الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع الدين لا فطنة لهم؟ وجواب الشوكاني عليه
.
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق
أبومصعب
وصف المخطوط: (أ)
1 -
عنوان الرسالة: (سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع العوام الذين لا فطنة لهم وجواب الشوكاني عليه).
2 -
موضوع الرسالة: فقه المسجد.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده. وبعد: فأنه ورد إلى سؤال في شهر القعدة سنة سبع مائتين وألف حاصله: هل يجوز. ..
4 -
آخر الرسالة:. .. كل ما يحتاج إليه البيان فلا مفسدة كمل من خط المؤلف والمجيب القاضي العمدة الفهامة عز الدين والمسلمين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله كما حفظ به الذكر المبين وجعله قرة عين للعاملين وأحيا به شريعة سيد المرسلين وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل ما جزى محمد عن أمته آمين آمين.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 4 صفحات.
7 -
المسطرة: الأولى: 7 أسطر.
الثانية: 28 سطرا.
الثالثة: 29 سطرا.
الرابعة: 25 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 13 - 14 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
وصف المخطوط (ب):
1 -
عنوان الرسالة: (سؤال هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع العوام الذين لا فطنة لهم. وجواب الشوكاني عليه).
2 -
موضوع الرسالة: فقه المساجد.
3 -
أول الرسالة: الحمد لله ورد إلى سؤال في شهر القعدة سنة 1202هـ حاصله: هل تجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد، مع استماع العوام الذين لا فطنة لهم. ..
4 -
آخر الرسالة:. .. فلا مفسدة. منقولة من خط المجيب العلامة محمد بن علي الشوكاني أبقاه الله، وبارك في عمره، وحسبنا الله وكفى، ونعم الوكيل، ونعم المولى، ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. 5 - نوع الخط: خط نسخي رديء لكنه واضح.
6 -
عدد الصفحات: 3 صفحات.
7 -
المسطرة: الأول: 25 سطرا.
الثانية: 39 سطرا.
الثالثة: 24 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
[بسم الله الرحمن الرحيم](1)
الحمد لله [وحده فإنه](2) ورد إلي سؤال في شهر القعدة سنة 1207 [سبع ومائتين وألف](3) حاصله هل تجوز قراءة كتب الحديث الأمهات في المساجد، مع استماع العوام الذين لا فطنة لهم، ثم أطال السائل الكلام، وذكر ما يلزم من ذلك من اعتقاد العوام للظواهر، وما تدل عليه أحاديث الصفات، والتمسك بالأحاديث الضعيفة.
ثم وسع الكلام وشنع بشع على من فعل ذلك، ولعله يشير إلى المسؤول (4) - غفر الله له - فإني كنت في هذه الأيام أملي في صحيح البخاري، وسنن أبي داود، وفي الجامع المقدس، ويجضر القراءة جماعة من العلماء، ويحضر للاستماع جماعة من العامة. فأجبت ما حاصله، الجواب عن هذا السؤال يستدعي بسطا طويلا، لأنه يتشعب الكلام فيه شعب كثيرة لا نفي بها إلا نعي بها إلا رسالة مستقلة، ولكني هاهنا أقتصر على ذكر أبحاث تتسع لها بياضة السؤال فأقول: اعلم أن التدريس في كتب السنة (5) المطهرة في جوامع المسلمين ما زال مستحسنا عند جميع أهل الإسلام، منذ زمن الصحابة إلى الزمن الذي نحن فيه، معدودا باتفاقهم من أعظم أنواع القرب (6)، وأعلى مراتب التعليم والتعلم.
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
أي الشوكاني رحمه الله.
(5)
إن مجالس إملاء الحديث منذ بدء تدوين الحديث النبوي، كانت تعقد له المجالس فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يملون الحديث على الناس وهم يكتبونها بين أيديهم، وفي التابعين وأتباعهم جماعة كانوا يعقدون مجالس الإملاء.
وعن يحيى بن أبي طالب. سمعت يزيد بن هارون في المجلس ببغداد وكان يقال: إن في المجلس سبعين ألفا. أخرجه السمعاني في " أدب الإملاء والاستملاء "(1 رقم 44).
وأنظر: " أدب الإملاء ولاستملاء " للسمعاني (1/ 150 - 161)، وانظر:" تذكرة السامع والمتكلم " لابن جماعة (ص 142 - 143).
(6)
قال السيوطي في" تدريب الراوي "(1/ 45): " فإن علم الحديث أفضل القرب إلى رب العالمين، وكيف لا يكون وهو بيان طريق خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين " ا هـ.
أما في سائر أقطار المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وتباين آرائهم فأمر لا ينكره أحد، وأما في قطرنا هذا المختص أهله بالتمسك بمذاهب الأئمة الأطهار من ذرية النبي المختار، فما زالت مساجده عامرة من قديم الزمن بالقراءة في كتب الحديث القديم منها والحديث، أما في كتب الأئمة من الآل الكرام فأمر لا ينكره أحد من الخواص والعوام.
وأما في كتب المحديثين فما زال الأمر كذلك أيضًا منذ خروجها إلى اليمن إلى الآن يأخذها أهل كل قرن عمن قبلهم، ويروونها لمن بعدهم على مرور العصور، كرور الدهور. ولنتبرك بذكر طائفة من الأئمة الأكابر من أهل بيت النبوة، ممن قرأ كتب الحديث من الأهات وغيرها، وأقرأها. وقرر العلماء على قراءتها في المساجد وغيرها، ورواها بأسانيده المتصلة بمصنفيها فنقول: من جملتهم الإمام الأعظم المنصرو بالله (1) عبد الله بن حمزة، والإمام الأجل أحمد بن سليمان (2)، والأمير الكبير الحسين بن محمد [1] صاحب الشفاء (3)، والإمام الأكبر المؤيد بالله يحيى بن حمزة (4)، والإمام الأعظم محمد بن علي (5) المعروف بصلاح الدين، والإمام النحرير أحمج بن يحيى. ................................
(1) تقدم ترجمته.
(2)
أحمد بن سليمان بن محمد الحسني اليمني [500 - 566هـ]. من كتبه كتاب " أصول الأحكام في الحلال والحرام ". " حقائق المعرفة ".
انظر: المصدر السابق (ص 390 رقم 388).
(3)
الأمير الحسين بن (بدر الدين) محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى اليحيوي الهادوي الحسني اليمني. (582 - 662هـ).
(4)
تقدم ترجمته.
(5)
الإمام محمد بن علي بن محمد بن علي المشهور بصلاح الدين (739 - 793هـ).
من كتبه: " رسالة إلى أهل مكة ". " قصيدة الرسالة الدافعة والحجة البالغة ".
" أعلام المؤلفين الزيدية "(ص 972 رقم 1042)، " أئمة اليمن "(1/ 261 - 278).
المرتضى (1)، والإمام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير (2)، وأخوه المدقق الهادي بن إبراهيم (3)، والإمام الخليل عز الدين بن الحسن (4) وأهل بيته، والإمام المتبحر شرف الدين بن شمس الدين (5) وأهل عصره، والإمام العلامة الحسن بن علي بن داود (6)، والإمام المجدد المنصور بالله القاسم بن محمد (7)، والإمام المجتهد المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (8)، والإمام المحقق الحسين بن القاسم (9) وجماعة من أعيانهم، وأكابر أشياعهم،
(1) تقدمت ترجمته.
(2)
تقدمت ترجمته.
(3)
الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير (758 - 822هـ).
جرت بينه وبين أخيه محمد بن إبراهيم الوزير صاحب العواصم محاورات ومناظرات وعكف على التأليف، والتدريس والإفتاء.
من مصنفاته: " الأجوبة المذهبة عن المسائل المهذبة ". " تراجم آل الوزير ".
انظر: " الضوء اللامع "(10)، " أعلام المؤلفين الزيدية "(ص 1069 رقم 1149).
(4)
عز الدين بن الحسن بن الحسين عدلان، المؤيدي اليحيوي (
…
- 1361 هـ) عالم فقيه أصولي كان مولده ونشأته بهجرة فللة وتولى القضاء في رازح.
من كتبه: " شرح على الغاية في أصول الفقه في مجلدين ولم يكلمه "، " التحفة السنية في مهمات المسائل الأصولية ".
" أعلام المؤلفين الزيدية "(ص645رقم 671).
(5)
تقدمت ترجمته.
(6)
تقدمت ترجمته.
(7)
تقدمت ترجمته.
(8)
تقدمت ترجمته.
تنبيه: قال ابن تيمية في مجموعة " الرسائل والمسائل "(1 /ج3) وكثير من الكتب المصنفة في أصول علوم الدين وغيرها تجد الرجل المصنف فيها في المسألة العظيمة كمسألة القرآن والرؤية والصفات والمعاد وحدوث العالم وغير ذلك يذكر أقوالا متعددة. والقول الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عليه سلف الأمة ليس في تلك الكتب ولا عرفه مصنفوها ولا شعروا به وهذا من أسباب توكيد التفريق والاختلاف بين الأمة وهو ما نهيت الأمة عنه، كما في قوله تعالى:(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران: 105 - 106).
قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة. وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ)[الأنعام: 159]. وقال سبحانه وتعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)[البقرة: 176].
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، وهذا يقول ألم يقل الله كذا؟ وهذا يقول ألم يقل الله كذا؟ فقال:" أبهذا أمرتم؟ أم إلى هذا دعيتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا: أن ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فافعلوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه ".
(9)
تقدمت ترجمته. تنبيه: قال ابن تيمية في مجموعة " الرسائل والمسائل "(1 /ج3) وكثير من الكتب المصنفة في أصول علوم الدين وغيرها تجد الرجل المصنف فيها في المسألة العظيمة كمسألة القرآن والرؤية والصفات والمعاد وحدوث العالم وغير ذلك يذكر أقوالا متعددة. والقول الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عليه سلف الأمة ليس في تلك الكتب ولا عرفه مصنفوها ولا شعروا به وهذا من أسباب توكيد التفريق والاختلاف بين الأمة وهو ما نهيت الأمة عنه، كما في قوله تعالى:(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران: 105 - 106).
قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة. وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ)[الأنعام: 159].
وقال سبحانه وتعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)[البقرة: 176]. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، وهذا يقول ألم يقل الله كذا؟ وهذا يقول ألم يقل الله كذا؟ فقال:" أبهذا أمرتم؟ أم إلى هذا دعيتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا: أن ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فافعلوه وما نهيتم عنه فاجتنبوه ".
أضعاف أضعاف هؤلاء. ومن لم يعرف حقيقة الحال أو داخله رتب فيما ذكرنا فليطالع تواريخ هؤلاء الأئمة، وينظر في مسموعاتهم وأسانيدهم ومؤلفاتهم، فإنه عند ذلك يعلم صحة ما حكيناه. وإذا نقر بالإجماع على هذه الصحة التي ذكرناها فكون العامة يحضرون إملاء الحديث لا يصلح أن يكون مانعا من قراءة كتب الحديث في المساجد والمشاهد والمحافل لأمور:
الأول: أن حضورهم في مجالس إملاء الحديث ما زال منذ قديم الزمان، فكان الإجماع على قراء ة كتب السنة في المساجد أو غيرها إجماعا على جواز حضورهم وعدم صلاحية كونه مانعا.
الثاني: أنا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلقي هذه الأحاديث التي تجدوها في كتب الحديث إلى الصحابة معهم الخاصة والعامة، والعالم والجاهل. ولو كان مجرد سماعهم لإملاء الأحاديث في المساجد وغيرها مانعا من التدريس في كتب الحديث لكان أيضًا مانعا من إلقائه صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأحاديث
إلى عوام الصحابة، لأن العلة واحدة، واللازم باطل والملزوم مثله. أما الملازمة فللاشتراك في تلك العلة، وأما بطلان اللازم فبالإجماع.
فإن قلت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبين متشابه الأحاديث لعوام الصحابة، لأنه لا يجوز عليه أن يقررهم على اعتقاد الباطل قلت: ونحن نقول: كذلك ينبغي للمحدث أن يعرف العامة الذين يحضرون قراءة ما كان مرادا به خلاف ظاهره (1)،
(1) تنبيهات لابد منها بين يدي المحدث:
1 -
الحذر من وضع الأحاديث في غير موضعها وعليه أن يحذر من سوء الفهم للأحاديث الصحاح والحسان التي وردت في كتب السنة فحرفها بعض الناس عن مواضعها.
2 -
الحذر من دعاة التشكيك في الأحاديث الصحيحة.
3 -
الحذر من الأحاديث الموضوعة والواهية.
وقد حذر علماء السنة من رواية الحديث الموضوع إلا مع التنبيه عليه، وبيان أنه موضوع ليحذر منه قارئه أو سامعه.
قال الإمام النووي " تحرم رواية الحديث الموضوع مع العلم به في أي معنى كان سواء الأحكام والقصص والترغيب والترهيب وغيرها إلا مبينا أي مقرونا ببيان وضعه.
علما أن العلماء الذين أجازوا الاستشهاد بالضعيف في فضائل الأعمال لم يفتحوا الباب على مصراعيه وإنما وضعوا شروطا ثلاثة:
1 -
ألا يكون الحديث شديد الضعف حيث يكون واهيا قريبا من الموضوع.
2 -
أن يندرج تحت أصل شرعي معمول به، ثابت بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة.
3 -
ألا يعتقد عند الاستشهاد به ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم بل يعتقد الاحتياط وبناء على الشروط الثالث لا يجوز للمستشهد أن يضيف الحديث الذي استشهد به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الجزم والقطع. بل عليه أن يقول، روي عن كذا، أو نقل عن كذا، أو ورد عن كذا. .. وما أشبه من صيغ التضعيف والتمريض وأما قوله. قال رسول الله كذا فمردود وغير جائز وغير لائق.
انظر: " تدريب الراوي " للسيوطي (2/ 118 - 124).
أخرج البخاري في صحيحه رقم (100) ومسلم رقم (2607) عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله لا يقبض العلم أنتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما أتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 195): وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم ".
وما كان مؤولا، أو منسوخا، أو ضعيفا، أو مخصصا، أو مقيدا، أو لا يدعهم يتمسكون بما لا يحل التمسك به، لأن المفروض أن المحدث المذكور متأهل لذلك، وأنه قد بلغ إلى رتبة يصلح عندها للتحديث وأما إذا كان غير متأهل لبيان ما ذكرنا فإنما هو وهم كما قال الشاعر:
كبهيمة عمياء قاد زمامها
…
أعمى على عوج الطريق الجائر
الأمر الثالث: من الأدلة الدالة على جواز إملاء الحديث بمحضر من العامة هو أنا نعلم قطعا أن القرآن الكريم مشتمل على آيات في الصفات، وأحكام متشابهات، مثل ما اشتملت عليه السنة من ذلك أو أكثر، فلو كان استماعهم للحديث لا يجوز لتلك العلة لكان استماعهم للقرآن وتعليمهم إياه لا يجوز، لأن العلة واحدة، وهو خرق لإجماع المسلمين، فإنهم مازالوا يعلمون صبيانهم كتاب الله العزيز، وهم مع كونهم في سن الصبا خالين عن المعارف العلمية هم أيضًا خالون عن كمال العقل الذي له مدخل في الفهم والتمييز، فهل يلتزم السائل - أرشده الله - مثل هذا اللازم الباطل بإجماع المسلمين.
والأمر الرابع: أن جعل سماع العامة مانعا من قراءة كتب السنة في المساجد فيلزم تعطيل المساجد عن كثير من العلوم، منها القرآن وعلومه لما تقدم، ومنها [2] علم الفقه الذي هو عمدة المسلمين في جميع الأقطار وذلك لأن فيه الرخص التي تلحق المتتبع لها بالمتزندقين، فقراءته في المساجد مع حضور العامة مظنة لعملهم بتلك الرخص كما أن قراءة كتب السنة مظنة لعملهم بما يسمعونه مما لا يجوز العمل به. ولا فرق بين المظنتين،
ولا بين ما يستلزمان من اعتقاد العامي مما لا يجوز.
ومنها: علم الكلام، فإن فيه من الشبه والأقوال الباطلة ما لم يكن في غيره من العلوم، حتى أن أهله يحكون فيه أقوال اليهود والنصارى، ومذاهب المعطلة والملحدة، والزنادقة. وقراءتها في المساجد مكانه لحضور العامة المستلزم لا عتقاده مذهبا كفريا، فالتخرج من قراءتها في المساجد أولى من التحرج من قراءة السنة فيها، التي هي أقولا المصطفي، وبيان أفعاله، وهكذا علم أصول الفقه؛ فإنه لا يخلوا عن مباحث إذا سمعها العامي واعتقدها وقع فيما لا يحل، كما يقع بين علمائه من المراجعات في علل القياس، وما فيها من الأمثلة التي لا يراد منها حقيقتها، وإيراد مبطلاتها من المنع، والنقض، والكسر، والقدح، والمعارضة، وغيرها.
وكذلك ما في مقدماته من المسائل التي هي أمهات علم الكلام، ومنها علم المنطق، وعلم الرياضي، وعلم الإلهي، وعلم الطبيعي، فإن المفسدة في سماع العامي لهذه العلوم أشد من المفسدة في سماع ما تقدم من غيرها. الأمر الخامس: أن الأدلة الدالة على وجوب تبليغ الأحكام على علماء هذه الأمة قاضية بوجوب مطلق التبليغ (1) من غير قرق بين عامة المسلمين وخاصتهم، ولا سيما وقد
(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (3461) عن عبد الله بن عمرو قال أن رسول الله قال: " بلغوا عني ولو آية وحدثوا ن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
وأخرج البخاري في صحيحه (1/ 194معلقا الباب رقم 34) كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر ابن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني حفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا.
وقد حث صلى الله عليه وسلم على طلب العلم وحضور مجالسه:
أخرج البخاري في صحيحه رقم (66) ومسلم رقم (2176) عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذا أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة، فجلس فيها وأما الآخر، فجلس خلفهم، وأما الثالث، فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله وأما الآخر، فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ".
قال القرطبي في المفهم (5/ 508): فقيه: الحض على مجالسة العلماء ومداخلتهم، والكون معهم، فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم. وفيه: التحلق لسماع العلم في المساجد حول العالم، والحض على سد خلل الحلقة، لأن القرب من العالم أولى، لما يحصل من ذلك نم حسن الاستماع والحفظ، والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة يتم الصف الأول فإن كان نقص ففي المؤخر. قال تعالى:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وقال تعالى: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
قال ابن حجر في الفتح: (1/ 141): يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم ورفعه الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب. وبها ترتفع الدرجات، ورفعنها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة. وقوله تعالى:(رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم. والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه.
وقال البخاري في صحيحه (1/ 159 - 160) الباب رقم (10): العلم قبول القول والعمل، لقوله تعالى:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ): فبدأ بالعلم، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحط وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله به طريقا إلى الجنة وقال سبحانه وتعالى:(يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وقال سبحانه: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وقال سبحانه:(هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) قال النبي صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه "" وإنما العلم بالتعلم. .... ".
ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم مدح " من بلغ مقالة. ...............................
كما سمعها " (1)، فمن ادعى اختصاص ذلك بالخاصة فعليه الدليل. لا يقال إن هذه المصلحة قد عارضتها مفسدة، وهي ما يعتقده العامي مما لا يجوز لأنا نقول: المروض أن العالم المتصدر للتحديث يقوم ببيان كل ما يحتاج إلى البيان فلا مفسدة.
[منقولة من خط المجيب العلامة محمد بن علي الشوكاني - أبقاه الله، وبارك في عمره - وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وسلم](2)
[كمل من خط المؤلف والمجيب القاضي العمدة الفهامة عز الدين والمسلمين محمد علي الشوكاني حفظه الله كما حفظ به الذكر المبين، وجعله قرة عين للعالمين. وأحيا به شريعة سيد المرسلين، وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل ما جزى محمد عن أمته. آمين آمين](3).
(1) أخرج أحمد (1/ 437) والترمذي في السنن (2657) وابن ماجه (232) عن عبد الله بن مسعود: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نضر الله أمرء سمع منا حديثا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع " وهو حديث صحيح.
وأخرج أحمد (5/ 183) وأبو داود رقم (3660) والترمذي رقم (2656) وابن ماجه رقم (230) من طريق. عن زيد ابن ثابت: " رحم الله امرءا سمع حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث خصال، لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ".
وهو حديث صحيح واللفظ لأحمد.
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
زيادة من المخطوط (أ).