المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

؟

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3493

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة في المخطوط: " رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم؟ ".

2 -

موضوع الرسالة: " فقه "

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين فإنه ذاكر بعض الأعلام أبقاه الله في رضاع الكبير

".

4 -

آخر الرسالة: انتهى المحرر كما في الأم المنقولة من خط المجيب سيدي الوالد العلامة الجليل شرف الدين بن إسماعيل بن محمد بن إسحاق عافاه الله وأبقاه وزاده مما أولاه آمين.

5 -

نوع الخط: خط نسخي رديء ولكنه واضح.

6 -

عدد الصفحات: 7 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 31 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3495

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين، فإنه ذاكر بعض الأعلام - أبقاه الله - في رضاع الكبير (1)، هل يثبت به حكم التحريم أم لا يثبت الحكم إلا إذا كان الرضيع في سن الرضاعة، وطلب من الجواب، وما وسع إلا مطابقته وموافقته، مع كون المسألة مع تعارض أدلتها، وتشعب أطرافها وجهاتها، وكثرة الأنظار فيها من نضار أئمتها يقتضي وقوف النظر، وعدم النفوذ في المسلك الذي لا يخلو عدم الإمعان فيه من خطر.

والجواب - والله أعلم بالصواب - أنه وقع الاتفاق على أن الرضاع بالجملة يحرم منه ما يحرم من النسب (2)، أعني أن المرضعة تنزل منزلة الأم، فتحرم على الرضيع هي وكل ما يحرم على الابن من قبل أم النسب. واختلفوا فيما عدا ذبك من التفاصيل، فذهب أئمتنا عليهم السلام والجمهور من الصحابة، والتابعين، وأبو حنيفة (3) والشافعي (4)، ومالك (5) إلى أن الرضاع لا يحرم إلا ما كان في مدته، وهي حولان. وذهبت عائشة، والليث (6) وداود إلى أن الرضاع يحرم مطلقا، سواء كان المرضع كبيرا أو صغيرا، ولكنه قال الحافظ ابن حجر (7): إن في نسبة القول هذا إلى داود نظر،

(1) انظر الرسالة رقم (108). من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

(2)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2645) ومسلم رقم (1447): من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".

(3)

انظر: " البناية في شرح الهداية "(4/ 807 - 809).

(4)

في " الأم "(10/ 94 - 96).

(5)

" المفهم " للقرطبي (4/ 188)، " الموطأ "(2/ 608).

وانظر " فتح الباري "(9/ 146).

(6)

انظر " المحلى "(10/ 18 - 19).

(7)

في " فتح الباري "(9/ 147).

ص: 3499

لأن ابن حزم ذكر عن داود مثل ما قاله الجمهور، وكذا نقل غيره من أهل الظاهر، وهم أخبر بمذهب صاحبهم، هكذا قال. وفي المسألة أقوال لا مقتضى لذكرها، فلنقتصر على محل البحث، كما أشرنا إليه. استدل أئمتنا عليهم السلام والجمهور بقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (1) فقصرت الآية الشريفة الإتمام على الحولين، ونفت الزيادة كما دل على ذلك المفهوم، وبما أخرجه البخاري (2)، ومسلم (3) وأبو داود (4)، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال:" انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة " والمعنى كما قال الحافظ (5): تأملن ما وقع من ذلك، هل هو رضاع صحيح، شرطه من وقوعه في زمن الرضاع، فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط.

وقال المهلب (6): معناه: انظرن ما سبب هذه الأخوة، فإن حرمة الرضاعة إنما هي في الصغر حين تسد الرضاعة المجاعة.

وقال أبو عبيد (7): إن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن [من الرضاع](8) لا حيث يكون الغذاء بغير ..............

(1)[البقرة: 233].

(2)

في صحيحه رقم (5102).

(3)

في صحيحه رق م (1455).

(4)

في " السنن " رقم (2058).

(5)

في " الفتح "(9/ 148).

(6)

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 148).

(7)

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 148)، وابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 523).

(8)

زيادة من الفتح (9/ 148).

ص: 3500

[ذلك](1) وقوله: فإنما الرضاعة من المجاعة، توضح الباعث على إمعان النظر والفكر؛ لأن الرضاعة تثبت السبب، وتجعل الرضيع محرما، وقوله: من المجاعة، أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة حيث يكون الرضيع طفلا، يسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير جزءا من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة.

وقال المحقق ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى - في شرح العمدة (2): وفيه - يعني في هذا الحديث - دليل على أن (إنما) للحصر؛ لأن المقصود حصر الرضاعة المحرمة في المجاعة، لا مجرد إثبات الرضاع في زمن المجاعة.

وقال القرطبي (3) في قوله: إنما الرضاعة من المجاعة: قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع باللبن، ويعتضد بقوله تعالى:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (4) فإنه يدل على أن هذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة، المعتبر شرعا، فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة، فلا يعتبر شرعا، إذ لا حكم للنادر، والحدود الشرعية تبنى على الأغلب، فهذا الحديث الذي سقنا الكلام فيه، الواقع جوابا عن قول عائشة أنه أخي من الرضاعة قد وقع فيه الأمر الدال على الوجوب العام لها ولغيرها بالنظر منهن في الأخوة لهن وسببها، ثم توضيح الباعث على النظر، فإن حكم التحريم إنما ثبت مع المجاعة، وتأكدت دلالة الأمر على الوجوب برؤية الغضب في وجهه، واشتداد الأمر عليه. ومع هذا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستيقن عدم الأخوة لتجويزه أن تكون الرضاعة وقعت في غير سن الرضاعة، فدلالته على الحكم بعدم التحريم مع استيقان وقوع الرضاعة في غير زمنها ثابتة بالأولى، وهذا واضح. واستدلوا أيضًا بحديث

(1) كذا في المخطوط والذي في الفتح [بغير الرضاع].

(2)

(4/ 80).

(3)

في " المفهم "(4/ 188).

(4)

[البقرة: 233].

ص: 3501

ابن مسعود: " لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم " أخرجه أبو داود (1) مرفوعًا عنه صلى الله عليه وآله وسلم وجديث أم سلمة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي فكان قبل الفطام " أخرجه الترمذي وصححه، كما ذكره الظفاري في تخريج البحر، وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء " أخرجه الترمذي (2) وصححه، والحاكم (3). وحديث ابن عباس (4) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا رضاع [إلا ما كان في الحولين](5)[قال الدارقطني: لم يسند إلى](6) ابن عيينة غير الهيثم بن جميل (7)،

(1) في " السنن "(2060).

قلت وأخرجه أحمد (6/ 80 رقم 4114 - شاكر) وفي سنده أبو موسى الهلالي وأبوه وهما مجهولان. لكن أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7/ 463 رقم 138 95) والبيهقي في " السنن الكبرى "(7/ 461) من وجه آخر من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فذكره بمعناه.

انظر: " الإرواء " رقم (2153).

الخلاصة: إن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في " السنن " رقم (1152) وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

تقدم، وقد قلنا: لعله ابن حبان، كما في " الفتح "(9/ 148).

وهو حديث صحيح بشواهده.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " رقم (974) والبيهقي في " السنن الكبرى "(7/ 462) وابن عدي في " الكامل "(7/ 2562) والدارقطني في " سننه "(4/ 174) وقد تقدم.

انظر الرسالة رقم (108).

(5)

زيادة يقتضيها السياق.

(6)

زيادة من الرسالة السابقة يقتضيها السياق.

(7)

والذي في " الكامل "(7/ 2562) قال ابن عدي: " وهذا يعرف بالهيثم بن جميل عن ابن عقبة مسندا، وغير الهيثم يوقفه عن ابن عباس .... ".

ص: 3502

وهو فقيه حافظ، فهذا صريح في أن الرضاع المحرم إنما يكون في الحولين لا غير. فهذه الأحاديث كلها واردة بأداة القصر، واضحة الدلالة على أن الرضاع المحرم المعتبر شرعا إنما يثبت حكمه مهما كان الرضيع يستغني باللبن عن غيره، وذلك لا يثبت في رضاع الكبير.

وروى الإمام زيد بن عليه عليه السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أن رجلا أتاه فقال: إن لي زوجة، وإني أصبت خادمة فأتيتها يوما فقالت: لقد أرويتها من ثديي، فما تقول في ذلك؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: انطلق قاتل امرأتك عقوبة ما أتت، وخذ بأي رجل أمتك شئت، لا رضاع إلا ما أنبت لحما أو شد عظما، ولا رضاع بعد فصال (1).

وأخرج البيهقي (2) نحو هذا عن ابن عمر قال: عمدت امرأة من الأنصار إلى جارية لزوجها فأرضعتها، فلما جاء زوجها قالت: إن جاريتك قد صارت ابنتك، فانطلق الرجل إلى عمر فذكر ذلك له فقال له عمر: عزمت عليك لما رجعت فأصبت جاريتك، وأوجعت ظهر امرأتك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير. احتج القائل بأن رضاع الكبير يثبت به الحكم بالتحريم كالصغير بحديث عائشة، ولفظ مسلم (3) عنها أنها جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أرى في

(1) أخرجه البيهقي في " السنن "(7/ 461)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (13897) و (13898).

(2)

في " السنن الكبرى "(7/ 461) ومالك في " الموطأ "(7/ 461) كلاهما من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "(7/ 461) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع.

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (13 891، 13892).

(3)

في صحيحه رقم (26، 30/ 1453).

قلت: وأخرجه أحمد (6/ 38، 39) والنسائي (6/ 104، 105) وابن ماجه رقم (1943) وقد تقدم.

ص: 3503

وجه أبي حذيفة من دخول سالم - وهو حليفه - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرضعيه، فقالت: كيف أرضعه، وهو رجل كبير! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:" قد علمت أنه رجل كبير " وفي بعض روايات الحديث (1) عنها كما أخرجه الستة إلا النسائي أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورثه من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (2) إلى قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (3) فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب فمولى وأخ في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي العامري، وهي امرأة أبي حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالما ولدا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلا (4)، وقد أنزل الله تعالى فيه ما علمت، وكيف ترى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" أرضعيه " فأرضعته خمس مرات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت تأمر عائشة بنات إخوتها، وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل

(1) أخرجه أحمد (6/ 201، 255) ومالك في الموطأ (2/ 605).

قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (27/ 1453) والنسائي (6/ 104 - 1105) وابن ماجه رقم (1943) بنحوه.

(2)

[الأحزاب: 5].

(3)

[الأحزاب: 5].

(4)

في حاشية المخطوط ما لفظه: الفضل بضمتين يعني امرأة فضلة إذا كانت في ثوب تحللت بين طرفين تعقدهما على عاتقها. تمت من خط المؤلف.

قال ابن الأثير في " النهاية "(3/ 465) يراني فضلا أي مبتذلة في ثياب مهنتي، يقال: تفضلت المرأة: إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد، فهي فضل والرجل فضل أيضا.

ص: 3504

عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات، ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس، حتى يوضع في المهد. وقلن لعائشة: ما ندري لعلها رخصة لسالم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون الناس.

وفي رواية زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم (1)" أنها كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا بهذه الرضاعة ولا رائينا ".

وروى الشافعي (2) رحمه الله عن أم سلمة أنها قالت في الحديث: كان رخصة لسالم خاصة.

قال الشافعي (3) فأخذنا به يقينا لا ظنا، حكاه عنه البيهقي في المعرفة (4)، قال: إنما قال هذا لأن الذي في غير هذه الرواية أن أمهات المؤمنين قلن ذلك بالظن. ورواه عن أم سلمة بالقطع. ذكر ذلك في شرح التقريب (5).

وقد أجيب عن قصة سالم بأجوبة منها ما قاله أبو الوليد الباجي (6) أنه قد انعقد الإجماع على خلاف التحريم برضاعة الكبير.

قال القاضي عياض (7): لأن الخلاف إنما كان أولا ثم انقطع. وهذا مبني على ما هو

(1) في صحيحه رقم (1454).

(2)

في " الأم "(10/ 95 - 96) وقد تقدم.

(3)

انظر " الأم "(10/ 96).

(4)

(11/ 264 رقم 15477).

(5)

(7/ 136).

(6)

عزاه إليه زين الدين العراقي في " طرح التثريب في شرح التقريب "(7/ 137).

(7)

عزاه إليه زين الدين العراقي في " طرح التثريب في شرح التقريب "(7/ 137).

ص: 3505

المختار في الأصول من أنه لا يشترط في انعقاد الإجماع أن لا يسبقه خلاف، بل يصير حجة بعد الخلاف كما عرف في محله. ومنها أنه حكم منسوخ، وبه جزم المحب الطبري (1).

وحكى الخطابي (2) عن عامة أهل العلم أنهم حملوا ذلك على الخصوص أو النسخ. ومنها الخصوصية لسالم وامرأة أبي حذيفة.

والأصل فيه قول أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة. وقد سبق قريبا ما رواه الشافعي (3) عن أم سلمة أنها قالت: كان رخصة لسالم خاصة على جهة الجزم. وقرره ابن الصباغ (4) وغيره بأن قصة سالم ما كان وقع من النبي قبل أن ينهى عنه، فكان وقوع الترخيص مترتبا على التبني قبل النهي عنه، الذي أدى إلى الخلطة بسلهة، وتنزيله منزلة الولد الذي يصير قلب أمه فارغا لعدم رؤيته، وملابسته كما هو مقتضى تقرير الخصوصية، فلا يصح أن يثبت للتبني بعد النهي مثل الحكم الذي يثبت له قبل النهي، لأن المتبنى لا يحل له ذلك، وإن كان جاهلا أيضًا فهو الجاني على نفسه بفعل ما قد حرم، فلا يثبت الرخصة التي ثبتت لسلهة. وقرره آخرون بأن الأصل أن الرضاع لا يحرم، فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل، وبقي ما عداه على الأصل.

وقضية سالم واقعة عين (5) يطرقها احتمال الخصوصية، فيجب الوقوف عن الاحتجاج

(1) ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 149).

(2)

في " معالم السنن "(2).

(3)

في " الأم "(10/ 95 - 96).

(4)

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 149) وقد تقدم ذكره في الرسالة (108).

(5)

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 149) وقد تقدم في الرسالة (108).

وانظر " زاد المعاد "(5/ 513 - 518).

ص: 3506

بها.

وقال العلامة المقبلي رحمه الله في المنار (1) بعد أن ذكر أن للحديث علة بمنع صدقه ما لفظه: ولأم المؤمنين في باب الرضاع أغرب من هذا، وإن كان الغرابة هنا من حيث الرواية، وهناك من حيث الاجتهاد؛ وذلك قولها برضاع الكبير أنها محرمة لحديث سهلة امرأة أبي حذيفة، فأخذت وعممت الحكم، وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة، ويعارضه أحاديث أن الرضاعة في الحولين (2)، وفي الثدي، أي في وقت حاجة الرضيع إليه، واستغنائه به، وأقوى ما يبين الخصوصية أن يقال: مباشرة الرجل لأجنبية ممنوعة قطعا بالإجماع وغيره من الأدلة (3)، وهو حكم عام مستمر، فهذا أقوى من الحديث المذكور، فيتعين صحة اجتهاد زوجاته المطهرات، وخطأ اجتهادها. وإنما قعقع ناس بتعظيم حرمتها فكيف بهتك حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنها وأنها

(1)(2/ 580).

(2)

قال أصحاب الحولين: قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، قالوا: فجعل تمام الرضاعة حولين، فدل على أنه لا حكم لما بعدهما، فلا يتعلق به التحريم.

قالوا: وهذه المدة هي مدة المجاعة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصد الرضاعة المحرمة عليها.

قالوا: وهذه مدة الثدي الذي قال فيها: " لا رضاع إلا ما كان في الثدي " أي في زمن الثدي، وهذه لغة معروفة عند العرب فإن العرب يقولون: مات فلان في الثدي، أي في زمن الرضاع قبل الفطام، ومنه الحديث المشهور:" إن إبراهيم مات في الثدي، وإن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه " - أخرجه مسلم في صحيحه رق م (2316) وأحمد (3/ 112) من حديث أنس، يعني إبراهيم ابنه صلوات الله وسلامه عليه.

قالوا: وأكد ذلك بقوله: " لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء " وكان في الثدي قبل الفطام، فهذه ثلاثة أوصاف للرضاع المحرم، ومعلوم أن رضاع الشيخ الكبير عار من الثلاثة.

انظر " زاد المعاد "(5/ 515).

(3)

انظر: " المفهم " للقرطبي (4/ 188) وقد تقدم ذكره.

ص: 3507

فيقال لهم: ليست معصومة، وأيهما أشد خطرا هذه المسألة أم حرب علي (1) - كرم الله وجهه؟ - انتهى كلامه.

وقال البيهقي في السنن الكبرى (2): وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون مخرجا من حكم العام، ولا يجوز إلا أن يكون رضاع الكبير غير محرم، ويعني بهذا أنه لا يصح حينئذ أن يكون من باب تخصيص العموم. وقال (3): فلا يحكم بأن رضاع الكبير مطلقا محرما كما ذهبت عائشة إلى تعميم الحكم كما سبق، ولا مع زيادة قيد أيضا، بل توقف قضية سالم في محلها كما ذهب إلى ذلك أئمتنا عليهم السلام (4) والجمهور، وهو القول الراجح فيما يظهر - والله سبحانه أعلم - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

انتهى الجواب المحرر كما في الأم المنقولة من خط المجيب سيدي الوالد العلامة الجليل شرف الدين بن إسماعيل بن محمد بن إسحاق - عافاه الله، وأبقاه، وزاد مما أولاه - آمين.

(1) انظر صحيح تاريخ الطبري القسم الثالث: " الخلفاء الراشدون " اختيار وتخريج محمد صبحي بن حسن حلاق ومحمد بن طاهر الرزنجي.

(2)

في " السنن الكبرى "(7/ 460).

(3)

أي البيهقي.

(4)

انظر: " فتح الباري "(9/ 146 - 150)، " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (34/ 60 - 61).

فقد قال بن تيمية في " مجموع الفتاوى "(34/ 60): يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه. وأما ما عداه فلا بد من الصغر.

قال الأمير الصنعاني في " سبل السلام "(6/ 265): هذا جمع حسن بين الأحاديث، وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص ولا نسخ ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت عليه الأحاديث.

وقال ابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 517): " والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة، فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال فتخصيص هذه الحال من عمومها، وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين، وقواعد الشرع تشهد له " اهـ.

ص: 3508