الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب بيان ما يباح من الغيبة
اعلم أن الغيبة وإن كانت محرَّمة فإنها تباح في أحوال للمصلحة. والمجوِّز لها غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب.
الأول: التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له
ــ
باب بيان ما يباح من الغيبة
قوله: (فإنها تباح الخ) في الزواجر قد تجب وسيأتي منه قول المصنف في جرح الرواة وذلك جائز بل واجب وقوله في المستشير وجب عليك أن تذكر له الخ. قوله: (والمجوز لها غرض صحيح الخ) ثم إن كان ذلك الغرض واجباً وجبت أو مباحاً أبيحت فللوسائل حكم المقاصد. قوله: (وهو أحد ستة أسباب) وقد نظمها الشيخ ظهير الدين محمد بن ظهير خطيب حماه فقال:
لم تستبح غيبة في حالة أبداً
…
إلا لستة أحوال كما سترى
استفت عرف تظلم حذر استعنا
…
على إزالة ظلم واحك ما ظهرا
وقد بسط المسائل التي تباح فيها الغيبة ابن العماد الأقفهسي وأوصلها إلى سبعة عبر موضعاً ونظمها فقال:
وما عليك إذا ما غبت منتدباً
…
لقول رشد ونصح المستشير ولا
أن تذكر العالم المخطي لصاحبه
…
أو تستغيث على ذي ذلة عدلا
أو تذكر اسماً قبيحاً عند سامعه
…
كي يستبين به مقصود ما جهلاً
كأسود قاله أو أعور مثلاً
…
أو أعمش مخبر أو أعرج نقلا
ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه، فيذكر أن فلاناً ظلمني، وفعل بي كذا، وأخذ لي كذا، ونحو ذلك.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك، أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم عني؟ ونحو ذلك. وكذلك قوله: زوجتي
ــ
أو عضة العرض في جرح التي سقطت
…
كذلك القدح في الفتوى قد احتملا
كذاك في ذكر من يشكو ظلامته
…
إلى القضاة أو الوالي إذا عدلا
ومظهر البدعة اذكره لمنكرها
…
ومخفي البدعة اذكره لمن جهلا
ومظهر الفسق للإعجاب منتدبا
…
من عرضه ما جرى في لفظه سهلا
وحجة الدين في الإحياء قد حظلا
…
لذاك من عالم فاحذر وطب عملا
مساوي الخصم إن تذكر لحاكمه
…
حين السؤال أو الدعوى فلا تهلا
وغيبة الكافر العربي قد سهلت
…
وعكسها غيبة الذمي قد عقلاً
وتارك الدين لا فرض الصلاة ولا
…
جناح فيه إذا ما اغتبت لا خللا
قوله: (وله قدرة على إنصافه) أي ولو بان يظن ذلك. قوله: (فيذكر أن فلانا ظلمني) أي ويكون مقصوده رفع ظلامته وإلا كان مغتاباً أخذاً مما ذكره المصنف فيما بعده وظاهر جريانه فيه واعتبار القصد في جميع ما يأتي بأن لا يقصد تنقيص المغتاب إلا في المجاهر بفسقه. قوله: (فإن لم يقصد ذلك كان حراماً) ولم يكن ذلك المغتاب مجاهراً بفسقه لما يأتي فيه. قوله: (ظلمنى أبي) أي وكان المخاطب يعرفه حتى يكون من الغيبة المحرمة لولا حاجة نحو الاستفتاء أما إذا لم يكن المخاطب يعرفه فتقدم أنه لا يحرم مطلقاً فلا حاجة
تفعل معي كذا، أو زوجي يفعل كذا، ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط أن يقول: ما تقول في رجل كان من أمره كذا، أو في زوج أو زوجة تفعل كذا، ونحو ذلك، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز، لحديث هند الذي سنذكره إن شاء الله تعالى، وقولها: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح
…
" الحديث، ولم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: تحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها إذا استشارك إنسان في مصاهرته، أو مشاركته، أو إيداعه، أو الإيداع عنده، أو معاملته بغير ذلك، وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فإن حصل الغرض بمجرد قولك: لا تصلح لك معاملته، أو مصاهرته، أو لا تفعل هذا، أو نحو
ــ
لاستثنائه والله أعلم. قوله: (ولكن الأحوط أن يقول الخ) أي أن يبهمه وهذا هو الأفضل لحصول المقصود من السؤال معه. قوله: (ومع ذلك) أي حصول الغرض مع الإبهام (فالتعيين جائز) وإنما التصريح باسمه لأن المفتي قد يدرك مع تعيينه معنى لا يدركه مع إبهامه فكان في التعيين مصلحة. قوله: (ولم ينهها) فدل تقريره صلى الله عليه وسلم على الجواز إذ لا يقر على محرم والمعنى في الجواز ما ذكرناه من أن المفتي قد يدرك مع التعيين معنى لا يدركه مع إبهام المسؤول عنه. قوله: (كجرح الرواة والشهود) ومثله جرح المصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية أو نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سرى فيجوز إجماعاً بل يجب ذكر ذلك دفعاً للضرر.
قوله: (وجب عليك أن تذكر ما تعلمه) أي مما فيه من كل قبيح مضر كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج لما يأتي في حديث وأما معاوية فصعلوك لا مال له والمراد من ذكر ما يعلمه الإشارة بقضيته لا التصريح بذكره لقوله فإن حصل الغرض بمجرد
ذلك، لم تجزئه الزيادة بذكر المساويء وإن لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه.
ومنها إذا رأيت من يشتري عبداً يعرف بالسرقة أو الزنى أو الشرب أو غيرهما، فعليك أن تبيِّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالماً به، ولا يختص بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيباً وجب عليه بيانه للمشتري إذا لم يعلمه.
ومنها إذا رأيت متفقِّهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخفت أن يتضرَّر المتفقه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويشترط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يُغلَط فيه، وقد يحمل المتكلِّمَ بذلك الحسدُ، أو يلبِّس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة وشفقة، فليُتفطن لذلك.
ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفَّلاً ونحو ذلك، فيجب ذِكْرُ ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولِّيَ مَن يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ولا يغترَّ به، وأن يسعى في أن
ــ
قولك لا تصلح لك معاملته الخ. قوله: (وإن لم يحصل الغرض إلا بذكر عيبه فاذكره بصريحه) أي إن علم إفادة الذكر وإلا أمسك وعلى الأول فإن حصل الغرض بذكر عيب واحد من عيوبه فلا تزد عليه أو عيبين اقتصر عليهما لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر بقدر الحاجة والضرورة قال البارزي ولو استشير في أمر نفسه للنكاح فإن كان فيه ما يثبت الخيار ذكره للزوجة وإن كان فيه ما يقل الرغبة عنه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحبَّ ذكره وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه أو يقول لست أهلاً للولاية اهـ. قال الشيخ زكريا ووجوب التفصيل بعيد والأوجه دفع ذلك بنحو قوله أنا لا أصلح لكم وفي التحفة لابن حجر فإن رضوا به مع ذلك فواضح وإلا لزمه الترك أو الإخبار بما فيه من كل مذموم شرعاً أو عرفاً نظير من استشير في غيره ويجب ذكر ما ذكر
يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، والمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المَكْس، وجباية الأموال ظلماً، وتولِّي الأمور الباطلة، فيجوز ذِكْره بما يجاهر به، ويحرم ذِكْره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب: كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول،
ــ
على هذا الترتيب وإن لم يستشر كما هو قياس من علم بمبيعه عيباً لزمه ذكره مطلقاً انتهى ملخصاً.
قوله: (أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته) أي بأن لم يبال بما يقال فيه من جهة ذلك الذي جاهر به لخلعه جلباب الحياء فلم يبق له حرمة. قوله: (وأخذ المكس) قال المصنف في التهذيب مكس
الظلمة ما ينقصونه من أموال النّاس ويأخذونه منهم. قوله: (وجباية الأموال ظلماً) أي جمعها حال كونها مأخوذة على وجه الظلم من مصادرة أو مكس أو نحو ذلك. قوله: (فيجوز ذكره بما يجاهر به) وفي التحفة لابن حجر ينبغي أن يكون مجاهرته بصغيرة كذلك فيذكر بها فقط. قوله: (إلا أن يكون لجوازه) أي جواز ذكر غير ما جاهر به سبب آخر من استفتاء أو تعريف أو نحوه قال الأذرعي في أذكار النووي مما يباح من الغيبة أن يكون مجاهراً بفسقه الخ وهو تابع في ذلك للغزالي وفي الجواز لا لغرض شرعي نظر وإطلاق كثيرين يأباه اهـ. وفي الخادم للزركشي وجدت بخط الإِمام تقي الدين بن دقيق العيد أنه روى بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة وخصها القفال في فتاويه بالصفات التي لا تذم شرعاً بخلاف نحو الزنى فيجوز ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم: "اذكروا الفاسق" بما فيه يحذره النّاس غير أن المستحب الستر حيث لا غرض وإلا كتجريحه أو إخبار مخالطة فيلزمه بيانه اهـ. وما ذكره من أن الجواز في الأول لغرض شرعي ضعيف لا يوافق عليه والحديث المذكور ضعيف وقال أحمد فنكر وقال البيهقي ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر يعلن بفجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه اهـ. وهذا الذي حمله عليه
والأفطس، وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تباح بها الغيبة على ما ذكرناه.
وممن نص عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" وآخرون من العلماء، ودلائلها ظاهرة من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثر هذه الأسباب مجمع على جواز الغيبة بها.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها
ــ
البيهقي متعين ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح وأورده ليس للفاسق غيبة ويقضى عليه عموم خبر مسلم الذي فيه حد الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره وقد أجمعت الأمة على أنه ذكره بما يكره وهذا كله يرد ما قاله القفال انتهى كلام الخادم وأخذ ما يتعلق بما مر عن القفال من قول شيخه الأذرعي وما ذكره القفال لا لغرض ضعيف بمرة والحديث المذكور غير معروف ولو صح لتعين حمله على حالة الحاجة وفي التوسط للأذرعي الحديث المذكور في كلام القفال لا أصل له يرجع إليه اهـ. قوله: (بنية التعريف) ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، في التحفة لابن حجر يظهر في حالة الإطلاق أنه لا حرمة. قوله:(ولو أمكن التعريف الخ) وإنما جاز التعريف بما يكرهه مع حصول التعريف بغيره لأن ذلك لكونه أشهر أنص على المقصود وهو من جملة الأغراض التي يعني بها الإنسان. قوله: (فهذه ستة أسباب مما تباح به الغيبة) وقد يقال ظاهر أنه بقي أسباب أخر لإباحتها وهو غير مراد ففي الزواجر ينحصر أي الغرض المبيح للغيبة في ستة أسباب ويجاب بأن من فيه بيانية أي هذه الستة الأسباب الشيء الذي تباح به الغيبة.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه مالك الموطأ من جملة بلاغاته به وقال بئس العشيرة أو بئس رجل العشيرة وفي رواية أخرى فقال بئس أخو العشيرة وروي الحديث أبو داود والترمذي في الشمائل وابن السني قال ابن عبد البر في التمهيد روى الحديث عن عائشة من وجوه صحاح من حديث عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة ومن حديث مجاهد عن عائشة
أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ائْذَنوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ"
ــ
ومن حديث ابن المنكدر عن عروة عن عائشة وهو حديث مجمع على صحته وأصح أسانيده محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة. قوله: (أن رجلاً استأذن الخ) قال ابن عبد البر يقال هذا الرجل عيينة بن حصن وقال المصنف في المبهمات قال الخطيب يقال إنه مخرمة بن نوفل بن عبد مناف القرشي وقيل عيينة بن حصن بن بدر الفزاري اهـ. وفي شرح مسلم له قال القاضي عياض هذ الرجل عيينة بن حصن وفي بعض شروح الشمائل هو عيينة بن حصن الفزاري الذي يقال له الأحمق المطاع وجاء في بعض الروايات التصريح عن عائشة بأنه خزيمة بن نوفل فإن كانت الواقعة تعددت فظاهر وإلا فالذي عليه المعول هو الأول لصحة روايته، وأما خبر تسميته خزيمة ففيه أبو يزيد المدني وفيه كلام وأبو عامر صالح بن رستم الجزار ضعفه ابن معين وأبو حاتم ولذا قال الخطيب وعياض وغيرهما الصحيح أنه عيينة قالوا ويبعد أن يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حق خزيمة ما قال لأنه كان من خيار الصحابة. قوله:(بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة) شك من محمد بن المنكدر أحد رواته ففي التمهيد قال الحميدي قال سفيان قلت لمحمد بن المنكدر وأنت لمثل هذا تشك في هذا الحديث قال أبو عمر يعني قوله بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة اهـ. أي بئس الرجل هو من قوله، قال القاضي عياض: لم يكن أسلم عيينة وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله لتعرفه النّاس ولا يغتر به من لا يعرف حاله قال وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته ما دل على ضعيف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيراً إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قلت قال بعض شراح الشمائل لما جيء به إلى أبي بكر رضي الله عنه أسيراً كان الصبيان يصيحون به في أزقة المدينة هذا الذي خرج من الدين فيقول عمكم لم يدخل حتى خرج اهـ. فوصف النبي صلى الله عليه وسلم لعيينة بأنه الخ من أعلام النبوة لأن ظهر كما وصف اهـ. وليس هذا منه صلى الله عليه وسلم ككل ما يصف له أحد من أمته غيبة بل هو من النصيحة والشفقة على الأمة ليعرفوا حال المقول عنه والعشيرة القبيلة وإضافة الابن والأخ إليها كإضافة
احتج به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيب.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله تعالى، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فتغير وجهه وقال:"رَحِمَ اللهُ مُوسَى لَقَدْ أوذِيَ بأكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" وفي بعض رواياته: "قال ابن مسعود: فقلت: لا أرفع إليه بعد هذا حديثاً".
قلت: احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاه بما يقال فيه.
وروينا في
ــ
الأخ إلى العرب في يا أخا العرب لواحد منهم. قوله: (احتج به البخاري الخ) فإنه ترجم بذلك وأورد الحديث المذكور فيه (والريب) جمع ريبة قال الشيخ زكريا هي النميمة.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) وأخرجه أبو داود والترمذي بنحوه من جملة حديث وفيه قال عبد الله فأتى صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فانتهيت إلى رجلين جالسين وهما يقولان والله ما أراد
محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الآخرة فثبت حتى سمعتها فأتيت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فاحمر وجهه وقال دعني عنك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وتقدم الكلام على ما يتعلق بالحديث في باب الإعراض عن الجاهلين. قوله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة) أي وهي غنائم حنين. قوله (وفي بعض رواياته) هي للصحيحين كما في جامع الأصول. قوله: (لا أرفع إليه بعدها) أي بعد هذه المرة (حديثاً) في مثل هذا المعنى أي لأنه رأى كمال تغيره صلى الله عليه وسلم عند سماع ذلك ثم عفوه فلم ير لقوله ثمرة إلا إيصال سبب التغير إليه صلى الله عليه وسلم. قوله: (قلت احتج به البخاري الخ) فإنه ترجم فيه بذلك والمراد جواز الإخبار بذلك إذا كان على جهة النصيحة ووجه الاستدلال عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم ذلك ولو كان يحرم لما سكت عليه ومن هذا القبيل قول الرجل كما أخبر عنه عز وجل {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} .
قوله: (وروينا في
"صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظُن فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفانِ من دِينِنا شَيئاً" قال الليث بن سعد أحد الرواة: كانا رجلين من المنافقين.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصاب الناسَ فيه شدَّةً، فقال عبد الله بن أُبيّ: لا تنفقوا على من عند رسول الله
ــ
صحيح البخاري) أورده في باب ما يكون من الظن أي ما يجوز منه كظن السوء بالفجرة قال الشيخ زكريا. وقوله: (ما أظن الخ) النفي فيه نفي لظن الخير الصادق بظن السوء وبعدم الظن أصلاً فيجامع إثبات ظن السوء في الترجمة اهـ. قوله: (قال الليث الخ) رواه عنه البخاري في الباب المذكور. قوله: (عن زيد بن ارقم) هو أبو عمرو وقيل أبو عامر وقيل أبو سعد وقيل أبو سعيد وقيل أبو حمزة وقيل أبو أنيسة زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن نعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري المدنى غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة استصغره يوم أحد وكان يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة وسار معه في غزوة مؤتة روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون حديث اتفقا منها على أربعة وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بستة روى عنه أنس بن مالك وابن عباس وخلق من التابعين نزل الكوفة وتوفي بها سنة ست وخمسين وقال ابن سعد وآخرون سنة ثمان وخمسين كذا في التهذيب للمصنف.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه الترمذي وهذا من باب إخبار الشخص بما قيل عنه على وجه النصيحة. قوله: (خرجنا في سفر) يحتمل أن يكون سفرهم في تبوك. قوله:
(فقال عبد الله بن أبي) هو
-صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذل، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أُبي
…
وذكر الحديث. وأنزل الله تعالى تصديقه: ({إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1].
وفي الصحيح حديث هند امرأة
ــ
المنافق. قوله: (وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) وفي رواية للبخاري فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته وفي رواية للطبراني فذكرت ذلك لسعد بن عبادة قال ابن النحوي في شرح البخاري ولا منافاة بين ذلك فقد يخبر عمه أو غيره ثم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ويجوز أن تقول أخبرته إذا أوصلت الخبر إليه، وعمه هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد أخو أرقم بن زيد كما نبه عليه الدمياطي ويحتمل أن يريد به سعد بن عبادة لأنه شيخ من شيوخ قبيلة الخزرج ويحتمل أنه أراد عمه زوج أمه ابن رواحة وفعل عبد الله بن أبي ما فعل غيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن يوسف بلغني أن ابنه وقف فقال والله لا تمر حتى تقول إنك الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز فلم يمر حتى قالها. قوله:(وذكر الحديث) تمامه فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تصديقي.
قوله: (وفي الصحيح) أخرجه البخاري ومسلم وأخرجه البيهقي وفي بعض روايات البخاري رجل مسيك واختلف في ضبطه هل هو بكسر الميم وتشديد المهملة أو بوزن عظيم والمعنى بخيل قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن النهاية المشهور عند المحدثين فتح الميم وتخفيف السين وعند اللغويين كسر الميم وتشديد السين والذي رأيته في النهاية مسيك مثل بخيل وزناً ومعنى وقال أبو موسى إنه مسيك بالكسر والتشديد بوزن خمير وسكير أي شديد الإمساك لماله وهو من أبنية المبالغة قال وقيل المسيك البخيل إلا أن المحفوظ الأول اهـ. قوله: (حديث هند) هي هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية زوج أبي سفيان بن حرب وهي أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها
أبي سفيان وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح
…
" إلى آخره.
وحديث فاطمة بنت قيس
ــ
بليلة وحسن إسلامها وشهدت اليرموك مع زوجها أبي سفيان توفيت أول خلافة عمر في اليوم الذي مات فيه والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وروى الأزرقي أن هنداً هذه لما أسلمت جعلت في بيتها تضرب صنماً بالقدوم فلذة فلذة وتقول كنا منك في غرور وفي تاريخ دمشق أن هنداً هذه قدمت على معاوية في خلافة عمر رضي الله عنهم روى عنه ابنها معاوية وعائشة رضي الله عنهم كذا في تهذيب المصنف. قوله: (وقولها) هو بالجر عطفاً على هند واللام في (للنبي صلى الله عليه وسلم) للتبليغ. قوله: (إن أبا سفيان رجل شحيح) في الحديث سماع كلام الأجنبية عند الإفتاء والحكم وكذا ما في معناه وفيه جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوه وفيه جواز خروج الزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه وأخذ منه بعضهم جواز الدعوى والحكم على الغائب قال المصنف ولا صح هذا الأخذ لأن أبا سفيان كان حاضراً بالمدينة وشروط القضاء على الغائب أن يكون غائباً عن البلد أو مستتراً لا يقدر عليه أو متعززاً
ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجوداً فلا يكون قضاء على غائب بل هو إفناء وسكت المصنف عن باقي الحديث لأن المقصود منه وهو جواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان على وجه الاستفتاء لا يكون محرماً حاصل بما ذكره ووجه الاستدلال سكوته صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره عليها قولها شحيح لأنه ذكر في موضع الاستفتاء والله أعلم. قوله: (وحديث فاطمة بنت قيس) أي وفي الصحيح أيضاً حديث فاطمة وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة كما في التيسير للديبع وأصله عند البخاري في مسكن العدة دون باقي الحديث وفاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب ابن ثعلبة الفهرية القرشية وهي أخت الضحاك بن قيس قيل كانت أكبر منه بعشر سنين وكانت من المهاجرات الأول ذات عقل وافر وكان في بيتها اجتمع أصحاب الشورى روى لها عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثون حديثاً لها في الصحيحين أربعة أحاديث أحدها متفق عليه وهو بعض هذا الحديث وهو قولها لا نفقة ولا سكنى
وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم لها: "أما مُعَاوِيةُ فَصُعْلُوك، وأمّا أبُو جَهْم فَلا يَضَع العَصَا عَن عاتِقِهِ".
ــ
للمعتدة وانتقالها وإنكار عائشة لذلك والباقي لمسلم وهي طوال كلها روى عنها ابن المسيب وعروة والشعبي تأخرت وفاتها. قوله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها) أي لما خطبها معاوية وأبو جهم بعد انقضاء عدتها واستشارت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك" والمراد منه معاوية بن أبي سفيان كما جاء التصريح بأنه كذلك في مسلم قال المصنف وهو الصواب وقيل إنه معاوية آخر وهو غلط نبهت عليه لئلا يغتر به والصعلوك بضم الصاد وسكون العين المهملتين الفقير والجمع صعاليك كما جاء في رواية لمسلم صعلوك لا مال له وفيه مجاز فإن من المعلوم أنه كان له ثوب يلبسه ونحو ذلك من المحقر لكن لما كان كثير الحمل لها جاز إطلاق هذا اللفظ وقد نص أصحابنا على جواز استعمال مثله وسيأتي بيانه في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: (وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) قيل المراد به كثير الأسفار وقيل كثير الضرب للنساء وقد جاء في رواية لمسلم وأما أبو جهم فضراب للنساء قال في الزواجر وبها يرد التفسير الأول أي أنه كناية عن كونه كثير الأسفار ويؤيده أنه في رواية للحاكم وأما أبو جهم فإني أخاف عليك من شقاقه وأبو جهم بفتح الجيم مكبراً وهو المذكور في حديث الانبجانية واسمه عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي من بني عدي وهو غير أبي الجهيم المذكور في حديث التيمم واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري فذاك مصغر ثم هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الإشارة والنصيحة وليس من الغيبة المحرمة بحال (لطيفة) قال الحاكم في كتاب مناقب الشافعي من لطيف استنباطه ما رواه محمد بن جرير الطبري عن الربيع قال كان الشافعي يوماً بين يدي مالك بن أنس فجاء رجل إلى مالك فقال يا أبا عبد الله إني رجل أبيع القمري وإني بعت يومي هذا قمرياً فبعد زمان أتى صاحب القمري فقال إن قمريك لا يصيح فتناكرنا إلى أن حلفت بالطلاق أن قمري لا يهدأ من الصياح فقال ما لك طلقت امرأتك فانصرف الرجل حزيناً فقام الشافعي إليه وهو يومئذ ابن اربع عشرة سنة وقال للسائل أصياح قمريك أكثر أم سكوته قال السائل بل صياحه قال الشافعي امض فإن زوجتك ما طلقت ثم رجع الشافعي إلى الحلقة فعاد السائل إلى مالك وقال يا أبا عبد الله تفكر