الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية
تأليف
محمد بن على الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديث
محمد صبحي بن حسن خلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: (بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية).
2 -
موضوع الرسالة: فقه.
3 -
أول الرسالة: هذا لفظ السؤال الوارد - من نجد - بسم الله الرحمن الرحيم. ما قول العلماء أثابهم الله الجنة: متي تحل الزكاة للفقير إذا كان عليه وعنده خمسون درهما أو أكثر
…
4 -
آخر الرسالة:. وقد أوضحت هذا المعني، وقررته في مؤلفاته تقريرا بالغا، لأنه يخفى على كثير من المشتغلين بالعلم، ومثل هذا المقام لا يتسع لبسط ذلك كما ينبغي، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق كتبه المجيب / محمد بن على الشوكاني غفر الله لهما.
5 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
الناسخ: المؤلف: محمد بن على الشوكاني.
7 -
عدد الصفحات: 10 صفحات + صفحة العنوان.
8 -
عدد الأسطر في الصفحة: 21 - 25 سطرا.
9 -
عدد الكلمات في السطر: 10 - 11 كلمة.
10 -
الرسالة من المجلد الرابع: (من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
هذا لفظ السؤال الوارد (1).
بسم الله الرحمن الرحيم
ما قول العلماء - أثابهم الله الجنة - متى تحل الزكاة للفقير إذا كان ذا عيلة، وعنده خمسون جرهما أو أكثر، ولا يكفي عائلته ربع سنته، فهل يحل له أن يطلب ما يكفيه جميع سنته من الزكاة أم لا؟.
فإن قلتم: لا يحل له أن يطلب فهل إذا جاءه شيء بلا طلب يحل له أخذه، أم لا؟. وإذا كان في الحديث أنه لا يسأل إلا من الإمام الذي عنده بيت المال. فهل الأمير الذي في البلدان مثله أم لا؟.
وإذا اجتمع أموال كثيرة من بلدان مغصوبة، نقد أو بر أو غيره من المأكول، وفيه شيء قدر الخمس من الزكاة مختلط به، وهذه الأموال مجهولة أربابه أو لم تجهل، وتعذر رده إليهم لعدم تميزه أو غير ذلك، فهل يحل أخذه للغني، أو لا يحل للغني ويحل للفقير أو يحرم على الجميع؟.
فإن قلتم: يحل لهما أو لأحدهما، فهل يحل طلبه من الأمير الذي هو في يده إذا كان مأيوسا من رده إلى أربابه أم لا؟ وهل لين الإمام وغيره فرق إذا كان في يده شيء من هذه الأموال المذكورة أم لا؟.
ابسطوا لنا القول؛ لأن هذه الأمور عامة البلوى بها، وهل الصلاة في هذه المغصوبة وفي بيوتها تصلح أم لا؟ - شكر الله سعيكم وعظم أجركم - انتهى.
(1) علق المؤلف مقابل هذا في الحاشية فقال: " هذا وصل من نجد ".
وأقول بعد حمد الله والصلاة على رسوله وآله: إن هذا السؤال قد اشتمل على أطراف ثمانية:
الطرف الأول:
متى تحل الزكاة للفقير؟.
وأقول: قد اختلف في ذلك على أقوال:
الأول: للحنفية (1) والزيدية - أنها تحل الزكاة لمن لم يملك النصاب لا لمن يملكه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المروي عن معاذ مرفوعًا بلفظ: " تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم "(2).
قالوا: فوصف من تؤخذ منه الزكاة بالغني وقد قال: " لا تحل الصدقة لغني "(3) وفي لفظ: " لا حظ فيها لغني "(4) وهو حديث صحيح.
(1) انظر " المغني "(4/ 120 - 121).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1458) ومسلم رقم (29/ 19) وأبو داود رقم (1584) والترمذي رقم (625) والنسائي (5/ 2 - 4 رقم 2435) وابن ماجه رقم (1783).
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن قال له: " إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم الزكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم، فإذا أطاعوك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ".
(3)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني ".
خرجه أحمد (3/ 56) وأبو داود رقم (1636) وابن ماجه رقم (1841) والحاكم (1/ 407 - 408) وعبد الرزاق (4/ 109 رقم 7151) وابن الجارود رقم (365) والدارقطني (2/ 121 رقم 3، 4) والبيهقي (7/ 15) وابن خزيمة (4/ 71 رقم 2374). وهو حديث صحيح.
(4)
عن عبيد الله بن عدي بن الخيار رضي الله عنه أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما النظر، فرآهما جلدين فقال " إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ".
أخرجه أحمد في المسند (4/ 224) وأبو داود رقم (1633) والنسائي (5/ 99 - 100 رقم 2598) والدارقطني (2/ 119 رقم 7) والبيهقي (7/ 14). وهو حديث صحيح.
والقول الثاني: للثوري وابن المبارك وأحمد، وإسحاق، وجماعة من أهل العلم (1) أن الغني من كان عنده خمسون درهما أو قيمتها، واستدلوا بحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه " قالوا: يا رسول الله وما غناه؟ قال: " خمسون درهما أو حسابها من الذهب " أخرجه أحمد (2) وأبو داود (3)، والترمذي (4) والنسائي (5)، وابن ماجه (6)، وحسنه الترمذي (7).
القول الثالث: قول أبي عبيد القاسم بن سلام (8) أن الغني الذي تحرم عليه الصدقة من وجد أربعين درهما. واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " أخرجه أحمد (9)، وأبو داود (10)، ..........................................
(1) ذكره ابن قدامة في " المغني "(4/ 118).
(2)
في " المسند "(1/ 441، 446).
(3)
في " السنن " رقم (1626).
(4)
في " السنن " رقم (650). وقال: حديث ابن مسعود حديث حسن وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث.
(5)
في " السنن " رقم (2593).
(6)
في " السنن " رقم (1840).
(7)
في " السنن "(3/ 41). وهو حديث صحيح.
(8)
في " الأموال "(ص 492 - 493).
(9)
في " المسند ".
(10)
في " السنن "(رقم 1628).
والنسائي (1) من حديث أبي سعيد، ورجال إسناده ثقات، وقد تكلم في عبد الرحمن بن محمد أبي الرجال (2) ولكن وثقه أحمد والدارقطني، وابن معين. وذكره ابن حبان في الثقات (3) وقال:" ربما أخطأ "، ووجه استدلاله لما قاله بهذا الحديث أن الأوقية قيمتها أربعون درهما (4).
القول الرابع: للشافعي (5) وجماعة أنه يكون غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، ويمكن الاستدلال له بالحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم:" لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب "(6).
القول الخامس: ما حكاه الخطابي (7) عن بعض أهل العلم أن الغني الذي تحرم عليه الصدقة: من وجد ما يغديه أو يعشيه، واستدل القائلون بهذا بما أخرجه أحمد (8)، وأبو داود (9)، وابن حبان (10) وصححه من حديث سهل لن الحنظلية عن رسول الله - صلى
(1) في " السنن " رقم (2596)
ولحديث أبي سعيد شاهد عند أحمد (4/ 36) و (5/ 430) والنسائي (5/ 99) عن رجل من بني أسد.
وآخر عند النسائي (5/ 98) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
والخلاصة أن الحديث صحيح لغيره.
(2)
انظر " تهذيب التهذيب "(6/ 154 رقم 351). وهو حسن الحديث ليس به بأس.
(3)
(7/ 91 - 92).
(4)
ذكره ابن قدامة في " المغني "(4/ 118).
(5)
في " الأم "(4/ 264).
(6)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(7)
في " معالم السنن "(2/ 381 - مع السنن).
(8)
في مسنده.
(9)
في " السنن " رقم (1629).
(10)
في صحيحه رقم (844 - موارد). وهو حديث صحيح.
الله عليه وسلم - قال: " من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم " قال: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال:" ما يغديه أو يعشيه ".
القول السادس: لأبي طالب والمرتضى (1): أن الغني الذي تحرم عليه الصدقة من كان له غلة أرض تكفيه للسنة، ولعل وجه ذلك أنه لا يستغني عن الناس إلا بما يكفيه عن سؤالهم، وهو ضعيف.
وأرجح هذه الأقوال القول الثاني، لاشتماله على الزيادة المقبولة التي وقعت غير مخالفة للمزيد، وبذلك يجمع بين الأحاديث المختلفة، فمن كان له خمسون درهما أو قيمتها فهو الغني الذي يحرم عليه أخذ الصدقة ما دام كذلك.
الطرف الثاني من أطراف السؤال
قوله: إذا كان ذا عيلة، وعنده خمسون درهما، أو أكثر ، ولا يكفي عائلته ربع سنته فهل له أن يطلب ما يكفيه جميع سنته من الزكاة أم لا؟.
أقول: أما هو فلا يحل له أن يطلب لنفسه، لأنه قد صار غنيا، ولا تحل الصدقة لغني، وأما عائلته فلهم أن يأخذوا من الزكاة القدر الذي لا يصيرون به أغنياء، فإن ذهبت النفقة بما في أيديهم جاز لهم أن يأخذوا من الزكاة، ثم كذلك، وهوة إذا ذهبت النفقة بما في يده جاز له أن يأخذ من الصدقة، وليس المراد هنا إلا أن يصير من كان مالكا للخمسين الدرهم مالكا لدونها. فإذا نقص من الخمسين درهما درهم جاز له أن يأخذ من الزكاة. وليس المراد أنه لا يجوز له الأخذ حتى يستنفق جميع الخمسين الدرهم.
الطرف الثالث من أطراف السؤال
قوله: " فإن قلتم لا يحل له أن يطلب، فهل إذا جاءه شيء بلا طلب يحل له أخذه أم لا؟ ".
(1) انظر " البحر الزخار "(2/ 175).
أقول: قد ثبت جواز أخذ ما يعطاه الرجل من بيت المال بلا سؤال منهم. لما ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول:: اعطه من هو أفقر مني إليه، فقال:" خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك ".
وظاهر هذا أنه يجوز قبول العطاء من بيت المال، وإن كان غنيا؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال (3) - ولا سيما بعد قول عمر الراوي للحديث:" اعطه من هو أفقر إليه مني "، ويوضح ذلك ما وقع في رواية شعيب بلفظ:" خذه فتموله " - وقد حكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الخلاف هل يجب قبوله أم يندب؟ وفي ذلك ثلاثة مذاهب، وذلك بعد أن حكى ابن جرير الإجماع على أن القبول مندوب.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1473) ومسلم رقم (1045).
(2)
كالنسائي (5/ 105 رقم 2608) والبغوي في " شرح السنة "(6/ 128 رقم 1629) وابن خزيمة (4/ 67 رقم 2366).
(3)
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص 452): قال الإمام الشافعي: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتما ينزل منزلة العموم في لمقال. قال في " المحصول "(2/ 386 - 387): مثاله أن ابن غيلان أسلم عن عشر نسوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أمسك أربعا منهن وفارق سائرهن "
أخرجه أحمد (2/ 44) وابن ماجه رقم (1953) والترمذي رقم (1128) من حديث ابن عمر وهو حديث صحيح. ولم يسأل عن كيفية ورود عقده عليهن في الجميع والترتيب فكان إطلاقه القول دالا على أنه لا فرق بين أن تتفق تلك العقود معا أو على الترتيب، وهذا فيه نظر لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم عرف عرف خصوص الحال فأجاب بناء على معرفته ولم يستفصل " اهـ.
ويجاب عنه بأن هذا الاحتمال إنما يصار إليه إذا كان راجحا. وليس بمساو، فضلا عن أن يكون راجحا.
وانظر: " المسودة "(ص 109)، " الفروق " (2: 88، 90).
قال النووي (1) الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه مستحب - ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد (2)، وأبو يعلى (3)، والطبراني في الكبير (4) من حديث خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من بلغه معروف عن أخيه عن غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه " قال في مجمع الزوائد (5): رجال أحمد رجال الصحيح.
وظاهره أنه لا فرق بين لعطية من بيت مال المسلمين وبين ما يعطيه الأخ لأخيه من غير بيت المال، وهذا الحديث يدفع قول من قال: إن القبول مندوب في عطية السلطان دون غيره.
الطرف الرابع من أطراف السؤال
قوله: وإذا كان في الحديث أنه لا يسأل إلا من الإمام الذي عنده بيت المال. فهل الأمير الذي في البلدان مثله أم لا؟.
أقول: ثبت عند أبي داود (6)، والنسائي (7)، والترمذي (8) وصححه، وابن حبان (9)
(1) في شرحه لصحيح مسلم (7/ 135).
(2)
في " المسند "(4: 220 - 221).
(3)
في مسنده (2/ 226 رقم 1/ 925).
(4)
(4/ 196 رقم 4124).
(5)
(3/ 100). وقال الحافظ في " الإصابة "(1/ 409) إسناده صحيح.
(6)
في " السنن "(1639).
(7)
في " السنن "(5/ 100).
(8)
في " السنن " رقم (681) وقال: حديث حسن صحيح.
(9)
في صحيحه رقم (3388). وهو حديث صحيح.
وصححه من حديث سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد له منه ".
فهذا الحديث يدل على أنه يجوز السؤال لغير السلطان في الأمر الذي لا بد منه، فيكون هذا الحديث مقيدا لحديث النهي عن مطلق السؤال، وأيضا قد ثبت عند أحمد (1) وأبي داود (2)، والترمذي (3) وحسنه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" المسألة لا تحل إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع ".
فهذا الحديث فيه جواز المسألة لهؤلاء الثلاثة من غير تقييد بكون ذلك السؤال لذي سلطان.
وإذا تقرر هذا فسؤال الأمير المتولي على بلد من البلدان جائز على كل حال، لأنه إن كان مفوضا من الإمام فيده كيد الإمام، وإن لم يكن مفوضا فهو من جملة من عنده من أموال الله التي وزعها بين عباده كما يقتضيه نص القرآن بقوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (4) الآية.
الطرف الخامس من أطراف السؤال
قوله: وإذا اجتمع أموال كثيرة من بلدان مغصوبة، نقد أو بر أو غيره من المأكول، وفيه شيء قدر الخمس من الزكاة مختلط به، وهذه الأموال مجهولة أربابه أو لم تجهل، وتعذر رده إليهم لعدم تميزه أو غير ذلك، فهل يحل أخذه للغني أو لا يحل للغني، ويحل
(1) في " المسند "(3/ 114، 126، 127).
(2)
في " السنن " رقم (1641).
(3)
في " السنن " رقم (1218) وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان. إسناده ضعيف لجهالة حال أبي بكر الحنفي، وللقطعة المذكورة هنا وهي قوله:" المسألة .... " شواهد تصح بها. .
(4)
[التوبة: 60].
للفقير أو يحرم على الجميع؟.
أقول: هذه الأموال المغصوبة باقية على ملك أهلها، معصومة بعصمة الإسلام، لا يحل لأحد أن يأخذ منها شيئا؛ لأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، والله - سبحانه - يقول:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين (2) وغيرهما (3) أنه قال: " إن دماءكم وأموالك عليكم حرام " وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه "(4).
فهذه الأموال مهما كان أهلها معروفين كأهل قرية معينة، أو مدينة معروفة وجب دفعها إليهم، فمن عرف حقه وأقام عليه البينة أخذه، وإذا اختلط ببعض أخذ كل واحد قدر ملكه الذي ص له بالقسمة، ولا تخرج الأموال بالاختلاط أو بعدم معرفة نصيب كل واحد من المالكين على التعيين عن ملك أهلها، وهذا مما لا أظن أنه يقع فيه حلاف بين أهل العلم.
(1)[النساء: 29].
(2)
البخاري في صحيحه رقم (67) ومسلم رقم (1679).
(3)
كأبي داود رقم (1948). كلهم من حديث أبي بكرة.
(4)
أخرجه الدارقطني (3/ 26 رقم 91) وفيه الحارث بن محمد الفهري مجهول قاله الحافظ في " التلخيص "
(3/ 46). وأخرجه أيضًا الدارقطني (3/ 25 رقم 88) وفيه داود بن الزبرقان وهو متروك الحديث وقال الحافظ في " التلخيص "(3/ 46).
وأخرجه أحمد (5/ 72 - 72) والدارقطني (3/ 26 رقم 92).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(3: 265 - 266) وقال: " رواه أحمد ، وأبو حرة الرقاشي ، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وفيه علو بن زيد وفيه كلام ". وقال الحافظ في " التلخيص "(3/ 46) وفه علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف.
وأخرجه الدارقطني في " السنن "(3، 25 رقم 87) عن ابن عباس.
وإذا وقع في كتب الفقه ما يوهم خلاف هذا فالسبب عدم فهم الكلام على ما ينبغي فهمه عليه، فإن حصل الجهل للمالك على التعيين، ولكنه يعلم أن هذه الأموال هي أموال أهل القرية الفلانية فالواجب التخلية لينها وبين أهل تلك القرية - وعلى المتولي أمورهم، ومن كان من أهل العلم فيهم أن يجعلها - حيث لا مدعي على التعيين يدعيها في مصالحهم الدينية أو الدنيوية، أما إذا جهل مالك تلك الأموال جهلا كليا فلا يعرف شخصه ولا نوعه، ولاا ممن هو، ولا تبين أن تلك الأموال من أموال أهل المحلة الفلانية، ولا وجد من يدعي أنها له أو لقومه على وجه صحيح، فهذه الأموال هي التي يقال لها المظالم الملتبسة وهي من جملة أموال الله - سبحانه ه- ومن جملة بيت مال المسلمين والواجب على إمام المسلمين أو من كان صالحا منهم حيث لا إمام عندهم أن يصرف تلك الأموال في محاويج المسلمين، وإذا لم يكن ثم محاويج صرفها فيما يصلح أحوالهم من مصلح دينهم ودنياهم، وأهم المصالح وأحقها وأقدمها، وأولاها الجهاد في سبيل الله عز وجل وإذ تبين للإمام أو لمن هو صالح للقيام بأمور المسلمين مع عدم الإمام أن في تلك الأموال شيئا من الزكاة صرفه في مصارف الزكاة، وله أن يصرف في نفسه ما يجوز له تناوله.
وبالجملة فقد تبين بنصوص الشريعة مصرف كل نوع من أنواع الأموال، والعارف بموارد الشرع لا يخفى عليه مثل ذلك.
الطرف السادس من أطراف السؤال
قوله: فإن قلتم يحل لهما أو لأحدهما، فهل يحل طلبه من الأمير الذي هو في يده إذا كان مأيوسا من رده إلى أربابه أم لا؟.
أقول: جواب هذا الطرف قد تبين من جواب الطرف الذي قبله، ولا شك أن كل من يستحق الصرف إليه من نوع من أنواع الأموال يجوز ل أن يطلب ما يستحقه من الإمام، أو من الأمير الذي يتولى العمل من جهة الإمام، أو من الرجل الذي يصلح
للولاية حيث لا إمام ولا أمير من جهة الإمام، فلم يرد ما يدل على منع طلب ما هو حق أثبته الشرع، وإنما الممنوع السؤال من غير ذلك، أو سؤال من ليس لمستحق لذلك النوع، كسؤال الغني ونحوه أن يصرف إليه نوع من أنواع الزكاة، فإنه:" لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب (1) ولا لهاشمي "(2)، وأما سائر أموال الله فمصارفها معروفة فقد كان العطاء في أيام اصحابة والتابعين وتابعيهم يصرف في المسلمين على اختلاف أنواعهم، ويأخذون منه على قدر منازلهم في القيام بأمور الدين (3)، وفي استحقاقهم
(1) تقدم ذكر الحديث وتخريجه.
(2)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (168/ 1072) وأبو داود رقم (2985) والنسائي (5/ 105 - 106 رقم 2609) وأبو عبيد في " الأموال " رقم (842) والطحاوي في " شرح معاني الآثار "(2/ 7) والبيهقي (7/ 31) وأحمد (4/ 166) عن المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هن أوساخ الناس ".
وفي رواية " وإنها لا تحل لمحمد ولآل محمد ".
وانظر: الرسالة رقم (100) من " الفتح الرباني ".
(3)
منها الخمس، الفيء، الخراج، الجزية، وعشر تجارة الكفار إذا دخلوا دار الإسلام، ومن مات من غير وارث، ومال من أيس من معرفته.
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في الأمور التي هي أصول بيت المال:
جهات بيت المال سبعتها
…
في بيت شعر حواها فيه كاتبه
خمس وفيء خراج جزية عشر
…
وارث فرد ومال ضل صاحبه
وهناك الزكاة والتبرعات، والوقف، والوصايا، والتعزيرات المالية.
انظر " الأشباه والنظائر " للسيوطي (ص 564). " الأحكام السلطانية " للماوردي (ص 193 - 194).
قال أبو عبيد في " الأموال "(ص 21 - 22): حكم الفيء والخراج والجزية واحد ويلتحق به ا يؤخذ من مال أهل الذمة من لعشر إذا اتجروا فيبلاد الإسلام وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
وقال أبو عبيد في " الأموال "(ص 21): فأما الصدقة فزكاة أموال المسلمين من الذهب والورق، والإبل، والبقر والغنم، والحب والثمار فهي للأصناف الثمانية الذين سماهم الله تعالى، لا حق لأحد من الناس فيها سواهم، ولهذا قال عمر: هذه لهؤلاء.
وانظر: " فتح الباري "(6/ 269).
في أنفسهم، حتى كان يعطى كثير من أكابر الصحابة مائة ألف وأكثر من ذلك، وقد كان يخذ مثل الحسن بن علي، والحسين بن علي، وعبد الله بن جعفر، وأمثالهم من ذلك ما هو معروف فيما صح من كتب التاريخ والسير.
الطرف السابع من أطراف السؤال
قوله: وهل بين الإمام والأمير المفوض من جهته، وبين المتولي من جهة الصلاحية، مع عدم الإمام، فإنه يجوز لكل واحد منهم أن يصرف كل نوع من أنواع الأموال في مصارفه التي ورد الشرع بإثبات كونها مصارف، وإن كان ثم فرق بينهم من حيث كون ولاية الإمام أصلية صارت ثابتة له ببيعة المسلمين له، وكون ولاية الأمير مستفادة من الإمام ، وكون ولاية الصالح للولاية من جهة الصلاحية مع عدم الإمام، ولكن اختلاف ولايتهم من هذه الحيثية لا يوجب اختلاف حالهم فيما يجب أن يضعوه في مواضعه، ويصرفوه في مصارفه.
الطرف الثامن من أطراف السؤال
قوله: وهل الصلاة في هذه المغصوبة، وفي بيوتها تصح أم لا؟.
أقول: الكلام في الصلاة بالمغصوب - كالثوب - وفي المغصوب - كالدار - قد طال الكلام فيه، وحرره أئمة الأصول وأئمة الفروع بما لا يخفى على عارف، وتحقيق الحق في مثل ذلك يطول، ويخرج بنا الكلام إلى مباحث لها ذيول.
والحق الحقيق بالقبول: أن على الغاصب إثم غصبه. وأما كون صلاته لا تصح
فلم يرد من الشرع ما يدل على ذلك (1)، أو يفيده؛ لأن عدم الصحة الشرعية لا يثبت إلا لفقد شرط، أو انخرام ركن، أو وجود مانع دل الشرع على أنه يمنع من الصحة، وفرق بين كون الشيء ممنوعا منه، وبين كون وجوده يؤثر في عدم الشيء، أو كون عدمه يؤثر في عدم الشيء، ثم الدليل المفيد ذلك لا يكون إلا بلفظ يفيد عدم صحة ذلك الشيء عند عدم ما هو معتبر فيه.
كأن يقول الشارع: لا تصح صلاة من فعل كذا، أو لا تصح صلاة من لم يفعل كذا، أو لا يقبل الله صلاة من فعل كذا - على ما في نفي القبول من النزاع المعروف بين أهل العلم - وحاصله:
هل نفي قبول الشيء يدل على نفي صحته أم لا (2)؟ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "(3). ونحو ذلك مما يكثر تعداده.
(1) قال ابن قدامة في " المغني "(2/ 476 - 477): وفي الصلاة في الموضع المغصوب روايتان: إحداهما، لا تصح، وهو أحد قولي الشافعي، والثانية، تصح. وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والقول الثاني، للشافعي، أن النهي لا يعود إلى الصلاة، فلم يمنع صحتها.
وانظر: " المجموع "(3/ 169).
(2)
انظر: " الكوكب المنير "(3/ 91 - 93)، " الإحكام " للآمدي (2/ 188، 192)، " التبصرة "(ص 103).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 150) وأبو داود رقم (641) والترمذي رقم (377) وقال: حديث حسن. وابن ماجه رقم (655) وابن خزيمة في صحيحه رقم (755) والحاكم في " المستدرك "(1/ 251) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه كلهم من حديث عائشة.
وهو حديث صحيح.
قال الشوكاني في " وبل الغمام "(1/ 251 - 252) إذا انتهض للاستدلال به على الشرطية فهو خاص بالمرأة، وقد عرفت مما سلف أن الذي ييتلزم عدمه عدم الصلاة أي بطلانها، هو الشرط أو الركن، لا الواجب فمن زعم أن من ظهر شيء من عورته في الصلاة، أو صلى بثياب متنجسة كانت صلاته باطلة فهو مطالب بالدليل، ولا ينفعه مجرد الأوامر بالستر أو التطهير، فإن غاية ما يستفاد منها الوجوب.
والظاهر من لغة العرب، ومن اصطلاح الشرع أن ما صرح الشارع بنفي صحته، أو بنفي جوازه، أو بنفي قبوله، فهو غير معتد به ، ولا عتبر، ولا مسقط للطلب، وهكذا ما صرح الشارع بنفيه كقوله مثلا " لا صلاة لمن فعل كذا، أو لا صلاة لمن ترك كذا " إذا لم يرد ما يفيد صرف ذلك النفي إلى الفضيلة والكمال، فإن الظاهر أن هذا النفي يتوجه إلى الذات الشرعية، ولا اعتبار بالذات الموجودة في الخارج، لأنها ذات غير شرعية.
وبهذا يتضح لك عدم صحة قول من قال: إن النفي لا يصح أن يتوجه إلى الذوات، لأنها قد وجدت في الخارج، بل إنما يتوجه إلى الصحة أو إلى الكمال، وهما مجازان، وأقرب المجازين توجهه إلى الصحة، لأنه يلزم من عدمها عدم صحة الذات، وإنما قالوا هكذا لأنهم ظنوا أن الذات إذا قد وجدت في الخارج لم يصح نفيها.
ونحن نقول: ليس هذا النفي متوجها إلى مطلق الذات حتى ينافي وجود الذات في الخارج. بل هو متوجه إلى الذات الشرعية وهي لم توجد في الخارج، وإنما وجد في الخارج ذات غير شرعية.
نعم ومن جملة ما يفيد عدم الصحة الشرعية النهي عن فعل الشيء إذا كان النهي متوجها إلى ذاته، أو إلى جزئه، لا إذا كان متوجها إلى أمر خارج عنه، فإن ذلك لا يفيد عدم صحة تلك الذات
…
وإذا عرفت هذا كما ينبغي، عرفت ما يوجب بطلان العبادة من الأدلة، وما لا يوجبها. وقد أوضحت هذا المعنى، وقررته في مؤلفاتي (1) تقريرا
(1) انظر " نيل الأوطار "(2/ 132 - 140). " وبل الغمام "(1/ 251 - 252).
وقال الشوكاني في " السيل الجرار "(1/ 158): " لأن مجرد الأوامر فغاية ما يدل عليه الوجوب، والواجب ما يستحق فاعله الثواب بفعله والعقاب بتركه، وذلك يستلزم أن يكون ذلك الواجب شرطا، بل يكون التارك آثما، وأما أنه يلزم من عدمه العدم فلا.
وهكذا يصح الاستدلال على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد والمرادف للبطلان إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته. أو لجزئه، لا لأمر خارج عنه، إذا عرف هذا علمت أن طهارة البدن من الحدثين الأصغر والأكبر شرط لصحة الصلاة لوجود الدليل المقيد للشرطية، وأما طهارته من النجس فإن وجد دليل يدل على أنه لا صلاة لمن صلى وفي بدنه نجاسة ، أو لا تقبل صلاة من صلى وفي بدنه، أو وجد نهي لمن في بدنه نجاسة أن يقرب الصلاة وكان ذلك النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان، صح الاستدلال بذلك عن كون طهارة البدن عن النجاسة شرطا لصحة الصلاة، وإلا فلا، وليس في المقام ما يدل على ذلك ".
ثم قال الشوكاني في " السيل الجرار "(1/ 377): " لا شك أم من صلى في مكان مغصوب أو استعمل شيئا مغصوبا فقد فعل محرما ولزمه إثم لحرام، وأما كون ذلك يمنع من صحة الصلاة فلا بد فيه من دليل خاص كما قدمنا
…
وما قيل من أنه عصى بنفس ما به أطاع فغير مسلم، ولو سلم لم يكن دليلا على عدم صحة الصلاة المفعولة في المكان المغصوب ".
بالغا، لأنه يخفى على كثير من المشتغلين بالعلم، ومثل هذا المقام لا يتسع لبسط ذلك كما ينبغي، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق.
كبته المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما -. اهـ.