الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة.
قال العلماء: فينبغي أن يُستعمَل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيي من ذكرها بصريح اسمها الكناياتُ المفهمةُ، فيكنَّى عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها ولا يصرَّح بالنَّيك والجماع ونحوهما، وكذلك يكنى عن البول والتغوُّط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرَّح بالخِرَاءَةِ
ــ
الشرعية وذكر الله تعالى كما تقدم، وقال الأبي الحديث إنما يدل على ذم الإكثار منه والمائة والمائتان ليس من الإكثار وقال ابن الجوزي هذا الحديث محمول على من
جعل جميع شغله حفظ الشعر ولم يحفظ شيئاً من القرآن ولا من العلم لأنه إذا امتلأ الجوف بالشيء لم يبق فيه سعة لغيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر ويستنشده وقد مدحه بقوله إن من الشعر لحكمة وكان الخلفاء الراشدون الأربعة يقولون الشعر وكان علي رضي الله عنه أشعرهم اهـ.
تتمة
ذكر ابن حزم في رسالته في مراتب العلوم أنه إذا عانى الإنسان الشعر فليكن فيما فيه الحكم والخير قال وينبغي أن يجتنب من الشعر أربعة أضرب "أحدها" الأغزال فإنها العون على عدم الصيانة وتدعو إلى الفتن وتصرف النفس إلى الخلاعة "الثاني" الأشعار المقولة في التصعلك وذكر الحروب فإنها تهيج الطبع وتسهل على المرء موارد التلف "الثالث" أشعار التغرب وصفات المفاوز والبلدان فإنها تسهل التغرب والتحول "الضرب الرابع" الهجاء، وصنفان من الشعر لا ينهى عنهما نهي تام ولا يحض عليهما بل هما عندنا من المباح المكروه وهما المدح والثناء، قال الأذفوي وما قاله غير جيد وهو مردود بعمل النّاس في كل ورد وصدر وهو يأتي باليسر والذرر والتمزق والحجر وقد سلك في هذا الباب التعليل لا ما يدعيه من إقامة الدليل وهو خلاف طريقته اهـ.
فائدة
ورد الأمر بالاشتغال بأشعار العرب لأن بها يعرف معاني الكتاب والسنة ويحفظ الشرع وفي الروضة يكره أشعار المولدين المشتملة على الغزل والبطالة ويباح منها ما ليس فيه سخف ولا شيء مما
والبول ونحوهما، وكذلك ذِكر العيوب كالبرص والبخر والصُّنان وغيرها يعبَّر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه.
واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صرَّح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرَّد الأدب، وبالله التوفيق.
روينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن مسعود
ــ
يكره ولا يؤدي إلى شر أو تثبيط عن الخير قال الجلال السيوطي ولي فيه بحث من جهة أن أشعارهم يستشهد بها في المعاني والبيان والبديع كما صرحوا به وهي من العلوم الواجبة التي يطلع بها
على غرائب القرآن ويدرك إعجازه فينبغي أن تكون في رتبة أشعار العرب من هذه الحيثية اهـ. ولك رده بأن المكروه من أشعارهم إنما هو المشتمل على السخف والبطالة كما صرح به في كلام الروضة المفسرة بالسخف والأداء إلى الشر والتثبيط عن الخير وهذا شيء قليل بالنسبة إلى بقية أشعارهم فلا يلزم من كراهة ذلك القليل عدم الاستشهاد به في تلك العلوم فالبحث المذكور ليس في محله قاله ابن حجر في تنبيهه قال ويباح إنشاد الشعر إلا ما فيه هجو محرم فيحرم وإن صدق فيه كالغيبة بل هو من جزئياتها والتشبب بغير معين يباح وكذا بمعين من حليلة لكنه خارم للمروءة إن كان مما ينبغي إخفاؤه وأجنبية وأمرد فسق ولإنشاده حكم إنشائه اهـ. قوله: (فإن دعت حاجة لغرض البيان الخ) ويكون التصريح حينئذٍ سنة بل ربما يجب لأن مراعاة الإفهام أولى من مراعاة الأدب اللفظي. قوله: (وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث) أي كحديث ماعز لما كرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله لعلك لمست لعلك فاخذت أنكتها قال: نعم قال: اذهبوا به فارجموه. قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) في الجامع الصغير ورواه الإِمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم في
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كانَ الفُحْشُ في شَيءٍ إلَاّ شانَهُ، وما كانَ الحَيَاءُ في شَيءٍ إلاّ زانَهُ" قال الترمذي: حديث حسن.
ــ
المستدرك كلهم من حديث ابن مسعود وفي المشكاة ورواه البيهقي في الشعب من حديثه أيضاً وفي رواية للبيهقي ولا الفاحش البذي. قوله: (ليس المؤمن) أي الكامل. قوله: (بالطعان) أي كثير الطعن في الأنساب الثابتة. قوله: (ولا اللعان) أي كثير اللعن بل قد يقع منه لمن يجوز لعنه من الشيطان ونحو الكافر. قوله: (ولا الفاحش) من الفحش أي فاعله أو قائله ففي النهاية البذاءة بالمد الفحش في القول وهو بذي اللسان وقد قال بالهمز وليس بكثير اهـ. وبمعناه البذي هو من عطف الرديف ولا زائدة وتؤيده الرواية الثانية عند البيهقي وقيل بل يحمل الفحش على العموم ويكون البذي تخصيصاً بعد تعميم لزيادة الاهتمام به لأنه متعد، وقيل البذي لا حياء له وقيل الفحش النطق بما لا ينبغي من القول والبذاءة سوء الخلق. قوله:(قال الترمذي الخ) قال ميرك رجاله رجال الصحيحين سوى محمد بن يحيى شيخ الترمذي وثقه ابن حبان والدارقطني. قوله: (وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه) وكذا رواه الإِمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد كلهم من حديث أنس. قوله: (ما كان الفحش في شيء
إلا شانه) يحتمل أن تكون كان تامة وفي شيء متعلق به وأن يكون الفحش في شيء يتصف بشيء من الأوصاف إلا صفة الشين والشيء عام في الأعراض والذات ومثله في هذا الإعراب الجملة الثانية وقد تقدم في المتن تعريف الحياء وما يتعلق به.
فصل: يحرم انتهار الوالد والوالدة وشبههما تحريماً غليظاً، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا
أُفٍّ
ــ
باب تحريم انتهار الوالد والوالدة تحريماً مغلظاً
وفي نسخة "فصل يحرم انتهار الوالد الخ" ولفظ تحريم يدل على أنه من الكبائر وتقديم الوالد في الذكر لأنه أشرف ولذا قدم في الفطرة الملحوظ فيها تقديم الأشرف وكذا في الحج بعد الموت وقوله تحريماً منصوب على المفعولية المطلقة بالمصدر قبله فهو من باب أن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً. قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما أي أمر {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أن مفسرة قال أبو البقاء ويجوز أن تكون في موضع نصب أي الزم ربك عبادته ولا زائدة اهـ. قال أبو حيان وهو وهم بدخول إلا على مفعول تعبدوا فلزم أن يكون منفياً أو منهياً ولا تعبدوا نهي وإحساناً مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما في قوله: يقولون لا تهلك أسى وتحمل وقد اعتنى تعالى بالأمر بالإحسان إلى الوالدين حيث قرنه بقوله: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وبتقديمهما اعتناء بهما على قوله إحساناً ومناسبة اقتران بر الوالدين بإفراد الله تعالى بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة والوالدان وساطة في إنشائه وهو تعالى المنعم بإيجاده ورزقه وهما ساعيان في مصالحه. وقوله: (إما يبلغن) قال في الكشاف إما هي أن الشرطية زيدت عليها ما توكيداً لها ويبلغن فعل الشرط وعندك متعلق به وأحدهما فاعل يبلغن أو كلاهما معطوف على أحد وقريء يبلغان فالألف للتثنية والفاء في {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا} ) جواب الشرط وأحدهما على هذا بدل من الضمير، أو كلاهما، وفي هذه المراءة الثانية كلام لصاحب الكشاف في توجيه الإعراب المذكور ولابن عطية فيها كلام بعضه معترض وقد بينه في النهر، وأف اسم فعل بمعنى أتضجر ولم يأت اسم فعل بمعنى المضارع إلا قليلاً وإذا نهى أن يستقبلهما
وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24] الآية.
ــ
بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشد كالشتم والضرب هو بجهة الأولى وفي أف لغات نظمها الجلال السيوطي وأوردها في قلائد الفوائد فقال:
أف لغات خير ثم ثلث
…
مبتداه مشدد أو مخفف
وبتنوينه وبالترك أفي
…
لا ممالا وبالإمالة مضعف
وبكسر ابتدا وأفي مثلث
…
وزد الها في أف أطلق لا أف
ثم مد بكسر أف وأف .... ثم أفوه أحفظ ودع ما يزيف
ولما نهى تعالى أن يقول لهما ما مدلوله الضجر منه ارتقى إلى ما هو من جهة الوضع أشد من أف وهو نهرهما وإن كان النهي عن نهرهما اشتمل عليه النهي عن قول أف أي لأنه إذا نهى عن الأدنى كان ذلك نهياً عن الأعلى بجهة الأولى والمعنى لا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك
{وَقُلْ لَهُمَا} بدل قول أف ونهرهما {قَوْلًا كَرِيمًا} أي جامعاً للمحاسن من المبرة وجودة اللفظ ثم أمر تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} قال القفال في تقريره وجهان أحدهما أن الطائر إذا ضم فرخه للتربية خفض له جناحه فخفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه اهـ. ثم أمره تعالى أن يدعو الله لهما بأن يرحمهما برحمته الباقية إذ رحمته لا فناء لها ثم نبه على العلة الموجبة للإحسان إليهما والبر بهما واسترحام الله تعالى لهما بتربيتهما له صغيراً وتلك الحالة مما تزيده إشفاقاً لهما ورحمة إذ هي تذكير لهما بحالة إحسانهما له وقت أن لا يقدر بالإحسان لنفسه والظاهر أن الكاف في كما للتعليل أي رب ارحمهما
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنَ الكَبَائِرِ شَتْمُ الرّجُلِ وَالِدَيْهِ، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نَعَمْ، يَسُبُّ أبَا الرّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أمَّهُ".
وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان تحتي امرأة وكنتُ أُحِبُّها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلِّقْها، فأَبَيْتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلِّقْها"، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ــ
لتربيتهما لي وإحسانهما إلى حالة الصغر والافتقار كذا في النهر.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) قال في الترغيب ورواه أبو داود والترمذي أي كلهم من حديث ابن عمرو بن العاص قال وفي رواية للبخاري ومسلم أن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه. قوله: (من أكبر الكبائر) أي لأنه من أبلغ العقوق الذي هو من الكبائر. قوله: (أن يلعن الرجل والديه) هذا من الإسناد المجازي لأنه سبب للعن والديه وإذا نهي عن التسبب للعنهما أو لعن أحدهما أو سبه فالنهي عن مباشرة ذلك بالأولى.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) في الترغيب ورواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم بتقديم وتأخير وقال صحيح الإسناد. قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلقها) أخذ منه الخطابي أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق أسباب الطلاق من سوء العشرة وأما الطلاق فمباح وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم فعله وثبت أنه أمر به ابن عمر ولا يأمر بالمبغوض إلى الله تعالى اهـ. ورأيت منقولاً عن صحيح ابن حبان يستحب أن يطيع أباه في طلاق زوجته إلا إذا كان في الطلاق قطيعة رحم أو علم من نفسه أنه لا يصبر عنها اهـ.