المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في من أجبر على الطلاق - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌بحث في من أجبر على الطلاق

‌بحث في من أجبر على الطلاق

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديث

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3425

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " بحث في من أجبر على الطلاق ".

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: " ورد إلينا سؤال من بعض المحلات النائية في رجل أجبره العامل على التلفظ بالطلاق " ....

4 -

آخر الرسالة: والمقام محتمل لبسط طويل، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. حرر من تحرير المجيب والمؤلف لهذه النسخة القاضي البدر عز الدين محمد بن علي الشوكاني، حفظه الله ومتع بحياته، وكلأه بعين عنايته. وكان التحرير والإجابة في سنة 1207 هـ.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

عدد الصفحات: 3 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 27 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 16 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3427

ثم قال حفظه الله ما لفظه:

ورد إلينا سؤال من بعض المحلات النائية في رجل أجبره العامل على التلفظ بالطلاق، فتلفظ به بعد أن حبسه وقيده، هل يقع أم لا؟ ولم ينوه، وقد [قيل](1) فيه جوابات مختلفة، وأدلة متباينة.

فأجبت بما لفظه:

الحمد لله، وقف الحقير محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما - على هذا السؤال، وما عليه من الأجوبة.

وأقول: إن كان المسئول عنه كلام أهل المذهب؛ فهم مصرحون بأن الاختيار شرط لنفوذ الطلاق لا يلزم حكمه الآية، وهذا مدون في كتبهم الفقهية، كالأزهار (2)، والبيان (3)، والبحر (4). وهذه مدارس الزيدية في عصرنا الآن.

وكذلك وقع التصريح بذلك في سائر كتب الآل وأتباعهم. وقال النخعي ، وابن المسيب، والثوري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو حنيفة وأصحابه أنه يقع الطلاق من المكره (5)، والمذهب الأول هو الراجح عندي (6)، لحديث:" لا طلاق في إغلاق "

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

(2/ 359 مع السيل الجرار).

(3)

انظر " مؤلفات الزيدية "(1/ 222 - 223).

(4)

(3/ 165 - 166).

(5)

ذكره عنهم ابن قدامة في " المغني "(10/ 350): فقد قال: وأجازه أبو قلابة، والشعبي، والنخعي، والزهري والثوري، وأبو حنيفة وصاحباه؛ لأنه طلاق من مكلف، في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره. وانظر " البناية في شرح الهداية "(5/ 25).

(6)

قال الشوكاني في " السيل الجرار "(2/ 362): الأقوال والأفعال الصادرة على وجه الإكراه قد دلت أدلة الشرع الكلية والجزئية على أنه لا يترتب عليها شيء من الأحكام؛ فإن الله سبحانه لم يجعل من كفر مكرها كافرا، فقال:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106].

وإذا كان الإكراه مبطلا للكفر بالله والإشراك، فما ظنك بغيره. وقال سبحانه:{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286].

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما دعاه عباده بهذه الدعوات، قال:" قد فعلت " وهو حديث صحيح تقدم. فالمكره لو كلف بما أكره به ويثبت عليه أحكامه لكان قد حمل ما لا طاقة له به، ومن هذا القبيل حديث:" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فإن له طرقا يشهد بعضها لبعض، ولذلك حسنه من حسنه - تقدم - والمراد بالرفع رفع الخطأ بذلك وترتب أحكامه عليه. وهذا المقدار يكفي في الاستدلال على عدم صحة طلاق المكره على تقدير عدم وجودها ما يدل عليه بخصوصه، فكيف وقد دل عليه خصوصا حديث:" لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ".

ص: 3431

أخرجه أحمد (1)، وأبو داود (2)، وابن ماجه (3) وأبو يعلى (4)، والحاكم (5) والبيهقي (6) من طريق صفية بنت شيبة عن عائشة مرفوعا، وصححه الحاكم (7). لا يقال في إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي (8)؛ لأنا نقول: قد رواه البيهقي (9) من طريق ليس هو فيها، وإنما جعلنا هذا الحديث حجة لنا، على ترجيح عدم وقوع طلاق المكره؛ لأن أئمة الغريب قد فسروا الإغلاق بالإكراه. وممن صرح بذلك ابن قتيبة (10)، والخطابي (11) وابن ...................................

(1) في " المسند "(6/ 276).

(2)

في " السنن " رقم (2193).

(3)

في " السنن "(2046).

(4)

في مسنده (7/ 421 رقم 4444) و (8/ 52، 53 رقم 4570).

(5)

في " المستدرك "(2/ 198).

(6)

في " السنن الكبرى "(7/ 357).

(7)

في " المستدرك "(2/ 198).

(8)

في " العلل "(1/ 430 رقم 1292) و (1/ 432 رقم 1300).

(9)

في " السنن الكبرى "(7/ 357). وهو حديث حسن بمجموع طرقه.

(10)

لم أجده في غريب الحديث.

(11)

في " معالم السنن "(2/ 642) قال: الإغلاق: الإكراه، وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لا يرون طلاق المكره طلاقا.

ص: 3432

السيد (1).

وقال في النهاية (2): الإغلاق الإكراه، لأن المكره مغلق عليه في أمره، ومضيق عليه في تصرفه، كما يغلق الباب على الإنسان، وبمثل ذلك قال أبو عبيد (3) إمام الغريب.

وقال في القاموس (4): الإغلاق الإكراه، وضد الفتح.

وأما ما روي من أنه الجنون، فهو مع مخالفته لما عليه أئمة اللغة والغريب قد استبعده المطرزي (5)، وكذلك ما روي عن أحمد بن حنبل، وأبي داود أنه الغضب مخالف لما وقع به التصريح من أئمة اللغة المعتبرين. وقد رده أيضًا ابن السيد، فقال: لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق؛ لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب. انتهى.

ومراده بهذه الكلية ما هو الغالب، مبالغة في ذلك؛ لأن أكثر المطلقين يوقعونه في حال الغضب، لا أن كل مطلق كذلك، للقطع بأن الإنسان قد يطلق لحامل غير الغضب، كالكراهة للزوجة، ونحو ذلك. إذا تقرر أن الإغلاق هو الإكراه، فمعنى قوله: لا طلاق في إغلاق: لا طلاق صحيح؛ لأنه أقرب المجازين عن الذات، على أنه يمكن أن يقدر: لا ذات طلاق شرعية؛ لأن الذات الموجودة حال الإكراه غي شرعية، فوجودها كعدمها، وهذا التقدير هو الذي ترجح لدي.

وظاهر هذا الحديث أنه لا فرق بين إكراه، بل الاعتبار بما صدق عليه اسم

(1) عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 425).

(2)

(3/ 379 - 380).

(3)

عزاه إليهما ابن قدامة في " المغني "(10/ 351).

وانظر " لسان العرب "(2/ 80). و" المجموع " للنووي (18/ 209).

(4)

(ص 1182).

(5)

ذكره النووي في " المجموع "(18/ 209).

وانظر: " تلخيص الحبير "(3/ 425).

ص: 3433

الإكراه (1)؛ وهذا الدليل ينبغي التعويل عليه.

(1) قال ابن قدامة في " المغني "(10/ 351): ولا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب، مثل الضرب أو الخنق أو عصر الساق وما أشبهه، ولا يكون التواعد إكراها.

أما إذا نيل بشيء من العذاب، كالضرب والخنق، والعصر، والغط في الماء مع الوعيد؛ فإنه يكون إكراها بلا إشكال. لما روي أن المشركين أخذوا عمارا، فأرادوه على الشرك، فأعطاهم، فانتهى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول:" أخذك المشركون فغطوك في الماء، وأمروك أن تشرك بالله، ففعلت، فإن أخذوك مرة أخرى، فافعل ذلك بهم ".

انظر: " الطبقات "(3/ 249) و" جامع البيان " للطبري (8 / ج 14/ 181 - 182).

وقال عمر رضي الله عنه: ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته، وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها.

فأما الوعيد بمفرده، فعن أحمد فيه روايتان:

إحداهما: ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه، هو ما ورد في حديث عمار، وفيه أنهم " أخذوك فغطوك في الماء " فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله.

الثانية: أن الوعيد بمفرده إكراه. قال في روايه ابن مصور: حد الإكراه إذا خاف القتل، أو ضربا شديدا. وهذا قول أكثر الفقهاء. وبه يقول أبو حنيفة والشافعي.

شروط الإكراه:

أحدها: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب، كاللص ونحوه. وحكي عن الشعبي: إن أكرهه اللص، لم يقع طلاقه، وإن أكرهه السلطان وقع. قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله.

قال ابن قدامة: وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع ، والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمار:" إن عادوا فعد " ولأنه إكراه، فمنع وقوع الطلاق، كإكراه اللص.

الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، إن لم يجبه إلى ما طلبه.

الثالث: أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا، كالقتل، والضرب الشديد والقيد، والحبس الطويل. فأما الشتم، والسب فليس بإكراه، رواية واحدة. وكذلك أخذ المال اليسير، فأما الضرب اليسير، فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه، وغضا له، وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره.

وإن توعد بتعذيب ولده، فقد قيل: ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراها لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله ، والوعيد بذلك إكراه. "

المغني " (10/ 352 - 353)، " المجموع " (18/ 209 - 210).

ص: 3434

وأما الاحتجاج بقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (1) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " وما استكرهوا عليه "(2) كما وقع في البحر (3) وغيره، فمما لا ينبغي التعويل عليه في المقام (4)، لمناقشات ليس هذا محل بسطها. وقد ذهب إلى عدم الوقوع لطلاق المكره جماعة من الصحابة، منهم: علي عليه السلام وعمر، وابن عباس وابن عمر، وابن الزبير رضي الله عنهم وجماعة ممن بعدهم، منهم: الحسن البصري، وعطاء، ومجاهد وطاووي، والأوزاعي، والحسن بن صالح. ومن الفقهاء: مالك، والشافعي. ومن أهل البيت القاسمية، والناصر، والمؤيد بالله، وغيرهم (5). وقد احتج القائلون بأنه يقع بحجج، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" ثلاث هزلهن جد (6) ..... " الحديث. وهو خارج عن محل النزاع ، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" كل طلاق واقع إلا طلاق المعتوه، والصبي "(7) ويجاب

(1)[البقرة: 256].

(2)

تقدم تخريجه مرارا وهو حديث صحيح.

(3)

(3/ 165 - 166).

(4)

تقدم تعليق الشوكاني على ذلك في " السيل الجرار "(2/ 362).

(5)

عزاه إليهم ابن قدامة في " المغني "(10/ 350) والنووي في " المجموع "(18/ 209).

والعيني في " البناية في شرح الهداية "(5/ 25 - 26).

وانظر: تفصيل ذلك في " الفتح "(9/ 388 - 391).

(6)

أخرجه أبو داود رقم (2194) والترمذي رقم (1184) وابن ماجه رق (2039) والحاكم في " المستدرك "(2/ 197 - 198).

وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي بقوله: عبد الرحمن بن حبيب بن أردك: فيه لين. وهو حديث حسن. انظر " الإرواء " رقم (1826).

(7)

أخرجه الترمذي في " السنن " رقم (1191) وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف، ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز، إلا أن يكون معتوها يفيق بعض الأحيان، فيطلق في حال إفاقته.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله ".

وقال ابن حجر في " الفتح "(9/ 393): وفيه عطاء بن عجلان، ضعيف جدا.

وأخرجه بلفظ المصنف ابن أبي شيبة في " المصنف "(5/ 31) و (5/ 48).

ص: 3435

عنه بأن عمومه مخصص بحديث: " لا طلاق في إغلاق "(1) ومنها قصة المرأة التي أخذت المدية، ووضعتها في نحر زوجها، وقالت: إن لم تطلقني نحرتك، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد إيقاعه للطلاق في تلك الحال، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم:" لا قيلولة " أخرجه العقيلي (2). ويجاب عنه أولا بأن في إسناده صفوان بن عمران (3) وقد تفرد به، وهو غير حجة إذا تفرد، وثانيا بأن الحديث على فرض صحته لا يقوى على معارضة حديث:" لا طلاق في إغلاق "(4) فيجمع بينهما بحمله على من نوى الطلاق عند الإكراه.

وثالثا بأنه معارض بما أخرجه سعيد بن منصور (5)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (6) أن

(1) تقدم تخريجه آنفا، وهو حديث حسن.

(2)

في " الضعفاء "(2/ 211، 212).

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في " العلل "(1/ 436 رقم 1312) عن أبي زرعة وأنه واه جدا.

انظر: " تلخيص الحبير "(3/ 436).

(4)

تقدم تخريجه آنفا، وهو حديث حسن.

(5)

في سننه (1/ 274، 275).

(6)

في غريب الحديث

(3/ 322). قال ابن قدامة في " المغني "(1/ 352): بعد أن تكلم عن حد الإكراه: لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد، فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه، ولا يخشى من وقوعه، إنما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد، وهو في الموضعين واحد، ولأنه متى توعده بالقتل، وعلم أنه يقتله فلم يبح له الفعل، أفضى إلى قتله وإلقائه بيده إلى التهلكة، ولا يفيد ثبوت الرخصة بالإكراه شيئا، لأنه إذا طلق في هذه الحال، وقع طلاقه، فيصل المكره إلى مراده، ويقع الضر بالمكره، وثبوت الإكراه في حق من نيل بشيء من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره، وبعد ذلك ذكر حديث عمر المتقدم.

ص: 3436

رجلا على عهد عمر بن الخطاب تدلى ليشتار عسلا، فأقبلت امرأته فجلست على الحبل، فقالت: ليطلقها ثلاثا، وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله والإسلام فأبت، فطلقها ثلاثا، ثم خرج إلى عمر، فذكر ذلك له فقال: ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق، ولم ينقل أنه خالفه أحد من الصحابة، فكان قوله ذلك منزلا منزلة الإجماع، وليس هذا من معارضة المرفوع بالموقوف، بل من معارضة الحديث الضعيف بما يدل على الإجماع، ولو كان عند الصحابة سنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خالفوها، ولا سكتوا عن ذلك.

وقد أخرج البخاري (1) عن علي عليه السلام وابن عباس أنهما قالا: ليس على مكره طلاق. وكذا أخرج عنهما ابن أبي شيبة. ولكنه لا ينبغي قبول كل من قال: إنه مكره؛ فإن من الناس من إذا بانت منه زوجته جاء بالمعاذير الباطلة، وتطلب التحيلات الفاسدة. ومعظم مقصوده رجوعها إليه، على أي وجه كان، وإن ارتطم في الحرام، ثم ارتطم، فينبغي أن يبحث عن صحة دعواه، ولا يعمل بمجرد ما يظهر من فحواه، والمقام محتمل لبسط طويل، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية.

(1) في صحيحه (9/ 388 الباب رقم 11) تعليقا: باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران والمجنون، وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك، وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم:" الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى ". تقدم تخريجه.

قال ابن حجر في " الفتح "(9/ 389): " اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء .... ".

ص: 3437

حرر من تحرير المجيب والمؤلف لهذه النسخة القاضي البدر عز الدين محمد بن علي الشوكاني، حفظه الله ومتع بحياته، وكلأه بعين عنايته. وكان التحرير والإجابة في سنة 1207 هـ.

ص: 3438