المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إفادة السائل في العشر المسائل - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٦

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌جواب سؤالات وردت من بعض العلماء

- ‌جواب سؤالات وصلت من كوكبان

- ‌بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة

- ‌رفع الأساس لفوائد حديث ابن عباس

- ‌تحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل

- ‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

- ‌جواب عن الذكر في المسجد

- ‌سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع الدين لا فطنة لهم؟ وجواب الشوكاني عليه

- ‌إشراق الطلعة في عدم الاعتداد بإدراك ركعة من الجمعة

- ‌اللمعة في الاعتداد بإدراك الركعة من الجمعة

- ‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

- ‌الدفعة في وجه ضرب القرعة

- ‌بحث في الكسوف

- ‌جواب على سؤال ورد من بعض أهل العلم يتضمن ثلاثة أبحاث:1 -بحث في المحاريب2 -بحث في الاستبراء3 -بحث في العمل بالرقومات

- ‌الصلاة على من عليه دين

- ‌شرح الصدور في تحريم رفع القبور

- ‌جواب سؤالات وردت من تهامة

- ‌سؤال عن لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات

- ‌إفادة السائل في العشر المسائل

الفصل: ‌إفادة السائل في العشر المسائل

‌إفادة السائل في العشر المسائل

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3179

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: "إفادة السائل في العشر المسائل ".

2 -

موضوع الرسالة: فقه.

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين. وبعد: فإنه ورد هذا السؤال من الوالد العارف الطالب الراغب الصالح صالح بن محمد بن عبد الله العنسي.

4 -

آخر الرسالة: انتهى جواب شيخنا أدام الله إفادته، وحرس شريف ذاته، وأسعد آماله وأوقاته بقلم السائل الحقير صالح بن محمد العنسي - غفر الله لهما - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم بتاريخ شهر الحجة الحرام سنة (1225هـ).

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد

6 -

الناسخ: صالح بن محمد العنسي.

7 -

عدد الصفحات: 11+ صفحة العنوان.

8 -

عدد الأسطر في الصفحة: 28 - 29 سطرا.

9 -

عدد الكلمات في السطر: 13 - 14 كلمة.

10 -

الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 3181

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين وبعد:

فإن ورد هذا السؤال من الولد العارف الطالب الراغب الصالح صالح بن محمد بن عبد الله العنسي (1) - فتح الله عليه بالعلم والعمل وإياي -، ولفظه:

ما يقول علماء الإسلام، وحفاظ حديث سيد الأنام في أربع سنن علمها السلف ومشي عليها بعدهم الخلف، لم نقف فيما اشتهر من كتب الحديث على دليل منها، هل عليها نص من الشارع لم نقف عليه حتى يجب المشي عليها، أو هي محض عرف ليس في مخلفته بأس؟ أولها: تشيع الجنازة بالتهليل والذكر، ثانيًا: إكرام الحبوب المأكولة وما خبز منها، ثالثها: المشي في السكك والأسواق بدون إزار، رابعها: التنحي عن صدور المجالس لمن كانت فيه خصلة فضل، هذا ونسألكم عن حديث:" أيام التشريق أيام شرب وأكل وبعال " هل لزيادة لفظ وبعال صحة وورود من طريق محفوظ أم لا؟

وأيضا حديث: " رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه " هل له ثبوت أم لا؟

وأيضا نحن نسمع الخطيب يقوم على رأس المنبر في صوم شهر رجب أنه بمزيد الأجر مخصوص، وأن فضل صومه في حديث المختار لمنصوص، ولم تقف فيما اشتهر من كتب الحديث على ذلك النص فبينوه، بل قد قيل: إنه ورد في الحديث النهي عن صيام رجب.

(1) صالح بن محمد عبد الله العنسي ثم الصنعاني. ولد تقريبا على رأس القرن الثاني عشر، وأخذ العلم عن جماعة من أهل العلم.

وقال الشوكاني في " البدر الطالع " رقم (202): وله قراءة علي في الصحيحين وسنن أبي داود وفي بعض مؤلفاتي. توفي 1274هـ بمدينة إب.

" البدر الطالع " رقم (202) و" التقصار "(ص368).

ص: 3185

وأيضا ما قولكم في صلاة المغرب في السفر، هل ورد فيها أثر عن الشارع من قول أو فعل أنها صليت ثلاث أم لا؟

وأيضا رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، هل ورد فيه نص من الشارع قولي غير مجرد فعله أم لا؟

أفيدونا بما يزيح الإشكال - لا عدمناكم على كل حال - والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله انتهى.

أقول: أما تشييع الجنازة بالتهليل والذكر على الصفة التي تقع في مدينة صنعاء وجهاتها من رفع الأصوات على سبيل المناوبة بين المشيعين، يرفع بعضهم حوته قائلا: لا إله إلا الله مرات ثم يسكت، ويرفع البعض الآخر كذا لا. .. إلخ فلم يكن في زمن النبوة من ذلك شيء، بل ولا في القرون الثلاثة التي في خير القرون (1)، بل ولا فيما بعد

(1) قال ابن تيمية: لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا يقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفا.

وقال أيضا: وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون المفضلة وبذلك يتضح لك أن رفع الصوت بالتهليل الجماعي مع الجنائز بدعة منكرة وهكذا ما شابه ذلك من قوله وحدوه أو اذكروا الله أو قراءة بعض القصائد كالبردة.

ثم قال: " وأما كون أهل البلد، أو بلدين، أو عشر: تعودوا ذلك فليس هذا إجماعا بل أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي نزل فيها القرآن والسنة، وهي دار الهجرة والنصر والإيمان والعلم، لم يكونوا يفعلون ذلك، بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء، ولم ينقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو خلفائه، لم يكن إجماعهم حجة عند جمهور المسلمين، وبعد زمن مالك وأصحابه ليس إجماعهم حجة، باتفاق المسلمين فكيف بغيرهم من أهل الأمصار.

وأما قول القائل: إن هذا يشبه بجنائز اليهود والنصارى، فليس كذلك، بل أهل الكتاب عادتهم رفع الأصوات في الجنائز وقد شرط عليهم في شرط أهل الذمة أن لا يفعلوا ذلك.

ثم إنما نهينا عن التشبه بهم فيما ليس من طريق سلفنا الأول، وأما إذا اتبعنا سلفنا كنا مصيبين، وإن شاركنا في بعض ذلك نم شاركنا كما أنهم يشاركوننا في الدفن في الأرض، وغير ذلك.

أنظر: " مجموع فتاوى ابن تيمية "(24 - 295).

ص: 3186

ذلك من أيام السلف الصالح، ولكن لا حرج في ذلك، فإنه [1 أ] من الذكر المندوب إليه في كل حال من غير فرق يبن شخص وشخص، وزمن وزمان، ومكان ومكان.

وأما مجرد كونه بأصوات مرتفعة فليس في ذلك ما يوجب الكراهة، كان خلاف الأولى قد جمع بعض المتأخرين رسالى مستقلة في جواز رفع الصوت بالأذكار، وقد يكون في هذا الرفع بخصوصه فائدة، وهي تذكير الناس بأمر الموت الذي أمر الشارع بالاستكثار من ذكره، وتنشيط السامع إلى القيام إلى تشييع الجنازة، فإن تشييعها سنة صحيحة، وفيه من الأجر العظيم ما تضمنته الأحاديث الواردة في ذلك (1)، وهي معروفة، وأولى من هذا الشعار في هذه الديار عند حمل الجنائز ما صار يفعله أهل الحرمين الشريفين من قول المشيعين للجنازة: كان من أهل الخير رحمه الله، فإن في هذا من الخير للميت والبر به ما هو معروف فيما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث:" من شهد له أربعة، أوثلاثة أو اثنان دخل الجنة " والحديث صحيح (2).

(1) في الهامش ما نصه: وأخرج الديملمي عن أنس أكثروا في الجنازة قول لا إله إلا الله.

فضل تشييع الجنازة:

(منها): ما أخرج البخاري في صحيحه رقم (47 و1325) ومسلم رقم (945) وأبو داود رقم (3168) والترمذي رقم (1040) وابن ماجه رقم (1539) والنسائي (4).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين ".

وفي رواية للبخاري: " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن يرجع بقيراط ".

(ومنها): ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (946) وابن ماجه رقم (1540) من حديث ثوبان رضي الله عنه.

(2)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (3168) و (2643) من حديث أبي الأسود قال: قدمت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فمرت بهم جنازة فأثنوا على صاحبها خيرا، فقال عمر- رضي الله عنه وجبت ثم مر بأخرى فأثنوا على صاحبها خيرا، فقال عمر: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثنوا على صاحبها شرا، فقال عمر: وجبت، قال أبو الأسود فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنه " قال: فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: وأثنان. ثم لم نسأله عن الواحد.

ص: 3187

ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم عند سماعه لمن يثني على الميت بخير: وجبت، ولمن يثني عليها بشر: وجبت. وفي الباب أحاديث في الصحيح (1) وخارجه مما هو صحيح أو حسن (2).

فصنع أهل الحرمين، وإن لم يكن ثابتا في عصر النبوة، وما بعده على هذه الصفة الكائنة الآن عندهم لكنه قد سوغ ذلك الشارع في الجملة، وأخبرنا بما يترتب عليه من النفع للميت الذي صار المشيعون له في حكم الشفعاء إلى ربه أن يغفر له ذنوبه، ويتغمده برحمته. ولهذا ورد فيمن صلى عليه ثلاثة صفوف (3) وفيمن صلى عليه. ...............................

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

أخرج أبو داود في " السنن " رقم (3233) وابن ماجه رقم (1492) وأحمد (2، 498) وابن حبان رقم (3024).

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: مروا على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خبرا، فقال:" وجبت " ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال " وجبت " ثم قال: " إن بعضكم على بعض شهيد ".

وهو حديث حسن.

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (1367) ومسلم رقم (949) والترمذي رقم (1058) والنسائي (4 - 50) وابن ماجه رقم (1491) وأحمد (3، 245) من حديث أنس رضي الله عنه قال: مر بجنازة فأثنى عليها شر فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " وجبت، وجبت، وجبت " ومر بجنازة فأثني عليها شر فقال نبي الله وجبت، وجبت، وجبت. فقال عمر: فداك أبي وأمي. مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت: " وجبت، وجبت، وجبت " ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت: " وجبت، وجبت، وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض ".

(3)

أخرج أحمد (4) وأبو داود رقم (3166) والترمذي رقم (1028) وابن ماجه رقم (1490) من حديث مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من ميت يموت فيصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكون ثلاثة صفوف إلا غفر له ". وهو حديث ضعيف.

ص: 3188

أربعون (1)، وفيمن صلى عليه مائة أنه يكون سببا لمغفرة له (2). والأحاديث في ذلك معروفة فلا نطيل بذكرها.

(1) أخرج مسلم في صحيحه رقم (948) وأبو داود رقم (3170) وابن حبان (3082) وأحمد (1).

من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ".

وهو حديث صحيح.

(2)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (58/ 947). والترمذي رقم (1029) والنسائي (4/ 75 - 76) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين بيلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا ".

وهو حديث صحيح.

ص: 3189

وأما السؤال عن وجه إكرام الحبوب المأكولة، وما خبز منها فلا أحفظ في ذلك دليلا يدل على مشروعية إكرامها دلالة صريحة، وأما ما يستفاد منه ذلك ولو بوجه بعيد، فيمكن أن يقال: حديث النهي عن الاستنجاء بالعظم والبعرة، وهو من حديث جابر عند مسلم (1) وغيره (2) وأخرجه البخاري (3) بلفظ:" ولا تأتني بعظم ولا روث " وفي لفظ له في المبعث من الصحيح: " أنهما من طعام الجن "، وأخرج مسلم (4) وغيره (5) من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأراهم آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أو فر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لداوبكم " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فلا تستنجوا بهم؛ فإنهما طعام إخوانكم ".

وفي الباب أحاديث كثيرة متضمنة للنهي عن الاستنجاء بالعظم والبعر، وفي بعضها التصريح بأن العلة في ذلك هو كونها [1ب] طعام الجن، فزعم بعض أهل العلم أن النهي عن الاستجمار بذلك والتعليل بكونه من طعام الجن يدل على أن له حرمة، فيكون طعام الإنس أولى بالحرمة، وهو مردود بأن العلة هي أنه لما كان طعاما لهم كان الاستنجاء به يقذره عليهم، يمنعهم من أكله، لا يكونه ذا حرمة، فلم يكن في هذه الأحاديث التي وقع التصريح فيها بعلة المنع من الاستجمار بالعظم والبعر أو الروث، وهي أنه طعام الجن دليل على كون الأطعمة تكرم، أو أنها تحترم.

(1) في صحيحه رقم (85).

(2)

كأبي داود رقم (38) وأحمد (3) من حديث جابر: " نهى صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم ".

(3)

في صحيحه رقم (3860).

(4)

في صحيحه رقم (150).

(5)

كالبخاري في صحيحه رقم (773).

ص: 3190

وأما ما يروى مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: " أكرموا الخبز " فهو حديث لا أصل له (1)، بل صرح بعض الأئمة بأنه موضوع (2) باطل. وقد أخرجه ابن أبي حاتم (3) من حديث موسى الطائفي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" أكرموا الخبز " فإن الله أنزله من بركات السماء، وأخرج له من بركات الأرض "؛ وأخرجه البزار (4) والطبراني (5) بأسناد ضعيف من حديث عبد الله ين أم حرام قال: صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعته يقول: أكرموا الخبز، فإن الله أنزله من بركات السماء، سخر له بركات الأرض ومن يتبع ما يسقط من السفرة غفر له " وأخرج ابن [ ...... ] (6) أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبز، فبعث الله عليهم الجزع، حتى إنهم كانوا يأكلون ما يقعدون به "(7).

(1) بل الصواب: أن الحديث ضعيف كما سيأتي لا حقا.

(2)

كابن الجوزي في " الموضوعات رقم (1317) من حديث ابن أم حرام.

(3)

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير "(4/ 12).

وقال الألباني في "الضعيفة "(6): وهذا إسناد ضعيف مرسى الطائفي لم أجد له ترجمة، وليس صحابي، فإن معانا الرواي عنه ذكروا أنه روى عن أبي حرة عن ابن سيرين عن أبي هريرة فهو تابعي أو تابع تابعي، ومعان أبو صالح ذكره العقيلي في الضعفاء وقال: حديثه غير محفوظ ولا يتابع عليه.

(4)

في مسنده (3 رقم 2877 - كشف).

وأورده الهيثمي في " المجمع "(5) وقال: رواه البزار والطبراني وفيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي، ولم أعرفه وصوابه عبد الملك بن عبد الرحمن، وهو ضيعف.

وهو حديث ضعيف.

(5)

انظر التعليقة السابقة.

(6)

كلمات غير واضحة في المخطوط.

(7)

لم أجده بهذا اللفظ.

وقد ذكر عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليمني في تعليقه على " الفوائد في الأحاديث الموضوعة " الشوكاني (ص162) التعليقة رقم (5): " وقد ثبت النهي عن الاستنجاء بالعظام لأنها طعام الجن فطعام الإنسان أولى ".

ص: 3191

وربما يستفاد حرمة الأطعمة من حديث أمره صلى الله عليه وآله وسلم بلعق الأصابع والصفحة، وقوله معللا لذلك: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة. وهو في صحيح مسلم (1) وغيره من حديث جابر، ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مطلق الإكرام، وتعليل اللعق للأصابع والقصعة بتلك العلة يشعر بأن كل جزء من أجزاء الطعام يحتمل أن تكون البركة فيه، سواء كان كثيرا أو قليلا، وبركة الله سبحانه وتعالى لا ينبغي أن تمتهن، بل هي حقيقة بالإكرام والاحترام، ومثله ما أخرجه مسلم (2) وغيره (3) من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث، وقال:" إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذي، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان ". وأمرنا أن نسلت القصعة، وقال:" إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ".

وفي الأمر بلعق الأصابع، وسلت القصعة ما يشير إلى ما ذكرناه من أن المقصود من ذلك الظفر ببركة الله، لا مجرد التنظيف، ولو كان المقصود مجرد التنظيف لكان المسح بمنديل ونحوه كافيا. وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما في الصحيحين (4) وغيرهما (5) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) في صحيحه رقم (133)

عن جابر قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال:" إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ". وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (136).

(3)

كالترمذي رقم (1803) وأبو داود رقم (3845). وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5456). وهو حديث صحيح.

(5)

كأبي داود في " السنن ط (3847) وابن ماجه رقم (3269).

ص: 3192

قال: " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده يلعقها أو يلعقها " وأدل على المقصود من هذه الأحاديث ما أخرجه أحمد (1)، والترمذي (2)، وابن ماجه (3) عن نبيشة الخير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة " قال الترمذي: (4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد، وقد روى يزيد بن هارون وغير واحد من الأئمة عن المعلى بن راشد هذا الحديث انتهى.

قلت: والمعلى بن راشد (5) مقبول، وهذا الحديث فيه أن القصعة تستغفر لمن لحسها، وذلك يشير إلى أن في ذلك قربة يثاب عليها فاعلها، والعلة إما الحرص على بركة الله - سبحانه - وإكرام ما بقي فيها من آثار الطعام بأكله، وعدم تركه للشيطان كما سبق في اللقمة، وفي النهي عن ترك اللقمة للشيطان دليل على أن العلة تشريف اللقمة الساقطة وإكرامها عن أن تترك للشيطان، فيكون في ذلك إرشاد إلى تكريم الطعام، وعدم [2أ] وضعه في مواضع الإهانة.

(1) في " المسند "(5/ 76).

(2)

في " السنن " رقم (1804).

(3)

في " السنن " رقم (3271).

(4)

في " السنن " رقم (4/ 260).

(5)

معلى بن راشد الهذلي، أبو اليمان النبال البصري.

قال النسائي: ليس به بأس.

انظر: تهذيب التهذيب " (ص122). والخلاصة أن الحديث ضعيف والله أعلم.

ص: 3193

وأما سؤال السائل - عافا الله - عن المشي في السكك والأسواق بدون إزار.

فإن أراد بالإزار الإزار الذي يستر به الإنسان عورته، وأن الماشي المسؤول عنه يمشي متعربا فهذا حرام بلا شك ولا شبهة، ومنكر يجب على كل مسلم إنكاره على فاعله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بستر العورة، وبالغ في ذلك حتى قال لمن قال له: فالرجل يكون خاليا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " الله أحق أن يستحى منه " والحديث معروف صحيح (1)، فإذا كان ستر العورة الخلوة مما أرشد إليه الشارع، ومنع فاعلة من فعله، فكيف بمن برز للناس كاشفا عورته، ومشي في السكك! فإن هذا شيطان من شياطين الإنس، مبارز بمعصية الله، مجاهر بها. ولا نعرف أحدا من المسلمين يعتاد هذا الذي سأل عنه السائل، فكيف تكون عادة لجميعهم كما يدل عليه سياق السؤال!.

وأراد بمشية في السكك والأسواق بغير إزار معنى آخر غير هذا المعنى الظاهر، كأن يريد أن يترك الإزار التي كانت شعار الصحابة رضي الله عنهم ويلبس غيرها كالسراويل فلا إنكار في مثل هذا، فإنه قد ستر عورته بما هو أبلغ في الستر من الإزار، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة منهم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وإن لم يصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبسه، من طريق صحيحة، لكنها قد وردت أحاديث أنه اشتراه، وليس هذا موطن ذكرها، وإن أراد بالسؤال معنى آخر غير هذين المعنيين كأن يريد بالإزار الثوب الذي يجعله الإنسان على رأسه، أو على أحد جنبيه،

(1) أخرجه أحمد في " المسند "(5) وأبو داود رقم (4016) وابن ماجه رقم (1920) والترمذي رقم (2769) وقال: هذا حديث حسن. كلهم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.

وأخرجه البخاري معلقا (1).

وقال الحافظ في " الفتح "(1/ 386) فالإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه.

وهو حديث حسن.

ص: 3194

فإنه قد يسمى ذلك في أعراف الناس اليوم إزارا إذا كان منسوجا من الصوف، فليس في هذا بأس، ولا ورد ما يدل على أن المشي بغير رداء، أو بغير قناع، أو بغير طيلسان بدعة، أو يوجب إثم من تركه إذا كان قد ستر عورته.

وأما المحافظة على المروءات فذلك باب آخر، وهو يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأشخاص فقد يعتاد الناس لباسا في بعض الأمكنة يكون لبس ما يخالفه مخالفا للمروءة.

وقد يعتادون في بعض الأزمنة لبس ثياب تخالف ما يعتاده في زمن آخر. وقد يعتاد بعض هذا النوع الإنساني لبس ثياب تخالف ما يعتاده النوع الآخر، وتكون المحافظة من كل طائفة على الثياب المعتادة له ولأبناء جنسه هي المروءة، ولبس غيرهما هو الخروج عن المروءة ولسنا بصدد الكلام على المروءات والعادات.

ص: 3195

وأما سؤال السائل - عافاه الله - عن التنحي عن صدور المجالس لمن فيه خصلة فضل.

فنقول: قد كان هدي السلف الصالح من الصحابة [2ب] فمن بعدهم أن يقعد الواصل منهم إلى مجلس من المجالس حيث ينتهي به المجلس، وورد الأمر في الكتاب العزيز بأن يتفسح الجالسون لمن ورد إليهم إذا لم يبق له مجلس فيه. قال تعالى:(إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ)(1) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه: " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ويجلس فيه، بل تفسحوا أو توسعوا " وهو في الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث ابن عمر، والمنهي

(1)[المجادلة: 11].

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6270) ومسلم رقم (2177).

(3)

كأحمد (2/ 89) وأبو داود رقم (4828) والترمذي رقم (2749).

قال القرطبي في " المفهم "(5/ 510 - 511): نهيه عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل: أن السابق قد اختص به إلى يقوم بأختيار عند فراغ غرضه، فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه، وعلى هذا فيكون على ظاهره من التحريم.

وقيل: هو على الكراهة. والأول أولى. ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته، أو لا يجلس، غير أن هذا الحديث خرج على أغلب ما يفعل من ذلك. فإن الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه، وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة - كما قال في رواية مسلم رقم (2178) - عن جابر عن النبي- صلى الله عليه وسلم:" لا يقيمن أحدكم أحاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا " لأنه اليوم الذي يجتمع الناس فيه، ويتنافسون في المواضع القريبة من الإمام فليحق بذلك ما في معناه، ولذلك قال ابن جريج: في يوم الجمعة وغيرها.

ومن أدب التفسح في المجالس:

قال القرطبي في " المفهم "(5): هذا أمر للجلوس بما يفعلون مع الداخل وذلك: أنه لما نهى عن أن يقيم أحدا من موضعه تعين على الجلوس أن يوسعوا له ولا يتركوه قائما، فإن ذلك يؤذيه، وربما يخجله. وعلى هذا: فمن وجد من الجلوس سعة تعين عليه أن يوسع له. وظاهر ذلك أنه على الوجوب تمسكا بظاهر الأمر، وكأن القائم يتأدى بذلك، وهو مسلم، وأذى المسلم حرام ويحتمل أن يقال: إن هذه آداب حسنة، ومن مكارم الأخلاق، فتحمل على الندب.

وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ)[المجادلة: 11].

فقيل: هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يزدحمون تنافسا في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: هو مجلس الصف من القتال.

وقيل: هو عام في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير، والأجر، وهذا هو الأولى إذا المجلس للجنس على ما أصلناه في الأصول.

وأنظر: " فتح الباري "(11/ 63 - 64).

ص: 3196

عنه إنما هو أن يقيم الرجل الرجل مجلسه ويجلس فيه.

وأما القيام ممن كان في صدر المجلس لمن يريد إليه بعده إكراما له لكونه من أهل الفضل، أو العلم، أو كان أبا له، أو جدا أو عما، أو أسن منه فليس في هذا بدعة، ولا مكروه، ولا إثم على القائم، ولا على الذي كان القيام له، بل هو من الآداب الحسنه، والعادات المستحسنة. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقد الأكبر سنا في أمور:

منها: التكلم كما ثبت في الصحيح (1) أنه لما جاء إليه خريصة ومحيصة يكلمانه في شأن المقتول بخيبر، فأراد الأصغر منهما أن يبتدي بالكلام فقال له:" كبر، كبر " والقصة مشهورة معروفة، فهذا إرشاد منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى تأدب الصغير للكبير، وقد كان السلف الصالح من الصحابه ومن بعدهم يقدمون كبارهم وساداتهم وأمراءهم في كثير من الأمور ويقتدون بهم، ويكلون ما ينوبهم إليهم، فلا

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2702، 3173، 6134، 6898، 7192) ومسلم رقم (1، 2، 3، 4، 5، 6/ 1669) ومالك في " الموطأ "(2/ 877 - 878 رقم 1) وأبو داود رقم (4520، 4521، 4523) والترمذي رقم (1422) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8 - 12) من حديث سهل بن أبي حثمة.

ص: 3197

يكون القيام من المجلس لمن له الفضلة غير موجودة في من قام له كراهة ولا إثم قام طيبة بذلك نفسه، غير مكره ولا محمول على ذلك. فإن فعل هذا كان متأدبا بأدب حسن، وإن ترك فهو أحق بمجلسه الذي سبق إليه، لا يجوز لأحد أن يقعد فيه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه:" إذا قام من مجلسه ورجع إليه فهو أحق به " كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم (1) غيره (2) من حديث أبي هريرة مشروط بأن لا يكون وقع التأثير له بصدر المجلس راغبا في ذلك، ومحبا له، فإن كان كذلك فهو غير ناج من الإثم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" من أحب أن يتمثل الناس له صفوفا فليتبوأ مقعده من النار "، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا " أخرجه أبو داود (3)،

(1) في صحيحه رقم (2179).

(2)

كأبي داود رقم (48 53) وابن ماجه رقم (3717) وهو حديث صحيح.

(3)

في " السنن " رقم (5230).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (2915) وأحمد (4، 100) من حديث معاوية وهو حديث صحيح.

قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(1 - 376): لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين: أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام كما فعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهته لذلك، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ:" قوموا إلى سيدكم " وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة لأنهم نزلوا على حكمه.

والذي ينبغي للناس: أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى.

وهدي خير القرون إلى ما هو دونه، وينبغي للمطاع أن لا يقر بذلك مع أصحابه، بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.

وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك أعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك أصلح لذات البين، وإزالة التباغض والشحناء وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة: فليس في ترك إيذاء له. وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يتمثل له الرجل قياما فليتبوأ مقعده من النار " فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد ليس هو أن يقوموا المجيئه إذا جاء ولهذا فرقوا بين أن يقال قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد.

".

وقال النووي في " الترخيص في الإكرام بالقيام "(ص 67): الأصح والأولى والأحسن بل الذي لا حاجة إلى ما سواءه أنه ليس فيه دلالة، وذلك أن معناه الصريح الظاهر منه الزجر الأكيد والوعيد الشديد للإنسان أن يحب قيام الناس له وليس فيه تعرض للقيام، بنهي ولا غيره وهذا متفق عليه وهو أن لا يحل للآني أن يحب قيام الناس له، والمنهي عنه هو محبته للقيام، ولا يشترط كراهته لذلك، وحضور ذلك بباله، حتى إذا لم يخطر بباله ذلك فقاموا له أو لم يقوموا فلا ذم عليه.

وإذا كان معنى الحديث ما ذكرناه فمحبته أن يقام له محرمة، فإذا أحب فقد ارتكب التحريم سواء قيم له أو لم يقم، فمدار التحريم على المحبة ولا تأثير بقيام القائم ولا نهي في حقه بحال، فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث. .".

ونقل الحافظ ابن حجر في " الفتح "(11 - 54) جواب ابن الحاج على النووي فقال: واعترضه ابن الحاج بأن الصحابي الذي تلقى ذلك من صاحب الشرع قد فهم منه النهي عن القيام الموقع الذي يقام له في المحذور، فصوب فعل من أمتنع من القيام دون من قام، وأقروه على ذلك.

وكذا قال ابن القيم في " حواشي السنن ": في سياق حديث معاوية رد على من زعم أن النهي إنما هو في حق من يقوم الرجال بحضرته، لأن معاوية إنما روى الحديث حين خرج فقاموا له، ثم ذكر ابن الحاج من المفاسد التي تترتب على استعمال القيام أن الشخص صار لا يتمكن فيه من التفصيل بين من يستحب إكرامه وبره كأهل الدين والخير والعلم. أو يحوز كالمستورين. وبين من لا يجوز كالظالم المعلن بالظلم أو جر ذلك إلى ارتكاب النهي لما صار يترتب على الترك من الشر، وفي الجملة حتى صار ترك القيام يشعر بالاستهانة أو يترتب عليه مفسدة امتنع. وإلى ذلك أشار ابن عبد السلام.

ونقل ابن كثير في تفسيره عن بعض المحققين التفصيل فيه فقال: المحذور أن يتخذ ديدنا كعادة الأعاجم كما دل حديث أنس، وأما كان القادم من سفر أو لحاكم في حمل ولا يته فلا بأس به.

قلت: - ابن حجر - ويلتحق بذلك ما تقدم في أجوبة ابن الحاج كالتهنئة لمن حدثت له نعمة أو لإعانة العاجز أو لتوسيع المجلس أو غير ذلك والله أعلم.

وقال الغزالي: القيام على سبيل الإعظام مكروه وعلى سبيل الإكرام لا يكره ".

ص: 3198

وهذا القيام الذي تقومه الأعاجم هو قيامهم على رؤوس ملوكهم وأكابرهم، فالنهي منه صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا القيام، ووعيد من أحبه وتكالب عليه ليس إلا لكونه (1) نوع من محبه الشرف والترفع والتكبر، ومن أحب القعود في صدور المجالس وتنحي الناس له عنها، هو لا يكون منه ذلك إلا لهذه الأغراض الفاسدة التي زجر الشارع عنها، وتوعد فاعلها.

وقد أخرج مسلم (2) عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس

(1) في المخطوط (لكون في) ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6270) ومسلم في صحيحه رقم (2177) وقد تقدم.

قال النووي في شرح لصحيح مسلم (14 - 161): وأما نسب إلى عمر فهو ورع منه، وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أوخلاف الأولى، فكان يمتنع لأجل ذلك لئلا يرتكب ذلك أحد بسببه، قال علماء وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا.

قال ابن القيم في " حاشية السنن ": والقيام يتقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو فعل الجنابرة.

وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به.

وقيام له عند رؤيته وهو في المتنازع فيه.

ذكره الحافظ في " الفتح "(11/ 51).

ثم نقل الحافظ في " الفتح "(11): عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه:

الأول: محظور: وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين.

الثاني: مكروه: وهو أن يقع لمن لا يريد تكبرا وتعاظما على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر. ولما فيه من التشبه بالجبابرة.

الثالث: جائز: وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.

الرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدمه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها.

ص: 3200

فيه. وهذا باب من ورعه رضي الله عنه ولا يلزم غيره.

ص: 3201

وأما السؤال عن حديث: أيام التشريق أيام أكل وشرب، هل في هذا الحديث زيادة لفظ " وبعال " أم لا؟.

فأقول: أخرحه بزيادة لفظ " بعال " الدارقطني [3أ](1) من حديث عبد الله ابن حذافة بإسنا فيه الواقدي وهو ضعيف، وأخرجه (2) أيضًا من حديث أبي هريرة، وفي إسناده سعيد بن سلام وهو ضعيف (3)، أخرجه ابن ماجه (4) من حديث أبي هريرة أيضًا من وجه آخر. وأخرجه ابن حبان (5) الطبراني (6) من حديث ابن عباس وفي إسناده إسماعيل ابن أبي حبيبة وهو ضعيف، وأخرجه أيضًا من حديثه أبو يعلى (7)، وعبد بن حميد (8)، وابن أبي شيبة (9)، إسحاق بن راهويه (10) في مسانيدهم، وأخرجه أيضًا النسائي (11) من طريق مسعود بن الحكم عن أمه مرفوعا، وأخرجه أيضا. ................................

(1) في " السنن "(2 رقم 32) ولفظ: " لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب، بعال يعني أيام منى ".

(2)

أي الدارقطني في " السنن "(2 رقم 33).

(3)

انظر: " ميزان الاعتدال "(3/ 206 - 207 رقم 3198/ 3724).

(4)

في " السنن " رقم (1719). بإسناد حسن.

(5)

في صحيحه (8 - 368).

(6)

في " الكبير "(11/ 232 رقم 11587).

عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أيام منى صائحا يصيح: أن لا تصوموا هذا الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال - البعال: وقاع النساء.

(7)

في مسنده (10/ 320 رقم 5913 رقم 6024).

(8)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(2).

(9)

في مصنفه (3/ 104).

(10)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3).

(11)

في " السنن "(2/ 166 رقم 2879): " عن أمة رأت وهي بمنى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا يصيح يقول: " يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب، ونساء، بعال، وذكر الله " قالت: فقلت: من هذا؟ قالوا علي بن أبي طالب ".

ص: 3202

البيهقي (1) عنها، وذكر أنها جدته، وأخرجه ابن يونس (2) في تاريخ مصر عم عمرو بن سليمان الرقي، عن أمه مرفوعا، وأخرجه الدارقطني (3) عن سعيد بن المسيب مرسلا، فهذه سبعة أحاديث يقوي بعضها بعضا.

وأما أصل الحديث بدون ذكر " بعال " فهو في صحيح مسلم (4) وغيره (5).

(1) في " السنن الكبرى"(4).

(2)

ذكره ابن حجر في " التلخيص "(2).

(3)

في " السنن "(2).

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1141).

(5)

كأحمد (5، 76) وأبو داود رقم (2813) والنسائي (7) من حديث نبيشة الهذلي.

ص: 3203

وأما السؤال عن حديث: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، هل له ثبوت أم لا؟

فقد قال جماعة من الحفاظ: إنه لا أصل له بهذا اللفظ، وقد روي من حديث ابن عباس عند ابن ماجه (1)، وابن حبان (2) والدارقطني (3)، والطبراني (4)، والحاكم (5)، والبيهقي (6).

وقد روي من حديث ابن عمر (7) ' ومن حديث عقبة بن عامر (8)، قال أحمد بن حنبل (9): هذه أحاديث منكره كأنها موضوعة، وجزم بأنه لا يروى إلا عن الحسن مرسلا.

وقال محمد بن نصر (10): ليس له إسناد يحتج به، وقال. .............................................

(1) في " السنن " رقم (2045).

(2)

في صحيحه رقم (1498 - موارد).

(3)

في " السنن "(4/ 170 رقم 33).

(4)

في " الكبير "(11/ 133 رقم 11274).

(5)

في " المستدرك "(2/ 198).

(6)

في " السنن الكبرى "

(7)

. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".

وفي لفظ: " تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان ".

وفي لفظ آخر: " إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان ".

قال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.

وصححه المحدث الألباني في " الإرواء رقم (82).

(7)

أخرجه الطبراني في " الأوسط " رقم (8275).

(8)

أخرجه الطبراني في " الأوسط " رقم (8276).

(9)

انظر " طبقات الشافعية الكبرى "(3). ذكره ابن حجر في " التلخيص "(1).

(10)

ذكره ابن حجر في " التلخيص "(1/ 510).

ص: 3204

البيهقي (1): ليس بمحفوظ، وقال الخطيب (2): منكر، وقد ورواه ابن ماجه (3) من حديث أبي ذر، وفي إسناده شهر بن حوشب وهو ضعيف، ورواه الطبراني (4) من حديث أبي الدرداء، وفي إسناده شهر أيضا، ورواه الطبراني (5) أيضًا من حديث ثوبان، وفي إسناده يزيد ين ربيعة، وهو منكر الحديث. وهؤلاء جميعا رووه بدون زيادة " وما استكرهوا عليه " وقد قيل: إنها زيادة مدرجة من قول هشام بن عمار، وقد تكلم عليه الحافظ في التلخيص (6) بزيادة على ما هنا، وقد حسنه النووي (7) وتعقب في ذلك. والظاهر أن لهذا الحديث أصلا في الجملة لكثرة طريق من طرقه لا يصح أن يكون من قسم الحسن لغيره. ولعل النووي أراد هذا لأن كل طريق من طرقه لا يصح أن يكون بمجردها من قسم الحسن لذاته، وأما من جزم بأنه لا أصل له فقد أبعد. وعلى كل حال فمعناه صحيح. وقد قال - سبحانه -:(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(8) وثبت في صحيح مسلم (9) وغيره (10) في تفسير هذه الآية أن الله - سبحانه - قال: (قد فعلت) ومن

(1) في " السنن الكبرى "(3)، (4، 325)، (6، 57)، (7)، (8 - 265)، (10).

(2)

في كتاب الرواة عن مالك، في ترجمة سوادة إبراهيم عنه وقال: سوادة مجهول، والخبر منكر عن مالك.

كما في " التلخيص "(1).

(3)

في " السنن "(2043).

(4)

ذكره ابن حجر في " التلخيص "(1).

(5)

في " الكبير "(2 رقم 1230).

(6)

(1).

(7)

في "الأربعين " الحديث التاسع والثلاثون.

(8)

[البقرة: 286].

(9)

رقم (200).

(10)

كأحمد (2). وهو حديث صحيح.

ص: 3205

حديث أبي هريرة في الصحيح (1) أيضًا أن الله - سبحانه - قال: (نعم)، وأخرج سعيد ابن منصور (2)، وابن جرير (3)، وابن أبي حاتم (4) عن حكيم بن جابر قال -: لما نزلت: (آمَنَ الرَّسُولُ.

.) قال جبريل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه " فقال (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.) حتى ختم السورة.

وإذا قد ثبت بالقرآن، بالحديث الصحيح (5) في تفسير أن الله - سبحانه - قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات (قد فعلت)، أو قال (نعم) فمغفرة [3ب] النسيان والخطأ مستفادة من قوله تعالى:(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ومن مغفرة ما استنكره الإنسان عليه مأخوذة من قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ومن قوله: (وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) ومن قوله: (وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) ووجه كونه مأخوذ من ذلك أن المستكره لو كلف بما استكره عليه كان مكلفا بغير وسعه، وكان قد حمل إصرا عظيما، وكان قد كلف بما لا طاقه له به، ومما يؤيد ذلك في كتاب الله - سبحانه - قول الله عز وجل:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(6) وقال: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ

(1) مسلم في " صحيحه " رقم (199).

(2)

في "سننه "(3 رقم 478).

(3)

في "جامع البيان "(3ج3/ 153 - 154).

(4)

في " تفسيره "(2 رقم 3070).

(5)

أنظر: الحديث رقم (199) و (200) عند مسلم وقد تقدم.

وانظر تفسير ابن كثير (1 - 738).

(6)

[الحج: 87].

ص: 3206

الْعُسْرَ) (1) وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(2) ومن السنة ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من مثل قوله: " إن هذا الدين يسر "(3)، وقوله:" يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا "(4)، وقوله " أمرت بالحنيفية السمحة السهلة "(5)

فإن قلت: قد زعمت أن حديث: " رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه " يصلح لإدرجه في قسم الحسن لغيره، وما قدمته لا يفيدني، ولا يفيدني أيضًا ما ذكره الحافظ ابن حجر في تلخيصه (6)، فإنه لم يبسط كل طريق منفردة ويذكر من خرجها، بل جاء بالكلام جملة واحدة، راعيا فيما نقله عمن تقدم أنه لا أصل له بذلك اللفظ. وقد اقتصر في النقل السابق على محصول كلامه في التلخيص، فأبن لي كل طريق على حدة حتى تتم لي الفائدة.

قلت: أخرج ابن ماجه، وابن المنذر، وابن حبان في صحيحه، والطبراني، الدارقطني والحاكم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس (7) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه ".

(1)[البقرة: 185]

(2)

[التغابن: 16].

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبة، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والرواح، وشيء من الدلجة ".

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (69) ومسلم رقم (1734).

(5)

أخرجه أحمد (6/ 116) والحميدي في " مسنده "(1 - 124 رقم 254). من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يومئذ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة ".

(6)

(1/ 510 - 513).

(7)

تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

ص: 3207

وأخرجه ابن ماجه (1) من حديث أبي ذر مرفوعا.

والطبراني (2) من حديث ثوبان مرفوعًا أيضا.

وأخرجه أيضًا الطبراني (3) من حديث ابن عمر، ومن حديث عقبة بن عامر.

وأخرجه البيهقي (4) أيضًا من حديثه.

وأخرجه ابن عدي في الكامل (5)، وأبو نعيم (6) من حديث أبي بكرة.

وأخرجه ابن أبي حاتم (7) من حديث أبي الدرداء.

وأخرجه سعيد بن منصور (8)، وعبد بن حميد (9) من حديث الحسن مرسلا.

وأخرجه أيضًا عبد بن حميد (10) من حديث الشعبي مرسلا.

فهذه سبعة أحاديث عن سبعة صحابة، أحدها صححه ابن حبان، وحديثان مرسلان، ولم يقدح في حديث أبي ذر وأبي الدرداء، إلا لكون في اسنادهما شهر بن حوشب، وقد أخرج له مسلم وأهل السنن، وهشام بن عمار من رجال البخاري، إذا لم تكن هذه من الحسن لغيره على فرض عدم الاعتداد بتصحيح ابن حبان لما عارضه من تضعيف غيره بطل كثير من المتون المعدودة من الحسن لغيره كما يعرف ذلك من يعرفه.

(1) في " السنن " رقم (2043) وهو حديث صحيح.

(2)

في " المعجم الكبير "(2 رقم 1430).

(3)

في " الأوسط "(8275) عن أبن عمر.

ورقم (8276) عن عقبة بن عامر.

(4)

في " السنن الكبرى "(3/ 83) وقد تقدم.

(5)

في الكامل " (2) في الترجمة جعفر بن جسر بن فرقد.

(6)

في " التاريخ " كما في " الدر المنثور "(2/ 134).

(7)

ذكره ابن حجر في " التلخيص "(1).

(8)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور "(2/ 135).

(9)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور "(2/ 135).

(10)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور "(2/ 135).

ص: 3208

وأما سؤال السائل - عافاه الله - عما ورد في فضل صوم رجب بخصوصه، هل صح منه شيء أم لا؟.

فنقول: قد روي في ذلك أحاديث سنوردها ها هنا ونتعقبها:

فمنها: ما أخرجه الشيرازي في الألقاب (1)، والبيهقي في الشعب (2) من حديث أنس عنه صلى الله عليه وآله وسلم:" إن في الجنة نهرا يقال له رجب [4أ] أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ".

ومنها: ما أخرجه الخلال في فضائل رجب من حديث ابن عباس بلفظ: " صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، والثالث كفارة سنة، ثم كل يوم كفارة شهر ".

ومنها: ما أخرجه أبو نعيم (3)، وابن عساكر (4) من حديث ابن عمر بلفظ:" من صام أول يوم من رجب عدل ذلك بصيام سنة، ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب النار، ومن صام رجب عشرة أيام نادى مناد من السماء أن سل تعطه ".

ومنها: ما أخرجه. ........................................................

(1) ذكره الزبيدي في " الإتحاف "(10).

(2)

(3 - 368 رقم 3800).

قلت: وأخرجه الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " رقم (1820) وابن الجوزي في " العلل المتناهية "(2/ 555) وقال: هذا لا يصح وفيه مجاهيل لا ندري من هم.

وقال ابن حجر في " لسان الميزان "(9) بعد أن رواه من نفس الطريق في ترجمة " منصور بن يزيد ": منصور بن يزيد حدث عنه محمد بن المغيرة في فضل رجب: لا يعرف والخبر باطل.

وأخرجه الحافظ ابن حجر في " تبيين العجب "(ص15). وهو حديث ضعيف.

(3)

في " أخبار أصبهان "(2).

(4)

عزاه إليه صاحب " كنز العمال " رقم (24262). وهو حديث ضعيف.

ص: 3209

الخطيب (1) من حديث أبي ذر بلفظ: " من صام يوما من رجب عدل صيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام علقت عنه أبواب الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بدل الله سيآته حسنات، ومن صام من ثمانية عشر يوما نادي مناد أن الله غفر لك ما مضي فاستأنف العمل ".

ومنها: ما أخرجه البيهقي في الشعب (2) من حديث أنس بلفظ: " من صام يوما من

(1) في تاريخه (8) بسند ضعيف جدا.

وأخرجه ابن الجوزي في " الموضوعات "(2/ 207) عن الخطيب من طريقه وقال: هذا حديث لا يصح. " قال يحيى بن معين الفرات ابن السائب ليس بشيء. وقال البخاري والدارقطني. متروك ".

أخرجه ابن حجر في " تبيين العجب "(ص29) من طريق فضالة بن حصين عن رشدين، به.

وقد تعقب السيوطي، وابن الجوزي فيما ذهب إليه من الحكم على الحديث بالوضع فقال في " اللآلئ المصنوعة " (2/ 116):" هذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر في " آماليه " ولم يسمه بوضع، قال: هذا حديث غريب اتفق على ورايته عن ابن السائب وهو ضعيف. رشدين بن سعد والحكم بن مروان وهما ضعيفان أيضا. لكن اختلفا عليه في اسم الصحابي، ففي رواية رشدين عن أبي ذر، وفي رواية الحكم عن ابن عباس، فلا أدري هل الخطأ من أحدهما أو من شيخهما، وميمون بن مهران قد أدرك ابن عباس ولم يدرك أبي ذر " ا هـ.

قلت: ولا قيمة لهذا التعقب لأن الحافظ أورد الحديث ضمن الأحاديث التي نبه على بطلانها في " تبيين العجب ".

(2)

(3 رقم 3801).

قلت: وأخرجه الأصبهاني في " الترغيب " رقم (1822) والطبراني في " الكبير "(6/ 96 رقم 5388) من طريق عثمان بن مطر، به.

وأورده الهيثمي في " المجمع "(3) وقال: وفيه عبد الغفور وهو متروك.

قلت: وفيه عثمان بن مطر وهو الشيباني البصري الرهاوي المقرئ ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث. وقال النسائي ضعيف وقال ابن حبان كان عثمان بن مطر ممن يروي الموضوعات عن الإثبات. "

ميزان الاعتدال " (3/ 35).

ذكره الحافظ ابن حجر في " تبيين العجب "(ص 29) وقال: رويناه في فضائل الأوقات للبيهقي - رقم (9) - و" فضائل رجب " لعبد العزيز الكتاني، وفي " الترغيب والترهيب " لأبي القاسم التيمي من طريق عثمان بن مطر، عن عبد الغفور، عن عبد العزيز بن سعيد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صام يوم من رجب. .. الحديث وعثمان أبن مطر كذبه ابن حبان وأجمع الأئمة على ضعفه.

فهو حديث موضوع.

ص: 3210

رجب كان كصيام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوما نادي مناد من السماء قد غفرت لك ما سلف فاستأنف العمل، قد بدلت سيآتك حسنات، ومن زاد زاده الله، وفي رجب حمل نوح في السفينة فصام نوح وأمر من معه أن يصوموا، وجرت بهم السفينة ستة أشهر ".

ومنها: أخرجه الطبراني من حديث بن أبي راشد بنحو حديث أنس السالف.

ومنها: ما أخرجه الخلال (1) من حديث أبي سعيد بلفظ: " رجب من شهور الحرم، وأيامه مكتوبة على باب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يوما وجدد صومه بتقوى الله نطق اليوم وقالا: يا رب أغفر له، وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا له، وقيل له خدعتك نفسك ".

وأخرج أبو الفتح بن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلا أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: " رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي "(2).

(1) كما في " كنز العمال " رقم (53165).

قلت: وأخرجه الأصبهاني في " الترغيب " رقم (1850). وهو حديث ضعيف.

(2)

أخرجه البيهقي في " فضائل الأوقات " رقم (10) وقال: هذا منكر بمرة.

وقال ابن حجر في " تبيين العجب "(ص24) تعقيبا على كلام البيهقي: بل هو موضوع ظاهر الوضع، بل من وضع نوح الجامع، وهو أبو عصمة الدين، قال عنه ابن المبارك، لما ذكره لو كيع: عندنا شيخ يقال به: أبو عصمة، كان يضع الحديث. وهو الذي كانوا يقولون فيه: نوح الجامع جمع كل شيء إلا الصدق، وقال الخليلي: أجمعوا على ضعفه.

وأوره الشوكاني في " الفوائد المجموعة "(47 - 48) وقال: موضوع ورجال مجهولون.

ص: 3211

هذا جملة ما ورد في صيام رجب مما يختص به، وكلها أحاديث باطلة لا أصل لها. وقد ذكرنا أكثرها في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " (1) وحكى ابن السبكي عن محمد بن نصر السمعاني أنه قال: لم يرد صوم شهر رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم انتهى.

وكما لم يصح الترغيب (2) في صوم رجب على الخصوص لم يصح النهي عن صومه كما روى [4ب] ابن ماجه (3) من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وآله

(1) للشوكاني (ص47، 48، 100 - 439).

(2)

قال ابن حجر في "تبيين العجب " لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه - معين. ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه. حديث صحيح يصلح للحجة. وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، لكن اشتهر أن أهل العلم يتسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر ذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.

ثم قال: وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: " من حديث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ". فكيف بمن عمل به ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفصائل. وإذا الكل شرع.

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (8/ 39): ولم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه وفي " سنن أبي داود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها والله أعلم.

(3)

في " السنن "

(1743)

. قلت وأخرجه الطبراني في " الكبير "(10/ 348) والبيهقي في " الشعب "(3/ 375 رقم 3714) والجوزقاني في " الأباطيل "(3) وقال: هذا حديث باطل لم يروه عن زيد بن عبد الحميد إلا داود بن عطاء وهو منكر الحديث وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية "(2) وقال: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ابن القيم في " المنار المنيف "(ص97). وذكره السيوطي في"الجامع الصغير "(6) ورمز لضعفه.

وأخرجه ابن حجر في " تبيين العجب "(ص47) وذكر كلام البيهقي: " رواه داود بن عطاء، وليس بالقوي وإنما الرواية عن ابن عباس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما قدمنا ذكره، فحرف الفعل إلى النهي، ثم، وإن صح فهو محمل على التنزيه، والمعنى فيه القديم قال: وأكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور كما يكمل شهر رمضان، إنما كرهت هذا، لئلا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك رجب ". وهو حديث ضعيف جدا.

ص: 3212

وسلم - " نهى عن صيام رجب " فإن هذا الحديث في إسناده ضعيفان: زيد بن عبد الحميد (1)، وداود بن عطاء (2).

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (3) أن عمر كان يضر أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا فإنما هو شهر تعطمه الجاهلية.

وأخرج ابن أبي. ..............................................

(1) زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي المدني، مقبول، من السابعة. "

التقريب " (1/ 275). " التهذيب " (3).

(2)

داود بن عطاء المزني مولا هم أبو سليمان المدني أو المكي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث منكره وقال الذهبي، ضعيف، وقال الحافظ ضعيف، من الثامنة. "

التقريب " رقم (2144)، و" التهذيب "

(3)

.

(3)

في مصنفه

(4)

. وأخرجه ابن حجر في " تبيين العجب "(ص48): وقال عقبه: فهذا النهي منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية، أما أن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلام مما استثنى، فلا بأس به، فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور.

ص: 3213

شيبة (1) أيضًا من حديث زيد بن أسلم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم رجب؟ فقال: " أين أتنم عن شعبان؟ ".

وأخرج (2) أيضًا عن ابن عمر ما يدل على أنه يكره صوم رجب.

وأقول: يكفي في أستحباب صوم رجب أنه من الشهور الحرم، وقد أخرج أحمد (3)، وأبو داود (4)، والنسائي (5)، ابن ماجه (6) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من باهلة لما قال له: إنه ما أكل طعاما بالنهار: " من أمرك أن تعذب نفسك؟ " فقال الباهلي: يا رسول الله، إني أقوى، قال:" صم شهر الصبر- يعني رمضان - ويوما بعده " قال: إني أقوى، قال:" صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده، وصم أشهر الحرم "، وقد ضعف هذا الحديث بعضهم للاختلاف في إسناده، فإن الراوي له عن هذا الرجل الباهلي نجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، يعني هذا الرجل كما في سنن أبي داود، وقال النسائي (7): " مجيبة الباهلي عن عمه، فجعل الراوي وجلا، وأنت خبير بأن مثل هذا

(1) في مصنفه (4).

(2)

في مصنفه (4).

(3)

في " المسند "(5).

(4)

في " السنن " رقم (2428).

(5)

في " السنن الكبرى " رقم (2743).

(6)

في " السنن " رقم (1741) وهو حديث ضعيف.

(7)

قال المنذري في " مختصر السنن "(3/ 306): أخرجه النسائي وابن ماجه إلا أن النسائي قال فيه عن بجيبة الباهلي عن عمه، وقال ابن ماجه عن أبي مجيبة الباهلي عن أيبه أو عمه، وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال فيه: عن مجيبة - يعني الباهلي - قالت حدثني أبي أو عمي وسمي أباهد: عبد الله بن الحارث، وقال: سكن البصرة ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقال في موضع آخر أبو مجيبة الباهلية، أو عمها سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه وذكر هذا الحديث وذكره ابن قانع في " معجم الصحابة " (2) وقال فيه: عن مجيبة عن أبيها أو عمها وسماه أيضا: عبد الله بن الحارث هذا آخر كلامه، وقد وقع فيه هذا الاختلاف كما تراه.

ص: 3214

الاختلاف لا يعد قادحا، وجهالة الصحابي لا تضر لما تقرر في علم الاصطلاح، وأيضا قد قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1)، وأيضا فالصوم مندوب إليه في كل وقت غير الأوقات المستثناة، ورجب ليس من المستثناة ".

وأما سؤال السائل - عافاه الله - عن صلاة المغرب هل ورد عن الشارع أنها صليت ثلاثا أم لا؟

فأقول: مشروعية القصر إنما هي في الصلاة الرباعية إلى اثنتين، ولم يرد عن الشارع، ولا عن غيره من الأمة أن صلاة المغرب ........................................................................

(1)(2 رقم 853) وقد ذكره مسندا.

قلت: وأخرجه ابن حجر في " تبيين العجب "(ص13): وقال: ففي هذا الخير وإن كان في إسناده من لا يعرف، ما يدل على استحباب صيام بعض رجب لأنه أحد الأشهر الحرم.

فائدة: قال أبو بكر الطرطوشي في كتاب " الحوادث والبدع "(ص282 - 284) وفي الجملة إنه يكره صومه على أصل ثلاثة وجوه:

أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه:

1 -

إما أنه فرض كرمضان.

2 -

وإما أنه سنة ثابتة، وقد خصه الرسول بالصوم كالسنن الراتبة.

3 -

وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثوابه على سائر الشهور جرى مجرى صوم عاشوراء وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة. فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض، ولو كان من باب الفضائل، لنبه عليه السلام عليه أو فعله ولو مرة واحدة في العمر كما فعل في صوم عاشوراء، وفي الثلث الآخر من الليل، ولما لم يفعل ذلك بطل كونه مخصوصا بالفضيلة ولا هو فرض ولا سنة باتفاق.

فلم يبق لتخصيصه بالصيام وجه فكره صيامه والدوام عليه حذرا من أن يلحق بالفرائض أو بالسنن الراتبة عند العوام، وإن أحب امرؤ أن يصومه على وجه يؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضا أو سنة فلا بأس.

ص: 3215

تقصر (1)،، ولا يحتاج إلى نقل في مثل هذا، فهو أمر مجمع عليه، معلوم لكل الأمة.

وهذا في صلاة السفر من غير خوف. وأما في صلاة الخوف فقد ورد ما يدل على جواز الاقتصار على ركعة واحدة كما هو معروف في مواطنه من كتب السنة (2).

وأما السؤال عن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، هل ورد فيه نص من قول الشارع غير مجرد فعله أم لا؟.

فأقول: أخرج البارودي، والطبراني في. ................................

(1) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن لا يقصر في صلاة المغرب والصبح وأن القصر إنما هو في الرباعية. أنظر: " المعني "(13).

(2)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (944) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا ".

وقال ابن حجر في " الفتح "(2): وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة ثم قال ويشهد له ما رواه مسلم في صحيحه رقم (5) وأبو داود رقم (1247) والنسائي (3 - 119) عن ابن عباس قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ". ثم قال ابن حجر: ". .. وبالاقتصار في الخوف على ركعة واحدة يقول إسحاق والثوري ومن تبعهما ".

وقال به أبو هريرة وأبو مرسى الأشعري وغير واحد من التابعين، ومنهم من قيد ذلك بشدة الخوف. وقال الجمهور: قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأولوا رواية مجاهد - عن ابن عباس - على أن المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفي الثانية، وقالوا! يحتمل أن يكون قوله في الحديث - عند النسائي (3) -:" لم يقضوا " أي لم يعبدوا الصلاة بعد الأمن.

ثم قال ابن حجر في " الفتح "(2): " وقال جماعة من الصحابة والسلف: يصلي في الخوف ركعة، يومئ فيها إيماء ".

ص: 3216

الكبير (1) من حديث الحكم بن عمير (2) الثمالي مرفوعا: " إذا قمتم إلى الصلاة فارفعوا أيديكم، ولا تخالف آذانكم ".

وأخرج الطبراني في الكبير (3) من حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: " يا وائل بن حجر، إذا صليت فاجعل يديك حذو أذنيك، والمرأة تجعل يديها حذو ثدييها ".

وأخرج الطبراني في الأوسط (4) من حديث ابن عمر مرفوعًا " إذا استفتح أحدكم فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة، فإن الله تعالى أمامه ".

هذا ما وفقنا عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في رفع اليدين عند تكبيرة [5أ] الإحرام، وهذه السنة قد ثبتت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ثبوتا متواترا تواترا كليا عن خمسين صحابيا، منهم العشرة المبشرون بالجنة كما قال العراقي (5) وغيره.

وقال الحسن وحميد بن هلال (6): كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفعون أيديهم من غير استثناء. حكى ذلك البخاري في. ..................................

(1)(3/ 218 رقم 3190).

وأورده الهيثمي في " المجمع "(2) وقال: فيه يحيى بن يعلى الأسلمي وهو ضعيف.

(2)

في المخطوط [عميرة] والصواب ما أثبتناه.

(3)

(22 - 20 رقم 374).

وأورد الهيثمي في " المجمع "(2 و9) وقال: رواه الطبراني من طريق ميمونه بنت حجر عن عمتها أم يحيى بيت عبد الجبار ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات.

(4)

(2 رقم 7801) وأورد الهيثمي في " المجمع "(2) وقال: فيه عمير بن عمران وهو ضعيف.

(5)

في " فتح المغيث "(4): حيث قال " وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين ولله الحمد ".

وقال في " تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد "(ص18): " واعلم أنه روي رفع اليدين من حديث خمسين من الصحابة منهم العشرة ".

(6)

ذكره البخاري في جزء " رفع اليدين "(ص31 رقم 10).

ص: 3217

جزء (1)" رفع اليدين " وقال البخاري أيضا: لم يثبت عن أحد م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يرفع يديه، وقال الشافعي (2): روى الرفع جمع من الصحابة، لعله لم يرو حديث قط بعدد أكثر منهم.

وقال البيهقي في الخلافيات (3): سمعت الحاكم يقول: اتفق على رواية هذه السنة يعني رفع اليدين عند التكبيرة العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن بعدهم من أكابر الصحابة، قال البيهقي (4): وهو كما قال.

قال الحاكم (5) واليبهقي (6) أيضا: ولا نعلم سنة اتفق على رواتها العشرة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفريقهم في الأقطار الشاسعة غير هذه السنة.

قال النووي في شرح مسلم (7): إنها أجمعت الأمة على ذلك عن تكبيرة الإحرام، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك.

وحكى النووي (8) أيضًا عن الظاهري أنه واجب عند تكبيرة الإحرام. قال: وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيار، والنيسابورى من أصحابنا، وهكذا حكى الحافظ في الفتح (9) عن ابن عبد البر (10) أنه حكى إجماع العلماء على ذلك، قال الحافظ: وممن قال بالوجوب الأوزاعي، والحميدي شيخ البخاري، وابن خزيمة. وحكى ذلك القاضي

(1)(ص129رقم 135).

(2)

انظر " الطبقات " للسبكي (2/ 100). " الأم "(1).

(3)

في " مختصر خلافيات البيهقي "(2). وفي " المعرفة "(2/ 416 - 417).

(4)

في " مختصر خلافيات البيهقي "(2/ 72). و"السنن الكبرى "(2 - 76).

وانظر: " نصب الراية "(1، 418).

(5)

انظر المصادر السابقة.

(6)

في " مختصر خلافيات البيهقي "(2/ 72). و"السنن الكبرى "(2 - 76).

وانظر: " نصب الراية "(1، 418).

(7)

(3).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (3).

(9)

(2).

(10)

وانظر " الاستذكار "(2).

ص: 3218

حسين عن الإمام أحمد.

إذا عرفت هذا فاعلم أن سنة نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسون صحابيا منهم العشرة المبشرون بالجنة، وأجمع على فعلها جميع الصحابة في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته، واتفق علماء الإسلام على ثبوتها، وقال قائل منهم بوجوبها لحقيقة بأن لا يسال عنها، وخليقة بأن لا يبحث عنها.

وفعله صلى الله عليه وآله وسلم سنة بإجماع المسلمين، ولكن السائل - أرشده الله - أراد أن يسأل عن ورود خصوص القول، ويبحث عنه مع علمه بأنها ثابتة ضمن الفعل على هذه الصفة التي أشرنا إليها.

ص: 3219

وأما سؤال السائل - عافاه الله - عن حديث: " من كان له أما فقراءة الإمام له قراءة ". هل يصح مرفوعًا أم لا؟.

أقول: أخرجه الدارقطني (1) في سننه عن عبد الله بن شداد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " وقال (2) بعد إخراجه: لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة، والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان، قال (3): وروى هذا الحديث سفيان الثوري، شعبة، إسرائيل، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وأبو الأحوص، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد وغيرهم [5ب] عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصواب انتهى.

وقال المجد ابن تيمية في المنتقى (4): قد روى مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل.

وقال الحافظ ابن حجر (5): وهو مشهور من حديث جابر، وله طرق عن جماعة من الصحابة كلها معلولة.

وقال في الفتح (6): إنه ضعيف عند جميع الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني. انتهى.

فهذا الحديث كما ترى قد علله الحافظ، وجزموا بأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف، وعلى فرض أنه ينتهض لكثرة طرقه فهو عام، لأن المصدر المضاف هو من

(1) في " السنن "(1 رقم 1).

(2)

في " السنن " رقم (1).

(3)

في " السنن "(1 رقم 5).

(4)

(1 - 790).

(5)

في " الفتح "(2).

(6)

(2).

ص: 3220

صيغ العموم (1) كما تقرر في الأصول، وقراءة الإمام مصدر مضاف فيعم جميع قراءة الإمام.

وقد خصص هذا العموم بأحاديث صحيحة كحديث عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال:" إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم " قال: قلنا: يارسول الله، إي والله، قال:" فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإن لا صلاة لمن لم يقرأ بها " أخرجه أبو داود (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4)، وأحمد (5)، والبخاري في جزء القراءة (6)، والدارقطني (7) وصححه البخاري (8)، وابن حبان (9)، والحاكم (10)، وله شواهد كثيرة (11). وفي معناه أحاديث أخر لا حاجة لنا ببسطها هنا.

وقد استوفينا في شرح المنتقى (12)، فعرفت بمجموع ما ذكرنا أنه لا بد من قراءة الفاتحة (13) خلف الإمام في الصلاة التي يجهر فيها الإمام، ويسمعه المؤتم. وأما في السرية

(1) انظر " إرشاد الفحول "(ص398)، " اللمع "(ص16)، " التبصرة "(ص105).

(2)

في " السنن " رقم (823).

(3)

في " السنن "(311) وقال: حديث حسن.

(4)

في " السنن "(2/ 142)

(5)

في " المسند "(5/ 316).

(6)

في جزء القراءة رقم (258).

(7)

في " السنن "(1/ 319).

(8)

انظر جزء القراءة رقم (258).

(9)

في صحيحه رقم (1792).

(10)

في " المستدرك "(1/ 238) وهو حديث ضعيف.

(11)

انظر الرسالة رقم (79).

(12)

(1/ 784).

(13)

تقدم ذكر الأحاديث التي تشير إلى وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام. وانظر الرسالة رقم (97).

ص: 3221

فالمؤتم يقرأ لنفسه. والبحث على الوجه الذي ينبغي أن يكون تحريره وتقريره عليه يطول جدا. وقد أفردناه برسالة مستقلة (1).

وفي هذا المقدر كفاية. والله ولي التوفيق.

حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما، حامدا الله، مصليا ومسلما على رسوله وآله -.

انتهى جواب شيخنا - أدام الله إفادته، وحرس شريف ذاته، وأسعد آماله وأوقاته - بقلم السائل الحقير صالح بن محمد العنسي - غفر الله لهما - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم بتاريخ شهر الحجة الحرام سنة 1225 هـ.

(1) انظر الرسالة رقم (79).

ص: 3222

تم ولله الحمد والمنة المجلد الثالث

من كتاب الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ويليه المجلد الرابع إن شاء الله

ص: 3223