المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

تأليف

محمد بن على الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3713

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، ونصلى على رسولك وآله و، ونسلم تسليما كثيرا.

وبعد:

فإنه ورد إلى سؤال من العلامة المفضال صفي الكمال، حسنة الآل أحمد بن يوسف زبارة (1) - سدد الله أنظاره - ولفظه:

ما قولكم في العروق الممتدة من أرض غيره إذا حصل ذلك؟ فهل لصاحب الأرض الممتدة إليها العروق قلعة أم لا؟ وهل لصاحب الأرض التي نشأت أصل العروق من أرضه أن يدخل إلى الأرض الممتدة إليها لقطع العروق أم لا؟ وبعد قلعها لمن يكون العرق؟ هل للذي قلعه أم لمن أصل العرق، أو لمن امتد إلى أرضه، وإذا نبت في الأرض الممتد إليها أشجار أصلها من ذلك العرق الأصلي فهل تكون تلك الأغصان لمن نبت في أرضه أو لمن العرق الأصلي في أرضه، أو لمن نبت أو بينهما، وذلك مثل شجر الكمثرى، والقرع، والآجاص، والحلال، نعم إذا كان مثل الحلال الذي إذا غرس في الأرض الحارة أهلك أودية، وامتد إلى المزارع حتى يبطلها، فهل يجوز الغرس لذلك بين الزراع؟ ويجنب الأشجار التي يضرها كالعنب أو لا يجوز؟ وإذا أهلك الوادي مثلا حتى لم ينتفع به في الزرع الموضوع له فهل يكون الغارس متعديا في السبب؟ وإذا تعدى في السبب فهل يكون حكمه ضمان نقصان الأرض؟ أو أنه يملك الأرض وتلزمه القيمة؟ أو يكون حكمه حكم الغاضب إذا غير العين إلى غرض أو إلى غير غرض، أو لا يلزمه شيء؟ فهذه الأطراف تفضلوا بالتصفح لها وما سنح من الجواب الذي يحسن السكوت عليه، ويتوجه العمل به؛ فإن هذه المسائل لا تزال تحك في الصدور، وتختلف فيها الأنظار والأعراف على مر الدهور انتهى.

(1) تقدمت ترجته.

ص: 3719

وأقول الجواب ينحصر في وجوه:

الوجه الأول: فيما ذكره أهل علم الفروع في تخوم الأرض، وهم يريدون بالتخوم باطن الأرض لا حدودها كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -. وعلى تحقيق هذا الوجه يتوقف جواب جميع ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده -.

فاعلم أنه قد اضطرب كلام أئمة الفروع في ذلك غاية الاضطراب، فتارة يذكرون ما يفيد أن التخوم لا تملك بل هي حق فقط، وتارة يذكرون ما يفيد أنها تملك. فمن المواضع التي ترشدك إلى ما ذكرناه ما صرحوا به في البيع فإنهم صرحوا بأنه لا يدخل في البيع معدن ولا دفين (1)، وصرحوا أنه يجوز أخذ المعدن من ملك الغير، وأنه لمن أخذه لا لمالك الأرض.

ووقع في كلام بعضهم التفصيل فقال: يجوز أخذ المعدن من ملك الغير إذا كان من غير جنس الأرض، لا إذا كان من جنسها، وهذا التفصيل هو الصواب. وقد أشار إليه جماعة من المحققين منهم النجري في المعيار، فكلامهم في المعدن يفيد أن تخوم الأرض لا

(1) قال ابن قدامة في " المغني "(4/ 245 - 246): والمعادن الجامدة تملك بملك الأرض التي هي فيها، لأنها جزء من أجزاء الأرض، فهي كالتراب والأحجار الثابتة، بخلاف الركاز فإنه ليس من أجزاء الأرض، وإنما هو مودع فيها، وقد روى أبو عبيد في " الموال "(ص338 - 339) بإسناده عن عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني، قال: اقطع رسول صلى الله عليه وسلم بلالا أرض كذا، من مكان كذا، إلى كذا، وما كان فيها من جبل أو معدن. قال فباع بنو بلال من عمر بن عبد العزيز أرضا، فخرج فيها معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث، ولم نبعك المعدن، وجاءوا بكتاب القطيعة التي قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيهم، في جريدة، قال فجعل عمر يمسحها على عينيه، وقال لقيمة: انظر ما استخرجت منها، وما أنفقت عليها فقاصهم بالنفقة، ورد عليهم الفضل، فعلى هذا ما يجده في ملك أو في موات فهو أحق به.

وقد روى أنها: تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها من نمائها وتوابعها فكانت لمالك الأرض، كفروع الشجر المملوك وثمرته.

وانظر: " المجموع "(11/ 290)، " الحاوي "(6/ 212).

ص: 3720

تملك، وهكذا كلامهم في الشفعة، فإنه ذكر جماعة من أهل الفروع منهم صاحب التمهيد والكواكب بأنه لو سبب الشفعة أرضا واجترحها السيل فلا شفعة، فإن هذا يفيد أنه قد ذهب الملك بذهاب الطبقة العليا من الأرض، وأن الذي ظهر إنما هو حق لا ملك، وهكذا ذكروا أن عروق الأشجار المغروسة في الأرض المحياة والأرض المبيعة يكون من الحقوق التابعة لها (1)، وهذا يفيد أن التخوم حق لا ملك.

وذكروا في المسجد أن حكمه ثابت ما بقى قراره، وأنه إذا ذهب جاز بيعه (2). وهكذا الأرض الموقوفة (3) إذا ذهب قرارها جاز بيعها. وهذا يفيد أن التخوم ملك

(1) انظر " المغني "(6/ 142).

(2)

قال النووي في " المجموع "(16/ 330): أما المسجد فإنه إذا انهدم وتعثرت إعادته فإنه لا يباع بحال لإمكان الانتفاع به حالا بالصلاة في أرضه، وبهذا، قال مالك رضي الله عنه.

* وقال أصحاب أحمد: إذا تعطلت منافع الوقف كدار انهدمت أو أرض عادت مواتا أو مسجد انصرف أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلي فيه أو ضاق بأهله ولم يكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن من عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه.

" المغني "(8/ 220 - 221).

(3)

انظر التعليقة السابقة.

قال محمد بن الحسن: إذا خرب المسجد أو الوقف، عاد إلى ملك واقفه، لأن الوقف إنما الوقف إنما هو تسبيل المنفعة، فإذا زالت منفعته، زال حق الموقوف عليه منه، فزال ملكه عنه. وقال مالك والشافعي: لا يجوز بيع شيء من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يباع أصلها، ولا تبتاع، ولا توهب، ولا تورث " ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه، لا يجوز بيعه مع تعطلها، كالمعتق، والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق. "

المجموع " (16/ 331).

قال ابن قدامة في " المغني "(8/ 221): " ولنا: ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد، لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة، أن نقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لا يزال في المسجد مصل. وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه فكان إجماعا.

ولأن فيما ذكرناه استبقاء الموقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك.

قال ابن عقيل: الوقف مؤبد، فإذا لم يكن تأييده على وجه يخصصه استبقاء الغرض، وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، وإيصال الإبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطيلها تضييع للغرض.

ويقرب هذا من الهدي إذا عطب في السفر، فإنه يذبح في الحال. وإن كان يختص بموضع فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفى منه ما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره، لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوت الانتفاع بالكلية، وهكذا الوقف المعطل المنافع.

وانظر " المجموع "(16/ 331 - 332).

ص: 3721

لا حق لأن، الحقوق لا يجوز بيعها، ولا يضمن متلفها ولا غاصبها وقد صرح بأن النجوم تلمك صاحب البستان في الشفعة، والمحترسي في حاشيته في الغضب عند الكلام على من حفر بئرا (1)، ثم طمها، وهكذا يدل على أن التخوم تلمك ما ذكروه فيمن حفر بئرا في أرض مغصوبة فزادت بها قيمة الأرض، ثم طمها فعادت قيمتها كما كانت؟ قالوا إنه يضمن زيادة القيمة ولا شك أن هذا الذي حصلت به الزيادة إنما هو الكورة، وهي التخوم.

ويكمن أن يقال: إن التخوم بعد حفرها قد صارت كظاهر الأرض فزيادة الأرض مضمونة على الغاصب باعتبار ما كان قد ظهر وخرج عن كونه من التخوم. ومنهم من فصل في التخوم فقال: إنها مباحة فإن ظهرت بفعل المالك نحو أن يرفع الطبقة العليا ويعمل في الطبقة السفلة فإنها تصير ملكا، وهكذا كل طبقة تظهر بفعل المالك فإنها تصير ملكا. وأما إذا ظهرت لا يفعل المالك نحو أن يجتحف السيل الطبقة العليا فإن المالك لا يملك الطبقة السفلى. وقد أشار إلى هذا صاحب المعيار فقال: إن العلة في عدم ملك باطن الأرض أن ما يستند إلى فعل فهو باق على أصل الإباحة، انتهى.

(1) انظر " المجموع "(8/ 368).

ص: 3722

هذا يبني على أن المحيي إنما يملك الطبقة التي يباشرها بالعمل، فيكون المملوك ما نقله بالحرث لا ما تحته.

وعلى الجملة فقد تحصل من مجموع ما ذكره أهل الفرع مما أشرنا إليه على هذا القول أنه لو اجتحف السيل الطبقة العليا، ثم حرث الطبقة السفلى غير من كان مالكا للطبقة العليا أنها تصير ملكا له، وليس لمن كان مالكا للطبقة منعة ولو كان غاصبا غصب الأرض، فنقل الطبقة العليا، ثم حرث الطبقة السفلى صار مالكا لتلك الطبقة، ولم يجز لمن كان مالكا للطبقة العليا منعه، وهكذا لا يجوز لمالك الأرض أن يمنع من أراد أن يأخذ التراب من تخوم أرضه على وجه لا يباشر الطبقة العليا، نحو أن يحفر حفرة من خارج الأرض، ثم يتناول تراب تخوم تلك الأرض حتى لا يبقى فيها إلا الطبقة العليا على فرض استمساكها بعد حفر ما تحتها.

القول الثاني: أن تخوم الأرض حق لمالك الأرض، فليس لغيره أن يحييها إذا ذهبت الطبقة العليا إلا بإذن من كان مالكا لها، وكذلك ليس له أن يأخذ تراب التخوم إلا بإذن المالك، ولا فرق على هذا القول بين ما لو كانت الطبقة العليا باقية، أو اجتحفها السيل أو نقلها المالك أن الطبقة السفلى حق فقط لا يملكها مالك الطبقة العليا إلا بإحيائها.

القول الثالث: إن ما تحت الطبقة العليا حق ما دامت الطبقة العليا، فإذا زالت بفعل المالك، أو بفعل غيره صارت الطبقة السفلى ملكا له، وهكذا كل طبقة من طبقات الأرض تصير مملوكه له بظهورها، وانحسار التي فوقها.

القول الرابع: أن الطبقة العليا إن زالت بفعل المالك كانت الطبقة التي تحتها ملكا، وإن زالت بفعل غيره كانت حقا. وقد أشار في البحر (1) إلى ما يفيد هذا.

(1)(4/ 185).

ص: 3723

القول الخامس: أن تخوم الأرض بملك، وقد تقدمت الإشارة إلى من صرح بذلك. وقد حكي صاحب الغيث (1) عن أبي حنيفة (2) والشافعي (3) أن المعدن ونحوه ملك لصاحب الأرض، وكذا حكي صاحب شرح الأثمار (4) عنهما، وعن الناصر أن المعدن يدخل في بيع الأرض، وهذا يفيد أنهم يقولون بملك التخوم.

فإن قلت إذا كان الاختلاف في التخوم على هذه الأقوال، فما هو الحق عندك؟ فإن سرد الأقوال بلا بيان لراجحها من مرجوحها لا يأتي بكثير فائدة.

قلت: الراجح أن التخوم يملكها من أحيي ظاهر الأرض، وباشرها بالحرث ونحوه، وأنه لا فرق بعد مباشرة ظاهر الأرض بما يثبت به الأحياء بين الطبقة العليا، وما تحتها إلى آخر جزء من الأجزاء؛ فمن ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة، وأبنية، ومعادن، وغير ذلك، فلا يجوز لغيره أن يتناول شيئا من تخومها بحفر، ونقل، وغيرهما إلا برضى المالك، والدليل على هذا ما أخرجه أحمد (5)، والترمذي (6) وصححه، والنسائي (7)، وابن حبان (8) من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من أحيا أرضا ميتة فهي له " وما أخرجه أحمد (9) وأبو داود (10)، ......................

(1) تقدم التعريف به.

(2)

انظر " المغني "(4/ 245).

(3)

انظر " المجموع "(11/ 290).

(4)

تقدم التعريف به.

(5)

في " المسند "(3/ 304، 338).

(6)

في " السنن " رقم (1379) وقال: حديث حسن صحيح.

(7)

في " السنن الكبرى "(3/ 404رقم 5756).

(8)

في صحيحه رقم (5179، 5181). وهو حديث صحيح.

(9)

(1/ 188، 189، 190).

(10)

في " السنن " رقم (3073).

ص: 3724

والترمذي (1) وحسنه، والنسائي (2) من حديث سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق "، وقد أعله الترمذي بالإرسال (3)، ورجح الدارقطني إرساله (4).

وما أخرجه أحمد (5) والبخاري (6) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها ". وما أخرجه أبو داود (7)، والضياء في المختارة (8) وصححه عن أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته فقال: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ".

وما أخرجه أحمد (9)، وأبو داود (10)، والطبراني (11)، والبيهقي (12)، وابن الجارود (13) وصححه. قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم: " من أحيا أرضا ميتة فهي له ".

فهذه الأحاديث تدل على أن من أوقع على الأرض ما يسمى إحياء ملك ما يصدق عليه

(1) في " السنن " رقم (1378).

(2)

في " السنن الكبرى "(3/ 404 - 405رقم 5760 - 5762).

(3)

في "السنن "(3/ 662).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 119). وهو حديث صحيح.

(5)

في " المسند "(6/ 120).

(6)

في صحيحه رقم (2335).

(7)

في " السنن " رقم (3071) وفيه ثلاث مجهولات.

(8)

عزاه إليه ابن في " التلخيص "(3/ 139). وهو حديث ضعيف.

(9)

في " المسند "(5/ 21).

(10)

في " السنن " رقم (3077).

(11)

في " الكبير "(7 / رقم 6863، 6864، 6865، 6866،، 6867).

(12)

: في " السنن الكبرى "(6/ 148).

(13)

في " المنتقى " رقم (1015) بسند ضعيف لعنعنة الحسن البصري

ولكن الحديث صحيح بشواهد والله أعلم.

ص: 3725

لفظ الأرض، ويتناوله هذا الاسم، ولا ريب أنه يصدق على باطن الأرض كما يصدق على ظاهرها، ولم يأت في لغة العرب ولا في اصطلاحات الشريعة المطهرة أن هذا الاسم يصدق على جزء من الأرض، وهو ظاهرها دون غيره من الأجزاء. ومن زعم ذلك فقد جاء بما لا يفيده عقل ولا شرع، ولا لغة، ولا عرف عام ولا خاص.

ولا يرتاب من يفهم كلام العرب أن الضمير قد عاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم فهي له إلى الأرض التي وقع عليها الإحياء المذكور في أول الحديث، ووزان هذا الكلام قول القائل: من دخل الدار فهي له؛ فإن هذا التركيب يفيد أن الدار بجميع أجزائها تصير ملكا للداخل بمجرد الدخول، ومن زعم أنه لا يملك إلا الموضع الذي قعد فيه من الدار، أو وضع قدمه عليه فقد أخطأ خطأ بينا، وجاء بما لا تعرفه العرب، ولا تفهمه، وهكذا قول القائل: من مثل بعبده عتق عليه؛ فإنه إذا أوقع على بدن العبد ما يصدق عليه أنه مثله صار العبد كله حرا، ومن زعم أنه لا يعتق إلا الموضع الذي وقعت فيه المثلة عليه فقد افترى على لغة العرب، وعلى قواعد الشريعة ما ليس منهما، وهكذا كل تركيب من التراكيب العربية المؤدية لمثل ما ذكرناه، وهي كثيرة لا يحيط بها الحصر، وليس المراد إلا بيان ما أردناه، وتقرير دلالة الدليل الذي سقناه على وجه لا يبقى فيه شك ولا شبهة.

ومما يدل على ما ذكرناه من ملك التخوم الحديث المتفق عليه (1) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال: " من ظلم شبرا من الأرض يطوقه الله من سبع أرضين "، وأخرج نحوه الشيخان (2) أيضًا من حديث سعيد بن زيد. وأخرجه أيضًا أحمد (3) ومسلم (4) من حديث أبي هريرة.

(1) البخاري في صحيحه (2425) ومسلم رقم (142/ 1612).

(2)

البخاري في صحيحه رقم (2452) ومسلم رقم (137/ 1610).

(3)

في " المسند "(2/ 387 - 388).

(4)

في صحيحه رقم (141/ 1611).

ص: 3726

وأخرجه أيضًا أحمد (1) والبخاري (2) من حديث ابن عمر. وأخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه (3)، وابن أبي شيبة في مسنده (4)، وأبو يعلى (5) من حديث يعلى بن مرة.

وأخرجه أيضًا العقيلي في تاريخ الضعفاء (6) من حديث المسور بن مخرمة. وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير (7) من حديث شداد بن أوس. وأخرجه أيضًا الترمذي (8) من حديث سعد بن أبي وقاص. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (9) من حديث أبي مالك الأشعري بإسناد حسن.

وأخرجه أيضًا الطبراني (10)، وأبو يعلى (11) من حديث الحكم بن الحارث السلمي. وأخرجه أيضًا الطبراني (12) من حديث أبي شريح الخزاعي.

(1) في " المسند "(2/ 99).

(2)

في صحيحه رقم (2454).

(3)

رقم (5164).

(4)

في مصنفه (6/ 565 - 566).

(5)

في مسنده (2/ 247رقم 948).

(6)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 119).

(7)

(7/ 292 رقم 7170).

وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 176) وقال: وفيه قزعة بن سويد وثقة ابن عدي وغيره وضعفه أحمد وجماعة.

(8)

في " السنن " رقم (1269) من حديث ابن مسعود وهو صحيح. .

(9)

في مصنفة (6/ 567 رقم 2060).

(10)

في " الكبير " رقم (3172) وفى " الصغير "(2/ 152 - 153) وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 176) وقال: فيه محمد بن عقبة السدوسي وثقة ابن حبان وضعفه أبو حاتم وتركه أبو زرعة.

(11)

عزاه إليه ابن حجر في " تلخيص "(3/ 119).

(12)

في " الكبير " رقم (22/ 189رقم 493).

وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 176) وقال: وفيه عبد الله بن شيب وهو ضعيف.

ص: 3727

وأخرجه أيضًا أحمد (1) من حديث ابن مسعود. وأخرجه أيضًا الطبراني (2) من حديث ابن مسعود.

ووجه دلالته أنه قال: " من غصب شبرا من الأرض، أو ظلم شبرا، أو أخذ شبرا أو سرق شبرا، أو أقتطع شبرا "، على اختلاف الروايات. وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون المغصوب من ظاهر الأرض أو باطنها، ومن زعم أنه مختص بالظاهر دون الباطن فقد جاء بما لا تحمله لغة العرب، وخالف ما يدل عليه التركيب بلا دليل من عقل ولا نقل، ومما يوضح هذه الدلالة، ويمنع أن يراد بها خلاف ظاهر ما ذكر في الحديث من تطويقه من سبع أرضين إن حمل على معناه الحقيقي.

قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (3): إن الحديث يدل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه، وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة، وأبنية، ومعادن، وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن جاوره، انتهى.

إذا تقرر لك بهذا رجحان ما رجحناه من أن التخوم بالمعنى الذي أراده أهل الفروع تملك بالإحياء لظاهر الأرض عرفت الجواب عن جميع ما أورده السائل - كثر الله فوائده - من تلك المسائل كما سيأتي.

(1)(1/ 416رقم 3946 - شاكر) بإسناد صحيح.

(2)

في الكبير رقم (10516) وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 174 - 175) وقال: رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وإسناد أحمد حسن.

(3)

(5/ 105).

وقال القرطبي في " الفهم "(4/ 535): وقد استدل بعضهم به: على أن من ملك شيئا من الأرض ملك ما تحته مما يقابله، فكل ما يجد فيه من معدن، أو كنز فهو له. وقد اختلف في ذلك في المذهب فقيل ذلك وقيل هو للمسلمين. وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره.

وكذلك أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد، فيمنع.

ص: 3728

الوجه الثاني: من الوجوه التي اشتمل عليها الجواب هو إيضاح معنى التخوم لغة واصطلاحا:

أما في اللغة: فقال في القاموس (1): التخوم بالضم الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود المؤنثة، والجمع تخوم أيضًا وتخم كعنق، والواحد تخم بالضم، أو تخومة، وبفتحها وأرضنا تتاخم أرضك تحادها. انتهى.

وقال في النهاية (2): " ملعون من غير تخوم الأرض "، أي معالمها وحدودها، واحدها تخم. قيل: أراد بها حدود الحرم الخاصة. وقيل هو عام في جميع الأرض، وأيراد المعالم التي يهتدي بها في الطريق. وقيل: هو أن يدخل الرجل في ملك غيره فيقتطعه ظلما. ويروي تخوم بفتح التاء على الإفراد، وجمعه تخم بضم التاء والخاء انتهى.

وقال في المصباح (3): التخم حد الأرض، والجميع تخوم مثل فلس وفلوس. وقال ابن الأعرابي (4) وابن السكيت (5): الواحدة تخوم، والجمع تخم مثل رسول ورسل، والتخمة وزان رطبة، والجمع بحذف الهاء، والتخمة لغة، والتاء مبدلة من واو لأنها من الوخامة، واتخم على افتعل، وتخم تخما من باب تعب لغة انتهى.

إذا عرفت هذا علمت أن إطلاق التخوم على باطن الأرض لم يرد في لغة العرب، بل هو اصطلاح لجماعة من المصنفين في علم الفروع، كما وقع في المؤلفات الفروعية التي قدمنا النقل عن بعضها.

الوجه الثالث: من الوجوه المشتملة على الجواب. اعلم أنا قد قدمنا في الوجه

(1)(ص1399).

(2)

(1/ 183 - 184).

(3)

(ص28).

(4)

عزاه إليه صاحب " المصباح المنير "(ص28).

(5)

عزاه إليه ابن منظور في " اللسان "(2/ 21).

ص: 3729

الأول الجواب عن مسائل السؤال إجمالا، لأنها جميعها ترجع إلى مسألة كون التخوم ملكا أو حقا على ذلك التفصيل السابق في تلك الأقوال، وها نحن الآن نجيت عن كل مسألة من مسائل السؤال على طريق التفصيل فنقول:

أما سؤاله - كثر الله فوائده - عن العروق الممدة من أرض الغارس إلى أرض غيره إذا حصل ذلك، فهل لصاحب الأرض الممتدة إليها العروق قلعها أم لا؟.

أقول: لصاحب الأرض قلع العروق التي تمتد إلى تخوم أرضه (1)، أما عند من يقول إن التخوم تملك كما هو الراجح فالأمر في ذلك ظاهر، لأن الإجماع قائم على أن للمالك أن يدفع ما يرد إلى غير ملكه بغير إذنه، سواء كان يضر بها أم لا، وأما على قول من يقول: إن التخوم حق لا ملك فكذلك لصاحب الأرض أن يقلع العروق الممتدة إلى تخوم أرضه، لن لصاحب الحق أن يمنع الغير من الانتفاع بما له فيه حق كما قالوا في التحجر، وله متعة ما حاز.

وأيضا هاهنا وجه دقيق لطيف مسوغ لقطع العروق على جميع الأقوال، وهو أن مالك الأرض عند حفره للعروق التي يريد قطعها السارية من ملك غيره إلى تخوم أرضه قد صار بذلك الحفر مالكا لجميع ما يحفره، فعند انتهائه إلى العروق صار مالكا للتخوم التي انتهى حفره إليها، فهو عن قلع تلك العروق قلعها عن ملكها، وإن كان قبل الحفر حقا على قول من قال: بأن التخوم حق لا ملك.

ولا يثبت لصاحب العروق الممتدة إلى أرض غيره بمجرد امتدادها إلى التخوم، لا حق ولا ملك، لأن مجرد امتدادها ليس بإحياء، وهو ظاهر، ولا تحجر لأنه إنما يكون بفعل الفاعل، وامتداد العروق لا فعل له فيه، ولو فرضنا أنه أثر فعله لكان ثبوت الملك أو الحق لصاحب الأرض مانعا من إحيائها وتحجرها. وقد تقرر أنه لا يجوز إحياء (2) ما

(1) انظر " المغني "(8/ 157 - 158).

(2)

انظر " الحاوي الكبير "(9/ 354). " المغني "(8/ 156 - 157).

ص: 3730

هو حق من حقوق الأرض لغير مالكها كالمراهق التي ينصب منها السيل إلى الأرض، فلا يجوز للغير أن يحرثها أو يفعل فيها فعلا يعد إحياء، ويتأثر على ذلك الفعل انصباب الماء إلى غير المحل الذي كان ينصب إليه، مع أنه لم يكن لصاحب هذا المحل إلا مجرد حق، وهكذا لو كان الرجل يستحق المرور من موضع مخصوص فليس لغيره أن يجعل في ذلك الموضع ما يمنع المرور لا بإحياء ولا بغيره، مع أنه ليس هاهنا إلا مجرد حق لا ملك، فهكذا لا يثبت لصاحب العروق حق، ولا ملك في التخوم المستحقة لغيره، أو المملوكة على القولين، وهكذا يجوز لصاحب الأرض أن يحفر خندقا ما بين أرضه وأرض شريكه الذي يخشى سريان عروق غروسه إلى تخوم أرضه إن كان بينهما موضع غير مملوك، ويصير بذلك الحفر مالكا، لأنه إحياء، فإذا قطع ما امتد من العروق فهو قطعه عن ملكه ولا خلاف في جوازه، وهكذا إذا جعل الخندق فيما هو من جملة أرضه فهو يسوغ له قطع العروق بالأولى، ويمكن أن يستدل على هذه الجملة بعموم الحديث:" ليس لعرق ظالم حق " وقد أخرجه أبو داود (1)، والدارقطني (2)، وغيرهما (3).

قال السائل - عافاه الله -: وبعد قلعها لمن يكون العروق؟ هل للذي قلعها أم لمن له أصل العرق، أو لمن امتد إلى أرضه؟.

أقول: بل يكون لصاحب الغروس، لأنها لا تخرج عن ملكه بدخولها فيما هو حق أو ملك غيره، كما لا تخرج الأغصان عن ملك صاحبها بامتدادها على الهوى المستحق للغير، أو انبساطها على الأرض المملوكة للغير. ولا فرق بين حق، وحق ملك، وملك.

(1) في " السنن " رقم (3073).

(2)

في " السنن "(3/ 35رقم 144).

(3)

كالترمذي رقم (1378).

عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حقا ". وهو حديث صحيح.

ص: 3731

قال السائل - عافاه الله -: وإذا نبت في الأرض الممتدة إليها أشجار أصلها من ذلك العرق الأصلي، فهل تكون الأغصان لمن نبتت في أرضه، أو لمن العرق الأصلي في أرضه، أو لمن نبت أو بينهما؟ وذلك مثل شجر الكمثرى والقرع والآجاص والحلال.

أقول: هذا يمكن تنزيله على ما قيل فيمن بذر ببذر يملكه في أرض الغير (1)، والكلام في ذلك معروف، والذي ينبغي التعويل عليه أن يقال: العرق الذي امتد لم يخرج بمجرد الامتداد عن ملك مالكه، سواء بقى في التخوم أم ظهر على وجه الأرض ونبت، ولكن صاحبه قد شغل أرض غيره به، فإنه به صاحب الأرض وتركه، ولم يقلعه، فيمكن أن يقال: إن ذلك يجري مجري الرضا، ويمكن أن يقال: أنه يلزم صاحب العرق أجرة ما شغله من تلك الأرض بنبات العرق فيه، سواء كان صاحب الأرض قد علم به وتركه، أم لم يعلم، وهذا هو الظاهر.

قال السائل - كثر الله فوائده -: نعم وإذا كان مثل الحلال الذي إذا غرس في الأرض الحارة أهلك أودية، وامتد إلى المزارع حتى يبطلها، فهل يجوز الغرس لذلك بين المزارع، وتجنب الأشجار التي يضرها كالعنب أو لا يجوز؟ وإذا أهلك الوادي مثلا حتى لم ينتفع به في الزرع الموضوع له، فهل يكون الغارس متعديا في السبب؟ وإذا تعدى في السبب فهل يكون حكمة ضمان نقصان الأرض؟ أو أنه يملك الأرض وتلزمه القيمة، أو يكون حكمه حكم الغاصب إذا غير العين إلى عرض، أو إلى غير عرض، أو لا يلزمه شيء؟.

أقول: قدمنا الكلام في جواز قطع العروق لصاحب الأرض التي امتدت إلى ملكه، وهاهنا سئل السائل - عافاه الله - عن حكم الشجر التي يمتد عروقها وأصولها وتسري في العادة إلى ما هو خارج عن المكان الذي غرست فيه كالحلال، هل يجوز غرسه والحال

(1) قال ابن قدامة في " المغني "(7/ 356 - 366):أنه إذا غرس في أرضه بغير إذنه، أو بني فيها، فطلب صاحب الأرض قلع غراسه أو بنائه، لزم الغاصب ذلك. ولا نعلم فيه خلافا.

وانظر: " المجموع "(14/ 369).

ص: 3732

هذه، أو يمنع الغارس له في ملكه من غرسه، لأنه يسري عادة، وينبت بعضه في إثر بعض من دون تنبيت حتى يغلب أرض الغير؟ والظاهر من الأدلة القاضية بالمنع من الضرار لا سيما للجار أنه يمنع المالك من غرس ما يضر بجاره؛ فإن الأدلة الدالة على أن لكل مالك أن ينتفع بملكه كيف شاء مخصصة بالأدلة الدالة على المنع من الضرار، فإنها أخص منها مطلقا ن وبناء على العام على الخاص (1) واجب باتفاق من يعتد به من أئمة الأصول، ولا سيما مع جهل التاريخ، فإنه في حكم الخاص المقارن أو المفارق بمدة لا تتسع للعمل، بل قد حكى بعض أئمة الأصول أنه وقع الإجماع (2) على البناء مع جهل التاريخ، ومن جوز الإضرار بالجار عملا بالأدلة الدالة على جواز الانتفاع بالملك، فقد أهدر الأدلة الخاصة، وقدم عليها الأدلة العامة مطلقا، فعكس قالب الاستدلال، وخالف في تفريعه التأصيل، وأهمل رد الفعل إلى الأصل المتفق عليه.

وقد تقرر أن ما خالف من الفروع الدليل، ولم يناسب تفريعه التأصيل غير معمول به، ولا مرجوع إليه، فهذا أصل يجب العمل به والتعويل عليه، وهو يفيد أن كل ما كان ذريعة من ذرائع الضرار فالواجب دفعه ومنعه، لا يقال: إن منع المالك من الانتفاع بملكه

(1) الكوكب المنير " (3/ 382 - 383)، " المسودة " (ص134).

(2)

إذا ورد عن الشارع لفظ عام ولفظ خاص، قدم الخاص مطلقا أي سواء كانا مقترنين.

وعن الإمام أحمد رواية في غير المقترنين موافقة لقول أكثر الحنفية المعتزلة وغيرهم، أنه إن تأخر العام نسخ، وإن تأخر الخاص نسخ من العام بقدره ن فعلى هذا القول، إن جهل التاريخ وقف الأمر حتى يعلم.

وقد اشترط الحنفية في التخصيص شروطا أهمها: أن لا يتأخر المخصص وأن يكون المخصص مستقلا بالكلام، وأن يكون متصلا في الوقت ذاته بالنص العام، وإلا كان نسخا لا تخصيصا، وقال بعض الظاهرية؛ يتعارض الخاص والعام مطلقا، وقال بعض المعتزلة وبعض الحنفية وهو رواية عن أحمد: أنه إن جهل التاريخ فيقدم الخاص.

" التبصرة "(ص151)، " اللمع "(ص20).

ص: 3733

فيه إضرار به، والإضرار ممنوع، فكما لا يجوز الإضرار بجاره لا يجوز الإضرار به، فإن منعه من الانتفاع بملكه إضرار به، لأنا نقول: إنما يكون إضرارا به لو فرضنا أنه يمكنه الانتفاع بملكه بوجه من الوجوه إلا بإضرار جاره، وليس الأمر كذلك فإنه يمكن الانتفاع بالملك بمنافع عدة، كالزرع، وغرس ما لا يضر من الغروس. وعلى فرض أنه لا يمكن الانتفاع به إلا بذلك الوجه الذي يضر بجاره فهاهنا قد تعارض أمران:

أحدهما: جلب مصلحة المالك.

والثاني: دفع المفسدة عن الجار. ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح وأقدم، كما تقرر في الأصول، فإنه لا يلتفت إلى جلب المصلحة إلا إذا كانت خالية عن مفسدة، لا إذا كانت مشوبة بها؛ فلا يجوز تسويغها، ولكن هذا الأمر الذي ذكرناه وهو منع الغارس من غرس ما يضر بجاره مبني على أنه لا يمكن دفع الضرر إلا بترك الغرس، أما لو أمكن دفعه بأن يجعل الغارس خندقا في ملكه يمنع سراية أصول الغروس وفروعها، أو بأن يعمر جدارا مثلا من حجر، ويحفر لأساس البناء مقدارا يمنع من السراية فهاهنا قد اندفع الضرار، فيجوز الغرس.

أما لو كانت الأرض لا ينتفع بها إلا بالغرس فقط، ولا يمكن الانتفاع بها بغيره فلا ضرار ممن غرس في أرضه، لأنه وإن كان سيسري من عروق غروسه إلى أرض جاره فقد يسري إلى أرضه من عروق غروس جاره مثل ما يسري إلى أرض الجار فلا إضرار. فإن كانت الأرض تصلح للغرس ولغيره يتمكن اعتبار الأغلب، فإن كان الأغلب في تلك الأرض من المالكين لها هو الغرس لا يمنع الغارس، لأنه جرى على حكم الغالب، ومن جرى على ذلك لم يكن متعديا، والذي لم يجر على الغالب كمن يزرع ملكه في أرض تعتاد الغرس فقد رضي بإدخال الضرر على نفسه، فأما دفع ما يسري إلى ملكه بأن يجعل لنفسه خندقا، أو جدار في ملكه يمنع من سريان العروق إليه، أو صبر على ما يرد على أرضه من ذلك، أو جرى عليه حكم الغالب، وترك زرع أرضه، ويغرسها كغيره.

ص: 3734

فإن لم يكن ثم غالب بل الأرض تصلح لهذا ولهذا، والبعض منها مغروس، والبعض مزروع، فإن كان غرس الغارس متقدما على إحياء الأرض التي لجاره فالغارس ليس بمضار جاره، وإن لم يكن الغارس متقدما فهذا من مواضع النظر للحاكم، وربما يختلف باختلاف الأحوال، واختلاف الأشجار التي تغرس؛ فإن بعض المواضع قد تضرها الغروس التي تغرس بالقرب منها، وبعضها لا تضرها، وبعض الغروس قد يضر ما هو مجاور له من الأرض وبعضها لا يضر.

وبالجملة فهذه الشريعة الغراء من عرفها حق معرفتها وجدها مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد. وقد ورد مما يدل على هذا من كليات الشريعة وجزئياتها ما لو جمع لكان في مصنف مستقل.

وما أشار إليه السائل - كثر الله فوائده - من أنه إذا امتدت الغروس على أرض الغير حتى بلغ الحال لا يمكن الانتفاع بالأرض في الزرع

إلى آخر ما ذكره.

فنقول: حكم هذا حكم من غرس غروسا في أرض الغير (1) غصبا، فإن المتوجه قلع الغروس؛ إذ:" ليس لعرق له ظالم حق "(2)، وعلى صاحب الغروس أجرة الأرض للمدة التي شغلها فيها بالغروس، وإن لم ينتفع، وإذا حصل في الأرض نقص بالغرس فعليه أرش النقص، وليس هذا من باب الاستهلاك الحسي، ولا الحكمي، ولا من باب التغير إلى غرض أو إلى غير غرض.

وفى هذا المقدار كفاية، والله ولي التوفيق.

حرر المجيب محمد بن على الشوكاني - غفر الله لهما - في ليلة من ليال شهر القعدة سنة 1217.

(1) تقدم ذكره.

(2)

تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

ص: 3735