الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار
(1)
تأليف محمد بن على الشوكاني
[فلله علومه ومعاليه، وصدق فراسته بمعرفة من السائل تقاصر عبارته بعانيه، فوالله لقد استقضى جميع ما مشت ظلمت البال من الإشكالات التي ما وقعت في ضمن ما حرره من المقال، ولا عجب فهذا شأن المجيب. فقد قيل: إنه كالطيب يجعل الدواء على قدر العلة وإن قصر العليل في وصف ما هو في هوله - دامت أيامه في جهة الزمان عزة لكشف مشكلاته - هو لأعين الأعيان قرة](2).
(1) هذا العنوان من المخطوط (ب) و (ج).
أما عنوان الرسالة من المخطوط (أ): فهو: " كشف الأستار عن حكم شفعة الجار ".
(2)
زيادة من المخطوط (أ). والموجود على صفحة العنوان.
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: " كشف الأستار عن حكم شفعة الجار ".
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين ورضي الله عن أصحابه الراشدين.
وبعد:
فإنه ورد هذا السؤال القوي المباني.
4 -
آخر الرسالة: وسلك بما قرره في مسلك سوي، والحمد لله وأولا وآخرا.
انتهى تحريره بقلم المجيب محمد بن على الشوكاني غفر الله لهما.
انتهى من خطه زيد رفعة وأديم للعالمين نفعه في شهر رجب سنة 1219 هـ.
5 -
نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 -
عدد الصفحات: 7 صفحات + صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 33 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
وصف المخطوط: (ب)
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: " كشف الأستار عن حكم شفعة الجوار "
2 -
موضوع الرسالة: " فقه ".
3 -
أول الرسالة: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين ورضي الله عن أصحابه الراشدين ".
4 -
آخر الرسالة: سبحان من جعل الفضائل كلها فيه وفضله على الأقران وعليه مني ألف تحية ما غردت ورقا على الأغصان
5 -
نوع الخط: خط نسخي عادي.
6 -
عدد الصفحات: 12 صفحة ما عدا صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 27 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 9 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
10 -
حصلت على المخطوطة (ب) من الهند بواسطة الأخ عادل حسن أمين جزاه الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين (1) ورضي الله عن أصحابه الراشدين.
وبعد:
فإنه ورد هذا السؤال القوي المباني، المحكم المعاني من بعض الأعلام الضاربين في كل فن من فنون بأوفر سهم، ولفظه: " أحسن الله إليكم، ووالى أياديه عليكم، ولا زال جاركم في مرتبة علية، وعليكم [من السلام](2) من التحية ما يحاكي [عرفا](3) ذكي أخلاقكم السنية ذو الفهم السقيم، والفكر العليل العقيم، أشكل عليه اشتراط أهل المذهب - أقام الله قناته - ما شمس طلعت، ونسيم هب الملاصقة في سببية الجوار للشفعة فأحسنوا بيان وجهه الذي إذا اعتمد عليه كان مستندا إلى مدرك شرعي، وطريق إلى إصابة حكم الحكيم مرعي، فالسائل مراده إصابة الحق، والخلوص عما به العقاب يحلق من يلقي قول من لم يجعل الشارع قوله منهجا لمعرفة أحكامه، بل ورد التخويف في صحيح الآثار من لحق آثامه، وهل ينفق [تعليلهم](4) لثبوت أصل شفعة الجار بأن بينهما اشتراكا في جزء غير منقسم، حتى لعله تفرع عليه الاشتراط المذكور على تسليم التخصيص بالمعني، فإني لم أجد تعليله في شيء مما وقفت عليه، ويفزع عليه أيضًا عدم [ثبوت](5) الشفعة في الأبنية المعمورة في [عرصات](6) الأوقاف، كما في حواشي شرح
(1) في (ب) المطهرين.
(2)
زيادة من (أ).
(3)
في (ب) عرف.
(4)
زيادة من (أ. ب).
(5)
في (ب) الثبوت.
(6)
في (ب) عرصة.
الأزهار (1)، وهذا الإشكال جمعية بناء على أن [الشارح](2)[على](3) الشفعة بوصف الجار، وهو كما في القاموس (4) ما قرب من المنازل، والمبحث لغوي، ولا يخفي ما يصدق عليه أن الملاصقة داخل في مفهوم الجار على أنها صفة كاشفة في عباراتهم، [وشرطية](5) الملاصقة في سببية الجوار أن جعل زائد [1 أ. ب] على مفهومه شرعيا وضعيا يفتقر إلى دليل شرعي. انتهى.
(1) تقدم التعريف به.
(2)
في (جـ) الشارع.
(3)
في (جـ): علق.
(4)
(ص470).
(5)
في (ب) وشرعية.
وأقول مستعينا بالله، ومتكلا عليه: اعلم أن الأدلة [الشرعية](1) الواردة في إثبات الشفعة وردت على أنحاء، فمنها ما يتضمن إثبات الشفعة بين الشركاء في الشيء المشترك كحديث جابر عند مسلم (2) وغيره (3) بلفظ:" قضى في كل شركة [1] لم يقسم ريعه، أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه " الحديث.
وحديث عبادة بن الصامت: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور " رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4)، والطبراني في الكبير (5)، وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه.
ومنها عند ابن ماجه (6) من حديث الشريد من سويد مرفوعًا بلفظ: " الشريك أحق بسقبه "(7).
ومنها ما أخرجه الترمذي (8) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(1) زيادة من (أ. ب).
(2)
في صحيحه رقم (1608).
(3)
كأبي داود " السنن " رقم (3514) والترمذي (1370) والنسائي (7/ 321)، وابن ماجه (2499). وأحمد (3/ 296، 372). وهو حديث صحيح.
(4)
(15/ 152 - 153 - الفتح الرباني).
(5)
عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(4/ 159).
(6)
في " السنن " رقم (2496) وهو حديث صحيح. .
(7)
السقب بفتح القاف، القرب وفيه لغتان السين والصاد.
قال ابن الأثير في " النهاية "(2/ 377): ويحتمل أن يكون أراد أنه أحق بالبر والمعونة بسبب قربه من جاره ".
قلت: وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (2258) مطولا. وأطرافه (6977، 6978، 6980، 6981). وأبو داود رقم (3516) والنسائي (7/ 320) من حديث أبي رافع وهو حديث صحيح.
(8)
في " السنن "(1371).
قلت: وأخرجه الطحاوي في " شرح المعاني "(4/ 125) والدارقطني (4/ 222رقم 69) والبيهقي (6/ 109) كلهم من طريق أبي حمزة السكري عن عبد العزيز عن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به.
قال الترمذي في " السنن "(3/ 654): " وهذا حديث لا تعرفه إلا من حديث أبي حمزة السكري وقد روى غير واحد عن عبد العزيز عن رفيع بن أبي ملكة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أصح "
وقال الدارقطني: " خالفه - يعني: أبا حمزة - شعبة وإسرائيل وعمرو بن مليكة مرسلا وهو الصواب ووهم أبو حمزة في إسناده ".
والخلاصة أن الحديث ضعيف والله أعلم.
قال: " الشريك يشفع والشفعة في كل شيء ".
فهذه الأحاديث وما ورد في معناها ليس فيها إلا أن الشفعة ثابتة في الأشياء المشتركة.
ومثلها في الأدلة الواردة في إثبات الشفعة في الشيء الذي لم يقسم، كحديث جابر عند البخاري (1)، وأحمد (2)، وأبي داود (3)، وابن ماجه (4):" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة " وفى رواية الترمذي (5)، وصححها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة "؛ فإنه يفيد أن الشفعة لا تثبت إلا مع بقاء الشركة قبل وقوع القسمة (6).
(1) في صحيحه رقم (2257).
(2)
في " المسند "(3/ 296).
(3)
في " السنن " رقم (3514).
(4)
في" السنن "(2499).
(5)
في " السنن "(1370).
(6)
قال في " المغني "(7/ 435 - 436): والشفعة وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه وهي ثابتة وبالسنة والإجماع.
أما السنة فقد تقدم من حديث جابر.
وأما الإجماع فقد قال ابن المنذر في " الإجماع "(ص121رقم 512): أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فيما بيع من أرض أو حائط. والمعنى في ذلك أن أخذ الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه، وتمكن من بيعه لشريكه، وتخليصه مما كان يصده من توقع الخلاص والاستخلاص، فالذي يقتضيه حسن العشرة، أن يبيعه منه، ليصل إلى غرضه من نصيب بيعه، وتخليص شريكه من الضرر فإن لم يفعل ذلك، وباعه لأجنبي، سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه، ولا نعلم أحدا خالف هذا.
وانظر: " المفهم "(4/ 523 - 524).
قال ابن قدامه في " المغني "(7/ 436): فلا تثبت إلا بشروط أربعة:
1 -
أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم، فأما الجار فلا شفعة له. وبه قال عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى الأنصاري. وأبو الزناد وربيعه، والمغيرة بن عبد الرحمن ومالك الأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، قال ابن شبرمة، والثوري، وابن أبي ليلي، وأصحاب الرأي: الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق، ثم بالجوار، وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك فإن لم يكن، وكان الطريق مشتركا. كدرب لا ينفد، تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، فإذا لم يأخذوا، ثبتت للملاصقة من درب إلى آخر خاصة. واحتجوا بما روى أبو رافع:" الجار أحق بصقبه " تقدم.
قال ابن قدامة: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطوق فلا شفعة " تقدم تخريجه.
2 -
أن يكون المبيع أرضا، لأنها التي تبقي على الدوام ، ويدوم ضررها، وأما غيرها فيقسم قسمين:
أ- تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض، وهو البناء والغراس يباع مع الأرض فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض، بغير خلاف في المذهب، ولا نعرف فيه بين من أتت الشفعة خلافا. وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم، ربعة أو حائط " وهذا يدخل فيه البناء والأشجار.
ب- ما لا تثبت فيه الشفعة تبعا لا مفردا، وهو الزرع والثمرة الظاهرة تباع مع الأرض. فإنه لا يؤخذ بالشفعة من الأصل. وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: يؤخذ ذلك بالشفعة مع أصوله، لأنه متصل بما فيه الشفعة، فيثبت فيه الشفعة تبعا كالبناء والغراس.
ولما أنه لا يدخل في البيع تبعا، فلا يؤخذ بالشفعة، كقماش الدار وعكسه البناء والغراس وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضي المشتري، فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة، كالطلع غير المؤبر، دخل في الشفعة، لأنها تتبع في البيع، فأشبهت الغراس في الأرض. وأما ما بيع مفردا من الأرض، فلا شفعة فيه سواء كان مما ينقل كالحيوان والثياب والسفن والتجارة والزرع والثمار، أو لا يقل، كالبناء والغراس إذا بيع مفردا. وبهذا قال الشافعي، وأصحاب الرأي.
3 -
الشرط الثالث: أن يكون المبيع مما يمكن قسمته، فأما ما لم يكن قسمته من العقار، كالحمام الصغير والرحى الصغيرة، والعضادة والطريق الضيقة والعراص الضيقة فعن أحمد فيها روايتان:
أ- لا شفعة فيه، وبه قال يحيى بن سعيد، وربيعة، والشافعي. ب- فيها الشفعة، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، وابن سريج.
وعن مالك كالروايتين، ووجه هذا عموم قوله عليه السلام:" الشفعة فيما لا يقسم " وسائر الألفاظ العامة. لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر، لأنه يتأيد ضرره.
4 -
الشرط الرابع: أن يكون الشقص متنقلا يعوض، وأما المتنقل بغير عوض، كالهبة بغير ثواب، والصدقة، والوصية، والإرث، فلا شفعة فيه، في قول عامة أهل العلم.
انظر مزيد من التفصيل: " المغني "(7/ 442 - 445). " المفهم "(4/ 524 - 525). " المجموع "(15/ 80).
ومنها ما ورد في إثبات شفعة الجار مقيدا بقيد اتحاد الطريق، كحديث جابر عند أحمد (1)، وأبي داود (2)، وابن ماجه (3)، والترمذي (4) وحسنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائبا إذا كان طريقها واحدا "، وهذا لا يوجب ثبوت الشفعة في مطلق الجوار، بل في مقيده.
(1) في " المسند "(3/ 303).
(2)
في " السنن " رقم (3518).
(3)
في " السنن " رقم (2494). .
(4)
في " السنن " رقم (1369) وقال حديث غريب.
وهو حديث صحيح انظر الإرواء رقم (1540).
ومنها ما ورد في إثبات شفعة الجار مقيدا بقيد الملاصقة كحديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفى أول قصه، قال في آخرها: ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " الجار أحق بسقبه ما أعطيتها " يعني الدار، أخرجه البخاري (1)، وحديث الشريد بن سويد عند أحمد (2) والنسائي (3) بلفظ: قلت: يا رسول الله، أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال:" الجار أحق بسقبه ما كان "، ويروي " بصقبه " والسقب والصقب عند أهل اللغة القرب لكنه قيده صاحب النهاية (4) بالقرب الملاصق فقال: الصقب القرب والملاصقة، ويروي بالسين انتهى. وهو إمام مرجوع إليه إلى نقله في اللغة كما لا يخفى؛ فأفاد ذلك أنها لا تثبت (5) الشفعة إلا للجار الملاصق.
ومنها ما ورد في ثبوت شفعة الجار غير مقيد بقيد، كحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" جار الدار أحق بالدار من غيره " أخرجه
(1) في صحيحه رقم (2258) وأطرافه (6977، 6978، 6980، 6981) عن عمرو بن الشريد قال " وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد والله ما أبتاعها، فقال المسور: والله لتبتاعها، فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة ألاف مجمعة أو مقطعة، فقال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه ما أعطيتها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاه إياها ".
(2)
في " المسند "(4/ 388، 390).
(3)
في " السنن " رقم (4703).وهو حديث صحيح.
(4)
(2/ 377).
(5)
في الهامش (أ) ما نصه: إفادة الحصر ممنوعة؛ إذ لا شيء هاهنا من أدواته كما لا يخفى والله أعلم.
قد علم أنه لا شفعة في الجار غير الملاصق من الأدلة الدالة علة ذلك، بل ومن الإجماع فالحصر مستقلا ومن المقاصر إفادة حقيقته معلومه، والعجب من المعترض كيف
…
عليه! هذا مع .. سيقرر المجيب أن لا شفعة للجار غير الملاصق، إلا إذا كان مشاركا طريق المشفوع لدخوله تحت الأدلة.
أحمد (1)، وأبو داود (2)، الترمذي (3) صححه، أخرجه البيهقي (4)،والطبراني (5) والضياء المقدسي (6)، وهو من سماع الحسن عن سمرة. وقد قيل: إنه لم يسمع منه شيء وقيل: لم يسمع منه إلا حديث العقيقة. وكلام الحفاظ في ذلك معروف، وهو يقدح في تصحيح الترمذي لهذا الحديث (7).
ومنها ما ورد في إثبات الشفعة في كل شيء من غير تقييد بشركة ولا عدم قسمة ولا ملاصقة ولا جوار، كحديث ابن عباس عند البيهقي (8) مرفوعًا بلفظ:" الشفعة في كل شيء "(9) ثقات إلا أنه أعل بالإرسال. وأخرج له الطحاوي (10) شاهد [من حديث جابر لا بأس به](11).
وإذا تقرر هذا فلا شك أن حديث ابن عباس هذا أوسع معنى [وأشمل](12) أفرادا من الدليل الدال على ثبوت الشفعة [لمطلق الجار](13) [وهو أوسع معنى من الدليل الدال على ثبوت الشفعة لمطلق
(1) في " المسند "(5/ 8، 12).
(2)
في "السنن " رقم (3517).
(3)
في " السنن " رقم (1368).
(4)
في " السنن الكبرى "(6/ 106).
(5)
في " الكبير " رقم (6803) و (6804).
(6)
في " الأحاديث المختارة "(1/ 204).
(7)
قلت: وهو حديث صحيح.
(8)
في " السنن الكبرى "(6/ 109) وقد تقدم وهو حديث ضعيف.
(9)
في (ب) ورجاله.
(10)
في " شرح المعاني (4/ 122) و (4/ 120) وهو حديث صحيح وقد تقدم.
(11)
زيادة (ب) و (جـ).
(12)
في (ب) وأسهل.
(13)
في (ب، جـ) للجار.
الجار] فيما كان مصاقبا له، وهو بينه وبين الدليل الدال على ثبوت الشفعة في الجوار من اتحاد الطريق عموم وخصوص من وجه فيجتمعان إذا كان الجوار جوار ملاصقة، والطريق واحدة، ويتفرقان إذا لم يوجد إلا مجرد الملاصقة، أو مجرد اتحاد الطريق، وهما أوسع معنى من الدليل الدال على أن الشفعة في الشيء الذي لم يقسم، أو في الشيء المشترك، فإن المجاورة واتحاد الطريق قد وجدت فيه مع [زيادة](1) قيد الاختلاط، وعدم القسمة.
ولا يخفى على بناء العام [على](2) الخاص و [حمل](3) والمطلق على المقيد قاعدتان متفق عليهما في جملة بين علماء الإسلام، وإن وقع [الخلاف](4) في بعض الشروط والأسباب والصور فهو لا يقدح في الاتفاق على هاتين القاعدتين، فما ورد في إثبات الشفعة في كل شيء في غير تقييد بقيد، [ولا تخصيص بمخصص، وكذلك ما ورد في إثبات الشفعة للجار المطلق وكذلك [ما ورد](5) في إثبات الشفعة للجار الملاصق مقيدا بقيد] (6) عدم وقوع الحدود، وتصريف الطرق كما في ذلك الحديث الثابت في الصحيح (7).
وظاهر العطف اعتبار مجموع القيدين في بطلان الشفعة، فمجرد وقوع الحدود بدون تصريف للطرق لا يكون مبطلا للشفعة، ومجرد تصريف الطرق بدون وقوع الحدود الذي هو معنى القسمة لا يكون مبطلا للشفعة، فلا يكون قوله في حديث الجار إذا
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (ب، جـ).
(3)
زيادة من (أ، جـ).
(4)
زيادة من (جـ).
(5)
في (جـ) الاختلاف.
(6)
زيادة من (أ، ب).
(7)
تقدم تخريجه.
كانت طريقهما واحدة منافيا (1) لحديث: " فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة ".
وقد تقرر أيضًا أن الجمع مقدم على الترجيح (2)، وأنه لا يصار إلى الآخر مع إمكان الأول وهي أيضًا قاعدة متفق عليها وإن [اختلفت](3) في تفاصيلها، وهذه القواعد مع كونها متفقا عليها هي أيضًا مستفادة من لغة العرب التي يجب حمل [كلام](4) الشارع عليها إن لم يوجد له اصطلاح شرعي يوجب الانتقال من المعنى اللغوي. وقد تقرر أن علم الفقه يمتد من اللغة العربية، بل هي غالب استمداده؛ [إد](5) هو قواعد اللغة الكلية وأما ما استمداده من الكلام والأحكام فهو بالنسبة إلى استمداده من اللغة قليل جدا. فعرفت بهذا أن بناء الدليل العام على الخاص (6)، وحمل الدليل المطلق على الدليل المقيد (7)، وتقديم الجمع على الترجيح هو مقتضى لغة العرب (8)، ولهذا أجمع على ذلك كله [دليل](9) علماء الشريعة المطهرة.
فإن قيل: الدليل المصرح بأن الشفة في الشيء المشترك، وفى الشيء الذي لم يقسم هو أضيق معنى من الدليل الدال على ثبوتها، مع اتحاد الطريق، فإن الأول لا يصدق إلا
(1) انظر " الأم "(8/ 5) و" المغني "(436 / -438).
(2)
انظر " إرشاد الفحول "(ص882).
(3)
في (ب) اختلفوا.
(4)
زيادة من (أ، ب).
(5)
في (ب): (أو).
(6)
انظر: " إرشاد الفحول "(ص107 - 110)." الكوكب المنير "(1/ 149).
(7)
تقدم ذكره. وانظر " البحر المحيط "(3/ 9).
(8)
انظر تفصيل ذلك في " الكوكب المنير "(3/ 395 - 408)، " اللمع "(ص24) ، " البحر المحيط "(3/ 418).
(9)
زيادة من (جـ).
على الشيء المختلط المشاع، والآخر يصدق على [المقسوم](1) إذا [اتحدت](2) الطريق فهو أوسع معنى.
قلت: التقيد بجموع القيدين، أعني: وقوع الحدود، وتصريف الطرق للشيء المشترك الذي لم يقسم واقع في حديث واحد كحديث جابر (3) المتقدم [بلفظ] (4):" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة "، فهو كالبيان لمعنى القسمة المنفية في أول الحديث فكأنه جواب سؤال سائل يقول عند سماع قوله:" الشفعة في كل ما لم يقسم " ما هي القسمة؟ فأجابه بقوله: " [هي] (5) وقوع الحدود، وتصريف الطرق ". فإذا وجد الأمران وجدت القسمة الموجبة لعدم الشفعة، وإذا لم يوجد أو وجد أحدهما فقط لم توجد القسمة، لأن عدم تصريف الطريق يستلزم وجود الشركة فيها، ولم تقع القسمة على الكمال.
وأما ما قيل: من أن قوله: " فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة " مدرج لا تقوم به الحجة فذلك مجرد دعوى لا مستند لها إلا الخيال، [والأصل](6) في الكلام المرفوع عدم الإدراج، ولا يثبت ذلك إلا بدليل، ولو قرينة حال أو مقال يفيد ذلك إفادة لا تخفى، وليس هاهنا من ذلك الشيء، على أنه لو ثبت الإدراج لم يكن [ذلك](7) مقيدا لمدعيه، لأنا قد بينا أن ذلك معنى القسمة المنفية في قوله: " الشفعة في
(1) في (ب) المقسومة.
(2)
في (ب) اتحد.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
زيادة من (أ).
(5)
زيادة من (جـ).
(6)
في (جـ) فالأصل.
(7)
زيادة من (ب) و (جـ).
كل [ٌ شيء](1) ما لم يقسم " فهو كالتفسير لكلام الشارع باللغة، أو بالشرع؛ فإن تفسير الصحابي مقدم على تفسير غيره، وأعظم ما يدفع دعوى الإدراج وجود هذه الزيادة في حديث غيره، ومن الغرائب استدلال الجلال في ضوء النهار (2) على الإدراج بعد إخراج حديث مسلم (3) لتلك الزيادة، فإن اقتصار بعض [الأئمة](4) على بعض الحديث معروف مألوف، وناقل الزيادة التي لم تقع منافية لا ترد عليه بمثل هذا، ولا سيما وقد أخرجها البخاري في صحيحه (5) ومثل هذا الاستدلال الغريب ما قاله المقبلي في المنار (6): أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك، ولا منافاة بينهما، ووجه حديث جابر بتوجيه بارد.
ويجاب عنه بالاستفسار [له](7) عن معنى عدم المنافاة التي قالها؟ إن قال: هي من حيث كون [معنى](8) الشركة يساوي معنى الجوار من كل وجه، أو ينافيه من كل وجه [فمعلوم] (9) البطلان. وإن قال: هي من حيث إن أحدهما أخص من الآخر مطلقا، ولا [مقتضي](10) للتخصيص ولا للتقييد، فذلك إهمال وإهدار لما ورد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" في كل ما لم يقسم "ومن قوله: " فإذا وقعت الحدود
(1) زيادة من (جـ).
(2)
(3/ 1427، 1428).
(3)
في صحيحه رقم (1608) وقد تقدم.
(4)
زيادة من (جـ).
(5)
رقم (2257).
(6)
(2/ 71 - 72).
(7)
زيادة من (أ، ب).
(8)
زيادة من (أ، جـ).
(9)
في (ب) فيلزم.
(10)
في (ب) يقضي.
وصرفت الطرق "، ومن قوله: " إذا كان طريقهما واحدة ". وإن قال: بينهما عموم وخصوص من وجه، فهو [يقتضي](1) المنافاة في البعض، فكيف قال: لا منافاة بينهما!.
وبالجملة فهو كلام عن التحقيق بمعزل، من الصواب في جانب آخر.
فإن قلت: إذا كان الجوار غير ملاصق، والطريق واحدة (2) فهل تثبت الشفعة أم لا؟
قلت: نعم لما قدمنا تحقيقه، إذ الاشتراك في طريق اشتراك بعض ما يعد من الشيء الذي إليه تلك الطريق، فالطريق لم يقسم وهي جزء من العين، وعدم قسمة جزء من أجزاء الشيء يستلزم عدم قسمة ذلك الشيء فقد اشتركا في [قسمة](3) جزء من أجزاء الدارين، وإن لم يكونا ملاصقين، بخلاف مجرد الملاصقة بعد وقوع الحدود وتصريف الطرق، فإنه لا يصدق على ذلك أنه شيء لم يقسم، بل هو شيء مقسوم. فلم يبق سبب للشفعة، فقول السائل - كثر الله فوائده -: إنه أشكل عليه اشتراط أهل
(1) في (ب) مقتضي.
(2)
ذهب إلى اشتراط هذا بعض العلماء قائلا بأنها تثبت الشفعة للجار إذا اشترك في الطريق.
قال ابن شبرمة، والثوري، وابن أبي ليلي، وأصحاب الرأي الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم الجوار وقال أبو حنيفة: يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركا، كدرب لا ينفذ، تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، فإن لم يأخذوا، ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة.
انظر " المغني "(7/ 437)، " المجموع "(15/ 80 - 83).
قال ابن القيم في " إعلام الموقعين "(2/ 150): وهو أعدل الأقوال.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وحديث جابر هذا صريح فيه فإنه أثبت الشفعة بالجوار مع اتحاد الطريقين ونفاها به في حديثه الآخر مع اختلافهما حيث قال:" فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " فمفهوم حديث جابر هذا هو بعينه منطوق حيث المتقدم، فأحدهما يصدق الآخر ويوافقه، ولا يعارضه ولا يناقضه، وجابر روى اللفظين فتوافقت السنن وائتلفت بحمد الله.
وانظر: " الحاوي الكبير "(9/ 9 - 14).
(3)
زيادة من (أ، جـ).
المذهب للملاصقة في سببية الجوار، وأنه يريد بيان وجهه.
فنقول: وجهه كنا قدمنا من حديث: " الجار أحق بصقبه أو سقبه "(1) وتصريح صاحب النهاية (2) بأن الصقب الملاصقة، ولكن قد تبين بما قدمنا أن مجرد الجوار ولو مع الملاصقة لا يتقل بالسببية لأنه إهدار للقيود الخارجة من مخرج [صحيح](3).
فإن قلت: هل يصدق على الشريك في الشيء أنه مجاور شريكه الآخر؟.
قلت: هو باستحقاق اسم الجوار أخص من غير الشريك، لأن الجوار هو القرب، والأجزاء المختلطة متقاربة تقاربا زائد على التقارب الكائن بين الأجزاء المتميزة عن بعضها البعض بالحدود، وهذا معلوم بالحس؛ فإن جواهر الجسم التي [تركب](4) منها متصلة اتصالا زائدا على جواهر تركب منها جسم آخر متصل بذلك الجسم.
وإذا تقرر هذا علمت أن الجوار جنس للجميع، ويتميز أحدهما عن الآخر بقيد المخالطة أو [قيد](5) الملاصقة.
وقوله - كثر الله فوائده -: وهل ينفق تعليلهم لثبوت أصل شفعة الجار بأن بينهما اشتراكا في جزء غير منقسم (6)؟ أقول: الذي يلوح لي أن هذا التعليل لا جدوى فيه، وبيانه أنهم [إن](7) أرادوا أن عدم انقسام هذا الجزء هو السبب الذي تثبت به الشفعة، فهذا رجوع منهم إلى قول من
(1) تقدم آنفا.
(2)
(2/ 377).
(3)
في (أ، ج)(الصحيح).
(4)
في (ب) يتركب.
(5)
زيادة من (جـ).
(6)
تقدم ذكره، انظر " المغني "(7/ 437).
(7)
زيادة من (ب، جـ).
قال بعدم استقلال مجرد الجوار بالسببية، وأن الشفعة لا تثبت إلا في الشيء الذي لم [ينقسم](1) بوقوع الحدود، وتصريف الطرق، وهم يخالفون في ذلك خلافا ظاهرا معروفا مشهورا، ويجعلون إثبات الشفعة بمجرد جوار الملاصقة قولا مستقلا مخالفا لقول من قال بعدم صلاحيته للسببية، ومع كونه هذا يعود على غرضهم المقصود [بالبغيض](2) فهو كلام غير صحيح في نفسه، وبيانه أن يقال لهم: هل وجود هذا الجزء الذي لا [ينقسم](3) في جوار الملاصقة ثابت بالشرع أو بالعقل؟ الأول: باطل لأن القسمة في الشرع وقوع الحدود، وتصريف الطرق؛ فما وقع فيه هذا كان مقسوما شرعا وإن كان متلاصقا فمجرد التلاصق لا ينافي القسمة الشرعية. والثاني: لا يفيد في محل النزاع، ولا يجدي نفعا، لأن المبحث الشرعي لا عقلي بلا خوف في ذلك، فإن إثبات أصل الشفعة إجمالا وتفصيلا شرعي محض، والكلام في أسبابها وشروطها (4) وضعي، والكل عن أحكام العقل بمعزل.
وأما قوله -كثر الله فوائده -: ويتفرع عليه أيضًا عدم ثبوت الشفعة في الأبنية المعمورة في عرصات الأوقاف (5)
…
إلخ.
فأقول: هذا التفرع إنما يصلح لو صح أصله، ولكنه لم يصح كما عرفت فلم يصح والشركة الشرعية [موجود](6) في الدور المبنية على عرضة [الغير](7) إذا كان البناء بإذنه، لأنه يصدق على ................................
(1) في (ب) يقسم.
(2)
في (جـ) بالنقض.
(3)
في (ب) يقسم.
(4)
تقدم ذكرها.
(5)
انظر " المغني "(7/ 441 - 442).
(6)
في (ب) و (جـ) موجودة.
(7)
في (ب، جـ) للغير.
[الدور](1) لمشتركة [بل](2) وبين رجلين فأكثر أنها لم تقسم قسمة شرعية، وهي وقوع الحدود، وتصريف الطرق، فالسبب الذي هو الشركة، والشرط الذي هو عدم القسمة قد وجدا في الدار المبنية على تلك الصفة [فوجدا المقتضي] (3) وانتفى المانع. ومن زعم أنه لا شركة في الدار الموصوفة يوجب الشفعة فيقال له: إن كنت قلت هذا بالشرع فما هو؟ فليس في الشرع ما يفيد هذا لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام بل فيه ما يفيد خلافه بجميع هذه الدلالات كما لا يخفى.
قوله: وهذا الإشكال جميعه بناء على أن الشارع علق الشفعة بوصف الجار (4) إلخ.
أقول: ربما قيد به هذا المطلق من القيود كما تقدم بيانه.
قوله: ولا يخفى ما يصدق عليه إن جعل الملاصقة داخلة في مفهوم الجار .. إلخ.
أقول: قد قدمنا أن وصف الملاصقة في مطلق الجار لا يصلح لسببية الشفعة، لأنه لا ينافي وقوع القسمة الشرعية الكائنة بوقوع الحدود، وتصريف الطرق. وقد أوضحناه بما لا يحتاج إلى زيادة، ولا فرق بين أن تكون الصفة كاشفة أو مقيدة.
فإن قلت: إذا كانت الشفعة مشروعة لدفع الضرر فهو ممكن الحصول، وإن لم يوجد
(1) في (ب، جـ) الدار.
(2)
زيادة من (أ، ب).
(3)
في (ب) فرضا لمقتضي.
(4)
قال الشوكاني في " السيل الجرار"(2/ 721): فعرفت بمجموع ما ذكرناه أن مجرد الجوار بعد القسمة وتصريف الطرق لا تثبت به الشفعة.
فالحاصل أنه لا سبب للشفعة إلا الخلطة، وهي أعم من أن تكون في أرض أو دار أو طريق أو في ساقية للشرب أو في شيء من المنقولات.
وانظر: " المغني "(7/ 438). " المفهم "(4/ 527).
شيء من الأسباب التي دلت عليها الأدلة، بل وسائر الأسباب التي لا مستند للقول بها على الوجه المعتبر، فإن الجار قد يضار جاره الذي لم يشاركه في كل شيء ولا كان ملاصقا له من جهة من الجهات.
قلت: لو سلمنا أنها شرعت لذلك لم يلزم إثباتها مع عدم وجود السبب الشرعي، وقد ربطها الشارع بأسباب، وقيدها بقيود يتحصل عند وجودها من الضرار زيادة على ما يتحصل [عند](1) عدمها أو بعضها؛ فإن مضارة الشريك لشريكه الذي لم تقع [بينهما](2) الحدود ، ولا صرفت الطرق أبلغ من مضارة الجار لجاره [التي](3) لا شركة بينهما في الأصل، ولا في [الطرق](4)، على أن الشارع قد نهى الجار عن ضرار جاره، وتوعده، ونفى عن [الجار المضار اسم الإيمان، فقال: " والذي نفسه بيده لا يؤمن أحدكم حتى يأمن](5) جاره بوائقه " (6).
والأحاديث في هذا كثيرة جدا، فهذا النهي يكفى في مطلق الجار، ولا مانع من تخصيص الجار المخالط، وهو الشريك بحكم زائد على مجرد المنع من الضرار، وهو كون له حق يستحق به الشفعة الموجبة لمصير نصيب شريكه الذي يخشى من ضرره الخاص إليه، وهذا على تسليم أنها شرعت لذلك، وليس الأمر كذلك، فهي إنما شرعت لكون الشريك أحق بشراء نصيب شريكه إذا أراد بيعه، وأنه يجب عليه إيذانه قبل البيع،
(1) زيادة من (ب، جـ).
(2)
زيادة من (جـ).
(3)
في (جـ) الذي.
(4)
في (ب) عدم.
(5)
زيادة من (جـ).
(6)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (6061) ومسلم في صحيحه رقم (46).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن " قيل من يا رسول الله؟ قال: " الذي لا يأمن جاره بوائقه ".
وعرض البيع عليه، لحديث جابر عن مسلم (1)، والنسائي (2)، وأبي داود (3):" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعها، أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به ".
وأخرج البخاري (4) عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء والمسور بن مخرمة، ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتعها. فقال المسور: والله لتبتاعها، فقال سعد والله ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، فقال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" الجار أحق بسبقه " ما أعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا أعطي بها بخمسمائة دينار، فأعطاها إياها.
فإن قلت: ماذا لديك في جعلهم [المشرب](5) والطريق سببين مستقلين؟.
قلت: وقد شرطوا في ذلك الاشتراط في أصل النهر أو مجاري الماء، وفى نفس الطريق، فسببيتهما راجعة إلى سببية الشركة في الشيء الذي لم يقسم.
وقد عرفت أن الاشتراك في ما هو [جزء](6) للشيء اشتراك في ذلك الشيء أ فإن مجرى النهر المشترك المتصل بالأرض جزء من تلك الأرض، وكذلك طريق الأرض، أو الدار المشترك المتصلة بما هي طريق له جزء من ذلك الشيء، وقد سبب تقريره.
(1) في صحيحه رقم (1608).
(2)
في " السنن "(7/ 321).
(3)
في " السنن " رقم (3514). وهو حديث صحيح.
(4)
تقدم آنفا.
(5)
في (أ)(للشريك).
(6)
في (جـ) جنس.
فعلى هذا لا وجه لتعديد الأسباب بأنها كذا وكذا وكذا، بل [سبب](1) ثبوت الشفعة سبب واحد هو الاشتراك في شيء لم يقسم بجميع أجزائه بأن وقعت الحدود، وصرفت الطرق.
وفى هذا المقدار كفاية لمن له هداية. وإلى هنا انتهى الكلام على [ما يحتاج إليه](2) سؤال السائل - كثر الله فوائده - من الجواب، ولله دره فلقد جاء [السؤال](3) قويا، وسلك بما قرره به في مسلك سوى، والحمد لله أولا وآخرا.
انتهى [تحريره بقلم المجيب محمد بن على الشوكاني - غفر الله لهما -.
انتهى من خطة زيد رفعة وأديم للعالمين نفعه في شهر رجب سنة 1219] (4).
[وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الراشدين وسلم. ولما اطلع الفقيه العلامة على بن أحمد هاجر (5) على رسالة كشف الأستار في حكم الشفعة بالجوار وقال مقرضا:
الله رد العلم الرباني
…
الدر نجل على الشوكاني
فلقد أبان من العلوم جواهرا
…
تنبيك منه عن علو الشان
قد أشرقت أكواننا بعلومه
…
شأن البدور تضيء في الأكوان
(1) زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (جـ).
(3)
في (جـ) بسؤال.
(4)
زيادة من (أ).
(5)
على بن أحمد هاجر الصنعاني ولد سنة 1180هـ.
ترجم له الشوكاني في " البدر الطالع " رقم (307) فقال: " وله قراءة على في علم المنطق في مدة سابقة ، وهو يفهمه فهما بديعا ويتقنه إتقانا عجيبا وله قراءة أيضًا في " الكشاف " و" المطول " وفى شرحي على " المنتقى " .... وهو قوي الفهم، جيد الإدراك، صحيح التصور ".
انظر " نيل الوطر "(2/ 122رقم 328)، " البدر الطالع " رقم (307)، " التقصار"(ص377).
ولأن حوى كل الكمال فإنه
…
عن وصفه الجاري على الأزمان
سبحان من جعل الفضائل كلها
…
فيه وفضله على الأقران
وعليه مني ألف ألف تحية
…
ما غردت ورقا وعلى الأغصان (1)]
[انتهى تحريره من نسخة على نسخة المصنف - عافاه الله - القاضي العلامة زينة العصر، وفريد الدهر محمد بن على الشوكاني - حفظه الله -. وكان الفراغ من رقم هذه الفائدة يوم الأربعاء، لعله رابع شهر ربيع آخر سنة اثنين وعشرين ومائتين وألف، سنة 1222 كتبه الفقير إلى ربه المعترف بذنبه الراجي عفو ربه إسماعيل بن إبراهيم بن أحسن ابن يوسف [](2)] (3).
(1) زيادة من (ب).
(2)
كلمات غير مقروءة.
(3)
زيادة من (جـ).