة الأشهر لا في حرة ولا في أمة، وليس ذلك إلا مجرد رأي بحت، ولا يخفى أن رفع الفراش الثابت يستلزم إبطال العصمة الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة والأجماع، ويستلزم إبطال نسب ذلك الحمل (3) الذي صرح صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح
(1) في حاشية المخطوط: "يقال المشروع في السنة بين المتلاعنين الحث من الحاكم بينهما وهو على التصادق على الاعتراف منه على القذف، وعلى الاعتراف منها بالزنا فلا مسرح لدفعه بالشبهة في المقام الملتعنين فهو مخالف لمقام سائر الحدود ".
وانظر "المغني"(11 - 132). (11 - 192).
(2)
قال ابن تيمية في"مجموع الفتاوى"(32): أن أقل مدة الحمل الذي تثبت به الحقوق للجنسين ستة أشهر، وأكثرها أربع سنوات، وعلى هذا أن تزوج امرأة فولدت بعد شهرين من الزواج فإن الولد لا يحلقه ويعتبر عقد النكاح باطلا.
(3)
في حاشية المخطوط: "إذا لزم هذا اللازم بعد وفاة سيدها المقر بالعلوق يلزم هذا اللازم في حياته بأنه إذا أقر بعلوقها بأنه لا يجوز له التصرف بها إلا بعد مضي أربع سنين مثلا، من يوم إقراره بذلك، فإن علل بأنه مالك فالوارث بعده مالك أيضا، مع أنه فرد وغايته وفات الوارث بعد ذلك على فراش أبي، ولذلك قال له: (هو لك) ولم يقل: هو لأبيك. وفي رواية لأبي داود: (هو أخوك) ويقوي أنه ما ثبت إلا بدعوة الأخ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "واحتجبي منه يا سودة" (*) فليتأمل. والله أعلم.
(*): أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2053) ومسلم رقم (36) ومالك (2 رقم 20) وأحمد (6، 20، 237) وأبو داود رقم (2237) والنسائي (6 رقم 3484) وابن ماجه رقم (2004) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد ابن زمعة في غلام، فقال سعد: يارسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يارسول الله ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال:" هو لك ياعبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه ياسودة ".
عنه بإثباته، وذلك قوله:" الولد للفراش وللعاهر الحجر "(1) فإن ظاهر هذه العبارة
(1) أخرجه البخاري رقم (6818) ومسلم رقم (37) والترمذي رقم (1157) والنسائي (6 رقم 3482، 3483) وابن ماجه رقم (2006) وأحمد (2، 280، 386، 409، 466، 475، 492) والدارمي (2) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال في "المغني"(11 - 232). وأقل مدة الحمل ستة أشهر، لما روى الأثرم في إسناده عن أبي الأسود أنه رفع إلى عمر، أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر لرجمها، فقال له علي: ليس لك ذلك. قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)[البقرة: 233]
وقال تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)[الأحقاف: 15].
فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا، لا رجم عليها. فخلى عمر سبيلها وولدت مرة أخرى لذلك الحد.
وقال ابن قدامة في "المغني"(11 مسألة 1354) ولو طلقها أومات عنها، فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقها أو موته بعد أربع سنين، لحقة الولد، وانقضت عدتها به. وقال الشوكاني في "السيل" 2): لم يأتي دليل قط لا صحيح ولاحسن ولا ضعيف، مرفوع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم في أن أقل الحمل كذا ولم يستدلوا إلا بقوله عز وجل:(وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)[الأحقاف:15]، مع قوله سبحانه:(وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)[لقمان: 14].
ويقوي هذه الدلالة الإيمائيه أنه لم يسمع في المنقول عن أهل التواريخ والسير أنه عاش مولود لدون ستة أشهر وهكذا في عصرنا لم يسمع بشيء من هذا، بل الغالب أن المولود لستة أشهر لا يعيش إلا نادرا ولكن وجود هذا النادر يدل على ان الستة أشهر أقل مدة الحمل. وقد كان من مدة من ولد لستة أشهر من المشهورين عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وهكذا لم يرد في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف، مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكثر مدة الحمل أربع سنين ولكنه اتفك ذلك ووقع كما تحكيه كتب التاريخ. غير أن هذا الاتفاق لا يدل على أن الحمل لا يكون أكثر من هذه المدة كما أن أكثرية التسعة أشهر في مدة الحمل لا تدل على أنه لا يكون في النادر أكثر منها، فإن ذلك خلاف ما هو الواقع.
والحاصل أنه ليس هناك ما يوجب القطع بل إذا كان ظاهر بطن المرأة فيه حملا كأن يكون متعظما ولا علة بالمرأة تقتضي ذلك وحيضها منقطع وهي تجد ما تجده الحامل فالانتظار متوجه ما دامت كذلك وإن طالت المدة. أماإذا كان ثم حركة في البطن كما يكون في بطن الحامل فلا يقول بأنها إذا مضت الأربع السنين لا يكون له حكم الحمل إلا من هو من أهل الجحود الذي يتميز لهم، فإن الحمل ها هنا قد صار متيقنا بوجود الحركة التي لا تكون إلا من جنين موجود في البطن.
…
".
وانظر "زاد الميعاد"(5).
النبوية واللفظ المحمدي يدل بعمومه على أن كل ولد ولد في نكاح الإسلام، أو ملكه يكون للفراش، فليحق بأبيه من غيرفرق بين مدة قريبة أو بعيدة، ولم يأتي ما يدل على تخصيص هذا العموم ببعض المدة، أو ببعض الأولاد، أو ببعض الصفات.
ويقوي هذا العموم ويؤكده ويقرره مقابلتة لذلك بقوله: "وللعاهر الحجر" فإن ذلك يفيد أنه لا يخرج عن ذلك الحكم إلا من تقرر أنه عاهر، وأي عهر لمن تزوج بعقد شرعي، ونكح نكاح الإسلام، أو وطئ أمته المملوكة له بعقد الشرع، والتفصيل بين فراش وفراش، ومنكوحة بعقد، ومنكوحة بملك إذا كان بغير دليل فليس لنا أن نقول به ولا نصير إليه. وقد درجت أيام النبوة وأيا خير القرون، ولم يسمع بشيء من هذا.
وكما أنه لا دليل على الستة الأشهر لا دليل أيضًا على اشتراط الدعوة في الأمة.
ولم يستدل من اشترط ذلك بشيء يصلح للاستدلال به، وغاية ما قالوه أنه لو ثبت فراش الأمة بمجرد الوطء لزم بإرتفاعه العدة الكاملة كالحرة لاستواء الفراشين، لزم ثبوت العدة لو أخرخها عن ملكه لزوال [ .... ](1) بعضها. وانت تعلم أن الإلزام إنما يتم لو لم يرد دليل بتقدير العدة، اما مع وروده فالمتبع الدليل.
وقد ورد في عدة أم الولد (2) وفي استبراء الإماء (3) ما ورد، فاندفع الإلزام بالمرة [4أ].
وأيضا قد اتفق في زمن النبوة أنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم بالولد لعبد بن زمعة (4) كما ثبت ذلك في دواوين الإسلام وغيرها، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد بن زمعة على دعواه، وحكم له بذلك، ولم يعتبر في ذلك دعوة ولا غيرها.
وقد تقرر أن ترك البيان في وقت الحاجة، وتأخيره عنها لا يجوز (5). وتقرر أيضًا أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال (6). وتقرر أيضًا أن حكمه صلى الله عليه وآله وسلم للواحد وعلى الواحد حكم للجماعة وعلى الجماعة
(1) كلمة في المخطوط غير مقروءة.
(2)
اخرجه أحمد (4) وابو داود رقم (2308) وابن ماجه (2083) والحاكم في "المستدرك"(2) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لا تلبسوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها أربعة أشهر وعشر". وهو حديث صحيح.
(3)
أخرج أبو داود رقم (2157) والحاكم (2) وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي والدارمي (2) والبيهقي (7) وأحمد (3) من طريق شريك، عن قيس بن وهب (زاد أحمد وأبي إسحاق) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري.
عن أبي سعيد الخدري أن قال: في سبايا أو طاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضه". وهو حديث صحيح.
(4)
تقدم آنفا
(5)
انظر تفصيل ذلك في "البحر المحيط"(3). "الكوكب المنير"(3).
(6)
انظر "البحر المحيط"(3).
وهذه القصة هي حاصل ما وقع في أيام النبوة مما يستدل به على ثبوت فراش الأمة (1)، ولحوق ولدها. فهل روي في لفظ من ألفاظ هذا الحديث، أو في حرف من حروفه أنه وقع من صلى الله عليه وآله وسلم السؤال: هل جاءت به لستة أشهر، أو لما دونها أو لما فوقها؟ وهل ثبت في لفظ من ألفاظه أو حرف من حروفه أنها وقعت منه الدعوة بل قال بعد التداعي لديه:"هو لك ياعبد بن زمعة "(2) بعد قوله: ولد على فراش ابي، ولم يلتفت إلى قول من قال: عهد إلى فيه أخي فحكم- صلى الله عليه وآله وسلم بالولد للفراش ولم يعتبر غير ذلك.
وفي هذا المقدار كفاية. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
كتبه المجيب محمد الشوكاني- غفر الله له -.
(1) قال الأمير الصنعاني في "سبل السلام"(6) بتحقيقي: فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم الولد بفراش زمعة للوليدة المذكورة، فسبب الحكم ومحله إنما كان في الأمة. وهذا كله الجمهور وإليه ذهب الشافعي ومالك والنخاعي وأحمد وإسحاق.
وقال الشوكاني في "السيل"(2 - 354) بتحقيقي: فهذا الحديث قد دل على ثبوت الفراش للأمة ودل على فراش ثبوت الحرةبفحوى الخطاب وتمسك المشترطون للدعوة بهذه الدعوة الواقعة في الحديث. ولكن هذا إنما اتفق في هذه الحادثة وليس فيها ما يدل على أن ذلك شرط لا يثبت النسب بدونه. فقد كان الصحابة في زمنه صلى الله عليه وسلم يطؤون الإماء ويحدث لهم منهن الأولاد ويصيرون أولادا لهم.
ولم يسمع أنه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأنه لابد من الدعوة ولا ورد ذلك في شيء من المرفوع ولا سمع عن صحابي أنه قال باشتراط ذلك. وهكذا من بعد الصحابة.
فالحاصل أن فراش الأمة يثبت بما يثبت به فراش الحرة وثبوت الملك عليها بمنزلة العقد على الحرة فلا يعتبر معه إلا ما يعتبر في فراش الحرة في إمكان الوطء.
(2)
انظر تفصيل ذلك في " البحر المحيط"(3) للزركشي. "الكوكب المنير"(3).