المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

تأليف

محمد بن على الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3631

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الهادي إلى أوضح السبل والطرائق، الدال على أبين المسالك الحق ببعثه نبيه الصادق، الجاعل الرجا إلى رحمته ومعروفه أحسن قائد إلى رضاه وأشرف سائق، والصلاة والسلام على المبعوث بالحنيفية السمحة إلى كافة الخلائق، الرابح من وثق بالالتزام بهديه أطيب المكاسب والعلائق، وعلى آله الخيار من الأمة السالكين كل منهج صحيح لا فساد فيه جادته ولا ظلمة، ورضي الله عن حبه الأماثل الفارقين بمواضي حدادهم بين الحق والباطل.

وبعد:

فإن الباعث على تحرير هذه السطور، والجالب إلى إيراد المواد في هذا المزبور، واختلاف أنظار العلماء الأعلام في مسألة البيع مع الالتزام، فطالما خاض في قعرها كل محقق ماهر، وتهافت إلى الوقوع في زاجرها كل مقلد قاصر، حتى صارت في مدينة صبيا (1) وبواديها، ومدينة أبي عريش (2) وهجرة ..........................................................

(1) صبيا: بلدة عامرة في المخلاف السليماني، ورد ذكرها في (صفة جزيرة العرب) عند ذكر مدن اليمن التهامية. فقال الهمداني: وفى بلد حكم قرى كثيرة يقال لها المخاوف وصبيا، ثم بيش ".

وذكرها ياقوت الحموي في " معجم البلدان " بقوله: " صبيا من قرى عثر من ناحية اليمن ".

تقع في الشمال من جازان بنحو 65 كم، كما يقع في الشمال الشرقي منها جبل عكوة القريب من بلدة الزائب. بلدة الشاعر المؤرخ عمارة بن على اليمني الحكمي المذحجي.

انظر: " هجر العلم ومعاقله: (3/ 1154 رقم 251).

(2)

بلدة عامرة مشهورة في المخلاف السليماني في الشرق من رفأ جيزان وتبعد عنه بنحو 35 كم تقريبا.

ورد لها ذكر في " إنباء الزمن " في أخبار سنة 599 هـ في النص التالي (ووصل إليه أي الإمام عبد الله بن حمزة - هذه الأيام صاحب صبيا وأبي عريش الأمير المؤيد السليماني في تسعين فارسا

".

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه " إنباء الغمر بأنباء العمر " أبو غريش وضبطه بالتصغير والتشديد والشهور أنه مكبر ومخفف.

انظر: هجر العلم ومعاقله (3/ 1423 - 1424).

ص: 3637

ضمد (1) من أعظم ما تعم به البلوى، ومن أقوى سبب لاستهلاك أموال أهل الأسباب، الناشئ عن الحيل من القاصرين في الفتوى، وكيفية المسألة المذكورة أنه يأتي البائع الأزمان ودون الثمن في النادر، إذا كانت تلك الجهة خصبة، أو نحو ذلك، فيبيع منه الأرض المذكورة بالثمن المذكور، ثم بعد ذلك يلتزم المشتري للبائع بالفسخ مدة معلومة، إن وفر فيها مثل الثمن فسخ له. وهذا الالتزام قد كان يواظب عليه، ثم هذا الصنع قد صار معروفا عندهم، مشهورا عند العامة والخاصة، ويطلقون عليه اصطلاحا أنه الرهن المرفع، وتارة بيع الأجل، وحينا بيع الالتزام، وعند قيام النزاع يجتمعون على تسمية بيع رجا؛ وهو المعبر به في مجالس الحكام، والمترجم عنه بكل خصام، فإذا مضت تلك المدة المضروبة للفسخ، ولما يوفر البائع الثمن بقى يتربص الحيل، ويتطلب الفتاوى في بيع الأجل. والناس فريقان: فريق متى يحصل له الثمر بعد المدة طالب المشترى برد المبيع.

وفريق يلبث مدة يقدر فيها أن المشتري قد حصل من الثمار ما يقوم بالثمن، فيطالب المشتري، ويدعي عليه عند آحاد الحكام، أنه باع أرضه بدون ثمنها رغبة في الالتزام لما باعها بدون ذلك، ويورد على ذلك شهودا، وبعد ذلك يبادر الحاكم إلى الحكم ببطلان البيع، ويلزم المشترى قبول الثمن إن لم يكن قد استعد، وإن كان قد استعد

(1) بلدة غامرة مشهورة في وادي ضمد الذي سميت باسمه - أي ضمد بن يزيد بن الحارث بن علة بن جلد ابن مدحج.

تقع في الشمال الشرقي من جيزان حاضرة المخلاف السليماني اليوم وقد طغى على البلدة القديمة مبان حديثة اتسعت على ما كانت عليه وقيل: ضمد وصداد بلدان من مدحج.

قال ياقوت الحموي في " معجم البلدان: " الضمد: موقع بناحية اليمن، بين اليمن ومكة على الطريق التهامي ".

انظر: " النهاية " لابن كثير (3/ 99)، هجر العلم ومعاقله " (3/ 1210 - 1211).

ص: 3638

حسبت عليه الغلال، وقطع له منه قدر الثمن، وما فضل سلمه إلى البائع، ويتصرف المشتري لاثمنا ولا أرضا، أو يتصرف بالثمن بعد أن عانا (1) في تسليمه يوم البيع، وباع من سلعة الغالي بالداني، لاكتساب الأرض، ولولا طرو هذا اليوم لما باع سلعة بالرخص وسلم أثمانها، وإذا هو ممدوح من البائع، مغشوش غشا ظاهرا إذا دخل عليه الغبن والمحاسدة في السلعة التي كان باعها.

وإذا سئل الحاكم عن الموجب للحكم في هذا الأمر، بهذه الصفة يقول: قال في شرح الأثمار (2): مسألة: ولا يصح، ولا يجوز بيع الرجا؛ إذ هو يتوصل به إلى تحليل الربا المحرم، لأن المشتري لا يشتري بدون الثمن للغلة، ولا يجعل مقابضة نقص الثمر إلا هذه المدة المضروبة هو مضمر للربا، والمضمر في باب الربا كالمظهر، هكذا لفظه أو معناه، فيقال له من أين عرفت أن المشتري لا يريد إلا محض الغلة؟ فيقول: عرفناه من حال الناس ومحبتهم لإدخال الكسب من أي وجه، فيقال له: إرادته لمحض الغلة من أين دخولها في الربا؛ إذ الغلة لم تكن موجودة حال البيع حتى أنه شملها عقد البيع، بل هذا باع أرضه خالية من الثمار، وما تحصل الثمرة إلا وقد ملكها المشتري؟.

فإن قال: لم يشتر إلا قاصدا للغلة، ولم يقابل الغلة شيء من الثمن.

نقول: أما مقابلة ففيه ما قدمنا من أنه لم يشملها البيع لعدم وجوده حاله، وأما قصد الغلة فإن أردت مطلق الغلة فمنقوص بما هو معلوم عند المشترين في جميع البلدان، في كل الأعصار، لكل الأعيان أنه يشتري العين إلا لأجل الغلة، وهي معظم المقصود، على أن عدم صلاحية الأرض للاستغلال عيب موجب فسخ المبيع ورده.

فإذا تقرر هذا علمت أن اللغة هي المقصود الأهم، ولا قائل بعدم صحة مطلق البيع مع إرادة مطلق الغلة، وإن أردت الغلة الحاصلة في مدة الالتزام فنقول: لا يخلو إما أن

(1) غير واضح في المخطوط.

(2)

انظر " مؤلفات الزيدية "(2/ 127 - 128) وقد تقدم.

ص: 3639

يكون البيع يختار، فالفوائد له استقر له الملك من بائع، أو مشتر وإن كان بالتزام بالإقالة (1) فيجري فيه أحكام الإقالة من أن الفوائد للمشتري، ويبقى للصلاح بلا أجرة كما هو معروف؛ إذ المقيد إنما هو منفصل بإرجاع المبيع وهذا مثله.

فإن قلت: المشتري هنا بدون الثمن قاصد للتوصل إلى الغلة.

نقول: والمشتري بالثمن الوافي قاصد التوصل إلى الغلة، فما هو الفرق؟.

فإن قلت: الفارق نقصان الثمن.

قلت: فأنت تجعل نقصان الثمن إنما هو مقابل للمدة فهو أجنبي عن قصد الغلة، فحينئذ لا تقوم لك حجة وكون المبيع وقع بدون الثمن لا يقدح في صحته؛ إذ هو صادق عليه وصف التراضي (2)، فهذا البيع وقع بتراض، وما وقع بتراض صحيح، فهذا البيع صحيح. أما الصغرى فالمشاهدة، وأما الكبرى فنص الكتاب، ثم المدة التي تفضل بها المشتري على البائع، هي جاريه مجري التفضل والإحسان ربما يثاب عليها؛ إذ هو التزم بالإقالة، والإقالة محصلة للثواب، بل ربما يصرح بالإقالة، بل هو الواقع أنه يصرح بلفظ القبح والإقالة مشروطا بتوفر الثمن، فالالتزام بهذه الصفة إقالة، والإقالة محصلة للثواب (3)،

(1) أقاله: أي وافقه على نقض البيع وأجابه إليه.

يقال: أقاله يقيله إقالة، وتقايلا إذا فسخا البيع، وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري، إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما، وتكون الإقالة في البيع والعهد. "

النهاية " (4/ 134).

(2)

قال تعالى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29].

(3)

أخرج أحمد في " زوائد المسند "(2/ 252) وأبو داود رقم (3460) وابن ماجه رقم (2199) والحاكم (2/ 45) والبيهقي (6/ 27) وأبو نعيم في " الحلية "(6/ 345) وابن حبان رقم (1103، 1104 - موارد).

من حديث أبي هريرة بلفظ: " من أقال مسلما أقاله الله عثرته " وفى لفظ: " من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته " وعند بعضهم: " من أقال مسلما عثرته أقاله الله يوم القيامة ".

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

ص: 3640

فالالتزام بهذه الصفة محصل للثواب.

أما الأولى فلما عرف أن الإقالة هي عين الفسخ.

وأما الثانية فبالدليل النبوي، ثم يقال له: هل البيع هذا صحيح، أم باطل، أم فاسد؟ فتقول باطل. فتقول: لما عرفت ذلك فإنه سيرنا أقسام الباطل التي هي فقد ذكر الثمن، أو المبيع، أو اختلال العاقد، أو صحة التملك، فوجدناها مفقودة في هذا البيع، ثم أقسام الفاسد فوجدناها مفقودة ثم أقسام الصحيح، من صدور الإيجاب والقبول من مكلف، ومختار، مطلق التصرف، وقبول غيره مثله.

والمبيع موجود في ملك البائع جائز البيع، والثمن بغير معلوم، فوجدناها موجودة في هذا البيع، فما بقى بعد هذا التقسيم إلا أن يحكم عليه بالصحة.

فنقول: هذا البيع موجود فيه أقسام الصحيح (1)، والموجود فيه أقسام الصحيح صحيح، فهذا البيع صحيح. أما الأولى فالتتبع، وأما الكبرى فضرورة الملازمة.

وحينا نقول: هذه المسألة خرجها شارح الأثمار (2) على أصل الإمام شرف الدين (3) في تحريم بيع الشيء بأكثر من سعر لأجل النسا.

فنقول: وجدنا النص للإمام شرف الدين بجواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه، فبطل ما تمسكت به، وإن سلم ذلك فالإمام شرف الدين محجوج بالأدلة الراجحة، والبراهين الواضحة على جواز ذلك وحله.

ثم إن هذه المسألة قد صارت بالديار التهامية من أقوى الحيل المستهلك بها المال، وتهافت فيها الحكام، ورأوا أن الحكم فيها من أوضح

(1) انظر " المغني "(6/ 7 - 30).

(2)

تقدم تعريفه.

(3)

شرف الدين بن شمس الدين ابن الإمام المهدي أحمد بن يحيى وله اسمان شرف الدين وهو الذي اشتهر به، والآخر يحيى ولم يشتهر به. ولد سنة 877 هـ بحصن حضور.

من مصنفاته: كتاب الأثمار اختصر فيه " الأزهار " كتاب جده توفى سنة 965هـ.

انظر: " البدر الطالع " رقم (195).

ص: 3641

الأمور، وقد ساوت قطعي الدلالة في الأقيسة إليها، ولا عاد التفات إلى التأني والنظر، هل المشتري قاصد محض التوصل إلى الغلة على فرض صحته أم لا؟ بل يمنع صدور الحكم من الحاكم إلا عدم ورود الشهود، فإنه دون الثمن ولم يكن من حكام المخلاف من يتورع عن هذا الحكم بهذه المسألة، وعن الجزم فيها، إلا حفظه الله، وبارك في علومه.

على أنى ممن يتعاطى فصل الأقضية بين الناس، ولبثت مدة من جملة هؤلاء المذكورين مقلدا لذلك القول المريض، ومعولا على ذلك الأستاذ المهيص (1)، وكنت في سنة 1205 هداني الله إلى تحرير بحث في الرد على هذا المقال، والاتباع لهدي سيد الرجال، لكن لم أجد من ينصر ذلك المقال، ويشد أزره بما تشد إليه الرحال، ثم اعتراني طرق الترحال من تلك الأوطان، وتعاورت على العزمات إلى نائي البلدان، فأضربت صفحا عن توجيه الهمة إلى تكميل ذلك البحث، وإظهاره على النقاد، ليرى السمن منه والغث إلا مدارة كثرة دوران هذه المسألة، بعثني على تحرير هذه المذاكرة، بها إلى علامة المعقول والمنقول، القائم بما جاء به الكتاب، وهدي الرسول شيخ الإسلام، وقدوة العلماء الأعلام، الحقيق بما مدحه به بعض أفاضل الأنام:

علامة المعقول والمنقول من

حكمت له العليا على أترابه

فذ الزمان تؤم المجد الذي

ساد الأكابر في أوان شبابه

بدر الهدى النظار سله مقبلا

كفيه ملتمسا لرد جوابه

العالم الرباني محمد بن على الشوكاني الصنعاني، فيوضح في تحقيق هذه المسألة السبيل، وينقح صحتها أو بطلانها بواضح الدليل، فلعل الله أن يهدي به من

(1) المهيص: هاص يهيص هيصا إذا رمى.

قال: مهايص جمع مهيص: الهيص العنق بالشيء، والهيص رق العنق.

" لسان العرب "(15/ 179).

ص: 3642

عكف على هذا الأمر من أولئك الجيل، وقد آلينا - إن شاء الله - على بثها بالديار على العلماء الأعلام النظار، ليقع منهم - إن شاء الله - ما هو الحق في المسألة، ويقتضي بهم من هو عالة عليهم في كل معضلة، والله يوفق الجميع إلى رضاه آمين آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

حرر يوم الخميس، لعله أول يوم من شهر صفر الخير سنة 1209 بمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله تعالى آمين آمين.

كتبه عبد الرحمن بن أحمد البهكلي (1) سامحه الله تعالى.

(1) عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن على البهكلي الضمدي ثم الصبياني التهامي اليماني. مولده سنة 1182 هـ بمدينة صبيا وأخذ عن والده في المختصرات وغيرها، وأخذ عن القاضي أحمد بن عبد الله الضمدي حتى برع في الفقه والنحو والأصول ورحل إلى صنعاء سنة 1202 هـ.

له مصنفات منها: " الثقات بمعرفة طبقات رجال الأمهات ".

" الأفاويق بتراجم البخاري والتعاليق ".

توفي سنة 1248 هـ.

" نيل الوطر "(2/ 23 - 24)، " البدر الطالع " رقم (224).

ص: 3643

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يرجى على لحل كل معضلة سواه، ولا ينفتح باب كل مشكلة إلا لمستمسك بهداه وتقواه، الجاعل كتابه الكريم، وسنة حبيبه الرسول الفخيم ملجأ يعتصم به من مخاوف الخلاف، وملاذا يهرب إليه من موقبات التفرق التي قل في مثلها الائتلاف. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وأصحابه أجمعين الذين هم المعيار القويم، والصراط المستقيم عند اختلاف المختلفين.

وبعد:

فإنه وصل هذا السؤال الذي هو في الحقيقة إفادة لا استفادة في بيع الرجا من الأخ القاضي العلامة النحرير، المحقق الكبير الشهير، وجيه الإسلام، حسنة الأيام، عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين (1) - لا برحت فوائده - مدونة بمجاميع الأعلام، على مر الزمن وقد تكلم عليه - كثر الله علومه - بما يشفي وما يكفي، ولكنه مد الله مدته، وحرس مهجته، سأل من أخيه القاصر أن يتكلم بما لديه على جهة الاستقلال، وطلب منه أن يحرر ما يراه، ويلوح له غير ملتفت إلى قيل وقال.

فأقول وبالله أعتصم، وعليه أتوكل؛ فليس إلا عليه في جميع الأمور المعول: اعلم أنه لم يكن في كتاب الله العزيز شرط لمطلق البيع المشروط إلا مجرد الرضى، قال الله تعالى:{تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (2)، وقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (3)، فإذا حمل المطلق على المقيد (4)، أفاد أن الرضى بمجرد مستقل بصحة انتقال الملك، ومثل هذا حديث: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من

(1) تقدمت ترجمته.

(2)

[النساء: 29].

(3)

[البقرة: 275].

(4)

انظر " إرشاد الفحول "(ص542 - 544).

ص: 3644

نفسه " (1)؛ فإنه ظاهر في استقلال طيبة النفس بحل المالين للمتابعين، والرضي والطيبة متحدان صدقا، وأن اختلف مفهوما. ولم نجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على اعتبار أمر زائد على ذلك، بل فيها ما هو في الحقيقة مؤيد لذلك الاستقلال، كالأحاديث الواردة في النهي عن بيع الغرر (2)، وعن بيع ...............................

(1) وهو حديث صحيح.

* أخرجه أحمد (5/ 72) والبيهقي (6/ 100) والدارقطني (3/ 26 رقم 90) من حديث أبي حرة.

وعزاه الهيثمي في " المجمع "(4/ 172) إلى أبي يعلى وقال: " أبو حرة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين ".

وقال الألباني في " الإرواء "(5/ 279) واعتمد الحافظ في " التقريب " الأول، فقال ثقة لكن العلة من الراوي عنه: علي بن يزيد، وهو ابن جدعان، وهو ضعيف إلا أنه يستشهد به ويقوي حديثه بما بعده ".

* وأخرجه أحمد (5/ 425) والبيهقي (6/ 100) وابن حبان (رقم 1166 - موارد) والطحاوي في " مشكل الآثار "(4/ 41 - 42) من حديث أبي حميد.

وعزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد "(2/ 171) إلى أحمد والبزار، وقال: رجال الجميع رجال الصحيح وقال الألباني في " الإرواء "(5/ 280) متعقبا على الهيثمي: " كذا قال: وعبد الرحمن بن سعيد ليس من رجال الصحيح، وإنما أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " ويحتمل أن يكون إسناد البزار كإسناد البيهقي، أعني وقع فيه عبد الرحمن بن سعد، وهو ابن أبي سعيد الخدري، فإنه ثقة من رجال مسلم، فتوهم أنه عند أحمد كذلك ". اهـ. * وأخرجه احمد (3/ 423) و (5/ 113) والبيهقي (6/ 97) والدارقطني (3/ 25 رقم 89) والطحاوي في " مشكل الآثار "(4/ 42) وعزاه الهيثمي في " المجمع "(4/ 171) إلى أحمد وابنه من زياداته أيضًا والطبراني في " الكبير " و" الأوسط ". وقال: رجال أحمد ثقات " من حديث عمرو بن يثربي. وفى الباب عن ابن عباس، وأنس بن مالك.

(2)

منها ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (4/ 1513) والترمذي رقم (1230) والنسائي رقم (4518) وابن ماجه رقم (2194) وأبو داود رقم (3376) عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر ".

انظر الرسالة رقم (110).

ص: 3645

الحصاة (1)، وعن بيع (2) الحبلة، وعن بيع ما في ضروع الأنعام (3)، وعن شراء العبد الآبق (4)، وعن شراء المغانم حتى تقسم (5) وعن بيع الثمر حتى يطعم (6)، وعن بيع

(1) انظر التعليقة السابقة.

بيع الحصاة، اختلف في تفسير بيع الحصاة، قيل: هو أن يقول: ارم بهذه الحصاة فعلى أي ثوب وقع فهو لك بدرهم، وقيل: هو أن يقول: أرضه قدر ما انتهيت إليه رمية الحصاة.

وقيل: هو أن يقبض على كف من حصاة ويقول: لي بعدد ما خرج في القبضة من الشيء المبيع، أو يبيعه سلعه يقبض على كف من حصا ويقول: لي بكل حصاة درهم.

انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (10/ 156).

(2)

منها ما أخرجه البخاري رقم (2143) وأطرافه رقم (2256، 3843) ومسلم في صحيحه رقم (1514) والترمذي رقم (1229) وابن ماجه رقم (2197) وأحمد (1/ 56) و (2/ 5، 63، 108) والحميدي (2/ 303رقم 689) ومالك (2/ 653 رقم 62).

من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يبتاعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها ". وهو حديث صحيح.

وانظر: " فتح الباري "(4/ 357).

(3)

وهو حديث ضعيف.

أخرجه أحمد (3/ 42) والبيهقي (5/ 338) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص ".

وأخرجه ابن ماجه رقم (2169) والدارقطني (3/ 15 رقم 44) وقال البيهقي في سنته (5/ 338): " وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهى عنه الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

وهو حديث ضعيف.

أخرجه أحمد (3/ 42) والبيهقي (5/ 338) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص ".

وأخرجه ابن ماجه رقم (2169) والدارقطني (3/ 15 رقم 44) وقال البيهقي في سنته (5/ 338): " وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهى عنه الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

ورد النهي عن بيع المغانم حتى تقسم من حديث ابن عباس عند النسائي رقم (4645) وهو حديث صحيح.

(6)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2194) ومسلم رقم (49/ 1534) من حديث ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار صلاحها نهى البائع والمبتاع ".

ص: 3646

الصوف على الظهر (1) والسمن في اللبن (2)، والملامسة (3)، والمنابذة (4)، والمحاقلة (5)، وبيع الثمار قبل بدو صلاحها (6)، والمحاضرة (7)، ....................................

(1) وقد ورد النهي عن بيع الثمر حتى يطعم والصوف على الظهر، واللبن في الضرع، والسمن في اللبن من حديث ابن عباس.

أخرجه الدارقطني (3/ 14 رقم 42) وقال الدارقطني: وأرسله وكيع عن عمر بن فروخ، ثم أخرجه وكيع، عن عمر بن فروخ به مرسلا. لم يذكر ابن عباس.

(2)

وقد ورد النهي عن بيع الثمر حتى يطعم والصوف على الظهر، واللبن في الضرع، والسمن في اللبن من حديث ابن عباس.

أخرجه الدارقطني (3/ 14 رقم 42) وقال الدارقطني: وأرسله وكيع عن عمر بن فروخ، ثم أخرجه وكيع، عن عمر بن فروخ به مرسلا. لم يذكر ابن عباس.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2144) ومسلم رقم (3/ 1512) عن أبي سعيد قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة في البيع ".

وأخرجه مالك في " الموطأ "(2/ 666 رقم 76) من حديث أبي هريرة.

الملامسة: أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، ولا يتبين ما فيه أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه.

وقيل الملامسة لمس ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار ولا يقبله.

المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير راض ولا تراض.

انظر: " فتح الباري "(4/ 358).

(4)

انظر التعليقة السابقة.

(5)

أخرج أبو داود رقم (3404و3405) والترمذي رقم (1290، 1313) والنسائي رقم (3879، 3880) وابن ماجه رقم (2266) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المحاقلة والمزابنة، والمخابرة. وعن الثنيا إلا أن تعلم " وهو حديث صحيح.

وأخرجه البخاري رقم (2381) وليس فيه الثنيا.

وأخرجه أحمد (3/ 360) ومسلم رقم (1536).

المحاقلة: فسرها جابر بأنها بيع الرجل من الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة.

الفرق = 8.235 كغ.

أخرجه الشافعي في مسنده (1/ 311رقم 209).

وقال أبو عبيد في " غريب الحديث "(1/ 229 - 230) المحاقلة بيع الطعام في سنبله.

وانظر: " فتح الباري "(4/ 404).

(6)

تقدم آنفا. وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2207) من حديث أنس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزاينة ".

المخاضرة: بيع الثمار قبل أن تطعم وبيع الزرع قبل أن يشتد ويفرك ويصفر.

وقيل: المخاضرة: بيع الثمار خضرا لم يبد صلاحها.

" النهاية "(2/ 41)، " فتح الباري "(4/ 404).

ص: 3647

والثنيا (1)، ألا تعلم، وبيعتين في بيعة (2)، ونحو ذلك. فإن النهي عن بيع هذه الأمور إنما هو لعدم وجود الرضى المحقق في الحال، أو في المال، لما فيها من الغرر الذي لا يمكن مع وجوده ذلك المناط الذي اعتبره القرآن والسنة، ومنها ما هو لعروض مانع شرعي يصير وجود ذلك المقتضي عند وجوده غير مؤثر في الصحة التي هي الأصل في ثبوت آثاره المترتبه عليه، كما هو شأن كل مانع، وذلك كالنهي عن بيع الخمر والميتة، والدم والخنزير والأصنام (3)، وثمن الكلب (4)، .....................................................

(1) تقدم ذكر الحديث آنفا. وهو حديث صحيح.

الثنيا: هي أن يستثني في عقد البيع شيئا مجهول فيفسد، وقيل هو أن يباع شيء جزافا فلا يجوز أن يستثنى منه شيء قل أو كثر، وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثني بعد النصف أو الثلث كيل معلوم.

" النهاية "(1/ 224).

(2)

أخرج أحمد في " المسند "(2/ 432، 475، 503) والنسائي في سنته رقم (4623) والترمذي رقم (1231) وقال: حديث حسن صحيح. وابن حبان في صحيحه رقم (4973) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ". وهو حديث حسن.

وأخرج أبو داود رقم (3461) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا " وهو حديث حسن.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2236) وطرفاه (4296، 4633) ومسلم رقم (7/ 1581) وأحمد (3/ 324، 326) وأبو داود رقم (4386) والترمذي رقم (1297) وقال حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 309، 310) وابن ماجه رقم (2176).

عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ".

(4)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2237) ومسلم رقم (39/ 1567) وأبو داود رقم (3481) والترمذي رقم (1276) وقال: حسن صحيح والنسائي (7/ 309) وابن ماجه رقم (2159) وأحمد (4/ 118، 119، 120) من حديث أبي مسعود قال: " نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن الكلب ".

ص: 3648

والسنور (1)، وبيع فضل الماء (2)، وثمن عسب الفحل (3) وبيع العربان (4)، وبيع ما لا يملك (5)

(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1569) وأبو داود رقم (3479) والترمذي رقم (1279) وابن ماجه رقم (2161) من حديث جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور " وهو حديث صحيح.

(2)

أخرج أحمد (4/ 138) و (3/ 417) وأبو داود رقم (3478) والنسائي (7/ 307رقم 4662) والترمذي رقم (1271) وقال حديث حسن صحيح من حديث إياس بن عبد: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء ". وهو حديث صحيح.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2284) وأبو داود رقم (3429) والترمذي رقم (1273) والنسائي رقم (4671).

عن ابن عمر رضي الله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل ".

(4)

عن عمرو بن شعيب قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان ".

أخرجه مالك في " الموطأ "(2/ 609رقم 1) من رواية يحيى بن يحيى، ورواية أبي مصعب الزهري (2/ 305رقم 2470) وفى كليهما: " عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب

".

وكذا رواية إسحاق بن عيسى عند أحمد (2/ 183).

والبلاغ إنما هو من رواية عبد الله بن مسلمة - قال مالك، قال: بلغني عن عمرو بن شعيب به.

أخرجه أبو داود رقم (3502). وأخرجه ابن ماجه رقم (2192) ، (3193) وهو حديث ضعيف.

انظر: " تلخيص الحبير "(3/ 17 رقم 1173). وبيع العربان فسره مالك في " الموطأ " من رواية يحيى (2/ 609 رقم 1) هو أن يشتري الرجل العبد، أو الأمة، أو يكتري، ثم يقول للذي اشترى منه أو اكترى أعطيك دينارا أو درهما على أني إن أخذت السلعة فهو من ثمنها، وإلا فهو لك.

اختلف الفقهاء في جواز هذا البيع فأبطله مالك والشافعي لهذا النهي ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر ودخوله في أكل المال بالباطل وروى عن عمر وابنه وأحمد جوازه.

انظر: " المجموع "(9/ 335) و" المغني "(6/ 313).

(5)

أخرج أحمد (3/ 401، 403) وأبو داود رقم (3503) والترمذي رقم (1232) والنسائي (7/ 289رقم 4613) وابن ماجه رقم

(2187)

. من حديث حكيم بن حزام قال: " قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال: " لا تبع ما ليس عندك " وهو حديث صحيح.

ص: 3649

وبيع الكالئ بالكالئ (1)، وبيع الطعام قبل الاستيفاء والنقل (2)، واختلاف الصاعين (3)، والبيع المستلزم للتفريق بين ذوي الأرحام (4)، ..................................................

(1) وهو حديث ضعيف.

أخرجه البزار في مسنده (2/ 91رقم 1280 - كشف).

وذكره الهيثمي في " المجمع "(4/ 80) مطولا وقال: قلت: في الصحيح طرف منه رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف - وليس في الصحيح متن حديث الباب وأخرجه الدارقطني (3/ 72 رقم 270) والحاكم (2/ 57) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو ليس كما قالا، والذي يبدو أنهما صححاه على أن راويه هو موسى بن عقبة الحافظ الكبير وليس كذلك، وقد خطأ البيهقي والحاكم الدارقطني على ذلك، ورواه في " سنته الكبرى "(5/ 290). وهو حديث ضعيف.

انظر: الإرواء رقم (1382).

الكالئ هو أن يشتري الرجل شيئا إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به، فيقول بعينه إلى أجل آخر بأكثر بزيادة شيء فيبيعه ولا يجري بينهما تقابض.

" النهاية "(4/ 194).

وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز بيع دين بدين.

" موسوعة الإجماع "(1/ 399).

(2)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (41/ 1529) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه ". وهو حديث صحيح.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه (4/ 343 - 344) معلقا، بصيغة التمريض. وأحمد (1/ 62، 75) من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل ".

وأخرج ابن ماجه رقم (2228) والدارقطني رقم (3/ 8 رقم 24) والبيهقي (5/ 316) من حديث جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري ". وهو حديث حسن.

(4)

أخرج أحمد (5/ 413) والترمذي رقم (1283) وقال: حديث حسن غريب والدارقطني (3/ 67رقم 256) في " المستدرك "(2/ 55) وصححه على شرط مسلم.

من حديث أبي أيوب قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ". وهو حديث صحيح.

ص: 3650

وبيع الحاضر لباد (1)، وبيع النجش (2)، والبيع مع تلقي الركبان (3)، وبيع الرجل على بيع أخيه (4)، وسلف وبيع (5)، وشرطين في بيع (6)، وبيع ما ليس عند البائع (7)، والبيع مع

(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (2142) من حديث ابن عمر قال: " نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ". وانظر الرسالة رقم (112).

(2)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2142) ومسلم رقم (13/ 1516) عن ابن عمر قال: " نهى النبي الله صلى الله عليه وسلم عن النجش ".

النجش لغة: تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد.

" القاموس "(ص783).

والنجش في الشرع: الزيادة في ثمن السلعة المعروضة لا يشتريها بل ليغر بذلك غيره، وسمي الناجش في السلعة ناجشا لأنه يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها.

وانظر: " فتح الباري "(4/ 355).وانظر تفصيل ذلك في " المحلي "(8/ 448).

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2185) وطرفاه رقم (2163، 2274) ومسلم رقم (19/ 1521) وقد تقدم. انظر الرسالة رقم (112). عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد ".

(4)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2140) ومسلم رقم (6601) وقد تقدم عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه ".

(5)

أخرج أبو داود رقم (3504) والترمذي رقم (1234) وقال حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (4611) والحاكم (2/ 17) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك " وهو حديث حسن.

(6)

انظر التعليقة السابقة.

(7)

انظر التعليقة السابقة أيضا.

ص: 3651

شرط الولاء للبائع (1)، والبيع المشتمل على نوع من أنواع الربا (2)، ومنه النهي عن بيع المزابنة (3)، وبيع العينة (4)، والنهي لمن باع شيئا أن يشتريه بأقل مما باعه به، وما شابه هذه الصور.

(1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولائك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: فأبوا عليها، فجائت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن اعتق ". ففعلت عائشة رضي الله عنها ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثني عليه ثم قال:" أما بعد، فما بال رجالا يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ".

أخرجه البخاري رقم (2237) ومسلم رقم (39/ 1567) وأبو داود رقم (3481) والترمذي رقم (1276) وقال: حسن صحيح. والنسائي (7/ 309) وابن ماجه رقم (2159) وأحمد (4/ 118، 119، 120).

(2)

انظر الرسالة رقم (114).

(3)

أخرج البخاري رقم (2158) ومسلم رقم (1542) وأبو داود رقم (3361) والنسائي رقم (4534) وابن ماجه رقم (2256) وأحمد (2/ 16، 63، 64، 108) ومالك (2/ 624رقم 23).

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطة إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل الطعام، نهى عن ذلك كله ".

(4)

أخرج أبو داود رقم (3462) من رواية نافع عنه وفى إسناده مقال.

وأخرجه أحمد (7/ 27رقم 4825 - شاكر) من رواية عطاء، ورجاله ثقات وصححه ابن القطان.

انظر: " تلخيص الحبير "(3/ 19رقم 1181).

عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ".

وهو حديث صحيح بطرقه.

ص: 3652

إذا تقرر هذا، فالمتوجه القضاء بصحة كل بيع وجد فيه ذلك المقتضي؛ وهو الرضى فيتعين البقاء على أصل الصحة بعد وجود مقضيتها، كما هو شأن القواعد الشرعية المقررة عند علماء الإسلام، ما لم يتيقن المانع الذي ثبت كونه مانعا بنص، أو إجماع، لا بمجرد الظنون الفاسدة، والأوهام الباردة، فإن مجرد ذلك لا يعتد به على فرض تجرده عن المعارض، فضلا عن كونه معارضا بما هو مستقل في ترتب الآثار المقصودة، ومعارضا أيضًا بالأصل.

والظاهر اللذان هما المركز الأعظم في تعرف أحكام الأمور الجزئية، عند تجردها عن نص بعضها، وبيان ذلك أن الأصل في معاملات المسلمين الواقعة على الصورة الشرعية التي لم يصحبها مانع هو الصحة، والمراد بالصورة الشرعية وجود مشعر بطيبة النفس من مالك العين (1)، بانتقالها عن ملكه إلى المشتري، ووجود مشعر بطيبة نفس المشتري بخروج الثمن المدفوع عن ملكه إلى رب العين عوضا عنها، فهذا هو البيع الشرعى الذي أذن الله لعباده.

والمراد بعدم المانع أن لا يعارض هذه الصورة الشرعية أمر يستلزم وجوده عدم صحتها كالنهى عنها بخصوصها، أو النهي عن أمر تندرج هي تحته مع فقد دليل يخصها من ذلك العموم. ولا ريب أن الأصل عدم هذا المانع، فلا يجوز إثبات حكمه بيقين، وهكذا الظاهر فيما كان على الصفة المذكورة هي الصحة، لأنه تصرف أذن فيه الشارع، وكل تصرف أذن فيه الشارع صحيح، فهذا صحيح.

أما الكبرى فبنص: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2)، وبنص:{تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (3)، وأما الصغرى فبإجماع المسلمين إذا لم يوجد مانع، والمفروض أن المانع هاهنا غير متقين،

(1) تقدم ذكر الحديث وتخريجه.

(2)

[البقرة: 257]

(3)

[النساء: 29]

ص: 3653

وكل مانع غير متيقن لا يعتد به؛ فالمانع الغير المتيقن لا يعتد به، وإلا لزم الاعتداد بكل مانع إذا حصل الظن بكونه مانعا، وإن لم يثبت بنص ولا إجماع. واللازم باطل لأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص ما يندرج تحت ما أذن به الشارع. وبيانه أنه إذا انتفى اليقين لم يبق إلا الظن، أو الشك. والشك لمجرده غير معمول به بالإجماع، والظن الذي لا مستند له كذلك.

فإن قلت الكبرى ممنوعة، والسند أنه إذا دل الدليل الظني على أن هذا الأمر مانع وجب المصير إلى ذلك، وتوجه الحكم ببطلان تلك الصورة الشرعية، وليس هاهنا إلا مانع مظنون، لأن ظنية الدليل تستلزم ظنية المدلول.

قلت: ليس المراد بقولنا: وكل مانع غير متيقن لا يعتد به كونه ثابتا بدليل يفيد اليقين، بل المراد تيقن دلالة الدليل، لأن ذلك الظن قد يكون غلطا في نفس الأمر، باعتبار عدم صحة تطبيق الدليل على المدلول كما ينبغي، ومثل هذا الظن لمجرده لا يصلح لتخصيص دليل تلك الصورة الشرعية على فرض ثبوتها بدليل عام، ولا لإبطالها على فرض ثبوتها بدليل خاص، ولا سيما إذا كانت معتضدة بالأصل، والظاهر كنا سلف، ومتأيدة بالبراءة الأصلية القاضية بعدم التعبد بذلك المانع المظنون.

إذا استوضحت هذا لاح لك أن بيع الرجا على الصفة المذكورة في السؤال هي أن البائع يأتي إلى المشتري يعرض عليه أرضه، فيتراضيان على ثمن معين معلوم، يكون ثمن المثل في غالب الأزمان، ودونه في النادر، فيقع البيع على ذلك الثمن المتراضى عليه، ثم بعد انقضاء العقد يلتزم المشتري للبائع مدة معلومة إن وفر الثمن فيها فسخ له بيع صحيح أذن له فيه الشارع لم يصحبه مانع معتبر، وإطلاق الأسماء المصطلحة عليه كقولهم: بيع الرجا، بيع رهن، بيع أجل بيع إلتزام، لا تأثير له لإجماع المسلمين على أن الأسماء لا تحيل المسميات عن حكمها الشرعي، وإلا لزم حل الأعيان المحرمة عند إطلاق اسم عليها غير

ص: 3654

اسمها، وتحريم الأعيان المحللة عند إطلاق غير اسمها عليها. واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.

وأما دعوى البائع بعد انقضاء المدة المضروبة، أنه إنما باع أرضه بدون ثمنها رغبة في الالتزام المذكور، ولولاه لما وقع منه البيع بهذا المقدار، فهذه الدعوى مما لا تأثير له في نقض ما أبرمه برضاه، واختيار وقت العقد.

أما إذا كان الثمن الذي وقع به عقد البيع هو ثمن في ذلك الوقت، أو في الغالب فلا سماع لمثل هذه الدعوى بالإجماع. وأما إذا كان الثمن دون ثمن تلك العين في ذلك الوقت، أو الغالب، فلا سماع أيضًا لتلك الدعوى، لأن إذن الشارع بالبيع لأهل الشرع لم يقيد بثمن المثل، بل أذن لهم بالتجارة الكائنة عن تراض، وإن بلغ الثمن باعتبار المبيع إلى غاية الارتفاع أو الانخفاض، بل سمي الأخذ البدون الثمن المتعامل به رزقا، كما في حديث جابر عند مسلم (1)، وأبي داود (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4)، وابن ماجه (5)، وأحمد (6) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " فإن السر في هذا النهي أن البادي يبيع بثمن أرخص من الثمن الذي وقع التعامل به في البلد، وإذا باع له الحاضر باعه بثمن المثل المعروف، فنهى صلى الله عليه وآله وسلم الحضري أن يبيع للبدوي لذلك، وجعل ما ينقصه البدوي من ثمن أهل الحضر رزقا لأهل .............................

(1) في صحيحة رقم (1522).

(2)

لم يخرجه أبو داود من حديث جابر.

(3)

في " السنن " رقم (1223).

(4)

في "السنن"(7/ 256).

(5)

في " السنن " رقم (2176).

(6)

في " المسند "(2/ 307).

وهو حديث صحيح وقد تقدم. انظر الرسالة رقم (112).

ص: 3655

الحضر (1)، وأيضا البائع الذي ادعى أنه ما باع أرضه بدون ثمنها إلا لمجرد ذلك الالتزام، قد نادى على نفسه بما يصلح لجعله مستندا للحكم عليه فإن ذلك المقدار الذي أسقطه عن المشتري لغرض الالتزام بالفسخ تلك المدة. وقد وقع ذلك الالتزام، وصار المبيع فيها معرضا للفسخ ، والمشتري راض بذلك، مذعن له، فإنه لو جاءه في المدة المضروبة، ودفع إليه ما كان في قبضه من الثمن، لقال له خذ مبيعك هنيئا مريئا، بارك الله لك فيه.

فالغرض الذي لأجله الحط على فرض صحة الدعوى قد وقع، صار المشتري لأجله يظن في كل وقت أن ذلك المبيع خارج عن ملكه وكل عاقل يعلم أن ضرب مدة وقع التواطؤ عليها بين البائع والمشتري أن البائع إذا سلم فيها الثمن رجع إليه المبيع من أعظم الأغراض التي يتطلبها من باع ما يشح ببيعه لولا الحاجة. فإسقاط جانب من الثمن إلى مقابل هذا العرض إسقاط صحيح، والمشتري قد وفى بما عليه فاستحق ما حط لأجله، ولكن البائع أتى من قبل نفسه، فترك الاسترجاع في الأجل المضروب، وجاء إلى المشترى بعد انقضائه يطالبه بما يلزمه شرعا ولا عرفا.

وبهذا تعرف أن التعامل من البائع بحط جانب من الثمن إنما يصح لو كانت المدة المضروبة بينهما باقية، وحصل من المشتري الامتناع عن الرد، وأما بعد انقضائها فالأمر كما قيل: وقد حيل بين العير والنزوان (2):

راحت مشرقة ورحت مغربا

شتان بين مشرق ومغرب

فإن قلت: ربما قال قائل إن الحط لمثل هذا الغرض لا يحل مال البائع بمثله.

(1) انظر "المفهم "(4/ 367 - 368).

(2)

حيل بين العير والنزوان:

يقال ذلك الرجل يحال بينه وبين مراده، والمثل

لصخر بن عمرو أخي الخنساء:

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه

وقد حيل بين العير والنزوان

النزوان في الوثب، وخص بعضهم به الوثب إلى فوق.

" لسان العرب "(14/ 115). " جمهرة الأمثال " للعسكري (1/ 371 - 372).

ص: 3656

قلت: الحط لمثل هذا الغرض جائز حلالا دليلا ومذهبا:

أما الدليل: فقال تعالى: {أوفوا بالعقود} (1) والبائع والمشتري إذا تواطأ على حط جانب من الثمن لأجل الغرض المذكور فذلك عقد يتوجه الوفاء به.

وأخرج أبو داود (2)، والحاكم (3)، من حديث أبي هريرة مرفوعا:" المسلمون على شروطهم ". وقد ضعفه ابن حزم بكثير بن زيد، والوليد بن رباح، ولكنه قد حسنه الترمذي. ويشهد له ما أخرجه الترمذي (4) والحاكم (5) من حديث كثير بن عبد الله بن

(1)[المائدة: 1].

(2)

في " السنن " رقم (3594).

(3)

في " المستدرك "(2/ 49).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (637، 638) وابن حبان رقم (1199 - موارد) والدارقطني (3/ 27رقم 96). والبيهقي (6/ 64، 65) وأحمد (2/ 366) وابن عدي في " الكامل "(6/ 2088). كلهم من حديث كثير ابن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين " وزاد بعضهم: " إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ".

قال الحاكم: " رواة هذا الحديث مدنيون " فلم يصنع شيئا!!.

ولهذا قال الذهبي: لم يصححه، وكثير ضعفه النسائي، وقواه غيره. وقال ابن حجر في " التقريب " (2/ 131رقم 11):" صدوق يخطئ ".

قلت لم يتفرد به وله شاهد - سيأتي.

(4)

في " السنن " رقم (1352).

(5)

في المستدرك (4/ 10).

قلت وأخرجه ابن ماجه رقم (2353) والدارقطني (3/ 27رقم 98) والبيهقي (6/ 79) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده مرفوعا:" الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ".

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: فيه كثير بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه ن وقد قال ابن حجر في " التقريب "(2/ 123رقم 71): " ضعيف، منهم من نسبه إلى الكذب ".

وسكت الحاكم على الحديث، وقال الذهبي:" واه". صحيح بشواهد وانظر الإرواء رقم (1303).

ص: 3657

عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده بنحوه. وزاد:" إلا شرطا أحل حراما، أو حلل حلالا " وكثير المذكور - وإن كان ضعيفا - ولكن الحديث المتقدم شواهد من حديث أنس عند الحاكم (1)، والدارقطني (2). ومن حديث عائشة عندهما (3) أيضا. ومن حيث عطاء مرسلا عند ابن أبي شيبة (4). ووجه دلالته أن المشتري شرط للبائع الفسخ في مدة مقدرة، والبائع شرط له في مقابل ذلك جانبا من الثمن، فعلى كل واحد منهما شرط، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يقول:" المؤمنون عند شروطهم " أي شأن من اتصف بصفة الإيمان الثبوت على ما يقبضه الشرط، وليس هذا من الشروط المحللة للحرام، أو المحرمة للحلال، بل من الشروط الجائزة الجارية على مقتضى التراضي، وطيبة النفس.

وأخرج البيهقي (5) من حديث بن عباس أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

(1) في " المستدرك "(4/ 10).

(2)

في " المستدرك "(3/ 27).

(3)

أي الحاكم في " المستدرك "(2/ 49) والدارقطني في " السنن "(3/ 27رقم 99) عن عائشة مرفوعًا بزيادة: " ما وافق الحق ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، من أجل عبد العزيز بن عبد الرحمن وهو البالسي الجزري، اتهمه الإمام أحمد، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. ولهذا قال الحافظ في " التلخيص "(3/ 23): وإسناده واه.

(4)

مصنفه (6/ 568).

قلت: وأما الموقوف فقد أخرجه البيهقي في " السنن "

(6/ 56). والخلاصة أن الحديث صحيح بمجموع طرقه والله أعلم.

(5)

في " السنن الكبرى "(6/ 28).

ص: 3658

لما أمر بإخراج بني النضير جاء ناس منهم، فقالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديونا لم تحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" ضعوا وتعجلوا ".

وهذا الحديث نص صريح في جواز الحط لمجرد عرض هو نفس التعجيل قبل مضي الأجل.

ومسألة السؤال: العرض فيها الحط لأجل التنفيس على البائع المجعول له الخيار من جهة المشتري في تلك المدة.

وقد عقد البيهقي (1) لذلك بابا فيمن عجل له شيء من حقه قبل محله فقبله، ووضع عنه بطيبة من أنفسهما، واستدل له أيضًا بالحديث (2) المتقدم، وبحديث (3):" من أحب أن يظله الله تعالى في ظله فلينظر معسرا أو ليضع عنه " وقال (4): كان ابن عباس لا يرى بأسا بأن يقول: أعجل لك وتضع عني، وذكر أن حديث بن عباس المتقدم في سنده ضعف. وعقد بابا (5) لعدم جواز ذلك مع الشرط، وذكر فيه حديثا عن المقداد أنه قال: أسلفت رجلا مائة دينار، فخرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت له: عجل لي بسبعين دينارا، وأحط لك عشرة دنانير. فقال: نعم. فذكر ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " أكلت الربا يا مقداد وأطعمته " وهذا الحديث على فرض صحته يجمع بينه وبين الحديث الأول، وما يقويه بما أشار إليه البيهقي في ترجمة البابين من حمل هذا على الشرط، وحمل الأول

(1) في " السنن الكبرى "(6/ 27 - 28).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

عند البيهقي في " السنن الكبرى "(6/ 28).

(4)

البيهقي في " السنن الكبرى "(6/ 28).

(5)

أي البيهقي في " السنن الكبرى "(6/ 28).

ص: 3659

على عدمه، وعلى فرض عدم إمكان الجمع. فهذا الحديث لا يدل على إبطال الحط لكل غرض، وغايته عدم جواز هذا الحط الخاص لهذا الغرض الخاص في تلك المعاملة الخاصة - أعني القرض - فإلحاق سائر الأغراض به مطلقا فاسد الوضع والاعتبار في كثير من الصور، ومستلزم لإبطال الزيادة في الثمن والنقصان منه لكل غرض مطلقا؛ إذ لا فرق بين الزيادة والنقصان لأجل غرض، لكونهما جعل نصيب من المال في مقابلة غرض واللازم باطل بالإجماع، فإن جميع العلماء قائلون بأنه يجوز للإنسان أن يزيد في ثمن العين المشتراة لأجل غرض من الأغراض، ويحل البائع قبض ذلك، وكذلك أجمعوا على أنه يجوز للبائع أن يبيع بدون ثمن المثل لأجل غرض من الأغراض، ويحل للمشتري تملك العين المبيعة.

وقد ثبت في مسلم (1)، والترمذي (2)، والنسائي (3)، وأبي داود (4) أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد فأسلم فجاء سيده يريده فاشتراه صلى الله عليه وآله وسلم بعبدين أسودين، ومعلوم أن هذه الزيادة ليست إلا لغرض له صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أن لا يرجعه إلى الكفار. فهذا ما خطر بالبال من الأدلة الدالة على جواز

(1) في صحيحه رقم (1602).

(2)

في " السنن " رقم (1239).

(3)

في " السنن "(7/ 150).

(4)

في " السنن " رقم (3358).

أخرجه أحمد في " المسند "(3/ 349) وهو حديث صحيح. كلهم من حديث جابر قال: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم " بعنيه " فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله:" أعبد هو ".

قال القرطبي في " المفهم "(4/ 511): هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضي مكارم أخلاقه، ورغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة، فحصل له العتق، وثبت له الولاء، فهذا المعتق مولى النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه. وفيه دليل: على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا نقدا. وهذا لا يختلف فيه.

ص: 3660

الحط للغرض المذكور في مسألة السؤال.

وأما وقع من ذلك القبيل في كلام أهل المذهب، فمنه قولهم بصحة التعجيل بشرط حط البعض، فإنه لم يقابل هذا الحط إلا مجرد التعجيل لما كان مؤجلا إلى أجل قبل حضور أجله، فما هو جوابهم في هذا جوابنا في مسألة السؤال، ومن ذلك قولهم: أنه يندب الوفاء بالشرط، ويرجع بما حط لأجله من لم يوف لديه، فإنهم إنما ابتنوا الرجوع بما وقع له الحط مع عدم الوفاء، لا إذا وقع الوفاء فلا رجوع.

ومن ذلك قولهم: ويلحق بالعقد الزيادة والنقص المعلومات في المبيع والثمن والخيار فإن ظاهر ذلك جواز الزيادة والنقص مطلقا لكل غرض من الأغراض، أو لغير غرض مع أنهم جازمون بأن هذه الصورة المسئول عنها من البيع بشرط الخيار كما صرح بذلك جماعة منهم، كالسامولي في حاشيته على الأزهار، وهو الذي رجحه مشائخ المذهب المتأخرون من أهل مدينة ذمار، وصنعاء، والصغير، فقالوا إن ما جرت العادة في كثير من المحلات أن يقول البائع: بعت وأنا مقال، وكذا المشتري يقول: اشتريت وأنا مقال، أو ولي الإقالة، إلى يوم كذا، فالذي عرف من حال الناس أنهم يريدون الخيار وقد يصرحون به في بعض الألفاظ، فهذا بيع صحيح إذا كان إلى يوم معلوم، ويكون خيارا بلفظ الإقالة، لأن الإقالة إنما يكون بعد البيع، فهذا كلام شيوخنا المشتغلين بالمذهب وشيوخهم، وهو مقرر عندهم، ومختار للمذهب، لا يختلفون فيه، وإذا كانت الصورة المسئول عنها من البيع بشرط الخيار، فكيف يحسن من الحاكم المترافع إليه أن يسمع دعوى البائع بأن المشتري قد استغل من المبيع مقدار الثمن المدفوع، والفوائد في خيار الشرط لمن استقر له الملك كما صرح به أهل المذهب في المطولات والمختصرات من كتبهم، وهو الموافق للقواعد الشرعية، لأن المشتري لم يستغل إلا ملكه إذ الملك قد صار مستقرا له بعد مضي مدة الأجل، وعلى فرض أنه يصدق على الصورة المسئول عنها أنها من بيع الرجا، فأهل المذهب لا يجزمون في كل ما يسمونه بيع الرجا أنه باطل، فإنه قال السمولي في حاشيته أنه يدخل تحت قوله في ...................

ص: 3661

الأزهار (1): ويلغي شرط خلافه، ولو في الصفة تعليق الإقالة برد مثل الثمن إلى المشتري، أو من يقوم مقامه، وهو بيع الرجا المعروف، فيؤخذ من هنا صحته ما لم يكن فيه ما يقتضي الربا، كأن يريد المشتري التوصل إلى الغلة فقط، ولا غرض له في أخذ رقبة المبيع انتهى.

قال في شرح الفتح (2): فإن إلتبس القصد عمل بالعرف فإن التبس أو لا عرف حمل على الصحة، لأن العقد إذا احتمل وجهي صحة وفساد حمل على الصحة انتهى.

ونقلنا عن شيوخنا عن شيخهم شيخ المتأخرين في المذهب بن أحمد الشبيبي (3) رحمه الله ما لفظه: يفصل في بيع الرجا فإن كان مراد المشتري الرقبة - لا غرض له إلى الغلة وحدها - فهو بيع رجا صحيح، وإن لم مراده الرقبة، بل الغلة فقط فهذا بيع الرجا الذي لا يجوز لتضمنه الربا بزيادة الغلة على الثمن. انتهى.

وهذا هو المقرر عند جميع الشيوخ المشتغلين بالمذهب الآن، وشيوخهم، وعلى هذا يحمل ما رواه السائل - كثر الله فوائده - عن شرح الأثمار (4)، ويحمل عليه أيضًا ما في سؤالات الإمام عز الدين بن الحسن (5) حيث أجاب لما سئل عن بيع الرجا فقال: مذهبنا

(1) انظر " السيل الجرار "(2/ 965).

(2)

انظر: " مؤلفات الزيدية "(2/ 169).

(3)

الحسن بن أحمد بن الحسين بن على بن يحيى بن على بن محمد بن معوضة الشبيبي الآنسي ثم الذملوي فقيه في فروع الهدوية باليمن. ولد سنة 1107هـ. من مؤلفاته " حاشية بيان ابن المظفر ". " حاشية شرح الأزهار ".

توفي سنة 1169هـ.

انظر: " اعلام المؤلفين الزيدية "(ص295 - 296)، ملحق البدر الطالع " (ص68).

(4)

انظر " مؤلفات الزيدية "(2/ 427 - 128)

(5)

عز الدين بن الحسن بن الإمام على بن المؤيد بن جبريل اليحيوي الهادي الحسني. ولد سنة 845هـ في هجرة فللة.

من مؤلفاته: " أجوبة ومسائل ". " أصول الدين "(رسالة).

مات سنة 900هـ.

" أعلام المؤلفين الزيدية "(ص641). " مؤلفات الزيدية "(1/ 55).

ص: 3662

أنه غير صحيح لوجهين:

أحدهما: أنه وصلة إلى الربا المحض، فإن الغرض فيه ليس المعاوضة والتمليك، بل التوصل إلى الربح في القرض، فإن البائع إنما أراد أن يقرضه المشتري مائة درهم مثلا، والمشتري لا يسعفه إلا بفائدة وزيادة، فلما لم يجتريا على أن يقرضه درهما بدرهمين مثلا ونحو ذلك، جعلا هذا البيع وصلة لذلك، وذريعة إليه، مع التواطؤ والبناء على عدم إنفاذ الملك، وعلى أن المبيع باق على ملك البائع وهذه حيلة قبيحة توصل إلى هدم قاعدة شرعية؛ وهي تحريم الربح في القرض، فكل قرض جر منفعة حرام، ليس كالحيلة في بيع صاع من التمر الجيد بصاعين من التمر الرديء؛ إذ لم يجعل ذلك توصل إلى ربح وزيادة وفائدة مستفادة.

الوجه الثاني: أنه بيع مؤقت في الحقيقة، وتقريره أنه العرف جار بأن البائع متى رد مثل الثمن استرجعه، شاء المشتري أم كره، وهو في حكم التوقيت، فتبين بهذا أن البيع غير صحيح، ومع كونه غير صحيح فلا يملك بالقبض، لأن البائع لم ينسلخ منه، ولا يحصل به تسليط للمشتري على التصرف فيه شاء، ثم إن فساده من جهة الربا في أحد الوجهين، فالأقرب أنه باطل قال:

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن هذه المسألة من المعضلات المشكلات التي حارت فيها أنظارنا، ليس من جهة أنه صحيح، أو غير صحيح فقد أبنا القوى من الوجهين، بل من جهة أخرى؛ وهو أنا إن قررنا الناس على ما يعتادونه من هذا البيع، وقضينا بينهم بتنفيذه وتقريره، وألزمنا البائع تسليم الأجرة، أو الغلة، فهو بناء على غير قاعدة،

ص: 3663

وأصول ذلك فاسدة، وإن عرفنا الناس ببطلانه وانهدام بنيانه، فقد أغرق الناس فيه، واستمروا على ما يمكن تلافيه، وكان ذلك يؤدي إلى فتح أبواب واسعة من الشجار، وإثارة فتن كبار.

قال: ومن أجل الذي قوى لنا لا نحكم به، ولا نشهد فيه، ولا نحصر عليه، ولا نلزم به تسليم الأجرة، أو غلة فيه. ومن أجل خشية فتح أبواب الشجار لا يكاد يذكر مذهبنا للمتنازعين في شأنه، ولا يلزم المشتري رد ما استفاد استصلاحا، انتهي كلامه وفيه زيادة على هذا المقدار.

وفى موضع آخر من فتاوى الإمام عز الدين المذكورة، ولعله من كلام محمد بن أمير المؤمنين أحمد بن عز الدين بن الحسن، وهو الجامع لتلك الفتاوى ما لفظه: بيع الرجا ليس للمؤيد بالله فيه نص، إنما أخذ من قوله: بجواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسا، لأنه احتج بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" نحن نحكم بالظاهر "(1) فخرج له جواز هذا، وبنوا على أنه عليه السلام لا يعتبر الضمير وقد زاد المذاكرون ونقصوا، وطولوا وقصروا، وهي مسألة غير مرضية، ونحن من أشد الناس مبالغة في النهي عن هذه المسألة واعتمادها، وفى بطلان هذا البيع في جميع صوره وأساليبه، واختلاف الأعراف فيه، وتحريمه على البائع والمشتري، والكاتب والشاهد. وقد أثر ذلك في كثير من الجهات والنواحي انتهى.

أقول: إذا كان بيع الرجا واقعا على الصورة الأولى التي ذكرها الإمام عز الدين من أن المقصود هو أن يريد الرجل استقراض مائة درهم من أجل، ولكن المقرض لا يرضى إلا بزيادة فيزيدان من إثم الزيادة في القرض، فيبيع منه أرضا بتلك المائة الدرهم، ويجعل له الغلة عوضا ينتفع بها عن المائة التي استقرضها، وليس المراد البيع والشراء الذي أذن الله فيه، فلا شك أن صورة هذا البيع محرمة يجب على كل مسلم

(1) تقدم تخريجه.

ص: 3664

إنكارها، لأنها أفضت إلى ما يحل شرعا، وهو الربح في القرض، واستجلاب النفع به. وقد منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبول الهدية ونحوها من المستقرض، فكيف بمثل الذي وقع التواطؤ من أول وهلة.

اخرج ابن ماجه (1) عن أنس أنه سئل عن الرجل يقرض أخاه، فيهدي إليه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه، أو حمله على دابة، فلا يركبها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ".

وأخرج البخاري في تاريخه (2) من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا أقرض فلا يأخذ هدية ".

عن أبي بردة بن موسي قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي:"إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير، أو حمل قت فلا تأخذه؛ فإنه ربا " رواه البخاري في صحيحه (3).

وأخرج البيهقي في المعرفة (4) عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ: " كل قرض

(1) في " السنن "(2/ 813 رقم 2432).

وفي إسناده يحيى بن إسحاق الهنائي وهو مجهول.

انظر: " التقريب "(2/ 342رقم 13).

وفى إسناده أيضًا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد. والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في الشاميين وشيخه " الضبي " كوفي.

انظر: " الميزان "(3/ 28رقم 5470) و" التقريب "(1/ 73رقم541).

والخلاصة أن حديث أنس ضعيف والله أعلم.

(2)

(4/ 2 / 231).

(3)

رقم (3814).

قال الحافظ في " الفتح "(7/ 131) عند قوله: فإنه ربا " يحتمل أن يكون ذلك رأي عبد الله بن سلام، وإلا فالفقهاء على إنه إنما يكون ربا إذا شرطه، نعم الورع تركه ".

(4)

(4/ 391):

ص: 3665

جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا "

ورواه في السنن الكبرى (1) عن ابن مسعود، وأبي بن كعب (2)، وعبد الله بن سلام (3) موقوفا عليهم.

ورواه الحارث بن أبي أسامة (4) من حديث على عليه السلام بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عن قرض جر منفعة " قرض جر منفعة: " كل قرض جر منفعة فهو ربا "، وفى إسناده سوار بن مصعب، وهو متروك (5). قال عمر به زيد في المغني (6): لم يصح فيه شيء. انتهى.

ووهم إمام الحرمين، والغزالي فقالا: إنه صح، ولا خبرة لهما بهذا الفن وقد أجمع العلماء على تحريم الزيادة في القرض إذا كانت مشروطة، ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة عند الشيخين (7) قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سن

(1)(5/ 350). .

(2)

عند البيهقي في " السنن الكبرى "(5/ 349) ..

(3)

عند البيهقي في " السند الكبرى "(5/ 349 - 350).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 80). .

(5)

انظر: " الجرح والتعديل "(4/ 271) و" الميزان: (2/ 246) و" المجروحين " (1/ 356) و" التاريخ الكبير " (4/ 169).

(6)

(1/ 290). قلت: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

وانظر: " جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب " لأبي حفص عمرو بن بدر الموصلي، تصنيف أبي إسحاق الحويني الأثري

(2/ 403). وأحاديث زيادته صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحثه على ذلك كثيرة مستفيضة كما مر، وفيها إقراره للدائن على أخذ الزيادة التي قدمتها إليه المدين وحض المدين على الزيادة في الوفاء ".

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2305) وأطرافه (2306، 2390، 2392، 2393، 2401، 2606، 2609).مسلم في صحيحه رقم (1601) والترمذي رقم (1316) و (1317) والنسائي (7/ 291رقم 4618).

ص: 3666

من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال:" أعطوه " فطلبوا سنة فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال: " أعطوه "فقال: أوفيتني أوفاك الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:" إن خيركم أحسنكم قضاء ".

وما أخرجه أيضًا الشيخان (1) من حديث جابر قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني، وزادني " فإن ذلك من الزيادة بعد القضاء بطيبة النفس بلا مواطأة، ولا لطمع في التنفيس، وهي جائزة بل مستحبة كما قاله المحاملي من الشافعية (2)، فإذا كان المقصود بالبيع هو مجرد الزيادة على مقدار الدراهم المدفوعة بصورة الثمن من دون رغبة في المبيع أصلا، بل التوصل إلى الربح في القرض كما قال الإمام عز الدين في كلامه السابق فلا شك أن هذا ليس من البيع الذي أذن الله له، فيحكم بالبطلان، ويجب رد جميع الغلات المقبوضة إلى البائع، أو الكراء على القولين في ذلك ورد الثمن بصفقة بلا زيادة ولا نقصان (3) ولكن هذه صورة غير الصورة

(1) البخاري في صحيحه رقم (2394) ومسلم رقم (71/ 715). قال ابن قدامة في " المغني "(6/ 436): كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام، بغير خلاف، قال: ابن المنذر: " أجمعوا على المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " اهـ.

ثم قال ابن قدامة: فإن أقرضه مطلقا من غير شرط، فقضاه خيرا منه في القدر أو الصفة، أو دونه برضاهما، جاز.

(2)

انظر: " الحاوي "(6/ 440 - 442).

(3)

قال ابن قدامة (6/ 439): وإن شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه، وكان ذلك مما يجري فيه الربا، لم يجز، لإقضائه إلا فوات المماثلة فيما هي شرط فيه، وإن كان في غيره، لم يجز أيضا. وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وفى الوجه الآخر يجوز، لأن القرض جعل للرفق بالمستقرض، وشرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه، بخلاف الزيادة. ولنا أن القرض يقتضي المثل، فشرط النقصان يخالف مقتضاه فلم يجز، كشرط الزيادة.

ص: 3667

المسئول عنها، التي خرجنا بصحتها، ولا يقدح في هذه الصورة الصحيحة ما قاله الإمام عز الدين أن بيع الرجا مؤقت في الحقيقة، لأن البائع إذا أراد رد الثمن مثل استرجعه، رضي المشتري أم كره، لأنا نقول: هذا شأن خيار الشرط الذي ينفرد به البائع، فإنه انقضى الأجل، واختار من هو له أحد المبيع أخذه شاء الآخر أم كره، وهو صحيح لا يخالف في صحته الإمام عز الدين ولا غيره كما سيأتي.

وقد قررنا فيما سلف أن بيع الرجا على الصورة المسئول عنها بيع مع خيار الشرط. وقد دلت الأدلة الصحيحة على صحة البيع الذي يقع فيه التفرق بين البائع والمشتري، وبينهما صفة خيار كما في حديث ابن عمر عند الشيخين (1) وغيرهما (2) بلفظ:" المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر، أو يكون بينهما بيع الخيار "، وفى لفظ متفق عليه (3):" كل بيعين، لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع خيار ".

للحديث ألفاظ أخر.

في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار" أخرجه أحمد (4)، وأهل السنن (5) إلا ابن ماجه، وسيأتي حديث حبان بن منقذ، وفى الباب

(1) البخاري في صحيحه رقم (2107) ومسلم رقم (1531) وقد تقدم.

(2)

كأبي داود رقم (3454، 3455) والترمذي رقم (1245) والنسائي (7/ 248، 249) وابن ماجه رقم (2181).

انظر: الرسالة رقم (110).

(3)

البخاري رقم (2112) ومسلم رقم (45/ 1531) وقد تقدم.

(4)

في " المسند "(2/ 183).

(5)

وأبو داود رقم (3456) والترمذي (1247) والنسائي رقم (4483) وهو حديث حسن وقد تقدم.

ص: 3668

أحاديث كثيرة. فما هو جواب عز الدين عن هذه الأدلة فهو جوابنا لأن مسألة النزاع من خيار الشرط كما قررناه.

إذا تقرر هذا عرفت أن البيع المصحوب بتلك الإقالة العرفية التي هي في الحقيقة خيار شرط، إذا لم يكن المقصود منه التوصل إلى ما حرمه الله من الربا، أو القرض الذي يجر منفعة صحيح دليلا ومذهبا.

فالمبادرة من بعض الحكام إلى القضاء ببطلانه عند دعوى البائع أنه باع أرضه بدون ثمنها رغبة في الالتزام وإقامة الشهادة على أن ذلك الثمن دون القيمة المثلية مجازفة، لا يقع مثلها من متورع، ولا يصدر التجاري بالحكم على القطع عندها من متشرع، لأن القضاء يذلك إن كان تقليدا فمن المقلد، فإن العلماء من أهل المذهب وغيرهم إنما أبطلوا صورة من الصور التي يقع عليها بيع الرجا عرفا، والتعميم الموجود في عبارة بعضهم، إنما هو بالنسبة إلى مواطن تلك الصورة باعتبار اختلاف الجهات والكيفيات، وإن كان اجتهادا فما المستند؟ فإنا لم نجد ما يدل على بطلان الصورة والمسئول عنها، لا في كتاب الله تعالى، ولا وفى سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في قياس صحيح، ولا في إجماع ولا قول صاحب، بل وجدنا ما يدل على صحتها كتابا وسنة وقياسا وإجماعا كما قدمنا تحقيق ذلك.

والحاصل أنا لم نؤمر بالبحث عن خفيات الضمائر، والتفتيش للقلوب عن ما لا سبيل لنا إلى معرفة حقيقته من السرائر، فإذا توقع التنازع الينا في صورة من الصور التي أذن الشارع بها كصورة السؤال، فالمتوجه علينا القضاء بصحتها حتى يقوم دليل يوجب علينا الانتقال عن الحكم بصحة هذه الصورة، لا بمجرد دعوى البائع أن المشتري لا بقصد له بهذا البيع إلا الانتفاع بالغلة في مقابل ذلك الثمن المدفوع منه، فإن هذه الدعوى مع مخالفتها لما هو الأصل والظاهر، ولما يجب علينا من تحسين الظن بالمسلمين، وحمل معاملاتهم على الصحة، ليست مما تبني على مثلها قناطر الاحكام، ويفصل بالنظر إليها ما يعرض بين المتخاصمين من الجدال والخصام، وقد نهينا عن العمل بما لا علم لنا به فيما

ص: 3669

هو دون اقتطاع الأموال، قال الله تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم} (1)، وقال:{إن يتبعون إلا الظن} (2) وقال: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (3) فلا يجوز لنا الإقدام بدون علم، أو بمجرد الظن إلا فيما أذن الشارع، لا فيما عداه، والذي تبعدنا به عند عروض الخصومات هو القضاء بما يظهر لنا في تلك الواقعة. وحيث:" نحن نحكم بالظاهر "(4) وإن لم يكن له أصل كما قال المزي (5)، والذهبي وابن كثير، ولكن لمعناه شواهد كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" إنما أقضي بنحو ما أسمع "، وهو في الصحيح (6).

وقال البخاري (7) في كتاب الشهادات: قال عمر: إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذ الآن بما يظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته

(1)[الإسراء: 36].

(2)

[الأنعام: 116]

(3)

[يونس: 36].

(4)

قال العراقي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في منهاج البيضاوي " رقم (78): " لا أصل له وسئل عنه المزي فأنكره ".

وكذلك ابن كثير والسخاوي كما في " المقاصد الحسنة " رقم (178). وأيضا السيوطي كما في " كشف الخفاء " للعجلوني رقم (585).

وانظر: " موافقة الخبر الخبر " لابن حجر (1/ 181 - 183).

(5)

انظر التعليقة السابقة.

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6967) ومسلم رقم (4/ 1713) عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع .... ".

(7)

في صحيحه رقم (2614).

ص: 3670

يحاسبه الله في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال سريرته حسنة.

ورواه أحمد في مسنده (1) مطولا، وأبو داود مختصرا (2)، وهو من رواية أبي فراس (3) عن عمر قال أبو زرعة: لا أعرفه ولكنه قد عرفه مثل البخاري، فروي عنه ذلك في صحيحه تعليقا (4). ومن الشواهد أيضًا حديث أن العباس قال: يا رسول الله لقد كنت مكرها - يعني يوم بدر - فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله ".

ومنه حديث (5) معاتبته صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة بن زيد لما قتل كافرا بعد أن قال لا إله إلا الله، ظنا منه أنه قالها تقية فما زال صلى الله عليه وآله وسلم يكرر عليه:" كيف قتلته وقد قال لا إله إلا الله! " أو " فما تصنع بلا إله إلا الله! " وهو يقول: إنما قالها يا رسول الله تقية. فلم يسمع ذلك منه، ولا جعله عذرا له حتى تمنى أسامة أنه لم يسلم إلا في ذلك الوقت.

ووقع في بعض الروايات أنه لما قال له أسامة: إنما قالها تقية قال له صلى الله عليه وآله وسلم: " أفتشت عن قلبه " أو كما قال. ومن ذلك قضية خالد في قتله لبني جذيمة بعد أن أظهروا الإسلام، فتأول خالد في قتلهم، فلم يرض ذلك صلى الله عليه وآله وسلم قال:" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ووادهم " وهذه الأحاديث (6) موجودة في

(1) انظر " فتح الباري "(5/ 251 - 252).

(2)

تقدم مرارا.

(3)

عزاه بن حجر في " الفتح "(5/ 251) إلى الحاكم من رواية أبي فراس عن عمر: كنا نعرفكم إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الوحي ينزل وإذ يأتينا من أخباركم ".

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

تقدم ذكرها مرارا.

(6)

تقدم ذكرها مرارا.

ص: 3671

كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير، فانظر كيف اعتبرها صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأمور ظواهر الاحوال، ولم يصده عن التمسك بالظاهر مجرد ما يعرض من الاحتمال، وهكذا يجب علينا أن نصنع فيمن عقد عقدا صحيحا، موافقا لظاهر الشرع. ولا يجوز لنا الإلتفات إلى احتمال أنه إنما فعل ذلك لغرض آخر غير مأذون به، ولا سيما إذا كان مصرحا بإرادة ذلك الظاهر وقت الخصام، متبرئا عن إرادة غيره، مما لا يخالفه، ويخالف ما أذن به الشارع، والحاكم المنور البصيرة الممد من الله بالتوفيق إذا أشكل عليه أمر فتح الله له من أبواب معارفه ما يميز به بين الحق والباطل. ولنوضح ما أسلفناه من الجزم بصحة الصورة المسئول عنها بسلوك طريقة من طرائق النظر فنقول لمن ادعى عدم صحتها:

هل المانع من صحة هذه الصورة أمر يرجع إلى نفي العقد، أو إلى البائع والمشتري أو إلى المبيع، أو إلى الثمن، أو إلى شرط الإقالة، أو إلى أمر غير ذلك؟ لا جائز أن يكون المانع من الصحة أمرا راجعا إلى نفس العقد، لأنه وقع على صورة صحيحة شرعية، لأن صورة السؤال التي ذكرها السائل صحيحة مشتملة على التراضي الذي هو المناط الشرعي؛ وهو كاف.

أما عند من لم يعتبر حصول العقد بلفظ: بعت، شربت أو ما يؤدي معناهما من ألفاظ مخصوصة فظاهر، وأما عند من يعتبر بعد حصول التراضي زيادة ذلك اللفظ المعتبر فالمفروض في صورة السؤال أنه وقع بينهما عقد بلفظ يقتضي التمليك، ولم أزل أبحث عن وجه اشتراط العقد في البيع، وما يماثله بألفاظ مخصوصة فلم أجد في ذلك ما يشفي، وظاهر الأحاديث والكتاب العزيز أن الشرط صدوره عن تراض، وأن التراض مستقل بانتقال الملك، والألفاظ إنما هي قرائن للرضي، ودوال عليه. وأما لفظ مخصوص من الجانبين فلا دليل عليه، وإنما قلنا كذلك لأنه قوله {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (1)، وقوله

(1)[النساء: 29].

ص: 3672

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس "(1) يدلان على استقلال مجرد الرضى، والطيبة بذلك مع تقدير أي قيد، وبعد ثبوت مطلق الحل يحتاج مدعي اعتبار لفظ خصوص إلى دليل يزيل هذا الحل، إن لم يحصل ذلك اللفظ المخصوص.

نعم لابد من أمر مشعر بالرضا ن لأنه مما لا يمكن الوقوف علي حقيقته، ولكن هذا المشعر أعم من الألفاظ الخاصة التي وقع الاصطلاح على أنه لا يجزي سواها، ولو كان ذلك المشعر إشارة من قادر على النطق، أو كتابة من حاضر، وعلى مدعي الاختصاص الدليل، ولا ينفعه في المقام حديث (2):"إذا بعت " وحكاية مبايعته (3) صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي، وما أشبه ذلك، لأنا لا نمنع من اشعار لفظ بعت ونحوه بالرضي، وإنما نمنع دعوى التخصيص ببعض الأفراد، وقصر الدلالة والصلاحية لها على صيغ مخصوصة، ومن هنا يلوح لك بطلان قولهم: لا ربا إلا في المعطاة، وكم لهذه من أخوات تستعين بتحقيق ما ذكرنا على حلها، وأشف ما وقفت عليه من وضوح ركته من كلام المتكلمين على اشتراط العقد المصطلح عليه ما ذكره الموزعي (4) في " تفسير

(1) تقدم في بداية الرسالة.

(2)

وهو حديث صحيح وقد تقدم.

وانظر الرسالة (110).

(3)

تقدم ذكره.

(4)

هو الإمام العلامة جمال الدين محمد بن نور الدين الخطيب له باع طويل في علم الفقه والأصول والنحو والمعاني والبيان واللغة من كتبه: - "

تيسير البيان في أحكام القرآن ". - "

مصابيح المعاني في حروف المعاني ".

توفى سنة 810 هـ.

انظر: " طبقات صلحاء اليمن "(ص269).

ص: 3673

البيان في أحكام القرآن " (1)، وهو: فإن قال قائل: فاشتراط التلفظ في البيع أمر زائد على ما ورد به القرآن الكريم؛ إذ لم يرد إلا باشتراط التراضي، ولم ترد السنة باشتراطه أيضا، ومقتضي هذا أنه يجوز بيع المعاطاة إذ دلت القرائن، وشواهد الأحوال على الرضي.

قلنا: التجارة والبيع أمر معتاد في الوجود، وهو التعاوض، ثم استدل على اعتبار العقد تحديث:" لا يبيع أحدكم على بيع أخيه "(2) وجعله مقتضيا أن البيع هو التعاقد الناقل لملك أحدهما إلى ملك الآخر، وأن التساوم لما كان من مقدمات البيع، ولا ينعقد بمثله مع كونه بألفاظ من البائع والمشتري، أفاد اعتبار العقد ت، ثم قوى هذا بما وقع في الأحاديث من ذكر لفظ " إذا بعت " ونحو ذلك، ولا يخفى عليك أن مجرد المساومة أمر متقدم على الرضي المعتبر، فلا بد معها من أمر مشعر بالرضى، بأي صيغة كانت، والتنصيص على لفظ:" بعت " في بعض المواطن لا يستلزم الحصر في المنصوص عليه كما سلف، لا سيما بعد تطابق اللغة والشرع والعرف على تسمية هذه المعارضة بيعا، وإن وقعت بغير لفظ:" بعت " فيكون هذا هو النكتة في إطلاق مثل ذلك اللفظ بخصوصه على تلك المعاوضة.

وبهذا تعرف أن كون المساومة (3) من مقدمات البيع لا يستلزم ما اشتملت عليه تلك الدعوى من اشتراط العقد بألفاظ مخصوصة، لأنا لم ندع أن مجرد وقوع التلافظ بين البائع والمشتري بأي لفظ كان يكفي في البيع حتى يرد علينا أنهما قد تساوما بألفاظ، ولم يكن ذلك بيعا بل قلنا: المعتبر صدور لفظ يدل على الرضا، أو ما يؤدي مؤداه من كتابة أو إشارة، وهذا أمر وراء المساومة، لأنها ألفاظ لا إشعار لها بالرضى على أنه يلزم

(1) كذا في المخطوط وصوابه " تيسير ". انظر التعليقة السابقة.

(2)

أخرجه البخاري رقم (5142) ومسلم رقم (8/ 1412) من حديث ابن عمر وقد تقدم.

(3)

انظر " المسوى "(2/ 31). " الهداية " للمرغنياتي (3/ 21).

ص: 3674

المستل بما وقع في الأحاديث من لفظ: " إذا بعت "(1)، ولفظ:" البيعان بالخيار "(2)، ونحو قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (3) لازم باطل بالإجماع، وهو أنه لا ينعقد البيع بشيء من الألفاظ غير تلك الصيغ، مع أنهم مصرحون بأنه ينعقد بكل لفظ يفيد التمليك؛ وذلك هو أعم من الألفاظ الواردة في الأدلة، فإن كان ذلك بطريق إلحاق ما لم يذكر منها بما ذكره فقد عرف النكتة في الاقتصار على تلك الألفاظ، وهي غير موجودة في كل لفظ يفيد التمليك، فهو إلحاق مع وجود الفارق، ووجوده مانع كما تقرر في الأصول.

ولو سلمنا صحة الإلحاق فإن كان الجامع هو الإشعار بالرضي بالانتقال، فما وجه الاختصار على لفظ يقتضي التمليك، وجعله شرطا من القادر، فإن المشعرات أعم منه، وإن كان الجامع ما هو أخص من الإشعار بالرضى فما هو، وما الدليل عليه بعد دلالة الدليل على خلافه؟ وأما الاستدلال على العقد واشتراطه بالنهي عن بيع الجاهلية كالمنابذة (4) والحصاة (5) كما ذكر صاحب البحر فيجاب عنه بأن النهي عن بيع مخصوص من بيوعات الجاهلية، أو عن مطلق بيع الجاهلية لا يستلزم صحة صورة مخصوصة دون غيرها، بل غاية ما يلزم من ذلك تجنب تلك الصورة المخصوصة، أو مطلق الصور التي كانت تبايع بالجاهلية، ويتعين بعد ذلك المصير إلى البيع الثابت بالشرع، ولم يأت في الشرع ما يدل على اعتبار أمر زائد على الرضي، وصدور بعض المشعرات به من الشارع في تصرفاته، أو تعليماته للأمة ما يدل على أنه الفظ الذي لا يجوز غيره بإجماع من يعتد به من علماء الأصول، فالحق ما ذهب إليه أبو حنيفة (6) من عدم اعتبار العقد،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

[البقرة: 275].

(4)

تقدم تعريفهما.

(5)

تقدم تعريفهما.

(6)

انظر " الهداية " للمرغيناني (3/ 21).

ص: 3675

ووافقه على ذلك جماعة من الفحول.

ولا جائز أن يكون المانع المدعي راجعا إلى البائع والمشتري، أو إلى أحدهما، لأن المفروض في صورة السؤال أنهما مكلفان مختاران مالكان لما تصرفا به. ولا جائز أن يكون المانع راجعا إلى المبيع، لأن المفروض في تلك الصورة أنه عين يجوز التصرف فيها بالبيع ظاهرة حلال مقبوضة، موجودة، معلومة، متعرية عن سائر الأوصاف المنهي عنها، ولا جائز أن يكون ذلك المانع في الثمن، لأن المفروض في محل النزاع أنه ثمن يصبح تملكه، ووقع به التراضي بين البائع والمشتري. ودعوى البائع أنه دون ثمن المثل لا يأتي بفائدة، لإجماع المسلمين على أنه يصح البيع بدون ثمن المثلي مع التراضي عليه.

وقد تقرر أنه لا غبن على مكلف، فيقال للبائع عند صدور هذه الدعوى منه: نعم بعت يا مسكين بدون ثمن المثل، فكان ماذا، وأقررت على نفسك أنك حططت ذلك المقدار القاصر عن ثمن المثل لغرض الإمهال من المشتري، والالتزام بالفسخ عند عودة الثمن والمشتري قد وفى بما تريد، وانقضت تلك المدة المتواطأ عليها، فأين أنت قبل انقضائها، وكيف طلبت الآن ما ليس لك، وفى الصيف ضيعت اللبن؟.

وإن كان المانع المدعي يرجع إلى شرط الإقالة فقد قررنا فيما سلف أنها نوع من خيار الشرط، وهو مجمع على صحته. قال في البحر (1): فصل وخيار الشرط مشروع إجماعا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لحبان: " لك الخيار ثلاثا "(2) انتهي. هذا ثابت في الصحيحين (3) من حديث ابن عمر وفى السنن الأربع (4) وأحمد من حديث أنس، وصححه الترمذي، وفى تاريخ البخاري وسنن الدارقطني، ومسند الحميدي من حديث ابن عمر أيضا.

(1)(3/ 347).

(2)

تقدم تخريجه في الرسالة (110).

(3)

تقدم تخريجه في الرسالة (110).

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 3676

وقد قدمنا الاستدلال (1) على مشروعية بغير هذا، وإن كان المانع لأمر يرجع لغير هذه الأمور فما هو؟.

فإن قلت: إنه سلف من أنه لا مقصد للمشتري إلا أن ينتفع في مقابل القرض بالغلات، من دون أن يكون مريدا التملك ذلك الشيء، ولا قاصدا لحقيقة البيع الذي أذن الله به، فقد عرفناك أن هذه الصورة خارجة عن محل النزاع، وأوضحنا أن الأصل والظاهر عدم ذلك، فأتنا ببرهان معتبر شرعا أنه لا مقصد للمشتري إلا ذلك، وأنه لم يتوصل بصورة البيع إلا إلى هذا الأمر الذي لا يجوز، ولا سبيل لك إلى ذلك إلا ما يشهد عليه من فلتات لسانه، ولا طريق لك إلى معرفة ما اشتمل جنانه، فإنه لا يطلع على في الضمائر إلا علام الغيوب، ولا سيما الرجل الذي يدعي عليه أنه غير قاصد للتملك يظهر عند الخصام غاية الحرص على تلك العين، ويبالغ في استقرار ملكه عليها كلية المبالغة، وأما مجرد رغوب المشتري في الغلات، فمثل هذا لا يعد مانعا لا عقلا، ولا شرعا، ولا عرفا، لأن حصول الغلة هو أعظم الآثار المترتبة على بيع الأراضي ونحوها، بل هي - أعني الغلة - العلة الغائبة لذلك، وهي إن تأخرت على البيع، باعتبار الحصول فهي متقدمة في التصور عند جميع علماء المعقول، فكل عاقل يتصور الفائدة المطلوبة من التصرفات وغيرها قبل الشروع في تحصيلها وإلا كان عابثا متعبا لنفسه في غير طائل، وهذا ما لا يفعله عاقل بنفسه. فأي ضير في تصور هذا المشترى لاستغلال أرضه التي ثبت ملكه عليها، ولم يبق للبائع فيها إلا خيار الشرط، وأيضا هذا الغرض مما يتصوره ويقصده كل من باع بخيار شرط في مدة محتملة، وما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عن القصد في صورة السؤال لما قدمنا أن ذلك الالتزام خيار شرط. وقد تقرر أن الفوائد فيه لمن استقر له الملك كما سلف. قال في البحر (2): مسألة: والفوائد فيه - يعني

(1) انظر الرسالة رقم (110).

(2)

(3/ 350).

ص: 3677

خيار الشرط - لمن استقر له الملك، لأنها كالجزء منه، والمؤن عليه انتهى. وفى الزهار (1): والفوائد فيه لمن له الملك والمؤن عليه. وقد ذكرنا فيما سلف أن هذا هو الحق، ووجهه أن هذا مالك لعين بملك شرعي، وكل مالك لعين كذلك يستحق غلاتها، فهذا يستحق غلاتها، والكبرى والصغرى مجمع عليهما مع عدم المانع.

وقررنا في ما سلف أيضًا أن المشتري مع إقالة عرفية مشتر مع خيار شرط، وكل مشتر مع خيار شرط يصح شراؤه، فالمشتري كذلك يصح شراؤه.

أما الصغرى فلكونهما متحدين في اقتضاء توقف النفوذ والاستقرار على انقضاء المدة.

وأما الكبرى فبالإجماع. ويقال أيضا: هذا مشتر بخيار شرط، وكل مشتر بخيار شرط فله الفوائد، فهذا له الفوائد. ودليل الصغرى والكبرى معلوم من القياسين الأولين.

وفى هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق انتهي.

بقلم المجيب غفر الله له في شهر صفر سنة 1209 هـ.

(1)(2/ 646 - السيل الجرار).

ص: 3678