الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب المنير على قاضي بلاد عسير
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: " الجواب المنير على قاضي بلاد عسير ".
2 -
موضوع الرسالة: " فقه الزكاة ".
3 -
أول الرسالة: " بسم الله الرحمن الرحيم " "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على بدر الكمال الآمر بالسؤال وعلى آله وصحبه خير صحب وآل وبعد فهذه أسئلة يحتاج السائل الى المبادرة بجوابها مصدرة إلى من يؤمل فيه قلع حجابها
…
".
4 -
آخر الرسالة: ودم نهج حق تنتحيه وتسلكه على مر الليالي
كمل من تحرير المجيب وجمعه القاضي فخر الدين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله ومتع المسلمين بحياته وحرسه بعينه بحق محمد وآله وصحبه. 5 - نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
عدد الصفحات: 19 صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرا ما عدا الصفحة الأولى فعدد أسطرها 8 أسطر والأخيرة 7 أسطر.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 11 - 12 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
[الأسئلة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على بدر الكمال الآمر بالسؤال وعلى آله وصحبه خير صحب وآل.
وبعد: فهذه أسئلة (1): يحتاج السائل إلى المبادرة بجوابها مصدرة إلى من يؤمل فيه قلع حجابها متع الله بحياته والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
السؤال الأول
عن عوائد في بعض الجهات الخالية عن سلطنة الولاة وهي أن أهل كل قرية أو قبيلة يتواطئون على توظيف قواعد ينتظم بها لهم الحال ويلمون بها شعث تلك لمحال، ثم تارة يتعاهدون على ذلك وعلى الوفاء بما تضمنته تلك القواعد أخذ وعطاء وتارة يكتفون بالمواطأة والرضا ثم يتراضون على نصب قبيلة أخرى يضمنونهم عرفا في تنفيذ تلك القواعد والأخذ بيد الناقض لتلك لعوائد ويشرطون لهم احتمال تعزيراتهم بالأموال ويأخذون منهم أجرا على القيام بتنفيذ تلك الأحوال.
منها أن ما صدر منهم من قتل أو جرح عمدا أو خطأ فإنهم يشتركون في غرمه، وما وقع فيهم كذلك يتقاسمون في غنمه على قانون معروف بينهم مع خروجهم عن دائرة الانتساب وضابط العاقلة فكيف لو أراد من وقع له أرش - أو دية - بعد هذه المعاهدة أو المواطأة ونصب المنفذ لذلك أن ينفرد بها أو أراد من لم يصدر منه جناية أن لا يغرم ما تواطأوا عليه هل يجوز ذلك ويخرج من لعهدة فيما هنالك أم هو كالمطارحات في العرس ونحوه يجب الوفاء بمثل ما أخذ ويجوز النقض إن لم يكن قد حصل منهم اشتراك، وهل
(1) في هامش المخطوط ما نصه: " هذه الأسئلة وجهها إلي العلامة محمد بن أحمد بن عبد القادر عالم الحجاز وابن عالمه وهو شافعي المذهب ولكنه يميل إلى الإنصاف في المسائل ".
يفرق بين أن يكون الاشتراك فيها للمانع وعليه وبين غيره؟ وهل يحل أخذ الأجر المسمى الضمانة أم لا، نعم، هل يدخل في هذا المولودون بعد أم لا.
هذه مقدمة السؤال فيما بين المتواطئين، والقصد حال أولئك القبيلة المنصوبين كالدولة في تنفيذ ما مر آنفا إذا أخذوا بيد المانع وعزروه بأخذ ماله لهم، أو لأهل المواطأة أو أخذوا بقرة مثلا أو ذبحوها وأكلوها وغرموه الثمن تعزيرا ولولا هذا ما انتظمت الكلمة وكانوا فوضى وانشقت بالعصا وربما يحصل عند النزاع والمطالبة خصام وسب لبعضهم بعضا أو للقبيلة المنفذة فيغرمون الساب مالا تعزيريا أو يكرهونه على تسليمه ولولاه لتطاول بعضهم على بعض وعاد كل معزول إلى النقض وهذا كله بناء على جواز التعزير بالمال.
المطلوب بيان قائليه ومن اختاره عند خلو الجهة من الإمام لأن الضرب والحبس ونحوه لا يقدر عليه في البلاد المذكورة، الجواب مطلوب جزيتم خيرا آمين.
السؤال الثاني
إن بعض القبائل لهم سوق يجتمع فيه الناس في يوم معروف فمن مشى إليه فهو في أمانهم وخفارتهم ذهابا وإيابا من غرمائه وأعدائه فإذا حصل في ذلك جناية حمل أهل السوق على الجاني للقتال إلا أن يلتزم لهم مالا كثيرا لأنفسهم، والجناية بحالها لأهلها، فهل يحل ويجب على الجاني تسليمه ويلحق قبيلته غرمه حسبما تواطؤا عليه كما هو مذكور في السؤال الأول، فلولا أهل السوق لتهالك الناس بالمقاتلة وانحبس كثير من المعايش والمعاملة.
تتمة: ومثل أهل السوق من خرج من بيت شخص أو بعد أكله لديه فهو في خفارته حتى يصل بيته وعلى من خفر الذمة منها كذا وكذا فتفضلوا أوضحوا لنا هذه الأشياء لعل قائلا يقول بها عند خلو الجهة من الإمام ولحفظ بيضة الإسلام، وإلا فنصوص أهل المذهب في المتون ظاهرة وأفيدوا أين مصرف هذا المال المعزر به هل هي المصالح
العامة أم المخفور ذمته والضمين مثلا، وكذا المسبوب. والقوانين الفقهية في هذا معلومة، إنما السؤال هل لهذه الجمل في قواعد الشرع محل فالتفسير به بحسب ما تفسره عند بعض أهل العلم والشرع مبني على جلب المصالح ودرء المفاسد، الجواب مطلوب. جزاكم الله خير الدارين بحق محمد وآله.
السؤال الثالث
فيمن وجد مالا مغصوبا أو مسروقا فعرف مالكه ففداه له هل يلزم المالك ذلك أم هو كالشراء يرده ويرجع بما بذل على أخيه؟ أفيدوا جزيتم الجنة آمين.
السؤال الرابع
في رجل فاضل ظهرت عليه الولاية ووصل إلى بلادنا وادعى الإمامة فيها وأجابوه جملة وحصل منه الرغب والرهب وألزمهم الأحكام الشرعية والتزموها ثم وصل إلى بعض القرى وغدروه وقتلوه خذلهم الله ونصره، وكان قد جمع أموالا بعضها أخذها على أهل الربا ونحوهم كالتعزير وبعضها نهبها العسكر من الناس وأمرهم بجمعها لديه فجمعوها وردوها له ومال أهل الربا بيده ثم قتل وقد أودع الكل في بعض القرى فيقول المودع لا أردها إلا بالحكم الشرعي فلكم الفضل بإيضاح الحكم في هذا المال وتقسيمه.
والإمام رحمه الله لا يعلم له وارث ولا ندري من أين خرج وطولوا النفس في هذا مأجورين. بحق النبي الأمين وآله الأكرمين وصحابته الراشدين.
السؤال الخامس
في تفسير الجلالين أن مريم بنت ناموسا دلت على عظام يوسف عليه السلام مع قولهم إن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم يصلون ويصومون ما المراد وكيف الجمع. أفيدوا وجزيتم خيرا بالجواب الشافي.
السؤال السادس
إذا كان لقبيلة أرض موات يدعونها ولا منازع لهم فيها ولا بينة إلا اليد الحكمية مع نقصان الإحياء المشروط، فهل يقال إنها حمة ولا تجوز للآحاد أم ما ذا؟.
ثم السؤال لو أعمر بعضهم بعضها وأحياه للزراعة وأرادوا نزعها منه أو قسمتها وقد غمرها هل يرجع بالغرامة عليهم وتقسم أم يكون أحق بها والله يرعاكم ومتع بحياتكم والسلام عليه ورحمة الله.
وهنا أسئلة تضمنتها أبيات جرت على لسان الفقير إلى الله عفا الله عنه، المطلوب من سيدي العلامة تولى الله معونته الإجابة عليها بما فتح به الفتاح:
جمال الدين قاموس الآلئ
…
وبدر التم في داجي الليالي
وفاتح قفل مغلاق المعاني
…
ومغلق باب أرباب الجدال
وكشاف العويص وروض مجد
…
بأزهار وأثمار الأمالي
عليك سلام ربي كل حين
…
ورحمته تعمك بالنوال
ومن مأسور ودك ألف ألف
…
من التسليم كالتسنيم حالي
ويا مولاي قد لاحت أمور
…
على ذهني ستبدو في مقالي
فحرر لي جوابا مستطيلا
…
ووشحه بأخبار غوالي
…
فأولها المذاهب والتزام
…
لها ما ذا ترى في ذا المجال
وآيات الكتاب لها وضوح
…
وأخبار الأدلة كالهلال
فهل لي أن أسير إلى دليل
…
أراه أم أخيم في جلالي
وهل لي أن أقلد في جواز
…
لتقليد الرجال ذوي الكمال
وإن كان الصحاب ذوي اجتهاد
…
فما وجه العدول ولا تبالي
وأعراب البوادي كيف كانوا
…
أقلدوا للصحابة بالمقال
وما وجه الألى منعوا اجتهادا
…
وطأطأ ذلك الشم العوالي
وقالوا بعد ست من مئين
…
تغلق بابه دون الرجال
وقولهم العقائد ليس نرضى
…
لها التقليد أو ربط العقال
وينتسب الكثير إلى إمام
…
فهذا أشعري (1) في نضال
(1) تقدم التعريف بها.
وهذا ما تريدي (1) وهذا
…
يميل إلى عقيدة الاعتزال (2)
وذا العدلي (3) لا يرضى سواه
…
وهذا فيه تقليد الرجال
كذا خبر الحدود وما يليه
…
يكون إلى الإمام أخي المعالي
فهل هذا دليل ترتضيه
…
يكون خفيرنا يوم المآل
فإن الجمعة الغراء عيد
…
وحج فيه أرباح غوالي
وهل في ذا الزمان لنا إمام
…
يقوم بمقتضى ذاك المقال
فإن قلتم نعم صحت أمور
…
تعاطاها نحارير الرجال
وإلا كان تجميع البرايا
…
إذا فقد الشرط كالضلال
وقول إمامنا زيد ويحيى
…
يكون مؤولا في ذا المقال
فإن إمامة الداعين منهم
…
هي الحق الصواب بلا جدال
ولكن زاحمتهم آل هند
…
وقوم آخرون على التوالي
فقل لي هل أقاموها وأحيوا
…
شريعة جدهم بدر الكمال
أم اتكلوا على جور المولى
…
وصار وجوده مثل الزوال
نعم لا زلت في نعم توالي
…
وللتقوى وللآيات تالي
أفدني عن مقال مستفيض
…
بأن المصطفى بدر الكمال
هو الأصل الأصيل لكل شيء
…
فهل هذا العموم تراه خالي
عليه صلاة ربي كل حين
…
صلاة لا تؤول إلى زوال
تعم الآل والأصحاب طرا
…
وتغشى من أجاب على سؤالي
(1) تقدم التعريف بهما.
(2)
تقدم التعريف بهما.
(3)
تقدم التعريف بها.
ومن هنا - الجواب على قاضي بلاد عسير - (1) الحمد لله رب العالمين وبه أستعين:
الجواب [الأول]
عن السؤال [الأول] وهو قوله عن عوائد بعض الجهات إلخ.
الحمد لله رب العالمين وبه أستعين إلخ.
إن التواطؤ من أهل القرى على توظيف قواعد تندفع بها عنهم مفاسد وتحصل لهم عندها فوائد ينبغي أولا الاستفسار عن هذه القواعد هل هي مما له انتظام في سلك الأحكام المشروعة للأنام من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام وصحبه الفخام أم لا.
فالأول لا ريب أن ذلك من المستحسنات الداخلة تحت عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) و: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
(1) قاضي عسير: هو الشريف حمو د بن محمد بن أحمد بن أبي مسمار، الحسني، التهامي (1170 - 1233 هـ). كان نائبا لإمام صنعاء المنصور علي بن المهدي عباس على منطقة أبي عريش والمخلاف السليماني (بلاد عسير) وقد انضم إلى سلطان نجد عبد العزيز بن سعود في زحفه على تهامة، بعد أن وسع سيطرته واستولى على اللحية والحديدة وزبيد وحيس، وتجددت حروبه مع ابن سعود في سنة 1224 هـ. وكان ابن الإمام المنصور المتوكل أحمد، قد جهز لحربه قبل خلافته في هذا العام، ثم جرى بينهما صلح كان باطلاع شيخ الإسلام الشوكاني، ثم انتقض هذا الصلح
…
وقامت حروب بينهما سنة 1229 هـ ولكن ضعف صنعاء كان بالغا ولم تعد سيطرتها على تهامة إلا في عهد خلفه (المهدي عبد الله) سنة 1233 بمساعدة قوات محمد علي والي مصر.
وقد عرف الشريف حمود بالبطولة والكرم والعلم، ووضع القاضي عبد الرحمن البهكلي سيرة له سماها " نفح العود بسيرة الشريف حمود ".
وانظر: " البدر الطالع "(1/ 240)، " نيل الوطر "(1/ 408 - 414).
(2)
[المائدة: 2].
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (1) وغير ذلك من الآيات الكريمة. وفي السنة من دلائل هذا ما لا يأتي عليه الحصر: " الدين النصيحة "(2)، " انصر أخاك ظالما أو مظلوما "(3)، " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه "(4)، " المؤمنون كالبنيان "(5)
(1)[النساء: 114].
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (55) والنسائي (7/ 156) وأبوا داود رقم (4944) والترمذي رقم (1926) وقال: حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.
عن تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدين النصيحة " قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (7204) ومسلم رقم (55/ 99) عن جرير رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقنني ما استطعت - والنصح لكل مسلم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم " 6952 " والترمذي رقم (2255) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما "، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال:" تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره ".
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ونشير إلى صدره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه، وماله
…
".
وأخرجه أحمد (2/ 68) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد "(8/ 184). رواه أحمد وإسناده حسن عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:" المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، يقول: والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ".
ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2442) ومسلم رقم (2580) وأبو داود رقم (4893) والترمذي رقم (1426) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ".
(5)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (481) ومسلم رقم (2585) عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا ".
بل هذا داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المكر فما دل عليهما دل على هذا من كتاب وسنة فلا نطيل ببسط ذبك، وإنما قلنا كذلك لأن الواجبات الرعية المتعلقة بالأبدان والأموال لا يقوم بها غالب المكلفين من قبل نفسه إلا إذا خاف النكير عليه وإنزال الضرر به من سلطان أو رئيس من رؤساء المسلمين وهذا مشاهد محسوس معلوم فكل بلاد لا حكم فيها لسلطان من سلاطين المسلمين لو خلا كل فرد من الأفراد الساكنين بها وشأنه لما قام ببعض ما أوجب الله عليه إلا النادر، وقليل ما هم، ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم العرافة حق ولا بد للناس من عريف ثم قال عند أن عزم على إرجاع السبي من هوازن وقد سمع الناس يقولون إنهم قد طابوا أنفسا بإرجاع ما في أيديهم. فقال: لا نعلم من رضي ممن لم يرض ثم أمر الرؤساء أن يعرفوا حقيقة ذلك من كل فرد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفد عليه قبيلة من القبائل ولا بطن البطون للإسلام إلا جعل عليهم واحدا منهم ينظر في أمورهم، وهذا وقد تلقوا أحكام الشريعة بالقبول ونفذت فيه الأوامر والنواهي من الرسول فكيف بمن لا ينفذ فيهم أمر آمر ولا ينفق لديهم نهي ناه، فتقرر بهذا أن لتواطؤ على تلك القواعد ونصب من يقوم بها من أعظم الواجبات الشرعية ولهذا كان حلف الفضول الواقع من أولئك الرؤساء الفحول ممدحا على تعاقب العصور وتوارد الدهور، مع أنه واقع من قوم لم يرح أحدهم رائحة الإسلام على قوم من الجاهلية الطغام، ولكنه لما كان مشتملا على مكارم الأخلاق التي أحدها الانتصاف للمظلوم من الظالم كان بذلك المكان المكين عند المسلمين والكافرين فكيفي لا يحسن عقلا وشرعا التواطؤ بين ثلة من المسلمين الذين لا سبيل عليهم لأحد من السلاطين على نصب جماعة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن هذا من أعظم شعائر الدين.
وليس من شرط حسن هذا القانون أن يكون القيام من أولئك بجميع الأمور الشرعية، بل الفرد منها كاف في الحسن إذا خلصت هذه المصلحة عن أن تشاب بمفسدة تساويها أو
ترجح عليها مثلا لو لم يكن نصب أولئك المنصوبين إلا لزجر أهل بلدهم عن معصية الربا فقط فهذا نوع من أنواع الأمر بالمعروف (1) والنهي عن المنكر المعلوم وجوبها كتابا وسنة، لأن هذه مصلحة خالصة متضمنة لدفع مفسدة قبيحة فإن كان ذلك التواطؤ والنص لذلك مثلا وللإجبار على معاملات الربا فلا شك أن لهذا التواطؤ والنصب جهتين إحداهما حسنة والأخرى قبيحة، فإذا جرد النظر إلى جهة الحسن فهو، وإن جرد النظر إلى جهة القبح فهو قبيح، فإن كان القيام بجهة الحسن لا يمكن إلا مع انضمام جهة القبح إليها فينبغي النظر من جهة أخرى وهي:
هل المعاملات الربوية متروكة فيلزم قبل هذا النصب ومع عدمه أم لا؟ فالأول لا ريب أن النصب قد اشتمل على مفسدة منضمة إلى تلك المصلحة، ودفع المفاسد (2) أهم من تأسيس المصالح فيكون هذا النصب معصية ويتوجه تركه.
والثاني لا شك أن المفسدة لم تحدث لمجرد النصب بل هي كائنة مع عدمه كوجوده فيكون هذا النصب قد طاعة لأن تلك المصلحة خالصة لم تعارض بمفسدة راجحة إذ هي في تحريم لربا تقليل المعاصي وانضمام ذلك المعارض حيث كان حاصلا مطلقا لا يوجب الترك للكل ولا يسوغه.
(1) أخرج مسلم في صحيحه رق (49) والترمذي رقم (2172) وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه رقم (1275، 4013) والنسائي
(8/ 111، 112).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".
(2)
قول الفقهاء: " درء المفاسد أولى من جلب المصالح ودفع أعلاها " أي أعلى المفاسد بأدناها. يعني أن الأمر إذا دار بين درء مفسدة وجلب مصلحة، كان درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، وإذا دار الأمر أيضًا بين درء إحدى مفسدتين، وكانت إحداها أكثر فسادا من الأخرى، فدرء العليا منهما أولى من درء غيرها وهذا واضح يقبله كل عاقل، واتفق عليه أهل العلم.
انظر: " الكوكب المنير "(4/ 447).
وأما إذا كان النصب مشتملا على القيام بأمور مخالفة للشريعة المطهرة فهذا هو الطرف الثاني من طرفي الاستفسار، ونقول: لا مرية في أن ذلك التواطؤ والنصب من أعظم المعاصي الموجبة للهلاك، ويجب على كل مسلم الجهاد لمن كان كذلك، وإذا لم يقدر فالهجرة محتمة لأن هذا إظهار شعار لمعاص محضة وإبراز قانون لمنكرات خالصة وقيام وقعود في محرمات متيقنة، وبين العصيان على هذه الصورة وعصيان كل فرد فرد بدون ذلك كما بين السماء والأرض، وذلك كما يقع من جماعة من طغام البداوة، يحملون؟ جماعة من شياطينهم على تنفيذ الأحكام الطاغوتية ويسلطونهم على أنفسهم، إن حادوا عن شيء منها فهذا من أشد الكفر بالله وبشريعته، والراضي بذلك كافر والقاعد عن الهجرة داخل تحت قوله تعالى:{إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (1) والتارك لجهاد هؤلاء مع القدرة تارك للجهاد في سبيل لله عز وجل فهذا جواب على الإجمال.
ولنتكلم على الصور التي ذكرها السائل كثر الله فوائده فنقول: قوله ويأخذون منهم أجرا على القيام بتنفيذ تلك الأحوال، الجواب عنه مفتقر إلى النظر في صفة ما قاموا به فإن كان داخلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حل لهم ما يحل لسلاطين المسلمين من أموالهم وقد كان الخلفاء الراشدون يأخذون من الأموال المجموعة عند الحاجة ما يقوم به بالكفاية والجهة واحدة، فإن قيام المسؤول عنهم هو النفس ما قام به الخلفاء.
وإن كان القيام والنصب لمفسدة خالصة كما أشرنا إليه فأخذ الأجرة ظلمات بعضها فوق بعض، لأن أصل القيام والمباشرة حرام وانضم إليها أكل أموال الناس بالباطل.
قال كثر الله فوائده: إن ما صدر منهم من قتل أو جرح عمدا إلخ أقول هذا وإن لم يكن في باب من أبواب الشريعة على الخصوص فهو غير ممنوع شرعا لأن ما كان هذا
سبيله فهو مسوغ باعتبار التراضي على التعاون بالأموال ومواساة من نابته نائبة، لكن هذا مع الرضا المحقق في دفع ما يخص الغارم من المغرم اللازم لغيره.
وكذلك عدم الاختصاص بالمغنم لمن هو له على الخصوص فمن دخل في ذلك وأراد الرجوع عن التواطؤ الواقع بينه وبين أهل قريته فهو غير ممنوع من ذلك لكن بشرط أن لا يكون الأمر الذي خرج عنه مما لا يقوم به إلا الجميع، وذلك مثل ما يلزم من الغرامات في حفظ نفوس الساكنين وأموالهم إما بمصالحة العدو أو بدفع جانب من المال لمن هو أقدر على الدفع منهم أو من غيرهم.
وكذلك لوازم الضيافة المشروعة فإن الضيف في غالب القرى لا يقصد فردا معينا بل ينزل المسجد أو النادي فيقوم بما يحتاج إليه من كان الدول عنده لأنهم يوزعون ذلك بينهم مثلا يقسمون القرية أرباعا أو أثمانا فيكون القائم بالضيف الوارد أهل الربع أو الثمن الأول ثم الثاني ثم كذلك، وأهل الربع أو الثمن يتناوبون ذلك فيما بينهم على قانون صحيح لأنهم ينظرون في عدد الأشخاص وفي مقدار ما يملكه كل واحد فينزلون ذلك عليه، ولو لم يفعلوا كذلك لبطل القيام بالضيافة المشروعة لأن كل فرد يحيل على سائر أهل القرية.
ومثل ذلك ما يقع في البلاد التي فيها سلطان كالاستعانة من أموالهم لمايدهم مما لا طاقة لهم به وغير ذلك.
والحاصل أن الانفراد إن استلزم مفسدة أو فوت مصلحة فلا يجاب طالبه إليه وإن كان لا يستلزم وجبت الإجابة. ومن اطلع على أسرار الشريعة المطهرة علم أنها بأسرها مبنية على مراعاة جلب المصالح ودفع المفاسد ومما يستأنس به في اعتبار القواعد الممهدة بين من يجمعهم مكان أو أمكنة - أن الشارع صلوات الله عليه كان يغزو القبيلة [أو بعضها إذا بلغه عدم تمسكم بشريعته المطهرة](1) فيسفك دماءهم ويسلب أموالهم
(1) زيادة من نسخة أخرى.
ويسترق نساءهم وأطفالهم من دون أن يسأل كل فرد فرد أو ينقل له ذلك عن كل شخص شخص، وليس ذلك إلا لأن الاعتبار بما ظهر من دون معارضة ولا مفارقة، وإذا اعتبر الشارع مثل هذا في ترتيب إباحة الدماء والأموال عليه وليس هو إلا مجرد اتحاد كلمتهم في الظاهر لجري القوانين بمثل ذلك فجواز ما هو أخف من ذلك بالأولى، وهذا وإن كان يرى في الظاهر أجنبيا عن محل السؤال فهو نافع عند من يعقل المناطات الشرعية، وقد ثبت أن العباس يوم بدر لما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج مع القوم مكرها فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إن ظاهرك كان علينا (1) ثم لم يعذره من تسليم الفداء فانظر يف ألحقه بالقوم الذين خرج معهم ورتب على ذلك أخذ الفداء منه.
ومثل ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه هم بصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة (2) وفيهم من يملك الكثير وفيهم من لا يملك القطمير ما ذاك إلا لأنهم
(1) تقدم تخريجه.
(2)
قال ابن هشام في " السيرة "(3/ 310 - 311)" فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي خارثة المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار الدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه فقالا له: يا رسول الله، أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لا بد لنا من لعمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنك من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا ". " السيرة النبوية "(3/ 310 - 311). " الطبقات " لابن سعد (2/ 73).
مجتمعون في اللوازم العامة وهو لا يهم إلا بالجائز، فمن أراد من أهل القرية أن ينفرد بما حصل له من غنم من دية أو أرش فإن كانت هذه الإرادة إنما هي عند أن عرف أن له نفعا في الانفراد ولو كان عليه مغرم ثقيل لما طلب ذلك ولا أحب أن يطلبه غيره، وإن كان انتفع الاجتماع بدفع أمور ينفرد بغرمها لولا مشاركة قومه له ي ذلك لاجتاحت ماله أو لم تف بها ذات يده فلا يجاب إلى ما يطلبه من الانفراد عند غنمه دون غرمه، اللهم إلا أن يغرم لقومه ما قد استفاده باجتماعهم في دفع ما يرد علي وجلب ما وصل إليه بسبب اجتماع الكلمة ويكون انفراده غير مستلزم لمفسدة لاحقة بالكل وبالبعض فلا بأس أن يجاب إلى الانفراد في غير الأمور التي لا تقوم إلا بالجمع كما سلف.
نعم: إذا طلب المفارقة لقومه بمفارقة محلهم من دون أن يبقى له فيها نشب ينتفع به كأن يبيع جميع ما يملكه هنالك ويرحل بنفسه وأهله فلا بأس بذلك لأن البقاء عليه لديهم ليس بمحتم شرعا.
قال كثر الله فوائده: ولقصد حال أولئك المنصوبين كالدولة في تنفيذ ما مر إذا أخذوا بيد المانع وعزره إلخ. أقول: قدر عرف مما تقدم أن بعض الأمور لا يجاب فيها طالب الانفراد لأنه يريد الخروج عن أمور شرعية أو حاجية أو ضرورية عامة، فهذا يسوغ للمنصوبين أن يأخذوا بيد من أراد الانفراد ويكرهونه على ذلك ولكن ينبغي تقديم الأخف فالأخف وتقديم الليونة على الخشونة، فإن أعيا الأمر وأعضل الدواء فلا يحل الإضرار ببدن الممتنع بل يؤخذ من ماله مقدار ما عليه حيث كان ذلك لازما له شرعا مثل ما فيه دفع مفسدة أو جلب مصلحة لا ما كان من اللوازم الجاهلية التي لا ترجع إلى منفعة دينية ولا دنيوية كما يقع في كثير من البدو من اللوازم الطاغوتية، وإذا عرض لازم آخر بعد ذلك اللازم الذي وقع الإجبار أو التغريم بمقداره، جاز للمنصوبين أن يأخذوا من ماله مثل م هو لازم، ثم كذلك حتى يدخل فيم دخل فيه قومه أو يفارقهم على الصفة
المذكورة سابقا.
وأما التعزير وأخذ المال لمجرد العقوبة للممتنع فلا يحل لأن أخذ ما عليه ممكن، فإن امتنع من تسليم ما يلزم شرعا جاز للمنصوبين مقاتلته حيث تعذر عليهم استعمال ما هو دون ذلك أو لم ينفع ويكون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان على كل فرد فرد.
قال كثر الله فوائده: وهذا كله بناء على جواز التعزير بالمال إلخ. أقول: هذه المسألة طويلة الذيول، متشعبة الطرق، ولا يعرف الصواب فيها إلا بعد تحرير أدلتها، فمن جملة الأدلة الدالة على جواز العقوبة بالمال ما رواه أحمد (1) والنسائي (2) وأبو داود (3) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" في كل إبل سائمة وفي كل أربعين لبون لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله، عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء ". وأخرجه أيضًا الحاكم (4) والبيهقي (5). قال يحيى بن معين (6): إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة.
وقد اختلف في بهز فقال: أبو حاتم (7): لا يحتج به. وروي عن الشافعي أنه قال: ليس بهز حجة لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به، وكان قال به في لقديم ثم رجع. وسئل أحمد (8) عن هذا الحديث فقال: ما أدري ما وجهه. وسئل عن إسناده فقال:
(1) في " المسند "(5/ 2 - 4).
(2)
في " السنن "(5/ 15 - 16 رقم 2444).
(3)
في " السنن " رقم (1575).
(4)
في " المستدرك "(1/ 398) وصححه ووافقه الذهبي.
(5)
في " السنن الكبرى "(4/ 105).
(6)
ذكره ابن حجر في " التلخيص "(2/ 160).
(7)
انظر " الميزان "(1/ 353 - 354 رقم 1325).
(8)
انظر " الميزان "(1/ 353 - 354 رقم 1325).
صالح الإسناد، وقال ابن حبان (1): لولا هذا الحديث لأدخلت بهزا في الثقات.
وقال ابن حزم (2): إنه غير مشهور العدالة. وقال (ابن الطلاع) إنه مجهول، وتعقب بأنه قد وثقه جماعة من الأئمة. وقال ابن عدي (3) لم أر له حديثا منكرا وقال الذهبي (4): ما تركه عالم قط وقد تكلم فيه أنه كان يلعب بالشطرنج. قال ابن القطان (5): وليس ذلك بضائر له فإن استباحته مسألة فقهية مشتهرة.
قال الحافظ (6): وقد استوفيت الكلام فيه في تلخيص التهذيب. وقال البخاري (7) بهز بن حكيم مختلفون فيه. وقال ابن كثير: الأكثر لا يحتجون به. وقال الحاكم (8): حديثه صحيح، وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث، ووثقه. واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له فيه. وروي عن أبي داود أنه حجة عنده.
ومن جملة الأدلة على جواز المعاقبة بالمال ما ثبت في دواوين الإسلام أنه صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة (9).
(1) في " المجروحين "(1/ 194).
(2)
انظر " الميزان "(1/ 353 - 354).
(3)
في " الكامل "(2/ 501).
(4)
في " الميزان "(1/ 353 - 354).
(5)
ذكره الذهبي في " الميزان "(1/ 353 - 354).
(6)
في " التلخيص "(2/ 160).
(7)
ذكره الذهبي في " الميزان "(1/ 353).
(8)
ذكره الذهبي في " الميزان "(1/ 354).
(9)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (644) ومسلم رقم (251/ 651). ومالك (1/ 129رقم 3) وأحمد (2/ 244) وأبو داود رقم (548، 549) والنسائي رقم (2/ 107) وابن ماجه رقم (791) والبيهقي (3/ 55).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أم مرماتين حسنتين لشهد العشاء ".
ومنها ما أخرجه أبو داود (1) من حديث عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وجدتم لرجل قد غل فأحرقوا متاعه وفي إسناده صالح بن محمد بن زائدة المديني (2) قال [البخاري (3): عامة أصحابنا يحتجون به وهو باطل. وقال الدارقطني](4): أنكروه على صالح ولا أصل له، والمحفوظ أن سالما أمر بذلك في رجل غل في غزاة مع الوليد بن هشام قال أبو داود: وهذا أصح.
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود (5) والحاكم (6) والبيهقي (7) أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال ضربوه. وفي إسناده زهير بن محمد قيل هو الخراساني (8) وقيل غيره، وهو مجهول. ولكن للحديث شاهد.
ومنها أن سعد بن أبي وقاص سلب عبدا وجده يصيد في حرم المدينة ، وقال: سمعت
(1) في " السنن " رقم (2713).
قلت: وأخرجه أحمد (14/ 93 رقم 275 - الفتح الرباني) والترمذي رقم (1461) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
والحاكم في " المستدرك "(2/ 127) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي والبيهقي في " السنن الكبرى "(9/ 103).
(2)
انظر "المجروحين "(1/ 367) و" الجرح والتعديل "(4/ 411).
(3)
في " التاريخ الكبير "(4/ 291). وهو حديث ضعيف.
(4)
زيادة من نسخة أخرى.
(5)
في " السنن " رقم (2715).
(6)
في " المستدرك "(2/ 131) وقال: حديث غريب صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7)
في " السنن الكبرى "(9/ 102).
(8)
قال البخاري: عن أحمد: كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر.
وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه، فكثر غلطه.
انظر " التقريب "(1/ 264 رقم 80) و" الجرح والتعديل "(3/ 589) و" الميزان "(2/ 84). وهو حديث ضعيف.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من وجدتموه يصيد فيه فخذوا سلبه " أخرجه مسلم (1).
ومنها ما أخرجه أبو داود (2) وسكت عنه هو والمنذري من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق فقال: " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن تؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع. ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ". وأخرج نحوه النسائي (3) والحاكم (4) وصححه.
ومن الأدلة قضية المددي الذي أغلظ لأجله الكلام عوف بن مالك على خالد بن الوليد لما أخذ سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ترد عليه سلبه " أخرجه مسلم (5). ومنها تغريم كاتم الضالة أن يردها ومثلها وهو في الأمهات (6).
ومن المؤيدات لجواز التأديب بالمال إحراق علي عليه السلام لطعام المحتكر (7) ودور قوم
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
في " السنن " رقم (1710) وهو حديث حسن.
(3)
في " السنن "(8/ 84، 85، 86).
(4)
في " المستدرك "(4/ 381).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1289) وقال: حديث حسن.
وابن ماجه رقم (2596) وابن الجارود رقم (827) والدارقطني (4/ 236) والبيهقي (8/ 278) وهو حديث حسن.
(5)
في صحيحه رقم (43/ 1753).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (1718) عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها " وهو حديث صحيح.
قال الخطابي في " معالم السنن "(2/ 339): " إنما هو زجر وردع، وكان عمر رضي الله عنه يحكم به، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وأما عامة الفقهاء فعلى خلافه ".
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 103) عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال حبيش: أحرق لي علي بن أبي طالب بيادر بالسواد كنت أحتكرها. لو تركتها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة.
يبيعون الخمر (1) وهدمه دار جرير بن عبد الله (2) ومشاطرة عمر لسعد بن أبي وقاص في ماله الذي جاء به من العمل الذي بعثه إليه (3)، وتضمينه لحاطب بن أبي بلتعة [مثلي قيمة الناقة التي غصبها عبيده وانتحروها (4): زيادة من نسخة أخرى. وتغليظه هو وابن عباس الدية على من قتل في الشهر الحرام (5) في البلد الحرام، فبهذه الأدلة استدل القائلون بجواز التأديب بالمال. قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى في الغيث (6) لا أعلم خلافا في ذلك بين أهل البيت وإلى ذلك ذهب الشافعي في القديم من قوليه ثم رجع عنه، وقال: إنه منسوخ.
(1) ذكره أبو عبيد في " الأموال "(ص 96 - 98): أن عليا نظر إلى زرارة، فقال: ما هذه القرية؟ قالوا: قرية تدعى زرارة يلحم فيها، تباع فيها الخمر، فقال: أين الطريق إليها؟ فقالوا: باب الجسر، فقال قائل: يا أمير المؤمنين نأخذ لك سفينة تجوز مكانك، قال: تلك سخرة، ولا حاجة لنا في السخرة، انطلقوا بنا إلى باب الجسر، فقام يمشي حتى أتاها فقال: على بالنيران، أضرموها فيها فإن الخبث يأكل بعضه بعضا. قال فاحترقت من غربيها حتى بلغت بستان خواستا بن حبرونا ".
(2)
لم أجده.
(3)
ذكره أبو عبيد في " الأموال "(ص 269). وانظر: " موسوعة فقه عمر بن الخطاب "(ص 145).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10/ 239): " عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن غلمة لأبيه عبد الرحمن بن حاطب، سرقوا بعيرا فانتحروه، فوجد عندهم جلده ورأسه، فرفع أمرهم إلى عمر، فأمر بقطعهم، فمكثوا ساعة، وما نرى إلا أن فرغ من قطعهم، ثم قال: علي بهم، ثم قال لعبد الرحمن: والله إني لأراك تستعملهم ثم تجيعهم وتسيء إليهم، حتى لو وجدوا ما حرم الله عليهم لحل لهم، ثم قال لصاحب البعير: كم كنت تعطى لبعيرك؟ قال: أربعمائة درهم. قال لعبد الرحمن: قم فاغرم لهم ثمانمائة درهم ".
وانظر: " المحلى "(8/ 157).]
(5)
أخرج البيهقي في " السنن "(8/ 77) عن مجاهد قال: قضى عمر فيمن قتل في الشهر الحرام أو في الحرم أو هو محرم بالدية وثلث الدية، فإن قتل رجل آخر في البلد الحرام وفي الشهر الحرام غلظت عليه الدية، ثلث للشهر الحرام، وثلث آخر للبلد الحرام، فتمت الدية عشرين ألفا لأن أصل الدية اثنا عشر ألف درهم في تقدير عمر
(6)
تقدم التعريف به.
وهكذا قال البيهقي وأكثر الشافعية.
وتعقبه النووي، فقال: الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الإسلام ليس بثابت ولا معروف، ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ. وقد نقل الطحاوي والغزالي الإجماع على نسخ العقوبة بالمال وهي دعوى ساقطة.
وزعم الشافعي أن الناسخ حديث ناقة البراء لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم عليه بضمان ما أفسدت ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم في تلك القضية أضعف الغرامة.
ولا يخفى أن تركه صلى الله عليه وسلم للمعاقبة بأخذ المال في هذه القضية لا يستلزم الترك مطلقا ولا يصلح للتمسك به في مجرد عدم الجواز فضلا عن جعله ناسخا.
وقد أجاب المانعون عن الأدلة التي قدمناها بأجوبة: أما عن حديث بهز فبما فيه من المقال ، وبما رواه ابن الجوزي في جامع المسانيد (1) والحافظ في التلخيص (2) عن إبراهيم الحربي أنه قال في سياق هذا المتن ما لفظه، وهم فيها الراوي: وإنما قال فإنا آخذوها من شطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا، وبما قال بعضهم إن لفظة وشطر ماله بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة فعل مبني للمجهول ومعناه جعل مله شطرين بأخذ المصدق الصدقة من أي الشطرين أراد.
ويجاب عن القدح بما في الحديث (3) من المقال بأنه مما لا يقدح بمثله وكلام الحربي وما بعده بأن الأخذ من خير الشطرين صادق عليه اسم العقوبة بالمال لأنه زايد على الواجب، وأيضا الرواية على خلاف ذلك وأئمة الحديث هم المرجع في ذلك وقد رووه كما في الباب وأجابوا أيضًا عن حديث .............................
(1) لا يزال مخطوط فيما أعلم. وهو عدة أجزاء ولدي ثلاثة أجزاء مخطوطة منه.
(2)
(2/ 160).
(3)
تقدم تخريجه وهو حديث حسن.
عمر (1) بما فيه من المقال المتقدم وكذلك أجابوا عن حديث ابن عمرو (2) ويجاب عنهم بمثل ما سلف.
وأجابوا عن حديث الهم (3) بالإحراق بأن السنة أقوال وأفعال وتقريرات والهم ليس من الثلاثة، ويرد بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يهم إلا بالجائز وأجابوا عن حديث سعد (4) بأنه من باب الفدية كما يجب على من تصيد صيد مكة، وإنما عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم نوع الفدية هنا بأنها سلب العاضد فيقتصر على السبب لقصور العلة عن التعدية.
ويجاب بأن هذا إنما يصح بعد تسليم شجر المدينة كمكة وهو ممنوع. وأما حديث تغريم كاتم الضالة (5) والمخرج (6) غير ما يأكل من التمر، وقضية المددي (7) فهي واردة على سبب خاص فلا يجاوز بها إلى غيره لأنها وسائر أحاديث الباب مما ورد على خلاف القياس لورود الأدلة كتابا وسنة بتحريم مال الغير.
ويجاب بأن أدلة جواز التأديب بالمال (8) مخصصة لعموم أدلة التحريم ولا تعارض بين عام وخاص، وإلحاق غير المنصوص عليه من المواضع التي تسوغ التأديب بالمال بالمواضع المنصوص عليها بعدم الفارق، والورود على خلاف القياس ممنوع وأجابوا على أفعال الصحابة السابقة بعدم الحجية وعلى فرض التسليم فذلك من قطع ذرائع الفساد كهدم مسجد الضرار (9) وتكسير المزامير، وعلى كل حال فالتأديب بالمال لا يحل إلا لذي ولاية
(1) تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.
(2)
تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.
(3)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
تقدم تخريجه وهو حديث حسن.
(7)
تقدم تخريجه.
(8)
وانظر الرسالة رقم (130) السؤال التاسع.
(9)
تقدم ذكر ذلك.
عامة مع اجتماع خصال فيه، منها سعة العلم ووضع ذلك المأخوذ في مواضع من مصالح المسلمين لا من كان مقصرا في العلم أو كان يأخذ ذلك لمصلحة نفسه أو مصلحة من يلوذ به فهذا حرام لا يسوغه شرع ولا عقل.
[انتهى جواب السؤال الأول]
[السؤال الثاني]
قال السائل كثر الله فوائده: إن بعض القبائل لهم سوق يجتمع فيه الناس في يوم معروف فمن مشى إليه فهو في أمانهم، فإذا حصل في ذلك جناية حمل أهل السوق على الجاني للقتال إلا أن يلتزم لهم بمال كثير لأنفسهم، والجناية بحالها إلى آخر كلامه.
أقول: قيام هؤلاء الجماعة في حفظ السوق الذي يجتمع فيه جماعة من المسلمين ومنع من أراد أن يجني فيه على غيره لا شك أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بشرط أن تكون الجناية في ذلك المحل واقعة على المنهج الشرعي، أما إذا كانت واقعة على قانون الشرع مثل من يجني على غيره مدافعة أو قصاصا مستحقا عليه فهذا لا يسوغ المنع منه، نعم يسوغ إذا كان من باب سد الذرائع مثل أن يؤدي السكوت للجاني إلى أن يجني غيره بالباطل وكان ذلك أمرا معلوما بحيث يتعذر أن يقتصر على الحق دون الباطل فيه، كما هو معروف في كثير من الأسواق التي يجتمع إليها جماعة من البدو، فهذا من باب المعارضة بين جلب المصلحة الخاصة ودفع المفسدة العامة، ولا خلاف أن دفع المفسدة العامة أرجح فيكون المنع على العموم قربة والأعمال بالنيات.
وأما الأخذ من مال الجاني لمن قام بالحفظ والمنع فإن كان ذلك المأخوذ بالعدل لا بالجور يصير إلى مصلحة لا يتم الحفظ الموصوف بدونها فلا بأس، وإن كان على خلاف ذلك فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل.
[السؤال الثالث]
قال كثر الله فوائده فيمن وجد مالا مغصوبا أو مسروقا فعرف مالكه ففداه له هل يلزم المالك ذلك أم هو كالشراء يرده ويرجع بما بذل على أخذه.
أقول: مال المسلم (1) لا يحل إلا بإذنه أو بحق شرعي مأذون به من طريق الشرع ولم يأت عن الشارع الإذن للغير باستفداء مال غيره المغصوب أو المسروق فيما أعلم، نعم إذا تبرع بالاستفداء وسلم ما استفدى به جهة نفسه فهو من باب المعاونة على البر امأمور به بل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما الشأن في رجوعه بما سلم فهذا هو الذي لم يأب به إذن من الشارع فلم يبق إلا اعتبار إذن مالك المال فإن أذن رجع عليه وإلا فلا.
(1) قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (67) ومسلم رقم (1679) وأبو داود رقم (1948) من حديث أبي بكرة: " .... إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام ".
[السؤال الرابع]
قال عافاه الله في رجل فاضل ظهرت عليه الولاية وصل إلى بلادنا وادعى الإمامة فيها وأجابوه جملة وحصل منه الرغب والرهب وألزمهم الأحكام الشرعية وقد كان جمع أموالا أخذها على أهل الربا ونحوهم ثم قتل. والمراد من السؤال أن الأموال محفوظة، ومن هي بيده يقول: لا أردها إلا بحكم شرعي لأن الرجل لا يعلم له وارث.
أقول: يتوجه صرف هذا المال إلى بيت مال المسلمين مع إمكان إيصال ذلك إليه إن علم أن سيصرف في مصارفه الشرعية إن وصل إليه وإذا تعذر الإيصال أو أمكن ولكن غلب على الظن أنه لا يصرف في المصارف الشرعية فالمتوجه دفعه إلى أصلح رجل من الساكنين بذلك المحل بشرط أن يكون ذا دين متين، وله حظ من العلم يعرف مهمات الشريعة، وهو يتوجه عليه أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة إن أمكن أن يتيسر له ذلك، فإن تعذر لانسداد أبواب ذلك أو اختلاط المعروف بالمنكر فعليه أن يصرفه في فقراء المسلمين القائمين بواجبات الإسلام لا من كان منهم مرتكسا في مهاوي الحرام مرتكبا لما يرتكبه سائر الطغام من موجبات الآثام.
[السؤال الخامس]
قال نفع الله به: إن مريم بنت ناموس (1) على عظام يوسف عليه السلام مع قولهم إن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ويصومون. ما المراد وكيف الجمع؟.
أقول: حديث الأنبياء أحياء في قبورهم صححه البيهقي وألف فيه جزءا (2)، ويؤيد ذلك ما ثبت أن الشهداء أحياء (3) يرزقون في قبورهم وهو صلى الله عليه وسلم رأس الشهداء.
قال الأستاذ أبو منصور البغدادي (4): قال المتكلمون من أصحابنا: إن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته (5) انتهى.
ويعكر على هذا أمور:
(1) ستأتي قريبا.
(2)
وهو كتاب " حياة الأنبياء في قبورهم "(ص 69 - 74). ط 1 سنة 1414 هـ / مكتبة العلوم والحكم المدينة.
(3)
تقدم تفصيل ذلك في الرسالة رقم (14).
(4)
قال ابن رجب الحنبلي في " أهوال القبور "(ص 160) أما الأنبياء عليهم السلام فليس فيهم شك أن أرواحهم عند الله في أعلى عليين وقد ثبت في الصحيح أن آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته: " اللهم الرفيق الأعلى " وكررها حتى قبض.
أخرجه البخاري رق م (3669) ومسلم رق م (2191) وقال رجل لابن مسعود: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين هو؟ قال: في الجنة.
انظر: " شرح العقيدة الطحاوية "(ص 454).
(5)
وقد ثبت نقلا وعقلا أن الأنبياء من الأموات.
قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30].
قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144].
وإن ورد في أخبار صحيحة أن الأنبياء في قبورهم أحياء، فتلك حياة برزخية لا تماثل الحياة الدنيوية ولا تثبت لها حكمها. انظر " فتح الباري "(6/ 44).
الأول: ما ورد في الصحيح (1) في حديث الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم لقي جماعة من الأنبياء في السماوات.
أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث. ورني فوق أربعين يوما إن صح ذلك والله أعلم. وقد تكلم عن ذلك أهل العلم فأطالوا وأطابوا فبعضهم ضعف حديث الأنبياء أحياء في قبورهم وبعضهم جمع بينه وبين ما عارضه بأنه لا مانع من رفعهم إلى السماء ثم عودهم. وبعضهم جزم بأنهم باقون في قبورهم، وفي السماء ملائكة على صورهم.
والحاصل أن المقام من المجازات لا باعتبار القصة (2) المسؤول عنها فهي لا تنتهض
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (263/ 163) من حديث أنس بن مالك. قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى "(4/ 328 - 329): " وأما رؤيته الأنبياء ليلة المعراج في السماء لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة أو العكس، فهذا رأى أرواحهم مصورة في صور أبدانهم.
وقال: بعض الناس: لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور، وهذا ليس بشيء، لكن عيسى صعد إلى السماء بروحه وجسده وكذلك قد قيل في إدريس، وأما إبراهيم وموسى وغيرهما فهم مدفونون في الأرض
…
".
وانظر: " فتح الباري "(6/ 444) و (7/ 212)
(2)
أخرج أبو يعلى في مسنده رقم (13/ 7254) بسند ضعيف.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 170) وقال: رواه أبو يعلى. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وهذا الذي حملني على سياقها.
قلت: فيه محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي، قال البخاري عنه: رأيتهم مجمعين على ضعفه، قاله ابن حجر في " التقريب " رقم (6402).
عن أبي موسى قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه فقال له: " ائتنا " فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سل حاجتك " فقال: ناقة نركبه وأعنزا يحلبها أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل " فقال: " إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قال: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها فأتته فقال: دليني على قبر يوسف. قالت: حتى تعطيني حكمي. قال: وما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فاطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء فقالت: أنضبوا هذا الماء، فأنضبوه، قالت: احتفروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار ".
لمعارضة ما ثبت عن الشارع ولا تستشكل الأحاديث باعتبارها فكثيرا ما وقع من الأكاذيب في كتب التفسير لا سيما المشتملة على حكاية القصص المطولة فهي متلقاة من أهل الكتاب المنصوص على أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون القول، بل كثير من الحكايات المدونة في كتب التفسير (1) لا مستند لها إلا ما يعتاده القصاص من تطويل ذيول المقال بالأكاذيب الحرية بالإبطال، فما كان كذلك لا ينبغي أن يلتفت إليه أو يعتقد صحته على فرض عدم معارضته لشيء مما ورد عن الشارع فكيف إذا عارض ما ورج وإن كان قاصرا عن رتبة الصحة.
والحاصل أن التفسير الذي ينبغي الاعتداد به والرجوع إليه هو تفسير كتاب الله جل جلاله باللغة العربية حقيقة ومجازا إن لم تثبت في ذلك حقيقة شرعية فإن ثبتت فهي مقدمة على غيرها، وكذلك إذا ثبت تفسير ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أقدم من كل شيء، بل حجة متبعة لا تسوغ مخالفتها لشيء آخر، ثم تفاسير علماء الصحابة المختصين برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يبعد كل البعد أن يفسر أحدهم كتاب الله ولم يسمع في ذلك شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فرض عدم السماع فهو أحد العرب الذين عرفوا من اللغة دقها وجلها.
وأما تفسير غيرهم من التابعين ومن بعدهم فإن كان من طريق الرواية نظرنا في صحتها سواء كان المروي عنه الشارع أو أهل اللغة وإن كان بمحض الرأي فليس ذلك بشيء، ولا يحل التمسك له ولا جعله حجة، بل الحجة ما قدمناه. ولا يظن بعالم من علماء الإسلام أن يفسر القرآن برأيه، فإن ذلك مع كونه من الإقدام على ما لا يحل [بما لا
(1) انظر " الرسالة " رقم (14).
يحل] (1) قد ورد النهي عنه في حديث: " من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، ومن فسر القرآن برأيه فأخطأ فقد كفر "(2) أو كما قال، إلا أنا لم نتعبد بمجرد هذا الإحسان للظن على أن نقبل تفسير كل عالم كيفما كان (3)، بل إذا لم نجده مستندا إلى
(1) زيادة من نسخة أخرى.
(2)
أخرجه الترمذي في " السنن " رقم (2952) وهو حديث ضعيف.
(3)
قال ابن تيمية في " مقدمة في أصول التفسير " أحسن طرق التفسير (ص 92 - 93):
1 -
أن يفسر القرآن بالقرآن، فم أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.
2 -
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].
وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " أخرجه أبو داود رقم (4604) وأحمد (4/ 131) وهو حديث صحيح.
3 -
وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدون من القرآن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين والأئمة المهديين. وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس.
وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري.
وأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، قل أبو بكر الصديق رضي الله عنه:" أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم ".
وانظر " تفسير ابن كثير "(4/ 273). " فتح القدير "(5/ 376).
وعندما سئل ابن تيمية عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة فقال: " الحمد لله، أما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها " تفسير محمد بن جرير الطبري " فإنه يذك مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير، والكلبي ".
انظر: " مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير "(ص 103).
الشارع ولا إلى أهل اللغة لم يحل لنا العمل به مع التمسك بحمل صاحبه على السلامة، ونظير ذلك اختلاف العلماء في المسائل العلمية، فلو كثر الله فوائده كان إحسان الظن مسوغا للعمل بما ورد عن كل واحد منهم لوجب علينا قبول الأقوال المتناقضة في تفسير آية واحدة أو في مسألة علمية، واللازم باطل فالملزوم مثله، وكثيرا ما نسمع من أسراء التقليد الذين يعرفون الحق بالرجال لا بالاستدلال إذا قال لهم القائل: الحق في هذه المسألة كذا أو الراجح قول فلان، قالوا: لست أعلم من فلان، يعنون القائل من العلماء بخلاف الراجح في تلك المسألة، فنقول لهم: نعم لست أعلم من فلان، ولكن هل يجب علي اتباعة والأخذ بقوله، فيقولون: لا ولكن الحق لا يفوته ومن يشابهه من العلماء، فنقول لهم: لا يفوته وحده لخصوصية فيه أم لا يفوته هو وأشباهه ممن بلغ إلى الرتبة التي بلغ إليها في العلم، فيقولون: نعم لا يفوته هو وأشباهه ممن هو كذلك، فيقال لهم: من الأشباه والأنظار في علماء السلف والخلف آلاف مؤلفة بل فيهم أعداد متعددة يفضلونه ولهم في المسألة الواحدة الأقوال المتقابلة، فربما كانت العين الواحدة عند بعضهم حلالا وعند الآخر حراما، فهل تكون العين حلالا حراما لكون كل واحد منهم لا يفوته الحق كما زعمتم، فإن قلتم: نعم، فهذا باطل، ومن قال بتصويب المجتهدين (1) إنما يجعل قول كل واحد منهم صوابا لا إصابة، وفرق بين المعنيين أو يقول القائل في جواب مقالتهم فلان أعرف منك بالحق لكونه أعلم إذا كان الأسعد بالحق الأعلم فما أحد إلا وغيره أعلم منه، ففلان الذي يعنون غيره أعلم منه فهو أسعد منه بالحق فلم يكن الحق حينئذ بيده ولا بيد أتباعه، وهذه المحاورات إنما يحتاج إليها من ابتلي بمحاورة المقصرين الذين لا يعقلون الحجج ولا يعرفون أسرار الأدلة
(1) تقدم مناقشة ذلك مرارا.
ولا يفهمون الحقائق فيحتاج من ابتلي بهم وبما يرد عليه من قبلهم إلى هذه المناظرات التي لا يحتاج إلى مثلها من له أدنى تمسك بأذيال العلم، فإن كان عارف يعرف أن وظيفة المجتهد ليست قبول العالم المختص بمرتبة من العلم فوق مرتبته إنما وظيفته فبول حجته، فإذا لم تبرز الحجة لم يحل للمجتهد الأخذ بذلك القول الخالي عن الحجة في علمه، وإن كان في الواقع ربما له حجة لم يطلع عليها العالم الأول، وحمله على السلامة لا أنه يجوز التمسك به في أن المقالة حق يجوز التمسك به كما يجوز التمسك بها كما يجوز التمسك بالدليل فهذا لا يقوله إلا من لا حظ له من العلم ولا نصيب له من العقل
[السؤال السادس]
قال عافاه الله: السؤال السادس: إذا كان لقبيلة أرض موات يدعونها ولا منازع لهم فيها ولا بينة إلا اليد الحكمية إلخ.
أقول: ينظر في مستند دعوى كونها ملكا لهم هل هو صدور إحياء في زمان سابق (1)، أو شراء من محي أو نوع من أنواع التمليك أو كان المستند هو كونها انصباب السيل إلى أملاكهم أو مواطن رعي أنعامهم: فإن كان الأول فلا شك أن دعوى الملك صحيحة واليد الحكمية يثبت بها الأصل والظاهر، فلا يقبل من الغير دعوى تخالف ذلك إلا ببرهان شرعي، وإن كان المستند ما ذكرنا آخرا فمثل الانصباب والمراعي ليست بأملاك في نفسها لمجرد ذلك فلا تقبل دعوى الملك لأن غاية ما تفيده اليد على الانصباب والمراعي هو ثبوت الحق لا الملك، وعلى الأول إذا عمرها غيره أو نحو ذلك كان له نزعها منه ولا يرجع بما غرم فيها إلا بإذن، وعلى الثاني ليس له نزعها منه ويكون أحق بها إلا أنه إذا حصل الضرر على الأول لعدم انصباب السيول إلى أرضه أو عدم رعي ماشيته في ذلك المحل فالظاهر أن له منعه، ويأثم إن لم يمتنع.
والحاصل أن الأسباب المقتضية (2) للملك معروفة وقد جود أئمة العلم الكلام في
(1) أخرج أحمد (3/ 304، 338) والنسائي في " الكبرى " كما في " تحفة الأشراف "(2/ 387 رقم 31229)، والترمذي رقم (1379) وقال: حديث حسن صحيح.
من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا فهي له ".
وأخرج البخاري في صحيحه رق (2335) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها ".
(2)
منها: البيع، والهبة، والحيازة بالإحياء للموات، ونحوه، كالإرث والإقطاع.
وهذه الأسباب إذا نظرنا إليها مجردة فمنها ما هو جبري كالإرث ومنها ما هو اختياري كالبيع وغيره.
وإذا نظرنا إليها من قبيل الشخص الذي ستؤول إليه، فهي إما أن تكون بعلمه الشرعي كالبيع والإحياء، أو بحكم شرعي كالإرث أو بإرادة الغير وعمله كالهبة والإقطاع.
انظر: " المدخل الفقهي العام " لمصطفى الزرقا (1 / في تقسيم الملك).
الإحياء (1) والتحجر (2) وفرقوا بينهما بما يشفي فليراجع كلامهم في مواطنه (3).
(1) الأرض الموات: الأرض الداشرة المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك معصوم.
إحياء الموات: أن لعمران حياة، والتعطيل موت، فشبهت الأرض المعمورة بالحي، وشبهت الأرض المعطلة بالميت، قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 9 - 11].
انظر: المغني (5/ 563).
(2)
التحجير: الشروع في الإحياء ووضع علامة تدل عليه وهو للشافعية. قال النووي في " روضة الطالبين "(5/ 286): الشارع في إحياء الموات متحجر ما لم يتمه، وكذا إذا علم عليه علامة للعمارة من نصب أحجار، أو غرز خشبات أو قصبات، أو جمع تراب، أو خط خطوط، وذلك لا يفيد الملك بل يجعله أحق به من غيره.
أنواع التحجير: الأغراض التي يتصور أن يكون التحجير لها ثلاثة، وهي:
1 -
أن يكون التحجير في موات لقصد عمارته بزراعة أو نحوها.
2 -
أن يكون التحجير لمنفعة مؤقتة كارتفاق في سوق للبيع.
3 -
أن يكون التحجير لنفع عام، كمجلس عالم في مسجد لتعليم الناس، ونحوه.
(3)
الفرق بين الإحياء والتحجير:
1 -
من جهة القائم بذلك بنفسه في الإحياء والتحجير وقصده، ففي الإحياء يمكن أن يقترن به إرادة النفع لعام لأنه لا ينطلق من منطلق الذاتية، فقط فالإحياء جهد منه يعود عليه وعلى المجتمع بالخير والإنتاج.
أما التحجير للنفس فمنطلقها الأنانية الخاصة بالشخص على حساب غيره من حيث تعلق حقوقهم بما تحجر أو حمى وليس له ذلك.
2 -
من جهة الإحياء والتحجير وتعريفهما:
فالإحياء المشروع: هو تعمير موات ليس له مالك ولا يتعلق به مصلحة أحد بأي وسيلة من وسائل التعمير.
والتحجير: هو حيازة الأرض بما لم يكن إعمارا أو حجزه عن الآخرين.
انظر: " شرح الهداية "(2/ 232 - 233) و" نيل الأوطار " للشوكاني (5/ 348).
ومن صور الإحياء:
1 -
البنيان، ويشمل بناء السكن السقف، الإحاطة والتسوير، ويكفي فيه مجرد الإحاطة بجدار، وإن لم يسقف وإن لم ينصب له باب.
2 -
الغرس، الزرع. وفيه تفصيل.
3 -
إزالة العوائق: يمنع الانتفاع بالأرض أو الغرس أو الزرع عوائق، فإذا أزيلت صلحت للإحياء، مثل إزالة الأحجار، وقطع الأشجار وصرف الماء والرمال وبها تملك الأرض.
انظر: " الأحكام السلطانية " للماوردي (ص 177). " المغني "(5/ 566).
وهذا النظم جواب السائل عافاه الله:
نظام يا ابن ودي أم لآلي
…
منظمة بأسلاك السؤال
يقول إذا الأسير أراد سيرا
…
إلى ربع الكمال مع الكمال
ولام بأن يدين بما حوته
…
نصوص كتاب ربي ذي الجلال
وما في سنة للطهر طه
…
مسلسلة بأسناد الرجال
فهل غير الأدلة من سبيل
…
لمن رام الوصول إلى الوصال
وهل خير القرون ومن يليه
…
سعوا يوما إلى قيل وقال
فقل لي أي فرد منهم قد
…
تلبس بانتساب وانتحال
فما عرفوا التمذهب في رجال
…
ولا صحبوه يوما في ارتحال
بإسلام وإيمان تداعوا
…
وصدوا عن مراء أو جدال
ومن قصرت يداه عن مساع
…
سعى نحو الأكابر للسؤال
فيسرب من معين النص حتى
…
يقول لقد رويت بما روى لي
ولم ينسب إلى المسؤل شخص
…
ولم يخطر لهم هذا ببال
إذا ما لم يسعك سبيل قوم
…
هم خير القرون بلا جدال
فقد ضاقت عليك الأرض طرا
…
ودافعت الحقيقة بالخيال
فمن يعلم فإن له مثيلا
…
من الصحب الكرام بلا مثال
ومن يجهل فإن له نظيرا
…
من الأصحاب لاذوا بالسؤال
فقد كانوا على قسمين: قسم
…
مجل قد تحلى بالجلال
وقسم ما له في العلم حظ
…
وكان له حظوظ في النزال
كلا القسمين قد سلكوا طريقا
…
وما دانوا بتقليد الرجال
وما نسب امرؤ منهم لبكر
…
ولا عمرو على مر الليالي
فهذا عالم يروي لهذا
…
وهذا قاصر يحفي السؤال
وإنك أيها الحبر المفدى
…
حقيق أن تميل إلى المعالي
كذاك أبوك وهو الفذ فيما
…
يحبر من بديعات المقال
فكونا تابعين لكل نص
…
صحيح واشردوا عن كل خال
ولا تتهيبا جمهور قوم
…
فمن وجد الدليل فما يبالي
وقيسوا في الصدور ذوي جلال
…
لديكم من جلالة ذي الجلال
إذا ما قال " قال الله " شخص
…
تطأطأ عند ذا شم الجبال
وإن قال " الرسول يقول هذا "
…
فقد طاحت أقاويل الرجال
ومن وجد الحقيقة وهي حق
…
فقد بطل التمسك بالخيال
ومن رام الجدال فقد تولت
…
لك الويلات أوقات الجدال
وإن قال البغيض بلا احتشام
…
فلان منك أعرف بالمقال
فقد برح الخفاء فلا تجبه
…
فإن الجهل كالداء العضال
وأما من غدا ينفي اجتهادا
…
ولم يستحي من قول المحال
فقل لا در درك أي نص
…
أتى يقضي بتخصيص الكمال
وإن الفائزين به رجال
…
ومحروم كثير من رجال
وهل خص الإله بفضله من
…
يعد مقدما من دون تالي
مقال لم يقله غير قزم
…
تقاعس عند معترك النزال
مقال صان عنه الله قوما
…
كراما صافحوا كف المعالي
مقال من يكشفه يراه
…
حديث خرافة في كل حال
لعمرك إن بعد الست قوما
…
هم أبطال معترك الجدال
لعمرك إن بعد الست جيلا
…
يجل على المخصص بالجلال
وقلت وفي العقائد ليس يرضى
…
لها التقليد أو ربط العقال
فتلك لها اندراج في عموم
…
هو المنع المعمم في المقال
وما خبر الحدود حديث صدق
…
ولكن عد في قيل وقال
إلى البصري (1) ينسبه أناس
…
ومنصور بن زاذان (2) يغالي
وجمعة ربنا شرعت ليسر
…
ولم تشرع مقيدة بوالي
ودم في نهج حق تنتحيه
…
وتسلكه على مر الليالي
كمل من تحرير المجيب وجمعه القاضي فخر الدين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله ومتع المسلمين بحياته وحرسه بعينه، بحق محمد وآله وصحبه.
(1) هو الحسن، البصري، تابعي من مشاهير الثقات، وعنه اعتزل واصل بن عطاء الذي غدا رأس المعتزلة (توفي الحسن البصري سنة 110 هـ).
(2)
منصور بن زاذان الواسطي الثقفي، ثقة ثبت عابد. توفي سنة 129 هـ.