المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٧

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب بيان ما يباح من الغيبة

- ‌باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما بردها وإبطالها

- ‌باب الغيبة بالقلب

- ‌باب كفارة الغيبة والتوبة منها

- ‌باب في النميمة

- ‌باب النهي عن نقل الحديث إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه ضرورة لخوف مفسدة ونحوها

- ‌باب النهي عن الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌باب النهي عن الافتخار

- ‌باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

- ‌باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم

- ‌باب غلظ تحريم شهادة الزور

- ‌باب النهي عن المنِّ بالعطيَّة ونحوها

- ‌باب النهي عن اللعن

- ‌فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

- ‌باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم، وإلانة القول لهم والتواضع معهم

- ‌باب في ألفاظ يكره استعمالها

- ‌فصل: في النهي عن سبِّ الريح

- ‌فصل: يكره سب الحمى

- ‌فصل: في النهي عن سب الديك

- ‌فصل: في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم

- ‌فصل: يحرم سبُّ المسلم من غير سبب شرعي يجوِّز ذلك

- ‌فصل: في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده

- ‌فصل: في نهي المرأة أن تُخبر زوجها أو غيره بحسن بدن امرأة أخرى إذا لم تَدْعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك

- ‌تتمة

- ‌باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه

- ‌باب الحث على التثبت فيما يحكيه الإنسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته

- ‌باب التعريض والتورية

- ‌باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح

- ‌باب في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة

- ‌كتاب جامع الدعوات

- ‌باب في آداب الدعاء

- ‌باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله تعالى

- ‌باب رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما

- ‌باب استحباب تكرير الدعاء

- ‌باب الحث على حضور القلب في الدعاء

- ‌باب فضل الدعاء بظهر الغيب

- ‌باب استحباب الدعاء لمن أحسن إليه وصفة دعائه

- ‌باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، والدعاء في المواضع الشريفة

- ‌باب نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها

- ‌باب الدليل على أن دعاء المسلم يجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجل بالإجابة

- ‌كتاب الاستغفار

- ‌باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

الفصل: ‌فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

النّاس ما يعرض لها أحد.

قلت: اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح: إسلامه وصحبته، فلهذا قلتُ: رضي الله عنهما.

وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي برزة رضي الله عنه، قال:"بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم، إذ بَصُرَتْ بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل، فقالت: حَلْ اللَّهُم العنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيها لَعْنَةٌ" وفي رواية: "لا تُصَاحِبُنا راحِلَةٌ عَلَيها لَعنَةٌ مِنَ اللهِ تعالى".

قلت: حَلْ بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام، وهي كلمة تزجر بها الإبل.

‌فصل في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

ــ

هذا فهي باقية على الجواز لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان اهـ. قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر واستفيد من الأحاديث المذكورة في لعن الدواب أنه حرام وبه صرح أئمتنا والظاهر أنه صغيرة إذ ليس فيه مفسدة عظيمة ومعاقبته صلى الله عليه وسلم لمن لعنت ناقتها بتركها لها تعزيراً وتأديباً لا يدل على أن ذلك بمجرده كبيرة لا سيما وفي علل الأمر بالترك في حديث آخر بأن دعوته باللعن علي دابته أجيبت ثم نقل عن بعضهم القول بأنه كبيرة ونظر فيه وقال الأوجه ما قلناه من أن لعن الدابة صغيرة اهـ. ومن هذا الحديث أخذ بعضهم جواز التعزير بأخذ المال. قوله: (اختلف العلماء في إسلام حصين) تقدم ذكر إسلامه عن المحدثين والحفاظ في ترجمة ولده عمران في كتاب إذكار المرض والموت. قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً). قوله: . (وهي كلمة تزجر بها الإبل) وقال المصنف في شرح مسلم هي كلمة زجر للإبل واستحثاث يقال حل حل بإسكان اللام فيهما قال القاضي ويقال أيضاً حل حل بكسر اللام فيهما بالتنوين وبغير التنوين.

باب في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين

ص: 55

ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال: لَعَنَ اللهُ الواصلَةَ والمُسْتَوصِلَةَ

" الحديث.

وأنه قال: "لَعَنَ الله آكِلَ الرِّبا

" الحديث.

وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ المُصَوِّرِين

".

وأنه قال: "لَعَنَ الله مَنْ غيَّر مَنارَ الأرض".

ــ

وفي نسخة فضل بدل الباب. قوله: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) أخرج أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة كما في الجامع الصغير عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، والواصلة التي تصل شعرها بآخر ليطول والمستوصلة من تطلب من يفعل بها ذلك وحكم وصل الشعر أنه إذا كان بشعر نجس أو طاهر من آدمي حرم مطلقاً وإن كان طاهراً من غير آدمي فإن أذن لها حليلها جاز وإلا فلا وإن لم تكن ذات حليل فلا يحرم لها الوصل، والوشم غرز نحو إبرة في البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة ليخضر والواشمة فاعلة الوشم والمستوشمة طالبة فعل ذلك بها. قوله:(لعن الله آكل الربا) الذي رأيته في مسلم عن ابن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ورواه أبو داود وابن حبان وزادوا فيه وشاهديه وكاتبه وفي سندهم انقطاع بين عبد الرحمن ووالده عبد الله بن مسعود فإنه لم يسمع منه وفيه عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء ومثله لفظ البخاري كما سيجيء ولعل ذلك مراد الشيخ رحمه الله ثم الربا من الكبائر بالإجماع. قوله: (وأنه قال لعن الله المصورين) في البخاري في أبواب الربا وفي أبواب من لعن المصور من جملة حديث علي جحيفة ولعن أي النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور قال المصنف في شرح مسلم قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وأما تصوير الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. قوله: (وأنه قال لعن الله من غير منار الأرض) رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالمنار أعلام الطريق فإن فيه إتعاب المسلمين بإضلالهم الطريق وقيل المراد منه إدخال أرض الغير في أرضه فيكون في معنى

ص: 56

وأنه قال: "لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ".

وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ لعَنَ والدَيْهِ، ولعَنَ الله مَنْ ذَبَحَ لغَيرِ اللهِ".

ــ

الغاصب والمنار العلم والحد بين الأرضين وأصله من الظهور. قوله: (وأنه قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتتمته ويسرق الحبل فتقطع يده ثم هذا الحديث قيل إنه منسوخ وأنه كان يقطع سرقة التافه كالحبل والبيضة ثم نسخ ذلك نقله البيضاوي في شرح المصابيح وقيل المراد بالبيضة بيضة الحديد وبالحبل حبل السفينة وكل واحد منهما يساوي أكثر من ربع دينار وأنكر المحققون هذا

وضعفوه بأن حبل السفينة وبيضة الحرب لهما قيمة ظاهرة وليس هذا السياق موضع استعمالها بل بلاغة الكلام تأباه لأنه لا يذم في العرف من خاطر بيده في شيء له قدر إنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير والصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهو يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل في الحقارة أو أراد جنس البيض وجنس الحبال أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فيقطع فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه أو أن المراد يسرق البيضة والحبل فيقطعه بعض الولاة سياسة لا قطعاً جائزاً شرعياً وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير نصاب فقال هذا على ظاهر اللفظ اهـ. من شرح مسلم للمصنف. قوله: (وأنه قال لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله) هو حديث واحد وآخره ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من غير منار الأرض رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث علي مرفوعاً كما تقدم وفي الصحيحين من حديث ابن عمر إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وفي رواية لهما من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وسب الوالدين إذا كان من الكبائر بالتسبب فسبهما بالمباشرة أشد

ص: 57

وأنه قال: "مَنْ أحدَثَ فينا حدَثاً، أوْ آوَى مُحدِثاً، فعَلَيْهِ لعنَةُ الله والملائكَةِ والناسِ أجمَعِينَ".

وأنه قال: "اللهم العَنْ رِعلاً وذكْوانَ وعُصَيَّةَ عصَتِ اللهَ ورَسُولَهُ"، وهذه ثلاث قبائل من العرب.

وأنه قال: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيهِمُ الشُّحُومُ فباعُوها".

وأنه قال: "لَعَنَ الله اليَهودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبورَ

ــ

وأعظم في العقوق، والذبح لغير الله المراد به أن يذبح باسم غير الله من صنم أو صليب أو كعبة فكله حرام ولا تحل هذه الذبيحة مسلماً كان الذابح أو نصرانياً أو يهودياً بل إن قصد به تعظيم المذبوح له غير الله تعالى كان ذلك كفراً فإن كان قبل ذلك مسلماً صار بذلك مرتداً كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله:(وأنه قال) أي فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس (من أحدث فيها) أي المدينة. قوله: (أو آوى) بالمد على الأفصح. قوله: (محدثاً) قال القاضي لم نروه إلا بكسر الدال وقال المازري بوجهين كسر الدال وفتحها قال فمن فتح أراد لإحداث نفسه ومن كسر أراد فاعل الحدث. قوله: (فعليه لعنة الله الخ) هذا وصف شديد لمن ارتكب هذا قال القاضي عياض واستدلوا بالحديث على أن هذا من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة ومعناه أن الله يلعنه وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد قالوا والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر وليس هو كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله كل الإبعاد اهـ. قوله: (وأنه قال اللهم العن رعلا) تقدم تخريجه في القنوت في كتاب الصلاة. قوله: (وأنه قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم

الخ) رواه الشيخان بلفظ قاتل الله اليهود الخ. وقوله: (فباعوها) أي بعد أن أجملوها والإجمال الإذابة يقال أجمل الشحم وجمله أي أذابه. قوله: (وأنه قال لعن الله اليهود والنصارى) رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عائشة. وقوله: (أتخذوا الخ) علة للعنهم وذلك لأنها إن نبشت قبور الأنبياء لاتخاذ مكانها مسجداً فلما فيه من الاستهانة وإن لم تنبش فلما فيه من المغالاة والتعظيم الممنوع منه وكل منهما مذموم ويلحق بالأنبياء أتباعهم بخلاف الكفرة

ص: 58

أنبيائِهِمْ مسَاجِدَ".

وأنه قال: "لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" وجميع هذه الألفاظ في "صحيحي البخاري ومسلم" بعضها فيهما، وبعضها في أحدهما، وإنما أشرت إليها ولم أذكر طرقها للاختصار.

وروينا في "صحيح مسلم" عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حماراً قد وُسِمَ في وجهه فقال:" لَعَن اللهُ الذي وَسَمَهُ".

وفي "الصحيحين" أن ابن عمر رضي الله عنهما مرَّ بفتيان من قريش

ــ

فلا حرج في نبش قبورهم لانتفاء العلتين وبه يعلم أنه لا تعارض بين نبشه قبور الكفار واتخاذ مسجده مكانه وبين لعنه من اتخذ قبور الأنبياء مساجد ثم إن البخاري اقتصر على اليهود في كتاب المساجد وقال في الجنائز وغيرها لعن الله اليهود والنصارى لكن تعليلهم باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد لا يتأتى في النصارى لأنهم لا يزعمون نبوة عيسى ولا موته حتى يكون له قبر بل يزعمون أنه ابن الله تعالى أو إله أو غير ذلك على اختلاف مللهم الباطلة كذا في تحفة القارئ. قوله: (وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء الخ) رواه البخاري ومسلم وقد بينا عقب كل حديث من خرجه منهما أو من أحدهما أو من غيرهما.

قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) ورواه الطبراني مختصراً من حديث جابر لعن الله من يسم في الوجه. قوله: (لعن الله الذي وسمه) قال المصنف في شرح مسلم الوسم في الوجه منهي عنه بالإجماع للحديث أما الآدمي فوسمه حرام مطلقاً لكرامته ولأنه لا حاجة به إليه فلا يجوز تعذيبه وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا إنه يكره وقال البغوي من أصحابنا لا يجوز فأشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله واللعن يقتضي التحريم وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف لكن يستحب في نعم الجزية والزكاة ولا يستحب في غيرهما ولا ينهى عنه قال أهل اللغة الوسم أثر كية يقال بعير موسوم وقد وسمه يسمه وسماً وسمة والميسم الشيء الذي يوسم به وهو بكسر الميم وفتح السين جمعه مياسم ومواسم وأصله كله من السمة وهي العلامة ومنه موسم الحج أي معلم لجمع النّاس اهـ.

قوله: (بفتيان) بكسر الفاء وسكون الفوقية بعدها تحتية

ص: 59

قد نصبوا طيراً وهم يرمونه فقال ابن عمر: لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لَعَنَ اللهُ مَنِ اتَّخَذَ شيئاً فيهِ الرُّوحُ غَرَضاً".

فصل: اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة، كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الفاسقين، لعن الله المصوِّرين، ونحو ذلك، كما تقدم في الفصل السابق.

وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي، أو نصراني، أو ظالم، أو زانٍ أو مصوّرٍ، أو سارق، أو آكل ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حقِّ من عَلِمْنا أنه مات على الكفر، كأبي لهب، وأبي جهل، وفرعون، وهامان، وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى، وما ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر، قال:

ــ

وبعد الألف نون جمع فتى ويجمع على فتية أيضاً قال تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا} وقال إذ أوى الفتية ذكره الراغب في مفرداته. قوله: (قد

نصبوا طيراً وهم يرمونه) قال المصنف هكذا هو في النسخ طيراً المراد به واحد والمشهور في اللغة أن الواحد يقال له طائر والجمع طير وفي لغة قليلة إطلاق الطير على الطير الواحد وهذا الحديث جار على تلك اللغة. قوله: (من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً) أي يرمى إليه كالغرض من الجلود وغيرها وهو حرام لما فيه من تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وتضييع ماليته وتفويت ذكاته إن كان مذكى ومنفعته إن لم يكن مذكى.

فصل

وفي نسخة باب. قوله: (إما لعن إنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي الخ) قال الحافظ ابن حجر واحتج شيخنا الإِمام البلقيني على ما قاله المهلب من جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت

ص: 60

وأما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم، فيجوز أنه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ موتَهم على الكفر، قال: ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على

ــ

لعنها الملائكة حتى تصبح وتوقف فيه بعض من لقيناه فإن اللاعن هنا الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها والذي قاله شيخنا أقوى فإن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو موجود اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير لعل قول الملائكة اللهم العن فلانة الممتنعة من فراش زوجها أو هذه الممتنعة الخ فهي معينة بالاسم أو بالإشارة إليها فيتجه ما قاله البلقيني لأن قوله صلى الله عليه وسلم لعنتها الضمير يخصها فلا بد من صفة تميزها وذلك إما بالاسم أو بالإشارة إليها اهـ. وبه يجاب عما قال الجلال البلقيني بحثت معه يعني مع السراج البلقيني في ذلك باحتمال أن يكون لعن الملائكة ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا لعن الله من باتت مهاجرة فراش زوجها قال ابن حجر في الزواجر ولو استدل لذلك بخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم من بحمار وسم في وجهه فقال من فعل هذا لعن الله من فعل هذا لكان أظهر إذ الإشارة بقوله هذا صريحه في لعن معين إلا أن يؤول بأن المراد جنس فاعل ذلك لا هذا المعين وفيه ما فيه اهـ. قال العلقمي ونقل القاضي عياض عن بعضهم جواز لعن المعين ما لم يحد لأن الحد كفارة قال وهذا ليس بسديد لثبوت النهي عن اللعن فحمله على المعين أولى ثم نقل العلقمي عن الحافظ أنه نظر في استدلال المهلب على جواز لعن المعين بالحديث المذكور وقال الحق إن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي من الإبعاد من رحمة الله ولهذا لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية ومن أجاز أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب ولا يخفى أن محله أيضاً حيث يرتدع عن المعصية قال، وأما الحديث فليس فيه إلا أن الملائكة تفعله ولا يلزم منه جواز

الإطلاق اهـ. قوله: (وأما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) ويجوز أن يكون اللعن منه صلى الله عليه وسلم لمعين لم يعلم موته على الكفر وحينئذٍ

ص: 61

الظالم، كقول الإنسان: لا أصحَّ الله جسمه، ولا سلَّمه الله، وما جرى مجراه، وكل ذلك مذموم. وكذلك لعن جميع الحيوانات والجمادات، فكله مذموم.

فصل: حكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء أنه قال: إذا لعن الإنسان ما لا يستحقُّ اللعن، فليبادر بقوله: إلا أن يكون لا يستحق.

فصل: ويجوز للآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، وكل مؤدِّب أن يقول لمن يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيف الحال، أو يا قليل النظر لنفسه، أو يا ظالم نفسه، وما أشبه ذلك، بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظ قذف،

ــ

فيكون لذلك المدعو عليه بها زكاة ورحمة ففي صحيح مسلم مرفوعاً اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعلها له زكاة وأجراً والحاصل أن المعين المدعو عليه من جانبه صلى الله عليه وسلم باللعنة إن كان مسلماً في نفس الأمر فهي له زكاة وأجر وإن كان منافقاً أو ممن علم الشارع موته كذلك فهي في موقعها والله أعلم. قوله: (وكل ذلك مذموم الخ) وما تقدم في باب الدعاء على الظالم يحمل المرفوع منه على بيان الجواز والموقوف على أن اجتهاده اقتضى أرجحية ذلك وتقدم في باب أذكار الصباح والمساء وفي باب الغيبة ما يؤخذ منه أن العفو عمن ظلمه الإنسان وترك الدعاء عليه أولى اكتفاء بنصر الله تعالى ففي الترمذي من دعا على ظالمه فقد انتصر وإن كان لو انتصر بقدر مظلمته لا حرج عليه فلا تناقض بين كلامه هنا وبين ما قدمه في باب جواز الدعاء على الظالم وقد يقال في الجمع أن ما في ذلك الباب محمول على الظالم المتمرد الذي عم ظلمه أو كثر أو تكرر أو فحش أو أمات حقاً أو سنة أو أعان على باطل وما هنا محمول على خلافه. قوله: (لعن جميع الحيوانات الخ) تقدم عن الزواجر أنه حرام وأن الأوجه أنه من الصغائر. ووقوله: (فليبادر الخ) أي لئلا ترجع اللعنة على قائلها إذا كان المدعو عليه بها ليس مستحقاً لها كما جاءت الأخبار به.

فصل

قوله: (قذف) بفتح القاف وإسكان الذال المعجمة وبالفاء رمى

ص: 62

صريحاً كان، أو كناية، أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوز ما قدمناه، ويكون الغرض منه التأديب والزجر، وليكون الكلام أوقع في النفس.

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: ارْكَبْها، فقال: إنها بدنة، قال: ارْكبْها، قال: إنها بدنة، قال في الثالثة: ارْكبْها وَيْلَكَ".

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقسم قَسْماً، أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله

ــ

الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنى ونحوه من المكروهات. قوله: (صريحاً) قال ابن حجر في شرح المنهاج: ما لم يحتمل غير ما وضع له من القذف بالكلية، وإن ما يفهم منه المقصود بالقرائن تعريض قال وهذا الفرق هو

الأحسن. قوله: (ولو كان صادقاً الخ) أي الأولى اجتناب ما فيه قذف بأنواعه ولو كان صادقاً فيما قذف به لأن قصده تأديبه وزجره لا تبكيته وهتكه. قوله: (ويكون الغرض منه التأديب) جملة حالية من ما الموصولة وخرج به ما إذا كان غرضه تنقيصه وإيذاءه فيحرم.

قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال الديبع في التيسير وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أنس وأخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة زاد البخاري في رواية عن أبي هريرة فلقد رأيته راكباً وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها اهـ. قوله: (اركبها) محمول على أنه اضطر لركوبها لخبر مسلم عن جابر قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ركوب الهدي اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً، فشرط جواز ركوبها -كما في المجموع وشرح مسلم وهو المعتمد- الضرورة إليها وإنما قال له ويلك مع أنها كلمة عذاب تأديباً له لمراجعته مع عدم خفاء الحال عليه ولم يرد بها الدعاء عليه بل جرت على لسانه نظير قوله في الحديث الآخر تربت يداك.

قوله: (وروينا في صحيحيهما) ذكره البخاري في الأدب واستتابة المرتدين كلاهما من صحيحه وأخرجه مسلم في الزكاة. قوله: (وهو يقسم قسماً) وكان ذلك بالجعرانة. قوله: (ذو الخويصرة

ص: 63

-صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلْ إذَا لَمْ أعْدِلْ".

وروينا في "صحيح مسلم" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رجلاً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ،

ــ

التميمي واسمه حرقوص) وهو أصل الخوارج وهو الذي حمل على علي رضي الله عنه ليقتله فقتله علي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد كما تقدم في باب ما يقول في المسجد ونبه عليه ابن النحوي في شرح البخاري.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه النسائي. قوله: (رشد) بفتح الشين المعجمة وكسرها. قوله: (غوى) بفتح الواو وكسرها قال القاضي عياض الصواب الفتح لأنه من الغي وهو الانهماك في الشر. قوله: (بئس الخطيب أنت) قال القرطبي ظاهره أنه أنكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسوله في ضمير واحد ويعارضه ما تقدم في حديث ابن مسعود في خطبة النكاح ومن يعصهما

فإنه لا يضر إلا نفسه رواه أبو داود وفي حديث أنس ومن يعصهما فقد غوى وهما صحيحان ويعارضه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فجمع بين ضمير الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن ذلك الخطيب وقف على ومن يعصهما وهذا تأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في سياق واحد وأن آخر كلامه فقد غوى ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فظهر أن ذمه من حيث الجمع بين الاسمين في ضمير واحد وحينئذٍ توجه الإشكال، ويتخلص عنه من أوجه (أحدها) أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله بئس الخطيب أنت منصرف لغيره صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى (ثانيها) أن إنكاره على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك من أجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق (ثالهما) أن ذلك الجمع تشريف ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك الغير كما أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال تعالى:{إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وكذا أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم في إطلاق مثل ذلك ومنع

ص: 64

قُلْ: ومَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ".

وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عبداً لحاطب رضي الله عنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطبٌ النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كَذَبْتَ لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ".

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده

ــ

منه الغير على لسان نبيه (رابعها) أن العمل بخبر المنع أولى لأنه تقعيد قاعدة والخبر الآخر يحتمل الخصوص كما قررناه ولأن هذا الخبر ناقل والآخر مبقي على الأصل فكان الأول أولى ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى اهـ. وسبق عن المصنف في أذكار النكاح أن الصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز فلذا ثبت في الصحيح كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً لتفهم قال وأما القول بأن سبب الإنكار تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية فلذا أمره بالعطف تعظيماً لاسمه تعالى فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة فيما ليس هو من الخطب وإنما ثنى الضمير فيها لما تقدم من أنها ليست خطبة وعظ وإنما هي تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها اهـ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره قال وإنما امتنع على غيره دونه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إبهام ذلك.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه الترمذي. قوله: (أن عبداً لحاطب) لم أقف على من سماه. قوله: (لا يدخلها) أي النار. قوله: (فإنه شهد بدراً والحديبية) فيه فضل أهل بدر والحديبية وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وبدر اسم للمحل المعروفة سمي باسم بئر والحديبية بتخفيف الياء على الأفصح محل على تسعة فراسخ من مكة بتقديم الفوقية وهي التي هم صلى الله عليه وسلم بالدخول منها

ص: 65