المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٦

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌جواب سؤالات وردت من بعض العلماء

- ‌جواب سؤالات وصلت من كوكبان

- ‌بحث في جواب سؤالات تتعلق بالصلاة

- ‌رفع الأساس لفوائد حديث ابن عباس

- ‌تحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل

- ‌بحث في كثرة الجماعات في مسجد واحد

- ‌جواب عن الذكر في المسجد

- ‌سؤال: هل يجوز قراءة كتب الحديث كالأمهات في المساجد مع استماع الدين لا فطنة لهم؟ وجواب الشوكاني عليه

- ‌إشراق الطلعة في عدم الاعتداد بإدراك ركعة من الجمعة

- ‌اللمعة في الاعتداد بإدراك الركعة من الجمعة

- ‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

- ‌الدفعة في وجه ضرب القرعة

- ‌بحث في الكسوف

- ‌جواب على سؤال ورد من بعض أهل العلم يتضمن ثلاثة أبحاث:1 -بحث في المحاريب2 -بحث في الاستبراء3 -بحث في العمل بالرقومات

- ‌الصلاة على من عليه دين

- ‌شرح الصدور في تحريم رفع القبور

- ‌جواب سؤالات وردت من تهامة

- ‌سؤال عن لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات

- ‌إفادة السائل في العشر المسائل

الفصل: ‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

‌ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة

تأليف عبد الله عيسى

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 2947

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: (ضرب القرعة في شرطية خطبة الجمعة).

2 -

موضوع الرسالة: فقه الصلاة.

3 -

أول الرسالة: الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وبعد: فإني على جواب لبعض علماء العصر المحققين ....

4 -

آخر الرسالة: وأصلح لنا النيات، وأحسن الختام بجاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وسلاما يدومان بدوام الملك العلام حرر بتاريخ سلخ شهر صفر سنة 1219هـ

5 -

الناسخ: المؤلف: محمد بن علي الشوكاني.

6 -

نوع الخط: خط رقعة.

7 -

عدد الصفحات: 11صفحة + صفحة العنوان.

8 -

عدد الأسطر في الصفحة: 21 سطرا.

9 -

عدد الكلمات في السطر: 8 - 10 كلمات.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 2949

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. وبعد:

فإني اطلعت على جواب لبعض علماء العصر المحققين - كثر الله فوائده - جعله على الرسالة المسماة بإشراق الطلعة (1) وحصر ذلك الجواب في مقدمة وعشرة مقاصد، إلا أن المقدمة هي مصب الغرض، وزبدة البحث، والأصل الذي بنيت عليه المقاصد فهي الحقيقة بأن يكون هي المقصودة بالبحث، وتلك المقاصد إنما هي فروع عنها فرأيت أن أتكلم على أبحاث تلك المقدمة، وأبين عدم ورودها، وأما المقاصد فبعضها سيتضح الجواب عنها في الكلام على المقدمة، والبعض الآخر قد عرف جوابه من الرسالة الأولى المسماة بإشراق الطلعة (2) كما سيأتي التنبيه على ذلك في آخر الجواب، فلو تعرضنا لدفعها بعد ذلك لكان من تحصيل الحاصل، والتطويل لما عرف.

فأقول وبالله التوفيق، وهو حسبي وكفى، ونعم الوكيل: إن الجواب على تلك يشتمل على أبحاث.

البحث الأول

اعلم أن ذكر المسائل العلمية، وإقامة الأدلة عليها، والجمع أو الترجيح بينها إن تعارضت قد يكون المقصود بها إفادة الحق، والإرشاد إلى العمل بما يريده الشارع والهداية إلى أحكام الله، والدعاء إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة (3).

(1) الرسالة رقم 88).

(2)

الرسالة رقم 88).

(3)

قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]. فأمر الله رسوله في هذه الآية بالجدال، وعلمه فيها جميع آدابه من الرفق والبيان والتزام الحق والرجوع إلى ما أوجبته الحجة.

ص: 2953

وهذا القسم لا يشترط فيه أن يكون على ترتيب معين، ولا جاريا على القواعد الجدلية، ولم يلتزم الصحابة والتابعون والعلماء المتقون في ذلك سلوك الطريق الجدلية، وقواعد المناظرات، وقد يكون المقصود بها إسكات الخصم، وقطع مشاغبته، وعوق المناظر وغلبته في المناظرة والحيلولة بينه وبين ما أراد إثباته أو نفيه، وهذا القسم هو المقصود بتأليف كتب الجدل (1) ورسائل آداب البحث والمناظرات، وذكر الأصوليون أنواعها في القياس، وهي اعتراضاته المعروفة، وقد ذكر أصحاب الفصول اللؤلؤية (2) أنه

(1) وللجال المذموم وجهان:

1 -

الجدال بغير علم.

2 -

الجدال بالشغب والتمويه، ونصرة الباطل بعد ظهور الحق وبيانه قال تعالى:{وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذناهم فكيف كان عقاب} [غافر: 5].

وجدال المحقين:

فمن النصيحة في الدين ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا: {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} وجوابه لهم: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} [هود: 32، 34].

قال ابن عقيل في الوضاح كما في الكوكب المنير (4/ 370): وكل جدل لم يكن الغرض فيه نصرة الحق، فإنه وبال على صاحبه، والمضرة فيه أكثر من المنفعة لأن المخالفة توحش، ولولا ما يلزم من إنكار الباطل واستنقاذ الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته لما حسنت المجادلة للإيحاش فيها غالبا، ولكن فيها أعظم المنفعة إذا قصد بها نصرة الحق والتقوي على الاجتهاد ونعوذ بالله من قصد المغالبة وبيان الفراهة.

واعلم أنه إذا بان له المناظر سوء قصد خصمه توجه تحريم مجادلته قال تعالى: {وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون} [الحج: 68]. وهذا أدب حسن علمه الله عباده ليردوا به من جادلهم به تعنتا ولا يجيبوه.

انظر: الكوكب المنير (4/ 371) والكافية في الجدل (ص 529).

(2)

الفصول اللؤلؤية تأليف صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير الصنعاني.

جمع فيه أقوال مختلف المذاهب في المسائل الأصولية من دون استدلال ومناقشة مقدما لمذهب أئمة الزيدية وعلماء الآل بنقل أقوالهم وآرائهم. مؤلفات الزيدية (2/ 321 رقم 2406).

ص: 2954

لا يجب معرفتها على المجتهد، أي لأنها [1أ] إنما شرعت طرقا للمناظرة، والمناظرة ليست بواجبة حتى تكون الاعتراضات مما لا يتم الواجب إلا به ، وقد صرح أئمة المعقول والمنطق بأن الغرض من الجدل إنما هو إلزام الخصم بمقدمات يسلمها، فيبنى عليها الكلام، وإن كانت باطلة، أو بمشهورات لا يعتبر فيها اليقين، ومطابقة الواقع، وممن نص على ذلك المولى الحسين ابن الإمام في شرح الغاية (1) عند تقسيم القياس باعتبار المادة، وقال أيضا: إن الغرض من الجدل إما إقناع القاصر عن درك البرهان، أو إلزام الخصم، انتهى.

إذا علمت ذلك، فنقول: إذا رأيت من هو قائم في مقام الإفادة للحق وقد طولب بأن يسلك المسالك المعتبرة في الجدل فاعلم أن ذلك غلط في البحث، وخلط في المخاطبة، فإن إقامة المفيد للحق في مقام مريد الجدال أو العكس لا يكون إلا لأحد أمرين: إما عدم الخبرة بالتفريق بين المقامين، أو لقصد المغالطة والترويج للشبهة، إذا تقرر هذا فاعلم أني لم أقصد بالرسالة التي سميتها إشراق الطلع (2) قصد الجدال لأحد، إنما قصدت ما ذكرته في خطبتها، وهو ما لفظه: إنها وقعت مذاكرة في تلك المسألة، فخطر في البال ذكر المسألة رأسها، وقل ذلك من كتب أهل البيت عليهم السلام وغيرهم، وذكر الأحاديث المتعلقة بها، والكلام عليها، ومع جمعها يتبين للناظر الراجح من القولين ، انتهى.

(1) انظر مؤلفات الزيدية (2/ 168 رقم 1957).

(2)

الرسالة رقم (87).

ص: 2955

البحث الثاني

إنها لم تهمل في تلك المسألة المسالك المعتبرة عند أهل العلم كما قال المجيب - عافه الله - معرضا بالإهمال ما لفظه: اعلم أنه كثيرا ما يقع في كتب الاستدلال الإهمال للمسالك المعتبرة عند أهل العلم. انتهى.

بل ولا أعلم أنه يهملها أحد من المصنفين في كتب الاستدلال، وإنما هو كثيرا ما يقع الإهمال للمتأمل، وتجويد النظر في كتبهم [1ب] حتى يتوهم إخلالهم بها، وبيان ذلك في هذه المسألة التي صدرنا رسالتنا بها أنا قد ادعينا نقلها عن القاضي زيد رحمه الله فإن كان الكتاب موجودا عند المناظر فلينظرها فيه، حتى يصح النقل، وإن لم يكن موجودا بعثنا به إليه، فإذا صح النقل فقد حصلت الدعوى فيه بأن المأموم إذا لم يدرك من الخطبة قدر آية لم تصح منه الجمعة (1) بل يصلي أربعا ويبني على ما أدركه مع الإمام، وإن الهادي عليه السلام قد نص على ذلك في المنتخب (2) فإن طلب المناظرة لتصحيح النقل عن الهادي، فالكلام فيه كما سمعت، وإن طلب الدليل على تلك الدعوى فقد ذكره بقوله: وعمدتهم في ذلك أن الخطبة بمثابة ركعتين، وأنهما شرط كما سيأتي بيانه. فبعد الاستدلال بهذا يثبت للمناظر على المستدل أحد ثلاثة أمور: إما النقض (3) أو المناقضة، أو المعارضة، وللمناظر أن يورد على المستدل ما أراد من هذه الثلاثة، وعلى المستدل أن يجيب عن ذلك، وإلا انقطع فوقع الاستشعار في هذا المقام لإيراد المناظر للمعارضة بدليل يدل على خلاف المدعي، وإنما وقع الاستشعار لإيراد المعارضة المذكورة لكونها ظاهرة الورود بخلاف المنع، فإن انعدام الصلاة بانعدام الخطبة مجمع عليه عند ................................

(1) انظر الأزهار (1/ 612) مع السيل.

(2)

تقدم التعريف به.

(3)

انظر الرسالة رقم (88).

ص: 2956

الجمهور (1)، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن وداود، والجويني، وابن الماجشون فقط، وبعد أن تم البحث في المعارضة وقع الاستشعار أيضًا بإيراد المنع، لكونهما بمثابة ركعتين وإنها شرط فتعرضنا لإثباتها بما ذكرناه من التتمة في آخر البحث.

البحث الثالث

قال المجيب - كثر الله فوائده -: وإن لم ينهض به على الوجه المعتبر، فالحق بيد المانع، ولا يطالب بدليل، بل قيامه في مقامع المنع [2أ]، وثبوته في مركز الدفع يكفيه، إلى أن قال: وهذه الجملة معلومة عند أهل النظر، لا يختلفون في شيء من تفاصيلها.

وأقول: إن أراد بالمانع النافي لحكم المسألة، وأنه بمجرد نفيه أو يعجز المستدل يكون الحق بيد المانع، وأن ذلك يكفيه في حقيقة منعه، وأن ذلك مما لا يختلف في تفاصيله أحد، فلا يخفى أن هذا مخالف لما أوجبته جميع أئمتنا عليهم السلام، والجمهور من العلماء من وجوب الدليل على النافي لحكم غير ضروري شرعي أو عقلي، كما يجب على المثبت. وهذه المسألة هي آخر مسألة في» غاية السول " (2) ونسب في الفصول (3) القول بوجوب الدليل على النافي إلى جميع أئمتنا والجمهور، وهو الذي اختاره ابن الحاجب في مختصره (4) قال الشيخ العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي (5) الشيرازي ما لفظه: فصل: وقد ألحق بعض أصحابنا من أهل النظر بهذا الباب بأن

(1) انظر الرسالة (88).

(2)

غاية السؤل في علم الأصول. تأليف شرف الدين الحسين بن القاسم. مختصر في القواعد الأصولية يهتم بالأدلة والأقوال وهو في مقدمة وثمانية مقاصد فرغ منه المؤلف ليلة السبت 23 شوال 1035 هـ.

انظر مؤلفات الزيدية (2/ 293 رقم 2318).

(3)

تقدم التعريف به.

(4)

انظر: المنتهى لابن الحاجب (ص 163).

(5)

ذكره الشيرازي في التبصرة ص 530.

ص: 2957

يقول: أنا ناف فلا يلزمني إقامة دليل، وإنما الدليل على من يثبت، ألا ترى أن من نفى نبوة غيره لا يلزمه الدليل على ذلك، وإنما يلزم من يثبت النبوة، وهذا ليس بشيء لأن القطع بالنفي لا يجوز إلا على دليل، كما لا يجوز القطع بالإثبات إلا عن دليل فكما يجب إقامة الدليل على ما قطع به من الإثبات وجب إقامة الدليل على ما قطع به من النفي (1) انتهى كلامه.

(1) قال الشيرازي في التبصرة ص 530: النافي للحكم عليه الدليل وإلى هذا ذهب جمهور الأصوليين، منهم الغزالي والآمدي وابن الحاجب، وابن السبكي وهو مقتضى كلام الغزالي في المستصفى والشيرازي هنا.

ومن الناس من قال: لا دليل عليه، وهو قول بعض أصحابنا بعض أصحاب الظاهر، وبعضهم فرق بين العقليات والشرعيات فقالوا: عليه الدليل في نفي العقليات دون الشرعيات.

منتهى السول (3/ 67).

وقال الشيرازي: لنا: قوله تعالى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} [يونس: 39] فذمهم الله تعالى بأن قطعوا بالنفي من غير دليل.

ولأن القطع بالنفي لا يكون إلا عن طريق، كما أن القطع في الإثبات لا يكون إلا عن طريق، فلما وجب على المثبت إظهار ما اقتضاه الإثبات عنده وجب على النافي إظهار ما اقتضاه النفي عنده.

واحتجوا بأن من أنكر النبوة لا دليل عليه، وإنما يجب الدليل على مدعي النبوة، وذلك من أنكر الحق لا بينة عليه، وإنما البينة على مدعي الحق، فكذلك هاهنا، يجب أن يكون الدليل على من أثبت الحق دون من نفاه. والجواب: أن من ينكر النبوة إذا انقطع بالنفي، وقال: لست بنبي فإنه يجب عليه إقامة الدلالة على نفيه وهو أن يقول: لو كنت نبيا مبعوثا، لكان معك دليل على صدقك، لأن الله تعالى لا يبعث نبيا إلا ومعه ما يدل على صدقه فلم لم أر معك دليلا على أنك لست بنبي فهذا لا دليل عليه، لا، ه لم يقطع بالنفي، بل هو شاك، والشاك لا دليل دل عليه، وفي مسألتنا قطع النفي، فلا يجوز أن يقطع بذلك إلا عن طريق يقتضيه ودليل يوجبه فوجب إظهاره.

وأما منكر الحق فإنه يجب عليه إقامة البينة على إنكاره، وهو اليمين فلا نسلم ما ذكروه.

وجواب آخر: وهو أنه إن كان المدعي عينا فاليد بينة له، وإن كان دينا فبراءة الذمة بالفعل بينة له، وليس كذلك هاهنا، لأن نفيه لم يتم على نفيه ما يدل على صحته، فلم يصح نفيه. قالوا: لو نفى صلاة سادسة لم يكن عليه دليل فكذلك هاهنا. قلنا: لا بد في نفيها من دليل، وهو أن يقول: إن الله تعالى لا يتعبد الخلق بفرض غلا ويجعل إلى معرفته طريقا من جهة الدليل. فلما لم نجد ما يدل على الوجوب دلنا ذلك على أنه لا واجب هناك فيستدل بعدم الدليل على نفي الوجوب.

وانظر اللمع ص 70. البحر المحيط (6/ 9). الإبهاج (3/ 188). شرح المنهاج للبيضاوي (2/ 766).

ص: 2958

وإن أراد المجيب أبقاه الله بالمانع طلب الدليل على مقدمة أو أكثر، فلا يخفى أيضًا أنه لا يكون الحق بيده بمجرد طلب الدليل، وغاية ما هناك أن المستدل إذا لم ينهض بالدليل على الوجه المعتبر لزم انقطاعه وعوقه، وذلك هو الغرض من الجدل ولكن عوقه وانقطاعه لا يستلزم أن يكون الحق بيد المانع [2ب]، وغلا لزم أن يكون الحق بيد كل غالب في المراء والجدال، ولا يخفى ما يترتب على ذلك، وعلى الجلة، فعبارة المجيب في هذا المقام مشكلة جدا.

البحث الرابع

في تقرير أن الخطبة بمثابة ركعتين، وأنها شرط كما أشرنا إلى ذلك في إشراق الطلعة (1) وهو مبني على مقدمات.

الأولى: أن الحقائق الشرعية (2) واقعة بمعنى أن الشارع نقلها عن معانيها اللغوية إلى

(1) انظر الرسالة (87).

(2)

ومثال ذلك:

1 -

كلفظ الصلاة والصوم، وأمثالها فإن هذه الألفاظ كانت معلومة لهم ومستعملة عندهم في معانيها المعلومة، ومعانيها الشرعية ما كانت معلومة لهم.

2 -

وقيل الحقيقة الشرعية هي اللفظ الذي استفيد من الشارع وضعه للمعنى سواء كان اللفظ والمعنى مجهولين عند أهل اللغة. ومثاله: كأوائل السور عند من يجمعها اسما لها أو للقرآن فإنها ما كانت معلومة على هذا الترتيب ولا القرآن ولا السور.

أو كانا معلومين ومثاله: كلفظ الرحمن (لله) فإن هذا اللفظ كان معلوما لهم، وكذا صانع العالم كان معلوما لهم بدليل قوله تعالى:{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87] لكن لم يضعوه لله تعالى، لذلك قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة حين نزل قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110]. وقال الصفي الهندي: أن يكون المعنى معلوما واللفظ غير معلوم عندهم ومثاله: كلفظ الأب فإنه قيل: إن هذه الكلمة لم تعرفها العرب، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى:{وفاكهة وأبا} [عبس: 31]. هذه الفاكهة فما الأب؟ ومعناه كان معلوما لهم بدليل أن له اسما آخر عندهم نحو العشب.

انظر الإبهاج (1/ 275 - 276)، البحر المحيط (2/ 158 - 158)، إرشاد الفحول ص 108).

ص: 2959

معان مخترعة شرعية، وصار اللفظ اسما لمجموع تلك الأجزاء بخصوصها، ولتكن هذه المقدمة أصلا موضوعا، لأنه قد برهن عليها في الأصول.

المقدمة الثانية: أن الماهيات كما تكون طبيعية تكون وضعية، بمعنى أن واضع الاسم إذا اعتبر في معناه مجموع أشياء وجودية، أو عدمية حقيقية أو اعتبارية صار مسمى اللفظ مجموع ما اعتبره، وكان كل معتبر جزءا من الماهية، فلا يكون المعنى الحقيقي للفظ إلا جميع الماهية الملتئمة من الأجزاء التي لاحظها الواضع عند الوضع، وهذه المقدمة أيضًا أصل موضوع قد تقررت في علم الحكمة، وفي علم الوضع.

المقدمة الثالثة: أن تلك الأجزاء المعتبرة للماهية الاعتبارية قد تكون مختلفة كأركان الحج وأركان القياس، والتشبيه مثلا، وقد يختص بعض أجزائها بحكم غير ما يختص به البعض الآخر كهذه المذكورة ونحوها، وهذه المقدمة أيضًا غنية عن البيان.

المقدمة الرابعة: إن أحكام الشارع على الحقائق الشرعية إنما تنصرف إلى الماهيات التي اعتبرها ووضع اللفظ بإزائها.

ص: 2960

المقدمة الخامسة: أنه إذا انعدم جزء من أجزاء الماهية انعدمت لانعدامه، إذ المركب من مجموع أجزاء ينعدم لانعدام جزء منها وذلك واضح [3أ].

المقدمة السادسة: إن الماهيات التي اعتبرها الشارع، وهي معاني الحقائق الشرعية تكون معرفتها بقول يدل على ذلك أو بفعل مبين لذلك ويعرف كون الفعل بيانا اقترانه بقول أو بقرينة كما تقرر في الأصول (1) فما شمله الفعل أو القول من الأجزاء المعتبرة فهو الملاحظ في تلك الماهية، ويلا يلغى اعتبار الجزئية إلا لدليل يدل على أنه لم يعتبر ذلك الأمر جزاء، بل اعتبره واجبا مستقلا أو شرطا أو نحو ذلك.

وبعد:

هذه المقدمات يعلم أنه وقع خطاب التكليف بصلاة الجمعة، وهي حقيقة شرعية موضوعة بإزاء ماهية اعتبارية وضعية، ولا سبيل إلى معرفة تلك الماهية المطلوبة إلا بتعريف الشارع وبيانها لنا بقول، أو فعل مع قول، أو مع قرينة، فبينها صلى لله عليه وآله وسلم، بالخطبة والصلاة في جماعة، واستمر هذا البيان من حين قدم المدينة (2) إلى أن توفاه الله تعالى، فكانت الخطبة ركنا من أركانها وبعضا من أجزائها ولو لم تكن كذلك لبين حكمها أو تكرها لبيان الجواز ولو مرة في عمره، كما فعل في غيرها ولو لم تكن كغيرها من سائر الصلوات التي لم يجعل ما هو خارج عنها من أركانها بل هي حقيقة مستقلة اعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها ولهذا خالفت سائر الصلوات من جهات عديدة، منها عذر المسافر عنها والعبد والمرأة والمريض وأهل البادية (3) ومنها أنها

(1) انظر الكوكب المنير (1/ 153 - 154).

(2)

تقدم ذكر ذلك.

(3)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (1067) وهو حديث صحيح من حديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض.

ص: 2961

لا تكون إلا جماعة اتفاقا، ومنها المخالفة في الوقت حتى قيل: تجزئ قبل الزوال (1).

قال ابن المنذر: وفي عدم إذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل قباء والعوالي بإقامتها في مساجدهم أبين البيان أن حكمها مخالف لسائر الصلوات انتهى.

فإن قلت: إنه يلزم [3ب] على هذا أن تكون الخطبة ركنا لا شرطا.

قلت: لا ضير في ذلك، ونحن نلتزمه، وكثيرا ما يقع في عبارة المتقدمين التعبير بشرط الصحة، وبالركن عن شيء واحد، لأن حكمها واحد، وهو انعدام الماهية بانعدام ركنها أو شرطها كما قال ابن رشد المالكي في نهاية المجتهد (2) ما لفظه: الفصل الثالث في الأركان: اتفق المسلمون على أنها خطبة وركعتان بعد الخطبة، واختلفوا من ذلك في خمس مسائل: هي قواعد هذا الفصل، المسألة الأولى: هل هي شرط في صحة الصلاة، وركن من أركانها أم لا. فذهب الجمهور إلى أنها شرط وركن انتهى كلامه. ولهذا جعلوا الخطبتين بمثابة ركعتين.

فإن قلت: فعلى هذا يلزم أن تكون الخطبة من الصلاة.

قلت: وأي محذور في ذلك؟ فإن الخطبة ذكر كما قال تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} (3)

(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (939) ومسلم رقم (30/ 859) من حديث سهل بن سعد قال: ما كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع إلى القائلة فنقيل.

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (29/ 858) من حديث جابر قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها حتى تزول الشمس.

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (4168) ومسلم رقم (860) وأبو داود رقم (1085) والنسائي رقم (1391) وابن ماجه رقم (1100) من حديث سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس.

قال الشوكاني في السيل الجرار (1/ 600) ومجموع هذه الأحاديث يدل على أن وقت صلاة الجمعة حال الزوال وقبله، ولا موجب لتأويل بعضها.

(2)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (1/ 386) بتحقيقي.

(3)

الجمعة: 9.

ص: 2962

والصلاة عبارة عن ذات الأذكار والأركان، وقد اعتبر فيها ما اعتبر في الصلاة من الطهارة، والمنع من الكلام. وقد أخرج الإمام أحمد (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول أنصت ليست له جمعة. قال الحافظ ابن حجر (2) وهو يفسر حديث أبي هريرة في الصحيحين (3) مرفوعا: إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت.

قلت: ونفي الجمعة (4) في قوله ليست له جمعة تقرر كنظائره من الأدلة التي يتوجه النفي فيها إلى الذات [4أ].

البحث الخامس

قال المجيب كثر الله فوائده: إن الصحة سقوط القضاء في ................................

(1) في المسند (1/ 230).

(2)

في الفتح (2/ 414 - 415).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (394) ومسلم رقم (11/ 851).

قلت وأخرجه أبو داود رقم (1112) والترمذي رقم (512) والنسائي (3/ 104) وابن ماجه رقم (1110) والدارمي (1/ 364) ومالك (1/ 103 رقم 61) وأحمد (2/ 272).

(4)

انظر أقوال العلماء في ذلك.

قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله: فق لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه، وهو جحود شديد، لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا بل النهي عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله: أنصت مع كونه آمرا بالمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا.

وقالوا: إذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة.

انظر: المغني (3/ 193 - 195).

ص: 2963

العبادات (1) وترتب الآثار جميعا في المعاملات، وهاهنا قد سقط في القضاء، وهكذا الإجزاء (2) كما قرره أهل الأصول على أنهم قد صححوا الذات التي وقع التكليف بها، مع عدم شرطها في الواقع إذا حصل الظن بفعله فقط انتهى.

وأقول أولاً: إن قوله: وهاهنا قد سقط القضاء دعوى مجردة عن الدليل، فإن أسندها بما تقرر في الأصول من أن القضاء بأمر جديد، ولا أمر جديد فيما نحن بصدده، فهذا غير خاص بصلاة الجمعة، بل سائر الصلوات الخمس وجميع الواجبات إذا تركت فقضاها ساقط إلا أن يأتي أمر جديد في ذلك الواجب أنه إذا ترك وجب قضاؤه، ويأتي دليل آخر أن ذلك الواجب المأمور بقضائه إذا فعل مجردا عما يظن أنه من شرطه، أو شطره كان مسقطا للقضاء، فحينئذ يتم دعوى أنه قد سقط قضاء هذا الواجب إذا فعل مجرجا، أو أن ذلك دليل عدم الشرطية أو الشطرية.

وثانيًا: أن قوله: وأما ما قاله المتكلمون (3) فهو غير اصطلاح أهل الأصول لا يخفى ما فيه، فإن نفس مخالفة اصطلاحهم لاصطلاح أهل الأصول لا تدل على بطلان قولهم، على أن المتكلمين هم من أهل الأصول، وكلا القولين منصوص عليهما في علم الأصول، وإنما قابلوا قول المتكلمين بقول الفقهاء، لا بقول الأصوليين حتى يتوهم خروج [4ب] المتكلمين عن زمرة الأصوليين.

البحث السادس

إن إقامة الجمعة جماعة بخطبة لا خلاف في صحتها بين أحد من أئمة المسلمين فمن

(1) انظر البحر المحيط للزركشي (1/ 319). الكوكب المنير (1/ 467).

(2)

انظر البحر المحيط للزركشي (1/ 319 - 321)

(3)

ذكره الزركشي في البحر المحيط (1/ 319)

ص: 2964

ادعى بعد هذا صحة إقامتها بغير خطبة براءة ذمة المكلف بفعلها كذلك فعليه الدليل، ويقرر هذا الأصل بما قاله المجيب كثر الله فوائده في هذه المقدمة ولفظه أن التعبد بالصلاة إنما ورد بصورة مخصوصة، فإذا كانت ناقصة نقصانا يخرج به عن الهيئة المطلوبة من الشارع، وهو النقصان الذاتي، فمن فعلها على تلك الصورة الناقصة لم يفعل الصورة التي طلبها منه الشارع فإذا ادعى صحتها فعليه الدليل، ويكفي المانع للصحة أن يقوم في مركز المنع حتى يأتي مدعي الصحة بما ينقله عن مقام المنع، ولا ينقله عن ذلك إلا دليل صحيح يدل على أن تلك الصورة الناقصة صحيحة مجزئة مسقطة للقضاء. انتهى كلامه (1) وهو كلام نفيس جدا.

وأما قوله بعد ذلك: هذا إذا كان قد اتفق المتناظران على أن ذلك الشيء المتروك هو ركن من أركان الصلاة التي وقع التكليف بها، وأنها بدونه ناقصة نقصانا ذاتيا إلى آخر كلامه، فجوابه أولا بالمعارضة، وهو أنه قد اتفق المتناظران على شرعية الخطبة وصحة الصلاة بها، ومقارنتها لها، وعدم ترك الخطبة من أحد ممن أقام شعارها العظيم من حين شرعها الله تعالى إلى الآن، فإنه لم ينقل إلينا أن أحدا من أهل الإسلام أقام الجمعة بغير خطبة، فمع اتفاق المتناظرين على هذا [5 أ] فالدليل على مدعي صحتها بدون خطبة، وثانيا بأن اشتراطه كثر الله فوائده لاتفاق المتناظرين على الركنية، وأنها بدونه ناقصة نقصا ذاتيا يستلزم رفع الخلاف بينهما، وعدم الثمرة للمناظرة لأن الخصم إذا قد سلم كونها ركنا، وأنها بدونه ناقصة نقصانا ذاتيا، فماذا بقي بعد هذا إلا المكابرة التي لا تليق بمنصف.

وبعد تقرير هذه الأبحاث يعلم الجواب على المقاصد، لأن الذي اشتملت عليه إما المطالبة بدليل شطرية الخطبة أو شرطيتها، وهو الذي اشتمل عليه المقصد الأول، وبعض المقاصد الآخرة.

(1) انظر كلام الشوكاني هذا في الرسالة رقم (88).

ص: 2965

وأما الاعتراض بعدم السلوك في إشراق الطلعة (1) على المسالك المعتبرة في الجدل وهو مضمون المقصد الثاني، وقد عرفت الجواب عليهما من البحث الرابع، ومن البحث الثاني.

وأما الكلام على حديث: من أدرك ركعة (2) وهو مضمون بقية المقاصد، وقد ذكرنا ما يتعلق بذلك في إشراق الطلعة (3) فلا حاجة إلى إعادته هنا.

وأما منع كون خطاب التكليف بصلاة الجمعة مجملا وهو المقصد السابع، وقد عرفت في البحث الرابع أن الحقائق الشرعية لها ماهيات وضعية اعتبرها الشارع لا تعرف إلا ببيانها منه. وأما الكلام على الاستدلال بالحديث المنقطع (4) وهو المقصد الثامن، وهي مسألة معروفة في الأصول، فلو تكلمنا عليها لفعلنا ما هو معروف عند المجيب أبقاه الله، مما استدل به أئمتنا عليهم السلام [5ب] على قبول المرسل (5) وما حققه الإمام عبد الله بن حمزة في الشافي (6)، ولم نقل إن أصحابنا يحتجون بالمنقطع إلا لأنا بصدد دفع ما منع به دليل أئمتنا، لأني قد ذكرت في خطبة الرسالة أي سأنقل المسألة برأسها من كتب أهل المذهب وغيرهم، فالاعتراض عليهم بما أصلوه في الأصول لا يجدي في الفروع إلا بنقل الكلام إلى ذلك، ونقل الكلام إلى تلك المسألة الأصولية تطويل لكونها معروفة.

وعلى الجملة فإنه يظهر للمنصف أن الحكمة في تشريع الجمعة هي غير الحكمة في

(1) انظر الرسالة رقم (87).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

انظر الرسالة رقم (87).

(4)

تقدم تعريفه وبيان حجيته.

(5)

تقدم تعريفه، وبيان حجيته.

(6)

وهو رد على كتاب الرسالة الخارقة للفقيه: عبد الرحيم بن أبي القبائل المتوفى سنة 616 هـ. ألفه عبد الله بن حمزة الحسني اليمني، وهو في أربع مجلدات ضخمة حقق فيها أيضًا طرقه ومروياته.

مؤلفات الزيدية (2/ 121).

ص: 2966

غيرها، وأنه لوحظ فيها ما لم يلاحظ في غيرها. والله تعالى أعلم. وفقنا الله تعالى إلى سلوك سبيل السلام وأصلح لنا النيات، وأحسن الختام بجاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وسلاما يدومان بدوام الملك العلام. حرر بتاريخ سلخ شهر صفر سنة 1219 هـ.

ص: 2967