المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3439

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " بحث فيمن قال: امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله ولم يقضه ".

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: ورد إلي سؤال في شهر شوال سنة 1207 هـ حاصله: ما الراجح عنكم فيمن قال امرأته طالق ....

4 -

آخر الرسالة: فهو فاسد الاعتبار لأن المنهي عنه لا يعتقد. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية.

وإن كان المقام بسط طويل.

كتبه: محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 4 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الناسخ: المؤلف محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الثالث من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3441

[بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد له وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الراشدين، وبعد، فإنه:](1).

ورد إلي سؤال في شهر شوال سنة (1207 هـ) حاصله:

" ما الراجح عندكم فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه غدا - إن شاء الله - وحلف بالله ليقضينه غدا - إن شاء الله - ولم [يقضه](2).

فهل يقع الطلاق، ويحنث في يمينه، أم يكون التعليق بالمشيئة مقتضيا لمنع الكلام عن النفوذ، أم يكون التعليق بالمشيئة مرادا به مشيئة القسر والإلجاء، فمتى لم يقع لم يحنث، أم المراد بالتعليق بالمشيئة التسهيل من الله للأسباب ودفع العوائق، أم التعليق بذلك جار مجرى التعليق بسائر الشروط؟ فإن كان الأمر الذي تعلق به مما يعلم أن الله يريده ويشاؤه لزمه حكم الطلاق والحنث، وإلا فلا، فما هو الحق؟ وما الدليل على كل قول من هذه الأقوال؟ اهـ.

(1) زيادة من المخطوط (ب).

(2)

في (ب): (يقض).

ص: 3447

فأجبت بما لفظه:

اعلم أن كلام أهل المذهب في كتبهم (1) الفروعية بأن الطلاق واليمين يتقيدان بالمشيئة الإلهية، ويعتبر ما يظهر للبشر من إرادته تعالى في مجلس الطلاق أو اليمين على حسب التفاصيل المذكورة في كتب الفقه.

وفي مسألة التعليق بالمشيئة كلام طويل الذيول، وخلاف منتشر قد أشار السائل إلى طرف منه، فلنقتصر على بيان حجج ما ذكره السائل من الأقوال، فنقول:

أما من قال: إن التعليق بالمشيئة يقتضي منع الكلام عن النفوذ فلا يقع طلاق ولا عتاق، فدليله عدم إمكان الوقوف على المشيئة الإلهية على التحقيق، فيتعين البقاء على الأصل حتى تظهر حقيقة الأمر، وهي لا تظهر إلا بإخبار الله لنا عن ذلك، وإخباره لنا لا يكون إلا على لسان نبي أو ملك، وذلك ممتنع بعد انسداد باب النبوة، ويدل أيضًا على عدم لزوم اليمين المعلقة بمشيئة الله على الخصوص ما أخرجه الأربعة (2)، وابن حبان (3) وصححه، من حديث ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، فقد استثنى "(4) وفي رواية (5): " من حلف على يمين فاستثنى، فإن، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك غير حنث ".

ولفظ الترمذي (6): " من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه ".

وأخرج ..........................................................................

(1) انظر " البحر الزخار "(3/ 199) و" الأزهار "(2/ 373 مع " السيل الجرار ").

(2)

أخرجه الترمذي رقم (1542) وابن ماجه رقم (2104) والنسائي رقم (3855).

(3)

في صحيحه (10/ 183 رقم 4341).

(4)

عند النسائي في السنن (7/ 30).

(5)

من حديث أبي هريرة انظر التعليقة السابقة.

(6)

في السنن (1532).

ص: 3448

الترمذي (1) والنسائي (2) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " من حلف، فقال: إن شاء الله، لم يحنث ".

وأخرج أبو داود (3) من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" والله لأغزون قريشا، ثم سكت ن ثم قال: إن شاء الله، ثم لم يغزهم ".

فهذه الأحاديث تدل على أن اليمين المعلقة بمشيئة الله تعالى لا ينعقد، وإليه ذهب الجمهور (4)، وادعى القاضي أبو بكر ابن العربي (5) الإجماع على ذلك، فقال: أجمع المسلمون على أن قوله: إن شاء الله، يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا ".

وأما الاستثناء في الطلاق فذهب الجمهور (6) إلى أنه مانع منه، ومثله العتق والظهار، والنذر، والإقرار، ونحو ذلك.

وقال مالك (7) والأوزاعي: لا ينفع الاستثناء إلا في الحلف بالله دون غيره، واستقواه ابن العربي.

وذهب .................................................................

(1) في " السنن " رقم (1532).

(2)

في " السنن "(7/ 30).

(3)

في " السنن " رقم (3286) وهو حديث ضعيف.

وقال أبو داود: أنه قد أسنده غير واحد عن ابن عباس وقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 48) موصولا ومرسلا.

ويؤيد هذه الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3424 و6639) ومسلم رقم (23/ 1654) من حديث " أن سليمان بن داود قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة " الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله، لم يحنث.

(4)

انظر: " المغني "(10/ 473) و" المجموع للنووي "(18/ 293).

(5)

انظر " تحفة الأحوذي "(7/ 13).

(6)

انظر: " المغني "(10/ 472).

(7)

ذكره النووي في " المجموع "(18/ 293).

ص: 3449

أحمد (1): إلى أنه لا يمنع العتق، ويمنع غيره من الطلاق ونحوه، واحتج بما ورد في

(1) قال أحمد في رواية جماعة: فإن قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، طلقت زوجته، وكذلك العتاق. وهو قول طاوس، والحكم وأبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها، فلم يقع، كما لو علقه على مشيئة زيد.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، لم يحنث " رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وذكره ابن قدامة في " المغني "(10/ 472).

قال الشافعي: " لو قال: إن شاء الله، لم يقع، والاستثناء في الطلاق والعتق والنذور كما هو في الأيمان ".

" مختصر المزني "(ص 194)، " الحاوي الكبير "(13/ 132).

قال الماوردي: إذا علق طلاقه أو عتقه أو يمينه أو نذره أو إقراره بمشيئة الله تعالى، لم يلزمه شيء من ذلك، وكذلك جميع عقوده، وارتفع حكم الطلاق والعتق والأيمان والنذور والإقرار والعقود.

" الحاوي الكبير "(13/ 123).

وقال مالك: تقع بمشيئة الله حكم الأيمان بالله تعالى ولا يرتفع ما سوى الأيمان بالله من الطلاق والعتق والنذور والإقرار، وبه قال الزهري والليث بن سعد. "

المجموع " للنووي (18/ 293)، " الحاوي الكبير " (13/ 123).

قال الماوردي: في " الحاوي الكبير "(13/ 123): " .... فمشيئة الله ترفع حكم كل قول اتصل بها من طلاق وغيره، سواء تقدمت المشيئة أو تأخرت أو توسطت. فلو قال: أنت طالق إن شاء الله، أو: أنت إن شاء الله طالق، أو: إن شاء الله أنت طالق، فلا طلاق ".

قال ابن قدامة في " المغني "(10/ 472 - 473): ولنا ما روى أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله. فهي طالق. رواه أبو حفص بإسناده، وعن أبي بردة نحوه، وروى ابن عمر وأبو سعيد ن قالا: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في العتاق والطلاق، ذكره أبو الخطاب. وهذا نقل للإجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم فانتشر ولم يعلم له مخالف، فهو إجماع، ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق، فلم يصح، كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، ولأنه استثناء حكم في محل، فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح، ولأنه إزالة ملك، فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال: أبرأتك إن شاء الله، أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه، فأشبه تعليقه على المستحيلات، والحديث لا حجة لهم فيه، فإن الطلاق والعتاق إنشاء، وليس بيمين حقيقة، وإن سمي بذلك فمجاز، لا تترك الحقيقة من أجله، ثم إن الطلاق إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله، ومجرد قوله: أنت طالق. ليس بيمين حقيقة، ولا مجازا، فلم يمكن الاستثناء بعد يمين.

وقولهم علقه على مشيئة لا تعلم. قلنا: قد علمت مشيئة الله الطلاق بمباشرة الآدمي سببه. قال قتادة: قد شاء الله حين أذن أن يطلق ، ولو سلمنا أنها لم تعلم، لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه، فيكون كتعليقه على المستحيلات، يلغو، ويقع الطلاق في الحال.

ص: 3450

حديث مرفوع، من حديث ابن عباس عند البيهقي (1):" إذا قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، لم تطلق. وإن قال لعبده: أنت حر إن شاء الله، فإنه حر ".

قال البيهقي (2): تفرد به حميد بن مالك، وهو مجهول، واختلف عليه في إسناده، قال في " التلخيص " (3): وفي إسناده إسحاق ابن أبي يحيى الكعبي.

وقال الحسن (4)، وقتادة، وابن أبي ليلى: إن الاستثناء يمنع الجميع إلا الطلاق. قالوا: لأن الطلاق لا تحله الكفارة، وهي أغلظ على الحالف من النطق بالاستثناء، وقد عرفت ما ذهب إليه أهل المذهب في أول البحث.

وذهب المؤيد (5) بالله إلى أنه إذا قال: أنت طالق إن شاء الله، إن الطلاق يقع بكل

(1) في " السنن الكبرى "(7/ 360).

(2)

في " السنن الكبرى "(7/ 361).

(3)

(3/ 40).

(4)

ذكره الماوردي في " الحاوي الكبير "(13/ 124) وابن قدامة في " المغني "(10/ 472).

قال الماوردي في " الحاوي الكبير "(13/ 133): وأما الجواب عن استدلالهم، بأن الاستثناء بمشيئة الله كالكفارة في رفع اليمين بهما، فهو: أن الاستثناء رافع لليمين، والكفارة غير رافعة، لأن الاستثناء يمنع من انعقاد اليمين، والكفارة لا تجب إلا بالحنث بعد انعقاد اليمين، فافترقا.

وانظر " الفتح "(11/ 604).

(5)

انظر " ضوء النهار "(3/ 917).

ص: 3451

حال؛ لأن معناه إن بقاني الله وقتا أتمكن فيه من الطلاق.

ثم اعلم أن الطلاق المسؤول عنه خارج مخرج اليمين، بدليل اللام في قوله: ليقضينه. وقد اختلف فيه أهل العلم على فرض عدم تعليقه بمشيئة الله تعالى، فذهب جماعة من أهل العلم، منهم الظاهرية، وبعض المالكية في بعض الصور، وبعض الشافعية في بعضها أيضًا إلى أنه لا يلزم الطلاق. وإلى ذلك ذهبت الإمامية.

وقد روى عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد بن علي اليمني المعروف بابن بريدة في شرحه لأحكام عبد الحق عن علي (1) عليه السلام وشريح، وطاووس، أنه لا يلزم من حلف بالطلاق والعتاق والمشي وغير ذلك شيء، ولا يقضى بالطلاق على من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي عليه السلام مخالف في الصحابة ". انتهى.

وحكى ابن القيم في أعلام الموقعين (2)" عن عليه عليه السلام أنه أفتى الحالف بالطلاق أنه لا شيء عليه؛ قال: ولا يعلم له من الصحابة مخالف ". انتهى.

وروى عبد الرزاق (3) عن طاوس أنه قال: ليس الحلف بالطلاق شيئا.

وصح عن عكرمة (4) من رواية سنيد في تفسيره أنه من خطوات الشيطان، لا يلزم به شيء.

وصح عن ابن مسعود (5) وشريح أنه لا يلزم بها الطلاق، كما قال ابن القيم.

(1) انظر " أعلام الموقعين "(3/ 58)، " فتح الباري "(11/ 603).

(2)

(3/ 58 - 59).

(3)

ذكره ابن القيم في " أعلام الموقعين "(3/ 60).

(4)

انظر: أعلام الموقعين " (3/ 60).

وعزاه إليه الحافظ في " الفتح "(11/ 603).

(5)

ذكره ابن القيم في " أعلام الموقعين "(3/ 60).

وانظر: " فتح الباري "(11/ 603).

ص: 3452

في أعلام الموقعين (1) ما لفظه: " فصل:: ومن هذا الباب اليمين بالطلاق والعتاق، فإن إلزام الحالف بهما إذا حنث بطلاق زوجته وعتق عبده مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة، فلا يحفظ عن صحابي في صيغة القسم إلزام الطلاق أبدا ". انتهى.

إذا تقرر لك هذا علمت أن أرجح المذاهب وأولاها عدم وقوع الطلاق الخارج مخرج اليمين على فرض تجرده عن التعليق بالمشيئة من الله، وأما مع التعليق بها فعدم الوقوع أولى لما سلف، وكذلك يظهر لك عدم لزوم حكم اليمين المعلقة بمشيئة الله تعالى للأدلة المتقدمة، فهذه حجج القول الأول، أعني قول من قال: إن التعليق بالمشيئة يمنع الكلام من النفوذ (2).

وأما من قال: إن المشيئة المعلق بها هي مشيئة القسر والإلجاء، فإذا لم يقع ما حلف به لم يحنث، فاحتج بأن الله تعالى لو كان يشاء وقوع الطلاق أو اليمين لما منع عن وقوع

(1)(3/ 59).

(2)

قال الشوكاني في " السيل الجرار "(2/ 373 - 374): قد جاءت لسنة الصحيحة بأن التقيد بالمشيئة يوجب عدم وقوع ما علق بها، كمن حلف ليفعلن كذا إن شاء الله، فإنه لا يلزمه حكم اليمين في هذا أو غيره، فالمعلق للطلاق بالمشيئة: إن أراد هذا المعنى لم يقع من الطلاق، وإن أراد الطلاق إن كان الله سبحانه يشاؤه في تلك الحال، فإن كان ممسكا بها بالمعروف وهي مطيعة له فالله سبحانه لا يشاء طلاقها.

وإن كان غير ممسك بالمعروف فقد أراد الله سبحانه منه في تلك الحالة أن يسرحها بإحسان كما قال في كتابه العزيز، فمراده هو ما في كتابه من التخيير بين الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان.

وإن أراد ما يريده غالب الناس من لفظ التقييد بالمشيئة، فإنهم يريدون تأكيد وقوع ما قيدوه بها في الإثبات وتأكيد عدم وقوع ما قيدوه بها في النفي - وقع الطلاق المقيد بالمشيئة لأنه قد أراد به الفرقة بعبارة مؤكدة.

وقال الحافظ في " الفتح "(11/ 603): واتفقوا على ن من قال: لا أفعل كذا إن شاء الله، إذا قصد التبرك فقط ففعل، يحنث، وإن قصد الاستثناء فلا حنث عليه.

ص: 3453

مشيئته مانع، فيلجأ المكلف إلى فعل سبب الطلاق والعتاق، فمهما لم يفعل الحالف السبب يعرف أن الله لا يشاء الوقوع، ولكن التخصيص بمشيئة القسر والإلجاء غير ظاهر، ويلزم منه حمل ما أطلق من مشيئته تعالى على ذلك، وهو باطل عقلا ونقلا.

وأما من قال: إن التعليق بالمشيئة بمنزلة إرادة تسهيل الأسباب، ودفع العوائق، فحجته أن الله إذا كان مريدا للسبب يسره للعبد وسهله، وأزال الموانع، فإذا لم يحصل التسهيل والتيسير، وحالت دون السبب الموانع تبين أن الله لا يشاء ذلك الأمر المعلق بالمشيئة، وهذا يؤول إلى المذهب الذي قبله، وفيه ما فيه. نعم، إن أراد الحالف بالتقييد بالمشيئة هذا المعنى، أعني التسهيل عند التلفظ بها كان له وجه، وأما إذا أراد نفس المشيئة، واستدل بالتيسير والتعسير على الحصول وعدمه، فبعيد جدا.

وأما قول من قال: إنه يعتبر في المشيئة وعدمها العلم بأن الله يريد ذلك أو لا يريده، فقال: يعرف ذلك بأدلة أخرى، مثلا إذا كان طلاق زوجته (1) محظورا أو مكروها، فالله جل جلاله لا يريد طلاقها، وإن كان واجبا أو مندوبا فالله جل جلاله يريد ذلك، وكذلك اليمين على فعل أمر أو تركه، إن كان الله مثلا مريدا لحصول ذلك الأمر، كأن يكون خيرا، وقعت اليمين على الفعل، ولم تقع على الترك، وإن كان شرا لم تقع

(1) قال الحافظ في " الفتح "(9/ 346): الطلاق في اللغة حل الوثاق، مشتق من الإطلاق، وهو الإرسال والترك، وفلان طلق اليد بالخير، أي كثير البذل. وفي الشرع: حل عقدة التزويج فقط، وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي. قال إمام الحرمين: هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره.

ثم الطلاق قد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مندوبا أو جائزا.

أما الأول: ففيما إذا كان بدعيا، وله صور.

وأما الثاني: ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال.

وأما الثالث: ففي صور، منها: الشقاق، إذا رأى ذلك الحكمان.

وأما الرابع: ففيما إذا كانت غير عفيفة.

وأما الخامس: فنفاه النووي، وصوره غيره إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع.

ص: 3454

على الفعل، وتقع على الترك. فهذا وإن كان أقوى من المذهبين اللذين قبله لكنه مرجوح باعتبار المذهب الذي سردنا أدلته لما قدمنا من الأحاديث المصرحة بأن اليمين إذا علقت بالمشيئة لم يكن لها حكم من الأصل؛ وهي أخص مطلقا من الأدلة القاضية بلزوم حكم الأيمان، فيبنى العام على الخاص. وأيضا نرد على هذا المذهب الأخير، أنا لو سلمنا إمكان الاستدلال على مشيئة الله تعالى فيما كان فعله راجحا كالواجب والمندوب، وما كان فعله مرجوحا كالمحظور والمكروه، لم يمكن معرفة المشيئة في المستوي، كالمباح، وكذلك الملتبس لأمر من الأمور، كتعارض الأدلة ونحوها، لا يقال: قد وقع الطلاق المشروط فيلزم وقوع الطلاق الخارج مخرج اليمين، لأنا نقول:

أولاً: في وقوع الطلاق (1) المشروط نزاع طويل بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء.

وثانيًا: إنه إنما وقع المشروط عند من قال به؛ لأن الشرط قيد للجزاء، والطلاق الخارج مخرج اليمين ليس كذلك، فإنه ليس قيدا لحكم جوابه، بل هو مؤكد له، فلو وقع لوقع قبل الجواب، لأنه مطلق لا مقيد، وكذا جوابه ليس قيدا له، بدليل وجوب الكفارة عند انتفاء جوابه.

وثالثًا: إن قياس الطلاق الخارج مخرج اليمين على الطلاق المشروط (2) بعد تسليم

(1) انظر الرسالة رقم (105) من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني هذا.

(2)

قال الماوردي في " الحاوي الكبير "(13/ 133): وأما الجواب عن قياسهم على تعليق طلاقها بصعود السماء، فهو: أن أصحابنا قد اختلفوا في وقوعه على وجهين:

أحدهما: لا يقع، لأنه مقيد بشرط لم يوجد، فأشبه غيره من الشروط التي توجد، ألا تراه لو قال: أنت طالق إن شاء زيد، وزيد ميت، لم تطلق، وإن كان مقيدا بشرط لم يوجد، فعلى هذا يبطل الاستدلال به.

الوجه الثاني: أن الطلاق يقع والشرط يلغى لاستحالته، وأنه في الكلام لغو وليست مشيئة الله مستحيل، ولا الكلام بها لغو، بل قد أمر الله تعالى بها وندب إليها، بقوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24].

ص: 3455

صحة القياس قياس في مقابلة النهي الصحيح عن الحلف بغير الله (1)، فهو فاسد الاعتبار؛ لأن المنهي عنه لا ينعقد. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، وإن كان المقام مقام بسط طويل.

كتبه: محمد علي الشوكاني، غفر الله لهما.

(1) منها: ما أخرجه البخاري رقم (6108) ومسلم رقم (3/ 1646) من حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت ".

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (4/ 1646): " ومن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله ".

وأخرج أبو داود رقم (3251) والترمذي رقم (1535) وقال: حديث حسن من حديث سعد بن عبيدة عن ابن عمر " من حلف بغير الله فقد كفر ".

وانظر: " المغني "(10/ 473)، " الحاوي "(13/ 134).

ص: 3456