الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الصدور في تحريم رفع القبور
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققته وعلقت عليه وخرجت أحاديثه محفوظة بنت على شرف الدين أم الحسن
[شرح الصدور مفيد
…
لما عن الضمير أملاه
هدم القباب كما جاء
…
عنه وبالقول أنهاه
فالمرتضى سار قصدا
…
لهدمها طاب مسعاه
والله قال تعالى
…
إن المساجد لله] (1)
(1) من صورة غلاف النسخة (أ).
وصف المخطوط (أ):
1 -
عنوان الرسالة: (شرح الصدور في تحريم رفع القبور).
2 -
موضوع الرسالة: فقه.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله المطهرين، وصحبه المكرمين.
وبعد: فاعلم أنه وقع الخلاف بين المسلمين في كون هذا الشيء بدعة.
…
4 -
آخر الرسالة:
…
تحليل المحرمات وفعل المنكرات وفعل المنكرات اللهم غفران.
كمل منقولا من تحريم مؤلفه العلامة البدر محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما آمين.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 14 صفحة + صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 28 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 12 - 14 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
وصف المخطوط (ب):
1 -
عنوان الرسالة: (شرح الصدور في تحريم رفع القبور).
2 -
موضوع الرسالة: فقه.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله المطهرين وصحبه المكرمين.
وبعد: فاعلم أنه إذا وقع الخلاف بين المسلمين في كون هذا الشيء بدعة. ..
4 -
آخر الرسالة:. .. تحليل المحرمات وفعل المنكرات اللهم غفرا.
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم آمين.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 24 صفحة + صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 20 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله المطهرين، وصحبه المكرمين.
وبعد:
فاعلم أنه إذا وقع الخلاف بين المسلمين في كون هذا الشيء بدعة، أو غير بدعة (1)، أو مكروه، أو محرم أو غير محرم، أو غير ذلك فقد أتفق المسلمون أجمعون سلفهم وخلفهم من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا، وهو القرن الثالث عشر منذ البعثة المحمدية أن الواجب عند الاختلاف (2) في أي أمر من أمور الدين بين الأئمة المجتهدين
(1) تقدم تعريفها.
(2)
أعلم - أن أصول الشريعة وأركانها لا خلاف فيها في الجملة عند من يعتد بقوله.
-إن الحق واحد، ومصيبه واحد، والمخطئ بعد الاجتهاد معذور مأجور.
-إن المختلفين إذا وضح لهم الحق من كتاب وسنة يجب عليهم الرجوع إليهما وترك أرائهم.
-إن اجتماع المسلمين وتوحد كلمتهم وتقاربهم وتعاونهم واحترام بعضهم لبعض أمر حث عليه الإسلام.
-واعلم أن الاختلاف المذموم، هو الاختلاف عن هوى وتعصب بعد وضوح الحق. وهذا لم يحصل للأئمة المجتهدين الأتقياء، فكانوا يتركون أقوالهم للدليل ويقولون لأتباعهم: إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.
ولا يجوز لمسلم أن يتعصب لقول في مذهبه مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يجب الرد والرجوع إليهما، فالاختلاف الناجم عن الهوى والتعصب هو بلا شك شر على الأمة، وقد حصل بسببه آثار سيئة ومفاسد كبيرة فالتخلص من الاختلاف الذي من هذا النوع واجب ورحمة للأمة كما قال تعالى:(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].
انظر: " الإحكام في أصول الأحكام "(5/ 647). " الأحاديث الضعيفة والموضوعة "(1/ 76 - 48). وانظر: - " أسباب اختلاف الفقهاء "، للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي.
-" آثار اختلاف الفقهاء في الشريعة ". أحمد بن محمد عمر الأنصاري.
هو الرد إلى كتاب الله - سبحانه -، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما نطق بذلك الكتاب العزيز (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(1). ومعنى الرد إلى الله - سبحانه - الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الرد إلى سنته بعد موته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.
فإذا قال مجتهد من المجتهدين: هذا حلال، وقال الآخر: هذا حرام، فليس أحدهما أولى بالحق من الآخر، وإن كان أكثر منه علما، أو أكبر منه سنا، أو أقدم منه عصرا، لأن كل واحد منهما فرد من أفراد عباد الله، متعبد بما جاء من الشريعة في كتاب الله، وسنة رسوله، ومطلوب منه ما طلبه الله من غيره من العباد. وكثرة علمه، وبلوغه درجة الاجتهاد، أو مجاوزته لها لا تسقط عنه شيئا من الشرائع التي شرعها الله لعباده، ولا يخرجه من جملة المكلفين من العباد، بل العالم كلما كان تكيلفه زائدا على تكليف غيره، ولو لم يكن من ذلك إلا ما [أوجبه](2) الله عليه من البيان للناس، وما كلفه به من الصدع بالحق، وإيضاح ما شرعه الله [1] لعباده (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)(3)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
(1)[النساء: 59]
(2)
في [ب] أوجب.
(3)
[آل عمران: 187]. قال ابن كثير في تفسيره (2/ 180 - 181): هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب، الذين أخد عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينوهوا بذكره في الناس ليكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الضعيف والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم.
* وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من سئل عن علم فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار ". أخرجه البخاري رقم (6105 و6652) ومسلم رقم (110) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. وقال ابن جرير في جامع البيان (3 / ج 4/ 203): هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم، وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل مالا علم له به، فيخرج من دين الله، فيكون من المتكلفين، كأن يقال مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينفق منه ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب، وكان يقال: طوبي لعالم ناطق، وطوبي لمستمع واع، هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيرا فحفظه ودعاه، واتنفع به.
أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (1)، فلو لم يكن لمن رزقه الله طرفا من العلم إلا كونه مكلفا بالبيان للناس لكان كافيا فيما ذكرناه من كون العلماء لا يخرجون عن دائرة التكليف، بل يزيدون بما علموه تكليفا. وإذا أذنبوا كان ذنبهم أشد من ذنب الجاهل، وأكثر عقابا كما تراه فيما حكاه الله - سبحانه - عمن عمل سوءا بجهالة (2) حيث أقدموا على مخالفة ما
(1)[البقرة: 159].
قال ابن جرير في " جامع البيان "(2/ 53): وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاص من الناس، فإنها معنى بها كل كاتم علما فرض الله تعالى بيانه للناس وذلك نظير الخبر الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ".
(2)
(منها) قوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[البقرة: 75]. إلى قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)[البقرة: 79].
(ومنها) قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[النساء: 17 - 18].
(ومنها): (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)[النساء: 46].
(ومنها): قوله تعالى: (كتب ربكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الأنعام: 54].
(ومنها): قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل: 119].
شرع الله لهم، مع كونهم يعلمون [1 أ] الكتاب ويدرسونه. ونعى ذلك عليهم في مواضع متعددة، وبكتبهم أشد تبكيت.
وكما ورد في الحديث الصحيح أن أول من تسعر به نار جهنم (1) العالم الذي كان
(1) في حاشية المخطوط: الذي ورد أن أول (أ) من تسعر به نار جهنم هو القارئ المرائي، والعالم المرائي، والمجاهد المرائي، وأما الذي أشار إليه شيخنا دامت إفادته فهو الذي ورد أنه يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحا.
…
الحديث (ب).
(أ): انظر ما أخرجه الترمذي رقم (2382) من حديث أبي هريرة الصحيح في التعليقة الأولى في الصفحة التالية.
(ب): أخرج البخاري في صحيحه رقم (3267) ومسلم في صحيحه رقم (51/ 2989) من حديث أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتنزلق أقتابه في النار، فيدور كما الحمار برحاه، فيجمتع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ".
قال القرطبي في " المفهم "(6/ 621): وإنما اشتد عذاب هذا، لأنه كان عالما بالمعروف وبالمنكر، وبوجوب القيام عليه بوظيفة كل واحد منهما ومع ذلك فلم يعمل بشيء من ذلك، فصار كأنه مستهين بحرمات الله تعالى، ومستخف بأحكامه، ثم إنه لم يتب عن شيء من ذلك وهذا من جملة من لم ينتفع بعلمه الذي قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس عذابا يوم القيامة: عالم لم ينفعه الله بعلمه " أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (1/ 182 - 183) والبيهقي في " شعب الإيمان " رقم (1778).
يأمر الناس، ولا يأتمر، وينهاهم ولا ينتهي (1)
وبالجملة فهذا أمر معلوم أن العلم وكثرته وبلوغ حامله إلى أعلى درجات العرفان لا يسقط عنه شيئا من التكاليف الشرعية، بل يزيد عليها شدة، ويخاطب بأمور لا يخاطب بها الجهل، ويكلف بتكاليف غير تكاليف الجاهل، ويكون ذبنه أشد، وعقوبته أعظم. وهذا لا ينكره أحد ممن له أدني تمييز لعلم الشريعة. والآيات والأحاديث الواردة في هذا المعني لو جمعت لكانت مؤلفا مستقلا، ومصنفا حافلا، وليس ذلك من غرضنا في هذا البحث، بل غاية الغرض من هذا، ونهاية القصد وبيان أن العالم كالجاهل في التكاليف [2] الشرعية، والتعبد بما في الكتاب والسنة، مع ما أوضحناه لك من التفاوت
(1) أخرج الترمذي في سننه رقم (2382) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن الله تعالي إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ، ألم أعلمك ما أنزلت علي رسولي؟ قال بلي يا رب قال فماذا علمت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب.
قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة له كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك. ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت: فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ". ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة ".
وأخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه (4 رقم 2482) والحاكم في " المستدك "(1 - 419).
وقال: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وقال: الترمذي حديث حسن غريب.
قلت: وهو حديث صحيح.
بين الرتبتين: رتبة العالم، ورتبة الجاهل في كثير من التكاليف، واختصاص العالم منها بما لا يجب على الجاهل. وبهذا يتكرر لك أنه ليس لأحد من العلماء المختلفين، أو من التابعين لهم والمقتدين بهم أن يقول: الحق ما قاله فلا ن دون فلان، أو فلان أولى بالحق من فلان، بل الواجب عليه إن كان ممن له فهم وعلم وتمييز أن يرد ما اختلفوا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله، فمن كان دليل الكتاب أو السنة معه فهو المحق، وهو الأولى بالحق. من كان دليل الكتاب والسنة عليه لا له كان هو المخطئ ولا ذنب عليه في هذا الخطأ إذا كان [قد](1) وفى الاجتهاد حقه، بل هو معذور، بل مأجور كما ثبت في الحديث الصحيح (2) أنه " إذا اجتهد فأصاب فله أجران، إن اجتهد فأخطأ فله أجر ".
فناهيك بخطأ يؤجر عليه فاعله. ولكن هذا إنما هو للمجتهد نفسه إذا أخطأ، ولا يجوز لغيره أن يتبعه في خطئه، ولا بعذر كعذره، ولا يؤجر كأجره، بل واجب على من عداه من المكلفين أن يترك الاقتداء به في الخطأ، ويرجع إلى الحق الذي دل عليه [دليلا](3) والكتاب أو السنة. وإذا وقع الرد لما اختلف فيه أهل العلم إلى الكتاب والسنة كان من معه دليل الكتاب والسنة [هو](4) الذي أصاب الحق ووافقه، وإن كان مقصرا أن واحد، والذي لم يكن معه دليل [1ب](5) الكتاب [و](6) السنة هو الذي لم يصب الحق، بل أخطأه، وإن كانوا عددا كثيرا فليس لعلم ولا لمتعلم ولا لمن يعهم وإن كان مقصرا أن يقول: إن الحق بيد من يقتدي به من العلماء (7) إن كان دليل الكتاب والسنة بيد غيره؛
(1) زيادة من [ب].
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7352) ومسلم رقم (1716) من حديث عمرو بن العاص. وقد تقدم مرارا.
(3)
في [ب] دليل.
(4)
زيادة من [أ].
(5)
في [ب].
(6)
في [ب] أو.
(7)
انظر مناقشة ذلك فيما تقدم من رسائل رقم (59) و (60) و (61) من كتابنا هذا.
فإن ذلك [3] جهل عظيم، وتعصب شديد، وخروج من دائرة الإنصاف بالمرة، لأن الحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بالحق. وليس أحد من العلماء المجتهدين، والأئمة المحققين بمعصوم. ومن لم يكن معصوما فهو يجوز عليه الخطأ كما يجوز عليه الصواب، فيصيب تارة، ويخطئ أخرى. ولا يتبين صوابه من خطئه إلا بالرجوع إلى دليل الكتاب والسنة، فإن واقفهما فهو مصيب، وإن خالفهما فهو مخطئ. ولا خلاف في هذه الجملة بين جميع المسلمين أولهم وآخرهم، سابقهم ولا حقهم، كبيرهم وصغيرهم، وهذا يعرف كل من له أدني حظ من العلم، وأحقر نصيب من العرفان، ومن لم يفهم هذا، ويعترف به فليتهم نفسه، ويعلم أنه قد جني على نفسه بالخوض فيما ليس من شأنه، والدخول فيما لا تبلغ إليه قدرته، ولا ينفد فيه فهمه، وعليه أن يمسك قلمه ولسانه، ويشتغل بطلب العلم، ويفرغ نفسه لمعرفة علوم الاجتهاد التي يتوصل بها إلى معرفة الكتاب والسنة، وفهم [معانيها](1) والتمييز بين دلائلهما، ويجتهد في البحث عن السنة وعلومها (2) حتى يتميز له صحيحها من سقيمها، ومقبولها من مردودها،
(1) في [ب] معانيها.
(2)
من أسس الاجتهاد وقواعده:
1 -
العلم بنصوص الكتاب والسنة المتعلقة بالأحكام.
2 -
القدرة على استنباط الأحكام.
3 -
معرفة الناسخ والمنسوخ.
4 -
الإلمام باللغة العربية.
5 -
معرفة ما أجمع عليه من الأحكام.
6 -
عرفة القياس.
7 -
العلم بأصول الفقه وقواعده.
8 -
العلم بمقصد الشريعة.
9 -
معرفة أحوال العصر.
انظر " نهاية السول "(3) وقد تقدم تعريف الاجتهاد.
وينظر في كلام الأئمة الكبار من سلف هذه الأمة وخلفها، حتى يهتدي بكلامهم إلى الوصول إلى مطلوبه، فإنه إن فعل هذا وقدم الاشتغال بما ذكرنا ندم على ما فرط منه قبل أن يتعلم هذه العلوم غاية الندم، وتمني أنه أمسك عن التكلم بما لا يعنيه، وسكت عن الخوض فيما لا يدريه. وما أحسن ما أدبنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه من قوله:" رحم الله امرءا قال خيرا أو صمت "(1)[4] وهذا الذي تكلم
(1) أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب "(1 رقم 581) و (1 رقم 582) من طريقين عن الحسن مرفوعًا ومرسلا.
وأورده السيوطي في " حسن السمت في الصمت "(ص42رقم 21) و (ص44، 45، 30) وأخرجه اين أبي الدنيا في كتاب "الصمت " رقم (41) وأحمد في " الزهد " منسوبا إلى الحسن البصري (277).
وأورده السيوطي في " الجامع الصغير"(4 رقم 4426 - مع الفيض)
وعزاه لأبي الشيخ من حديث أبي أمامة ورمز لضعفه.
وأورده السيوطي في "الجامع الصغير "(4 رقم 4427 - مع الفيض) وعزاه لابن المبارك في الزهد رقم (380) من حديث خالد بن أبي عمران مرسلا ورمز لحسنه.
وحسن المحدث الألباني" الحديث "في " صحيح الجامع " رقم (3496) ورقم (3497) وكذلك في " الصحيحة "رقم (855).
أخرج البخاري في صحيحه رقم (6018) ومسلم في صحيحه رقم (47).
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (6019) ومسلم رقم (48) من حديث أبي شريح العدوي.
قال ابن كثير في تفسيره (7) قوله تعالي: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]. ما يتكلم ابن آدم بكلمة إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها. لا يترك كلمة ولا حركة.
ثم قال واختلف العلماء: هل يكتب الملك كل شيء من الكلام؟ وهو قول الحسن وقتادة أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس، وظاهر الآية الأول لعموم قوله تعالى:(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
وعن ابن عباس قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله: " أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت ".
في العلم أن يفتح الله عليه بما لا بد منه، وشغل نفسه بالتعصب للعلماء، تصدي للتصويب والتخطئة في شيء لم يعلمه، ولا فهمه حق فهمه لم يقل خيرا ولا صمت، فلم يتأدب بالأدب الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا قد تقرر لك بمجموع ما ذكرناه وجوب الرد إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنص الكتاب العزيز وإجماع المسلمين أجمعين عرفت أن من زعم من الناس أنه يمكن معرفة المخطئ والمصيب من العلماء من غير هذه [الطريق](1) عند [2أ] اختلافهم في مسألة من المسائل فهو مخالف لنص كتاب الله، ومخالف لإجماع المسلمين أجمعين. فانظر - أرشدك الله - أي جناية جني على نفسه بهذا الزعم الباطل! وأي مصيبة وقع فيها بهذا الخطأ الفاحش! وأي بلية جلبها عليه القصور! أي محنة شديدة ساقها إليه التكلم فيما ليس من شأنه!.
وها نحن نوضح لك مثال ما ذكرناه من الاختلاف بين أهل العلم، ومن كيفية الرد إلى كتاب الله، وسنة رسوله، ليتبين المصيب من المخطئ، ومن بيده الحق، ومن بيده غيره، حتى تعرف ذلك حق معرفيه، ويتضح لك غاية الاتضاح، فإن الشيء إذا ضربت له الأمثلة، وصورت له الصور بلغ من الوضوح والجلاء إلى غاية لا تخفى على من له فهم صحيح، وعقل رجيح، فضلا عمن له في العلم نصيب، وفي العرفان حظ. ولنجعل هذه المسألة التي جعلناها مثالا لما ذكرناه، وإيضاحا لما أمليناه في المسألة التي لهج بالكلام فيها أهل عصرنا ومصرنا، خصوصا هذه الأيام لأسباب لا تخفى، وفي مسألة رفع القبور، والبناء عليها كما [5] يفعله الناس من بناء المساجد والقباب وعلى القبور فتقول
(1) في [ب] الطريقة.
اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولا حقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلي هذا الوقت أن رفع القبور، والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واستد وعيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاعلها كما سيأتي بيانه. ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين، لكنه وقع للإمام يحيي بن حمزة (1) مقالة تدل على أنه لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء، ولم يقل بذلك غيره، ولا روي عن أحد سواه. ومن ذكره من المؤلفين في كتب الفقه من الزيدية فهو جرى على قوله، واقتدي به، ولم نجد القول لذلك لأحد ممن عاصره، أتقدم عصره عليه، لا من أهل البيت، ولا من غيرهم.
وهكذا اقتصر صاحب البحر (2) الذي هو مدرس كبار الزيدية، ومرجع مذاهبهم، ومكان البيان لخلافهم في ذات بينهم، وللخلاف بينهم وبين غيرهم، بل قد اشتمل على غالب أقوال المجتهدين وخلافهم في المسائل الفقهية، صار هو [المرجوع](3) إليه في هذه الأعصار وهذه الديار لمن أراد معرفة الخلاف في المسائل وأقوال القائلين بإثباتها أو نفيها من المجتهدين، فإن صاحب هذا الكتاب الجليل لم ينسب هذه المقالة - أعني جواز رفع القباب والمشاهد على قبور الفصلاء - إلا إلى الإمام يحيى وحده فقال [2ب] ما نصه (4):" مسألة: قال الإمام يحيى: ولا بأس بالقباب والمشاهد على الفضلاء في الملك لا ستعمال المسلمين ولم ينكر " انتهى.
فقد عرفت من هذا أنه لم يقل بذلك إلا الإمام يحيى، وعرفت دليله الذي استدل به، وهو استعمال المسلمين مع عدم النكير، ثم ذكر صاحب البحر (4) هذا الدليل الذي استدل
(1) هو المؤيد بالله يحيي بن حمزة علي بن إبراهيم. ولد بصنعاء سنة 669 هجريه. توفي سنة 749 هجريه. انظر: " أعلام المؤلفين الزيدية "(ص 1124) وقد تقدم.
(2)
(2 - 132).
(3)
في [ب] المرجع.
(4)
من " البحر الزخار"(2).
به الإمام يحيى في الغيث (1) واقتصر عليه، ولم يأت بغيره.
إذا عرفت هذا تقرر لك أن [هذا](2) خلاف واقعا بين الإمام يحيى وسائر العلماء من الصحابة والتابعين. ومن المتقدمين من أهل البيت والمتأخرين، ومن أهل المذاهب الأربعة وغيرها، ومن جميع المجتهدين أولهم وآخرهم. ولا يعترض هذا بحكاية من حكى قول الإمام يحيى في مؤلفه ممن جاء بعده من المؤلفين؛ فإن مجرد حكاية القول لا تدل على أن الحاكي يختاره ويذهب إليه، فإن كان وجدت قائلا بما جاء من أهل العلم يقول بقول هذا، ويرجحه فإن وجدت قائلا بما قاله الإمام يحيى ذاهبا إلى ما ذهب إليه بذلك الدليل الذي استدل به، وإن كان مجتهد فلا اعتبار بموافقته، لأنه إنما تعتبر أقول المجتهدين (3)، لا أقوال المقلدين. [وإذا](4) أردت أن تعرف هل الحق ما قاله الإمام يحيى أو ما قاله عيره من أهل العلم، فالواجب عليك رد هذا الاختلاف إلى ما أمرنا الله بارد إليه، وهو كتاب الله، وسنة رسوله.
فإن قلت: بين لي العمل في هذا الرد حتى تتم الفائدة، ويتضح [المحق](5) من غيره، والمصيب من المخطئ في هذه المسألة.
قلت: افتح لما أقوله سمعا، واشحذ له فهما، وأرهف له ذهنا. وها أنا أوضح لك الكيفية المطلوبة، وأبين لك مالا يبقي عندك بعده [7] ريب، ولا يصاحب ذهنك
(1)" الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار " نأليف الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضي الحسني.
شرح على كتاب المؤلف: " الأزهار في فقه الأئمة الأطهار " في أربع مجلدات وقد تحدث فيه عن كل المسألة وردت في الأصل مع ذكر الأدلة والأقوال.
" مؤلف الزيدية "(2 رقم 3330).
(2)
في (أ) لهذا.
(3)
تقدم مناقشة ذلك.
(4)
في (ب) فإذا.
(5)
في (ب) الحق.
وفهمك عنده لبس.
فأقول: قال الله - سبحانه -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا): (1) فهذه الآية فيما الإيجاب على العباد بالائتمار [لما](2) أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخذ به، لما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه.
وقال الله سبحانه: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(3) ففي هذه الآية تعليق محبة الله الواجبة على كل عند من عباده باتباع رسول [وأن](4) ذلك هو المعيار الذي نعرف به محبة العبد لربه على الوجه المعتبر. وأنه أيضًا السبب الذي يستحق به العبد أن يحبه الله.
وقال الله سبحانه: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)(5) ففي هذه الآية أن طاعة الرسول طاعة الله.
وقال [تعالى](6): (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)(7) فأوجب هذه السعادة لمن أطاع الله ورسوله، وهي أن يكون مع هؤلاء أرفع العباد درجة، وأعلاهم منزلة.
(1)[الحشر: 7].
(2)
في (ب): (بما).
(3)
[آل عمران:31].
(4)
في (ب) فإن.
(5)
[النساء: 80].
(6)
زيادة من (ب).
(7)
[النساء: 69]
وقال [عز وجل](1): (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)(2)
وقال سبحانه: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)(3). وقال سبحانه [وتعالى]: (4)(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(5). وأمر الله سبحانه رسوله أن يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)(6) والآيات الدالة على هذا المعنى والجملة أكثر من ثلاثين: (7) آية، [ويستفاد](8) من [8] جميع ما ذكرناه أنما أمر به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. أو نهى عنه كان الأخذ به واتباعه واجبا بأمر الله - سبحانه -، وكانت الطاعة لرسول الله [صلى الله عليه وسلم](9) في ذلك طاعة لله، وكان الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرا من الله.
(1) زيادة من (ب).
(2)
[النساء 13: 14]
(3)
[النور: 52]
(4)
زيادة من (ب).
(5)
[النور: 54]
(6)
[آل عمران: 50]
(7)
(منها): قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران: 132].
(ومنها): قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء: 59].
(ومنها): قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 1]
(ومنها) قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)[الأنفال: 20]
(8)
في (ب) مستفاد.
(9)
زيادة من (ب).
وسنوضح لك ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في غير حديث النهي عن رفع القبور، والبناء عليها، ووجوب تسويتها، وهدم ما ارتفع منها. ولكنا ها هنا نبتدي بذكر أشياء في حكيم التوطية والتمهيد لذلك، ثم ننتهي- أن شاء الله - إلى ذكر ما هو المطلوب حتى يعلم من اطلع على هذا البحث أنه إذا وقع الرد لما قاله الإمام يحيى، وما قاله غيره في القباب والمشاهد إلى ما أمر الله بالرد إليه، وهو كتاب الله - سبحانه -، وسنة رسول- صلى الله عليه وآله وسلم كان في ذلك ما يشفي ويكفي، ويقنع ويغني ذكر بعضه فضلا عن ذكر جميعه. وعند ذلك يتبين لكل من له فهم ما في رفع القبور من الفتنة العظيمة لهذه الأمة، ومن المكيدة البالغة التي كان همزة الشيطان بها، وقد كاد بها من كان قبلهم من الأمم السالفة كما حكى الله سبحانه وتعالى ذلك في كتانه العزيز. وكان أول ذلك قوم نوح.
قال الله - سبحانه -: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا)(1) قال جماعة من السلف الصالح (2): أن يعوق ويغوث ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم قوم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم [9]- الذين كانوا يقتدون بهم -: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم:(3) فلما ماتوا وجاء آخرون [3ب] دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم [وهم](4) يسقون المطر فعبدهم، ثم العرب بعد ذلك. وقد حكى
(1)[نوح 21: 24]
(2)
انظر " تفسير القرآن العظيم "(8) لابن كثير. " جامع البيان " لابن جرير الطبري (14 /ج29 - 100). " تفسير القرآن العظيم " لأبي حاتم (10 - 3376).
(3)
(انظر الرسالة رقم (172) بعنوان " بحث في التصوير " من " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ".
(4)
في (ب) وبهم.
معنى هذا في الصحيح البخاري (1) عن ابن عباس.
وقال قوم السلف (2) إن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين:(3) وغيرهما (4) وهو حديث صحيح. عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة وأتها بأرض الحبشة، وذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله ".
وأخرج ابن جرير في تفسير (5) قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)(6) قال: " كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره ".
وفي صحيح .......................................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما: " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكان لكلب بدومة الجندل، أما سواع فكانت لهذيل، أما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبا، أما يعوق فكانت لهمدان، أما نسرا فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ".
(2)
أخرجه ابن كثير في تفسيره (8).
وابن جرير الطبري في جامع البيان (14 /ج29 - 99). كلاهما عن محمد ابن قيس.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1341) وأطرافه (427، 434، 3873) ومسلم في صحيحه رقم (528).
(4)
كالنسائي (2 رقم 2704) وأبو عوانة (1 - 401)
(5)
(13 /ج27).
(6)
[النجم: 19]
مسلم (1) عن جندب بن عبد الله البجلي قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخدوا القبور مساجد؛ فإن أنهاكم عن ذلك ".
وفي الصحيحين (2) من حديث عائشة [رضي الله عنها](3) قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طفق يطرح [10] خميصة (4) على وجهه، فإذا اغتم كشفها فقال - هو كذلك -:" لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا ".
وفي الصحيحين (5) مثله أيضًا من حديث ابن عباس.
وفيهما (6) أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " قاتل الله واليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وفي الصحيحين (7) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله
(1) رقم (23).
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (5): إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (435، 346) وأطرافه (5816، 5815، 4444، 4443، 4441، 3454، 3453، 1390، 1330).
ومسلم في صحيحه رقم (22).
(3)
زيادة من (أ).
(4)
قال في النهاية (2): الخميصة ثوب خز أو صوف معلم، وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس قديما وجمعها الخمائص.
وقال القرطبي في " المفهم "(2) الخميصة: كساء له أعلام.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (436، 435) ومسلم رقم (22).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه وقم (437) ومسلم رقم (530).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1330) ومسلم رقم (19).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3227) والنسائي (4 رقم 2074) وأحمد (2) وأبو عوانة (1) والبيهقي (4).
- صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي لم يقم منه -:" لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "ولولا ذلك لبرز قبره] صلى الله عليه وآله وسلم] (1)، غير أنه خشي أن يكون مسجداً (2)
وأخرج الإمام أحمد في مسنده (3) بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ".
وأخرج أحمد (4) وأهل .............................................
(1) زيادة من (أ)
(2)
قال القرطبي في"المفهم"(2) ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة، إذ كان مستقبل المصلين - فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشمالين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.
كان ذلك قديما فقد طرأ عليه تغيير وتعديل في العصر المملوكي ثم العثماني بحيث أصبح القبر حجرة مربعة تعلوه القبة الخضراء، فمن صلى خلف الحجر لم يكن مستقبلا القبر لوجود الساتر. وهو الآن كذلك.
(3)
في المسند (1، 435).
قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3) وابن خزيمة في صحيحه (2 - 7 رقم 789) والطبري في الكبير (10 رقم 10413) من طرق عاصم عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود، وعاصم صدوق. فالحديث حسن.
وأخرجه أحمد (1) وفي سنده " قيس بن الربيع " لا بأس به في الشواهد والمتابعات.
وأصل الحديث في البخاري رقم (7067) بدون الزيادة وهي " والذين يتخذون القبور مساجد ".
(4)
في المسند (186، 184).
وأورد الهيثمي في " المجمع "(2) وقال: رواه الطبري في الكبير (5 رقم 4907) ورجاله موثقون.
ولم يعزن للإمام أحمد. وتعقب بأن في سند " عقبة بن عبد الرحمن وهو ابن أبي معمر " وهو مجهول.
انظر " التقريب "(2 رقم 244). وهو حديث حسن بشواهده.
السنن (1) من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها مساجد والسرج ".
وفي صحيح مسلم (2) وغيره (3) عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه[4أ]: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ".
وفي صحيح مسلم (4) أيضًا عن ثمامة بن صفي نحو ذلك. وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع واجبة متحتمة، فمن إشراف القبور أن [يرتفع](5)[11] سمكها، أو تجعل عليها القباب، أو المساجد؛ فإن ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة. ولهذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث لهدمها أمير المؤمنين رضي الله عنه، ثم إن أمير المؤمنين لهدمها أبا الهياج الأسدي
(1) أخرجه أبو داود رقم (3236) والترمذي رقم (320) وقال حديث حسن.
والنسائي (4 رقم 2043) من حديث ابن عباس وهو حديث حسن بشواهده ما عدا لفظ (السرج).
انظر الإرواء (3) والضعيفة رقم (225)
(2)
رقم (93).
(3)
كأبي داود رقم (3218) والترمذي رقم (1049) والنسائي (4 رقم 2031) وأحمد (1/ 89). وهو حديث صحيح.
(4)
رقم (92).
وأخرجه أبو داود رقم (3219) والنسائي (4 رقم 2030) وأحمد (1) وهو حديث صحيح.
(5)
في (ب) يرفع.
في أيام خلافته.
وأخرج أحمد (1)، ومسلم (2)، والترمذي (3)، الترمذي (4) وصححه، النسائي (5)، وابن حبان (6) من حديث جابر قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجصص القبر، وأن يبني عليه، وأن يوطأ " وزاد هؤلاء المخرجون لهذا الحديث غير مسلم: " وأن يكتب عليه "، قال الحاكم (7): النهي عن الكتابة على القبور، وهو يصدق على من بنى على جوانب حفرة القبر كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور، وهو يصدق على من بنى على جوانب حفرة القبر كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور الموتى ذراعا فما فوقه، ويصدق على من بنى قريبا من قتة، أو مسجد ا، أو مشهدا ويصدق أيضًا على من بنى بعيدا من جانب القبر كذلك كما في القباب والمسجد (8) والمشاهد الكبيرة على وجه يكون القبر في وسطها، أو في جانب منها؛ فإن هذا بناء على القبر، لا يحفى ذلك على من له أدنى فهم كما يقال: بنى السلطان على مدينة كذا، أو على قرية كذا سورا، وكما يقال بنى فلا ن في المكان الفلاني مسجدا، مع أن
(1) في المسند (3).
(2)
في صحيحه رقم (94)
(3)
في "السنن" رقم (3226، 3225).
(4)
في "السنن" رقم (1052).
(5)
في "السنن" رقم (2029).
(6)
في صحيحه رقم (3164، 3163و3162) وهو حديث صحيح.
قال القرطبي في " المفهم "(2) ووجه النهي عن البناء والتجصيص في القبور. أن ذلك مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبه بمن كان يعظم القبر ويعبدها وباعتبار هذه المعاني، وبظاهر هذا النهي ينبغي أن يقال: هو حرام.
(7)
في المستدرك (1).
(8)
في هامش (أ) ما نصه: " ولأنه لا يمكن أن يجعل نفس القبر مسجدا بذلك مما يدل على أن المراد ما يقربه مما يتصل به.
سمك البناء لم يباشر إلا جوانب المدينة أو القرية أو المكان.
ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها [12] قريبة من الوسط كما في المدينة الكبيرة والقرية الكبيرة والمكان الواسع. ومن زعم أن في لغة العرب (1) ولا يمنع من هذا الإطلاق فهو لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها، ولا يدري [بما](2) استعمله في كلامها.
وإذا تقرر لك هذا علمت أن رفع القبور، ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها قد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعله تارة كما تقدم، وتارة قال:[4ب]" اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فدعى عليهم بأن يشتد غضب الله عليهم بما فعلوه من هذه المعصية، وذلك ثابت في الصحيح (3)، وتارة نهى عن ذلك، وتارة بعث من يهدمه، وتارة جعله من فعل اليهود والنصارى، وتارة قال:" لا تتخذوا قبري وثنا "(4) وتارة قال: "لا تتخذوا قبري عيدا " أي موسما يجتمعون فيه كما صار [يفعله كثير](5) من عباد القبور، يجعلون لمن يعتقدونه من الأموات أقاتا معلومة يجتمعون عند قبورهم، ويعكفون عليها كما يعرف ذلك كل أحد من الناس من أفعال هؤلاء المخذولين الذين تركوا عبادة الله الذي خلقهم ورزقهم، ثم يميتهم ويحييهم، وعبدوا عبدا من عباد الله قد صار تحت أطباق الثرى، لا يقد على أن يجلب لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمره الله أن يقول:(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا)(6). فانظر
(1) انظر تفصيل ذلك في " الخصائص " لابن جني (2 - 313).
(2)
في (ب) ما.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
في (ب) كثير يفعله.
(6)
[الأعراف: 188]
كيف [13] قال سيد البشر، وصفوة الله من خلقه في أنه لا يملك لنفسه لا ضرا ولا نفعا، وكذلك قال في صح (1) عنه:" يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئا " فإذا كان هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه، وفي أخص قرابته به، وأحبهم إليه، فما ظنك بسائر الأموات الذين لم يكونوا أنبياء معصومين، ولا رسلا مرسلين! بل غاية ما عند أحدهم أنه فرد من أفراد هذه الأمة المحمدية، وواحد من أهل هذه الملة الإسلامية، فهو أعجز وأعجز عن أن ينفع نفسه، أو يدفع عنها ضررا.
وكيف لا يعجز عن شيء قد عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر أمته كما أخبر الله عنه، وأمره بأن يقول للناس بأنه لا يملك لنفسه [شيئا من ضر ولا نفع](2)، وأنه لا يغني عن أخص قربيه من الله شيئا! فيا عجبا كيف يطمع من له أدنى نصيب من علم، وأقل حظ من عرفان أن ينفعه أيضره أنه فرد من التابعين له، المقتدين [يشرعه](3)، فهل سمت أذناك أرشدك الله بضلال عقل أكبر من هذا الضلال الذي وقع فيه أهل القبور!؟ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(4).
وقد أوضحنا هذا أبلغ إيضاح في رسالتنا سميناها " الدر النضيد في إخلاص التوحيد "(5) وهي موجودة بأيدي الناس، [فلا](6) شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ عنه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4771) ومسلم رقم (348) من حديث أبي هريرة وهو جزء من حديث طويل.
(2)
في (ب) لا ضرا ولا نفعا.
(3)
في (ب) بشريعته.
(4)
[البقرة: 156]
(5)
انظرها فهي ضمن " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني " رسالة رقم (4).
(6)
في (ب) ولا.
ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل [14] تحسين.
فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها ونظر على القبر الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد صدعت حوله مجامير الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيما لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكايد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلا قليلا، حتى يطلب من صاحب [ذلك](1) القبر (2) مالا يقد عليه إلا الله - سبحانه - فيصير في عداد المشركين.
وقد يحصل له هذا الشرك بأول رؤية لذلك القبر الذي صار على تلك الصفة، وعند أول زورة له (3)، لأنه يخطر بباله أن هذه العناية البالغة من الأحياء [بمثل](4) هذا الميت لا يكون إلا لفائدة يرجونها منه، إما دنيوية أو أخروية، ويستصغر نفسه بالنسبة إلى من يراه زائرا لذلك القبر، وعاكفا عليه، [ومتمسحا](5) بأركانه.
وقد يجعل الشيطان طائفة من إخوانه من بني آدم يقفون على ذلك القبر (6) ليخادعوا
(1) زيادة من (أ).
(2)
انظر الرسالة رقم (1) بعنوان " أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك " ضمن " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ".
(3)
انظر: " مظاهر الانحرافات العقدية "(3 وما بعدها). تأليف: إدريس محمود إدريس.
" إغاثة اللهفان "(1) لا بن القيم.
(4)
في (ب) لمثل.
(5)
في (ب) ومقيما.
(6)
لذلك نقدم تلخيص وفوائد من الأحاديث التي تقدمت في البحث:
1 -
تحريم الغلو في الصالحين، وأن هذا الغلو هو سبب الشرك في بني آدم من عصر نوح عليه السلام إلى يوم القيامة.
2 -
أن من أعظم أسباب الغلو في الصالحين والعظماء تصويرهم وإقامة المشاهد والمساجد على قبورهم.
3 -
تحريم بناء المساجد على القبور ولو كانت قبور أنبياء أو صالحين توقيعا للوقوع في الشرك.
4 -
أن اتخاذ القبور مساجد من فعل اليهود والنصارى الملعونين.
5 -
أن ذلك من الفعل موجب للعنة الله عليهم وعلى من حذا حذوهم وفعل مثل فعلهم من هذه الأمة.
6 -
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع فيما وقع فيه اليهود لئلا يفعلوا كفعلهم.
7 -
إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الذين يتخذون القبور مساجدهم شرار الخلق عن الله يوم القيامة.
8 -
أن السبب في عدم إظهار قبر النبي صلى الله عليه وسلم هو خشية أن يتخذ مسجدا.
9 -
أن من توخى الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين أو إليها أو الدعاء عندها ونحو ذلك فقد اتخذها مساجد ووقع في المحظور.
10 -
وجوب هدم كل قبر مشرف وكل مشهد مرفوع وكل أثر مقدس يفضي إلى الغلو وتعدي حدود الله. 11 - أن نصب الخيام والفساطيط على القبور بدعة من البدع المحدثة في الإسلام وكان المقصود منها نفع الميت لا انتفاع الأحياء منه أو بواسطته خلافا لما حدث بعد ذلك نم الافتتان بالقبور وقصدها بالصلاة والطواف والتوسل والاستعاثة والدعاء، لأن الصحابة أنكروا ذلك على من فعله من العامة وبينوا لهم أن الميت إنما ينفعه عمله وليس لتظليله بالخيام أية فائدة.
12 -
أن الحكم بتحريم اتخاذ القبور مساجد حكم محكم باق غير منسوخ إلى يوم القيامة، حيث ورد في هذه الأحاديث ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينطق بذلك النهي وهو في اللحظات الأخيرة من حياته المباركة:
- تقدم في حديث " قال في مرضه الذي لم يقم منه "
- وفي حديث آخر - تقدم - أنه نهى عن ذلك" قبل أن يموت بخمس ".
وقال الحافظ في " الفتح "(1 أثناء شرح الحديث رقم 435): " وكأنه- صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم ".
وانظر: " مجموع الفتاوى "(27) لابن تيمية. " مجموعة الرسائل).
من يأتي إليها من الزائرين، ويهولون الأمر، ويصنعون أمورا من أنفسهم [5ب] وينسبونها إلى الميت وجه لا يفطن لها من كان من المغفلين. وقد يضعون أكاذيب
مشتملة على أشياء يسمونها كرامات لذلك الميت، ويبثونها في الناس، ويكررون ذكرها في [15] مجالسهم، وعند اجتماعهم بالناس، فتشيع وتستفيض، يتلقاها من يحسن الظن بالأموات، زيقبل عقله ما يروى عنهم من الأكاذيب، فيرويها كما سمعها، ويتحدث بها في مجالسه، فيقع الجهال في بلية عظيمة من الاعتقاد، وينذرون على ذلك الميت بكرائم أموالهم، ويجسون على قبره من أملاكهم ما هو أحبها إلى قلوبهم، لاعتقادهم أنهم ينالون بذلك يجاه ذلك الميت خيرا عظيما، وأجرا بليغا. ويعتقدون أن ذلك قربة عظيمة، وطاعة بالغة، وحسنة متقبلة، فيحصل بذلك مقصود أولئك الذين جعلهم الشيطان من إخوان من بني آدم على ذلك القبر، فإنهم إنما فعلوا تلك الأفاعيل، وهولوا على الناس بتلك التهاويل، وكذبوا لينالوا جانبا من الحطام من أموال الطغام الأغنام. وبهذه الذريعة الملعونة، والوسيلة الإبليسية تكاثرت الأوقاف على القبور، وبلغت مبلغا عظيما، حتى بلغت غلات ما يوقف على المشهورين منهم ما لو جمعت لقامت بما يقتاته أهل قرية كبيرة من قرى المساكين (1)، ولو بيعت تلك الحبائس الباطلة لأغنى الله بها طائفة عظيمة من الفقراء، وكلها من النذر في معصية الله. (2)
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا نذر في معصية الله "(3) وهى أيضًا من النذر الذي لا يبتغى به وجه الله. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " النذر ما ابتغي به وجه الله "(4) بل كلها من النذور التي يستحق بها فاعلها
(1) نعم النذر للأضرحة إضاعة المال ووضع له في غير موضعه، وذلك وجه آخر من أوجه تحريمه ومقتضى من مقتضياته.
(2)
نعم النذر للأضرحة إضاعة المال ووضع له في غير موضعه، وذلك وجه آخر من أوجه تحريمه ومقتضى من مقتضياته.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1641) وأبو داود رقم (3316) والنسائي رقم (3840) وابن ماجه رقم (2124) كلهم من حديث عمران رضي الله عنه وهو حديث صحيح. وأخرجه أبو داود رقم (3292) والترمذي رقم (1524) والنسائي رقم (3833) من حديث عائشة رضي الله عنها وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أحمد (14 رقم 71 - الفتح الرباني) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه أيضًا أبو داود رقم (3273) بإسناد حسن.
غضب الله وسخطه، لأنها تفضي بصاحبها في الغالب إلى ما به الاعتقاد [16] في الأموات من تزلزل قدم الدين إذ لا يسمح [بأحب](1) أمواله إليه، وألصقها بقلبه، إلا وقد زرع الشيطان في قلبه من محبة ذلك القبر وصاحبه، والمغالاة في الاعتقاد فيه مالا يعود به إلى الإسلام سالما - نعوذ بالله من الخذلان- ولا شك أن غالب هؤلاء المغرورين المخدوعين لو طلب منه طالب أن ينذر بذلك الذي نذر به لقبر [6 أ] الميت على ما هو طاعة من الطاعات، وقربة من القربات لم يفعل، ولا كاد (2)
فانظر إلى أين بلغ تلاعب الشيطان بهؤلاء! وكيف رمى بهم في هوة بعيدة القعر، مظلمة الجوانب! فهذه مفسدة من مفاسد رفع القبور، وتشييدها، وزخرفتها، وتجصيصها.
ومن المفاسد البالغة إلى حد يرمي بصاحبه إلى وراء حائط الإسلام، ويلقيه على أم رأسه من أعلى مكان من الدين أنه يأتي كثير منهم بأحسن ما يملكه من الأنعام، ويجوزه من المواشي، فينحره عند ذلك القبر (3)، مقتربا به إليه، راجيا ما يضمر حصوله له منه، فيهل به لغير الله، ويتعبد به لوثن من الأثان، فإنه لا فرق بين نحر النحائر كحجر منصوبة يسمونها وثنا، وبين قبرلميت يسمونه قبرا. ومجرد الاختلاف في التسمية لا يغني من الحق شيئا، ولا يؤثر تحليلا ولا تحريما، فان من أطلق على الخمر غير اسمها وشربها
(1) في (ب)(بلعب).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6608) ومسلم رقم (2) وأبو داود رقم (3287) والنسائي (7 رقم 3801) وابن ماجه رقم (2122).
عن ابن عمر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من مال بخيل ".
قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى "(11): أما النذر للموتى من الأنبياء والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى سواء كان النذر نفقة أو ذهبا أو غير ذلك وهو شبيه بمن ينذر للكنائس والرهبان وبيوت الأصنام ".
(3)
انظر الرسالة: " كنت قبوريا "(ص15 - 28).
كان حكمه حكم من شربها وهو يسمها بلا خلاف بين المسلمين أجمعين، ولا شك أن النحر نوع من أنواع العبادة (1) التي تعبد الله بها كالهدايا، والفدايا، والضحايا، فالمتقرب بها إلى القبر، الناحر لها عنده لم يكن له غرض بذلك إلا تعظيمه وكرامته، واستجلاب الخير منه، واستدفاع الشر به (2). وهذه عبادة وكفاك من شر سماعه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(3).
وبعد [17] هذا كله أن ما سقناه من الأدلة، وما هو كالتوطئة لها، وما هو كالخاتمة التي تختم بها البحث يقضي أبلغ قضاء، ويدل أوضح دلالة ويفيد أجلى مفاد أن ما رواه صاحب البحر (4) عن الإمام يحيى غلط من أغاليط العلماء، وخطأ من جنس ما يقع المجتهدين، وهذا شأن البشر، والمعصوم من عصمه الله (5) وكل عالم يؤخذ من قوله ويترك مع كونه رحمه الله من أعظم الأئمة إنصافا،
(1)"في هامش (أ): والنبي- صلى الله عليه وسلم يقول: " لا عقر في الإسلام " قال عبد الرزاق - في مصنفه (3 رقم 6690) - كانوا يعقرون عند القبر يعني بقرة أو شياها.
رواه أبو داود في " السنن (3222) بإسناد صحيح من حديث أنس.
(2)
قال الغزالي في " عقيدة المسلم "(ص77): " أليس من المضحك أن تستنجد بقوم يطلبون لأنفسهم النجدة وأن تتوسل بمن يطلب هو كل وسيلة ليستفيد خيرا أو ليدفع شرا؟ قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)[الإسراء: 57].
(3)
[البقرة: 156]
(4)
(2 - 132).
(5)
عن مالك قال: " ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك ألا النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم "(2) وابن حزم في " الإحكام "(6 - 146) من قول الحكم بن عتيبة ومجاهد.
وقيل أنه من قول ابن عباس أخذها مجاهد. وأخذها مالك رضي الله عنه منها.
"الفتاوى" السبكي (1).
وأكثرهم تحريا للحق، وإرشادا إليه، وتاثيرا له، ولكنا لما رأنياه قد خالف من عداه بما قاله من جواز بناء القباب على القبور ردنا هذا الاختلاف إلى ما أوجب الله الرد إليه، وهو كتاب الله وسنة رسوله، [فوجنا](1) في ذلك ما قدمنا ذكره من الأدلة الدالة أبلغ [6ب] دلالة، والمنادية بأعلى صوت بالمنع من ذلك، والنهي عنه، واللعن لفاعله، والدعاء عليه [واشتداد](2) غضب الله عليه مع ما ذلك من كونه ذريعة إلى الشرك، ووسيلة إلى الخروج من الملة كما أوضحنا.
فلو كان القائل بما قال الإمام يحيى بعض الأمة أو أكثرها لكان قولهم رد عليهم كما قدمناه في أول هذا البحث، فكيف والقائل به فرد من أفرادهم! وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد "(3) ورفع القبور وبناء القباب عليها ليس عليه أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما عرفناك بذلك، رد على قائلة، أي مردود عليه. والذي شرع للنا س هذه الشريعة الإسلامية هو الرب -سبحانه - بما أنزل في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فليس لعالم وإن بلغ من العلم إلى أرفع رتبة وأعلى منزل -أن يكون بحيث يقتدي به فيما خالف الكتاب والسنة أو أحدهما، بل ما وقع منه الخطأ بعد توفية الاجتهاد حقه يستحق به أجرا، ولا يجوز لغيره أن يتابعه [عليه](4). وقد أوضحنا هذا في أول البحث بما لا يأتي التكرار له بمزيد فائدة.
وأما ما استدل به الإمام يحيى رحمه الله[حيث قال](5): لا ستعمال المسلمين
(1) في (ب) فوجد.
(2)
في (ب) باشتداد.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2697) ومسلم رقم (1718) عن عائشة مرفوعًا بلفظ: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". وقد تقدم مرارا.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
في (ب) من قوله.
ولم ينكروه.
فاعلم أن هذا الاستدلال مدفوع؛ فإن هذه الأدلة التي سقناها على ما فيها نم التكاثر والتوفر ما زالت مروية في مجامع المسلمين، ومدارسهم، مجالس حفاظهم، ويرويها الآخر عن الأول، والصغير عن الكبير، والمتعلم عن العالم من لدن أيام الصحابة إلى هذه الغاية، وأوردها المحدثون في كتبهم المشهورة من الأمهات والمسندات والمصنفات. وأوردها المفسرون في تفاسيرهم (1)، وأهل الفقه في كتبهم الفقهية (2) وأهل الأخبار والسير في كتب الأخبار والسير، فكيف يقال إن المسلمين لم ينكروا على من فعل ذلك! وهم يرون أدلة النهي عنه، وللعن لفاعله [والدعاء عليه](3) خلفا عن سلف في كل عصر، ومع هذا فلم يزل علماء الإسلام منكرين لذلك، مبالغين في النهي عنه.
وقد حكى ابن القيم (4) عن شيخه شيخ الإسلام [7أ] تقي الدين، وهو الإمام المحيط بمذاهب سلف هذه الأمة وخلفها أنه قد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد على القبور. ثم قال ك وصرح أصحاب أحمد (5) ومالك (6) .............................
(1) انظر" روح المعاني" للآلوسي (15 - 238).
(2)
" المجموع " للنووي (5 - 317). " تحذير الساجد من اتخاذ السرج مساجد " للمحدث الألباني " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (10) و (11).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
انظر " إغاثة اللهفان "(1). " زاد المعاد "(3).
(5)
قال ابن قدامة في " المغني "(2 - 388): ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث.
ثم قال: " ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة وإفراطا في تعظيم القبور، أشبه تعظيم الأصنام ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". تقد الحديث متفق عليه.
(6)
قال في " المدونة "(1): وقال مالك: أكره تجصيص القبور والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبني عليها ".
وقال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(10): فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ".
ثم (10): وقال علماؤنا: يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ".
والشافعي (1) بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة (2) لكن ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم إحسانا للظن بهم، وأن لا بهم أن يجوزا ما تواتر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعله، والنهي عنه انتهي.
فانظر كيف حكى التصريح عن عامة الطوائف! وذلك يدل على أنه إجماع من أهل العلم على اختلاف طوائفهم، ثم بعد ذلك جعل أهل ثلاث مذاهب مصرحين بالتحريم، وجعل طائفة مصرحة بالكراهة، وحملها على كراهة التحريم، فكيف يقال بأن بناء القباب والمشاهد لم ينكره أحد!.
ثم انظر كيف يصبح استثناء أهل الفضل برفع على قبورهم! وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمنا أنه قال: أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح [19] بنوا على قبره مسجد " (3) ثم لعنهم لهذا السبب
(1) قال النووي في " المجموع "(5): " واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث. وقال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحا أو غيره ".
(2)
قال الإمام محمد ابن الحسن: " لا نر أن من يزاد على ما خرج من القبر ونكره أن يجصيص أو يطين أو يجعل عنده مسجد ". " كتاب الآثار "(ص45).
وإذا أطلقت الكراهة عند المتقدمين فمعناه التحريم.
وذكر عن أبي يوسف أنه كره رش القبر بالماء، لأنه يجري مجرى التطيين وهل هذا منهم إلا اتباع ما عليه السلف الصالح من ترك تعظيم القبور التي هي من أعظم الوسائل إلى الشرك.
انظر: " النبذة الشريفة النفيسة "(ص138).
(3)
تقدم تخريجه.
فكيف يسوغ [من يستثنى](1) أهل الفضل بفعل هذا المحرم الشديد على قبورهم! مع أن أهل الكتاب الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحذر الناس مما صنعوا لم يعمروا المساجد إلا على قبور صلحائهم، ثم إن هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد البشر، وخير الخليقة، وخاتم الرسل، وصفوة الله من خله ينهى أمته أن يجعلوا قبره مسجدا، أو وثنا، أو عيدا، وهو القدوة لأمته، لأهل الفضل القدوة به والتأسي بأفعاله وأقوال الحظ الأوفر، و [هم](2) أحق الأمة بذلك وأولاهم به، وكيف يكون فضل بعض الأمة وصلاحه مسوغا لفعل هذا المنكر على قبره! وأصل الفضل ومرجعه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأي ينسب إلى فضله أدني نسبة! أو يكون له بجنبه أقل اعتبار! [فإن](3) كان هذا محرما منهيا عنه، ملعونا فاعله في قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ظنك بغيره من أمته! وكيف يستقم أن يكون للفضل مدخل في تحليل المحرمات، وفعل المنكرات! اللهم غفرا.
[كمل منقولا من تحرير مؤلفه العلامة البدر محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما - آمين]. (4)
[والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم آمين](5)
(1) في (ب) استثناء.
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (ب) فإذا.
(4)
زيادة من (أ).
(5)
زيادة من (ب).