المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3345

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر ".

2 -

موضوع الرسالة: " النكاح ".

3 -

أول الرسالة: " بسم الله الرحمن الرحيم ".

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وآله الطاهرين وبعد: فإنه ورد السؤال من بعض الأعلام نفع الله بهم المسلمين الإسلام عن ما وقع من كتب الفقه: أنه يجوز للمرأة أن تمتنع من تمكين الزوج حتى يسمي لها مهرا.

4 -

آخر الرسالة: فإن ذلك ليس من شأنه، لأنه لم يتعقل الحجج الشرعية فضلا عن أن يصلح للاحتجاج بها.

هو بخط المجيب المولى شيخ الإسلام رضي الله عنه، وإنما ضرب على اسمه لكون أول البحث ليس بخطه جزاه الله خيرا.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

عدد الصفحات: 6 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 19 سطرا ما عدا الأخيرة فهي ستة أسطر.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.

9 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3347

صورة جواب نقل من خط المجيب سيدي المالك، الصنو، العلامة، البدر، عز الإسلام، محمد بن علي بن محمد الشوكاني - أطال الله مدته - لفظه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين، وبعد:

فإنه ورد السؤال من بعض الأعلام - نفع الله بهم المسلمين والإسلام - عن ما وقع في كتب الفقه: من أنه يجوز للمرأة أن تمتنع من تمكين الزوج حتى يسمي لها مهرا، ثم حتى يعين، ثم حتى يسلم، وكان مضمون السؤال هو عن ما يذهب إليه راقم الأحرف - غفر الله له -.

فأقول: اعلم أنه لا يخفى على من يعلم بما كان عليه أهل الإسلام، في أيام النبوة فما بعدها، أن المهور (1) كان يسلمها الأزواج قبل الدخول، ويسوقون ذلك إلى نسائهم، أو

(1) الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24].

وقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4].

قال أبو عبيد: يعني عن طيب نفس، بالفريضة التي فرضها الله تعالى.

وقيل: النحلة: الهبة، والصداق في معناها، لأن كل واحد من الزوين يستمتع بصاحبه، وجعل الصداق للمرأة، فكأنه عطية بغير عوض.

وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء، وقال تعالى:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} .

وأما السنة: فروى أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف درع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" مهيم؟ " فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة. فقال:" ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة من ذهب، فقال:" بارك الله لك، أولم ولو بشاة ". -

أخرجه البخاري رقم (5148) ومسلم رقم (79/ 1427) -.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. أخرجه البخاري رقم (371) ومسلم رقم

(84/ 1365). وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.

فائدة: وللصداق تسعة أسماء: الصداق، والصدقة، والمهر، والنحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أدوا العلائق " قيل: يا رسول الله، وما العلائق؟ قال:" ما تراضى به الأهلون ".

- أخرجه الدارقطني (3/ 244) والبيهقي (7/ 239) وسعيد بن منصور في سننه (1/ 170) وقال الحافظ في " التلخيص "(3/ 190 رقم 1550) إسناده ضعيف جدا.

ويقال: أصدقت المرأة ومهرتها. ولا يقل: أمهرتها.

انظر " المغني "(10/ 97)، " تهذيب اللغة "(5/ 266).

وقال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(5/ 24): قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه.

وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 213): "

أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا بها، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك. فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فيأكله حلالا طيبا، ولهذا قال تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} ".

ص: 3351

إلى أولياء النساء، وهذا معلوم بالنقل الذي تضمنته الوقائع المتعددة، والحكايات المدونة في كتب الحديث والتواريخ والسير.

وقد كان الرجل إذا أراد نكاحا سعى في تحصيل المهر حتى يحصله، ثم يدفعه إلى من يريد نكاحها، ويدخل بها بعد ذلك، ومن جملة ما يفيد ما ذكرناه ما أخرجه البخاري (1) ومسلم (2)، وغيرهما (3) من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) في صحيحه رقم (5135).

(2)

في صحيحه رقم (76/ 1425).

(3)

كمالك (2/ 526 رقم 8) وأحمد (5/ 330، 336) والدارمي (2/ 142) وأبو داود رقم (2111) والنسائي (6/ 123) والترمذي رقم (1114) وابن ماجه رقم (1889) والدارقطني (3/ 247 رقم 21) والبيهقي (7/ 236).

ص: 3352

جاءته امرأة فقالت: إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" هل عندك من شيء تصدقها؟ " قال: ما عندي إلا إزاري، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا "، فقال: ما أجد شيئا، فقال:" التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له رسول [الله]صلى الله عليه وآله وسلم:" هل معك شيء من القرآن؟ " فقال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" قد زوجتها بما معك من القرآن "، وللحديث ألفاظ وروايات (1).

والمراد من هذا أنه قدم صلى الله عليه وآله وسلم سؤاله عن وجود المهر لديه، ثم ما زال ينتقل معه إلى خاتم الحديد (2)، ثم إلى تعليمها ما يحفظه من القرآن (3)، فأفاد ذلك أن تعجيل المهر وتقديمه على النكاح هو الثابت ...................................

(1) تقدم ذكرها.

(2)

قال القرطبي: في " المفهم "(4/ 131): وفيه دليل على جواز كون الصداق منافع، وبه قال الشافعي وإسحاق والحسن بن حي ومالك في أحد قوليه وكرهه أحمد.

وقال مالك في القول الثاني: ومنعه أبو حنيفة في الحر، وأجازه في العبد إلا أن يكون جواز الإجارة على تعليم القرآن، فلا يجوز بناء على أصله في أن تعليم القرآن لا يؤخذ عليه أجر.

والجمهور على جواز ذلك. أي على جواز كون الصداق منافع، وهذا الحديث رد على أبي حنيفة في منعه أخذ الأجر على تعليم القرآن ويرد عليه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:" إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " أخرجه البخاري رقم (5737).

(3)

وفيه ما يدل على أن المهر الأولى فيه أن يكون معجلا مقبوضا. وهو الأولى عند العلماء باتفاق.

ويجوز أن يكون مؤخرا على ما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن، فعلمها " فإنه قد انعقد النكاح وتأخر المهر الذي هو التعليم. وهذا على الظاهر من قوله: " بما معك من القرآن " فإن الباء للعوض، كما تقول: خذ هذا بهذا، أي عوضا عنه.

وقوله: صلى الله عليه وسلم: " علمها " نص في الأمر بالتعليم، والمساق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح. "

المفهم " (4/ 130 - 131).

ص: 3353

في الشرع (1)، هذا على فرض عدم وقوع التضييق من الزوجة، والامتناع من الدخول إلا بالمهر، كما وقع في هذه القصة. أما لو طلبت تعجيله، وامتنعت عن الدخول بها إلا بتسليمه فلا شك، ولا شبهة أن لها ذلك، لأنه ثم بضعها، وبه يستحل فرجها.

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " أن أحق ما يلزم الوفاء به ما استحلت به الفروج "(2)، فلو كان التأجيل للمهر (3) وبقاؤه دينا على الزوج لازما للزوجة، رضيت أم كرهت، لكان في هذه القصة المتقدمة لذلك الفقير فرجا ومخرجا، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سيقول له: زوجتكها على مهر هو كذا، يكون دينا عليك حتى يرزقك لله، وبالجملة فنقل الواقعات الدالة على أن الثابت عنه

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

أخرجه البخاري رق (2721) ومسلم رقم (63/ 1418) عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشرط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج ".

(3)

قال ابن قدامة في " المغني "(10/ 115): ويجوز أن يكون الصداق معجلا، ومؤجلا، وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا، لأنه عوض في معاوضة، فجاز ذلك فيه كالثمن، ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن، وإن شرط مؤجلا إلى وقت، فهو إلى أجله.

وإن أجله ولم يذكر أجله، فقال القاضي: المهر صحيح، محله الفرقة فإن أحمد قال: إذا تزوج على العاجل والآجل، لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة، هذا قول النخعي والشعبي.

وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو عبيد: يبطل الأجل، ويكون حالا.

وقال إياس بن معاوية وقتادة: لا يحل حتى يطلق، أو يخرج من مصرها أو يتزوج عليها.

وعن مكحول، والأوزاعي، والعنبري: يحل إلى سنة بعد دخوله بها ".

ص: 3354

- صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أهل عصره هو تسليم المهر للنساء قبل الدخول (1) بهن يحتاج إلى بسط طويل، ومن رام استيفاء ذلك فليبحث [في](2) الأمهات والمسانيد، وما يلتحق بذلك، وعندي أنه يجوز للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها بعد دخوله بها حتى يسلم مهرها، على فرض أنه لم يسلمه قبل الدخول، لأنها تطلبه بدين عليه استحل به فرجها، أو هو يطلبها بما يجب له عليها من التمكين، وحقها مقدم على حقه، لأنه عوض بضعها الذي يطلبه منها، فلا حرج عليها إن منعت منه ما لم يوفها بعوضه، ومن لم يسوغ لها الامتناع بعد الدخول لم يحتج عليه بما يقوم به حجة، بل لمجرد رأي ومناسبة حاصلة، رعاية ما يجب للزوج بعد الدخول، وإهمال ما يجب للزوجة قبله وبعده. ولم يرد ما يوجب هذه الرعاية في جانب الزوج، ويسوغ الإهمال في جانب الزوجة، بل ورد ما يفيد خلاف ذلك، وهو أنعليه الوفاء بمهرها الذي استحل به بضعها، وحسن عشرتها. ومن أهم ما يجب عليه من حسن العشرة، وأقدم ما يلزم من المعروف الذي أمر الله به في محكم كتابه بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ ....................

(1) أخرج أبو داود في " السنن " رقم (2125) من حديث ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم منع عليا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئا، ولما قال: ما عندي شيء، قال: فأين درعك الحطمية؟ فأعطه إياها " وهو حديث صحيح.

ومنها حديث سهل بن سعد وقد تقدم.

قال ابن قدامة: ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا، سواء كانت مفوضة أو مسمى لها. وبهذا قال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، والثوري، والشافعي.

وروي عن ابن عباس، وابن عمر، والزهري، وقتادة، ومالك: لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا.

قال الزهري: مضت السنة أن لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا، قال ابن عباس: يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها.

قيل: يحمل هذا - قول ابن عباس - على الاستحباب، أي يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 3355

بِالْمَعْرُوفِ} (1) هو تسليم مهرها ، ولا سيما إذا كانت مطالبة له به، مصبقة عليه فيه، بل مطلها من أعظم أنواع الضرار التي نهى الله عنها بقوله تعالى:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} (2).

وبالجملة فالهدي النبوي، والقانون المصطفوي هو تسليم مهر النساء قبل استحلال فروجهن، والدخول عليهن، من غير نظر إلى وقوع الطلب منهن. أما إذا وقع الطلب منهن فقد تعين ذلك على الزوج، فإن قدر عليه سلمه، وإن لم يقدر عليه فهو قبل الدخول بالخيار بين تسريحها أو إمساكها، غير مطالب لها بحقه قبل الوفاء منه بحقها، وإن كان قد دخل بها وطالبته بتسليمه وهو متمكن فلا شك ولا شبهة أنه يجب عليه ذلك، فإن لم يفعل كان لحكام المسلمين أن يأخذوا من ماله بقدر ذلك، شاء أم أبى، كما يفعلون ذلك في سائر الديون، فإن هذا دين من أهم الديون وأحقها بالوفاء. وليس له ولا لغيره من ولي ، أو صحب ولاية أن يجبرها على تسليم حقه حتى تستوفي منه حقها.

وأما إذا كان فقيرا فلا حرج عليها في الامتناع حتى يذهب، فيتكسب ما يقوم بمهرها. وقد يقال: إن هذا الدين وإن كان من أهم الديون فقد دخل تحت قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (3) ولما كان الزوج ذا عسرة كان عليها إنظاره إلى ميسرة، ولكن هذا الدليل وإن أفاد وجوب الإنظار فلا يفيد وجوب التمكين منها له. والأدلة الدالة على وجوب الطاعة والانقياد وإن تناولت التمكين من الوطء تناولا أوليا، لكن لا يبعد أن يقال: إن لها أن تمنع منه ما مطلها بعوضه، حتى تحصله

(1)[النساء: 19].

(2)

[الطلاق: 6].

(3)

[البقرة: 280].

ص: 3356

وقد قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)، وكون الفقر عذرا له بقابله بأن نطلها في عوض بضعها عذر لها في منعه منه. فإن قيل: ما نزل به من الفقر صيره غير واجد، وكان ذلك عذرا له عن وجوب التعجيل، والزوجة لم يكن مطلها من مهرها عذرا لها في ترك التمكين لأنها متمكنة من ذلك، وليس من تعذر عليه تسليم ما يجب عليه كمن لم يتعذر عليه ذلك. فيقال: لم ينسد على الزوج طرق المكاسب، وأسباب المعاش التي يتوصل بها إلى تسليم ما يجب عليه بها، وهي لم تطلب منه التسليم في الحال، إنما طلبت منه السعي في التحصيل، ومنعته من شيء لم يسلم ما يجب عليه فيه، وبعد اللتيا والتي (2) فلو كان الامتناع من تمكين الزوج (3) الفقير بعد الدخول

(1)[البقرة: 228].

قال ابن كثير في تفسيره (1/ 609): " أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف كما ثبت في صحيح مسلم رقم (1218) عن جابر أن رسول الله - قال في خطبته في حجة الوداع: " فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جده أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال: " أن تطعمها وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت " أخرجه أبو داود بسند حسن ".

(2)

قيل: اللتيا تصغير التي، وهي الداهية الصغيرة. والتي هي الداهية الكبيرة.

ويقال: وقع فلان في اللتيا والتي، وهما اسمان من أسماء الداهية.

وقيل: تصغير لتي واللاتي: اللات اللتيا واللتيا، بالفتح والتشديد.

انظر: " لسان العرب "(12/ 234).

(3)

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها، حتى يعطيها مهرها.

وإن كان معسرا بالصداق امتنعت لأن امتناعها بحق. وإن كان الصداق مؤجلا، فليس لها منع نفسها قبل قبضه، لأن رضاها بتأجيله رضى بتسليم نفسها قبل قبضه، كالثمن المؤجل في البيع.

فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها، لم يكن لها منع نفسها أيضا، لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه، فلم يكن لها أن تمنع منه.

وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا، فلها منع نفسها قبل العاجل دون الآجل، ثم لو أرادت منع نفسها حتى تقبضه، فقد توقف أحمد عن الجواب فيها ، وذهب أبو عبد الله ابن بطة، وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك. وهو قول مالك والشافعي، وأبي يوسف ومحمد، لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع بعد ذلك. كما لو سلم البائع المبيع.

وذهب أبو عبد الله ابن حامد إلى أن لها ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة، لأنه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح. فملكتت أن تمتنع منع قبل قبض صداقها، كالأول. فأما إن وطئها مكرهة، لم يسقط به حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها، كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها. وإن أخذت الصداق فوجدته معيبا، فلها منع نفسها حتى يبدله، أو يعطيها أرشه. لأن صداقها صحيح، وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها، خرج على الوجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل صداقها ثم بدا لها أن تمتنع.

انظر: " المغني "(10/ 171 - 172).

ص: 3357

غر جائز، لكونه غير واجد، وقد أوجب الله إنظاره لم يكن الامتناع من الغني الممكن من التسليم غير جائز، بل لا شك في جوازه. أما قبل الدخول فظاهر، وأما بعد الدخول فلتعادل ما قدمنا ذكره من أدلة وجوب الوفاء من كل منهما بحق الآخر، وعدم المرجح لأحد الحقين على الآخر لا شرعا ولا عقلا.

وإذا تقرر ما ذكرناه سابقا من أن تقديم تسليم المهر على الدخول هو المنهج الشرعي، والمهيع النبوي فقد اختلف في كونه واجبا منجما أم لا؟.

فاستدل من أوجبه بما قدمنا في حديث الواهبة نفسها (1)، ومن أوجب تسليم بعضه استدل بما أخرجه أبو داود (2)، والنسائي (3)، وصححه الحاكم (4) من حديث ابن عباس، قال: لما تزوج على فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله

(1) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

(2)

في " السنن " رقم (2125).

(3)

في " السنن "(6/ 129 رقم 3375).

(4)

لم أجده في المستدرك وهو حديث صحيح وقد تقدم.

ص: 3358

وسلم -: " أعطها شيئا " قال: ما عندي شيء. قال: " أين درعك الحطمية؟ "، وفي لفظ لأبي داود (1) أنه أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئا، فقال: يا رسول الله، ليس لي شيء، فقال له:" أعطها درعك " فأعطاها درعه، ثم دخل بها.

واستدل من لم يجعل ذلك واجبا بما أخرجه أبو داود (2)، وابن ماجه (3) من حديث عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا، وقد سكت على هذا الحديث أبو داود، والمنذري. ويمكن الجمع بين الحديثين بوجوه:

منها: أنه يجب تقديم التسليم مع الطلب من الولي، أو المرأة ، ولا يجب مع عدم ذلك، وإن كان هو الباعث على عهد النبوة، الشائع الذائع، فأقل الأحوال أن يكون سنة مؤكدة مع عدم الطلب ، واجبا منجما معه، فهذا حاصل ما ينبغي أن يقال به في هذه المسألة، وإن كان المقام يحتمل التطويل والبسط (4).

(1) في " السنن " رقم (2126).

(2)

في " السنن " رقم (2128).

(3)

في " السنن " رقم (1992) وهو حديث ضعيف.

(4)

قال الماوردي في " الحاوي الكبير "(2/ 162 - 165): إذا امتنعت المرآة من تسليم نفسها لقبض صداقها لم يخل خاله من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون جميعه حالا.

والثاني: أن يكون جميعه مؤجلا.

والثالث: أن يكون بعضه حالا وبعضه مؤجلا.

القسم الأول: وهو أن يكون جميعه حالا، إما بإطلاق العقد، أو بالشرط فيكون حالا بالعقد، والشرط تأكيد، فلها أن تمتنع من تسليم نفسها على قبض صداقها، كما كان لبائع السلعة أن يمتنع من تسليمها على قبض ثمنها.

فإن تطوعت بتسليم نفسها قبل قبض الصداق، ثم أرادت بعد التسليم أن تمتنع عليه لقبض الصداق فهذا على ضربين:

الأول: أن لا يكون قد وطئها، فلها أن تمتنع عليه، وإن سلمت نفسها إليه إذا لم يكن قد وطئها، لأن القبض في النكاح يكون بالوطء الذي يستقر به كمال المهر دون التسليم، وهذا متفق عليه.

الثاني: أن يكون قد وطئها بعد التسليم، فليس لها عندنا أن تمتنع عليه.

وقال أبو حنيفة: لها الامتناع بعد الوطء، كما كان لها الامتناع قبله احتجاجا بأن الصداق في مقابلة كل وطء في النكاح لأمرين:

أحدها: أنه لو كان في مقابلة الأول لوجب للثاني مهر آخر.

الثاني: أنه لو كان في مقابلة كل وطء، لم يكن تسليمها لبعض الحق مسقطا لحقها في منع ما بقي، كمن باع عشرة أثواب فسلم أحدها قبل قبض الثمن، كان له حبس باقيها، كذلك هاهنا.

قال: ولأنها لم تستوف مهرها مع استحقاق المطالبة، فجاز لها أن تمتنع من تسليم نفسها قياسا على ما قبل الوطء.

وقد تقدم مناقشة ذلك.

القسم الثاني: وهو أن يكون صداقها مؤجلا، فيجوز إذا كان الأجل معلوما لأن كل عقد صح بعين وبدين، صح أن يكون معجلا ومؤجلا، كالبيع، وإذا كان الصداق مؤجلا، فعليها تسليم نفسها، وليس لها الامتناع لقبض الصداق بعد حلول الأجل، لأنها قد رضيت بتأخير حقها وتعجيل حقه، فصار كالبيع بالثمن المؤجل يجب على البائع تسليم المبيع قبل قبض الثمن. فعلى هذا لو تأخر تسليمها لنفسها حتى حل الأجل، فأرادت الامتناع من تسليم نفسها حتى تقبض الصداق، لم يكن ذلك لها، وإن حل، لأنها لم تستحق الامتناع عليه بالعقد.

القسم الثالث: وهو أن يكون بعض صداقها حالا وبعضه مؤجلا، فيصح إذا كان قدر الحال منه معلوما وأجل المؤجل معلوما. ولها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض الحال، وليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض المؤجل، فيكون حكم الحال منه كحكمه لو كان جميعه حالا، وحكم المؤجل منه كحكمه لو كان جميعه مؤجلا، فلو تراخى التسليم حتى حل المؤجل كان لها منع نفسها على قبض المعجل دون ما حل من المؤجل.

وانظر: " المغني "(10/ 115).

ص: 3359

وأما احتجاج من يحتج على مطل النساء في مهورهن بأنه قد جرى العرف بذلك، فليست الأعراف المخالفة للمنهج الشرعي بحجة على أحد، بل هي معصية لله ولرسوله، فكيف نجعل المعاصي أدلة شرعية! فإن من بلغ به القصور إلى جعل معاصي الله - سبحانه - ومخالفة شرعه، وتعدي حدوده أدلة شرعية على عباد الله حقيق بأن يطلب العلم، ويستفيد من أهله ، ويدع الاستدلال بما ليس بدليل، فإن ذلك ليس من شأنه لأنه لم يتعقل الحجج الشرعية فضلا عن أن يصلح للاحتجاج بها.

هو بخط المجيب المولى شيخ الإسلام رضي الله عنه. وإنما ضرب على اسمه لكون أول البحث ليس بخطه - جزاه الله خيرا.

ص: 3361