المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديث

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3475

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم ".

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله على جزيل نواله وأفضاله وصلاته سلامه على سيدنا محمد وآله.

اعلم أن الأئمة اختلفوا في مقدار .... ..... ".

4 -

آخر الرسالة: " .. الذي يدور الحق حيث دار، انتهى الجواب المحرر في شهر صفر سنة 1201 هـ كما في الأم المنقولة من خط المجيب القاضي العلامة العظيم عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني كثر الله فوائده.

5 -

نوع الخط: خط نسخي عادي.

6 -

عدد الصفحات: 4 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 31 سطرا. ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها ثمانية.

8 -

عدد الكلمات في السطر:12 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3477

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على جزيل نواله وأفضاله، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله.

اعلم أن الأئمة اختلفوا في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم على عشرة أقوال (1):

الأول: أنه لا يحرم منه إلا ما كان في الحولين، وهو مذهب جماعة من الصحابة، منهم: عمر وابن عباس وابن مسعود، والعترة، والشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، والحسن بن صالح، ومالك، وزفر، ومحمد، هكذا في البحر (2)، وهو أيضًا مذهب أبي هريرة، وابن عمر، وأحمد، وأبي يوسف، وسعيد بن المسيب، والشعبي، وابن شبرمة، وإسحاق، وأبي عبيد، وابن المنذر (3).

القول الثاني: إن الرضاع المقتضي للتحريم ما كان قبل الفطام (4)، سواء كان قبل الحولين وفوقها. وإليه ذهبت أم سلمة. وروي عن أمير المؤمنين، ولم يصح عنه. وروي عن ابن عباس، وبه قال الحسن البصري، والزهري، والأوزاعي (5)، وعكرمة، وقتادة.

القول الثالث: أن الرضاع في حال ......................................

(1) انظر: " فتح الباري "(9/ 146 - 148)، " المغني "(11/ 311).

(2)

(3/ 265).

(3)

ذكره عنهم ابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 513).

(4)

قال ابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 513): وقالت طائفة: الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام، ولم يحدوه بزمن، صح ذلك عن أم سلمة .... ".

(5)

قال الأوزاعي: إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه، ثم رضع في الحولين، لم يحرم هذا الرضاع شيئا، فإن تمادى رضاعه، ولم يفطم، فما كان في الحولين فإنه يحرم، وما كان بعدهما، فإنه لا يحرم، وإن تمادى الرضاع.

ذكره ابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 513).

ص: 3481

الصغر يقتضي التحريم (1)، ولم يحده القائل بحد، وروي ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا عائشة، وعن ابن عمر، وسعيد بن المسيب. ولعل لهما قولين.

القول الرابع: ثلاثون شهر (2)، وهو رواية عن أبي حنيفة، وزفر، غير الرواية الأولى.

القول الخامس: في الحولين وما قاربهما، وهو رواية عن مالك (3) غير الرواية الأولى.

وروي عنه أن الرضاع بعد الحولين لا يحرم قليله ولا كثيره، كما في الموطأ (4).

القول السادس: ثلاث سنين (5) وهو مروي عن جماعة من أهل الكوفة، وعن

(1) انظر " فتح الباري "(9/ 146)، " زاد المعاد "(5/ 513)، " المغني "(11/ 312).

(2)

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 146): باب من قال: لا رضاع بعد حولين، لقوله تعالى:{حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] أشار بهذا إلى قول الحنفية أن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا، وحجتهم قوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال، وهذا تأويل غريب، والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع، وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يقول أن أقصى الحمل سنتان ونصف.

(3)

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 146): وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يفتقر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام؛ لأن العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في أيام قليلات، فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين.

(4)

(2): والذي رواه عنه أصحاب الموطأ وكان يقرأ عليه إلى أن مات، قوله فيه: وما كان من الرضاع بعد الحولين كان قليله وكثيره لا يحرم شيئا، إنما هو بمنزلة الطعام، هذا لفظه.

(5)

ذكره ابن القيم في " زاد المعاد "(5/ 514)، وابن قدامة في " المغني "(11/ 319).

قال زفر: يستمر إلى ثلاث سنين إذا كان يجتزئ باللبن ولا يجتزئ بالطعام.

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/ 146).

ص: 3482

الحسن بن صالح في رواية: حولان واثنا عشر يوما (1). روي ذلك عن ربيعة.

القول السابع: سبع سنين (2)، روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز.

القول الثامن: حولان واثنا عشر يوما (3)، روي ذلك عن ربيعة.

القول التاسع: إن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة ة، ويشق احتجابها منه. وإليه ذهب ابن تيمية (4).

القول العاشر: إن رضاع الكبير يثبت به التحريم مطلقا، وهو مذهب أمير المؤمنين كما حكاه عنه الحافظ ابن حزم (5). ولا حكم لإنكار ابن عبد البر (6) لتلك الحكاية، فمن علم حجة على من لا يعلم. وابن حزم من بحور العلم أحاط بما لم يحط به غيره من حفظ المذهب والأدلة، يعرف ذلك من مارس كتبه وبمثل قول أمير المؤمنين قالت عائشة، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، والليث بن سعد، وابن علية، وحكاه الثوري عن داود الظاهري. وإليه ذهب ابن حزم (7). فهذه عشرة مذاهب في هذه المسألة، مدونة في البسائط من كتب الخلاف، وبعضها محكي في كتب الأئمة من أهل البيت (8) عليهم السلام وبعضها محكي في كتب غيرهم. وإيراد الأدلة على كل واحد منها وما ورد عليه، وما أجيب به يحتاج إلى مؤلف مستقل، فليقتصر على

(1) انظر: " زاد المعاد "(5/ 514).

(2)

قال عمر بن عبد العزيز: مدته إلى سبع سنين، وكان يزيد بن هارون يحكيه عنه كالمتعجب من قوله. وروي عنه خلاف هذا. وحكى عنه ربيعة، أن مدته حولان واثنا عشر يوما.

(3)

انظر: " زاد المعاد "(5/ 514).

(4)

في " مجموع الفتاوى "(34/ 60).

(5)

في " المحلى "(10/ 17 - 20).

(6)

في " التمهيد "(11/ 374): قال ابن عبد البر: وروي ذلك عنه ولا يصح عنه، والصحيح عنه أن لا رضاع بعد فطام .... ".

(7)

في " المحلى "(10/ 17 - 20).

(8)

" البحر الزخار "(3/ 265).

ص: 3483

حجج القول العاشر؛ لأن السؤال واقع عنه لا سوى، فنقول: احتج القائلون بأن رضاع الكبير يقتضي التحريم بحديث زينب بنت أبي سلمة " قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي، فقالت عائشة: أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله، إن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أرضعيه حتى يدخل عليك " (1).

وفي رواية (2) عن زينب، عن أمها أم سلمة أنها قالت:" أبى سائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة، ولا رائينا " وهذا الحديث هو في كتب الأئمة من أهل البيت وغيرهم من أهل الحديث، قد رواه من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل، وهي من المهاجرات، وزينب بنت أم سلمة، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه من التابعين القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وحميد بن يافع. ورواه عن هؤلاء الزهري، وابن أبي مليكة، وعبد الرحمن بن القاسم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة.

ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشعبة، ومالك، وابن جريج، وشعيب، ويونس، وجعفر بن ربيعة، وسلمان بن بلال، وغيرهم. وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع إليهم في أعصارهم، ثم رواه عنهم الجم

(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (29/ 1453) وأحمد (6/ 38 - 39) و (6/ 201) والحميدي رقم (278) وعبد الرزاق في مصنفه رقم (13884) والنسائي (6/ 104 - 105) وابن ماجه رقم (1943) والطبراني في " الكبير " رقم (6373) و (6376) و (24 رقم 737 و738 و740) والبيهقي (7/ 499) من طرق عن القاسم به.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1454).

ص: 3484

الغفير، والعدد الكثير بلغت طرقه نصاب التواتر (1)، وعارضه في الظاهر حديث ابن

(1) انظر " فتح الباري "(9/ 148 - 149)، " زاد المعاد "(5/ 517).

قال المثبتون للتحريم برضاع الكبير:

1 -

أن الرضاعة التي تتم بتمام الحولين، أو بتراضي الأبوين قبل الحولين إذا رأيا في ذلك صلاحا للرضيع، إنما هي الموجبة للنفقة على المرأة المرضعة، والتي يجبر عليها الأبوان أحبا أم كرها. ولقد كان في الآية كفاية من هذا لأنه تعالى قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فأمر الله تعالى الوالدات بإرضاع المولود عامين، وليس في هذا تحريم للرضاعة بعد ذلك. ولا أن التحريم ينقطع بتمام الحولين، وكان قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، ولم يقل في حولين، ولا في وقت زائدا على الآيات الأخر، وعمومها لا يجوز تخصيصه إلا بنص يبين أنه تخصيص له ، لا بظن، ولا محتمل لا بيان فيه، وكانت هذه الآثار يعني التي فيها التحريم برضاع الكبير قد جاءت مجيء التواتر

".

قال الأمير الصنعاني في " سبل السلام "(6/ 265): لا يخفى أن الرضاعة إنما تصدق على من كان في سن الصغر وعلى اللغة وردت آية الحولين وحديث " إنما الرضاعة من المجاعة ".

- أخرجه البخاري رقم (5102) ومسلم رقم (32/ 1455) من حديث عائشة - والقول بأن الآية لبيان الرضاعة الموجبة للنفقة لا ينافي أيضًا أنها لبيان زمان الرضاعة، بل جعله الله تعالى زمان من أراد تمام الرضاعة وليس بعد التمام ما يدخل في ما حكم الشارع بأنه قد تم.

2 -

قالوا: ونعلم يقينا أنه لو كان لك خاصا بسالم، لقطع النبي صلى الله عليه وسلم الإلحاق ونص على أنه ليس لأحد بعده، كما بين لأبي بردة بن نيار أن جذعته تجزئ عنه، ولا تجزئ عن أحد تعده - وهو حديث صحيح متفق عليه - وأين يقع ذبح حذعة أضحية من هذا الحكم العظيم، به حل الفرج وتحريمه، وثبوت المحرمية والخلوة بالمرأة والسفر بها؟ فمعلوم فطعا أن هذا أولى ببيان التخصيص لو كان خاصا.

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 149): ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة، والأصل فيه قول أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة وقرره ابن الصباغ وغيره بأن أصل قصة سالم ما كان وقع من التبني الذي أدى إلى اختلاط تسالم بسهلة فلما نزل الاحتجاب ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع الترخيص لها في ذلك لرفع ما حصل من المشقة. قال الحافظ: وهذا فيه نظر أنه يقتضي إلحاق من يساوي سهلة في المشقة والاحتجاج بها فتنفي الخصوصية، ويثبت مذهب المخالف، لكن يفيد الاحتجاج.

وقرره الآخرون بأن الأصل أن الرضاع لا يحرم، فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل له، وبقي ما عداه على الأصل، وقصة سالم واقعة عين يطرقها احتمال الخصوصية فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها.

ص: 3485

عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا رضاع إلا في الحولين " رواه الدارقطني (1)، وسعيد بن منصور (2)، والبيهقي (3)، وابن عدي (4)، وهو من طريق ابن عيينة عن عمر بن دينار، قال الدارقطني (5): لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. قال ابن عدي (6): يعرف بالهيثم وغيره، وكان يغلط، وصحح البيهقي (7) وقفه، ورجح ابن عدي الموقوف، وقال ابن كثير في الإرشاد (8): رواه مالك في الموطأ (9) عن ثور بن يزيد، عن ابن عباس موقوفا، وهو أصح، وكذا رواه غير ثور عن ابن عباس.

ومن الأحاديث المعارضة حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل .............

(1) في " السنن "(4/ 174).

(2)

في سننه رقم (974).

(3)

في " السنن الكبرى "(7/ 462).

(4)

في " الكامل "(7/ 2562): وقال: هذا يعرف بالهيثم بن جميل عن ابن عقيل مسندا، وغير الهيثم يوقفه على ابن عباس، والهيثم بنجميل يسكن أنطاكية، ويقال: هو البغدادي، ويغلط الكثير على الثقات، ك ما يغلط غيره، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب ".

(5)

في " السنن "(4/ 174).

(6)

في " الكامل "(7/ 2562). وقد تقدم.

(7)

في " السنن الكبرى "(7/ 462).

(8)

(2/ 238 - 239).

(9)

(2/ 166).

ص: 3486

الفطام " [أخرجه](1) الترمذي (2) والحاكم (3) وصححاه، وأعل بالانقطاع (4)؛ لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية، عن أم سلمة، ولم يسمع فيها شيئا لصغر سنها إذ ذاك.

ومن الأحاديث المعارضة حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام " رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (5)، وفيه مقال طويل.

ومن الأحاديث المعارضة في الظاهر حديث عائشة قالت: دخل علي النبي - صلى الله

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

في " السنن " رقم (1152) وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

لعله بن حبان في صحيحه رقم (4224) فقد قال الحافظ في " الفتح "(9/ 148) عقب الحديث: " وصححه الترمذي وابن حبان ".

(4)

ذكره الشوكاني في " النيل "(6/ 316).

قلت: وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير. أخرجه ابن ماجه رقم (1946) بسند رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، غير ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، إلا أن أنه في رواية العبادلة عنه فإنه صحيح الحديث. وهذا منها.

وله شاهد آخر أخرجه البزار في مسنده رقم (1444 - كشف) والبيهقي في " السنن الكبرى "(7/ 455) من حديث أبي هريرة بسند رجاله ثقات - إلا أن محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعن.

وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.

انظر " الإرواء " رقم (2150).

(5)

(ص 243 رقم 1767) من حديث جابر.

قلت: أخرجه أبو داود في " السنن " رقم (2873) عن علي بن أبي طالب، قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل " وإسناده ضعيف ولكن أخرجه الطبراني في " الصغير " من وجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2/ 158 رقم 952) بلفظ: " لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد حلم ".

والخلاصة: أن حديث جابر حسن، والله أعلم.

حسنه الزرقاني في " مختصر المقاصد الحسنة " رقم (1207).

ص: 3487

عليه وآله وسلم - وعندي رجل، فقال:" من هذا؟ " قلت: أخي من الرضاعة، قال:" يا عائشة انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة ". وهو في الأمهات (1) إلا الترمذي. ووجه الاستدلال به أن الكبير لا يرجع بينهما لأجل المجاعة بعدم احتياجه اللبن. وأجاب القائلون بأن رضاع الكبير يقتضي التحريم عن هذه

(1) أخرجه البخاري رقم (5102) ومسلم رقم (32/ 1455) وأحمد (6/ 94) والدارمي (2/ 158) وأبو داود رقم (2058) والنسائي (6/ 102) وابن ماجه رقم (1945) والبيهقي (7/ 460) وابن الجارود في المنتقى رقم (691).

قال أبو عبيد: قوله: " إنما الرضاعة من المجاعة " يقول: إن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن، إنما هو الصبي الرضيع. فأما الذي شبعه من جوعه الطعام، فإن رضاعه ليس برضاع، ومعنى الحديث: إنما الرضاع في الحولين قبل الفطام، هذا تفسير أبي عبيد والناس، وهو الذي يتبادر فهمه من الحديث إلى الأذهان، حتى لو احتمل الحديث التفسيرين على السواء، لكان هذا المعنى أولى به لمساعدة سائر الأحاديث لهذا المعنى وكشفها له، وإيضاحها، ومما يبين أن غير هذا التفسير خطأ ، وأنه لا يصح أن يراد به رضاعة الكبير أن لفظة " المجاعة " إنما تدل على رضاعة الصغير، فهي تثبت رضاعة المجاعة وتنفي غيرها. ومعلوم يقينا أنه إنما أراد مجاعة اللبن لا مجاعة الخبز واللحم، فهذا لا يخطر ببال المتكلم ولا السامع، فلو جعلنا حكم الرضاعة عاما لم يبق لنا ما ينفي ويثبت.

وسياق قوله: لما رأى الرجل الكبير، فقال:" إنما الرضاعة من المجاعة " يبين المراد، وأنه إنما يحرم رضاعة من يجوع إلى لبن المرأة وكراهته لذلك الرجل، وقوله:" انظرن من إخوانكن " إنما هو للتحفظ في الرضاعة وأنها لا تحرم كل وقت، وإنما تحرم وقتا دون وقت، ولا يفهم أحد من هذا أنما الرضاعة ما كان عددها خمسا، فيعبر عن هذا بقوله:" من المجاعة " وهذا ضد البيان الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم.

وقولكم: إن الرضاعة تطرد الجوع عن الكبير، كما تطرد الجوع عن الصغير، كلام باطل؛ فإنه لا يعهد ذو لحية قط يشبعه رضاع المرأة ويطرد عنه الجوع، بخلاف الصغير فإنه ليس له ما يقوم مقام اللبن، فهو يطرد عنه الجوع. فالكبير ليس ذا مجاعة إلى اللبن أصلا. والذي يوضح هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة المجاعة وإنما أراد مظنتها وزمنها، ولا شك أنه الصغر فإن أبيتم إلا الظاهرية، وأنه أراد حقيقتها، لزمكم أن لا يحرم رضاع الكبير إلا إذا ارتضع وهو جائع، فلو ارتضع وهو شبعان لم يؤثر شيئا.

ص: 3488

الأحاديث بأجوبة، منها أن فيها المقال المتقدم، وقد أجيب عنهم في ذلك. واستيفاء الكلام في ذلك يحتاج إلى تطويل؛ لأنه راجع إلى علل حديثية وقواعد أصولية، وربما تشعب البحث إلى أطراف أخر يشغل ذهن السائل فنقول: قد تقرر في الأصول كما ذهب إليه الأقل.

وقصة سالم المذكورة مخصصة لعموم الأحاديث المعارضة لها، وبذلك يحصل الجمع بين جميع الأحاديث (1)، وهذه طريقة متوسطة لا إفراط فيها ولا تفريط.

وقد عرف من حديث سالم أن سبب الرخصة هو المشقة والحاجة كما في حديث سالم (2).

ويؤيد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة (3) كان بعد نزول آية الحجاب، وهي

(1) وهو أن حديث سهلة ليس بمنسوخ ولا مخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه، فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة، فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال فتخصيص هذا الحال من عمومها، وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخص بعينه، أقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين، وقواعد الشرع تشهد له.

انظر: " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (34/ 31 - 35)، " زاد المعاد "(5/ 527).

(2)

تقدم ذكر ذلك.

انظر: " فتح الباري "(9/ 149).

(3)

قد اختلف القائلون بالحولين في حديث سهلة هذا على ثلاثة مسالك:

1 -

أنه منسوخ. وهذا مسلك كثير منهم، ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى، فإنهم لا يمكنهم إثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث. ولو قلت: أصحاب هذا القول عليهم الدعوى وادعوا نسخ تلك الأحاديث بحديث سهلة، لكانت نظير دعواهم.

وأما قولهم: إنها كانت من أول الهجرة، وحين نزول قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5].

ورواية ابن عباس رضي الله عنه، وأبي هريرة بعد ذلك، فجوابه من وجوه:

أ - أنهما لم يصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم يسمع منه ابن عباس إلا دون العشرين حديثا، وسائرها عن الصحابة رضي الله عنهم.

ب - أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم تحتج واحدة منهن، بل ولا غيرهن على عائشة رضي الله عنها بذلك، بل سلكن في الحديث بتخصيصه بسالم، وعدم إلحاق غيره به.

ج - أن عائشة رضي الله عنها نفسها روت هذا وهذا، فلو كان حديث سهلة منسوخا، لكانت عائشة رضي الله عنها قد أخذت به، وتركت الناسخ، أو خفي عليها تقدمه مع كونها هي الراوية له، وكلاهما ممتنع في غاية البعد.

د - أن عائشة رضي الله عنها ابتليت بالمسألة، وكانت تعمل بها وتناظر عليها، وتدعو إليها صواحباتها، فلها بها مزيد اعتناء، فكيف يكون هذا حكما منسوخا قد بطل كونه من الدين جملة، ويخفى عليها ذلك، ويخفى على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلا تذكره لها واحدة منهن.

2 -

أنه مخصوص بسالم دون من عداه. وقد تقدم ذكر ذلك.

وقال القرطبي في " المفهم "(4/ 188): وقد اعتضد الجمهور على الخصوصية بأمور، منها:

1 -

قاعدة الرضاع، فإن الله تعالى قد قال:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]. فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة، المعتبر شرعا، فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة، فلا يعتبر شرعا؛ لأنه نادر، والنادر لا يحكم له بحكم المعتاد.

2 -

قاعدة تحريم الاطلاع على العورة، فإنه لا يختلف في أن ثدي الحرة عورة، وأنه لا يجوز الاطلاع عليه، لا يقال: يمكن أن يرضع ولا يطلع، لأنا نقول: نفس التقام حلمة الثدي بالفم اطلاع، فلا يجوز.

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 148): " وأجاب عياضا عن الإشكال باحتمال أنها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها، قال النووي: وهو احتمال حسن، لكنه لا يفيد ابن حزم لأنه لا يكتفي في الرضاع إلا بالتقام الثدي، لكن أجاب النووي بأنه عفي عن ذلك للحاجة.

وذلك أن الليث وأهل الظاهر قالوا أن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه

".

انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (10/ 30).

3 -

ومنها أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الرضاعة من المجاعة " - تقدم تخريجه - وهذا منه صلى الله عليه وسلم تقعيد قاعدة كلية، تصرح بأن الرضاعة المعتبرة في التحريم إنما هو في الزمان الذي تغني فيه عن الطعام، وذلك إنما يكون في الحولين وما قاربهما. وهو الأيام اليسيرة بعد الحولين عند مالك.

وقد اضطرب أصحابه في تحديدها، فالمكثر يقول: شهرا، وكأن مالكا يشير إلى أنه لا يفطم الصبي دفعة واحدة. في يوم واحد، بل في أيام وعلى تدريج، فتلك الأيام التي يحاول فيها فطامه حكمها حكم الحولين، لقضاء العادة بمعاودة الرضاع فيها.

وانظر " فتح الباري "(9/ 148)، " زاد المعاد "(5/ 522 - 523).

3 -

المسلك الثالث: تقدم ذكه. وهو الجمع بين هذه الأحاديث.

وانظر: " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (34/ 31 - 35)، " زاد المعاد "(5/ 527)، " فتح الباري "(9/ 149).

ص: 3489

مصرحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية، فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل كقصة سالم، وما كان مماثلها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بخاصة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب. ولا لشخص من الأشخاص، ولا بمقدار معلوم من عمر الرضع.

وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سالما ذو لحية، فقال:" أرضعيه "(1) ومن أعظم المرجحات (2) لهذا المذهب أنه قال به أمير المؤمنين الذي يدور معه الحق حيث دار. انتهى الجواب المحرر في شهر صفر سنة 1210 كما في الأم المنقولة من خط المجيب القاضي العلامة العظيم عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني، كثر الله فوائده. اهـ.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (30/ 1453) من حديث عائشة.

(2)

لم أجد من ذكر أن قول علي رضي الله عنه من أعظم المرجحات، وقد اختلفت الأقوال عن علي رضي الله عنه في الرضاع.

ص: 3491