الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في آداب الدعاء
اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهيرُ العلماء من الطوائف كلِّها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحب، قال الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
ــ
ابن راشد عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عنك أنك قلت ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحيت منه أن أعذبه بالنار فقال الله تعالى: صدق عبد الرزاق وصدق معمر وصدق الزهري وصدق أنس وصدق نبيي وصدق جبريل أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى الجنة وفي ختم الباب بحديث أبي أمامة تحريض على التمسك بأذيال الكرام والاعتصام بحبل الرحمة وإعلام بأن إجابة الدعوات من محض الرحمة والمنة ولله المنة والله أعلم.
باب آداب الدعاء
قال بعض العارفين العمل موصل إلى الثواب والأدب في العمل يوصل إلى الله سبحانه وسبق تعريف الأدب أوائل الكتاب وقال الحافظ القسطلاني الأدب ما يحمد قولاً وفعلاً وعبر عنه بعضهم بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق وما قاله الحافظ أولى والدعاء سؤال العبد من الله تعالى. قوله: (أن الدعاء مستحب الخ) سئل العز بن عبد السلام هل يجوز أن يقال لا حاجة إلى الدعاء إذ لا يرد قضاء ولا قدراً فأجاب من زعم عدم الحاجة إلى الدعاء فقد كذب وعصى ويلزمه أن يقول لا حاجة بنا إلى الإيمان والطاعة لأن ما قضاه الله من الثواب والعقاب حاصل ولا يدري هذا الأحمق أن مصالح الدارين قد رتبها الله تعالى على الأسباب فإن بناه على أن ما سبق له لا يغيره الدعاء لزمه أن لا يأكل ولا يشرب إذا جاع أو عطش ولا يتداوى إذا مرض وأن يلقى الكفار بلا سلاح ويقول في ذلك كله ما قضاه الله تعالى لا يرد وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل وما أجراً هذا الشخص على الجرأة بإذكار الشرع وحاصله
وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] والايات في ذلك كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث الصحيحة، فهي أشهر من أن تُشْهَر، وأظهر من أن تُذْكَر، وقد ذكرنا قريباً في الدعوات ما فيه أبلغ كفاية، وبالله التوفيق.
وروينا في "رسالة الإِمام أبي القاسم القشيري" رضي الله عنه قال: اختلف النّاس في أن الأفضل الدعاء، أم السكوت والرضى؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة، للحديث السابق:"الدُّعاءُ هُو العِبَادَةُ" ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفة: السكوت
ــ
إن الإيمان بالقضاء لا يقتضي ترك الأسباب فالله تعالى قدر الأمر وقدر سببه. قوله: (والآيات في الباب كثيرة) كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وكقوله تعالى: ({ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي عن دعائي كما قال بعض المفسرين وجاء ما يوميء إليه في الحديث المرفوع عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. قوله: (للحديث السابق الدعاء هو العبادة) وآخر الحديث ثم تلا أي النبي صلى الله عليه وسلم وقال ربكم: {ادْعُونِي} الآية رواه أحمد والبخاري في تاريخه وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء كل هؤلاء أخرجوا الحديث من حديث النعمان بن بشير وأخرجه أبو يعلى في مسنده عن البراء. قوله: (ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى) قال القشيري: هو حق الله فإن استجاب للعبد فهو زيادة وإن لم يستجب له ولم يصل إلى حظ نفسه فقد قام بحق ربه فإن الدعاء
إظهار فاقة العبودية وقد قال أبو حازم الأعرج لأن أحرم الدعاء أشد علي من أن أحرم الإجابة أي لأن الدعاء حق الله تعالى والإجابة حق العبد. قوله: (وقال طائفة السكوت الخ) هذا مقام إبراهيمي ففي الحديث أنه لما وضع إبراهيم في المنجنيق ليرمى به جاءه جبريل فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا
والخمود
تحت جَرَيان الحُكْم أتم، والرضى بما سبق به القدر أولى، وقال قوم: يكون صاحبَ دعاءٍ بلسانه ورضىً بقلبه ليأتي بالأمرين جميعاً.
قال القشيري: والأولى أن يقال: الأوقات مختلفة، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت، وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء، وهو الأدب، وإنما يُعرف ذلك بالوقت، فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء، فالدعاء أولى به، وإذا وجد إشارة إلى السكوت، فالسكوت أتم.
ــ
وأما إليه فبلى، فقال: سله. فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وقوله: (والخمود) بالمعجمة أصله زوال لهب النار مع بقاء جرمها وكني به عن عدم الاضطراب بالقلب والسكون تحت مرادات الرب. وقوله: (جريان القضاء) أي السكون تحت المقضي (أولى) قال القشيري: ولذا قال الواسطي اختيار ما جرى لك في الأزل خير لك من معارضة الوقت وقد قال صلى الله عليه وسلم من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين اهـ. قوله: (وقال قوم يكون صاحب دعاء بلسانه) أي امتثالاً للأمر الوارد بطلبه وقياماً بمقام العبودية (ورضا بقلبه) بالأقضية الإلهية فلا يقصد بالدعاء معارضة الأقدار ولكن يقصد أن يشغل لسانه به لكونه من جملة الأذكار مع شغل قلبه بربه ورضاه بمقتضاه.
قوله: (قال القشيري والأولى أن يقال الخ) قال شيخ الإسلام زكريا في شرح الرسالة فرب شخص في خلوة يغلب عليه الدعاء وكمال التضرع والبكاء فملازمته لحالته أقرب لنيل مقصوده وربما يغلب عليه توالي نعم ربه وعجزه عن شكرها ويستحي بعجزه عن شكر ما توالى عليه من النعم أن يطلب زيادة على ما هو فيه فالسكوت ولزوم الحياء أولى اهـ، وقال عمي وأستاذي الشيخ أحمد بن علان الصديقي إذا ألقى الله تعالى في قلب المريد لاعجاً للدعاء ووجد الحلاوة عنده فيعلم بتلك العلامة أن المراد منه حينئذٍ الدعاء فيشتغل به وهو الأدب لكونه مطلوباً حينئذٍ وإذا فقد ذلك ووجد في قلبه السكون اعتباراً على الرضى بما يحدثه عليه الحق فحاله علامة أن المراد منه غيره فيشتغل بغيره من
قال: ويصحُّ أن يقال: ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو لله سبحانه وتعالى فيه حق، فالدعاء أولى، لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظ، فالسكوت أتم.
قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمه حلالاً.
ــ
الأذكار والطاعات. قوله: (ما كان للمسلمين فيه نصيب) نحو اللهم ارحم المسلمين أو وفقهم أو نحو ذلك. قوله: (أو كان لله فيه حق) كسؤال إقامة الدين وتسديده وهو يعود نفعه للمسلمين أيضاً لكن أفرد اهتماماً بشأنه. قوله: (فالدعاء أولى) أي لأن الخير المتعدي أولى من القاصر. قوله: (وإن كان لنفسك فيه حظ الخ) ظاهره أنه عند حظ نفسه يترك الدعاء وإن كان بما فيه نصيب للمسلمين أو حق لرب العالمين وينبغي حمله على ما عدا ذلك أي على ما إذا غلب عليه باعث الدنيا وإلا فالدعاء أفضل ثم رأيت ابن حجر صرح بذلك في شرح العباب قال وذلك لحديث الدعاء هو العبادة الدعاء مخ العبادة وبهما يتأكد قول الغزالي في كتاب وسائل الحاجات الدعاء أفضل العبادات وأنجح القربات
وأسنى الطاعات اهـ وظاهر أن مراده من أفضل وأنجح وأسنى كما هو ظاهر أن كثيراً من العبادات أفضل منه بل الإكثار بالذكر أولى منه بالدعاء لخبر من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين اهـ والله أعلم. قوله: (ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمه حلالاً) إن قلت الباب معقود لآداب الدعاء فما الحكمة في ذكر الشرط وتقديمه على الآداب والاقتصار على ما ذكر، قلت أما ذكر الشرط في الباب المعقود لغيره وتقديمه فللإشعار بأن ذكره أهم من ذكر أدبه على أنه لا منافاة بين كونه شرطاً وكونه أدباً وقد عد في السلاح من جملة آداب الدعاء اجتناب الحرام وقال الطرطوشي: آدابه أكل الحلال، قال بعضهم ولعله من شروطه وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد:"يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك" ومن ثم قيل: الدعاء مفتاح وأكل الحلال أسنانه وقضية الحديث أن ذلك شرط لا أدب، قال في شرح العباب الأشهر أنه من آدابه لكنه آكدها ولعل هذا حكمة الاقتصار عليه من باقي الشرط وحيثما تقرر أن الشرط أهم من الآداب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن الشروط لا بد لصحة الدعاء منها والآداب تتم وتكمل بها فنذكر منها طرفاً صالحاً ونقدمه على ما ذكره المصنف من الآداب (فنقول) من شروطه ما ذكره الزركشي عن الحليمي ألا يسأل ممتنعاً عقلاً ولا عادة كإنزال مائدة من السماء وغيرها من خوارق الأنبياء لأن نقض العادات إنما تكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه أي من غير صنع وتطلع ممن أجريت على يديه مع عدم انحلال العالم حتى لا يرد ما للسحرة والدجال ولا إباحة حرام ومنه الدعاء بالشر على غير مستحقه أو على بهيمة، وألا يكون له فيما يسأل غرض فاسد كمال وطول عمر للتفاخر والاستعانة على قضاء الشهوات، وألا يكون على وجه الاختبار بل بمحض السؤال إذ العبد لا يختبر ربه، وألا يشتغل به عن فرض، وألا يستعظم حاجة لما في صحيح ابن حبان مرفوعاً إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظم على الله شيء، وأن تكون الإجابة عنده أعظم من الرد لما أخرجه الترمذي والحاكم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة -وسيأتي في الأصل عد هذه من جملة الآداب ولا ينافي ما ذكرنا لما من آنفاً من أن من الشرط ما قد يكون أدباً- ولا يضجر من تأخر الإجابة: إذ المصلحة تكون في تأخرها ولأن الدعاء عبادة واستكانة وذلك ينافيها وفي الصحيحين يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء، وألا يقتصر على دعاء ألفه غيره مع الجهل بمعناه أو انصراف الهمة إلى لفظه لأنه حاك لكلام غيره لا سائل قال الحليمي: نعم، إن كان دعاء حسناً أو كان صاحب الدعاء ممن يتبرك بكلامه فاختاره لذلك وأحضر قلبه ووفاه من الإخلاص حقه كان هو وإنشاء الدعاء من عنده سواء قال الزركشي: وكرهه بعضهم بأمر لم يظهر له معناه أخذاً من قول أبي حنيفة رحمه الله يكره أن يدعو فيقول: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك وإن جاء به الحديث لأن هذا لا ينكشف لكل أحد وهذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره وبه يرد إيراد ابن الجوزي له في الموضوعات، وأن يصلح لسانه ويحترز عما يعد إساءة في المخاطبات لوجوب تعظيمه تعالى على عبده في كل حال فلا يصرح بجماع ولا طاعة امرأة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بل يقول اللهم متعني بجوارحي وأصلح لي زوجي، وأن يدعو بأسمائه الحسنى دون ما لا ثناء فيه كيا خالق الحيات والعقارب لأنها مؤذية فالدعاء بها كهو بقوله يا ضار، قيل ومن شرط الصحة أيضاً أن يعلم أن لا قادر على حاجته إلا الله وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره.
تنبيه
من هذه الشروط ما يكون مخالفته كفراً أو حراماً ومنها ما لا يكون كذلك كما بينه القرافي ونقله عنه الزركشي فمن الكفر الدعاء بالمغفرة لمن مات كافراً أي يقيناً أو بطلب الراحة من أهوال القيامة أو بتخليد مؤمن في النار أو استدامة الحياة للراحة من هول الموت أو لجميع بني آدم بالسلامة من إبليس وجنوده أو بأن يرى الله في اليقظة أو أن يفيض عليه ما هو مختص بالقدرة الإلهية كالإيجاد والإعدام والقضاء النافذ لاستحالة ذلك في البعض وتكذيب خبر الصادق في الباقي والظاهر أن محل ذلك إن تعمده الداعي وعلم بالمنع منه وعذره إلا أن يكون ممن لا يخفى عليه ذلك خلافاً لما يقتضيه كلام القرافي واعترض ما ذكره في طلب الراحة بأن في الصحيح سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وقال تعالى: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} وقد يجمع بحمل الأول على طلب الراحة من جميع الأهوال من الموت إلى دخول الجنة بناء على القول بأن أول القيامة من الموت والثاني على طلبها في الموقف فقط على أن لملتزم أن يلتزم أنه وإن أراد المعنى الأول أيضاً لا يكفر إذ لا قاطع على حصول شيء منها لكل أحد بعينه وفيما ذكره في تخليد المؤمن في النار على إطلاقه نظر وفي رؤية الله تعالى في اليقظة نظر لأنها غير مستحيلة ولا ورد فيها نص بامتناعها وفي تعليل الكفر بالاستحالة نظر أيضاً بل الذي ينبغي أنه يناط بما فيه تكذيب قاطع معلوم من الدين بالضرورة أخذاً مما يأتي في الردة ثم رأيت القرافي نفسه صرح بذلك حيث قال اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم أو اغفر للمسلمين كلهم ذنوبهم لم يدخل أحد النار فيستلزم تكذيب الأحاديث الصحيحة فيكون معصية لا كفراً لأنها إخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة والتواتر اهـ فهذا صريح فيما ذكرته ومبطل لحكمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالكفر في صور مما ذكر مع أنه لم يوجد فيها العلم الضروري فتأمله، ومن المحرم طلب المستحيل عقلاً كان يجعل في مكانين متباعدين في زمن واحد والسلامة من الآلام والأسقام أو عادة أن لا يكون ولياً كالاستغناء عن التنفس في الهواء والولد من غير جماع ومنه طلب ثبوت أو نفي ما دل الشرع على ثبوته أو نفيه لأنه تحصيل الحاصل فيكون سوء أدب ومنه اللهم لا تهلك هذه الأمة بالخسف العام والريح العاصف قال ومنه {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} مع قوله صلى الله عليه وسلم:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" واعترض بما أخرجه الفريابي مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم قال في آخر سورة البقرة: "من دعا بهن يرضين الرحمن عز وجل" وبقول ابن القاص يسن في القنوت: ربنا لا تؤاخذنا إلى آخر الآية واستحسنه الروياني واستغراب النووي له من حيث كراهة القرآن في غير القيام لا من حيث كونه دعاء بتحصيل الحاصل على أن لك أن تمنع كونه كذلك إذ النسيان والخطأ لا يمنعان ضمان الأموال وترتبها في الذمم فإذا قصد السائل بعدم المؤاخذة بهما إن الله تعالى يقضي عنه ما ترتب في ذمته بسببهما حتى لا تكون نفسه مرهونة به بناء على تعميم الرهن بكل دين وإن لم يعص بسببه حتى لا تؤاخذ حسناته في ذلك لم يكن ذلك من تحصيل الحاصل في شيء، على أنه قد يؤاخذ بالنسيان كان اشتغل بلعب الشطرنج حتى نسي الصلاة فخرج الوقت فإذا قصد عدم المؤاخذة به لهذه الصورة وما شابهها لم يكن في ذلك تحصيل حاصل أصلاً، ومن ذلك قول بعضهم وأخف زللنا عن الكرام
الكاتبين قال تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} إلا إن قصد التوفيق للتوبة عقب الزلة حتى لا يكتبها الملك وقد روى ابن عساكر عن أنس مرفوعاً إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقي الله وليس عليه شاهد بذنب، ومن المحرم أيضاً نفي ما دل السمع الآحادي على ثبوته كقوله: اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم، لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من أنه لا بد من دخول طائفة منهم النار، ولا ينافيه أن من آداب الدعاء أن يقول: اغفر لي ولجميع المسلمين ولا قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} أما الأول فلأنه إن أراد في بعض الأشياء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صح أن يشترك معه غيره وإن أراد الكل صح في حقه إذ لم يتعين كونه من الداخلين للنار وأما في جميعهم فإن أراد المغفرة من حيث الجملة صح إذ لا منافاة أو مغفرة الجميع حرم لما سبق وأما الثاني فلا عموم فيه لكونه فعلاً في سياق الإثبات. وهذا وما قبله سبق القرافي إليه شيخه ابن عبد السلام في أماليه وأشار ابن الحاجب فيما كتب عليها إلى أن محل ما ذكر آخراً أن يريد المغفرة في الآخرة بخلاف ما لو أراد بها الستر في الدنيا لأنه قد يكون معه عقاب وقد لا يكون، قال الغزالي وأقره الزركشي ومن ذلك اللهم استر عورتي يوم القيامة عن الأبصار لما صح أن الخلق يحشرون حفاة عراة وتعقبه غيره بأن الحديث ليس على عمومه كما صرح به البيهقي وغيره فإن من المؤمنين من يبعث في أكفانه كما ورد في عدة أحاديث فلا يمتنع الدعاء بذلك وقد ورد في بعض طرق الحديث أن أم سلمة رضي الله عنها قالت حين سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"يحشر النّاس حفاة عراة" قالت: يا رسول الله: ادع الله أن يستر عورتي، فقال: اللهم استر عورتها، ومنها طلب ثبوت أمر دل السمع الآحادي على نفيه كقوله: اللهم اجعلني أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، ومنه الطلب مع التعليق كاللهم اغفر لي إن شئت للنهي عنه لخلوه عن إظهار الحاجة إلى الله ويرد هذا ما سبق عن المصنف من كراهة ذلك وعدم تحريمه، ومنه التعليق بما هو من شأنه تعالى كاللهم افعل بي ما أنت أهله في الدنيا والآخرة فهو قبيح وإن استحسنه بعضهم لأنه تعالى أهل للمغفرة والمؤاخذة فكأنه طلب إما الخير وإما الشر فأشبه التخيير كذا قاله القرافي وسكت عليه الزركشي ونظر فيه غيره وكأن وجه النظر قوله تعالى:{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} ويجاب بأن المراد أهل لأن يتقى ويخشى من عذابه وأهل لأن يغفر، وكترتيبه على استئناف المشيئة كاللهم قدر لي الخير أو اقض لي الخير حيث شئت لأن الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون الماضي لأنه طلب ولأن هذا إنما صح على مذهب الخوارج أن قضاء وأما قوله في حديث الاستخارة واقدر لي الخير حيث كان فالمراد به التيسير على سبيل المجاز فإن أريد هذا المعنى جاز الإطلاق، ومنه الدعاء بلفظ أعجمي لأنه قد يشتمل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على ما ينافي جلال الربوبية فمنع العلماء منه كذا قال الغزالي ولم يتعقب وهو جدير بالتعقب لجواز الترجمة عن الوارد حتى في الصلاة للعاجز عن العربية فأولى خارجها وإن قدر على العربية نعم إن حمل على من دعا بلفظ أعجمي لا يعرف معناه كان له وجه، ومنه الدعاء على غير الظالم بخلافه على الظالم فإنه جائز وإن كان الأحسن تركه إذ في الحديث أنه يذهب أجر المظلوم ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:"من دعا على ظالمه فقد انتصر" أخرجه الترمذي وبحث بعضهم أن الدعاء على من ظلم المسلمين لا يذهب أجر الداعي
لأنه لم يدع لحظ نفسه قال الزركشي وشروط جوازه على الظالم أن يدعو بقضية نحو قضيته أو دونها وما تقدم من قصة سعيد بن زيد مع المرأة التي خاصمته إلى مروان وفيها جواز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه استشكل كما قال الزركشي بقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ويجاب بالفرق بين الدعاء عليه بأكثر مما ظلم فيه وبين أن يفعل به أكثر مما ظلم بأن الدعاء ليس مقطوعاً بإجابته فيجوز ذلك ليرتدع الظالم عن شره أو غيره ممن يريد الظلم اهـ. ونظر فيه في شرح العباب واستوجه منع الزيادة مطلقاً قال ولا ينافيه قضية سعيد لأنها مذهب صحابي اهـ وأما قصة سعد السابقة فسبق أن دعاءه بقدر ظلمه ولم يزد عليه وسبق توجيهه قال الزركشي وتوقف ابن المنير في جواز الدعاء على الظالم بالفتنة في دينه وسوء الخاتمة قال وقد تأملت دعاء سعد بن أبي وقاص على خصمه بقوله وعرضه للفتن وجدته سائغاً وسببه أن ذلك لم يقصد من حيث هو بل من حيث أدائه إلى نكاية الظالم وعقوبته كما شرع تمني الشهادة وإن تضمن قتل الكافر المسلم وهو معصية إذ الغرض ثوابها لا نفسها ووجدت في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذلك كقول موسى: "واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا"، وقول نوح:{وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} وتأملت أدعيته صلى الله عليه وسلم فوجدتها لا تتعدى مصائب الدنيا ولو وجد فيها خلاف ذلك لساغ كما ساغ لغيره من الأنبياء اهـ قال غيره وفي وجد في دعواته صلى الله عليه وسلم فأخرج عبد الرزاق وابن جرير بسند صحيح لكنه مرسل أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كسر رباعيته وشج وجهه فقال: "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً" وقد نص ابن عرفة من أئمة المالكية على أن محل المنع من الدعاء بسوء الخاتمة في غير الظالم المتمرد وأما هو فيجوز، قيل والحاصل أن من لم يظلم أو ظلم في عمره مرة حرم الدعاء عليه بذلك وعليه يحمل كلام من منع وأما المتمرد لعموم ظلمه أو كثرته وتكرره أو فحشه أو أماتته لحق أو سنة أو إعانته على إحياء باطل أو بدعة فهذا هو الذي يجوز الدعاء عليه بذلك وعليه يحمل كلام من جوز وما ورد من ذلك عن الصحابة والتابعين وأعلام الأمة سلفاً وخلفاً، ومنه طلب وقوع محرم كاللهم اسق فلاناً خمراً وأعنه على المكس أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية وقد ورد من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله ومحبة معصية الله محرمة ومن المكروه كما صرح به الزركشي الدعاء في كنيسة وحمام ومحل نجاسة وقذر ولعب ومعصية كالأسواق التي يغلب فيها العقود والأيمان الفاسدة أو مع نعاس أو فرط شبع أو مدافعة الأخبثين أو ملابسة النجاسة أو غيرها من الحالات التي لا تناسب التقرب، ومنه أيضاً أن يكون سبباً لفساد القلب وحصول الكبر والخيلاء كما كره مالك لأئمة المسجد الدعاء عقب الصلوات المكتوبات جهراً للحاضرين فيجتمع عليه المتقدم في الصلوات وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء فيوشك أن تعظم نفسه عنده فيفسد قلبه ويعصي ربه وقد سأل بعضهم عمر رضي الله عنه في الدعاء لقومه فقال: لا إني أخاف أن تنتفخ حتى تصل إلى الثريا، ومنه أن يكون متعلقه مكروهاً كطلب الإعانة على اكتساب الرزق بنحو الحجامة مع القدرة على الكسب بغيرها، ومنه أن يجري على سبيل العادة لا مع قصد القربة وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "تربت يمينك فذلك لأنه غلب استعماله في غير الدعاء فزال حكم الدعاء منه فإذا استعمل في
غير الدعاء فقد استعمل فيما هو موضوع له عرفاً، ومنه أن يكثر فيه السجع ولو مع عدم التكلف على ما هو ظاهر إطلاقه ويحتمل خلافه وهو الأقرب، ومنه أن يتعدى في الدعاء كما في حديث ولد عبد الله بن مغفل أسألك القصر الأبيض في الجنة الحديث أخرجه ابن أبي شيبة وعند
وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول: كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟ .
ومن آدابه حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء الله
ــ
أبي داود نحوه، ومنه أن يخص نفسه بالدعاء إذا كان إماماً على ما من فيه في باب أذكار الصلاة قيل والداعي للجماعة مثل الإِمام في كراهة تخصيص نفسه بذلك، ومنه أن يحجر فيه ففي البخاري أن أعرابياً قال في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فلما سلم صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً يريد رحمة الله" كذا اقتصر الزركشي على كراهة التحجر المذكور ونظر فيه في شرح العباب واستوجه تحريم تعمد ذلك للعالم به قال ولا ينافيه قضية الأعرابي كما لا يخفى أي لأنه ليس عالماً، ومنه أن يدعو على نفسه أو ماله أو ولده أو خادمه للنهي عنه لئلا يوافق ساعة الإجابة قاله الزركشي قال في الإيعاب وإطلاقه كراهة الدعاء على الولد والخادم فيه نظر والذي يتجه حرمة المؤذى لهما حيث لا موجب له اهـ. قوله:(وكان يحيى بن معاذ الرازي) معاذ بضم الميم ثم عين مهملة وبعد الألف ذال معجمة والرازي نسبة إلى الري فهو من مغيرات النسب. قوله: (كيف أدعوك وأنا عاص الخ) أي إن نظر للعصيان اقتضى سكوت اللسان كما ورد عن بعض العارفين إلهي أخرست المعاصي لساني فلم تدع لي للاعتذار وجهاً الخ والحياء بالجنان، وإن نظر إلى وصف الكريم من الكرم وإن كبائر الذنوب مع الغفران كاللمم وأنه أمر عباده بالسؤال وشأن العبد التذلل والافتقار والامتثال فكيف لا يدعو المسكين ربه أرحم الراحمين، والحاصل أن النظر إلى مقام الخوف والجلال مقتضى السكوت لما جناه الإنسان من رديء الأعمال ومقام الرجاء والامتنان يدخل العبد إلى مقام الإحسان فيقع في الأمرين المتعارضين قال الشيخ زكريا في شرح الرسالة وبالجملة فشرط استجابة العبد طاعة العبد لربه أي وما يقع من الإجابة للكافرين استدراج ولبعض العصاة إما أن يكون من باب المعونة أو يكون من باب الاستدراج على حسب ما سبق لذلك في علم الله والله أعلم. قوله:(ومراداً به حضور القلب) أي يقصد بدعائه الخضوع والتذلل لعظمة ربه كما هو وصف العبد اللازم له ولا يكون الدعاء بلسانه والغفلة بجنانه فيكون مانعاً له عن مراده روي أن موسى عليه السلام مر على إنسان يسأل ويلح
تعالى. وقال بعضهم: المراد بالدعاء: إظهار الفاقة، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء.
وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء": آداب الدعاء عشرة.
الأول: أن يترصد الأزمان الشريفة، كيوم عرفة، وشهر رمضان،
ــ
في الدعاء فقال موسى: يا رب لو كانت إلي حاجة هذا الإنسان وسألني لأعطيته إياها، فقال: يا موسى إنه يسألني بلسانه وقلبه مع غنمه فلو كان متوجهاً بجنانه حال الدعاء بلسانه لنال مراده والله أعلم. قوله: (قال بعضهم المراد بالدعاء إظهار الفاقة الخ) يعني أن ما قضاه الله فهو واقع وسوابق الهمم لا تخرق أسرار الأقدار وإنما المراد من الدعاء إظهار فاقة العبد لربه واستمطاره سحائب قربه وما ورد عن عائشة مرفوعاً الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل الحديث رواه الحاكم في المستدرك والبزاز والطبراني في الأوسط إما أن يحمل على أن المراد أنه يوافق ما قضى به الباري سبحانه من
النفع في رفع ما نزل ودفع ما لم ينزل والدعاء موافق لوقت ذلك القدر لا أنه الذي كان له في ذلك دخل أو أثر بل هو سبب في ذلك صوري، في الأحياء ليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى:{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} وأن لا يسقي الماء بعد بثه البذر فيقال: إن سبق القضاء بالنبات نبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر وترتب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدر الخير قدره بسبب وقدر دفع الشر بسبب فلا تناقض بين تعاطي الأسباب والإيمان بالقدر عند من استنارت بصيرته. قوله: (آداب الدعاء عشرة) قال الشيخ زكريا هي في الحقيقة أكثر. قوله: (أن يترصد الأزمان الشريفة) أي التي جعلها الشارع فاضلة. قوله: (كيوم عرفة) قال في السلاح أخرج الترمذي وقال حسن غريب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة" والمراد من يوم عرفة تاسع ذي الحجة وينبغي أن يراد به ما يعم ما لا يجب قضاء الوقوف إذا وقع فيه كأن وقفوا في العاشر غلطاً ولم ينقصوا عن العادة في الكثرة فقد ورد يوم عرفة الذي فيه يعرفون ثم ظاهر كلامه أن الدعاء يوم عرفة أرجى للإجابة سواء فيه الحاج وغيره. قوله: (وشهر رمضان) أي لأنه شهر تصب فيه الرحمات وتنزل فيه البركات ومن أعظمها
ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، ووقت الأسحار.
الثاني: أن يغتنم
ــ
إجابة الدعوات ثم الإنسان في هذا الشهر إما صائم أو تارك له لعذر من سفر أو مرض وكل مما ذكر من أسباب الإجابة للدعاء فيجتمع ذلك مع شرف الشهر ففي الحديث الصحيح رمضان سيد الشهور وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً: "وحض على رمضان أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء وينظر فيه إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله قال الحافظ المنذري رواته ثقات إلا محمد بن عيسى لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل قلت ومع ذلك فيحتج به في المقام لأنه من الفضائل والله أعلم. قوله: (ويوم الجمعة) أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس إذ ذاك كله مظنة الإجابة لأن الساعة فيه مبهمة ولذا وقع الخلاف في تعيينها كما تقدمت الإشارة في أذكار يوم الجمعة وإن كانت أرجى ما يكون من جلوس الخطيب على المنبر إلى تمام الصلاة أي أنها في جملة ذلك الوقت لا أنها بقدره كله لأنها ساعة يسيرة كما وردت الإشارة إلى ذلك ثم ظاهر السلام أنها من أوقات الإجابة سواء لحاضر الجمعة وغيره كرامة لليوم نظير ما قيل به في عدم كراهة الصلاة حال الاستواء يومها وأنه لا فرق بين حاضر الصلاة وغيره والظاهر أن محله في تاركها إذا كان معذوراً وإلا ففيه بعد بل لو حصل له مراده مع المخالفة خشي أن يكون استدراجاً والعياذ بالله.
فائدة
ليلة الجمعة كيوم الجمعة من أوقات الإجابة أخرج الترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قوله: (والثلث الأخير من الليل ووقت السحر) عبر في السلاح بقوله:
"وجوف الليل الآخر" والأصل في ذلك أحاديث منها حديث أبي هريرة مرفوعاً ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: "من يدعوني فأستجيب له""من يسألني فأعطيه""من يستغفرني فأغفر له" رواه أصحاب السنن وزاد النسائي وابن ماجه حتى يطلع الفجر فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله وفي رواية لمسلم إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول وفي رواية أخرى إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ومنها حديث عمرو بن عبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد
الأحوال الشريفة، كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، وبعدها. قلت: وحالة رقة القلب.
الثالث: استقبال القبلة،
ــ
في جوف الليل الأخير" فإذا استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك قال الترمذي واللفظ له حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ومنها حديث أبي أمامة قلنا أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن قال وقد روي عن أبي ذر وابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "جوف الليل الآخر الدعاء فيه أفضل وأرجى" ونحو هذا.
تنبيه
علم من حديث مسلم أن من أوقات الإجابة الثلث الثاني من الليل وكأن القوم لم يذكروه لكون الوارد في الثلث الأخير أكثر، وأشرف أوقات الليل للدعاء هو جوف الليل الأخير وذلك الثلث الذي بين النصف الأول والسدس الأخير والسحر في اللغة السدس الأخير من الليل. قوله:(الأحوال الشريفة) اعلم أن حال السالك والداعي مختلفة غير مستمرة في أزمنة وإن كانت لا تخلو عنها ولتحوله ولو في زمن واحد سمي حالاً فهو وصف للداعي وأما الزمان والمكان فظرفان له. قوله: (كحالة السجود) لما تقدم في باب أذكار الصلاة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (والتقاء الجيوش) أي تصافها لما رواه مالك في الموطأ عن سهل بن سعد موقوفاً عليه والتحامها بعضها ببعض لما رواه أبو داود عن سهل أيضاً (ونزول الغيث) أي المطر (وإقامة الصلاة) أي حال الإقامة بعد إجابتها والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم بسط ما يتعلق بأدلة هذا في باب استجابة الدعاء بعد الإقامة وفي باب الاستسقاء. قوله: (وبعدها) أي بعد الصلاة لما سبق من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال: دبر الصلوات وجوف الليل. قوله: (وحال رقة القلب) أي خشوعه ولينه خلاف القسوة. قوله: (استقبال القبلة)
ورفع اليدين، ويمسح بهما وجهه في آخره.
الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر.
ــ
لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي فحول إلى النّاس ظهره واستقبل القبلة يدعو الحديث أخرجه الستة ولحديث عبد الله بن مسعود قال استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود
والنسائي والأحاديث في استقباله صلى الله عليه وسلم حال الدعاء كثيرة. قوله: (ورفع اليدين) أي عن الركبتين إلى جهة السماء إلى حذو منكبيه لحديث أنس في الاستسقاء وفيه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي، ولحديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء الله أن يدعو والأحاديث في الباب كثيرة جداً كما نبه عليه المصنف وغيره وقد أفرد الجلال السيوطي الأحاديث الواردة في ذلك، ورفع اليدين في الدعاء يستحب للطائف كما في شرح المنهاج لابن حجر قال في الحرز الظاهر إن من الآداب ضم اليدين وتوجيه الأصابع للقبلة. قوله:(ويمسح بهما وجهه) أي خارج الصلاة أما فيها فمكروه كما تقدم بيانه في باب القنوت. قوله: (خفض الصوت الخ) قال في السلاح أو إخفاؤه قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} قال ابن عطية تضرعاً أي بخشوع واستكانة وخفية أي في أنفسكم قال وتأول بعض العلماء التضرع والخفية في معنى السر جميعاً فكأن التضرع فعل القلب وقال في قوله تعالى: {نِدَاءً خَفِيًّا} قال المفسرون في جوف الليل قال وقال الحسن لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يكون سراً فيكون جهراً أبداً ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول: {دْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي باستكانة واعتقاد ذلك في القلب وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خير الذكر الخفي وخير الرزق أو العيش ما يكفي "الشك من ابن وهب رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وابن حبان في صحيحه وتقدم في الفصول أول الكتاب عن عائشة في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} إن ذلك نزل في الدعاء رواه البخاري ومسلم وقيل في معنى الحديث سيكون قوم يعتدون في الدعاء هو
الخامس: أن لا يتكلَّف السجع، وقد فسر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسِنُ الدعاء، فيُخافُ عليه الاعتداء.
وقال بعضهم: ادع بلسان الذِّلَّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء
ــ
الجهر الكثير والصياح نقله في السلاح. قوله: (أن لا يتكلف السجع فقد فسر به الاعتداء) وقيل الاعتداء طلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء والصعود إلى السماء وقيل الاعتداء أن يدعو بمستحيل أو بما لا يجوز الدعاء به وقيل هو الصياح في الدعاء وهو المناسب لقوله {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقيل ومنه الإطناب في الدعاء فقد أخرج أحمد في مسنده أن بعض الصحابة سمع أحداً يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وأستبرقها ونحواً من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون أقوام يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية وقال: بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأخرج أبو داود أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الطهور والدعاء، قال الغزالي: وإنما ذم تكلف السجع من الكلام لأنه لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة وسبقت الإشارة لهذا التفصيل في السجع مرات في كتاب أذكار الجهاد وغيره. قوله: (والأولى أن يقتصر على الدعوات
المأثورة) أي عن الكتاب والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وسبق بسط زائد في هذا المعنى أول الكتاب وأعدنا منه جملة في باب جامع الدعوات. قوله: (فما كل أحد يحسن الدعاء) أي ما يعتبر فيه وله من الآداب المندوبة تارة والواجبة أخرى. قوله: (ادع بلسان الذلة) أي التذلل (والافتقار) إذ المقام من الدعاء ذلك وهو مقام العبد. قوله: (لا بلسان الفصاحة والانطلاق) أي إذا كان على وجه التكلف والتشدق أما إذا
على سبع كلمات، ويشهد له ما ذكره الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا
…
} إلى آخرها [البقرة: 286] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده بأكثر من ذلك.
قلت: ومثله قول الله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} إلى آخره [إبراهيم: 35].
قلت: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حَجْر في ذلك، ولا تكره الزيادة على السبع، بل يستحبُّ الإكثار من الدعاء مطلقاً.
السادس: التضرُّع والخشوع والرهبة، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
ــ
رزق الفصاحة وانطلاق العبارة ولم يتكلف لذلك فلا منع منه ففي الأدعية المأثورة من الفصاحة والبلاغة ما لا يوقف على أدناه فضلاً عن أوسطه وأقصاه. قوله: (ويشهد له ما ذكره تعالى في سورة البقرة) أي فإنها سبع دعوات: عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان ورفع الأصر والتكليف بما لا يطاق وبالعفو والغفران والرحمة والنصر، فالمراد بالكلمة في كلامه المعنى اللغوي أي الجمل المفيدة. قوله:(ومثله قوله تعالى في سورة إبراهيم عليه السلام الخ) أي فإنها سبع دعوات: أمن البلد وتبعيده وبنيه عن عبادة الأصنام وجعل أفئدة من النّاس تهوى إليهم ورزقهم من الثمرات وجعله وجعل ذريته مقيمي الصلاة وتقبل دعائه والغفران له ولوالديه وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. قوله: (لا حجة في ذلك) أي على ترك الزيادة على الدعوات السبع. قوله: (بل يستحب الإكثار من الدعاء) لما فيه من الافتقار والتذلل من العبد لمولاه سبحانه. قوله: (التضرع) قال في النهاية هو التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة يقال ضرع يضرع بالفتح والكسر وتضرع إذا خضع وذل (والخشوع) ومعناه التذلل والخوف كما في الحرز وعليه فعطف الثلاثة من عطف التفسير. قوله: (إنهم) أي الأنبياء المذكورين في الآيات قبل (كانوا يسارعون) يتبادرون (في الخيرات) أي الطاعات (ويدعوننا رغباً) أي في رحمتنا
وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].
السابع: أن يجزمَ بالطلب، ويُوقنَ بالإجابة، ويُصدِّق رجاءَه فيها، ودلائله كثيرة مشهورة.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شرَّ المخلوقين: إبليس، إذ قال:{أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14، 15].
الثامن: أن يلحَّ في الدعاء ويكرره ثلاثاً، ولا يستبطئ الإجابة.
التاسع:
ــ
(ورهباً) أي من عذابنا (وكانوا لنا خاشعين) أي متواضعين في عبادتهم. وقوله: (ادعوا ربكم الخ) تقدم الكلام عليه قريباً. قوله: (أن يجزم بالطلب) أي فلا يأتي بما يدل على التردد نحو اغفر لي إن شئت لما تقدم فيه في باب المكروهات من الألفاظ. قوله: (ويوقن
بالإجابة) لحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه رواه الحاكم في المستدرك من حديث ثوبان ثم الإجابة إما بمطالبة أو بادخار ثواب عنده سبحانه ففي الحديث "ما من مسلم ينصب وجهه الله في مسألة إلا أعطاه إياها إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له". قوله: (لا يمنعن أحدكم الخ) أي فإن إجابته للدعاء من محض رحمته وليست جزاء للعمل الصالح حتى يتوقف عليه نعم ينبغي للإنسان أن يشكر نعمة الإجابة لدعائه بالتوبة من الذنب والإقبال على الطاعة لئلا تكون إجابة دعائه سبباً لبلائه باستدراجه إن لم ينتبه لشأنه. قوله: (أن يلح في الدعاء) من الإلحاح المبالغة أي أن يبالغ في الدعاء بالمداومة والمواظبة سائر الحالات ولا يكتفى بمرة ولا مرات ففي الحديث: "إن الله يحب الملحين في الدعاء". قوله: (ويكرر ثلاثاً) هذا كالتفسير للإلحاح وليس المراد من الثلاث الوقوف عندها بل هي عبارة عن الكثرة إذ هي مبدأ الكثرة ونهاية القلة. قوله: (ولا يستبطئ الإجابة) أي عند تأخر نزولها بمقصوده فقد ورد النهي عن ذلك ففي الصحيح يستجاب لأحدكم ما لم يعجل بقوله دعوت فلم يستجب لي. رواه الستة إلا النسائي، وقد يكون تأخير الإجابة لادخار ثوابها عنده سبحانه أو لدفع بلاء عن العبد أو لمحبته تعالى لصومه ومداومته على الدعاء وذكر مكي أن المدة بين دعاء زكريا عليه السلام وطلب الولد والبشارة
أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى.
وقلت: وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك أيضاً.
العاشر: وهو أهمها والأصل في الإجابة، وهو:
ــ
أربعون سنة ومثله ما حكاه ابن عطية عن ابن جرير ومحمد بن علي والضحاك أن دعوة موسى على فرعون لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة وحكى الغزالي عن بعضهم أنه قال: إني لا أسأل الله تعالى منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وإني لأرجو الإجابة سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعنيني. قوله: (أن يفتتح الدعاء بذكر الله) أي بالثناء عليه بالحمد والشكر ونحوه عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا" ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح والنسائي وغيرهم وتقدم زيادة بسط في هذا المقام في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد وقد حكى الله تعالى هذا الأدب عن كثير من الأنبياء في دعائهم فقال حكايته عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} إلى آخرها وقال حكايته عنه: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الآيات، وقال حكاية عن يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ
وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} وفيه كذلك حكاية عن سليمان وعن زكريا وعن عيسى وقال تعالى إخباراً عن أهل الجنة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قوله: (وبالصلاة) أي وبالسلام معها لما سبق من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر
التوبة، ورد المظالم، والإقبالُ على الله تعالى.
فصل: قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مردَّ له؟ .
فاعلم أن من جملة القضاء: ردَّ البلاء
ــ
وذلك لحديث فضالة وللحديث الآخر لا تجعلوني كقدح الراكب اجعلوني في أول كل دعاء وأوسطه وآخره ومن هذا يؤخذ ختم الدعاء بما ذكر. قوله: (التوبة) أي من الذنب ولو صغيرة. قوله: (والإقبال على الله تعالى) أي بالقلب وترك الغفلة وقد نظم البدر بن جماعة شرط الإجابة فقال:
قالوا شرط الدعاء المستجاب لنا
…
عشر بها بشر الداعي بإفلاح
طهارة وصلاة معهما ندم
…
وقت خشوع وحسن الظن يا صاح
وحل قوت ولا يدعى بمعصية
…
واسم يناسب مقرون بإلحاح
قال السلفي أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العثماني الديباجي بالثغر أنشدنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عسال الطليطلي بالأندلس لنفسه:
لم يبق في هذي الوجوه حياء
…
قد زال عن صفحاتهن الماء
إذ يرفعون إلى السماء أكفهم
…
فلطالما سفكت بهن دماء
وبطونهم ملئت حراماً صافياً
…
ظلم اليتامى فيه والضعفاء
يدعون مولاهم وهم يعصونه
…
هذا خلاف بين وعناء
يأيها الداعون كيف صلاتكم
…
حكم الإله وأنتمو سفهاء
إن الدعاء له شرط خمسة
…
بالله هل لكمو بهن وفاء
نقوا قلوبكمو بزهد صادر
…
حتى يزيل ظلامهن ضياء
وعليكمو رد المظالم إنها
…
يوم القيامة ظلمة سوداء
وكلوا الحلال وأجملوا في كسبه
…
فالمال فيه فتنة وبلاء
ثم استقيموا في أداء فروضكم
…
وصلوا الصلاة ففي الصلاة نجاء
واستعملوا الصدقات كيما تطفئوا
…
غضب الإله فإنهن دواء
فمتى فعلتم ما أقول ففي الخبر
…
أن يستجاب لكم لديه الدعاء
فصل
قوله: (مع أن القضاء) أي المبرم. قوله: (رد البلاء) أي إذا كان القضاء به