المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في الكسوف - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٦

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌جواب سؤالات وردت من بعض العلماء

- ‌جواب سؤالات وصلت من كوكبان

- ‌بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة

- ‌رفع الأساس لفوائد حديث ابن عباس

- ‌تحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل

- ‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

- ‌جواب عن الذكر في المسجد

- ‌سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع الدين لا فطنة لهم؟ وجواب الشوكاني عليه

- ‌إشراق الطلعة في عدم الاعتداد بإدراك ركعة من الجمعة

- ‌اللمعة في الاعتداد بإدراك الركعة من الجمعة

- ‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

- ‌الدفعة في وجه ضرب القرعة

- ‌بحث في الكسوف

- ‌جواب على سؤال ورد من بعض أهل العلم يتضمن ثلاثة أبحاث:1 -بحث في المحاريب2 -بحث في الاستبراء3 -بحث في العمل بالرقومات

- ‌الصلاة على من عليه دين

- ‌شرح الصدور في تحريم رفع القبور

- ‌جواب سؤالات وردت من تهامة

- ‌سؤال عن لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات

- ‌إفادة السائل في العشر المسائل

الفصل: ‌بحث في الكسوف

‌بحث في الكسوف

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 2991

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: بحث في الكسوف.

2 -

موضوع الرسالة: فقه الصلاة.

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد والأمين وآله الطاهرين.

وبعد:

فإنه ورد سؤال من بعض أهل العلم عن الكسوف ....

4 -

آخر الرسالة:. .. وهذا لا يجهله من له أدني إلمام بالعلوم الشرعية لأنه قد طرح به في عدة أبواب كباب صلاة العيد وكباب الصيام وكباب الحج والحمد لله رب العالمين.

كمل من تحرير المجيب محمد بن علي الشوكاني حفظه الله تعالى وأحيا به الشريعة المطهرة.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

المسطر: 4 صفحات.

الأولى: 19 سطرا.

الثانية: 26 سطرا. الثالثة: 26 سطرا.

الرابعة: 22 سطرا.

7 -

عدد الكلمات في السطر: (13 - 14) كلمة.

8 -

الرسالة من المجلد الأولى من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 2993

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين، وبعد:

فإنه ورد سؤال من بعض أهل العلم عن الكسوف الواقع ليلة الربوع، لعلها اليوم الثالث عشر من شهر الحجة الحرام، على ما دل عليه كما عدة شوال والقعدة، لأن أول شهر الحجة كان على اعتبار كمال عدة الشهرين الذين قبل يوم الجمعة، فكان على هذا يوم الأضحى يوم الأحد، ووقع الكسوف ليلة رابع عيد الأضحى، وهي ليلة الربوع، فقال هذا السائل ما حاصله: هل يدل هذا الكسوف للقمر على أن أول الشهر يوم الخميس، لأن كسوف القمر لا يكون إلا ليلة رابع عشر في غالب الأحوال، أو ليلة خامس عشر في النادر، وهل تكون هذه الدلالة صحيحة شرعية أم لا؟ وإذا كانت صحيحة فمن نحر أضحيته في يوم ثالث عيد النحر على كمال العدة، وهو اليوم الذي كسفت القمر في الليلة التي بعده، فهل يكون ما نحره في هذا اليوم أضحية، أو يكون شاة لحم؟ هذا حاصل السؤال؟ وفيه طول.

ولما وقفت على هذا السؤال أحبت عنه بما حاصله: اعلم أنه قد ذكر أهل علم الهيئة أن القمر والشمس ينكسفان في أوقات مخصوصة، وجعلوا ذلك أمرا تجريبيا، فقالوا: تنكسف القمر ليلة رابع عشر في الغالب، وليلة خامس عشر في النادر، وتنكسف الشمس يوم ثامن وعشرين في الغالب، ويوم تاسع وعشرين في النادر، وهذا لا يكاد يختلف فيه علماء الهيئة، وهو موجود في المؤلفات الخاصة بهذا العلم. وقد حكى ذلك عنهم من علماء الشريعة في الكتب الفقهية (1)، وفي التفاسير (2)، وشروح الحديث (3).

(1) انظر: المغني (3/ 228 - 230).

(2)

انظر: " الكشاف "(3/ 115)(4/ 50)، " روح المعاني " للألوسي (11/ 68).

(3)

فتح الباري " (2/ 529).

ص: 2997

ومن علماء الشريعة من يحكي ذلك عنهم من دون تنبيه على أنه ليس من علم الشريعة، ومنهم من يحكي ذلك وينبه [1] على أنه ليس من علم الشريعة.

فمن جملة من ذلك الإمام المهدي عليه السلام في البحر الزخار. . فقال: مسألة: ولا كسوف في العادة يعني: كسوف الشمس إلا في ثامن أو تاسع وعشرين، ورواية (1) كسوفها يوم مات إبراهيم في العاشر من شهر ربيع الأول محتمل، ولا خسوف يعني: خسوف القمر إلا في رابع أو خامس عشر انتهى.

فهذه الرواية من الإمام عليه السلام مطلقة غير منسوبة إلى علماء الهيئة، ولا وقع منه التنبيه على أن ذلك ليس من عمل الشريعة، ولكنه قد تبعه في الرواية صاحب شرح الأثمار (2)، وبين أن القائل بذلك علماء الهيئة والمنجمون، لا علماء الشريعة، فقال: فائدة: اتفق أهل علم الهيئة والمنجمون على أن الشمس لا تكسف إلا في اليوم الثامن والعشرين (3) من الشهر في الأغلب، أو في اليوم التاسع والعشرين نادرا، وزعموا بأن ذلك لأجل حيلولة جرم القمر بينها وبين الأرض إذا تزامنتا في مقدار دقيقة، وأن القمر لا تكسف إلا في الليلة رابع عشر في الأغلب، وخامس عشر نادرا.

وعلل بعضهم ذلك بحيلوله الأرض بين الشمس والقمر (4)، بحيث ينقطع شعاع الشمس عند اتصاله بالقمر، وإنما نوره مستفاد منها انتهى. فانظر كيف نسب هذه

(1)(2/ 74 - 75).

(2)

لا يزال مخطوط فيما أعلم.

(3)

وانظر البحر الزخار (2/ 74 - 75).

(4)

ذكره الألوسي في روح المعاني (11/ 69) نقله عن ابن الهيثم،. ..... ثم قال الألوسي تعقيبا على ذلك ". . لم لا يجوز أن يكون ذلك الاختلاف والخسوف من آثار إرادة الفاعل المختار من دون توسط القرب والبعد من الشمس وحيلولة الأرض بينها وبينه. .. ".

ثم قال بعد ذلك " والحق أنه لا جزم بما يقولونه في ترتيب الأجرام العلوية وما يلتحق بذلك، وأن القول به مما لا يضر بالدين، إلا إذا صادم ما علم مجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 2998

المقالة إلى أهل الهيئة والمنجمين، ولم ينسبها إلى الشرع ثم قال في أثناء الكلام: وزعموا بأن ذلك لأجل حيلولة جرم القمر. .. إلى آخر كلامه. ولفظ زعموا إنما يستعمل فيما لا أصل له من الكلام، أو يستعمل مع الشك في الصحة ولا خلاف بين علماء الشريعة المطهرة أنه لا اعتبار بكسوف الشمس والقمر في معرفة أعداد الشهور، ولم يقل قائل من المسلمين أن ذلك معتبر. وقد عرفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه الحكمة في كسوف الشمس والقمر فقال فيما صح عنه:" أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا "(1)

وفي رواية (2): " إن الله يخوف بهما عباده " فعرفنا بهذا أن الكسوف إنما هو لأظهار آية من آيات الله لعباده، ولأجل تخويفهم من الذنوب، وإرشهادهم إلى التوبة والاستغفار، والصدقة والصلاة والدعاء، كما ورد في الأحاديث الصحيحة (3)

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1041) ومسلم رقم (21/ 911) والنسائي (3م 126). وابن ماجه رقم (1261) من حديث أبي مسعود الأنصاري.

وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (1058) ومسلم في رقم (1/ 901) وأبو داود رقم (1177 - 1191) والترمذي رقم (561، 563) والنسائي (3/ 127) وابن ماجه رقم (1263) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1095) ومسلم في صحيحه رقم (24/ 912) من حديث أبي موسى وفيه " إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن اشلله يرسلها يخوف بها عباده فإذا رايتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ".

(3)

انظر التعليقة السابقة.

و (منها) ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1042) ومسلم في صحيحه رقم (28/ 914) من حديث عبد الله بن عمر أنه كان يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشمس والقمر لا يخسفان لا موت أحد ولا لحياته، ولكنهما آية من آيات الله فإذا رايتموهما فصلوا ".

و (منها) ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1043) ومسلم رقم (29/ 915) من حديث المغيرة ابن شعبة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما مات إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا نيكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف ".

ص: 2999

وأما كونهما لا يكونان إلا في وقت مخصوص (1) بحيث يستدل به على عدم الشهر أو نحوه، فهذا شيء مخالف للشريعة المطهرة، ولأقوال علماء الإسلام جميعا، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (2)" نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وأشار بأصابعه إشارة يفهمهما العامي كما يفهمهما العالم " ثم أرشدنا في أحاديث أخر [2] إلى إكمال العدة ثلاثين يوما (3)، وإلى العمل على ٍ

(1) قال الحافظ في الفتح (2/ 537): قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع. ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخريف وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعة يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف.

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 537) قال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذركه أهل الحساب ينافي قوله: " يخوف الله بهما عباده، وليس بشيء لأن لله أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء، بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1913) ومسلم رقم (19/ 108) وأبو داود رقم (2319) والنسائي (4/ 139 - 140رقم 2140) كلهم من حديث ابن عمر.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (1909) ومسلم رقم (19/ 1081) وأحمد (2/ 415) والدرامي (1) والنسائي (4) والطيالسي (1/ 182رقم 867) وابن الجارود (ص15) رقم (376) والبيهقي (4/ 205، 206، 247، 252).

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ". وقال في الحجة البالغة: " لما كان وقت الصوم مضبوطا بالشهر القمري باعتبار رؤية الهلال، وهو تارة ثلاثون يوما، وتارة تسع وعشرون، وجب في صورة الاشتباه أن يرجع إلى هذا الأصل. وأيضا مبنى الشرائع على الأمور الظاهرة عند الأميين دون التعمق، والمحاسبات النجومية، بل الشريعة وإرادة بإخمال ذكرها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ".

الحجة البالغة (2/ 51).

ص: 3000

الرؤية (1)، ونفرنا من العمل بما يقوله المنجمون. وبالغ في ذلك، وحذر كلية التحذير حتى قال:" من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد "(2).

فمن زعم أن الله تعبد عباده بشيء من أحوال النجوم فقد أعظم على الله الفرية، فهي لم تخلق إلا ليهتدى بها في ظلمات البر والبحر (3)، ولتزيين السماء (4)، ورجوما للشياطين (5).

هذا ما ذكره الله في كتابه العزيز، ولم يذكر غيره، وأبان الله عز وجل في كتابه العزيز أن تقدير سير القمر والشمس ....

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

أخرج أحمد (2/ 408، 476) وأبو داود رقم (3904) والترمذي رقم (135) والنسائي في الكبرى رقم (9017) وابن ماجه رقم (639) والحاكم (1/ 8) وهو حديث صحيح.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ".

وأخرج أحمد (1، 311) وأبو داود وقم (3905) وابن ماجه رقم (3726) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ".

وهو حديث حسن.

(3)

لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[الأنعام: 97].

(4)

لقوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)[الصافات: 6].

(5)

لقوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ)[الملك: 5].

ص: 3001

منازل (1) ليعلم عباده عدد السنين والحساب، فعلق هذا الحكم بسيرهما لا بكسوفهما، وأيضا فقد ورد في الشريعة المطهرة ما يدل على اختلاف هذه العادة، واختلافهما، فتبت في الصحيحين (2) وغيرهما أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد ورى الزبير بن بكار (3) أن وفاته كانت في عاشر شهر ربيع الأول.

وروى البيهقي (4) مثله عن الواقدي، فهذا يبطل ما جزموا به من أن لا يكون الكسوف إلا في تلك الأوقات المعلومة المخصوصة، وقد روى البيهقي (5) عن قتادة أن الشمس كسفت يوم قتل الحسين السبط - سلام الله عليه -، وروى البيهقي (6) أن قتله كان يوم عاشوراء بل هو متفق عليه بين أهل السير والأخبار (7)، ولم يخالف في ذلك أحد.

قال ابن بهران في شرح الأثمار: وقد اشتهر أن قتل الحسين عليه السلام كان يوم عاشوراء انتهى.

وهذا أيضًا يدل على اختلال تلك العادة، وبطلان دعوى كليتها. وقد تكلم علماء الشريعة بمسائل تفيد ما ذكرناه، حتى نقل أصحاب الشافعي عنه مسألة وقوع العيد الكسوف معا (8)، وقد عرف أنه لا عيد في الإسلام إلا يوم الفطر ويوم النحر، فأما يوم

(1) انظر ذلك في الرسالة رقم (34).

(2)

تقدم من حديث المغيرة بن شعبة.

(3)

ذكره ابن حجر في " الإصابة "(2/ 72).

(4)

في " معرفة السنن والآثار " رقم (7164).

(5)

في" معرفة السنن والآثار " رقم (7167).

(6)

في " معرفة السنن والآثار " رقم (7167) وقال البيهقي " قبل يوم عاشوراء ".

(7)

انظر " تاريخ الطبري "(5/ 347، 381)، " مروج الذهب "(3/ 248).

(8)

انظر " معرفة السنن والآثار " رقم (7168) وانظر تفصيل ذلك في " المغني "(3/ 329).

ص: 3002

الفطر فهو أول يوم من شهر شوال.

وأما يوم النحر فهو اليوم العاشر من شهر الحجة. وهذا يدل على أنه يقول بإمكان الكسوف إما في أول يوم من الشهر، أو في اليوم العاشر منه.

وقد اعترض الشافعي بعض من اعتمد على علم الهيئة، ورد عليه أصحاب الشافعي بأن علم الهيئة، ورد عليه أصحاب الشافعي بأن علم الهيئة ليس من علم الشريعة، فلا يجوز الاعتراض به على الأمور الشرعية، كما صرح بذلك صاحب الفتح - فتح الباري (1) - وغيره.

وإذا تقرر هذا عرفت أن الاستدلال بكسوف القمر على كون اليوم الذي اكسفت في ليلته هو اليوم الرابع عشر من الشهر، على ما هو الغالب، أو اليوم الخامس عشر على ما هو الأقل. لا يجوز [3ب] أن ينسب إلى علم الشريعة ولا يقول به أحد من المتشرعين، بل الواجب البناء على كمال العدة (2) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يجوز غير ذلك، ولو كان هذا جائز لجاز العمل على ما في الجداول من تعيين وقت دخول الأشهر، لأن اعتمادها عند المنجمين أولى من اعتماد مثل الكسوف، مما هو نادر مختلف.

وقد كان أول شهرنا هذا الذي وقع فيه الكسوف، ووقع السؤال فيه قبل دخول الشهر الشرعي المبني على كمال العدة بيومين عند أهل الجداول، وكذلك سائر الشهور؛ فإنها لا بد تتقدم الشهور (3) عند أهل الجداول على الشهور الشرعية بيوم أو يومين، ولو اعتبرنا الجداول لتركنا الشريعة المطهرة، وصرنا منجمة، وكما أنه لا اعتبار بالجداول لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وارتفاعه، وانخفاضه، وهذا مجمع عليه علماء الإسلام، لا يختلفون فيه، وإن قال بعضهم باعتبار الحساب، فهو من جهة غير هذه الجهة، واعتبار غير هذا الاعتبار.

(1)(2/ 529) و (2/ 537).

(2)

تقدم ذكره.

(3)

انظر الرسالة رقم (34).

ص: 3003

إذا عرفت هذا فالعمل على ما وقع من اعتبار كمال العدة، فيصح ما وقع من صلاة، ونحر، وحج، وغير ذلك بلا خلاف بين المسلمين. وإذا تبين بوجه شرعي أن أول الشهر قبل ما قضت به العدة بيوم أو يومين برؤية هلال ذي الحجة، فالعمل صحيح في جميع ما تقدم، ولا يختل منه شيء على القانون الشرعي، فكيف إذا لم يتبين بوجه شرعي مرض.

إنما يتبين بكسوف القمر، أو اعتبار أهل الجداول؛ فإن ذلك لا يوجب اختلال شيء بإجماع المسلمين، وهذا لا يجهله من له أدهي إلمام بالعلوم الشرعية، لأنه قد طرح به في عدة أبواب، كباب الصلاة، وكباب الصيام وكباب الحج.

والحمد لله رب العالمين. كمل من تحرير المجيب محمد بن علي الشوكاني حفظه الله تعالى، وأحيا به الشريعة المطهرة، آمين آمين (1).

(1) فائدة:

اعلم أن الله سبحانه استدل على التوحيد والألهيات:

1 -

بخلق السموات والأرض.

2 -

أحوال الشمس والقمر.

3 -

المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار.

4 -

بكل ما خلق الله في السموات والأرض وهي أقسام الحوادث والحادثة في هذا العالم وهي محصورة في أربعة أقسام:

أ-الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار والثلوج.

ويدخل فيها أيضًا أحوال البحار، وأحول المد والجزر، وأحوال الصواعق والزلازل والاخسف.

ب - أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة.

ج - اختلاف أحوال النبات.

د - اختلاف أحوال الحيوانات.

انظر: " التفسير الكبير " للرازي (17/ 37).

وقال أيضًا " اعلم أن انتفاع الخلق بضوء الشمس وبنور القمر عظيم، فالشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل.

وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى الفصول الأربعة، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العام. وبحركة القمر تحصل الشهور، وباختلاف حاله في زيادة الضوء، ونقصانه تختلف وطوبات هذا العالم، ويسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل، فالنهار زمانا للتكسب، والليل يكون زمانا للراحة.

وانظر (4/ 177وما بعدها)" شرح الآية 164 من سورة البقرة " من تفسير الفخر الرازي.

وانظر: الرسالة رقم (34) من فتاوى الشوكاني).

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 254 - 258): " الحمد لله: الخسوف الكسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار. والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر. وذلك من آيات الله تعالى: كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[الأنبياء: 33].

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)[يونس: 5]. وقال تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[الأنعام: 96]. وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189]. وقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[التوبة: 36].

وقال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[سورة يس37: 40]. وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يسهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك، أو أقل فهو غالط. فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار وأن القمر لا يخسف إلا وقت الابدار، ووقت إبداره، هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها: ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي. والهلال يستسر آخر الشهر: إما ليلة، إما ليلتين. كما يستسر ليلة تسع وعشرين، أو ثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره وللشمس والقمر ليالي معتادة، من عرفها عرف الكسوف والخسوف. كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها. لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام، يشترك فيه جميع الناس. وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه، فإن ذلك قول بلا علم ثابت، وبناء على أصل صحيح. وفي سنن أبي داود - رقم (3905) - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ". وهو من حديث ابن عباس أخرجه أحمد (1/ 277، 311) وابن ماجه رقم (3726) وهو حديث حسن. وفي صحيح مسلم - رقم (2230) - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله صلاته أربعين يوما ". والكهان أعلم بما يقولونه من المنجمين في الأحكام، ومع هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إتيانهم، ومسألتهم، فكيف بالمنجم؟ وأما ما يعلم بالحساب فهو مثل العلم بأوقات الفصول، كأول الربيع والصيف، والخريف، والشتاء، لمحاذاة الشمس أوائل البروج التي يقولون فيها أن الشمس نزلت في برج كذا، أي حاذته. ومن قال من الفقهاء أن الشمس تكسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم، وما يوى عن الواقدي من ذكره: أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم العاشر من الشهر، وهو اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف؛ غلط. والواقدي لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن بسنده إلى أحد، وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ، فأما هذا فيعلم أنه خطأ. ومن جوز هذا فقد قفا ما ليس له به علم.

ص: 3004