المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٦

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌جواب سؤالات وردت من بعض العلماء

- ‌جواب سؤالات وصلت من كوكبان

- ‌بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة

- ‌رفع الأساس لفوائد حديث ابن عباس

- ‌تحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل

- ‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

- ‌جواب عن الذكر في المسجد

- ‌سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع الدين لا فطنة لهم؟ وجواب الشوكاني عليه

- ‌إشراق الطلعة في عدم الاعتداد بإدراك ركعة من الجمعة

- ‌اللمعة في الاعتداد بإدراك الركعة من الجمعة

- ‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

- ‌الدفعة في وجه ضرب القرعة

- ‌بحث في الكسوف

- ‌جواب على سؤال ورد من بعض أهل العلم يتضمن ثلاثة أبحاث:1 -بحث في المحاريب2 -بحث في الاستبراء3 -بحث في العمل بالرقومات

- ‌الصلاة على من عليه دين

- ‌شرح الصدور في تحريم رفع القبور

- ‌جواب سؤالات وردت من تهامة

- ‌سؤال عن لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات

- ‌إفادة السائل في العشر المسائل

الفصل: ‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

تأليف محمد بن علي الشوكاني.

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 2829

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: (بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد).

2 -

موضوع الرسالة: فقه الصلاة.

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على كل حال والاستعاذة به من الابتداع والجهل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه خير صحبه وآل.

أما بعد: فما تكونون أيها الأعلام العارفون بين الحلال والحرام. ..

4 -

آخر الرسالة:. .. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية والله ولي التوفيق ثم في الأصل كتبه المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له. انتهى.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

عدد الصفحات: أربع صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 30 - 32 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 14 - 16 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الخامس من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 2831

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على كل حال، والاستعاذة به من الابتداع والجهل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه غير صحبة وآل.

أما بعد:

فما تقولون أيها الأعلام العارفون بين الحلال والحرام في شأن ما صار يفعله في أحد جوامع بلدة من الجهات اليمنية المحفوظة من الله بالبركات والخيرات السنية، وذلد أن المذكورين يسمعون المؤذن ينادي بالآذان للصلاة المكتوبة فيبادر أحدهم إلى ناحية المسجد المذكور، فيقيم الصلاة، ويصلي تلك الصلاة إماما، فيقتدي به الحاضرون من عامة الناس غالبا، ثم يصلي أكثر الخواص خلف إمام الرتبة. وفي بعض اللأيام يقع مثل هذا في صلاة الصبح، والحال إن الحاضرين في وقتها إناس قليل. وأما في وقت العشاء فما زال يستبق الجماعة المذكرون ليفعلها في كل ليلة قبل أن يبادر بالآذان والمؤذن الراتب، وربما فعلوها قبل تيقن دخول وقتها،، ويشروعنها جماعتين أو أكثر تارة معا كل من الجماعتين في ناحية من المسجد، وتارة مرتبا. وقد يحضر في بعض الحالات أحد المذكورين عند شروعهم في صلاة الجماعة المذكورة فيتنحى إلى جانب المسجد لم يشرع جماعة جماعة أخرى، فتقام الصلاة خاف إمام الراتب، وقد تفرق الأكثر ممن كان في المسجد من الناس، ولم يبقى إلا الأقل.

ومن ذلك إن إناس يتطوعا بصيام أيام في شهر رجب، فيبادرون بصلاة المغرب جماعة في المسجد المذكور، مع إن في النفس شيئا من الهجوم على ذلك قبل تيقن استكمال غروب قرص الشمس، على أن كثير من الصائمين المذكورين لذلك يأخرون الأفطار إلى بعد تمام الصلاة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وكذا صار بعض المذكورين حواصبا (1) على فعل صلاة العصر جماعة عقيب صلاة الجماعة، مداوما على

(1) الحاصب: الريح الشديدة تحمل التراب والحصباء.

الحاصب: العدد الكثير من الرجالة. "لسان العرب"(3).

ص: 2835

ذلك في كل أسبوع لغير عذر شرعي، ويقتدي به في ذلك كثير من العوام، وإذا انكر عليهم أحد ولو من أهل بيت النبوة عليهم السلام أو من شيعتهم الكرام أجابوا عليه بما يتمثل به الطغام، الذين قال لهم: قال الله تعالى، قال رسول الله: كل يصلي كيف ما شاء الله، والسر القبول. فما يقول العلماء في هذه الحركات المستنكرة المبتكرة المجانبة لما وردا عن نبينا المصطفى - صلى الله وسلم عليه وعلى آله الخيار - وأصحابه أهل الصدق والوفاء فهل يذجر من ظهر منهم الأصرار ردعا له عن ذلك، وعن التفريق بين المؤمنين المنهي عنه، إذا هو مما اتخذا لأجله بنو غنم بن عوف (1) مسجد الضرار فاقتدوا في [ ...... ](2) وأكشفه عن وجه البدعة النقاب - لا برحتم أهل جلاء المشكلات وحل المعضلات؟ - نعم وقد كرر بعض الجهابذة أن من جملة الكبائر التعدي على وظيفة غمام الراتب فيه قهرا على صاحبها، لأنه من غصب المناصب، وهو أولى بالكبيرة من

(1) قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[التوبة: 107].

* قال الطبري في "جامع البان "(7 /ج11 - 24): والذين ابتنوا مسجدا ضرارا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرا بالله لمحادتهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفرق به المؤمنين ليصلي فيه بعضه دون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعضهم في مسجد رسو الله صلى الله عليه وسلم، فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا:(وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) يقول: واعدادا له، لأبي عامر الكافر الذي خالف الله ورسوله وكفر بهما وقاتل رسول صلى الله عليه وسلم، من قبل، يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد، وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزب الأحزاب، يعني حزب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خذله الله، بحق الروم يطلب النصر من ملكهم على نبي الله وكتب إلى أهل مسجد الضرار يأمرهم ببناء المسجد. .. ".

وانظر: "السيرة النبوية " لابن هشام (4). "الدر المنثور"(3 - 277).

(2)

كلمة الغي مقروءه في المخطوط.

ص: 2836

غصب الأموال، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يأمن الرجل في سلطانه (1) ونصوا على أن غمام المسجد الراتب أحق من غيره وإن [ ..... ](2) بفضله، وأنه يبعث له ندبا إذا ابطأ ليحجب أو يأذن له في الإمامة.

وقال الماوردي (3): إن كان المسجد له إمام راتب بولاية لم يجز لمن دخله أن يقيم فيه

(1) أخرجه في صحيحه رقم (582) من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو مرفوعا.

(2)

كلمة غير واضحة في المخطوط.

(3)

في "الحاوي"(3).

قال الشافعي في "الأم"(1): وإذا كان للمسجد راتب ففاتت رجلا - أو رجالا - في الصلاة، صلوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه ".

وقد استدل المانعون بالمنقول والمعقول:

المنقول: انظر الآية (107) من سورة التوبة - وقد تقد توضيحه - السنة النبوية وقد تقدم ذكر كثيرمن الأحاديث في ذلك.

نذكر منها أيضا: عن أبي بكرة رضي الله عنه: "أن رسول الله أقبل من نواحي المدينة، يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله، فصلى بهم ". وهو حديث حسن. انظر: "تمام المنة "(ص155).

ووجه الدلالة منه: أنه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوي.

-وكذلك استدلوا بالآثار:

منها: تقدم قول الشافعي " الأم"(1).

ومنها: مأخرجه ابن أبي شيبة (2) وعبد الرزاق في مصنفه (3 رقم 3425) و (3426) وذكره السرخسي في "المبسوط"(1، 161).

عن الحسن البصري قال: " كان اصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد وقد صلي فيه صلوا فرادى".

وانظر: "المدونة الكبرى "(1). " إعلاء السنن"(4)

ثم استدلوا بالمعقول:

قالوا عن الجماعة الثانية يؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة. لأن الناس أن الجماعة تفوتهم يعجلون أدائها ويحرصون على شهودها مع الإمام، فتكثر الجماعة وإذا علموا أنها لا تفوتهم، يتأخرون فتقل الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه. وقال الشافعي في "الأم" (1):

"وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان اتفرق الكلمة، وأن يرغب الرجل عن الصلاة خلف الإمام جماعة فيتخلف ومن أرد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فصلوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة، وفيها المكروه ". وقد علق أحمد شاكر على كلام الإمام الشافعي بقوله: "والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب صحيح جليل ينبي عن نظر ثاقه، فهم دقيق وعقل دراك لروح الإسلام ومقاصده، وأول مقصدا للإسلام ثم أجله وأخطره:

- توحيد كلمة المسلمين.

- جمع قلوبهم في غاية واحدة، هي إعلاء كلمة الله.

- توحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية. والمعنى الروحي في هذا اجتماعهم على الصلاة، وتسوية صفوفهم فيها أولا كما قال رسةل صلى الله عليه وسلم:"لا تسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجهكم "تقدم.

- أخرجه البخاري رقم (717) ومسلم رقم (436) عن النعمان بن بشير رفعه. ثم قال: وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار تفرق جماعتهم في الصلاة واضطرب صفوفهم، ولمسوا، ذلك بأيديهم، إلا من بطلت حاسته. وطمس على بصره وإنك لتدخل كثيرا من مساجد المسلمين. فترى قوما يعتزلون الصلاة مع الجماعة طلبا لسنة - كما زعموا!!. ثم يقمون جماعات أخرى لأنفسهم، ويضنون أنه يقمون الصلاة بأفضل مما يقمها غيرهم، ولئن صدقوا، لقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم فلا ينفعهم ما ظنوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السنن أو المندوبات وترى قوما آخرين يعتزلون مساجد المسلمين، ثم يتخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضرارا، وتفريقا للكلمة، وشقا لعصى المسلمين. ثم قال: وكان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنهم أن إعادة الجماعة في المسجد جائزة مطلقا إن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامة مثل الجامع الأزهر، والمسجد المنسوب للحسين رضي الله عنه وغيرهما بمصر.

. ففي الجامع الأزهر مثلا إمام للقبلة القديمة، وآخر للقبلة الجديدة. ونحو ذلك في مسجد الحسين. وقد رأينا فيه أن الشافعية لهم إمام يصلي بهم الفجر في الغلس والحنفيون لهم آخر يصلي بهم الفجر بإسفار ورأينا كثيرا من الحنفيين من علماء وطلاب وغيرهم، ينتظرون إمامهم ليصلي بهم الفجر. ولا يصلون مع إمام الشافعين والصلاة قائمة والجماعة حاضرة، ورأينا فيهما وفي غيرهما جماعات تقام متعدة في وقت واحد وكلهم آثمون. "جامع الترمذي"(1 - 432 هامش).

وانظر: "رحلة الصديق إلى البيت العتيق"(ص137) هامش ط الهندية.

تنبيه: قيود لمن قال بالمنع: ذهب منعه الجماعة الثانية إلى تفصيل في المنع فنتعوها في حالات دون أخرى ومن هذه القيود:

*أن يكون للمسجد إمام راتب. وهو من نصبه من له ولاية نصبه من واقف أو سلطان أو نائبا في جميع الصلوات أو بعضها وذلك بأن يقول: جعلت إمام مسجدا هذا فلانا. انظر: " بلغة السالك لأقرب المسالك "(1). *وقال الشيرازي في " التنبيه"(ص38): وإن كان للمسجد إمام راتب كره لغيره إقامته الجماعة فيه. وقال النووي في "المجموع"(4): "إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعات الثانية والثالة وأكثر بالإجماع ". - قال الإمام الشافعي في "الأم"(1180): وإنما أكره هذا - أي الجماعة الثانية - في كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحيته لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه المارة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه، لأن ليس فيه المعتى الذي وصفة من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل، فيتخذون إماما غيره ".

* قال العيني في "عمدة الفاري"(5): "وحاصل مذهب الشافعي أنه لا يكره أي: الجمع بعد صلاة الإمام الراتب في المسجد المطروق ". وانظر: "روضة الطالبين "(1). "المبسوط"(1). - وأما أدلة المجيزون للجماعة الثانية في مسجد قد صلي فيه مرة

*الحديث النبوي: " صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفذ بخمسة وعشرين درجة ". قال الشيخ الألباني: "استدلوا بأطلاق أي أنهم فهموا أن (أل) في كلمة الجماعة للاستغراق، أي ان كل صلاة جماعة في المسجد تفضل صلاة الفذ، ونحن نقول بناء على الأدلة السابقة - ذكرها الشوكاني - إن (أل) هذه ليس للاستغراق، وإنما هي للعهد، أي أن صلاة الجماعة التي شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم وحض الناس عليها، وأمر الناس بها، وهدد المتخلفين عنها بحرق بيوتهم، ووصف من تخلف عنها بأنه من المنافقين هي صلاة الجماعة التي تفضل صلاة الفذ وهي الجماعة الأول.: مجلتنا " الأصالة" عدد (3، 14) 15 رجب سنة 1415 ه (ص90 - 101). *الحديث الثاني وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلي وحده فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟، فصلى معه رجل ". والاستدلال به ممنوع، فإن هذا الحديث يدل على تكرار الجماعة التي هي جماعة صورية، فإن الذي فرغ من صلاته، إذا صلى مع من لم يصل صلاته، يكون متنفلا ولم يكره أحد من العلماء، وأما الجماعة الحقيقية، بأن الإمام والمقتدي يجمعون، وهم لم يصلوا قبل ذلك فلا يدل الحديث على جوازها. أعلم أن صلاة الجماعة عبادة في وقت معين فلا تقضى (وقضاءها هنا تكرارها) إلا بأمر جديد، والأمر الأول إنما هو متعلق بالإمام الراتب، ويؤيده هدي السلف وحرصهم على الجماعت معهم. والراجح هو ما ذهب إليه المكرهون ولكن مع تحقق العلة المذكورو حيث تفرقة الكلمة أو تقاعد القوم عن الجماعة الأولى ولا يكون ذلك إلا في مسجد له إمام ومؤذن راتبا. وانظر تفصيل ذلك من خلال الأدلة وأقوال العلماء في هذه الرسالة. وانظر: "المبدع (2).

ص: 2837

جماعة لما فيه من التقاطع وشق العصا وتفريقاة الجماعة وتشتيت الكلمة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى [1ب].

ص: 2840

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الأكرامين وصحبه وسلم.

اعلم أن ما سأل عنه السائل من صدور ما يصدر عن بعض المبتدعين (1) من تفريق جماعة المسلمين في المساجد التي تقام فيها جماعة كبرى مع إمام يؤم بهم، فيأتي بعض من لا رغبة في تكاثر الثواب، وتعاظم الأجر، فيعمل هو وواحد أو اثنين أو أكثر إلى جانب المساجد فيجتمعون، فلذا من عمل الآخرة إلى إشغال الدنيا، أو تثاقلا لطاعة، وزهدا في الأجر لعظيم، ورغوبا عن هدى النبوة، وما استمر عليه العمل في أيام الرسالة، وأيام الخلفاء الراشدين. والحاصل أن مثل هذا لا يحل من وجوه:

الأول: أنه لم يسمح في أيام النبوة أن رجلا ترك الجماعة الكبرى في المسجد الذي تقام فيه، وبادر بجماعة قبل قيام الجماعة الكبرى، ولا يمكن أحد أن يمكر ذلك البتة.

الوجه الثاني: أنه قد صحة الأدلة كتابا وسنتة في النهي عن التفريق على العموم (2)

(1) قيل أن أول ظهور تعدد الجماعات في المسجد الواحد كان في القرن السادس الهجري ولم بكن في القرون التي قبله.

انظر: "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك " لشيخ عليش المصري (1 - 94) ط: 1378 ه.

(2)

(منها): قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].

(ومنها): قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: 103].

(ومنها): قوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى: 13].

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (60) من حديث عرفجه الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجلا واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ".

ص: 2841

وهو منه، بل أقبح أنواعه.

الوجه الثالث: أنه قد ثبت وصح ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هم بأن يحرق على المتخلفين عن الجماعة الكبرى بيوتهم بالنار ". كما ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من طرق، ومثل هؤلاء الذين سبقوا الجماعة الكبرى بالتجميع، ثم ذهبوا إلى

(1) أخرجه البخاري رقم (644) ومسلم رقم (251/ 651).

(2)

كمالك (1 رقم 3) واحمد (2) وأبو داود رقم (548، 549) والنسائي (2) وابن ماجه رقم (791). وهو حديث صحيح.

قال الحافظ في " الفتح"(2): من فوائد وبركات صلاة الجماعة:

1 -

إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة.

2 -

والتبكير في أول الوقت.

3 -

المشي إلى المسجد بالسكينة.

4 -

دخول المسجد داعيا.

5 -

صلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة.

6 -

انتظار الجماعة وما فيها من أجر. قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة " أخرجه البخاري رقم (647) من حديث أبي هريرة.

7 -

صلاة الملائكة، واستغفارهم له.

8 -

شهادتهم له.

9 -

إجابة الإقامة.

10 -

السلام من الشيطان حين يفر من الإقامة.

11 -

الوقوف منتظرا إحرام الإمام، أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها.

12 -

إدراك تكبيرة الإحرام كذلك.

13 -

تسوية الصفوف، وسد فروجها.

14 -

جواب الإمام عند قوله، سمع الله لمن حمده.

15 -

الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه. .

16 -

حصول الخشوع، والسلامة عما يلهي غالبا.

17 -

تحسين الهيئة غالبا.

18 -

احتفاف الملائكة به.

19 -

التدريب على تجويدالقراءة وتعليم الأركان والأبعاض.

20 -

إظهار شعائر الإسلام.

21 -

إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة.

22 -

السلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن بأنه ترك الصلاة رأسا.

23 -

رد السلام على الإمام.

24 -

الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص.

25 -

قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات.

فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كلا منها أمر أو ترغيب يخصه وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الانصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة.

*قال السيد مهدي الكلاني: "دل هذا الحديث بعبارة النص على أن الجماعة الأولى هي التي ندب إليها الشارع، فلو كانت الثانية والثالثةإلى غير ذلك مشروعة لم يهم بإحراق بيوت من تخلف عن الجماعة الأولى لاحتمال إدراكه الثانية أو الثالثة وهلم جرا، فثبت به أن وجوب الإتيان إلى الجماعة الأولى يستلزم كراهة الثانية في المسجد الواحد حتما بتة. .. ".

انظر التعليق على "الحجة على أهل المدينة"(1/ 81). "إعلاء السنن"(4/ 246 - 247).

ص: 2842

بيوتهم وخرجوا من المسجد أشد تفريقا للمسلمين، وإعراضا عن جماعتهم من المتخلفين عن المسجد الذين يصلون جماعة من غير حدود، وأعظم مواحشة بين المؤمنين وإيغالا لصدورهم، ومخالفة بين قلوبهم.

الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أنكر على من لم يدخل الجماعة معتذرا بأنه قد صلى في رحله، ثم أمر بالدخول مع جماعة من المسلمين كما ثبت في الحديث يزيد بن الأسود (1)، وأبي ذر، وعبادة لئلا يتظهر بمخالفة المسلمين في

(1) أخرجه أحمد (4 - 161) والترمذي رقم (219) والنسائي (2 - 113 رقم 858) وابو داود رقم (575) وابن حبان رقم (1565) والبيهقي في "السنن الكبرى "(2، 301) والحاكم في "المستدرك"(1). وهو حديث صحيح.

ص: 2843

عدم الدخول في جماعتهم. وهذا الذي قام قبل قيام الجماعة الكبرى في المسجد، ثم صلى هو وجماعة هو أشد تظاهرا بمخالفة المسلمين، وأعظم ابتداعا.

الوجه الخامس: قد ثبت النهي عن الخروج من المسجد بعد النداء (1) وذلك لأنها مخالفة للمسلمين وتفريقا لجماعتهم، وإعراضا عن الطاعة. والذي يسابق الجماعة، واعتزل جميع المسلمين أشد مخالفة، وأعظم تظهرا بما يخالف ما هو من أعظم مقاصد الشارع.

الوجه السادس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بتسوية الصفوف، ويقول:"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلبوكم ". وهو في الصحيح (2)، فجعل الاختلاف في التساوي في الصف علة لاختلاف القلوب، وهذا الذي قام يصلي قبل قيام جماعة الكبرى يتسبب عن فعله من اختلاف القلوب زيادة على ما يسبب عن الاختلاف في الاصطفاف.

الوجه السابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صح عنه النهي للمنتظرين لصلاة أن يقوم قبل أن يروه، وهو في. ......................

(1) أخرج مسلم في صحيحه رقم (655) وأبو داود رقم (536) والترمذي رقم (204) وقال حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (685) وابن ماجه رقم (733) وهو حديث صحيح.

عن أبي الشعفاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة، أما هذا فقد عصى أبا القاسم.

انظر: "فتح الباري"(2) باب رقم (24).

(2)

أخرجه البخاري رقم (717) ومسلم رقم (436) من حديث نعمان بن بشير.

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (723) ومسلم رقم (433) ومن حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (664) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يتحلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ".

وهو حديث صحيح.

ص: 2844

الصحيحين (1) وغيرهما.؟ فكيف بمن قام وانفرد واحد أو أكثر بجمعة مستقلة!.

الوجه الثامن: أنه قد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أما يخشى إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله راسه برأس حمار، أو يحول الله صورته صورة حمار "وهو في الصحيحين (2) وغيرهما (3). وسبب ذلك ما فيه من المخالفة للإمامة فكيف من اعتزال جماعة من المسلمين وصلى في مسجدهم [2أ] منفردا أو جماعة المسلمين!.

الوجه التاسع: أنه قد ثبت: " أن صلاة الرجل مع الرجل أذكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أذكى من صلاته مع الرجل "(4) ثم كذلك ما كثرت الجماعة

(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (637) وطرفاه رقم (638، 909) ومسلم في صحيحه (604) من حديث عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ".

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (691) ومسلم رقم (427).

(3)

كأحمد (2) وابو داود رقم (623) والترمذي رقم (582) والنسائي (2).

قال القرطبي في "المفهم "(2): ومقصود هذا الحديث الوعيد بمسخ الصورة الظاهرة أو الباطنة على مسابقة الإمام بالرفع، وهذا يدل على أن الرفع من الركوع والسجود مقصود لنفسه وأنه ركن مستقل كالركوع والسجود. وقال الحافظ في "الفتح" (2): وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقبات، وبذلك حزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (554) وفي النسائي (2 رقم 843) وابن حبان في صحيحه رقم (2056) والطيالسي رقم (554) والدارمي (1) وابن خزيمة (2 رقم 1477) والحاكم (1 - 248) والبيهقي في "السنن الكبرى"(3، 67، 68) وأحمد (5) وعبد الرزاق في " المصنف (1 رقم2004) من طرق، وقال ابن حجر في"التلخيص" (2 رقم 554): "وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم وذكر الاختلاف فيه وبسط ذلك، وقال النووي: أشاره على بن المديني على صحته. وعبد الله ابن ابي بصير قيل: لا يعرف لأنه ما روي عنه غير أبي إسحاق السبيعي. قلت: لم يوثقه إلا ابن حبان (5) والعجلي (ص251) لكن أخرجه الحاكم من رواية العيزار بن حريس عنه فارتفعت جهالة عينه، وأورد له الحاكم شاهدا من حديث قباث بن هشيم وفي إسناد نظر. .. ". والخلاصة: أن الحديث حسن

ص: 2845

فهذا الذي صلى وهو ومن معه قبل قيام الجماعة الكبرى قد أحرم نفسه، وأحرم من معه الأجر الأعظم، والثواب الأكثر معا ما عليه من إثم الابتداع، وإثم تفريق جماعة المسلمين.

الوجه العاشر: أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن منتظر الصلاة في صلاة "(1) فهذا الذي قام يصلي بجماعة أو مفردا قبل قيام الجماعة الكبرى قد فات الأجر العظيم هو ومن خدعه بالقيام معه، فإنه كانوا في صلاة بالانتظار لقيام الجماعة، فأخرجه هذا المبتدع، وأحرم نفسه الأجر العظيم وصار هو وهم بما فعلوه من التفريق مبتدعين، فبينما هم في طاعة حكم الصلاة في الأجر إذا صاروا في بدعة استحقوا بسيئها الوزر.

الوجه الحادي عشر: أنه قد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "النهي عن الاختلاف عن الأئمة، وأن ذلك سبب اختلاف الصور والقلوب ". كما ثبت في الصحيحين (2). ...............................

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (647) ومسلم رقم (649) وأبو داود رقم (559) والترمذي رقم (603) وابن ماجه رقم (876) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه به خطيئته، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صلي عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة

(2)

أخرج البخاري رقم (717) ومسلم في صحيحه رقم (436) من حديث النعمان بن بشير النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ".

ص: 2846

وغيرهما. ولا شك ولا ريب أن هذا الاعتذال عن الجماعة الكبرى قبل قيامها له مدخل في التأثير في اختلاف القلوب، وإغار الصدور، والمواحشة بين المسلمين زيادة على ما في تلك المخالفة المذكورة في الحديث.

الوجه الثاني عشر: أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه نهى الذي ركع قبل أن يصل في الصف، وقال له: زادك الله حرصا ولا تعد (1) ووجه ذلك ما فيه نوع من التخالف الذي ثبت النهي عنه. ولا شك أن الانفراد بجماعة مستقلة قبل قيام الجماعة الكبرى في ذلك المسجد فيه من الختلاف التفريق ما لا يشك فيه ومن المواحشة بين جماعة المسلمين، وتكدير خواطرهم، وتنكيد صدورهم ما لا يخفي على الفطن. والحاصل أن جمع القلوب، والتأليف بين المسلمين وقطع ذرائع التفريق، والتخالف مقصد من مقاصد الشرع عظيم، وأصل من أصول هذا الدين كبير. يعرف ذلك من يعرف ما كان عليه الهدي النبوي، وما تطابقت عليه أدلة القرآن والسنة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرى مدخلا من مداخل الاختلاف، ولا بابا من الابواب الموصلة غل التفريق، والتخالف إلا قطع ذريعته وهتك وسيلته، وسد ".

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (783) وابو داود في "السنن"(684) عن أبي بكرة رضي الله عنه انه انتهى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل على الصف فقال له النبي زادك الله حرصا ولا تعد".

ص: 2847

بابه، وردم مدخله. لا يشك في هذا شاك، ولا يمتري في ممتر حتى كان ذلك ديدنه وهجيراه في جميع شؤونه. انظر وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أنه خرج على أصحابه رضي الله عنهم وهم يختلفون في القرآن فقال:" اقرؤا في كل حسن "(1) وأرشدهم في موطن أخر أنهم يقرؤون ما دامت قلبوهم مؤتلفة غير مختلفة (2)

وبالجملة لو تعرضنا لجميع الأدلة الدالة على أن الاختلاف من أعظم المنكرات في جميع الحالات، وعلى كل التقديرات لطال زيل هذا الجواب إلى غاية، وبعد الوصول فيه إلى نهاية، ولكن اقتصرنا ها هنا على ما ذكر وما ورد من قطع ذرائع الاختلاف في خصوص الصلاة.

الوجه الثالث عشر: ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه خرج على أصحابه فرآهم حلقا متفرقين فقال: ما لي أراكم عزين (3) "أي متفرقين مستخلفين بكثر الراء وتخفيفها جمع عزة هي الجماعة المتفرقة. أخرجه مسلم (4) وأحمد (5)

(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (5062) عن عبد الله أنه سمع رجلا يقرأ آية، سمع النبي صلى الله عليه وسلم خلافها فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" كلا كما محسن فاقرآ " أكبر علمي قال: " فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم ".

(2)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (5060) وأطرفه رقم (5061، 7364، 7365) ومسلم رقم (2667). عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرؤا القرآن ما ائتلفت قلبوكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه ".

(3)

(عزين) جمع عزة، وهي الحركة المجتمعة من الناس، وأصلها عزوة فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس، كتبين وبرين في جمع تبة وبرة. "النهاية "(3).

(4)

في صحيحه رقم (119).

(5)

في "المسند"(5).

ص: 2848

وأبو داود (1)، والنسائي (2)، وابن ماجه (3). ففي [2ب] هذا الحديث ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن كان له أدنى بصيرة، وأقل فهم للحق ورجوع إليه، وإقلاع عن الباطل فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر عليهم مجرد التفريق في المسجد، ووقوف كل طائفة وحدها منفردة عن الأخرى، مع أنهم سيجمعون في صلاة واحدة، وعلى إمام واحد، فكيف لو كان هذا التفريق بأن تصلي كل طائفة وحدها معتزلة عن الجماعة الكبرى! فإن هذا أعظم شأنا لاختلاف القلوب، والتفرق في الدين، والمواحشة بين المؤمنين، لا يشك في ذلك من له أدنى معرفة للمقاصد الشرعية، وأقل بصيرة تفهم بها مدلولات الكلمات النبوية.

وأما من طبع على قلبه يطابع التعصب، وعلى صدره الرين فهو بعيد عن الانقياد للحق، والإذعان للصواب. وهذا الاستفهام منه صلى الله عليه وآله وسلم هو استفهام استنكار وتوبيخ وتقريع، وهو يحمل النهي والمتبالغ عن الكون عن تلك الحالة التي رآهم عليها. هذا جواب السائل في مجرد التجميع من البعض قبل قيام الجماعة الكبرى في ذلك المسجد. أما لو كان الانفراد بالتجميع حال قيام الجماعة (4) الكبرى فهذا أشد منكر

(1) في " السنن " رقم (129).

(2)

في " السنن "(3/ 4) مختصرا.

(3)

في " السنن " رقم (1045). كلهم من حديث جابر بن سمرة. وهو حديث صحيح. قال القرطبي في " المفهم "(2/ 62): " مالي أراكم عزين " جماعات في تفرقة وأمرهم بالائتلاف، والاجتماع، والاصطفاف كصفوف الملائكة وهذا يدل على استحباب تسوية الصفوف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه من تمام الصلاة من حديث أنس وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم (719) ومسلم رقم (433).

(4)

انظر: حاشية اين عابدين (2/ 37). بتحقيقنا.

ص: 2849

وأعظم ابتداعا، وأكثر إثما على من بلغه ذلك إن رآه أن ينزل بهم صودا من العنوفة، وطرقا من التأديب الشرعي. وأما سأل عنه السائل - أرشده الله - عن قيام جماعة من الناس يصلون العصر جماعة بعد الفراغ من صلاة الجمعة في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة، فهذا فعل للصلاة قبل دخول وقتها. والمقرر على العامة بدعائهم إلى القيام إلى الصلاة في ذلك الوقت يستحق العقوبة البالغة، وهذا الأمر منكر مجمع عليه بين جميع المسلمين، وحرام لا يخالف فيه أحد من هذه الأوجه، فإنه إنما سوغ الجمع تقديما للمسافر (1) على ما فيه من ضعف أدلته واحتمالها. والحق تحقيق الصواب الذي صح في

صيغ المسافر بموضع التأخير لا جمع التقديم. وأما المقيم فلم يقل بذلك أحد، ولا أجازه مجيز إلا إذا كان له عذر من مرض أو نحوه، على ما في ذلك من التفاصيل التي لا يتسع المقام لبسطها وأما قيام جماعة على هذه الصفة في جامع من جوامع المسلمين بعد الفراغ من الصلاة الأولى، سواء كانت صفة أو غيرها لغير معذور بين بالأعذار الشرعية فلم يقبل به أحد. وقد جمعنا في هذا رسالة مطولة في أيام قديمة دفعنا بها قول من قال بجواز الجمع مستدلا على ذلك بجمعه صلى الله عليه وآله وسلم من غير مرض، ولا سفر (2). وأوضحنا رواة الحديث فسروه بالحمع الصوري (3) لا بهذا الجمع الذي فهمه من لم يرسخ قدمه في علم.

(1) أخرج البخاري رقم (1112) ومسلم رقم (46/ 704) وأبو عوانة (2/ 351) والبيهقي في " السنن الكبرى "(3/ 161 - 162) وأحمد في " المسند "(3/ 247، 265) والنسائي (1/ 284رقم 586).

عن أنس رضي الله عنه إذا ارتحل في سفره قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ".

الحديث فيه دليل على جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر تأخيرا ودلالة على أنه تلا يجمع بينهما تقديما

وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهبت الهادوية، وهو قول ابن عباس وابن عمر وجماعة من الصحابة، ويروى عن مالك، وأحمد، والشافعي إلى جواز الجمع للمسافر تقديما وتأخيرا عملا بهذا الحديث في التأخير وبما يأتي في التقديم.

عن معاذ رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر معا، والمغرب والعشاء جميعا ".

وهو حديث صحيح أخرجه مسلم رقم (553).

قال الأمير الصنعاني في " السبل "(3/ 118) إلا أن اللفظ محتمل لجمع التأخير لا غير أوله ولجمع التقديم، ولكن. . أخرجه الترمذي رقم (553) وهو حديث صحيح.

عن معاذ قال: " كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا. وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعا ". فهو كالتفصيل لمجمل رواية مسلم. ثم قال: إذا عرفت هذا فجمع التقديم في ثبوت روايته مقال إلا رواية " المستخرج " لأبي نعيم على صحيح مسلم: إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا، ثم ارتحل. وهو صحيح. أنظر " الإرواء "(3/ 33) فإنه لا مقال فيها. وقد قال ابن حزم في " المحلى "(3/ 173) إلى أنه يجوز جمع التأخير لثبوت الرواية به لا جمع تقديم، وهو قول النخعي، ورواية عن مالك وأحمد ثم أختلف في الأفضل للمسافر هل الجمع أو التوقيت؟ ". فقالت الشافعية ترك الجمع أفضل، وقال مالك: إنه مكروه وقيل يختص بمن له عذر. قال ابن القيم في " زاد المعاد " (1/ 481) لم يكن صلى الله عليه وسلم يجمع راتبا في سفره كما يفعله كثير من الناس، ولا يجمع حال نزوله أيضا، وإنما كان يجمع إذا جد به السير، وإذا سار عقيب الصلاة كما في أحاديث تبوك. وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة ومزدلفة لأجل اتصال الوقوف كما قال الشافعي وشيخنا، ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفه، ومن تمام النسك. وأنه سبب. وقال أحمد ومالك والشافعي: إن سبب الجمع بعرفة ومزدلفة السفر، وهذا كله في الجمع في السفر.

(2)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (50/ 705) عن ابن عباس قال: " أنه جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ". قيل لابن عباس: ما أراد من ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته ".

(3)

قال القرطبي في " المفهم "(2/ 346 - 347): أن هذا الجمع يمكن أن يكون المراد به بأخير الأولى إلى أن يفرغ منها في آخر وقتها، ثم بدأ بالثانية في أول وقتها، وإلى هذا يشير تأويل أبي الشعثاء في الحديث الذي. أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1174) ومسلم عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه ". وأخرج البخاري في صحيحه رقم (543) ومسلم رقم (65) من حديث ابن عباس وفيه: " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيا جمعا وسبعا جمعا. أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء ". ويدل على صحة هذا التأويل. أنه قد يفي فيه الأعذار المبيحة للجمع التي هي: الخوف، والسفر والمطر وإخراج الصلاة عن وقتها المحدود لها بغير عذر لا يجوز باتفاق.

ص: 2850

الشريعة. على أنه لم يعمل به أحد من علماء الشريعة كما حكاه الترمذي في آخر سننه (1) فقال: إن صيغ ما في كتابه معمول به إلا حديثين فيه أحدهما (2). وقال الإمام المهدي في البحر (3) مثله ويحرم الجمع لغير عذر قيل إجماعا (4)

(1)(5/ 736كتاب العلل رقم 51).

(2)

غير واضح في المخطوط. وإليك نص كلام الترمذي " جميع ما في هذا الكتاب من هذا الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي وإليك نص كلام الترمذي " جميع ما في هذا الكتاب من هذا الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه " وقد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب.

(3)

(1/ 169).

(4)

انظر " البحر الزخار "(1/ 169).

فائدة: قال القرطبي في " المفهم "(2/ 343): الجمع: إنما هو إخراج إحدى الصلاتين المشتركتين عن وقت جوازها، وإيقاعها في وقت الأخرى مضمومة إليها. وهو إنما يكون في الصلوات المشتركة الأوقات، وهي الظهر، والعصر والمغرب والعشاء، ولا يكون في غيرها بالإجماع. ثم الجمع متفق عليه، ومختلف فيه. فالأول: هو الجمع بعرفة والمزدلفة. والمختلف فيه: هو الجمع في السفر والمطر، والمرض. فأما الجمع فإليه ذهب جماعة السلف وفقهاء المحدثين، والشافعي وهو مشهور مذهب مالك، وهل ذلك لمجرد السفر؟ أو لا بد معه من جد السير قولان: بالأول: قال جمهور السلف، وعلماء الحجاز وفقهاء المحدثين، وأهل الظاهر. وبالثاني: قال مالك والليث، والثوري والأوزعي وأبي حنيفة وحده الجمع للمسافر وكرهه الحسن وابن سيرين، وروي عن مالك كراهيته وروى عنه، أنه كرهه للرجال دون النساء وأحاديث ابن عمر، وأنس ومعاذ - تقدم ذكرها - وهي حجة على أبي حنيفة لكن أبو حنيفة تأولها على أن الصلاة الأولى وقعت في آخر وقتها، والثانية وقعت في أول وقتها، وهذا يجوز باتفاق. وقد جاء في حديث معاذ في كتاب أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء. وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب وهذا حجة ظاهرة للجمهور في الرد على أبي حنيفة. وأما الجمع لعذر المطر: فقال به مالك والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وجمهور السلف: بين المغرب العشاء، وأما بين الظهر والعصر: فقال بالجمع بينهما في المطر الوابل الشافعي، وأبو ثور، والطبري، وأبو حنيفة، وأصحابه وأهل الظاهر. ولليث، من الجمع في صلاتي الليل والنهار. وأما الجمع لعذر المرض فقال به مالك. إذ خاف الإغماء على عقله، وأبي نافع الجمع لذلك، وقال لا يجمع قبل الوقت، فمن أغمي عليه حتى ذهب وقته لم يجب عليه قضاؤه ومنعه أيضًا أشهب، والشافعي. قال الشوكاني في " السيل الجرار " (1/ 185):" ولقد ابتلي زمننا هذا من بين الأزمنة وديارنا هذه من بين ديار الأرض بقوم جهلوا الشرع، شاركوا في بفض فروع الفقه، فوسعوا دائرة الأوقات، وسوغوا للعامة أن يصلوا في غير أوقات الصلاة، فظنوا أن فعل الصلاة في غير أوقاتها شعبة من شعب التشيع وخصلة من خصال المحبة لأهل البيت فضلوا وأضلوا. وأهل البيت رحمهم الله براء من هذه المقالة مصونون عن القول بشيء منها ولقد صارت الجماعات الآن تقام في جوامع صنعاء للعصر بعد الفراغ من صلاة الظهر والعشاء في وقت المغرب وصار غالب العوام لا يصلي الظهر والعصر إلا عند اصفرار الشمس، فيا لله وللمسلمين من هذه الفواقر في الدين ". اهـ

ص: 2852

وفي هذا المقدار لمن له هداية. والله ولي التوفيق. تم في الأصل.

كتبه المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله له - انتهى [3أ].

ص: 2854