الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
عنوان الرسالة: (بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة).
موضوع الرسالة: في فقه الصلاة.
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، وبعد: فإنه وصل من سيدنا العلامة حسنة الآل، زينة الأمثال يحيى بن مطهر بن إسماعيل. ..
آخر الرسالة:. .. ويخرج بخروجهم للعلة التي ذكرناها.
وإلى هنا انتهى جواب المسائل. وحسبي الله وكفى، ونعم الكيل حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
عدد الصفحات: 14 صفحة.
عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرا.
عدد الكلمات في السطر: 10 - 12 كلمة.
الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
بسم الله الرحمن الرحيم
يا مالك يوم الدين، إياك نعبد، وإياك نستعين، وبعد:
فإنه وصل من سيدنا العلامة حسنة الآل، زينة الأمثال يحيى بن مطهر بن إسماعيل بن يحيى بن الحسين بن القاسم (1) - كثر الله فوائده - هذه الأسئلة النفيسة، ولفظها:
أشكل على المسترشد عدة مسائل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم -قد أرشد إلى السؤال:
المسألة الأولى: في القراءة في الصلاة، اعتاد كثير من الناس قراءة سورة العصر فما دونها إماما ومأموما، مع كون المعروف من قول من وكل إليه بيان ما يقرأ في الصلاة وفعله خلاف ذلك، فربما وقع التبرم من صلاة من يقرأ بالشمس وسبح، والحال أنها صلاة أخفهم إليها ندب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم معاذا لما شكوا قراءته البقرة (2)، وهم أهل أعمال، فجعل ذلك فرض الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وقد كانت عادته صلى الله عليه وآله وسلم القراءة بطوال القرآن، وأوسطه، وطوال الفتح (3) عند الكلام على حديث ابن مسعود من أنه كان يقرن بين عشرين سورة، وآخرهن حم الدخان والنزعات " كأن عبد الله كان يرى الدخان السور المذكورة. من المفصل، وسيأتي سرد السور المذكورة.
(1) تقدمة ترجمته.
(2)
سيأتي تخريجه في الجواب.
(3)
(2).
وحديث ابن مسعود أخرجه البخاري رقم (775) وطرفاه رقم (4996، 5043) حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل قال: "جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هذا كهذا الشعر. لقد عرفت النظائر التي كان النبي- صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن.
فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة.
وفي حديث أم فضل بنت الحارث عند مسلم (1) أن آخرصلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في مرض موته المغرب، قرأ فيها بالمرسلات، وقد كان من شأنه تخفيف المغرب، فحالة المرض يقتضي زيادة التخفيف، وكانت الصلاة بالمرسلات تخفيف التخفيف من معلم الشرائع، والله تعالى يقول:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(2).
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " صلوا كما رأيتموني أصلي"(3) والآن صار الناس يتضررون من الصلاة بما ندب إليه الشارع معاذا (4) من التخفيف، وليس ذلك منهم عن علم، بل كأنهم جهلوا أن المفضل من قاف، وأن المرسلات من أوسطه، والشمس [1أ] من قصاره، فرغبوا عن ذلك، وصار الاختصار هو الغالب، والعلماء هم الذين أخذا الله عليهم الميثاق، والذي [
…
] (5) أن ذلك ليس من التخفيف الشرعي، وإن كان فيه تخفيف في الصورة، ولكنه سرق للصلاة. ومع هذا فربما صلى الرجل ووقف
(1) رقم (173) قلت وأخرجه البخاري رقم (763).
عن ابن عباس قال: إن أم الفضل بنت الحارس سمعته وهو يقرأ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) فقالت: يابني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.
(2)
[الأحزاب: 21].
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (631) ومسلم رقم (24) من حديث مالك بن الحويرث.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6106) ومسلم في صحيحه رقم (465) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان معاذا يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه. فصلى ليلة مه النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لاوالله، ولآتين رسول الله- صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إن أصحاب نواضح، نعمل بالنهار وإن معاذ صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال:"يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ: والشمس وضحاها، والضحى والليل إذا يغشى،، سبح اسم ربك الأعلى".
(5)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
في المسجد، أو بين يدي رجل من عباد الله لا يدري ما يقف عليه منه، بل في إنتظار ملاقاته قدر قراءة طولي الطوليين، فلا يمل ويرغب عن من لا يضيع لديه عمل عامل.
وقد أنكر السلف على مروان قراءته في المغرب بقصارقصار المفصل (1)، وكذلك الرجل الذي اعتاد قراءة:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) انكر عليه أصحابه وشكوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"ما يمنعك وما يحملك"(2) فأجابه بقوله: إني أحبها. قال ابن المنير (3): في الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل، لأنه لو قال إنه لا يحفظ غيرها لأمره يتحفظ، لكنه اعتل بحبها فصوبه لصحة قصده. وقد قيل إنما كان يقررها في صلاة الليل دون الفرائض، وصار الناس يلتزمون قراءتها في الثانية، لا لمقصد، بل لو قصدوا ما أراده لم يكن لهم ما جزم به للرجل جزما لعدم المشاركة في العلة، والابتداء بالقصد كما وقع في حق خزيمة (4)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (764) حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عروت ابن الزبير عن مروان بن الحكم قال: "قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطوليه الطوليين".
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6106) ومسلم رقم (178) من حديث جابر.
وأخرجه البخاري رقم (774) والترمذي رقم (2601) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. من حديث أنس.
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (7375) من حديث عائشة.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(2) وإليك النص كاملا.
قال ناصر الدين بن المنير: "في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره. وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكيه. .. ".
(4)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (3607) والنسائي (7) رقم (4647) عن عمارة ابن خزيمة، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشرعون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، وقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي، فقال: "أو ليس قد ابتعته منك؟ " فقال الأعرابي: لا والله ما بعتكه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل قد ابتعته منك " فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا! فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة، فقال: " بم تشهد" فقال: بتصديقك يارسول الله! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. وهو حديث صحيح.
وأبي بردة، فإنه قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما بالاختصاص، فلو زعم أحد بمحبتهما لكانت إنما هي لكونها أحبها الرجل، فدخل الجنة، لا أنه لذاتها. هذا فيما يظهر - والله أعلم -. فأحسنوا با لإيضاح، فهذه التصورات هي السبب في السؤالات لا برحتم.
المسألة الثانيه: هل تكره قراءة الرجل في الركعة الثانية لسورة هي قبل التي قرأها في الأولى على ترتيب المصحف؟ إن قلتم لا يجوز فقد صرح بعض أهل العلم بالكراهة، وقرر للمذهب، وأن قلتم لا يجوز لمخالفة الترتيب نوقش بأنه ليس بتوفيقي، وبأن في إرشاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ إلى الحد الذي لا ينبغي التخفيف به: "
اقرأ [1ب] والشمس وضحاها، والليل إذا سجى، وسبح اسم ربك الأعلى" (1) وفي رواية (2):" إذا أممت الناس فا قرأ والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى وقرأ باسم ربك الذي خلق، والليل إذا يغشى" وهما في مسلم. وسرد الراوي للسور التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرنيها في الصلاة من المفصل، وهي الرحمن، والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والذريات والطور في ركعة والواقعه ونون في ركعة وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في
(1) أخرجه البخاري رقم (6106) ومسلم رقم (178) من حديث جابر.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (179/ 465) من حديث جابر.
ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وإذا الشمس كورت والدخان في ركعة كما ذكره الحافظ (1).
المسألة الثالثة: هل التسبيح في الثالثة والأخريين إثارة من علم؟ والذي يظهر في مقام السؤال تعين الفاتحة في كل ركعة على الإمام والمأموم، لأدلة أوردها لمعرفة ما يعارضها أو يخصصها، فمن الأدلة ما يكون لصد ما سقيت عليه، وقد يكون صوابا، فمنها وهو في الصحيح (2):"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وفي رواية: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج "(3) فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام،، فقال: أقرأ بها في نفسك، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"لا تفعلوا إلا بأم القرآن"(4)، قال الحافظ (5): والركعة صلاة حقيقية.
وفي حديث المسيء (6): " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" بعد أن أمره بالقراءة بل في حديث رفاعة بن رافع عند أبي داود (7) دلالة على وجوب قراءة زيادة على الفاتحة في كل ركعة، لأن لفظه:"ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأ ثم افعل. .. إلخ" وقد نقل النووي (8) الإجماع على لزوم ذلك في الأوليين، وقال: إنه سنة عند جميع العلماء ونقل القاضي عياض (9) القول بوجوب السورة في الأوليين عن بعض أصحاب
(1) في "الفتح"(2).
(2)
تقدم في الرسالة رقم (80)
(3)
تقدم في الرسالة رقم (80).
(4)
تقدم في الرسالة رقم (80).
(5)
انظر فتح الباري" (2 - 57).
(6)
تقدم تخريجه في الرسالة رقم (79).
(7)
في "السنن" رقم (858 صحيح، 859 حسن، 860 حسن، 861 صحيح).
(8)
ذكره في شرحه لصحيح مسلم (4).
(9)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(2 - 281).
مالك، وكذا أورده الحافظ (1) بصيغة الدعوى عن ابن حيان والقرطبي وغيرهما، وتحقيق ما هو الحق يستمد منكم.
المسألة الرابعة: حديث: "إذا أتيما مسجد جماعة. .. إلخ"(2) قد تبين بالروايات الصحيحة أن الثانية نافلة، وهو قضية [2أ] حكم القرآن ن فهل المراد مجرد الكون معهم فيما بقي عليهم بما يقع للآتي نافلة، أم المطلوب الإتيان بتلك الصلاة بحيث ينطبق عليه:"ما ادركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا؟ "(3).
المطلوب الكشف عن حقيقة الحال، والتمييز بين زائف الرأي، وصحيح المقال - يسر الله فوائدكم - آمين. انتهى.
(1) في "الفتح"(2 - 281).
(2)
أخرجه أحمد (4 - 161) وأبو داود رقم (575 - 576) والترمذي رقم (219) والنسائي رقم (858) والدراقطني (1 - 414) وابن حبان رقم (2388) والحاكم (1 - 245) من حديث يزيد بن الأسود. وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (636) ومسلم رقم (151).
الجواب عن السؤال الأول - وعلى الله سبحانه المعول -:
هو أن المرجع في تطويل الصلاة وتخفيفها والتوسط بين التطويل والتخفيف ما جاءنا عن المبين بما شرعه الله لعباده فهو القدوة والأسوة كما في الأوامر القرآنية: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(1)، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(2)، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (3) وكما جاء في السنة الثابتة من أمر أمته باتباعه كقوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(4) وقد ثبت عنه مقدار يعم جميع الصلوات الخمس، ومقدار يخص كل صلاة من الصوات الخمس وغيرها. فأما المقدار الذي يعم كل الصلوات الخمس في حديث جابر عند البخاري (5) ومسلم (6) وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" يامعاذ، أفتان أنت؟ "(7) أو قال: "أفاتن أنت؟ فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى". ولهذا الحديث (8) ألفاظ آخر، وفيه أنه يشرع
(1)[الحشر: 7]
(2)
[آل عمران: 31]
(3)
[الأحزاب: 21].
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
في صحيحه رقم (700، 701، 705، 711).
(6)
في صحيحه رقم (465).
(7)
قال الحافظ في "الفتح"(2): ومعنى الفتنة ها هنا: أن التطويل يكون سببا لخروجهم من الصلاة، وللتكره للصلاة في الجماعة.
وقال النووي في شرحة لصحيح مسلم (4): "أفتان أنت يا معاذ" أي: منفر عن الدين وصاد عن، ففيه الإنكار على من ارتكب ما ينهي عنه، وإن كان مكروها غير محرم، وفي جواز الإكتفاء في التغرير بالكلام، وفي الأمر بتخفيف الصلاة وتغرير على إطالتها إذا لم يرضي المؤمنون.
(8)
تقدم من حديث عائشة، وأنس.
أن تكون القراءة في الصلاة بهذه السور من غير فرق بين جميع الصلوات الخمس، وكون سبب الورود تطويل معاذ في صلاة العشاء لا ينافي العمل بما يقتضيه اللفظ؛ فإن المعتبر اللفظ لا السبب كما هو معروف مكرر في مواطنه. ومن الأحاديث المشتملة على بيان جميع الصلوات الخمس تطويلا وتخفيفا حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت [2ب] رجلا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فلان - لإمام كان بالمدينة - قال سليمان: فصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل. أخرجه أحمد (1)، والنسائي (2) ورجاله رجال الصحيح. وقد صححه ابن خزيمة (3) وغيره.
وأخرج مسلم (4) وغيره عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ ب: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)(5) ونحوها، وكان يقرأ في الظهر ب:(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وفي العصر نحو ذلك (6).
وفي رواية لأبي داود (7) أنه قرأ في الظهر بنحو من: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) والعصر كذالك، والصلوات كلها كذالك إلا الصبح فإنه كان يطيلها.
(1) في" المسند"(2).
(2)
في "السنن" رقم (983) وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه (1 رقم 520) وقال ابن خزيمة عقب الحديث: هذا الاختلاف في القراءة من جهة المباح، جائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها التي يزاد على فاتحة الكتاب فيها بما أحب وشيئا من سور القرآن، وليس بمحظور عليه أن يقرأ بما شاء من سور القرآن غير أنه إذا كان إماما، فالاختيار له أن يخفف في القراءة ولا يطول في القراءة".
(4)
في صحيحه رقم (168).
(5)
في صحيحه رقم (168/ 458).
(6)
عند مسلم في صحيحه رقم (170).
(7)
في "السنن" رقم (806) وهو حديث صحيح.
ومن الأحاديث العامة لجميع الصلوات حديث الذي كان يقرأ ب: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حسبما ذكره السائل (1) - عفاه الله - ولا وجه لدعوى الاختصاص. وقد ورد نحو هذه الأحاديث العامة لجميع الصلوات الخمس، وفيها بيان مقدار القراءة في كل صلاة، وما يطول فيه وما يخفف.
وأما المقدار الذي يخص كل صلاة من الصلوات الخمس فورد في الفجر كان يقرأ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).أخرجه الترمذي (2)، والنسائي (3) من حديث عمرو بن حريث، وورد أنه استفتح في صلاة الفجر بسورة المؤمنين. أخرجه مسلم (4) من حديث عبد الله بن السائب. وورد أنه قرأ فيها بالطور. أخرجه البخاري (5) تعليقا من حديث أم سلمة، وأنه كان يقرأ في ركعتي الفجر، أو في إحدهما ما بين الستين إلى المائة. أخرجه البخاري (6) ومسلم (7) من حديث أبي برزة، وأنه قرأ فيها الروم. أخرجه النسائي (8) عن رجل من الصحابة، وأنه قرأ فيها المعوذتين. أخرجه النسائي (9) أيضًا من حديث عقية بن عامر، وأنه قرأ فيها:(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا). أخرجه عبد الرزاق (10) عن أبي برزة، وأنه قرأ فيها الواقعة.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
في "السنن"(2).
(3)
في "السنن"(2 - 178 رقم 951) من حديث عمرو بن حريث وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (163).
(5)
في صحيحه (2 الباب رقم 105).
(6)
في صحيحه رقم (541).
(7)
في صحيحه رقم (172).
(8)
في "السنن"(2 رقم 947) وهو حديث حسن.
(9)
في "السنن"(2 رقم 952) وهو حديث صحيح.
(10)
في مصنفه (2 رقم 2732).
أخرجه عبد الرزاق (1) أيضًا [3أ] عن جابر بن سمرة، وأنه قرأ فيها بسورة يونس وهود. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2) عن أبي هريرة، وأنه قرأ فيها:(إِذَا زُلْزِلَتِ). أخرجه أبو داود (3) وأنه قرأ فيها: (؟) السجدة، و (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) أخرجه البخاري (4) ومسلم (5) من حديث ابن مسعود.
إذا عرفت هذا فقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح بالسور الطويلة، والقصيرة والمتوسطة.
وأما المقدار الذي يخص الظهر والعصر فقد كان يقرأ فيهما ب: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ)، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ). أخرجه أبو داود (6)، والترمذي (7) وصححه من حديث جابر بن سمرة. وكان يقرأ في الظهر ب:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) أخرجه مسلم (8) من حديث جابر بن سمرة أيضا، وأنه قرأ فيها من سورة لقمان والذاريات.
أخرجه النسائي (9) من حديث البراء، وأنه قرأ في الأولى من الظهر ب:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وفي الثانية:(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أخرجه. ...............................
(1) في مصنفه (2 رقم 2720).
(2)
في مصنفه (1).
(3)
في "السنن" رقم (816) من حديث معاذ بن عبد الله الجهني وهو حديث حسن.
(4)
في صحيحه رقم (891).
(5)
في صحيحه رقم (65) من حديث أبي هريرة.
(6)
في "السنن" رقم (805) بإسناد حسن.
(7)
في "السنن"(307) وقال: حديث حسن صحيح.
(8)
رقم (171).
(9)
في "السنن"(2 رقم 971) وهو حديث حسن.
النسائي (1) أيضًا عن أنس، وثبت أنه كان يقرأ في الأوليين منهما بفاتحة الكتاب وسورتيين يطول في الأولى ويقصر في الثانية. أخرجه البخاري (2)، ولم يعين السورتين، وثبت عن أبي سعيد عند مسلم (3) وغيره (4) أنه قال: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة:(؟) السجدة، وحزرنا قيامه في الركعتين الآخراتين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأولين من العصر على قدر قيامه في الآخرتين من الظهر، وفي الآخرتين من العصر على النصف من ذلك. وثبت عن أبي سعيد أيضًا عند مسلم (5) وغيره (6) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الآخرتين قدر قراءة خمس عشرة آية [3ب] أو قال نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الآخرتين قدر نصف ذلك.
إذا عرفت هذا، وقد نقل بعض الصحابة قراءته صلى الله عليه وآله وسلم في هتين الصلاتين بسور معينة، وبعضهم قدر لبثه في كل ركعة بمقادير بينة لا تلتبس.
وأما المقدار الذي يخص صلاة المغرب فقد ثبت في الصحيحين (7) ................
(1) في "السنن"(2/ 163 - 164 رقم927).
قلت: وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (1/ 257 رقم 512) بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه (3/ 153 رقم 1821).
(2)
في صحيحه رقم (776) ومسلم في صحيحه رقم (155/ 451) من حديث أبي قتادة.
(3)
في صحيحه رقم (157/ 452).
(4)
كأبي داود رقم (804) والنسائي (1/ 237) والبيهقي (2/ 66).
(5)
في صحيحه رقم (452).
(6)
كأحمد (3/ 2).
(7)
البخاري في صحيحه رقم (765) ومسلم رقم (174/ 463).
وغيرهما (1) عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب بالطور.
وثبت في الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث أم الفضل بنت الحارس أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ فيها بالمرسلات.
وأخرج النسائي (4) بإسناد جيد عن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم قرأ فيها الأعراف فرقها بين الركعتين.
وأخرج ابن ماجه (5) بإسناد قوي عن عمر أنه قال - كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
وأخرج نحوه ابن حبان (6)، والبيهقي (7) من حديث جابر بن سمرة بإسناد ضعيف وأخرج النسائي (8) فيهما بالدخان.
وأخرج البخاري (9) عن مروان [بن الحكم] قال: قال لي زيد بن ثابت: مالك تقرأ
(1) كأبي داود في "السنن"(811) والنسائي (2/ 169 رقم 987) ومالك في "الموطأ"(1/ 78 رقم 23) وأحمد (4/ 84) وابن ماجه رقم (832).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (763) ومسلم رقم (173/ 462).
(3)
كمالك في "الموطأ"(1/ 78 رقم 24) وأبو داود رقم (810) والترمذي رقم (308) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (2/ 168 رقم 985، 986).
(4)
في "السنن"(2/ 169 - 170 رقم 989، 990) وهو حديث صحيح.
(5)
في "السنن"(1/ 272 رقم833) وهو حديث منكر وقال الألبانيوالمحفوظ أنه كان يقرأ بهما في سنة المغرب.
(6)
في صحيحه رقم (1841)
(7)
في "السنن الكبرى"(3/ 201)
(8)
في "السنن"(2/ 169 رقم988) من حديث عبد الله بن عتبة بن مسعودوفي سنده: "معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدني لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وباقي رجاله ثقات.
(9)
في صحيحه رقم (764)
بقصار المفصل وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بطولي الطوليين، والطوليان هما الأعراف والأنعام.
وقد تقدم في حديث أبي هريرة (1) في حديث الرجل الذي هو أشبه التاس صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل (2). إذا عرفت هذا فقد ثبت في صلاة المغرب القراءة بالسور الطويله والقصيرة والمتوسطة.
وأما المقدار الذي يخص صلاة العشاء فأخرج أحمد (3)، والنسائي (4)، والترمذي (5) وحسنه من حديث بريدة أن الني صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ فيهما بالشمس وضحاها، ونحوها من السور.
وأخرج البخاري (6) ومسلم (7) من حديث البراء [4أ] أنه قرأ فيها بالتين والزيتون. وأخرج البخاري (8) من حديث أبي هريرة أنه قرأ فيها ب: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ).
وتقدم في أمره لمعاذ بالتخفيف (9) أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أمره بقراءة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)
(1) تقدما آنفا وهو حديث صحيح.
(2)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه مالك في "الموطأ"(1 رقم 25) من حديث عبد الله الصنابحي باسناد صحيح.
(3)
في "مسنده"(5)
(4)
في "السنن"(2 رقم999)
(5)
في "السنن"(2 رقم 309) وهو حديث صحيح.
(6)
في صحيحه رقم (767)
(7)
في صحيحه رقم (464). قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(1 رقم 27 وأبو داود رقم (1221) والترمذي (2 رقم 3)، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي (2 رقم 1000).
(8)
في صحيحه رقم (768).
(9)
تقدم تخريجه.
وقد روي أن التطويل كان من معاذ في صلاة العشي، وإن كان الأمر بالقراءة منه صلى الله عليه وآله وسلم لا تخص صلاة دون صلاة.
وتقدم في حديث أبي هريرة (1) عن الفتى الذي وأشبه الناس صلاة برسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل.
إذا عرفت هذا فقد ثبتت القراءة في صلاة العشاء بالسور المتوسطة والقصيرة. وقد اتضح بما ذكرناه من الأدلة المشتملة على بيان مقادير القراءة في الصلوات الخمس، والأحاديث المبينة لمقدار القراءة في كل صلاة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستمر في صلاة من الصلوات على قراءة السور الطويلة فقط، أو القصيرة فقط، أو المتوسطة فقط بل كان تارة يقرأ بالطويلة، وتارة بالقصيرة، وتارة بالمتوسطة. ولكل سنة وشريعة ليس لأحد إنكارها ولا مخالفتها، ولا دعوى أن شيئا منها خلاف السنة، بل المخالف للسنة هو الذي يستمر على قراءة نوع من هذه الأنواع الثلاثة ويدع غيره، فإن ادعى أن ذلك هو السنة دون غيره فقد ضم إلى مخالفته للسنة بفعلة مخالفة آخرى [4ب] بقول الذي قالة. فأن كان إماما فعليه أن يصلي بهم صلاة أخفهم (2).
وقد بين لنا معلم الشرائع هذه التخفيف الذي أمر به معاذا فأرشده إلى تلك السور، فمن زعم على إمام من ائمة الصلاة يقرأ بمثل هذه السور التي أرشد إليها صلى الله عليه وآله وسلم انه قد طول وخالف السنة فهو جاهل أو متجاهل، وإذا قرأ الإمام سورا
(1) تقدم وهو حديث صحيح.
(2)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (703) ومسلم رقم (341) ورقم (467) وأبو داود رقم (794، 795) والنسائي (2 رقم 823) والترمذي (1 رقم 236).
من حد يث أبي هريرة أن صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ".
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (701) ومسلم رقم (465) من حديث جابر. وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (704) ومسلم رقم (466) من حديث أبي مسعود البدري.
أطول مما أرشد إليه الشارع معاذا مع علمه إن في المؤتمين به من يضرر بذلك فهو أيضًا مبتدع مخالف للسنة، وكذلك إذا لم يعلم. وكان الجمع كثيرا بحيث يجوز أن فيهم من يتضرر بذلك. وهذه السور التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذا هي أوساط المفصل. وزاد مسلم (1) أنه أمره بقراءة:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وزاد عبد الرازق (2)(الضحى)، وزاد الحميدي (3):(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ)، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ).
وأما إذا قرأ إمام بما هو أقصر من هذه السور التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قصار المفصل فهو أيضًا متسنن غير مبتدع، لأن الشارع قد سن لأمته ذلك حسبما بيناه، ولكنه لا يجعل ذلك ديدنه وهجيراه على وجه لا يفارقه، فغنه إذا فعل ذلك كان مبتدعا لما قدمنا، ووجه ابتداعه أنه ظن أن السنة منحصرة في ذلك النوع، فاستلزم ذلك نفي سنية ما عداه، فإن أكثر من ملازمة نوع من تلك الأنواع أعني التطويل أو التقصير أو التوسيط مع اعترافه [5أ] بأن الكل سنة، وفعله لغير النوع الذي لازمه في بعض الأحوال فليس بمبتدع، والمنفرد يطول ما شاء كما أرشده إلى ذلك معلم الشرائع، والإمام يصلي بالقوم صلاة أخفهم.
والحاصل أن المنفرد إذا فعل أي نوع من تلك الأنواع الثلاثة فقد فعل السنة ما لم ينكر بعضها، وتطويله لقراءته وصلاته أكثر ثوابا، وأعظم أجرا، واإمام إذا أم قوما لهم رغبة في الطاعة لا يتضررون بالتطويل، فأي الأنواع الثلاثة فعل فقد فعل السنة، وتطويل صلاته وقراءته أكثر ثوابا له، وامن ائتم به، وأعظم أجرا. وإن كان يؤم قوما لا يأمن أن فيهم الضعيف. ........................
(1) في صحيحه رقم (179).
(2)
في مصنفه (2 - 366 رقم 3725).
(3)
في مسنده (2 رقم 1246).
والمريض (1) وذا الحاجة فعل ما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تلك السور، وما يماثلها أو دونها لا ما هو أكبر منها.
فإن قلت: قد تكرر في هذا الجواب ذكر المفصل فما هو من السور؟
قلت: قال في الضياء: هو من سورة محمد إلي آخر القرآن، وذكر في القاموس (2) أقوالا عشرة من الحجرات إلي آخره، قال في الأصح، أو من الغاشية، أو القتال، أو قاف، أو الصافات، أو الصف، أو تبارك، أو إنا فتحنا لك، أو سبح اسم ربك، أو الضحى. ونسب [5ب] بعض هذه الأقوال إلى من قالها، وسمي مفصلا لكثرة الفصول بين سورة أو لقلة المنسوخ منه كذا قيل (3).
وأما ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - في المسألة الثانية من أن بعض أهل العلم صرح بكراهة قراءة سورة في الركعة الثانية قبل السورة التي قرأهافي الركعة الأولى في ترتيب المصحف.
(1) تقدم ذكر ذلك.
*وأخرج مسلم في صحيحه رقم (186) من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي " أم قومك، فمن أم قوما فليخفف، فأن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض وأن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصي كيف شاء".
* وأخرج مسلم في صحيحه رقم (187) من حديث عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أممت قوما فأخف بهم الصلاة ".
*وأخرج البخاري رقم (710) ومسلم رقم (192) من حديث أنس بم مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بقاء الصبي، فأخفف، من شدة وجد أمه بها ".
(2)
(ص1347).
(3)
قال الحافظ في "الفتح"(2): واختلف في المراد بالمفصل مع الاتفاق على أن منتهاه آخر القرآن هل هو من أولى الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أوسبح أو الضحى إلى آخر القرآن. .. ".
فأقول: إن هذا الذي صرح بهذا لا ينبغي أن يعد من أهل العلم، لأنه خفي عليه شيء هو أوضح من شمس النهار، وبيان ما ذكرناه من وجوه:
الأول: أن كل عارف وإن قل عرفانه يعلم أن هذا الترتيب الواقع في المصحف ليس على حسب التقدم والتأخر في النزول، فقد ثبت أن أول (1) ما نزل:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وبعدها (2): (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وكان آخر (3) ما نزل أو من آخر ما نزل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وليس التلاوة مقيدة على حسب الترتيب الذي وقع في المصحف، بل ولا على حسب النزول، فللإنسان أن يتلو من أي مكان شاء في الصلاة وغيرها، ويختار في كل ركعة ما يريد.
الوجه الثاني: حديث الذي كان يفتتح في صلاته بقراءة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فقرره (4) - النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع كونه كان يؤم بأهل مسجده. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، والبخاري تعليقا، والبزار، والبيهقي، والطبراني من حديث أنس. وهذا ظاهر
(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (4956).
من حديث عائشة رضي الله عنها: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، جائه الملك فقال:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ).
وانظر "تفسير ابن كثير"(8).
(2)
قال ابن كثير في تفسيره (8) ثبت في صحيح البخاري رقم (4922) من حديث جابر أنه كان يقول: أول شيء نزل من القرآن: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
(3)
انظر "أسباب النزول" للواحدي (ص190).
(4)
تقدم تخريجه.
الدلاالة، لأنه لم يتقيد بقراءة ما بعد:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ولو تقيد بذلك لم يقرأ في جميع صلواته إلا بالمعوذتين مع (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لأنه لم يكن بعدها في ترتيب المصحف إلا هاتان السورتان.
الوجه الثالث: أنه قد ثبت في صحيح مسلم (1) وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بالبقرة، ثم بالنساء، ثم بآل عمران. قال القاضي عياض (2): فيه دليل لمن يقول إن ترتيب السور إجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف، وأنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وكله إلى أمته بعده قال: وهذا قول مالك والجمهور، واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني [6أ]. قال ابن الباقلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما، قال القاضي عياض (3): والذي نقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة، ولا في الصلاة، ولا في الدرس، ولا في التلقين، والتعليم، وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك نص، ولا يحرم مخالفته، ولذلك اختلف ترتيب المصحف قبل مصحف عثمان. قال: وأما من قال (4) من أهل العلم أن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما استقر في مصحف عثمان، وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف فيتأول قراءته صلى الله عليه وآله وسلم النساء، ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب. ........................
(1) في صحيحه رقم (203): عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، فافتتح. فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة. فمضى، فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها. ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلا. إذا مر بآية بها تسبيح سبح. وإذا مر بسؤال سأل. وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول:" سبحان ربي العظيم" فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال:"سمع الله لمن حمده" ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال:"سبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريبا من قيامه.
(2)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3 - 137).
(3)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3).
(4)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(3).
انتهى (1).
قلت: وقد أوضحت فساد ما زعمه القائلون بالتوقيف في بحث طويل، وأبنت أن ذلك من الجهل بالكيفيات التي كان عليها الصحابة في تلاوة القرآن وكتابته.
الوجه الرابع: الإجماع قائم على أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي يقرأها في الأولي. حكى هذا الإجماع القاضي عياض (2)، فذلك القائل بأنه يكره مخالف للإجماع.
وأما ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - من قوله: هل على التسبيح والثالثة والاخريين أثارة؟.
فأقول: أما من كان يحسن الفاتحة وحدها، أو مع زيادة عليها فلا أثارة من علم قط على أنه يدع الفاتحة، ويعدل التسبيح، ولا أدري كيف وقع لبعض أهل العلم التخيير في الركعتين الأخريين بين الفاتحة وهذا التسبيح! فإن الأدالة الواردة في هذا التسبيح مقيدة بمن لا يحسن القراءة كحديث رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم رجل الصلاة فقال:"إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع" أخرجه أبو داود (3)، والترمذي (4) وحسنه، والنسائي (5).
فهذا كما ترى مقيد بعدم كون مع الرجل قرآنا، وكذلك حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني لا استطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني فقال: " قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله
(1) كلام القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم "(3).
(2)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم "(3).
(3)
في "السنن" رقم (861).
(4)
في "السنن" رقم (302).
(5)
في "السنن"(2 رقم 1053).
إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " رواه أحمد (1)، وأبو داود (2)، والنسائي (3)، والدارقطني (4)، وابن الجارود (5)، وابن حبان (6)، والحاكم (7) وفي إسناده؟ إبراهيم بن إسماعيل السكسكي (8)، وهو من رجال البخاري (9)، لكن عيب عليه [6ب] إخراج حديثه. وضعفه النسائي (10) وقال ابن القطان (11) ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة، وقال ابن عدي (12) لم أجدبه حديثا منكر المتن، وذكزه النووي في الخلاصة (13) في فصل الضعيف. انتهى.
ولم يتفرد بالحديث إبراهيم المذكور، وقد رواه الطبراني (14)، وابن حبان (15) في صحيحه أيضًا من طريق طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفي، ولكن في إسناده الفضل بن موفق ضعفه أبو حاتم، كذلك قال ابن ..................................
(1) في "المسند"(4، 356، 382).
(2)
في "السنن" رقم (832).
(3)
في "السنن"(2 رقم 924).
(4)
في "السنن"(1 - 314 رقم 1، 2، 3).
(5)
في "المنتقى"(رقم 189).
(6)
في صحيحه رقم (1805، 1806، 1807).
(7)
في "المستدرك"(1/ 241) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
(8)
قال الذهبي في "الميزان "(1) كوفي صدوق، لينة شعبة والنسائي. وهو حديث حسن
(9)
انظر "هدى الساري"(ص388).
(10)
ذكره الذهبي في "الميزان"(1).
(11)
ذكره ابن حجر في "التلخيص"(1).
(12)
ذكره الذهبي في "الميزان"(1).
(13)
(1 - 383 رقم 1196).
(14)
في "الأوسط"(3 رقم 3025).
(15)
في صحيحه رقم (1810). وهو حديث حسن.
حجر (1). وهذا الحديث أيضًا مقيد بما ترى من عدم استطاعة الرجل بأن يأخذ شيئا من القرآن، فلا يصح الاستدلال بهذا المقيد بعدم الاستطاعة على جواز ترك من يحفظ الفاتحة بقراءتها والعدول إلى هذا التسبيح. ومن استدل بهذا الحديث والذي قبله على الجواز المذكور فقد غلط غلطا بينا.
قال شارح المصابيح (2): وما أحسن ما قال: أعلم أن هذه الواقعة لا يجوز أن يكون في جميع الأزمان، لأن من يقدر على تعلم هذه الكلامات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة، بل تأويله لا استطيع أن أتعلم شيئا من القرآن في هذه الساعة وقد دخل على وقت الصلاة فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمة أن يتعلم انتهى.
فهذان الحديثان هما أشف ما ورد في هذا التسبيح، وعلى فرض ورود غيرهما مطلقا عن هذا التقييد فحمله على هذين الحديثين المقيدين متحتم وما ورد من أن الفاتحة متعينة في كل ركعة وهي أدلة صحيحة. وقد ساق السائل - عافاه الله - بعضها وقد ذكرنا منها في شرحنا للمنتقى (3) مالا يحتاج إلى زيادة عليه من وقف عليه.
وأما ما سأل عن السائل - كثر الله فوائدة - في السؤال الرابع من أنه قد ثبت في حديث: "إذا أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة "(4) وأنه قد تبين في الروايات الصحيحة أن الثانية نافلة قال: فهل المراد مجرد الكون معهم فيما بقي عليهم يقع للأتي نافلة، أم المطلوب الإتيان بتلك الصلاة بحيث ينطبق عليها: " ماأدركتم فصلوا وما
(1) في "الفتح"(2).
(2)
(2 - 584).
(3)
(1).
(4)
أخرجه أحمد (4، 161) وأبو داود رقم (575، 576) والترمذي رقم (219) والنسائي رقم (858) والدارقطني في "السنن"(1 - 414) وابن حبان في صحيحه رقم (2388) والحاكم في "المستدرك"(1 - 245) من حديث يزيد بن الأسود العامري.
وهو حديث صحيح
فأتكم فأقضوا؟ " وأقول: الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد من الوارد إلى مسجد جماعة، وهم في صلاة وقد صلى أن يصلي معهم تنفلا تلك الصلاة بحيث لا يترك منها شيئا، ويقضي ما سبقه به الإمام، بل المراد أنه يدخل [7أ] معهم على الصفة التي يجدهم عليها لئلا يعد من الغافلين المعارضين عن جماعة المسلمين، ويتم معهم سواء كان ما أدركهم ركعة أو ركعات أو بعض ركعة. هذا الظاهر من هذا الإرشاد النبوي.
ولم يرد ما يدل على أنه يصلي معهم ما أدرك ويقضي ما فات في غير هذا الحديث، لأنه لم يكن المقصود له صلى الله عليه وآله وسلم ها هنا الأتيان بكل تلك الصلاة هم فيها، حتى يقضي ما قد فاته كما يفعل من دخل مفترضا في جماعة قد سبقه الإمام ببعض الركعات، بل المراد ما ذكرنا من الدخول مع المصلين في تلك الصلاة، ويخرج بخروجهم للعلة التي ذكرناها.
وإلى هنا انتهي جواب المسائل. وحسبي الله وكفى، ونعم الوكيل.
حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما -.