المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٧

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في لزوم الإمساك إذا علم دخول شهر رمضان أثناء النهار

- ‌بلوغ السائل أمانيه بالتكلم على أطراف الثمانية

- ‌بحث في تحريم الزكاة على الهاشمي

- ‌الجواب المنير على قاضي بلاد عسير

- ‌بحث في جواز امتناع الزوجة حتى يسمى لها المهر

- ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

- ‌جواب على الأسئلة الواردة من العلامة أحمد بن يوسف زبارة، وتتضمن الأبحاث التالية:1 -بحث في نفقة الزوجات.2 -بحث في الطلاق المشروط.3 -بحث في الصوم لي وأنا أجزي به.4 -بحث في اختلاف النقد المتعامل به

- ‌بحث في من أجبر على الطلاق

- ‌بحث فيمن قال امرأته طالق ليقضين غريمه إن شاء الله، ولم يقضه

- ‌بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا

- ‌بيان اختلاف الأئمة في مقدار المدة التي يقتضي الرضاع في مثلها التحريم

- ‌رسالة في رضاع الكبير هل يثبت به حكم التحريم

- ‌إيضاح الدلالات على أحكام الخيارات

- ‌دفع الاعتراضات على إيضاح الدلالات

- ‌بحث في " لا يبيع حاضر لباد

- ‌المسك الفايح في حط الجوايح

- ‌بحث في الربا والنسيئة

- ‌تنبيه ذوي الحجا عن حكم بيع الرجا

- ‌كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار

- ‌هداية القاضي إلى حكم تخوم الأراضي

الفصل: ‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

‌بلوغ المنى في حكم الاستمنى

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3363

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: " بلوغ المني في حكم الاستمني ".

2 -

موضوع الرسالة: " فقه النكاح ".

3 -

أول الرسالة: " بسم الله الرحمن الرحيم. إياك نستعين والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد، فإنه سأل الشيخ العلامة محمد عابد مراد السندي

".

4 -

آخر الرسالة: " واعلم أن الكلام في المرأة كالكلام في جميع ما أسلفنا لأن الحكم واحد، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية والله ولى التوفيق. بخط المؤلف العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكاني ".

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 14 صفحة.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 23 سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 9 - 10 كلمة ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها 8.

9 -

الناسخ: المؤلف: محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3365

بسم الله الرحمن الرحيم

وإياك نستعين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.

وبعد: فإنه سأل الشيخ العلامة: " محمد عابد مراد السندي " - دامت فوائده، ومت موائده - بما لفظه:" ما قولكم - أدام الله فوائدكم، وأمتع بحياتكم - في الاستمناء بالكف أو التفخيذ، أن نحوهما، أو شيء يخالف جسد الإنسان، كالحك في شيء يحصل به الاستمناء هل ذلك محرم أم لا؟ معاقب عليه أم لا؟ مثاب فيه عند ضرورة، توجهت له تكاد توجب الزنا، أم لا. بينوا لنا بجواب شاف، مشتمل على الدلائل الشافية الصريحة في المقصودة، جزيتم خيرا " انتهى.

ص: 3369

أقول: الجواب عن هذا السؤال، بمعونة الملك المتعال ينحصر في بحثين. "

البحث الأول "

في النقل عن أهل العلم "

البحث الثاني "

في الكلام على ما تمسكوا به، وعلى ما أشار إليه السائل في السؤال من الاستفهامات.

أما البحث الأول:

فنقول: حكى ابن القيم (1) في كلام له عن ابن عقيل (2) أنه قال: إذا قدر الرجل على التزويج حرم عليه الاستمناء بيده، قال: وأصحابنا - أي الحنابلة - وشيخنا أين (ابن تيمية) لم يذكروا سوى الكراهة، ولم يطلقوا التحريم، قال ابن عقيل أيضا: وإن لم يكن له زوجة، ولا أمة، ولم يجد به كره ولم يحرم، والفقير إذا خشي العنت فإنه جائز له، نص عليه أحمد (3)، وروي أن الصحابة كانوا يفعلونه في غزواتهم

(1) في " بدائع الفوائد "(4/ 96 - 97).

(2)

هو قاضي القضاة علي بن محمد بن عقيل الفقيه البغدادي كان مولده سنة 432 هـ وتوفي يوم الجمعة سنة 513 هـ. وكنيته أبو الفداء.

انظر: " طبقات الحنابلة "(3/ 359).

(3)

والعبارة كما ذكرها ابن القيم في " بدائع الفوائد "(4/ 96 - 97): قال ابن عقيل: " وإذا لم يقدر على زوجة ولا سرية، ولا شهوة له تحمله على الزنا، حرم عليه الاستمناء؛ لأنه استمتاع بنفسه، والآية تمنع منه. يعني آية المؤمنون {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 - 7].

قال: وإن كان متردد الحال بين الفتور والشهوة، ولا زوجة له، ولا أمة كره ولم يحرم، وإن كان مغلوبا على شهوته، يخاف العنت، كالأسير والمسافر والفقير جاز له لك، نص عليه أحمد ".

ص: 3370

وأسفارهم

إلى أن قال: وإذا استمنى وصور في نفسه شخصا، أو دعا باسمه، فإن كان زوجة أو أمة فلا بأس، وإن كان غائبا عنهما، فإن الفعل جائز، ولا يمنع من توهمه أو تخيله، وإن كان غلاما أو أجنبية كره له ذلك، لأنه يكون أغرى لنفسه بالحرام، وحث عليه، قال: فإن أولج في بطيخة، أو عجين فهو أسهل من استمنائه بيده.

فتلخص من كلامه هذا أن الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه يجوزون الاستمناء مع خشية العنت، ويجعلونه مكروها مع عدمها، ولو صور في نفسه صورة ويجعلون الكراهة في الاستمناء بالكف أشد من الكراهة في استخراج المني بشيء من الجمادات، كالبطيخ والعجين ونحوهما.

وفي منتهى الإرادات (1) في فقه الحنابلة ما يدل على أنه لا يحل مع عدم الحاجة، فإنه قال: ومن استمنى لغير حاجة من ورجل أو امرأة حرم، وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه.

وقد حكى الرخصة عبد الرزاق في جامعه (2) عن جماعة، فذكر بإسناده عن مجاهد قال: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون، وذكره معمر عن أيوب عن مجاهد.

وأخرج عبد الرزاق (3) أيضًا عن ابن جريج قال: قال لي عمرو بن دينار: ما أرى بالاستمناء بأسا.

وأخرج (4) أيضًا بإسناد متصل عن ابن عباس ما يدل على أنه يجوزه، وقد حكى ذلك عنه البيهقي (5)، فإنه قال في سننه: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، وأبو بكر

(1)(5/ 143 - 144).

(2)

في مصنفه (7/ 391 رقم 13593).

(3)

في مصنفه (7/ 392 رقم 13594).

(4)

أي عبد الرزاق في مصنفه (7/ 390 - 391 رقم 13588).

(5)

في " السنن "(7/ 199).

ص: 3371

القاضي، قالا: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي: حدثنا عبد الرحيم بن منيب، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا سفيان الثوري عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن ابن عباس أنه سئل عن الخضخضة أي نكاح اليد. فقال: نكاح الأمة خير منه، وهو خير من الزنا. هذا مرسل موقوف.

أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس [رضي الله عنه](1) أن رجلا أتاه فجعل القوم يقومون، والغلام جالس، فقال له بعض القوم: قم يا غلام، فقال ابن عباس [رضي الله عنه] (2): دعوه، شيء ما أجلسه، فلما خلى سبيله قال: يا ابن عباس إني غلام شاب أجد غلمة شديدة، فأدلك ذكري حتى أنزل، قال ابن عباس: هو خير من الزنا، ونكاح الأمة خير منه (3). انتهى.

وقال ابن نجيم (4) من الحنفية: إن الاستمناء لتسكين الشهوة صغيرة.

وقال السيد المهودي في فتاوية؛ نقل ابن كج أن فيه توقفا في القديم. قال: وفي تحرير المجد لابن تيمية: إنه مباح لمن خشي العنت أن يستمني بيده، فإن لم يخش حرم عليه، وعن أحمد يكره تنزيها، مقتضاه عند أحمد الجواز مع كراهة التنزيه حالة عدم الضرورة بأن لا يخشى العنت.

قال السمهودي: ويحتمل حمل ما أطلقه الأصحاب من الجزم بالتحريم على هذه الحالة. انتهى.

فتقرر بهذا أنه ذهب إلى الجواز أعم من أن يكون مع كراهة، أو مع عدمها ابن

(1) زيادة يستلزمها السياق.

(2)

زيادة يستلزمها السياق.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7/ 391 رقم 13590).

(4)

انظر " بدائع الفوائد "(4/ 96 - 97).

ص: 3372

عباس، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وابن جريج، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية، فما حكاه السيد العلامة هاشم بن يحيى الشامي رحمه الله في جواب له من أن الاستمناء باليد أو نحوها مجمع على تحريمه إذا قدر الرجل على التزوج، أو التسري، أو كان لا يخشى العنت والضرر يخالف ما قدمناه عن أحمد وأصحابه، ويؤيد ذلك أن صاحب البحر (1) حكى الخلاف من غير تقييد يقيد فقال: مسألة: الأكثر ويحرم استنزال المني بالكف، ثم قال حاكيا عن أحمد بن حنبل، وعمرو بن دينار: إنه مباح، فأفاد هذا أنه منعه الأكثرون مطلقا، وأباحه الأقلون مطلقا، وقد اقتصر البيهقي في السنن (2) على حكاية المنع عن الشافعي فقال: قال الشافعي (3): لا يحل العمل بالذكر إلا في زوجة، أو ملك يمين ولا يحل الاستمناء. انتهى.

(1)" البحر الزخار "(5/ 146).

(2)

" في السنن الكبرى "(7/ 199).

(3)

في " الأمم "(10/ 324).

وانظر " المهذب في فقه الإمام الشافعي " للشيرازي (5/ 387).

ص: 3373

البحث الثاني

في الكلام على ما تمسك به المختلفون من المانعين والمجوزين.

استدل المانعون بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (1).

وتقرير الاستدلال ما يقيده قوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} فإن الإشارة إلى قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فما غاير ذل فهو من الورى الذي لا يبتغيه إلا العادون، ويمكن أن يقال إنه لا عموم لهذه الصيغة ما هو مغاير للأرواح، وملك اليمين مغايرة أي مغايرة، وإلا لزم تحريم كل ما يبتغيه الإنسان، وهو مغاير لذلك، وإن كان الابتغاء لمنفعة من المنافع التي لا تتعلق بالنكاح، كالأكل والشرب. واللازم باطل بالإجماع، فلا بد من تقييد ذلك الابتغاء للورى، ومع

(1)[المؤمنون: 5 - 7]

قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(12/ 105 - 106): قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله: {الْعَادُونَ} وهذا لأنهم يكنون عن الذكر بعميرة، وفيه يقول الشاعر:

إذا حللت بواد لا أنيس به

فاجلد عميرة لا داء ولا حرج

ويسميه أهل العراق الاستمناء، وهو استفعال من المني، وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه، ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة أصله الفصد والحجامة، وعامة العلماء على تحريمه، وقال بعض العلماء: إنه كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، وياليتها لم تقل. ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها.

فإن قيل: إنها خير من نكاح الأمة، قلنا: نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير من هذا، وإن كان قد قال به قائل أيضا، ولكن الاستمناء ضعيف بالدليل عار بالرجل الدنيء، فكيف بالرجل الكبير.

ص: 3374

تقييده بذلك، فلا بد من تقييده بكونه في فرج من قبل أو دبر، فيكون ما في الآية في قوة: فمن ابتغى نكاح فرج غير فرج الزوجات والمملوكات فأولئك هم العادون.

فإن قلت: هذا إنما يتم إذا كان التقدير: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على فروج أزواجهم، أو فروج ما ملكت أيمانهم حتى يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وذلك يستلزم أن يكون الاستمتاع بغير الفرج من الزوجات، وملك اليمين من الورى، فلا يحل، واللازم باطل فالملزوم مثله.

قلت: جواز الاستمتاع بغير الفرج من الزوجات والمملوكات ورد به الدليل، كالأحاديث الواردة في جواز الاستمتاع منهما بغير الفرج (1)، وكقوله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2) فلا يلزم بطلان اللازم، ولا بطلان الملزوم، فإن قلت: تقييد ما في الآية بالنكاح في فروج الزوجات والمملوكات غير ظاهر، بل المتبادر ما هو أعم من ذلك.

قلت: هذا وإن كان هو الظاهر لكن صدق اسم النكاح على الاستمتاع من الزوجات والمملوكات بغير الفرج غير ظاهر، وقد عرفت أنه لا بد من تقييد ما في الآية به، وإلا لزم الباطل بالإجماع كما قدمنا؛ فإن قلت أنت لا يقدر النكاح بل يكفيك بمجرد ما في الآية من ذكر الحفظ، قلت: حفظ الفرج باعتبار مدلوله اللغوي أعم من حفظه عن النكاح وعن غيره، كالبول والمماسة للثبات، والجمادات، فلا بد من تقييد ما في الآية بالنكاح، وكما لا يصدق على الاستمتاع بغير الفرج من الزوجات والمملوكات اسم النكاح، وكذلك لا يصدق على الاستمناء بالكف ونحوه اسم النكاح، فتدبر هذا.

وقد قيل: إن الآية مجملة، والمجمل لا يحتج به إلا بعد بيانه، وقد بين الله سبحانه في

(1) أخرج مسلم في صحيحه رقم (16/ 302) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح

".

(2)

[البقرة: 223].

ص: 3375

كتابه (1)، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته (2) ما يحرم نكاحهم مثل الزنى الذي أوجب الله فيهم الحد.

واحتجوا ثانيًا: بحديث: " ملعون من نكح يده " ولم أجده بهذا اللفظ، لكنه أورده ابن حجر في التلخيص (3) فقال: رواه الأزدي في الضعفاء (4)، وابن الجوزي (5) من طريق الحسن بن عرفة (6) في جزئه المشهر من حديث أنس بلفظ:" سبعة لا ينظر الله إليهم، فذكر منهم: الناكح يده "، وإسناده ضعيف.

ولأبي الشيخ في كتابه: الترهيب (7) من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي، وكذلك رواه جعفر الفريابي من حديث عبد الله بن عمر، وفي إسناده ابن لهيعة، كذا في تلخيص ابن حجر (8).

وأخرجه البيهقي في الشعب (9)، وروى السيوطي في مسند أبي هريرة من جمع

(1) قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68].

(2)

أخرج البخاري في صحيحه رق (4477) ومسلم رقم (86) من حديث عبد الله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قال: قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قال: قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك ".

وانظر " الكبائر " للذهبي (ص 26 - 30).

(3)

(3/ 381 رقم 1666).

(4)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 381).

(5)

ذكره ابن حجر في " التلخيص "(3/ 381).

(6)

كما في " الكنز " رقم (44040).

(7)

عزاه إليه ابن حجر في " التلخيص "(3/ 381).

(8)

(3/ 381).

(9)

(4/ 378 رقم 5470).

ص: 3376

الجوامع: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح اليمين.

قال: أخرجه ابن عساكر. ويجاب بأن مثل هذه الروايات الواهية لا تنتهض للاحتجاج بها. وعلى فرض أنه يقوي بعضها بعضا، فيحمل مطلقها على مقيدها، ويكون الممنوع منه الاستمناء باليمين لا باليساء، ولا بشيء من الجمادات.

ومن جملة ما تمسك به المانعون ما علم من محافظة الشرع وعنايته بتحصيل مصلحة التناسل (1). ويجاب بأن هذا مسلم إذا استمنى من له زوجة، أو أمة حاضرتان لا من كان أعزب، أو كان في بلاد بعيدة عن من يحل له نكاحه، ولا سيما إذا كان ترك ذك يضره، كمن يكون قوي الباءة، كثير الاحتياج إلى إخراج ما ببدنه من فضلات المني، فإن هذا باب من أبواب التداوي التي أباح الشارع جنسها من غير تعيين لنوعها، ولا لشخصها. وليس هذا من التداوي بالحرام حتى يقال أن الله (2) لم يجعل شفاءنا فيما حرمه علينا، لما عرفت أنه لم ينتهض الدليل القاضي بالتحريم.

ومن جملة ما تمسكوا به أنه ينافي ما ورد في الشرع من الترغيب في النكاح (3)،

(1) عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود، فإن مكاثر بكم الأمم ".

أخرجه أبو داود رقم (2050) والنسائي (6/ 65) والحاكم (2/ 62) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

(2)

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ".

أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 87) معلقا ووصله ابن حجر في " الفتح "(9/ 79).

وأخرج أبو داود رقم (3874) من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام ".

وهو حديث حسن بشواهده.

(3)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (5066) ومسلم رقم (1400) وأبو داود رقم (2046) والترمذي رقم (1081) والنسائي (6/ 58). عن عبد اله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ".

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 112): واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل.

ص: 3377

ويجاب عن ذلك بأن هذا الذي هو محل النزاع، فعل ما فعله من الاستمناء للحاجة، وعدم القدرة على زوجة أو أمة، أما لو كان قادرا عليهما، وأراد أن يعدل عنهما إلى الاستمناء فلا شك أن فعله هذا يخالف ما ورد من الترغيب في النكاح، بل مجرد ترك التزوج مع القدرة عليه، يخالف ما ورد في الشرع من الترغيب في النكاح، ولو لم يقع منه الاستمناء أو نحوه.

ومن جملة ما تمسكوا به، قياس الاستمناء على اللوطية (1)، يجامع قطعهما للنسل، ومنعهما منه، ويجاب بأن هذا قياس مع الفارق؛ فإن التلوط هو في فرج محرم شرعا، وليس الاستمناء في فرج.

وأيضا يجاب بالمعارضة، وهو أن هذا القياس يجري في الاستمتاع فيقال: الاستمتاع من الزوجة بغير الفرج قد سوغه الشارع مع كونه يجامع اللوطية في قطع النسل، فلو كان ذلك موجبا للتحريم لكان الاستمتاع المذكور حراما، واللازم باطل فالملزوم مثله، والجواب الجواب، وأيضا بالنقض فيقال: لو كان هذا القياس صحيحا لكان الحد واجبا على من استمنى، كما يجب على من تلوط، وليس بواجب بإجماع المسلمين.

ومن جملة ما تمسكوا به قياس الاستمناء بالكف ونحوه على العزل (2)، ويجاب بأن

(1) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ".

أخرجه أحمد (1/ 300) وأبو داود رقم (4462) وابن ماجه رقم (2561) والترمذي رقم (1456) والحاكم (4/ 355) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والبيهقي (8/ 232). وهو حديث صحيح.

وانظر " الكبائر " للذهبي (ص 81 - 82) الكبيرة السابعة عشرة.

(2)

قال في " المسوي "(2/ 193): " اختلف أهل العلم في العزل، فرخص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين، وكرهه جمع منهم، ولا شك أن تركه أولى ".

أخرج مسلم رقم (141/ 1442) ومالك (8/ 607 - 608) وأبو داود رق (3882) والترمذي رقم (2077) والنسائي (6/ 106 - 107) وابن ماجه رقم (2011).

عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت: " أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ذلك الوأد الخفي ". وهو حديث صحيح.

وقد استدل على جواز العزل بحديث جابر في صحيح البخاري رقم (5209) ومسلم رقم (1440) قال: " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل ".

ويمكن الجمع بحمل الأحاديث القاضية بالمنع على مجرد الكراهة فقط دون التحريم.

وانظر تفصيل ذلك في " الفتح "(9/ 307 - 310).

ص: 3378

الأصل مختلف في تحريمه لاختلاف أدلته (1)، فلا يصح القياس لمحل النزاع على ما هو متنازع فيه، وأيضا يجاب بالمعارضة بمثل الاستمتاع من الزوجة والأمة بغير الفرج، فإن كل ما فرض مانعا الاستمناء فهو مانع من الاستمتاع.

وقد صح الدليل في جواز الثاني، ولم يصح الدليل في تحريم الأول.

ومن جملة ما تمسكوا به أن الاستمناء بالكف استمتاع بالنفس، ويجاب بأن هذا إن كان استدلالا على عدم جواز الاستمتاع بالكف فهو مصادرة على المطلوب؛ لأنه استدلال بمحل النزاع، فمن يقول بإباحة الاستمناء بالكف يجوز الاستمناء بحك الذكر مثلا بالفخذ والساق ونحوهما، وأيضا لو صح أن يكون أصلا يقاس عليها الاستمناء بالكف لكان دليل التحريم في الأصل ممنوعا، فالفرع مثله، وأيضا لو خلى العقل وشأنه لكان للإنسان الانتفاع بنفسه في دفع الضرر عنه، ورفع الحاجة منه، بما لا يحرم عليه، كما أن له أن ينتفع بها في طلب المعاش والكسب العائد نفعه عليه، وفي الرياضة ونحوها من أسباب الصحة، ودفع المرض، وفي إكراهها على استعمال الأدوية التي تكرهها، والأدوية المسهلة والاستفراغات التي لا تتم إلا بتأليم للبدن بوجه من الوجوه كالفصد، والحجامة، والحقنة، واللدود، ونحو ذلك.

(1) انظر التعليقة السابقة.

ص: 3379

ومن جملة ما تمسكوا به أن المستمني بالكف ونحوه قد يتصور (1) شخصا ممن يحرم عليه، وفي ذلك إغراء للنفس بالحرام، وتهوينه عليها، ويجاب بأن هذا التصور على فرض وقوعه، ما الدليل على تحريمه؟ إن كان ما ذكرتم من الإغراء للنفس، فإن كان هذا صحيحا كان مجرد التفكير في النكاح وخطوره بالبال، أو تصور صورة لا تعرف، ولا يعلم المتصور وجودها حراما، وهو باطل بالإجماع، وما استلزم الباطل باطل، ثم يلزمكم جواز الاستمناء بالكف عند عدم تصور الصورة المحرمة أو عند صور من يحل نكاحه، وأنتم لا تقولون به.

والجواب الجواب، ثم ما ذكرتم من كون ذلك إغراء للنفس، وذريعة إلى الحرام، وتوصلا إليه ممنوع، بل الأمر بالعكس، فإن من ترك إخراج فضلات المني تزايد شبقه، وتضاعفت دواعي شهوته، ووقع في الحرام اضطرارا لا اختيارا، فلو كان مجرد مظنة الإغراء للنفس مسوغا للأحكام الشرعية لكان ذلك حجة عليكم لا لكم.

ومن جملة ما تمسكوا به أن في الاستمناء بالكف مضارا يذكرها أهل الطب، منها فتور الذكر، ويجاب بأن النزاع ههنا في الأحكام الشرعية، لا في الأحكام الطبية (2)،

(1) ذكره ابن القيم في " بدائع الفوائد "(4/ 97).

(2)

ثبت في علم الطب أن الاستمناء يورث عدة أمراض، منها:

1 -

يضعف البصر، ويقلل من حدته المعتادة إلى حد بعيد.

2 -

يضعف عضو التناسل، ويحدث فيه ارتخاء جزئيا أو كليا، بحيث يصير فاعله أشبه بالمرأة لفقده أهم مميزات الرجولة.

3 -

يؤثر ضعفا في الأعصاب عامة، نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية.

4 -

يؤثر اضطرابا في آلة الهضم، فيضعف عملها ويختل نظامها.

5 -

يضعف نمو الأعضاء، خصوصا الإحليل والخصيتين، فلا تصل إلى حد نموها الطبيعي.

6 -

يؤثر التهابا منويا في الخصيتين، فيصير صاحبه سريع الإنزال.

7 -

يورث ألما في فقار الظهر، وهو الصلب الذي يخرج منه المني، وينشأ عن هذا الألم تقويس في الظهر وانحناء.

8 -

يورث رعشة في بعض الأعضاء كالرجلين.

9 -

يورث غما في الصدر.

10 -

أنه يحل ماء فاعله، فبعد أن يكون غليظا ثخينا، كما هو المعتاد في مني الرجل، يصير بهذه العملية رقيقا، فيتكون منه جنين ضعيف.

انظر: - كتاب " الضعف التناسلي عند الرجال والنساء ". الدكتور حسين الهرادي. بع / دار الكتب المصرية.

- " الاستمناء " للدكتور. هـ فورتيه، ترجمة الدكتور مقصود. طبع / الآداب والمؤيد.

فقال: حيث إن الاستمناء يورث هذه الأمراض، فهو حرام لأن القاعدة المقررة في أصول الفقه: أن الأصل في المضار التحريم، ودليل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار " وهو حديث صحيح. تقدم تخريجه مرارا.

الوقاية خير من العلاج.

1 -

لا بد من استشعار الرقابة الإلهية.

قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218 - 219].

قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} . [الحديد: 4].

وقال سبحانه وتعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (1/ 8) عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإحسان؟ فقال: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".

من حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (50) ومسلم رقم (5/ 9).

2 -

الصبر والاستعانة بالله سبحانه وتعالى:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

وأخرج البخاري في صحيحه رق (1469) ومسلم رقم (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ".

3 -

مجاهدة النفس ..... النوافل، قيام الليل، الصوم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ". أخرجه البخاري في صحيحه رقم

(6502)

. وأخرج البخاري في صحيحه رقم (6487) ومسلم رقم (2823) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره ".

4 -

حسن اختيار الإخوان، المجالس.

قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27 - 29].

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (2101) ومسلم رق (2628) عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ".

5 -

الزواج المبكر. تقدم حديث ابن مسعود: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ".

6 -

المحافظة على الصحة لتأدية الرسالة التي خلق الله من أجلها الإنسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن ".

7 -

الاشتغال بالعبادة وذكر الله والدعاء، وهذا واسع كثير.

أخرج البخاري في صحيحه رقم (7405) ومسلم رقم (2675) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " وليتذكر الإنسان قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:

56 -

58]. 8 - البعد والحذر من الوسائل التي تثير الشهوة وتوقع في الحرام ....

أ - مصافحة النساء.

ب - الأغاني.

جـ - وسائل الإعلام.

د - عض البصر.

هـ - الخلوة.

أخرج البخاري في صحيحه رقم (6343) ومسلم رقم (2657) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ".

وأخرج البخاري في صحيحه رقم (5232) ومسلم رقم (2172) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت ".

وليتذكر المؤمن قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].

ص: 3380

ثم هذه المضار لا يمكن تقديرها في الاستمناء دون الاستمتاع بما عدا الفرج م الزوجة والأمة، والجواب لجواب، ثم لو كان مجرد ما يؤثر فتور الذكر موجبا للتحريم، لكان جميع الأطعمة والأغذية المؤثرة لذلك حراما، واللازم باطل بالإجماع والملزوم مثله، ثم قد وقع الإجماع على جواز الاستمناء بيد الزوجة، وكل ما يفرض من المضار الطبية في الاستمناء بكف لإنسان نفسه فهو موجود في الاستمناء بكف الزوجة، والجواب الجواب.

ص: 3383

ومن جملة ما تمسكوا به المانعون ما قاله الشيخ هاشم بن يحيى في جوابه المشار إليه سابقا، ولفظه: وأقول مما يؤيد التحريم ما أخرجه البخاري (1) عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل شاب وأخاف العنت، ولا أجد ما أتزوج به، ألا أختصي؟ فسكت عني، ثم قلت: فسكت عني، ثم قال: " يا أبا هريرة، من القدر (2)

(1) في صحيحه رقم (5076).

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 120): فإن قيل لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كما أمر غيره، فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب في حاله ملازمة الصيام لأنه كان من أهل الصفة.

قلت - أي البخاري - ويحتمل أن يكون أبا هريرة سمع: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج " تقدم تخريجه. لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود، وكانوا في حال لغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوي على القتال، فأذاه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيها لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيئا، ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره، فكيف يستمتع؟ والتي يستمتع بها لا بد لها من شيء " - كان نكاح المتعة مرخصا فيه في حال الضرورة كالغزو، ثم حرم نهائيا في غزوة خيبر، وفيها أسلم أبو هريرة، فلذلك لم يأذن له به.

واعلم أن الحكمة من عدم الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحدية.

وقال الحافظ في " الفتح "(9/ 119) قوله: " فنهانا عن ذلك " - عند البخاري في الحديث رقم (5075) هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم. وفيه أيضًا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولة وتغيير خلق الله وكفر النعمة؛ لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال.

(2)

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 119): ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الأزل، فالخصاء وتركه سواء، فإن الذي قدر لا بد أن يقع. وقوله:" على ذلك " هي متعلقة بمقدر؛ أي اختص حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وليس إذنا في الخصاء بل فيه إشارة إلى النهي عن ذلك، كأنه قال: إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك - الحديث رق م (5073، 5074) - وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة.

ص: 3384

بما أنت لاق، فاختص على ذلك أو ذر ".

ولو كان الصحابة يفعلون ذلك لما عدل عنه أبو هريرة إلى طلب الترخيص في أن يختصي، ولو كان إلى جواز ذلك سبيل لأرشده من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ولم يعدل إلى ذلك الجواب القاطع للطمع عن كل رخصة في حق من بلغ في المشقة إلى تلك الغية. انتهى.

وأقول: ليس في الحديث شيء من الدلالة التي زعمها، أو التأييد لذي ذكره.

أما قوله: لو كان الصحابة يفعلون ذلك لما عدل عنه، فليس كل مباح كان الصحابة يفعلونه، ولم يقل أحد من أهل الإسلام: إن ما لم يفعله الصحابة حرام، وإلا لزم تحريم كثير من الأطعمة والأشربة والأدوية والملبوسات التي كان الصحابة لا يفعلونها، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله.

وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أبا هريرة إلى الاستمناء، فلم يقل أحد من علماء الإسلام أن كل ما لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه يكون حراما، وإنما السنة قوله وفعله، وتقريره، وليس منها ترك إرشاده، وغاية ما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أبا هريرة أن ما يلاقيه من شدة الحاجة إلى النكاح هو بقدر الله (1)، عز وجل.

والحاصل أن هذا الاستمناء إن لم يستلزم ما ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز من قوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (2) ولا كان فيه مباشرة لقدر كما علله الله به اعتزال الحائض: {قُلْ هُوَ أَذًى} (3)، بل كان عند الضرورة، والحاجة وعدم الزوجة، والأمة، أو البعد عنهما، فلا وجه لتحريمه، وغاية ما فيه أن يقال: هو

(1) تقدم ذكره.

(2)

[الشعراء: 166].

(3)

[البقرة: 222].

ص: 3385

من المشتبهات التي لم تكن من الحلال البين (1)، ولا من الحرام البين، والمؤمنون وقافون عند الشبهات (2)، ولو صح الحديث المتقدم في نكاح اليد، أو كان حسنا لتبين به التحريم، وهكذا لو صحت دلالة الآية عليه بوجه من وجوه الدلالات، ولا شك أن في هذا العمل هجنة، وخسة وسقوط نفس، وطرح حشمة، وضعف همة، وكن الشأن في تحريمه، فإن من حرم شيئا لم ينتهض الدليل على تحريمه كان من المتقولين على الله ما لم يقل، وقد جاءت العقوبة لفاعله بالأدلة الصحيحة، وبهذا يتضح جواب ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - حيث قال: ما قولكم في الاستمناء بالكف أو التفخذ أو نحوها؟.

وأما قوله: أو شيء يخالف جسد الإنسان كالحك في شيء يحصل به الاستمناء، هل ذلك محرم أم لا معاقب عليه، مثاب فيه عند ضرورة توجهت له تكاد توجب الزنا ، أم لا؟. انتهى.

فأقول: ليس في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليل صحيح، ولا ضعيف يقتضي تحريم ما ذكره، بل هو عند الضرورة إليه مباح (3)، وإذا تعاظمت الضرورة،

(1) انظر الرسالة رقم (58).

(2)

تقدم في الرسالة رقم (58).

(3)

انظر " بدائع الفوائد ".

قال الحافظ في " الفتح "(9/ 112): وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهن عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة.

قال ابن حزم في " المحلى "(11/ 392): " فلو عرضت فرجها شيئا دون أن تدخله حتى تنزل فيكره هذا، ولا إثم فيه، وكذلك الاستمناء للرجال، سواء بسواء؛ لأن المسلمين الرجل ذكره بشماله مباح ومس المرأة فرجها كذلك مباح، بإجماع الأمة كلها. فإذا هو مباح، فليس هنالك زيادة على المباح، إلا التعمد لنزول المني، فليس ذلك حراما أصلا لقول الله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]. وليس هذا مما فصل لنا تحريمه، فهو حلال، لقوله تعالى:{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. إلا أننا نكرهه لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل.

ص: 3386

وتزايدت الحاجة، وخشي أن يفضي ذلك إلى الإضرار ببدنه فهو بمنزلة الأدوية واستعمالها، ويزداد ذلك جوازا وإباحة إذا خشي الوقوع في المعصية إن لم يفعله. وهذا إذا لم يمكنه دفع الضرورة، وكسر سورة الباءة، وقمع هيجان الغلمة، وتسكين غليان الشبق بشيء من الأمور التي هي طاعة محضة، كالصوم، وكثرة العبادة، والاشتغال بطلب العلم، والتفكر في أمور المعاد، أو بشيء من الأطعمة أو الأشربة، أو الأدوية (1) ، أو مزاولة الأعمال التي يستقيم بها معاشه، ويرتفق بها حاله.

واعلم أن الكلام في المرأة (2)

كالكلام في الرجل في جميع ما أسلفنا، لأن الحكم واحد. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق.

بخط المؤلف شيخنا العلامة بدر الإسلام محمد بن علي الشوكاني.

(1) قال الحافظ في " الفتح "(9/ 111): واستدل الخطابي - يا معشر الشباب - على جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية، وحكاه البغوي في " شرح السنة " وينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعا أصالة، لأن قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه، وقد صرح الشافعية بأنه لا يكسرها بالكافور ونحوه. والحجة فيه أنهم اتفقوا على منع الجب والخصاة، فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلا.

(2)

انظر التعليقة السابقة.

قال ابن القيم في " بدائع الفوائد "(4/ 96 - 97) نقلا عن ابن عقيل: " وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا: يجوز لها اتخاذ الأكرنبج، وهو شيء يعمل من جلود عن صورة الذكر، فتستدخله المرأة، أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع وصغار ".

قال ابن القيم: " والصحيح عندي أنه لا يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرشد صاحب الشهوة إذا عجز عن الزواج إلى الصوم، ولو كان هناك معنى غيره لذكره ".

وقال صاحب " منتهى الإرادات "(5/ 143): ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرم، وعزر، وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه، فلا يباح إلا إذا لم يقدر على نكاح ولو لأمة. .

ص: 3387