المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:

1 -

بحث في نفقة الزوجات.

2 -

بحث في الطلاق المشروط.

3 -

بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.

4 -

بحث في اختلاف النقد المتعامل به

.

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3389

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة وتتضمن الأبحاث التالية:

1 -

بحث في نفقة الزوجات.

2 -

بحث في الطلاق المشروط.

3 -

بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.

4 -

بحث في اختلاف النقد المتعامل به.

2 -

موضوع الرسالة: " فقه ".

3 -

أول الرسالة: " بسم الله الرحمن الرحيم " " الحمد لله وحده، وبعد: فإنه وصل من سيدي العلامة صفى الإسلام أحمد بن يوسف زبارة - كثر الله فوائده - ونفع بعلومه سؤالات

".

4 -

آخر الرسالة: "

وفي هذا كفاية

حرره في النصف الأول من ليلة سادس وعشرين شهر الحجة سنة 1213 هـ المجيب محمد الشوكاني.

5 -

عدد الصفحات: 17 صفحة.

6 -

عدد الأسطر في الصفحة: 21 سطرا.

7 -

عدد الكلمات في السطر: 9 - 10 كلمات.

8 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

9 -

الناسخ: المؤلف: محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3391

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وبعد:

فإنه وصل من سيدي العلامة صفي الإسلام أحمد بن يوسف زبارة - كثر الله فوائده ونفع بعلومه - سؤالات.

[بحث في نفقة الزوجات]

الأول: منها لفظه: الفرض للزوجة ونحوها ما حكمه حتى يجعل لها قد ونحوه، كيف يجزم في اليوم بنصف صاع مثلا، وإذا قلنا بهذا فهو معارض لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" خذي ما يكفيك وولدك "(1)، وإذا ألزمنا بذلك في هذا الزمان أنها تأخذ ما يكفيها، فهل تصدق في أنه لا يكفيها إلا زائد على ما يعتاد، وإذا صدقناها

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5364) ومسلم رقم (1714) من حديث عائشة " إن هندا بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".

قال ابن القيم في " إعلام الموقعين "(4/ 358 - 359): في حديث هند المتقدم تضمنت هذه الفتوى أمورا:

1 -

أن نفقة الزوجة غير مقدرة، بل المعروف لنفي تقديرها، وإن لم يكن تقديرها معروفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، ولا التابعين ، ولا تابعيهم.

2 -

أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الولد كلاهما بالمعروف.

3 -

انفراد الأب بنفقة أولاده.

4 -

أن الزوج والأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه، فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف.

5 -

أن المرأة إذا قدر على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل.

6 -

أن ما لم يقدره الله تعالى ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف.

7 -

أن من منع الواجب عليه، وكان سبب ثبوته ظاهرا، فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه كما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 3395

فهل يكون التصديق داخلا في النهي، وهو قوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (1)، فقد ورد في كثير من التفاسير (2) بأنه تمكين المرأة مال الرجل؟ أفيدوا فالمسألة كثيرة الورود، وما ذا يكون الاعتماد؟ انتهى.

والجواب أنهال قد اختلفت المذاهب في تقدير النفقة الواجبة بمقدار معين، وعدم التقدير، فذهب جماعة من أهل العلم، وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية (3). وقد اختلفت الرواية عن الهادي، فروي عنه ما تقدم، وجزم في الفنون بالتقدير بمدين لكل يوم، ولكل شهر درهمان للإدام، وجزم في المنتخب (4) بأنه يجب على الموسر ثلاثة أمداد لكل يوم، سوى الإدام، وعلى المعسر مد ونصف. قال في الغيث (5): وليس هذا بتحقيق، لأن الهادي قد قال: أو أقل من ذلك على ما يراه الحاكم، وقال الشافعي (6): على المسكين والمتكسب مد، وعلى الموسر مدان، وعلى المتوسط مد ونصف، وقال أبو حنيفة (7): على الموس سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر، والمعسر أربعة دراهم إلى خمسة. قال بعض أصحابه (8): هذا التقدير في وقت رخص الطعام، وأما في غيره فتعتبر بالكفاية. انتهى.

(1)[النساء: 5].

(2)

ستأتي ذكره.

(3)

قال ابن قدامة في " المغني "(11/ 349) والنفقة مقدرة بالكفاية، وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

(4)

" المنتخب " جمعه محمد بن سليمان الكوفي وهو تلميذ الإمام الهادي يحيى بن الحسين اهاشمي ايمني. وعلى هذا الكتاب اعتماد الهادويين من الزيدية في الفقه. "

مؤلفات الزيدية " (3/ 61).

(5)

تقدم التعريف به.

(6)

في " الأم "(10/ 304 رقم 16524، 16534).

(7)

ذكره النووي في " المجموع "(20/ 146).

(8)

ذكره النووي في " المجموع "(20/ 146).

ص: 3396

والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير (1)، لاختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والأشخاص؛ فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض، وكذبك الأمكنة، فإن في بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين، وفي بعضها ثلاثا، وفي بعضها أربعا، وكذلك الأحوال؛ فإن حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من لمقدار الذي تستدعيه حالة الخصب، وكذلك الأشخاص، فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه، وبعضهم قد يأكل نصف صاع، وبعضهم ربع صاع، وبعضهم دون ذلك.

وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا، ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف، كما في حديث عائشة عند البخاري (2)، ومسلم (3) وأبي داود (4)، والنسائي (5) وأحمد بن حنبل (6)، وغيرهم (7) أن هندا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية (8) مع التقييد

(1) انظر " المغني "(11/ 349 - 350).

(2)

في صحيحه رقم (5364).

(3)

في صحيحه رقم (7/ 1714).

(4)

في " السنن " رقم (3532).

(5)

في " السنن "(8/ 246).

(6)

في " المسند "(6/ 39، 50).

(7)

كابن ماجه رقم (2293).

(8)

قال القرطبي في " المفهمم "(5/ 161): ويعني بالمعروف: القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية، وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا فهي مقيدة معنى، فكأنه قال: إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي.

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 509): واستدل بهذا الحديث على:

1 -

جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك، وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة.

2 -

جواز ذكر الإنسان بالتعظيم كاللقب والكنية، كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن أبا سفيان كان مشهورا بكنيته دون اسمه، فلا بدل لقولها ": إن أبا سفيان " على إرادة التعظيم.

3 -

جواز استماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول أن صوتها عورة، ويقول: جاز هنا للضرورة.

5 -

وفيه أن القول قول الزوجة في قبض النفقة.

6 -

وفيهوجوب نفقة الزوجة وأنها مقدرة بالكفاية، وهو قول أكثر العلماء.

ص: 3397

بالمعروف، والمراد به الشيء الذي يعرف، وهو خلاف الشيء الذي ينكر، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئا معينا معلوما، ولا المتعارف بين أهل جهة معينة، بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها المتعارف بينهم. مثلا أهل صنعاء المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة، ويعتادون الإدام سمنا ولحما، فلا يحل أن يجعل طعام من تجب نفقته من طعام غير الثلاثة الأجناس المتقدمة، كالعدس، والفول، ولا من الشعير والذرة فقط، ولا بدون إدام، ولا بإدام غير المعتاد كالزيت والتلبينة، ونحو ذلك؛ فإن ذلك جميعه وإن كان يصدق عليه لفظ الكفاية لا يصدق عليه معنى المعروف، والعمل بالمطلق وإهمال قيده لا يحل.

وأما أهل البوادي المتصلة بصنعاء والقريبة منها بمقدار بريد (1) ودونه وفوقه فالمعروف عندهم هو الكفاية من أي طعام كان، من غير سمن ولا لحم إلا في أندر الأحوال، بل يكتفون تارة بالتلبينة (2)، وتارة بما يقوم مقامها، فالمتوجه شرعا على من وجبت عليه

(1) تقدم تقديره مرارا.

(2)

التلبينة: حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيها عسل، سميت تلبينة تشبيها باللبن لبياض ورقتها.

" لسان العرب "(12/ 230).

ص: 3398

أن يدفع إلى من كان في مثل صنعاء ما هو المعروف لديهم مما قدمنا، وإلى من كان في البوادي ما قدمنا مما هو المعروف لديهم، ويعتبر في كل محل ما يعرف أهله، ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي، وكذلك الحاكم يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، مع ملاحظة حال الزوج من اليسار والإعسار؛ لأن الله تعالى يقول:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (1).

وإذا تقرر لك أن الحق عدم جواز تقدير الطعام بمقدار معين فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين، بل المعتبر الكفاية بالمعروف. وقد حكى صاحب (2) البحر (3) أنه قد قدر في اليوم أوقيتان دهنا من الموسر، ومن المعسر أوقية، ومن المتوسط أوقية ونصف. وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر في الإدام تقدير القاضي باجتهاده عند التنازع، فيقدر في المد من الإدام ما يكفييه، ويقدر على الموسر ضعف ذلك، وعلى المتوسط بينهما، ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم. قال الرافعي (4): وقد تغلب الفاكهة في أوقاتها فتجب، ثم قال: وإنما يجب ما ذكر لزوجته إن لم تؤاكله حال كونها رشيدة، فإن واكلته وهن رشيدة سقطت نفقتها، ثم ذكر كلاما طويلا.

وأقول: المرجع ما هو معروف عند أهل البلد في الإدام جنسا، ونوعا، وقدرا، وكذلك في الفاكهة لا يحل الإخلال بشيء مما يتعارفون به إن قدر من تجب عليه النفقة على ذلك، وكذلك ما يعتاد من التوسعة في الأعياد ونحوها. ويدخل في ذلك مثل القهوة والسليط (5). وبالجملة فقد أرشد الشارع إلى ما هو معروف من الكفاية، وليس بعد هذا الكلام الجامع المفيد شيء من .................................

(1)[البقرة: 236].

(2)

الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت / 840 هـ).

(3)

(3/ 272).

(4)

ذكره صاحب " الروضة الندية "(2/ 160).

(5)

أي الزيت.

ص: 3399

البيان (1).

وأما ما أجاب به عن الحديث بعض من لم يتمرن بعلم الأدلة، ويتدرب بمسالك الاجتهاد من أنه لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم على طريقة الحكم بل على طريقة الإفتاء (2)، فهذه غفلة كبيرة، وبعد عن الحقيقة، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتي إلا بما هو حق وشرع، وقد تقرر أن السنة أقواله وأفعاله وتقرياته، لا مجرد أحكامه فقط، أي التي تكون بعد الخصومة، وحصول المتخاصمين، ولو كانت السنة ليست إلا الأحكام الكائنة على تلك الصفة لم يبق منها حجة على العباد إلا أقل من عشر معشارها؛ لأن صدور الحكم منه صلى الله عليه وآله وسلم على تلك الصفة إنما وقع في قضايا محصورة كقضية الحضرمي، والزبير (3)، وعبد بن زمعة (4)، ....................

(1) انظر " المغني "(11/ 349)، " المجموع "(20/ 145).

(2)

قال المازري (2/ 265): نبه الناس في هذا الحديث على فوائد، منها: وجوب نفقة الزوجة ونفقة البنين.

ومنها: أن الإنسان إذا أمسك آخر حقه وعثر له على ما يأخذ منه، فإنه يأخذه لأنها ذكرت أنها تأخذ بغير علمه.

ومنها: جواز إطلاق الفتوى، والمراد تعليقها بثبوت ما يقول الخصم؛ لأنها ذكرت أنه يمنعها حقها فقال لها:" خذي " وهذه إباحة على الإطلاق ولم يقل: " إن ثبت ذلك " ولكنه هو المراد، ولهذا لا يقول كثير من المفتين في جوابهم:" إذا ثبت ذلك " ويحذفونه اختصارا.

(3)

أخرج البخاري رقم (2359، 2360) ومسلم رقم (2357) من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه " أنه اختصم هو أنصاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزلير: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى أخيك، فغضب الأنصاري، ثم قال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ".

(4)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2218، 2533، 4303، 6765، 7182) ومسلم رقم (36/ 1457) من حديث عائشة قالت: " اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، وقال: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة.

ص: 3400

والمتلاعنين (1).

فإن قلت: ما وجه ما فعله كثير من القضاة في هذه الأزمنة من تقدير النفقة بقدح من الطعام متنوعا.

قلت: هو من تقدير الكفاية بالمعروف؛ لأن القدح يكفي غالب الأشخاص شهرا لا سيما في مثل صنعاء، فيكون للشخص في كل يوم نصف صاع يأتي المجموع في ثلاثين يوما خمسة عشر صاعا، وهي قدح ينقص صاعا، فهذا فيه ملاحظة للمعروف باعتبار الغالب، ولكن إذا انكشف أنه لا يكفي بأن يكون الشخص أكولا فلا يحل العمل بذلك الغالب؛ لأن فيه إهمالا لما أرشد إليه صلى الله عليه وآله وسلم من الكفاية، وهذا ليس فيه كفاية.

فالحاصل أنه لا بد من ملاحظة أمرين: أحدهما الكفاية، والثاني كونها بالمعروف، فإذا علم مقدار الكفاية كان المرجع في صفاتها إلى المعروف، وهو الغالب في البلد (2)، وإذا لم يعلم حال الشخص في مقدار ما يكفيه، أو وقع الاختلاف (3) بينه وبين من يجب عليه إنفاقه كان القول قول من يدعي ما هو المتعارف به، مثلا إذا قال من له النفقة لا يكفيه إلا قدحان، وقال من عليه النفقة: بل يكفيه قدح، كان القول قول من عليه

(1) انظر " فتح الباري "(8/ 449) و (9/ 361).

(2)

انظر " المجموع "(20/ 145).

(3)

قال ابن قدامة في " المغني "(11/ 352): ويرجع في تقدير الواجب إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه، إن لم يتراضيا على شيء، فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالهما. وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد، وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت به العادة في حق أمثاله.

ص: 3401

النفقة، لكونه مدعيا لما هو الغالب في العادة، وإذا تبين حال من له النفقة وجب الرجوع إلى ذلك لما عرفناك من أنه لا يحل الوقوف على مقدار معين على طريق القطع والبت، ثم الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" خذ ما يكفيك بالمعروف "(1) أن ذلك غير مختص بمجرد الطعام والشراب، بل يعم جميع ما يحتاج إليه، فيدخل تحته الفضلات (2) التي قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التضرر بمفارقتها، أو التضجر، أو التكدر. ويختلف ذلك بالأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، ويدخل في الأدوية (3) ونحوها. وإليه يشير قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ

(1) تقدم تخريجه.

(2)

وتجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم، ولأنها لا بد منها على الدوام فلزمته كالنفقة، وهي معتبرة بكفايتها وليست مقدرة بالشرع. ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها كفايتها على قدر يسرهما وعسرهما وما جرت عليه عادة أمثالهما به من الكسوة.

وعليه لها ما تحتاج إليه للنوم، من الفراش واللحاف والوسادة، كل على حسب عادته.

ويجب لها مسكن، بدليل قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]. فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى. قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]. ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن لاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع، وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما، لقوله تعالى:{مِنْ وُجْدِكُمْ} . ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام، فجرى مجرى النفقة والكسوة.

ويجب للمرأة ما تحتاج إليه، من المشط، والدهن لرأسها، والسدر أو نحوه مما تغسل به رأسها، وما يعود بنظافتها؛ لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه، كما أن على المستأجر كنس الدار وتنظيفها.

فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها، لكونها من ذوي الأقدار أو مريضة، وجب لها خادم لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها خادما ، ولأنه مما تحتاج إليه في الدوام ويحصل ذلك بواحد.

" المغني "(11/ 352 - 356).

(3)

سيأتي ذكر ذلك.

ص: 3402

وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)؛ فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقة أن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه إنفاقه، والرزق يشمل ما ذكرناه، وقال في الانتصار (2): ومذهب الشافعي (3): لا تجب أجرة الحمام، وثمن الأدوية، وأجرة الطبيب؛ لأن ذلك يراد لحفظ البدن، كما لا يجب على المستأجر أجرة إصلاح ما انهدم من الدار (4)، وقال في الغيث (5): الحجة أن الدواء لحفظ الروح، فأشبه النفقة. انتهى.

قلت: وهو الحق لدخوله تحت عموم قوله: ما يكفيك، وتحت قوله {رِزْقُهُنَّ} ، فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ (ما)، والثانية عامة لأنها مصدر مضاف، وهو من صيغ العموم، واختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق. وبمجموع ما ذكرناه يتقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة هو ما يكفيه بالمعروف، وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة، وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل - دامت إفادته - من خشية السرف في بعض الأحوال، بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لا سرف فيه بعد تبين مقدار الكفاية بأخبار المخبرين، الأنبياء، تجريب المجربين، كما

(1)[البقرة: 223].

(2)

انظر " مؤلفات الزيدية "(1/ 141).

(3)

(4/ 609).

(4)

قال المطيعي في تكملته " المجموع "(20/ 151 - 152): ولنا وقفة عند هذا الأمر الذي ينبغي النظر إليه من خلال ما طرأ على حياة الناس من تغير وليس هذا الفرع بالشيء الثابت الذي لا يتأثر بالعوامل الإنسانية السائدة، فإنه إذا كان الزوجان في مجتمع أو بيئة أو دولة تكفل للعامل والشغال قدرا من الرعاية الصحية تحت اسم إصابة العمل، أو المرض أثناء الخدمة، فيتكفل صاحب لعمل ببعض نفقات العلاج أو كلها، فإنه ليس من المعروف أن نضرب المثل هنا بإجارة الدار مع الفارق بين الزوجة، والدار، والأقرب إلى التشبيه أن يكون المثل إنسانيا، فيضرب المثل بالعامل فإنه أولى .... وهذا أمر مستحب يدخل في فضل المروءة وحسن المعاشرة والإيثار. وقد ذهبنا إلى استحبابه للإجماع على عدم وجوبه بلا خلاف، وفي هذا رد على من قال بعدم طلب تطيب الزوجة من زوجها ".

(5)

تقدم التعريف به.

ص: 3403

سبق، وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" بالمعروف " أي لا يغير المعروف، وهو السرف والتقتير.

نعم. إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز لنا الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه، إذا كان من أهل الرشد لا إذا كان من أهل السرف والتبذير، فإنه لا يجوز لنا تمكينه من مال من عليه النفقة، لأن الله تعالى يقول:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (1) بل ورد ما يدل على عدم جواز دفع أموال من لا رشد لهم إليهم كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2) فجعل الرشد شرطا لدفع أمولهم إليهم، فكيف يجوز دفع أموال غيرهم إليهم مع عدم الرشد؟ ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمردا، ومن له النفقة ليس بذي رشد أن يجعل الأخذ إلى ولي من لا رشد له، أو إلى رجل عدل.

وأما ما ورد في بعض التفاسير (3) من أن المراد بالسفهاء في قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا

(1)[النساء: 5].

(2)

[النساء: 6].

قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(5/ 37): واختلف العلماء في تأويل " رشدا " فقال الحسن وقتادة وغيرهما: صلاحا في العقل والدين.

وقال ابن عباس والسدي والثوري: صلاحا في العقل وحفظ المال.

وقال ابن جرير الطبري في " جامع البيان "(3 جـ 4/ 253): وأولى الأقوال عندي بمعنى الرشد في هذا الموضع: العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك لم يكن لمن يستحق الحجر عليه في ماله وحوز ما في يده عنه.

وإن كان فاجرا في دينه، وإن كان ذلك إجماعا من الجميع، فكذلك حكمه إذا بلغ، وله مال في يدي وصي أبيه، أو في يد حاكم قد ولي ماله لطفولته، واجب عليه تسليم ماله إليه، إذا كان عاقلا بالغا، مصلحا لماله غير مفسد ".

(3)

انظر " الجامع لأحكام القرآن "(5/ 29).

ص: 3404

السُّفَهَاءَ (1) أَمْوَالَكُمُ} (2) تمكين المرأة (3) من مال الرجل، كما ذكره السائل - عافاه الله -

(1) وأصل السفه في كلام العرب: الخفة والرقة.

ويقال: ثوب سفيه، إذا كان رديء النسخ خفيفه أو كان باليا رقيقا ، وتسفهت الرياح: اضطربت، وتسفهت الريح الغصون: حركتها واستخفهتا، وقال ذو الرمة:

مشين كما اهتزت رماح تسفهت

أعاليها مر الرياح النواسم

وتسفهت الشيء: استحقرته.

وقيل: السفه: خفة الحلم، نقيض الحلم، وأصله الخفة والحركة.

ويقال: إن السفه أن يكثر الرجل شرب الماء فلا يروى. ويجوز في همزتي السفهاء أربعة أوجه، أجودها أن تحقق الأولى وتقلب الثانية واو خالصة. وهي قراءة أهل المدينة، والمعروف من قراءة أبي عمرو. " اللسان "(6/ 287 - 289). .

(2)

[النساء: 5].

(3)

قال ابن جرير في " جامع البيان "(3 جـ 4/ 245 - 248): اختلف أهل التأويل في السفهاء الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم، فقال بعضهم: هم النساء والصبيان.

ثم قال بعد ذكر أقوال مختلفة في معنى " السفهاء ": والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه عم بقوله: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} فلم يخصص سفيها دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله فسادا وإفساده، وسوء تدبيره ذلك.

وإنما قلنا ما قلنا من أن المعنى بقوله: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} هو من وصفنا دون غيره، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح، وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليه وأجيز للمسلمين مبايعتهم، ومعاملتهم، غير الذين أمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم، فإذا كان ذلك كذلك، فبين أن السفهاء الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم هم المستحقون الحجر، والمستوجبون أن يولي عليهم، وهم من وصفنا صفتهم قبل، وأن من عدا ذلك فغير سفيه، لأن الحجر لا يستحقه من قد بلغ، وأونس رشده.

وأما قول من قال: عنى بالسفهاء النساء خاصة، فإنه جعل اللغة على غير وجهها، وذلك أن العرب لا تكاد تجمع فعيلا على فعلاء إلا في جمع الذكور، أو الذكور والإناث، وأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة لا ذكران معهم، جمعوه على فعائل وفعيلات، مثل غريبة تجمع غرائب وغريبات، فأما الغرباء فجمع غريب.

وقال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(5/ 28): روى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: هن النساء. قال النحاس وغيره: وهذا القول لا يصح، إنما تقول العرب في النساء: سفائه أو سفيهات؛ لأنه الأكثر في جمع فعيلة، ويقال: لا تدفع مالك مضاربة ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة. وروي عن عمر أنه قال: من لم يتفقه فلا يتجر في سوقنا، فذلك قوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} يعني الجهال بالأحكام.

وانظر " إعراب القرآن " للنحاس (1/ 432).

ص: 3405

فذلك إنما هو باعتبار أن غالب نوع النساء خال عن الرشد، وإلا فلا شك أن عدم الرشد يوجد في غيرهن، كالصبيان والمجانين، ومن يلتحق بهم من البله والمعتوهين، وكثير ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. ولا شك أيضًا أن في النساء من لها من الرشد والكمال ما لا يوجد في أفراد الرجال، ومنهن هند بنت عتبة بن ربيعة المذكورة في الحديث، فإنها كانت من سروات نساء قريش المشهورات بحسن العقل، وكمال الفطنة، كما يعرف ذلك من عرف أخبارها ومحاوراتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مبايعته لها، فالحاصل أنه لا ملازمة بين القول بوجوب الكفاية في النفقة، وبين حصول السرف، بل الأمر كما قدمنا، والله أعلم.

ص: 3406

[بحث في الطلاق المشروط]

السؤال الثاني: قال - كثر الله فوائده - ما لفظه: المسألة الثانية: رجل قال لأمرأته: إن لم تطلع الشمس فأنت طالق، وقال بعد ذلك: إن طلعت الشمس فأنت طالق، هل يحل وطؤها بالليل قبل طلوع الشمس أم قد وقع الطلاق فلا تحل مداناتها ليلا؟ أفيدوا. انتهى.

والجواب - بمعونة الوهاب - أنا نقول: قد تقرر في كتب الفقه أن مشروط الطلاق يترتب على الشرط نفيا وإثباتا، ولو مستحيلا، بل ثبت الترتب في الكتاب والسنة واللغة، وهو معلوم لا يجهل، بل ثبت الشرط المستحيل في الكتاب العزيز، قال الله تعالى:{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} (1) الآية. وقد خالف في أصل لزوم الطلاق المشروط الإمامية، والناصر، وبعض الظاهرية، فقالوا: لا يقع المعلق بالشرط؛ لأن لفظ الطلاق قد عدم عند وقوع الشرط، وهذه حجة داحضة، وشبهة فاسدة. قد شذ من عضدها العلامة الجلال في ضوء النهار (2) بكلام ساقط قد أوضحت بطلانه في غير هذا الموضع (3)، فلا نطول بذكره.

وإذا تقرر أن الحق وقوع الطلاق المعلق بالشرط، فنقول: هذا السؤال قد اشتمل على صورتين، الصورة الأولى: صورة النفي، وهي إن لم تطلع الشمس فأنت، والصورة الثانية صورة الإثبات، وهي إن طلعت الشمس فأنت طالق.

فأما الصورة الثانية فلا ريب أن الطلاق لا يقع إلا عند طلوع الشمس. وأما الصورة الأولى، فإن قلنا: إن الصيغة للفور وقع الطلاق في الحال، وإن قلنا: إنها للتراخي لم تطلق. وقد صرح أئمة الفروع بأن هذه الصيغة للتراخي كما يشعر بذلك ما في ..............

(1)[الأنعام: 35].

(2)

(3/ 928 - 930).

(3)

انظر " السيل الجرار "(2/ 373).

ص: 3407

الأزهار (1) من قول مؤلفه رحمه الله: ولا الفور إلا أن في التمليك (2)، وغير (أن)، و (إذا) مع لم. والصيغة المذكورة هاهنا هي أن مع لم فهي للتراخي، ولكن قد صرح صاحب الأثمار (3) بما يفيد أن مثل هذه الصيغة في المستحيلات للفور، ولفظ مختصر الأثمار هكذا: أولا الفور غالبا إلا نحو مني مع لم، وكلما مع لم، وأن في التمليك.

قال شارحه العلامة ابن بهران: وقوله: غالبا أي في غالب الأحوال، وقد يكون للفر نادرا، وذلك في الشرط المستحيل المنفي نحو إن (4) لم تطلعي السماء فأنت طالق،

(1)(2/ 374 - السيل الجرار).

(2)

قال الشوكاني في " السيل الجرار "(2 374):إن كان هذا الاقتضاء من هذا الحرف فهو محتاج إلى نقل عن أهل اللغة، وإن كان ذلك بخصوص كونها في التمليك فلا شك أنه لم يرد ما يدل على الفور في مثل قول الرجل لامرأته: طلقي نفسك إن شئت، فإن المشيئة كما يصح اعتبارها في الحال يصح اعتبارها في الاستقبال، وكذا قوله:" وغير "" إن " و" إذا " مع لم، فإنه لم يرد ما يدل على هذه الدعوى من شرع ولا لغة، وإن كان هذا الاقتضاء هو مجرد اصطلاح للمصنف وأهل محله، فلا مشاقة في الاصطلاحات.

(3)

تقدم التعريف به.

(4)

قال ابن قدامة في " المغني "(10/ 443 - 444): والحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق بها سته: إن، وإذا، ومتى، ومن، وأي، وكلما. فمتى علق الطلاق بإيجاد فعل بواحد منها، كان على التراخي، مثل قوله: إن خرجت، وإذا خرجت، ومتى خرجت، وأي حين، وأي زمان، وأي وقت خرجت، وكلما خرجت، ومن خرجت منكن، وأيتكن خرجت فهي طالق. فمتى وجد الخروج طلقت، وإن مات أحدهمما، سقطت اليمين.

فأما إن علق الطلاق بالنفي بواحد من هذه الحروف، كانت" إن " على التراخي، زمتى، وأي، ومن، وكلما، على الفور. لأن قوله: متى دخلت فأنت طالق يقتضي أي زمان دخلت فأنت طالق. وذلك شائع في الزمان كله، فأي زمن دخلت وجدت الصفة. وإذا قال: متى لم تدخلي فأنت طالق. فإذا مضى عقيب اليمين زمن لم تدخل فيه، وجدت الصفة؛ لأنها اسم لوقت الفعل، فيقدر به، ولهذا يصح السؤال فيه، وجدت، الصفة، لأنها لوقت الفعل، فيقدر، ولهذا يصح السؤال به، فيقال: متى دخلت؟ أي: أي وقت دخلت. وأما " إن " فلا تقتضي وقتا، فقوله: إن لم تدخلي. لا يقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت، فهي مطلقة في الزمان كله، وأما إذا، ففيها وجهان، أحدهما على التراخي، وهو قول أبي حنيفة، ونصره القاضي؛ لأنها تستعمل شرطا بمعنى (إن) قال الشاعر:

استغن ما أغناك ربك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتجمل

فجزم بها كما يجزم بإن، ولأنها تستعمل بمعنى متى وإن، وإذا احتملت الأمرين فاليقين بقاء النكاح، فلا يزول بالاحتمال، والوجه الآخر أنها على الفور، وهو قول أبي يوسف، ومحمد، وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن مستقبل، فتكون كمتى، وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها، فإن متى يجازى بها، ألا ترى إلى قول الشاعر:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

و" من " يجازى بها أيضا، وكذلك " أي " وسائر الحروف، وليس في هذه الحروف ما يقتضي التكرار إلا كلما ، وذكر أبو بكر في (متى) أنها تقتضي التكرار أيضًا لأنها تستعمل للتكرار بدليل قوله:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

أي: في كل وقت، ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء، ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه، والصحيح أنها لا تقتضيه؛ لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا، فلا تقتضي ما لا يقتضيانه، وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره، مثل إذا وأي وقت، فإنهما يستعملان في الأمرين، قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54].

قوم إذا الشر أبدى ناجزيه لهم

صاروا إليه زرافات ووحدانا

وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار، وسائر الحروف يجازى بها، إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره، لا تحمل على التكرار إلا بدليل، كذلك (متى).

وانظر " المجموع "(18/ 297 - 298).

ص: 3408

فإنها تطلق في الحال، وكذلك إذا لم، ومتى لم، وكلما لم، وهذا من الزوائد، أعني ذكر التسوية بين كلمات الشرط في اقتضائها الفور إذا علقته بالشرط المستحيل نفيا. انتهى.

إذا عرفت هذا علمت أن قوله: إن لم تطلع الشمس هو من التعليق بالمستحيل عادة (1)

(1) فإن علق الطلاق على مستحيل فقال: أنت طالق إن قتلت الميت أو شربت الماء الذي في الكوز - ولا ماء فيه. أو جمعت بين الضدين، أو: كان الواحد أكثر من اثنين. أو على ما يستحيل عادة، كقوله: إن طرت، أو صعدت إلى السماء. أو قلبت الحجر ذهبا. أو شربت هذا النهر كله. أو حملت الجبل، ففيه وجهان:

أحدهما: يقع الطلاق في الحال؛ لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال، وفي الثاني: فلم يصح كاستثناء الكل، وكما لو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك. أو: لا تنقص عدد طلاقك.

الثاني: لا يقع؛ لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد، ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال، كقوله:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي

وصار القار كاللبن الحليب

أي لا آتيهم أبدا.

وقيل: إن علقه على ما يستحيل عقلا. وقع في الحال؛ لأنه لا وجود له. فلم تعلق به الصفة، وبقي مجرد الطلاق. فوقع.

وإن علقه على مستحيل عادة، كالطيران، وصعود السماء لم يقع؛ لأن له وجودا وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء، فجا تعليق الطلاق به. ولم يقع قبل وجوده. " المغني "(10 474 - 475).

ص: 3409

إذا قال ذلك مثلا في وقت من أوقات الليل؛ لأن الشمس لا تطلع في ذلك الوقت، فهو باعتبار وقت الليل مثل قوله: إن لم تطلعي السماء (1) فأنت طالق. ولا اعتبار بكون أحدهما مستحيلا دائما، والآخر مستحيلا في وقت دون وقت؛ لأن وقت التعليق المقصود بالكلام الطلوع فيه مستحيل، وذلك هو المقصود، هذا ما يقتضيه الظاهر من كلام أهل الفروع، وهو يستلزم أنه لا يجوز له وطؤها في الليل، وعندي أن الاعتبار بنية المعلق للطلاق، فإن أراد بقوله: إن لم تطلع الشمس (2) عدم طلوعها في الحال، وكان في الليل، طلقت في الحال، وإن أراد إن لم تطلع في وقتها المعتاد لم تطلق (3)، لأنها طالعة فيه دائما ما دامت الدنيا حتى تقوم القيامة. ولا يصح الجزم بأن هذه الصورة من صور المستحيل حتى يدخل تحت صوره غالبا المذكورة في الأثمار، لأنا نقول: إنها لا

(1) قال ابن قدامة في " المغني "(10/ 475): فأما إن علق طلاقها على نفي فعل المستحيل، فقال: أنت طالق إن لم تقتلي الميت. أو تصعدي السماء. طلقت في الحال؛ لأنه علقه على عدم ذلك، وعدمه معلوم في لحال. وفي الثاني فوقع الطلاق كما لو قال: أنت طالق إن لم أبع عبدي، فمات العبد. وكذلك لو قال: أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز، ولا ماء فيه ، أو لأقتلن الميت: وقع الطلاق في الحال.

(2)

انظر التعليقة السابقة.

(3)

انظر " المغني "(10/ 475).

ص: 3410

تدخل تحت صوره غالبا إلا إذا كانت مستحيلة، وهي لا تكون مستحيلة إلا إذا أراد إن لم تطلع في جزء من أجزاء الليل، والإرادة ينافي الدخول تحت صوره غالبا؛ لأنها فيما كان مطلقا من الصيغ لا فيما كان معلقا بجزء معين، فإنه لا ثمرة في اقتضائه الفور. والتراخي أو التعبير بالإرادة والقصد موجب للعمل به، فإذا قال القائل لامرأته: إن لم تطلع الشمس فأنت طالق، وكان عند هذا القول في الليل لم يصح أن يحكم عليه بأن هذه الصيغة تقتضي الفور حتى تطلق في الحال، إلا بعد معرفة أن ذلك مستحييل، ولا نعرف أنه مستحيل إلا إذا علمنا أنه أراد عدم الطلوع في الليل، لا إذا لم يسلم ذلك، إذ من الجائز أن يكون أراد عدم طلوعها في الوقت المعتاد وليس ذلك بمستحيل، فقد توقف كونها للفور على كونها مستحيلة، كونها مستحيلة على إرادة جزء معين، وإرادة جزء معين تنافي كونها للفور، وهذا فيه دقة، ولهذا أوضحته بالتكرار.

وإذا تقرر هذا فالمتوجه الرجوع إلى الإرادة كما أسلفنا، فإن أراد إن لم تطلع الشمس في الليل طلت زوجته (1)، وإن أراد إن لم تطلع في الوقت المعتاد لطلوعها لم تطلق؛ لأنها ستطلع لكنها تطلق بالشرط الآخر، وهو قوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق.

فالحاصل أن الصورة الأولى من صورتي الشرط المذكورتين في السؤال لا يقتضي عدم جواز الوطء في الليل، إلا إذا أراد إيقاع الطلاق إن لم يقع الطلوع في الليل، لا إذا لم يرد ذلك فلا يقع؛ لأنها طالعة في وقتها دائما (2).

والصورة الثانية (3): تقتضي وقوع الطلاق عند طلوع الشمس في وقت طلوعها، ولا

(1) تقدم ذكر ذلك.

(2)

في هامش المخطوط ما نصه " فإذا لم يكن له إرادة هل يكون الخلاف فيه لو علق الطلاق بطهارة ثوب، هل يرجع إلى الأصل أو إلى عدم وقوع وصفهم أو ما ذا يكون الحكم؟ ".

(3)

من السؤال: وهو قوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق.

قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(33/ 197): وأما التعليق المحض كقوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق، ففيه قولان مشهوران لهم، ومذهب الشافعي وأصحاب أحمد في أحد الوجهين ليس بيمين كاختيار القاضي أبي يعلى، ومذهب أبي حنيفة وأصحاب أحمد في الوجه الآخر: هو يمين، كاختيار أبي الخطاب.

وقال النووي في " المجموع "(18/ 296): إذا علق الطلاق بشطر لا يستحيل كدخول الدار ومجيء الشهر، تعلق به، فإذا وجد الشرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع.

وقال المطيعي في " التكملة "(18/ 297): فإنه إذا علق طلاق امرأته بشرط غير مستحيل لم يقع الطلاق قبل وجود الشرط، سواء كان الشرط يوجد لا محالة، كقوله: إذا طلعت الشمس فأنت طالق، أو كان الشرط قد يوجد ولا يوجد، كقوله: إذا قدم القطار من الإسكندرية فأنت طالق، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة والثور.

وقال الزهري وابن المسيب والحسن البصري ومالك: إذا علق الطلاق بشرط يوجد لا محالة كمجيء الليل والنهار والشمس والقمر وما أشبههما وقع الطلاق في الحال قبل وجود الشرط.

ص: 3411

يقع قبل ذلك، فيحل الوطء في الليل؛ لبقاء النكاح، وعدم حصول شرط الطلاق، وليس هذا من التعليق بممكن ومستحيل حتى يكون الحكم للمكن على ذلك التفصيل المذكور في كتب الفقه، بل هذا باب آخر.

ص: 3412

[بحث في الصوم لي وأنا أجزي به]

السؤال الثالث: قال - حفظه الله -: المسألة الثالثة قوله: " الصوم لي وأنا أجزي به "(1) الحديث، كيف أنه اختص من بين سائر العبادات بالله؟ إن قلنا: كونه عبادة خفية، فالإيمان أخفى، وإن قلنا: أن فيه تصفية للقلب والعقل، فذكر الله تعالى في التصفية أبلغ، وكذلك تلاوة القرآن، وإن قلنا: عبادة لم يعبد بها غير الله، فأهل الملل الأخرى يصومون لاستخدام الأفلاك، وللارتياض ونحو ذلك مما لم يقصد به الباري؟ أفيدوا. انتهى.

والجواب أنه قد اختلف في تفسير معنى هذا اللفظ الوارد في الحديث اختلافا طويلا، حتى بلغت الأقوال إلى خمسة وخمسين قولا، أقواها ستة.

أحدها: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه أكثر. هذا سياق الحديث، فإن لفظه في الأمهات (2) هكذا: عن أبي هريرة قال: قال رسول

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1904) ومسلم رقم (163، 164/ 1151) وأحمد (2/ 273) والنسائي (4/ 162 - 163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب. وفي رواية: ولا يجهل. فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة منريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ".

(2)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه رقم (7492)، (5927) و (1894)، (7538) وابن ماجه رقم (16638) وأحمد (2/ 281)(2/ 443، 477) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر حسنات إلى سبع مائة ضعف، يقول الله: إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به ...... " وله عندهم ألفاظ مختلفة.

وقال الحافظ في " الفتح "(4/ 110): عن البيضاوي: والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر، بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى. ولذلك يتولى الله جزاؤه بنفسه ولا يكله إلى غيره. قال - البيضاوي -: والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران:

أحدهما: أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه. والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه، وإلى ذلك الإشارة بقوله:" فإنه لي ".

الآخر: أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال للبدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان، وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات.

ص: 3413

الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي ".

الثاني: أنه يوم القيامة (1) يأخذ خصماؤه جميع أعماله إلا الصوم، فلا سبيل لهم عليه، قال بهذا ابن عيينة (2)، وهو محتاج إلى دليل.

(1) قال القرطبي في " المفهم "(3/ 212): نقلا عن ابن العربي، قال القرطبي ردا على ذلك بقوله: وقد كنت استحسنته إلى أن فكرت في حديث المقاصة، فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال المذكورة للأخذ منها، فإنه قال فيه:" هل تدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار ". وهذا يدل على أن الصوم يؤخذ كسائر الأعمال.

[أخرج الحديث احمد (2/ 303، 334) ومسلم رقم (2581) والترمذي رقم (2418).

(2)

قال ابن حجر في " الفتح "(4/ 109): إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك، فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه:" كل العمل كفارة إلا الصوم، الصوم لي وأنا أجزي به ".

ثم قال: ولكنه وإن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة: " فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ..... ". أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1895).

قال ابن حجر في الجمع بينهما: حديث حذيفة هذا لا يعارض حديث: " الأعمال كفارة إلا الصوم " لأنه يحمل في الإثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر.

وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في باب " الزكاة " باب الصدقة تكفر الخطيئة

.: " ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم منحديث أبي هريرة مرفوعا: الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر .... ".

وعلى هذا فقوله: " كل العمل كفارة إلا الصيام " يحتمل أن يكون المراد إلا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة، ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب.

ص: 3414

الثالث: أن الصوم لم يعبد به غير الله (1)، وما عداه من العبادات قد تقرب به إلى غيره، ويعترض عليه بمثل ما ذكره السائل، عافاه الله.

ويجاب عنه بأن ذلك ليس على طريقة العبادة، بل هو لقصد تخفيف الأخلاط وتقليلها، كما يفعله أهل الرياضيات، ويزعمون أن أثرا في إدراك الحقائق، ولم يكن في قصدهم التقرب بذلك إلى الكواكب ونحوها.

الرابع: أن الصوم صبر (2)، فيدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ

(1) قال ابن حجر في " الفتح "(4/ 108): واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام. وأجيب: بأنهم لا يعتقدون إلهية الكواكب وإنما يعتقد أنها فعالة بأنفسها، وهذا الجواب عندي ليس بطائل؛ لأنهم طائفتان: إحداهما كانت تعتقد إلهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام، واستمر منهم من استمر على كفره. والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر في تعظيم الكواكب وهم الذين أشير إليهم.

(2)

ذكره ابن حجر في " الفتح "(4/ 108) وعزاه إلى ابن عيينة أنه قال ذلك، واستدل له بأن الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات.

قال القرطبي في " المفهم "(3/ 213): قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وهم الصائمون في أكثر أقوال المفسرين ، وهذا ظاهر قول الحسن، غير أنه قد تقدم، ويأتي في غير ما حديث: أن صوم اليوم بعشرة، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام رمضان صيام الدهر، وهذه نصوص في إظهار التضعيف، فبعد هذا الوجه، بل بطل.

قال الحافظ ردا على قول القرطبي: " لا يلزم من الذي ذكر بطلانه، بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلا الله تعالى، ويؤيده أيضًا العرف المستفاد من قوله: " أنا أجزي به " لأن الكريم إذا قال: أنا أتولى الإعطاء بنفسي، كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ".

انظر: " فتح الباري "(4/ 108) و" المفهم "(3/ 213).

ص: 3415

أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1).

ويجاب عن هذا بأنه على تسليم ذلك يشاركه كل ما يصدق عليه أنه صبر.

لخامس: أن هذه العبادة لا يمكن إطلاع الغير عليها (2)، إنما هي عبادة يؤتمن عليها

(1)[الزمر: 10].

(2)

قال القرطبي في " المفهم "(3/ 212): اختلف في معنى هذا على أقوال:

أحدها: أن أعمال بني آدم يمكن الرياء فيها، فيكون لهم، إلا الصيام فإنه لا يمكن فيه إلا الإخلاص؛ لأن حال الممسك شبعا كحال الممسك تقربا، وارتضاه المازوري - في المعلم بفوائد مسلم (2/ 41) - ثم قال المازوري بعد ذلك: وإنما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر في ذلك والصلوات والج والزكاة أعمال بدنية يمكن فيها الرياء والسمعة، فلذلك خص الصوم بما ذكره دونها.

ثانيها: أن أعمال بني آدم كلها لهم فيها حظ إلا الصيام، فإنهم لا حظ لهم فيه. قاله الخطابي.

قال الحافظ في الفتح (4/ 107): معنى النفي في قوله " لا رياء في الصوم " أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر، فإن الرياء قد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخله بمجرد فعلها.

ثالثها: أن أعمالهم هي أوصافهم، ومناسبة لأحوالهم إلا الصيام، فإنه استغناء عن الطعام، وذلك من خواص أوصاف الحق سبحانه وتعالى:

وذكره الحافظ في الفتح (4/ 108).

رابعها: أن أعمالهم مضافة إليهم إلا الصيام، فإن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفا، كما قال (بيتي، عبادي).

قال الحافظ في الفتح (4/ 108): وقال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.

خامسها: أن الأعمال كلها ظاهرة للملائكة، فتكتبها، إلا الصوم، وإنما هو نية وإمساك، فالله يعلمه ويتولى جزاءه، قاله أبو عبيد.

قال الحافظ في الفتح (4/ 109): واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في " المسلسلات " ولفظه: " قال الله: الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب، لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان يفسده " ويكفي في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها، وإن لم يفعلها.

ص: 3416

العبد بخلاف غيرها.

السادس: أن هذه العبادة لا تحصل بها المباهاة لكونها غير ظاهرة الأثر (1).

واعترض على هذين بما ذكره السائل - كثر الله فوائده - من أن الإيمان بالله أخفى من الصوم. ويجاب عنه بأن الإيمان فعل من أفعال القلوب، لا من أفعال الجوارح، والمقصود هاهنا أعمال الجوارح (2)، كما يدل عليه قوله في أول الحديث:" كل عمل ابن آدم " ولكن هذا الاعتراض إنما يتم بعد تسليم أنه لا يصدق على أفعال القلوب أنها أعمال، وفيه نزاع.

وعندي جواب لم أجد من تعرض له (3)، وهو أن قوله تعالى:" الصوم لي " لا يدل على أن ما عداه من العبادات ليس له إلا بمفهوم اللقب (4) ، ومفهوم اللقب غير .......

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

انظر: " فتح الباري "(4/ 109).

(3)

في حاشية المخطوط (تحقيق بكر لم يسبق، جزى الله من أفادنا به خيرا، آمين).

(4)

مفهوم اللقب: هو تعليق الحكم بالاسم العلم نحو قام مزيد، أو اسم نوع، نحو في الغنم زكاة، فلا يدل على نفي الحكم عما عداه، وقد نص عليه الشافعي، كما قاله في البرهان، وقال الأستاذ أبو إسحاق: لم يختلف قول الشافعي وأصحابه فيه. وخالف فيه أبو بكر الدقاق، وبه اشتهر، وزعم ابن الرفعة وغيره أنه لم يقل به من أصحابنا غيره، وليس كذلك. فقد قال سليم في " التقريب ": صار إليه الدقاق وغيره من أصحابنا.

قال إمام الحرمين: وقد سفه الأصوليون الدقاق ومن قال بمقالته، وقالوا هذا خروج عن حكم السان، فإن من قال: رأيت زيدا، لم يقتض أنه لم ير غيره قطعا، ولإجماع العلماء على جواز لتعليل والقياس، فهو يقتضي أن تخصيص الربا بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه، ولو قلنا به بطل القياس. "

البحر المحيط " (4/ 26 - 27).

ص: 3417

معمول به (1) كما تقرر عند أئمة الأصول، ولم يخالف في ذلك إلا الدقاق (2)، والسؤال إنما يرد على فرض أنه يدل على أن سائر العبادات ليست له، وليس الأمر كذلك، فوزانه وزان قول من قال وله من أنواع المال أنواع كثيرة من غنم، وبقر، وخيل، وبغال، وغير ذلك، الغنم لي، أو البقر لي أبيعها كيف شئت، فإن ذلك لا يدل على أن ما عدا الغنم أو البقر لغير، إلا بمفهوم لقبه الساقط (3)، وحينئذ لا يحتاج إلى طلب النكتة في تخصيص الصوم بكونه لله، بل المراد أنه لما كان الصوم له تعالى كان له أن يجزي فاعله بأي جزاء شاء، وليس أمر ذلك إلينا كسائر الأمور المتعلقة بالعباد (4).

(1) قال الزركشي في " البحر المحيط "(4/ 27): إطلاق أن مفهوم اللقب ليس بحجة مطلقا قد استشكل، فإن أصحابنا قد قالوا به في مواضع واحتجوا به.

ثم قال: والتحقيق أن يقال: إنه ليس بحجة إذا لم يوجد فيه رائحة التعليل.

(2)

انظر التعليقة رقم (4) في الصفحة السابقة.

قال الشوكاني في " إرشاد الفحول "(ص 602): والحاصل أن القائل به كلا أو بعضا لم يأت بحجة لغوية ولا شرعية ولا عقلية، ومعلوم من لسان لعرب أن من قال: رأيت زيدا، لم يقتض أنه لم ير غيره قطعا، وأما إذا دلت القرينة على العمل به فذلك ليس إلا للقرينة، فهو خارج عن محل النزاع.

وانظر: " تيسير التحرير "(1/ 101)، " الكوكب المنير "(3/ 509).

(3)

تقدم التعليق على ذلك.

(4)

في حاشية المخطوط ما نصه: "

هذا التوجيه غير منطبق على قوله في الحديث (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي .... ) الحديث. كما لا يخفى على من له أدنى فهم ".

ص: 3418

[بحث في اختلاف النقد المتعامل به]

السؤال الرابع: قال - حفظه الله - ما لفظه: المسألة الرابعة: ازدياد النقود (1)، فاليوم هذا دفع البيع بالقرش حجرا، وصرفه من كذا، واليوم الثاني كذا، فما حكم البيع مع إضمار البائع والمشتري أنه إذا سلم له صرف يوم التسليم، يزيد وإلا نص فهو راض بذلك، هل يكون جائزا، ويكون البيع فاسدا، وما زاد على يوم البيع في الثم هل يلزم الحاكم بالزيادة أم لا ، أو يعتبر بيوم العقد أو بيوم التسليم، وهل يكون ذريعة للفسخ أم لا؟ فأفضلوا بالإفادة. انتهى.

أقول: هذه المسألة قد عمت بها البلوى، والمخلص منها أن ينظر الحاكم في الثمن الذي وقع به البيع، هل هو قروش فرانصه (2)، أو قروش من غير تقييد بكونها فرانصه،

(1) قال ابن قدامة في المغني (6/ 60): الجيد والرديء، والتبر والمضروب، الصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل، وهذا قول أكثر أهل العلم. منهم، أبو حنيفة والشافعي. وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه، وأنكر أصحابه ذلك، ونفوه عنه، وحكى بعض أصحابنا عن أحمد رواية لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة، ولأن الصناعة قيمة، بدليل حالة الإتلاف، فيصير كأنه ضم قيمة الصناعة إلى الذهب.

قال ابن قدامة: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل " وهو حديث صحيح - وعن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها " رواه أبو داود، وروى مسلم عن أبي الأشعث أن معاوية أمر ببيع آنية من فضة في أعطيات الناس، فبلغ عبادة فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، وروى الأثرم عن عطاء بن يسار أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها. فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن، ولأنهما تساويا في الوزن، فلا يؤثر اختلافهما في القيمة، كالجيد والرديء ".

انظر المجموع (10/ 265).

(2)

المقصود العملة الفضية المعتمدة في ذلك الوقت محورة عن (الفرنسية).

ص: 3419

أو قروش من هذه الضربة، فإن كان قروش فرانصه كان الواجب تسليمها فرانصه حسب البيع، ولا يجوز إجبار البائع على قبض ما يقابلها من هذه الضربة عرفا؛ لأنه ربما تعلق بالفرانصه غرض له لا يوجد في غيرها، اللهم (1) إلا أن يرضى بأن يأخذ عوضها من هذه الضربة، فالواجب له العوض في الوقت الذي يأخذ العوض فيه، وإن كان زائدا على قدر ما يقابل الفرانصه في وقت البيع؛ لأنه إنما باع بالفرانصه وقبض بعد ذلك ما يقابلها، والاعتبار بوقت القبض (2)؛ لأنه قد ثبت له في ذمة المشتري قروش فرانصه إلى وقت قبل العوض، فإذا زاد العوض في وقت القبض على وقت البيع لم يجز إجباره على قبض العوض في وقت البيع؛ لأن الثابت المعوض، لا العوض، فهو بمنزلة من باع دارا مثلا بدار أخرى، فكما أنه يستحق صاحب الدار الأخرى قيمتها وقت التراضي على قبض

(1) في حاشية المخطوط ما نصه: "

ينظر في المعاطاة، فقد حفظ عن المؤلف - كثر الله فوائده - هذا اللهم إلا أن يكون مع تيقن التساوي، ولعله المراد كما سيأتي إن شاء الله ".

(2)

إذا باع شيئا من مال الربا بغير جنسه، وعلة ربا الفضل فيهما واحدة لم يجز التفرق قبل القبض. فإن فعلا بطل العقد. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا، وكبيع ذلك بأحد النقدين.

وقال ابن قدامة في " المغني "(6/ 63 - 64): ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد ". رواه مسلم، وقال عليه السلام:" فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد ".

وروى مالك بن أوس بن الحدثان، أنه التمس صرفا بمائة دينار قال: يقلبها في يديه، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة. وعمر يسمع ذلك، فقال: لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير إلا هاء وهاء ". متفق عليه. والمراد به القبض، بدليل أن المراد به ذلك في الذهب والفضة، ولهذا فسره عمر به، ولأنهما حالان من أحوال الربا علتهما واحدة، فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالذهب والفضة، فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون عند من يعلل بهما فقال أبو خطاب: يجوز التفرق قبل القبض رواية واحدة؛ لأن علتهما مختلفة، فجاز التفرق قبل القبض.

ص: 3420

قيمتها، كذلك يستحق البائع بالقروش الفرانصه قيمتها وقت التراضي على قبض قيمتها، فلو قال قائل: إن صاحب الدار الأخرى يجبر على قبض قيمتها وقت البيع مع تيقن زيادة القيمة إلىوقت القبض كان ذبك ظلما بحتا، كذلك مسألة السؤال هذا، إذا كان البيع بالقروش مقيدا بكونها فرانصه، وأما إذا كان البيع بقروش من غير تقييد، فهذا يرجع فيه إلى الأعراف، فإن كان هذا المطلق ينصرف في العرف إلى القروش الفرانصه كأثمان الدور، والعقار، وكثير من المنقولات التي تجري العادة بأن أثمانها قروش فرانصه كان العرف مقيدا لذلك المطلق (1)، لما تقرر في الأصول من أن الأعراف صالحة لتقييد ما أطلق في المعاملات، وإن كان العرف جاريا بأن تلك العين التي وقع البيع لها إذا أطلقت القروش انصرفت إلى القروش من هذه الضربة، كما في كثير من المحقرات، وجب الرجوع إلى ذلك، ولا يلزم للبائع إلا قروش من هذه الضربة، فإن كانت القروش العددية من

(1) انظر " البحر المحيط "(3/ 426)، " اللمع "(ص 280).

والاستعمالات الفقهية للعرف تنحصر في أربعة استعمالات:

1 -

العرف الذي يكون دليلا على مشروعية الحكم ظاهرا.

2 -

العرف الذي يرجع إليه في تطبيق الأحكام المطلقة على الحوادث.

3 -

العرف الذي ينزل منزلة النطق بالأمر المتعارف.

4 -

العرف القولي.

ضابط ما يعد نقدا بين الناس:

معيار النقد بين الناس - على ما يقول علماء الاقتصاد - وهم هنا أهل الخبرة، المطلوب تحكيمهم في مجالهم ومداهم، قالوا: " إن للنقد خصائص متى توفرت في مادة ما اعتبرت هذه المادة نقدا:

1 -

أن يكون وسيطا للتبادل.

2 -

أن يكون مقياسا لقيم الأشياء.

3 -

أن يكون مستودعا للثروة.

وعلى ذلك أقرب ما يعرف به النقد هو: " كل شيء يلقى قبولا عاما في العرف واصطلاح الناس، بوصفه وسيطا للتبادل مهما كان ذلك الشيء، وعلى أي حال يكون ".

ص: 3421

هذه الضربة مساوية لما تصرف به القروش الفرانصه منها، مثلا إذا جرى العرف بأن القرش العددي ثمانون بقشة، وكان صرف القرش الفرانصي ثمانون بقشة كان البائع مستحقا لما اشتمل عليه العقد من القروش، فيقبض كل قرش ثمانين بقشة، وليس له أن يطلب فرانصه، إلا إذا وقع التراضي، وإن كانت القروش من هذه الضربة عرفا تطلق على ثمانين بقشة مثلا، ولكن صرف (1) القرش الفرانصي منها زيادة على ثمانين بقشة كما

(1) قال ابن المنذر في " الإجماع "(ص 92) أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد ".

ويشترط لصحة الصرف - مع اتحاد الجنس - التماثل والتساوي بين النقدين.

والمسائل التي لها بالعرف تعلق هنا في باب الصرف:

1 -

ضابط القبض في الصرف.

2 -

ضابط التفرق فيه.

أما القبض في الصرف فيحصل بأن يسلم كل من المتصارفين البدل الذي بيده للآخر في مجلس العقد، قبل أن يتفرقا، ولو افترقا قبل التقابض بطل عقد الصرف.

وأما التفرق فيه، فالمعتبر فيه هنا هو المعتبر في خيار المجلس في البيع، وهو: ما لم يتفرقا عرفا بأبدانهما من مكان التبايع.

ومن الفروع المهمة على ذلك:

1 -

متى افترق المتصارفان بأبدانهما قبل كل العوض المعقود عليه في الجانبين - جانب البائع وجانب المشتري - بطل العقد.

ولو قبض بعض العوض في المجلس، وتفرقا قبل قبض الباقي صح فيما قبض، لوجود شرطه، وبطل في الباقي لفواته.

2 -

لا يضر في صحة عقد الصرف طول المجلس قبل القبض، ما دام المتبايعان متلازمين، فلو مشيا مثلا إلى منزل أحدهما مصطحبين لم يتفرقا، فقابضا، أو مشيا إلى الصراف، فتقابضا عنده، صح الصرف؛ لأن المجلس هنا كمجلس الخيار في البيع وهما لم يتفرقا قبل القبض.

3 -

إذا وكل عاقدي الصرف شخصا في القبض، صح العقد لأن قبض الوكيل كقبض موكله، لكن العبرة في التفرق لحال الموكل العاقد دون الوكيل، فلو افترق الموكل والعاقد الآخر قبل القبض بطل الصرف سواء فارق الوكيل المجلس أم لا.

انظر: " المغني "(6/ 60 - 66، 266).

ص: 3422

يتفق ذلك في كثير من الأوقات: كان الواجب الرجوع إلى ما جرى به العرف، وهو الثامنون البقشة لا إلى ما يقابل القروش الفرانصه، وهو الزائد على ذلك، فإن اختلف العرف في مثل المحقرات، فتارة تكون أثمانها قروشا فرانصه، وتارة تكون قروشا عدديةة من هذه الضربة، فلا يخلو إما أن يكون ثم غالب أولا، إن كان ثم غالب كان القول قول من وافقه، وإن لم يكن ثم غالب كان القول قول البائع قبل التسليم؛ لأن المشتري يريد إلزامه بزيادة جنس، أو نوع، أو صفة، أو قدر.

وقد صرح بهذا في كتب الفقه كما وقع في الأزهار (1) في آخر البيع حيث قال: وفي الثمن لمدعي ما يتعامل به في البلد، ثم قال: وللبائع في قدره وجنسه ونوعه وصفته قبل تسليم المبيع لا بعده، فللمشتري، وأما إذا كان العقد على قروش من هذه الضربة انصرف إليها في العرف، وإذا اختلف العرف كان الأمر كما تقدم.

وأما ما ذكره السائل - دامت إفادته - من فساد العقد (2)، فلا فساد لعدم وجود صورة من صوره فيما ذكرناه، وأما الفسخ فنعم، يثبت الفسخ لخيار معرفة مقدار الثمن إذا تقررت الجهالة له، وهو أحد الخيارات (3) الثلاثة عشر.

وفي هذا كفاية.

حرره في النصف الأول من ليلة الأحد لعلها ليلة سادس وعشرين شهر الحجة سنة 1213 هـ المجيب محمد الشوكاني.

(1) في حاشية المخطوط ما نصه: " ينظر هل حكمه لو شرى بقيمة قدح حنطة ثوبا إلى أجل فإنه مجهول قد .... أم حكمه غير ذلك؟ ".

(2)

في حاشية المخطوط ما نصه: " ينظر هل حكمه لو شرى بقيمة قدح حنطة ثوبا إلى أجل فإنه مجهول قد. أم حكمه غير ذلك؟ ".

(3)

انظر الرسالة رقم (110) من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني هذا.

ص: 3423