الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في " لا يبيع حاضر لباد
"
تأليف
محمد بن على الشوكاني
وحقق وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: " بحث في لا يبيع حاضر لباد "
2 -
موضوع الرسالة: " فقه "
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الراشدين وبعد: فإنه وصل إلي سؤال من بعض أهل العلم في شهر الحجة سنة 1207 هـ ...... ".
4 -
آخر الرسالة: وليس هذا موطن بسط الكلام في ذلك وفي المقدار كفاية لمن له الهداية. انتهى من تحرير المجيب القاضي محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.
5 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
عدد الصفحات: 4 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 26. ما عدا الصفحة الأولى فعدد أسطرها سبعة أسطر والصفحة الأخيرة عدد أسطرها سطران.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 14 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الراشدين، وبعد:
فإنه وصل إلى سؤال من بعض أهل العلم في شهر الحجة سنة 1207هـ سبع ومائتين وألف حاصله: هل يتناول قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبيع حاضر لباد أهل المحلات القريبة أم لا؟ بل عقلت العلة لمن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض؛ إذ الحاضر والبادي لا يبيعان إلا بيعا واحدا، وكذلك إذا كان الحاضري صديقا أو قريبا انتهى.
فأجبت: الحمد لله وحده، حديث لا يبيع حاضر لباد هو عند الجماعة (1) كلهم إلا البخاري من حديث جابر، وعند الشيخين (2) من حديث أنس، وعند الجماعة (3) كلهم إلا الترمذي من حديث بن عباس، وعند ........................
(1) أخرج أحمد (2/ 307) ومسلم رقم (1522) والترمذي رقم (1223) والنسائي (7/ 256) وابن ماجه رقم (2176).
وهو حديث صحيح.
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ".
(2)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (2161) ومسلم رقم (1523).
قلت وأخرجه أبو داود رقم (3440) والنسائي (7/ 256).
عن أنس قال: " نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه ".
وهو حديث صحيح.
(3)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (2158) ومسلم رقم (1521) وأبو داود رقم (3439) والنسائي (7/ 257) وابن ماجه رقم (2177).
عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد. قال طاووس: فقلت لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكن له سمسارا.
وهو حديث صحيح.
البخاري (1)، والنسائي (2) من حديث ابن عمر وعند الشيخين (3) من حديث أبي هريرة، وهو في بعض هذه الأحاديث بلفظ " نهينا " (4) وفي بعض:" نهى "، وفى بعضها بلفظ " لا تبع "(5) على النفي.
وقد فسر ابن عباس (6) بيع الحاضر للبادي فقال: لا يكون له سمسارا. أخرج ذلك عنه الجماعة إلا الترمذي. والسمسار (7) بمهملتين هو القيم بالأمر، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره.
وقد ثبت من حديث جابر ما يشعر بالعلة التي لأجلها نهى الشارع عن أن يبيع حاضر لبادي " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " إذا نفى بهذا فاعلم أن قوله: حاضر لباد نكرتان عامتان لوقوعهما في سياق النفي (8) والنهي المتضمن له، فيدخل تحت النهي كل
(1) في صحيحه رقم (2159).
(2)
في السنن (7/ 258).
عن ابن عمر قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن بيع حاضر لباد ".
(3)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (2140) ورقم (2150) ومسلم في صحيحه رقم (12/ 1515).
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يبيع حاضر لباد وأن يتناجشوا "
(4)
انظر: حديث أنس المتقدم.
(5)
انظر: حديث جابر المتقدم.
(6)
: انظر: حديث ابن عباس المتقدم ..
(7)
سمسر، السماسرة: جمع سمسار وهو القيم بالأمر الحافظ له وهو في البيع اسم الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع والسمسرة: البيع والشراء.
" النهاية "(2/ 400).
(8)
تفيد النكرة في سياق النفي والنهي والعموم وضعا، أي أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من الأفراد عن طريق دلالة المطابقة، والمطابقة هي دلالة اللفظ على تمام مسماه.
انظر " جمع الجوامع "(1/ 413). وقيل: إن النكرة في سياق النفي والنهي أفادت العموم عن طريق دلالة الملازمة وهو قول السبكي والحنفية.
والنكرة في سياق النفي قسمان:
1) مقيس: فهو مطرد في كل نكرة في سياق النفي مع " لا " التي هي لنفس الجنس مبنية نحو: " لا رجل في الدار " ومعربة نحو: لا سائق إبل لك، وقولهم: لا ثالم عرض لك.
2) والمسموع: وهي الكلمات المحفوظة عن اللغويين وهي تحفظ ولا يقاس عليها مثاله: ما بالدار أحد، ليس المقصود هو واحد العدد، بل هذا للجنس فهو اسم لمن يصلح أن يخاطب، يستوي فيه الواحد والجمع المؤنث قولهم:
لا صافر: اسم فاعل من الصفير.
ولا نافع حزمة: ما فيها ما يوقدنا.
لا نابح، ولا ناهق، ولا داع
…
" انظر: " اللمع " (ص15)، " الإحكام " للآمدي (2/ 226 - 227)، " جمع الجوامع " (1/ 413)، " نهاية السول " (2/ 80).
من صدق عليه اسم الحاضر والبادي (1). ولا ريب أن اسم البادي يصدق على كل من كان ساكنا في البادية، إما دائما أو في بعض الأوقات كي يسكنها عند صلاح ثمارها من غير فرق بين أن يكون محله قريبا (2) أو بعيدا، أو كما تصدق عليه الصيغة تصدق عليه
(1) انظر " النهاية "(1/ 398 - 399)
(2)
قال ابن قدامة في " المغني "(6/ 309):والبادي ههنا، من يدخل البلدة من غير أهلها، سواء كان بدويا أو من قرية أو بلدة أخرى.
قال الخرقي أنه يحرم بثلاث شروط:
أ - أن يكون الحاضر قصد البادي. ليتولي البيع له.
ب- أن يكون البادي جاهلا بالسعر لقوله: " فيعرفه السعر " ولا يكون التعريف إلا لجاهل. وقد قال أحمد، في رواية أبي طالب: إذا كان البادي عارفا بالسعر، لم يحرم.
ج - أن يكون قد جلب السلع للبيع لقوله " وقد جلب السلع " والجالب هو الذي يأتي بالسلع ليبيعها.
وذكر القاضي شرطين آخرين:
أ - أن يكون مريدا ليبيعها بسعر يومها.
ب- أن يكون للناس حاجة إلى متاعه وضيق في تأخير بيعه.
وقال أصحاب الشافعي: إنما يحرم بشروط أربعة: وهي ما تقدم إلا حاجة للناس إلى متاعه. فمتي اختل منها شرط لم يحرم البيع.
وإن اجتمعت هذه الشروط فالبيع حرام. وقد صرح الخرقي ببطلانه.
العلة؛ وهي كون البادي يظنه للبيع برخص، فيتسبب عنه ارتزاق الحاضر (1)، وذلك لأن من كان باديا في بعض الأوقات يجهل كيفية التعامل والتبايع في ذلك الوقت الذي يكون فيه باديا، وإن كان يسيرا مهما أمكن التجويز فيه، فلا وجه لجعل النهي مختصا من كان باديا دائما.
فإن قلت تقسيم النظر إلى العلة يستلزم دخول من كان من أهل الحاضر غير عالم
(1) قال القرطبي في " المفهم "(4/ 367 - 368): وظاهر هذا النهي العموم في جميع أهل البوادي، أهل العمود وغيرهم، قريبا كانوا من الحضر أو بعيدا، كان أصل المبيع عندهم بشراء أو كسب، وإليه صار غير واحد، حمله مالك على أهل العمود ممن بعد منهم عن الحضر، ولا يعرف الأسعار، إذا كان الذي جلبوه من فوائد البادية بغير شراء إنما قيده مالك بهذه القيود نظرا إلى المعني المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم:" دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض " وذلك، أن مقصوده أن يرزق أهل الحاضرة بأهل البادية، بحيث لا يضر ذلك بأهل البادية ضررا ظاهرا. وهذا لا يحصل إلا بمجموع تلك القيود وبيانه: أنهم إذا لم يكونوا أهل عمود كانوا أهل بلاد وقرى، وغالبهم يعرف الأسعار. وإذا عرفوها صارت مقاديرها مقصودة لهم. فلهم أن يتوصلوا إلى تحصيلها بأنفسهم أو بغيرهم. وإذا كان الذي جلبوه عليهم بالشراء فهم تجار يقصدون الأرباح فلا يحال بينهم وبينها. فلهم التوصل إليها بالسماسرة وغيرهم، وأما أهل العمود والموصوفون بالقيود المذكورة. فإن باع لهم السماسرة وغيرهم ضروا بأهل الحاضرة في استخراج غاية الأثمان، فيما أصله أهل البادية بغير ثمن، فقصد الشرع أن يباشروا بيع سلعهم بأنفسهم ليرتزق أهل الحاضرة بالرخص فيما لا ضرر على أهل البادية فيه. وأعرض الشرع عما يلحق أهل البادية في ذلك دفعا لأشد الضررين وترجيحا لأعظم المصلحتين.
وانظر " فتح الباري "(4/ 437).
وقال ابن قدامة في " المغني "(6/ 309): " والمعني في ذلك أنه متي ترك البدوي يبيع سلعته، اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع من بيعها، إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد.
بالتعامل (1) لأنه مظنة للبيع برخص، فيحرم على من كان عالما بكيفية التعامل أن يبيع له.
قلت ذلك نادر لا اعتبار به، ولهذا لم يلتفت إليه الشارع، فلا يصح النقض (2) به ولا الكسر (3)، فإن صلح للاعتبار فهو ملزم.
فإن قلت: إذا كانت العلة ما سلف، فمن كان من أهل البادية عالما بكيفية التعامل كالقريب، بحيث ينتفي عنه مظنة الترخيص في البيع، ولا يبقى بينه وبين الحاضر فرق، هل له أن يوكل بالبيع (4)؟
(1) من العلماء - كمالك - خص هذا الحكم بالبادي وجعله قيدا، ومن هم من ألحق به الحاضر إذا شاركه في عدم معرفة السعر.
وقال مالك: إنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق به من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر وإضرار أهل البلد بالإشارة عليه بأن لا يبادر بالبيع. وهذا تفسير الشافعية والحنابلة، وجعل المالكية البداوة قيدا وعن المالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه، قال فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك ومنهم من قيد ذلك بشرط العلم بالنهي ن وأن يكون المتاع المجلوب مما تعم به الحاجة، وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي.
" فتح الباري "(4/ 371).
(2)
تقدم تعريفه.
(3)
تقدم تعريفه.
(4)
قال القرطبي في " المفهم "(4/ 367): قوله " لا يبيع حاضر لباد " مفسر بقول ابن عباس: لا يكن له سمسارا، وظاهر هذا النهي العموم في جميع أهل البوادي، أهل العمود وغيرهم، قريبا كانوا من الحضر أو بعيدا، كان أصل المبيع عندهم بشراء أو كسب.
قال الحافظ في " الفتح "(4/ 371): قال ابن المنير وغيره: حمل المصنف النهي عن بيع الحاضر للبادي على معني خاص وهو البيع بالأجر أخذا من تفسير ابن عباس -بقوله لا يكون له سمسارا - وهو في الأصل القيم بالأمر، والحافظ، ثم اشتهر في متولي البيع والشراء لغيره بالأجرة كذا قيده ابن حجر وجعل حديث ابن عباس مقيدا لما أطلق من الأحاديث.
أما بغير أجرة فجعله من باب النصيحة والمعاونة فأجازه، وظاهر أقوال العلماء أن النهي شامل لما كان بأجرة، وما كان بغير أجرة.
وفسر بعضهم: صورة بيع الحاضر للبادي بأن يجيء البلد غريب بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأعلى سعر من هذا السعر
…
".
انظر " المغني "(6/ 310).
قال البغوي في " شرح السنة "(8/ 123): قوله: " لا يبيع حاضر لباد فذهب بعضهم إلى أن الحضري لا يجوز أن يبيع للبدوي شيئا، ولا يشتري له شيئا، وهو قول ابن سيرين وإبراهيم النخعي، لأن اسم البيع يقع على البيع والابتياع يقال: بعت الشيء وشريته بمعنى اشتريته، والكلمتان من الأضداد.
قلت: وجود من هو لهذه الصفة من أهل البادية ممنوع، والسند انه قد غاب عن الحضر في بعض الأوقات، وذلك مستلزم لعدم العلم بكيفية التعامل في وقت الغيبة على التفضيل؛ فهو مظنة للبيع برخص، فإن قيل: ربما كانت الأخبار بمقدار التعامل وكيفيته يتصل به في حال غيبته.
قلت: حديث " ليس الخبر كالمعاينة "(1) مانع من تخصيص النص بمجرد ذلك، لأنه قد أفاد أن وصف كونه باديا في تلك الحال غير طردي، فلا تجوز العادة بمسلك ينقح المناط (2)، ومن التخصص بمجرد الاستنباط قوله أن النهي مختص بزمن الغلاء (3)، وقيل (4): هو مختص بأن يضعه البادي عند الحاضر ليبيعه على التدريج بأغلى من سعر
(1) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 251) من حديث ابن عباس بسند صحيح.
(2)
وتقدم تعريفه: وهو إلحاق الفرع بالأصل بإلغاء الفارق بأن يقال لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وذلك مدخل له في الحكم البتة فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب له. كقياس الأمة على العبد في السراية فإنه لا فارق بينهما إلا الذكورة وهو ملغي بالإجماع إذ لا مدخل له في العلية.
وانظر مزيد تفصيل في " البحر المحيط "(5/ 255)، و" الكوكب المنير "(4/ 199).
(3)
قال ابن حجر في " الفتح "(4/ 371): قوله " لا يكون سمسارا " بمهملتين هو في الأصل القيم بالأمر والحافظ له، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره، وفى هذا التفسير تعقب على من فسر الحاضر لبادي بأن المراد نهي الحاضر أن يبيع للبادي في زمن الغلاء شيئا يحتاج إليه أهل البلد فهذا مذكور في كتب الحنفية.
(4)
تقدم ذكر هذه الشروط. انظر " الفتح "(4/ 371).
" المغني "(6/ 308).
الوقت (1).
وقيل: لابد أن يكون المجلوب مما يعم الحاجة إليه (2).
وقيل لا بد أن يكون ذلك المبيع مما يحصل به التوسعة في البلد، لا إذا كان حقيرا، وكل التخصيص بمجرد الاستنباط، وهو في بعضها في غاية الخفاء، وفى بعض له بعض الظهور، والجميع ما لا يطمئن إلى التخصيص به من راض نفسه في علم الأصول، ولاحظ في تصرفاته على المعقول والمنقول، ثم اعلم أن البادية في اللغة خلاف الحاضرة.
قال في القاموس (3): البدو البادية، والباداة، والبداوة بخلاف الحضر، وتبدي إقالتها، وتبادي تشبه بأهلها، والنسبة بداوي، وبدوي، وبدا القوم حواء إلى البادية انتهى،
(1) قال ابن حجر في " الفتح "(4/ 371): " فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه
…
" وقد تقدم ذكره مفصلا.
(2)
قال ابن دقيق العيد في " إحكام الأحكام "(3/ 115 - 116): واعلم أن أكثر هذه الأحكام قد تدور بين اعتبار المعنى وإتباع اللفظ ولكن ينبغي أن ينظر في المعنى الظهور والخفاء فحيث يظهر ظهورا كثيرا فلا بأس باتباعه وتخصيص النص به أو تعميمه على قواعد القياسيين. وحيث يخفى أولا يظهر ظهورا قويا فاتباع اللفظ أولى: فأما ما ذكر من اشتراط أن يلتمس البلدي البدوي ذلك فلا يقوى لعدم دلالة اللفظ عليه وعدم ظهور المعنى فيه، فإن الضرر المذكور الذي علل به النهي لا تفترق الحالة فيه. بين سؤال البلدي والبدوي وعدمه ظاهرا:
وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعوا الحاجة إليه فمتوسط في الظهور وعدمه لاحتمال أن يراعي مجرد ربح الناس في هذا الحكم على ما أشعر به التعليل من قوله صلى الله عليه وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ".
وأما اشتراط أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعة في البلد فكذلك أيضًا أي أنه متوسط في الظهور لما ذكرناه من احتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربح والرزق على أهل البلد: وهذه الشروط منها ما يقوم الدليل الشرعي عليه كشرطنا العلم بالنهي ولا إشكال فيه: ومنها ما يؤخذ باستنباط المعنى فيخرج على قاعدة أصولية وهي أن النص إذا استنبط منه معنى يعود عليه بالتخصيص هل يصح أولا ويظهر لك هذا باعتبار بعض ما ذكرناه من الشروط.
(3)
(ص1629).
وظاهر أحاديث النهي السالفة (1) أن بيع الحاضر البادي محرم من غير فرق بين القريب والصديق، وغيرهما، وإلى التحريم ذهب الجمهور (2)، وهو الحق. وذهب عطاء ومجاهد، والهادي، وأبو حنيفة (3) إلى ذلك مطلقا من دون كراهة، واحتجوا أولا بأحاديث النصيحة (4) لكل مسلم، وهي أحاديث صحيحة، ولكنها تجاب عنها بأنها أعم مطلقا حتى أحاديث النهي للحاضر عن البيع للبادي فلا يصلح لمعارضة أحاديث النهي، ولا لنسخها (5) كما زعم البعض، اللهم إلا أن يصح تأخر أحاديث النصيحة عن أحاديث النهي؛ فإنها تكون ناسخة عند من جعل العام المتأخر ناسخا، وهو مع كونه مذهبا مرجوحا متوقف على تأخر العام، ولم ينتقل أحد من أهل العلم أنه متأخر فيبني العام على الخاص كما هو المذهب الحق. وقد نقل بعضهم أنه مجمع عليه من جهل التاريخ، واحتجوا ثانيا بالقياس على جواز توكيل البادي للحاضر (6)، ويجاب عنه بأنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار، على أنه لو سلم وجود دليل يدل على جواز التوكيل مطلقا لكان عاما، لشموله وكيل البيع والشراء، والخصومة وغير ذلك، وغير النهي يكون خاصا فيبني العام على الخاص. وممن رجح التحريم الإمام المهدي في البحر (7) حيث كان فيه إضرار.
(1) انظر " المفهم "(4/ 368). وقد تقدم. " الفتح "(4/ 371).
(2)
انظر " المغني "(6/ 307).
(3)
انظر " البناية في شرح الهداية "(7/ 390 - 391).
(4)
قال الحافظ في " الفتح "(4/ 371) وحمل الجمهور حديث " الدين النصيحة " على عمومه إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص يقضي على العام والنسخ لا يثبت بالاحتمال. وجمع البخاري بينهما بتخصيص النهي بمن بيع له بالأجرة كالسمسار وأما من ينصحه فيعلمه بأن السعر كذا مثلا فلا يدخل عنده والله أعلم.
(5)
قال الحافظ في " الفتح "(4/ 371) وحمل الجمهور حديث " الدين النصيحة " على عمومه إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص يقضي على العام والنسخ لا يثبت بالاحتمال. وجمع البخاري بينهما بتخصيص النهي بمن بيع له بالأجرة كالسمسار وأما من ينصحه فيعلمه بأن السعر كذا مثلا فلا يدخل عنده والله أعلم.
(6)
تقدم التعليق على ذلك.
(7)
(3/ 297).
قال ابن حبيب المالكي (1): الشراء للبادي مثل البيع له لقوله: " لا يبيع بعضكم على بيع بعض "(2) فإن معناه الشراء.
وعن مالك روايتان (3)، وكرهه ابن سيرين (4).
(1) عزاه إليه الحافظ في " الفتح "(4/ 373).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2140) وأطرافه (2148،2150،2151، 2160، 2162، 2723، 5144، 5152، 6601) ومسلم في صحيحه رقم (1515). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها ".
وأخرجه النسائي في " السنن "(7/ 258رقم 4503) وأحمد (2/ 126، 153) عن ابن عمر قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ".
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (5142) ومسلم رقم (8/ 1412).
(3)
قال ابن قدامة في " المغني "(6/ 310 - 311) وعن مالك في ذلك روايتان ووجه القول الأول أن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه، فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر ويزول عنهم الضرر وليس ذلك في الشراء لهم، إذ لا يتضررون لعدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنهم، والخلق في نظر الشارع على السواء، فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر.
وأما إن أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع له، فقد رخص فيه طلحة بن عبيد الله، والأوزاعي، وابن المنذر، وكرهه مالك، والليث، وقول الصحابي حجة ما لم يثبت خلافه.
وقد صح عند أحمد - الشراء لهم - وهو قول الحسن، وكرهت طائفة الشراء لهم، كما كرهت البيع.
(4)
قال البخاري في صحيحه (4/ 372رقم 70) لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشتري.
وقال إبراهيم: " إن العرب تقول بع لي ثوبا وهي تقصد الشراء ".
انظر " فتح الباري "(4/ 354)، و" البناية في شرح الهداية "(7/ 390 - 391).
قال ابن قدامة في " المغني "(6/ 305 - 306) قوله صلى الله عليه وسلم " لا يبيع بعضكم على بيع بعض " معناه: أن الرجلين إذا تبايعا، فجاء آخر إلى المشتري في مدة الخيار، أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون هذا الثمن أو أبيعك خيرا منها بثمنها أو دونها، أو عرض عليه سلعة رغب فيها المشتري، ففسخ البيع، واشترى هذه فهذا غير جائز، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيه من الأضرار بالمسلم والإفساد عليه، وكذلك إن اشترى على شراء أخيه، وهو أن يجيء إلى البائع قبل لزوم العقد، فيدفع في المبيع أكثر من الثمن الذي اشترى به، فهو محرج أيضًا لأنه في معنى النهي عنه، ولأن الشراء يسمى بيعا فيدخل في النهي، فالبيع باطل، لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد.
وقال ابن حجر في " الفتح "(4/ 353): قال العلماء البيع على البيع حرام وكذلك الشراء على الشراء، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد، وهو مجمع عليه.
وأما السوم فصورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول له رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر، ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك صريحا فلا خلاف في التحريم، وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية، ونقل ابن حزم الركون على مالك.
وأخرج أبو عوانة في صحيحه (1) عن أنس أنه قيل له: أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟. قال: نعم وأخرج أبو داود (2) عن أنس أنه قال: هي كلمة جامعة لا تبيع له شيئا، ولا تبتاع له شيئا. ومرجعه إلى جواز استعمال المشترك (3) في معنييه أو معانيه،
(1) في مسنده (3/ 274رقم 4946) عن ابن سيرين قال: كان يقال: لا يبيع حاضر لباد، قال: فلقيت أنس ابن مالك.
فقلت: نهيتم أن تبيعون لهم أو تبتاعوا لهم؟ قال: نهيها أن نبيع لهم، وأن نبتاع لهم قال محمد: وصدق إنها كلمة جامعة.
(2)
في السنن رقم (3440) وهو حديث صحيح.
(3)
المشترك: هو اللفظة الموضوعة لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أولا من حيث هما كذلك.
" المحصول "(1/ 261).
وقيل هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة، سواء كانت الدلالتان متفاوتتين من الوضع الأول أو من كثرة الاستعمال، أو استفيدت إحداهما من الوضع والأخرى من كثرة الاستعمال وهو في اللغة على الأصح. ومثل: القرء، العين، فإنها مشتركة بين معانيها المعروفة .... ".
" البحر المحيط "(2/ 122).
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص102): ذهب الشافعي والقاضي أبو بكر وأبو على الجبائي والقاضي عبد الجبار ابن أحمد، والقاضي جعفر والشيخ الحسن والجمهور إلى جواز استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه.
وذهب أبو هاشم وأبو الحسين البصري والكرخي إلى امتناعه.
انظر تفصيل ذلك. " نهاية السول "(2/ 16)، " المحصول "(1/ 270 - 272).
والخلاف في ذلك معروف في الأصول (1)، وقد تقرر في اللغة (2) أن البيع يطلق على الشراء والعكس حقيقة لا مجازا، والحق جواز استعمال (3) المشترك في معنييه أو معانيه إذا لم يكن بينها تضاد (4)، وليس هذا موطن الكلام في ذلك. وفى هذا المقدار كفاية لمن له هداية. انتهى من تحرير المجيب القاضي محمد بن على الشوكاني -غفر الله لهما -.
(1) انظر: " الإنهاج (1/ 259)،: " نهاية السول " (2/ 138 - 140).
(2)
انظر " القاموس "(ص911).
(3)
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص105): بعد أن ذكر أدلة المجوزين وأدلة المانعين، قال: إذا عرفت هذا لاح لك عدم جواز الجمع بين معنى مشترك أو معانيه، ولم يأت من جوزه بحجة مقبولة.
وقد قيل أنه يجوز الجمع مجازا لا حقيقة، وبه قال جماعة من المتأخرين.
وقيل يجوز إرادة الجمع لكن بمجرد القصد لا من حيث اللغة، وقد نسب هذا إلى الغزالي والرازي.
وقيل يجوز الجمع في النفي لا في الإثبات، فيقول مثلا: ما رأيت عينا يراد العين الجارحة وعين الذهب وعين الشمس وعين الماء. ولا يصح أن يقال عندي عين وتراد هذه المعاني بهذا اللفظ.
وقيل بإرادة الجميع في الجمع فيقال مثلا عندي عيون ويراد تلك المعاني، وكذا المثني حكمه حكم الجمع فيقال مثلا عندي جونان ويراد أبيض وأسود، ولا يصح إرادة المعنين أو المعاني بلفظ المفرد وهذا الخلاف إنما هو في المعاني التي يصح الجمع بينها وفى المعنيين الذين يصح الجمع بينهما لا في المعني المتناقضة.
وانظر " نهاية السول "(2/ 138 - 140)، " الإنهاج "(1/ 263).
(4)
انظر التعليقة السابقة.