الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تفسير {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: "يا رسول الله إن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ".
كتاب جامع الدعوات
اعلم أن غرضَنا بهذا الكتاب ذكر دعواتٍ مهمة مستحبة في جميع الأوقات غير مختصة بوقت أو حال مخصوص.
واعلم أن هذا الباب واسع جداً لا يمكن استقصاؤه ولا الإحاطة بمعشاره، لكني أشير إلى أهمّ المهم من عيونه. فأوَّل ذلك الدعوات المذكورات في القرآن التي أخبر الله سبحانه وتعالى بها عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وعن
ــ
رواه أحمد ومسلم والدارمي وأبو عوانة والنسائي وابن خزيمة والله أعلم.
كتاب جامع الدعوات
جمع دعوة بفتح الدال وسكون العين المهملة المرة الواحدة من الدعاء وسيأتي في باب آداب الدعاء الخلاف في أنه هل الأفضل الدعاء أو الاستسلام. قوله: (مهمة) بضم الميم وكسر الهاء وأهميتها لكونها من الجوامع. قوله: (أو حال مخصوص) أي من سرور أو خبر ترح ومن يسر أو عسر. قوله: (فأول ذلك) أي أهم المهم. قوله: (الدعوات المذكورات في القرآن) فمنها {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الآيات {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} الآيتين {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} الآيات {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} الآيتين {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وتقدم أول الكتاب
الأخيار، وهي كثيرة معروفة، ومن ذلك ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله أو علمه غيره، وهذا القسم كثير جداً تقدم جمل منه في الأبواب السابقة، وأنا أذكر منه هنا جملاً صحيحة تضم إلى أدعية القرآن، وبالله التوفيق.
روينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدُّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ"
ــ
عن المصنف أن الاشتغال بغير إذكار الكتاب والسنة لا بأس به غير أن الخير والفضل إنما هو إتباع المأثور في الكتاب والسنة وهذا أي غير إذكارهما ليس كذلك وفيهما ما يكفي السالك في سائر أوقاته وقال الطرطوشي من العجب العجاب أن تعرض عن الدعوات التي ذكرها الله تعالى في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة ثم تقتفى ألفاظ الشعراء والكتاب كأنك في زعمك في دعوت بجميع دعواتهم ثم استعنت بدعوات من سواهم. قوله: (ومن ذلك) أي أهم المهم. قوله: (روينا بالأسانيد الصحيحة الخ) كذا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال في السلاح والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال السخاوي بعد تخريج الحديث من طرق هذا حديث حسن أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ورواه الدارقطني في الإفراد من طريق أخرى عن النعمان وقال إنه غريب من هذا الوجه قال السخاوي وفي الباب عن أنس
والبراء وابن عباس مما رواه مجاهد عنه اهـ. وفي الحرز ورواه البخاري في تاريخه والطبراني في كتاب الدعاء له كلاهما من حديث النعمان أيضاً ورواه أبو يعلى في مسنده عن البراء اهـ. وستأتي ترجمة النعمان في الأحاديث التي ختم بها المصنف الكتاب. قوله: (الدعاء هو العبادة) أي دعاء العبد ربه هو العبادة أي عبادة الخلق وأتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أي معظم أركانه الوقوف بعرفة كذا ذكره ميرك قال في الحرز والأظهر أن
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ــ
الحصر حقيقي لا ادعائي فإن إظهار العبد العجز والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله قادر على إجابته سواء استجاب له أو لم يستجب كريم غني لا بخل له ولا احتياج به إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده هو عين العبادة ومخها كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء مخ العبادة رواه الترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه لا يعرف إلا من حديث ابن لهيعة كذا في الترغيب للحافظ المنذري ومخ الشيء خالصه وما يقوم به كمخ الدماغ الذي هو نصه ومخ العين شحمها ومعناه أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخ وقال القاضي أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وأتى بحصرين مبالغة في أنه ليس غيرها أي فالحصر ادعائي وقول شارح أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر وأن العبادة ليست غير الدعاء فمقلوب وصوابه وأن الدعاء ليس غير العبادة كما قررته بل هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على أن الداعي مقبل بسره على ربه معرض عما سواه لا يرجو إلا إياه ولا يخشى إلا منه فالمراد من العبادة هنا معناها اللغوي أو المعنى الشرعي والمراد أنه متضمن لغايتها المقصودة منه وهي التذلل والافتقار أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة والخضوع إذ العبادة ما شرعت إلا للخضوع إلى الباري والافتقار إليه اهـ. قوله: (قال الترمذي حديث حسن صحيح) وفي بعض نسخ الترمذي الاقتصار على قوله حسن.
قوله: (روينا في سنن أبي داود) ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة كما في الجامع قال السخاوي بعد تخريج الحديث هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود وفي سنده أبو نوفل بن أبي عقرب وهو الذي روى الحديث عن عائشة وقد اختلف في اسمه وفي أبي عقرب هل هو أبوه أو جده وهو ثقة أخرج له
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويَدَعُ ما سوى ذلك".
وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
مسلم وكذا البخاري في الأدب المفرد وكان شعبة يسأله عن الفقه وأبو عمرو بن العلاء عن العربية. قوله: (كان يستحب الجوامع من الدعاء) مقتبس من قوله في ذكر ما اختص به وأوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصاراً فهي ما قل لفظه جداً وكثرت معانيه كثرة تحير أرباب البلاغة وفرسان الفصاحة فيها نحو سؤال الفلاح والعافية فإن كلا منهما يشمل طلب حصول
كل خير ديني أو دنيوي وكذا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ومن ذهب إلى تعيين كل من تينك الحسنتين فقد قصر اللفظ على بعض أفراده من غير دليل كما تقدم قال بعضهم الوجه أن المراد بحسنة الدنيا كل ما فيه ملاءمة للنفس مما تحمد عاقبته وبحسنة الآخرة كل ما يليق بالداعي. قوله: (ويدع ما سوى ذلك) أي من الأدعية الخاصة بطلب أمور جزئية كارزقني زوجة حسنة فإن أولى منه ارزقني الراحة في الدنيا فإنها تعم الزوجة الحسنة وغيرها من كل ملائم للنفس نعم قد تتعلق النفس بمحبة شيء مخصوص بحيث يستغرق وجودها فلا ينطق لسانها بغيره كمن ابتلي بمرض مخصوص فإنه يكثر ابتهاله في التنصيص عليه في دعائه ولا يقنع بشمول العافية له ومع ذلك فاتباعه صلى الله عليه وسلم في الإتيان بالجوامع ولو في هذه الحالة أفضل كما هو ظاهر كما في فتح الإله.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة) قال السخاوي بعد تخريجه حديث حسن غريب وأخرجه البيهقي في الدعاء وغيره والحديث غريب انفرد به عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة وقد صرح بهذا التفرد الإِمام الترمذي والعقيلي في الضعفاء حيث أورد هذا الحديث في ترجمته وقال إنه لا يتابع عليه بهذا اللفظ ولا يعرف به قال السخاوي وهو ممن
قال: "لَيسَ شَيءٌ أكْرَمَ على اللهِ تعالى مِنَ الدعاءِ".
وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ
ــ
اختلف فيه توثيقاً وتضعيفاً والحق إنه كما قال البخاري صدوق يهم ونحوه قول الدارقطني كان كثير المخالفة والوهم وممن وثقه ابن حبان وقال الحاكم إنه صدوق وأخرج كل منهما حديثه في صحيحه اهـ. وفي الحرز ورواه من حديث أبي هريرة كذلك أحمد والبخاري في الأدب المفرد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه ولفظهم واحد قال السخاوي ومن شواهده حديث أبي هريرة مرفوعاً إن أفضل العبادة الدعاء. قوله: (أكرم) بالنصب أي أكثر كرامة. قوله: (على الله) أي عنده (من الدعاء) وذلك لاشتماله على التضرع والثناء والمعنى ليس شيء من أنواع العبادات القولية التي شرفت لغاياتها أكرم عنده تعالى من الدعاء لما تقرر أنه مخ العبادة أي خالصها وخالص الشيء أشرف ما فيه فأشرفيته ليست ذاته بل لما يتضمنه من التذلل بين يدي الله تعالى وإظهار الافتقار لما عنده والإعراض عن كل ما سواه وحينئذ فلا ينافي هذا أن قراءة القرآن والذكر المخصوص ونحو الصلاة أشرف من الدعاء لأن هذه شرفت لذاتها ولا كذلك الدعاء قال ابن حجر في شرح المشكاة وهذا كله وإن لم أر من ذكره إلا أنه واضح من القواعد وكلامهم قلت وبه يندفع قول الحنفي في شرح الحصن هذا الحديث بظاهره ينافي قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه الحاكم من حديث وأبي هريرة أيضاً وأورده في السلاح من حديث سلمان مرفوعاً من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقال السخاوي بعد تخريج والحديث عن أبي هريرة مرفوعاً
حديث حسن أخرجه الترمذي عن محمد بن مرزوق عن عبيد وقال: إنه غريب قلت بل أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث معاوية بن صالح عن أبي عمرو الألهاني عن أبي هريرة به مرفوعاً ومن أجل ذلك حسنته وإلا فعبيد ضعيف وشهر يعني ابن حوشب الذي خرج السخاوي يعني الحديث عنه عن أبي هريرة مرفوعاً فيه مقال وقد أخرج له مسلم
سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ الله تَعَالى لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهُم آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ
ــ
واستمر الأمر على توثيقه لا سيما وللحديث أيضاً شواهد منها عن شداد بن أوس رفعه إذا ذكر العبد ربه في الدعاء أغاثه عند البلاء أخرجه الطبراني في الدعاء اهـ. قوله: (سره) أي أعجبه وأوقعه في الفرح والسرور (أن يستجيب الله) فاعل سره ومفعول يستجيب محذوف أي دعاءه وقوله (عند الشدائد) ظرف للاستجابة أي حصول الأمور الشديدة من المكروهات (والكرب) بضم ففتح جمع كربة وهي الغم يأخذ بالنفس وكذا الكرب بفتح فسكون كما في الصحاح. وقوله: (فليكثر الدعاء الخ) جواب الشرط و (الرخاء) بفتح المهملة وبالمعجمة ممدود حال سعة العيش وحسن الحال وإنما كان كذلك لأن إكثاره في وقت الرخاء يدل على صدق العبد في عبوديته والتجائه إلى ربه في جميع أحواله وأنه يشكره في الرخاء كما يشكره في الشدة ويتوجه إليه بكليته ليكون له عدة وأي عدة فلذا استجيب أدعيته إذا حق اضطراره وتوالت النعم عليه وسبقت النجاة إليه وأما من يغفل عن مولاه في حال رخائه ولم يلتجئ إليه حينئذٍ بقوة توجهه ورجائه فهو عبد نفسه وهواه البعيد عن بابه الحقيق بأن لا يستجاب له عند الشدائد لكفرانه نعم ربه في حال شيخوخته وشبابه فهو كمن أخبر عنهم تعالى في حال خشية الغرق يدعون الله مخلصين له الدين فإذا نجاهم من ذلك عادوا لكفرهم وإشراكهم والحاصل أن من شأن المؤمن الحازم أن يريش السهم قبل الرمي ويديم الالتجاء إلى الله سبحانه في كل أحيانه بخلاف الكفار وأرباب الغفلة فإنهم كما قال تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} فذو دعاء عريض.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما كما تقدم الكلام على معنى الذكر في باب
حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النارِ" زاد مسلم في روايته قال: "وكان أنس إذا أراد أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه".
وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُم إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى وَالعَفافَ وَالغِنَى".
وروينا في "صحيح مسلم" عن طارق بن أشْيَم الأشجعي الصحابي رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا أسلم علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره
ــ
دعاء الكرب. قوله: (زاد مسلم) وكذا زاده أبو داود الطيالسي في مسنده وأحمد وابن حبان كما تقدم في ذلك الباب.
قوله: (روينا في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ولفظهم واحد كما في السلاح قال السخاوي ورواه أبو داود الطيالسي وأحمد في مسنديهما وفي الباب عن أنس وغيره كأبي عنبة عند البيهقي في الدعوات اهـ. وتقدم الكلام على معاني ألفاظ الذكر في آخر باب الدعاء بعد التشهد.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) تقدم الكلام على تخريجه وما يتعلق بمعناه في باب مختصر
في فضل الذكر غير مقيد في الكلام على حديث سعد بن أبي وقاص وقال السخاوي بعد تخريج الحديث بنحو ما ذكره المصنف هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه ورواه مسلم في صحيحه وابن خزيمة واستدركه الحاكم وقال إنه صحيح على شرط مسلم ووهم في استدراكه فإن مسلماً خرجه بذلك الإسناد الذي أخرجه به الحاكم فأخرجه مسلم عن أبي كامل الجحدري وأخرجه الحاكم عن مسدد كلاهما عن عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه اهـ. قوله: (عن طارق بن أشيم الأشجعي) هو والد أبي مالك الأشجعي واسم أبي مالك كما سبق في باب فضل الذكر سعد وأشيم بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح التحتية وطارق معدود في الكوفيين روى عنه ابنه مالك فقط أخرج ابن الأثير في أسد الغابة عن أبي مالك عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال من وحد الله
أن يدعوَ بهذه الكلمات: "اللهُم اغْفِرْ لي، وَارْحَمْني، واهْدِني، وعافِني، وارْزُقْني" وفي رواية أخرى لمسلم عن طارق "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: "قُلِ: اللهم اغْفِرْ لي، وارْحَمْني، وعافِني، وارْزُقْني، فإنَّ هَؤلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ".
وروينا فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه
ــ
وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر اهـ. أخرج عنه مسلم حديثاً واحداً يقال لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره وروى عنه الأربعة خلا أبا داود. قوله: (وفي رواية أخرى لمسلم الخ) أي بإسقاط قوله اهدني وزيادة فإن هؤلاء الخ وقد تقدم في كلام الحافظ في باب فضل الذكر أن الحديث عند مسلم عن ابن طارق في رواية اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ويقول بأصابعه الأربعة ويقول هؤلاء يجمعن لك دنياك وآخرتك وفي رواية أخرى لمسلم عافني بدل ارزقني وأثبت الخمسة في رواية اهـ. وخرجه السخاوي من طريق عبد الواحد بالسند المذكور آنفاً إلى طارق بن أشيم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أسلم يقول قل اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني قال وهؤلاء يجمعن لك خير الدنيا والآخرة وأخرجه من طريق أخرى عن طارق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني وجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء يجمعن لك دينك ودنياك وخرجه من طريق أخرى إلى طارق قال كنا نعدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجيء الرجل وتجيء المرأة فيقول: يا رسول الله كيف أقول إذا صليت قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني فقد جمعن لك دنياك وآخرتك. قوله: (وروينا فيه) أي في صحيح مسلم وكذا رواه النسائي كما في السلاح زاد السخاوي ورواه أحمد وأبو عوانة والطبراني في الدعاء وابن حبان في صحيحه وفي الباب عن الأعمش عن أبي
وسلم-: "اللهم مُصَرِّف القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلى طَاعَتِكَ".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَوَّذُوا بالله مِنْ جَهْدِ البَلاءِ،
ــ
سفيان عن أنس أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الترمذي وأشار إلى أن بعضهم رواه عن الأعمش فجعله من حديث جابر لا أنس وكذا هو عند البيهقي في الدعوات والأول أصح وهو عند الطبراني في الدعاء عن يزيد الرقاشي عن أنس وكذا في الباب عن نعيم بن هماز أشار إليه الترمذي أيضاً وعن النواس بن سمعان عند النسائي والطبراني في الدعاء أيضاً وعن أسماء ابنة يزيد عند الطبراني في الكبير وعن عائشة في تفسير ابن مردويه مطولاً وفي الدعاء للطبراني مختصراً وعن أم
سلمة عند الترمذي وقال إنه حسن في آخرين. قوله: (مصرف القلوب) منادى عند سيبويه لما تقدم أن مذهبه أن اللهم لا يوصف لأن ضم الميم إلى الجلالة منع من وصفها وقال الزجاج بل هو صفة لأن يا لا تمنع من الوصف فبدلها كذلك وأيد أبو علي الأول لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد اللهم لأنه صار كجهل في كونهما صارا بمنزلة صوت مضموم لاسم قبله فلم يوصف وعلى كل فتقدير النداء هنا أنسب بالسياق لأنه أنسب بمعنى الاستعانة به اللهم إطناباً لأنه الأليق بمقام التذلل والدعاء. قوله: (صرف قلوبنا على طاعتك) جمع القلوب لبيان مزيد شفقته صلى الله عليه وسلم ورحمته بأمته حيث أدرجهم في عداده ودعا لهم كما دعا لنفسه وتنبيهاً على أن بني آدم أي المذكور في الحديث قبله في قوله إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء يشمل الأنبياء أيضاً بل هم بكمال المعرفة أعظم خشية وأشد خوفاً وتواضعاً وأكثر التجاء إليه وافتقاراً.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه النسائي. قوله: (من جهد البلاء) قال ابن الجزري بفتح الجيم وروي بضمها وقد روي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال وقيل الحالة الشاقة قيل لا بد في تفسير ابن عمر من قيد مع عدم الصبر ووجود الجزع والفزع لئلا يشكل بأكثر أحوال الأنبياء والأولياء وكذا قوله الحالة الشاقة وإلا فأشد النّاس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
ودَرَكِ الشَّقاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وشماتَةِ الأعْدَاءِ" وفي رواية عن سفيان أنه قال: في الحديث ثلاث: وزدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن
…
ــ
فتأمل وقيل هو ما يختار الموت عليه قلت وعلى تفسيره بالحالة الشاقة فالظاهر أنه على رواية ضم الجيم استعير في محل مفتوحها ففي النهاية الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة وقيل المبالغة والغاية وهما لغتان في الوسع أما في المشقة فالفتح لا غير ومنه حديث أعوذ بك من جهد البلاء أي الحالة الشاقة اهـ. قوله: (ودرك الشقاء) قال في السلاح بفتح الراء وإسكانها فبالفتح الاسم وبالإسكان المصدر وفي النهاية الدرك هو اللحوق والوصول إلى الشيء يقال أدركه إدراكاً ودركاً وقال ابن الجوزي المحفوظ فتح الراء وروي بإسكانها والشقاء والشقاوة بالفتح نقيض السعادة على ما في الصحاح وقال الحافظ ابن حجر الشقاء بالمعجمة والقاف الهلاك وقد يطلق على السبب المؤدى إليه. قوله: (وسوء القضاء) يحتمل في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل ويحتمل في الخاتمة وقال بعضهم سوء القضاء ما يسوء الإنسان أو يوقعه في المكروه وقال ابن بطال المراد بالقضاء لأن حكم الله كله حسن لا سوء فيه فالرضاء بالقضاء المقضي واجب مطلقاً وبالمقضي تارة يكون واجباً وتارة يكون حراماً وقيل القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل وقيل بعكس ذلك والله أعلم. قوله: (وشماتة الأعداء) هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه من شمت يشمت كعلم يعلم. قوله: (لا أدري أيتهن) قد
بين الإسماعيلي في روايته نقلاً عن سفيان أن الجملة التي زادها من قبله هي جملة شماتة الأعداء قال السخاوي وقع تعيينها وأنها شماتة الأعداء عند الجوزقي من حديث عبد الله بن هاشم وعند الإسماعيلي من حديث ابن أبي عمر كلاهما عن ابن عيينة ونحوه عن شجاع بن مخلد عن ابن عيينة عند الإسماعيلي أيضاً حيث اقتصر على الثلاثة دونها وكأن نسيان تعيينها طرأ لسفيان بعد أن حفظ عنه اهـ. ووقع في الحرز جلالة سفيان تمنعه أن يزيد من قبل نفسه ما يدرج في لفظ النبوة بل إنما هي زيادة روايته على
وفي رواية قال سفيان: أشك أني زدتُ واحدة منها.
وروينا في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ، والهَرَم، والبُخْلِ، وأعُوذُ بكَ مِنْ عَذَاب
ــ
سائر الرواة وزيادة الثقة مقبولة وجاء إثبات هذه الجملة في حديث آخر من غير طريق الصحيحين اهـ. وما استدل به في غير محله فقد صرح سفيان كما في البخاري بأنه زاد واحدة وبعد التصريح لا يعول على ذلك الاحتمال وقد وقع الإدراج في المرفوع عن كثير من الأكابر ومجيئها في حديث آخر لا يدل على أنها عنده في هذا الحديث من المرفوع وما أحسن قول الشيخ زكريا في تحفة القاري في أثناء كلام أن سفيان كان يعرف تلك الزيادة بعينها حال زيادتها ثم اشتبه ذلك بعد. قوله: (وفي رواية) أي لمسلم كما قال السخاوي ونقلها شيخ الإسلام زكريا عن نسخة للبخاري فقال وفي نسخة من البخاري أشك أني زدت واحدة منها قال ويشهد لذلك أن البخاري روى عنه الحديق في كتاب النذور وأسند الأربعة للنبي صلى الله عليه وسلم جزماً بلا تردد فيحتمل أنه شك في وقت هل فيها زيادة اهـ. والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيحيهما) ورواه أبو داود والنسائي ورواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وزاد فيه والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام وسوء الأسقام، لفظ الحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين كذا في السلاح وكذا رواه الطبراني في الصغير كما في الحصن كلهم عن أنس وقال السخاوي وللحديث طرق عن أنس بل وفي الباب عن غيره من الصحابة وقوله اللهم إني أعوذ بك من العجز أي في العبادة والكسل أي التثاقل في الطاعة على ما لا ينبغي فيه وتقدم بسط الكلام في ذلك في باب أذكار المساء والصباح. قوله:(والهرم) بفتحتين داء طبيعي يعرض للإنسان عند كبره لا دواء منه قال في الحرز والمراد منه صيرورة الرجل خرفاً من كبر السنن على ما ذكره المظهري بحيث لا يميز بين الأمور المعقولة والمحسوسة والمنقولة. قوله:
القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ" وفي رواية "وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجاَلِ".
قلت: ضَلَعُ الدَّين: شدته وثِقَل حمله، والمحيا والممات: الحياة والموت.
وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي: "قُلْ: اللهم إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كثِيراً، ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحِيمُ".
قلت: روي "كثيراً" بالمثلثة، و"كبيراً" بالموحدة، وقد قدمنا بيانه
ــ
(وفتنة المحيا والممات) أي فتنة الحياة والموت فالمصدران الميميان وضعا موضع اسم المصدر وهو ما اقتصر عليه الشيخ المصنف واختلف في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل الفتنة عند الاحتضار وقيل إنها اسم زمان أي من فتنة زمن الحياة وزمن الموت من أول النزع وهلم جراً قال ابن بطال هذه كلمة جامعة لمعان كثيرة وينبغي للمرء أن يرغب إلى ربه في دفع ما نزل به ودفع ما لم ينزل به ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما يتعوذ به دفعاً عن أمته وتشريعاً
لهم حيث بين لهم صفة المهم من الدعاء. قوله: (وفي رواية لهما) وهي عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث أنس بلفظ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال، وضلع الدين بفتح المعجمة واللام هو ثقله وهو في الأصل الاعوجاج والميل أي ثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال وحاصله كثرة ديون العباد بحيث تشغله وتمنعه عن حضور العبادة وحصول الاستقامة بسبب كثرة المطالبة الواقعة في الذمة ولذا ورد لا هم إلا هم الدين.
قوله: (وروينا في صحيحيهما) تقدم الكلام على ما يتعلق بتخريجه ومتنه في باب الدعاء قبل السلام. قوله: (روي كثيراً بالمثلثة وبالموحدة) قال في السلاح روي في مسلم بالمثلثة وبالموحدة وصريحه أن الروايتين لمسلم فقط وتقدم
في أذكار الصلاة، فيستحب أن يقول الداعي كثيراً كبيراً يجمع بينهما، وهذا الدعاء وإن كان ورد في الصلاة فهو حسن نفيس صحيح، فيستحب في كل موطن، وقد جاء في رواية "وفي بيتي".
وروينا في "صحيحيهما" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم اغْفِرْ لِي خَطِيئَتي، وجَهْلِي،
ــ
نحوه في كلام الحافظ ابن حجر ثمة. قوله: (وقد جاء في رواية) هي لمسلم ولفظها أدعو بها في صلاتي وبيتي.
قوله: (وروينا في صحيحيهما) وروى ابن أبي شيبة في مصنفه منه إلى قوله وما أنت أعلم به مني قال السخاوي ورواه أي الحديث بجملته أبو عوانة في مستخرجه وابن حبان في صحيحه والإسماعيلي في مستخرجه ومدار الحديث على أبي إسحاق عن أبي هريرة عن أبيه رواه هكذا جماعة منهم الشيخان إلا أن البخاري علقه من طريق ووصله من أخرى فقال في الطريق الموصولة بعد ذكر أبي بردة أحسبه عن أبي موسى ورواه أبو عوانة وفي حديث قال أبان بن ثعلبة له أي لأبي إسحاق سمعته من أبي بردة قال: حدثنيه سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال الحافظ ابن حجر وبه ظهر أن أبا إسحاق دلسه قال السخاوي أبو عوانة إنما رواه عن شيخيه مذاكرة ونصر رواية عن أبيه على أنه إنما رواه عن كتاب أبيه وجادة وفي ثبوته مع ذلك والتعليل به لما في الصحيحين توقف وإن أشار إليه الإسماعيلي فقال سمعت بعض الحفاظ يقول أن إبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة وإنما سمعه من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: إن شيخنا يعني الحافظ قد قال عقب كلام الإسماعيلي وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان لا يروي عن أحد من المدلسين إلا ما يتحقق أنه سمعه من شيخه اهـ. قوله: (خطيئتي) أي ذنبي ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطيتي بالتحتية المشددة.
قوله: (وجهلي) أي ما صدر مني من أجل جهلي وفيه إيماء إلى قوله إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة قال البغوي أجمع السلف على أن من عصى الله فهو جاهل.
وإسْرَافي في أمْرِي، وما أنْتَ
أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُم اغْفِرْ لي جَدِّي، وهَزْلي، وخَطَئي، وعَمْدِي، وكُلُّ ذلكَ عِنْدِي، اللهُم اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ، وما أعْلَنْتُ، وما أنْتَ أعْلَم بِهِ مِنِّي، أنتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّر، وأنتَ عَلى كل شَيءٍ قديرٌ".
وروينا في
ــ
قوله: (وإسرافي) أي مجاوزتي عن الحد. وقوله: (في أمري) يحتمل تعلقه بما قبله وبجميع ما تقدمه. قوله: (وما أنت أعلم به مني) أي من المعاصي والسيئات والتقصير في الطاعات وهو تعميم بعد تعميم. قوله: (جدي وهزلي) هما ضدان ووقع في بعض نسخ الحصن هزلي وجدي وهو أنسب بمراعاة الفواصل. قوله: (وخطئي) نقيض الصواب وقد يمد والخطء الذنب على ما في الصحاح كذا وقع في نسخ الأذكار خطئي بلفظ المفرد ووقع عند أكثر رواة البخاري خطاياي كما نبه عليه ميرك قال الحافظ ابن حجر في رواية الكشميهني خطئي وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فإن الخطيئة أعم من أن يكون خطاً أو عمداً أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر اهـ. والمعنى أنه اعتبر المغايرة بينهما باختلاف الوصف كما في قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} قوله: (وكل ذلك عندي) أي موجود ومتحقق كالتذييل للسابق أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي قاله صلى الله عليه وسلم: "تواضعاً" وعن علي رضي الله عد عن فوات الكمال وترك الأولى ذنباً وهذا هو الأعلى وبالاعتبار أولى فإن حسنات الأبرار الطالبين سيئات الإبرار المقربين. وقوله: (اللهم اغفر لي ما قدمت الخ) تقدم الكلام عليه في باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وفي باب الدعاء قبل السلام. قوله: (وأنت على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها وعلى كل شيء يتعلق بقدير وهو كما تقدم في باب فضل الذكر فعيل بمعنى فاعل مشتق من القدرة وتقدم ثمة بسط تام في هذا المقام.
قوله: (وروينا في
"صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنْ شَرِّ ما عَمِلْتُ وَمِنْ شَرّ ماَ أعْمَلْ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ،
ــ
صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي رواية للنسائي من شر ما علمت ومن شر ما لم أعلم كذا في السلاح قلت وتلك الرواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه أيضاً كما في الحصن وقال السخاوي بعد تخريجه حديث صحيح رواه مسلم ؤأبو داود والنسائي وابن ماجه وأشار السخاوي إلى أن الحديث عند جماعة آخرين وإلى اختلاف في سنده فالأكثر رووه عن هلال بن سباق عن فروة بن نوفل الأشجعي قال قلت لعائشة: يا أم المؤمنين حدثيني بشيء كان صلى الله عليه وسلم يدعو به فقالت: كان يدعو يقول: "اللهم الخ" ورواه آخرون بدون ذكر فروة والمحفوظ كما قال المزي الأول اهـ. قوله: (إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) قيل استعاذ من النظر إلى العمل والركون إليه خشية العجب بنفسه ومما لم يعمل خشية أن يعمل في المستقبل ما لا يرضى
إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أو خشية أن يعجب بنفسه في ترك القبائح وسأل ربه أن يديم له شهود أن توفيقه للطاعات من محض فضل ربه نقله ميرك.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود والنسائي ولفظهم سواء إلا أن عند أبي داود وتحويل عافيتك كذا في السلاح وهو عندهم كلهم من حديث ابن عمر وقال السخاوي رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي وليس لأبي زرعة عند مسلم في صحيحه سواه واستدركه الحاكم ووهم في تخريجه ورواه أبو عوانة وكل رواته متفقون على وصله وخالفهم حفص بن ميسرة فرواه عن موسى ابن عقبة وأرسله ولم يذكر الصحابي ولا من رواه عن الصحابي وهو عبد الله بن دينار أخرجه أبو نعيم في المستخرج والحاكم في المستدرك والأول أصح وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني في الدعاء اهـ. قوله: (نعمتك) بكسر النون وسكون العين المهملة لين العيش ولذا قيل لريح الجنوب
وتَحَوُّلِ عافِيَتِكَ، وفَجْأةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سُخْطِكَ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والكَسَلِ، والجُبْنِ،
والبُخْلِ، والهَمِّ، وعَذَابِ القَبْرِ، اللهم
ــ
النعائم للين هبوبها وسميت النعامة للين مشيها وأنعم الله عليه بالغ في الفضل عليه والنعمة هنا مفرد في معنى الجمع وهو نعم الظاهر والباطن واختلف هل لله نعمة على الكافر فأثبتها المعتزلة ونفاها غيرهم. قوله: (وتحول) بفتح الفوقية والمهملة وتشديد الواو وعند أبي داود تحويل على وزن تفعيل للتعدي والتفعيل للمطاوعة لكن الثاني أوفق وبمقابلة الزوال أحق فإن قلت ما الفرق بين الزوال والتحول قلت الزوال يقال في شيء كان ثابتاً ثم فارقه والتحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره فمعنى زوال النعمة ذهابها من غير بدل وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض وقال ابن الجزري تحول بضم الواو المشددة يعني تحولها وانتقالها قال العلقمي والعافية ضد المرض والأولى أن يراد بالعافية السلامة من جميع مكاره الدارين. قوله: (وفجأة نقمتك) الفجاءة بضم الفاء وبفتح الجيم ممدودة من فجأه مفاجأة إذا جاءه من غير سبب تقدم وروي بفتح الفاء وإسكان الجيم من غير مد نقله ابن الجزري في مفتاح الحصن والنقمة بكسر النون وسكون القاف بوزن النعمة وفيه الاستعاذة من حلول النقمة، ومنه موت الفجأة أن يموت بغتة من غير تقدم سبب نحو مرض. قوله:(وجميع سخطك) يحتمل أن يكون المراد الاستعاذة بالله من جميع الأسباب الموجبة لسخط الله تعالى وإذا انتفت الأسباب المقتضية للسخط حصلت أضدادها فإن الرضى ضد السخط كما جاء أعوذ برضاك من سخطك نقله العلقمي عن ابن رسلان ويحتمل أن تكون الاستعاذة من السخط نفسه المراد به الانتقام أو إرادته.
قوله: (وروينا في صحيح وسلم) وكذا رواه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة في مصنفه كذا في الحصن وقال السخاوي ورواه أحمد وأبو عوانة والطبراني في الكبير وقوله اللهم إني أعوذ بك إلى
قوله وعذاب القبر تقدم
آتِ نَفْسِي تَقْواها، وَزَكِّها أنتَ خَيرُ مَنْ زكَّاهَا، أنتَ وَلِيها ومَولاها، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا ينفَعُ، ومِنْ قلبٍ لا يخشَعُ، ومِنْ نفسٍ لا تشبَعُ، ومِنْ دعوةٍ لا يُستَجَابُ لَها".
ــ
الكلام عليه في أذكار المساء والصباح. قوله: (آت) بالهمزة المفتوحة الممدودة والفوقية المكسورة أمر من الإيتاء أي أعط. قوله: (تقواها) أي توفيقها بإلهامها القيام بها وقال ميرك ينبغي أن يفسر التقوى بما يقابل الفجور في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وهي الاحتراز عن متابعة الهوى وارتكاب الفجور والفواحش لأن الحديث هو البيان للآية. قوله: (وزكها) دعاء من التزكية أي طهرها من الذنب ونقها من العيب وقوله (أنت خير من زكاها) كالتعليل لما قبله وفيه إيماء إلى قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وإشارة إلى أن ضمير الفاعل في زكاها راجع إلى من يستقيم أنت خير من زكاها أما إذا كان راجعاً إلى الله تعالى فيتعين أنه تعالى هو المزكي لا غير على ما هو في الحقيقة كذلك وأن الإسناد إلى غيره مجازي كذا في الحرز. قوله: (أنت وليها) أي المتصرف فيها ومصلحها ومربيها وقوله (ومولاها) أي ناصرها وعاصمها وقال الحنفي عطف تفسيري. قوله: (من علم لا ينفع) أي بأن لا أعمل به ولا أعلمه ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال أو بأن لم يرد في تعلمه إذن شرعي قال بعضهم العلم لا يذم لذاته بل لأحد أسباب ثلاثة إما لكونه وسيلة إلى إيصال الضرر والشر كعلم السحر والطلسمات وإما لكونه مضراً بصاحبه في ظاهر الأمر كعلم النجوم وأقل مضاره أنه شروع فيما لا يعني وإما لكونه دقيقاً لا يستقل به الخائض فيه كالبحث عن الأسرار الإلهية. قوله: (ومن قلب لا يخشع) أي من المواعظ أو لا يطمئن بذكر الله تعالى ولا يسكن بما قدره وقضاه وأمره ونهاه. قوله: (ومن نفس لا تشبع) أي بما آتاها الله تعالى حيث لا تقنع ولا تفتر عن الجمع لشدة ما فيها من الحرص أو يراد بها النهمة وكثرة الأكل والمبالغة في حصول الشهوة. قوله: (ومن دعوة لا يستجاب لها) الضمير عائد إلى الدعوة واللام زائدة وفي جامع
وروينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قُلِ: اللهم
ــ
الأصول دعوة لا تستجاب قاله ميرك وتعقبه في الحرز بأن الاستجابة قد تعدى باللام قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} وليس ما في جامع الأصول نصاً على المقصود ويحتمل أن يكون من باب الحذف والإيصال وكذا ما ورد هنا في مصنف ابن أبي شيبة ودعاء لا يستجاب على أنه يجوز تقدير له في هذا المقام والله أعلم اهـ. قال بعض العلماء اعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها فإذا لم ينتفع بها لم يخلص منها كفافاً بل كان عليه وبالاً ولذا استعاذ من ذلك وأن القلب إنما خلق ليتخشع للرب وينشرح بذلك الصدر ويقذف فيه النور فإذا لم يكن كذلك كان قاسياً فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود فهي إذا كانت منهومة لا تشبع وحريصة على الدنيا لا تقنع كانت أعدى عدو المرء فأولى شيء يستعاذ منه هي وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) المقام للضمير بأن يقال فيه ولم يظهر وجه العدول عنه إلى
الظاهر إلا إن كان مزيد الإظهار قال السخاوي بعد تخريجه من طريق شعبة عن عاصم بن كليب سمعت أبا هريرة يقول سمعت علياً رضي الله عنه يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت فقال: يا علي سل الله الهدى واذكر بالهدى هدايتك الطريق وسل الله السداد واذكر بالسداد تسديدك السهم حديث صحيح رواه أبو عوانة في مستخرجه وأحمد ولفظه قل اللهم إني أسألك الهدى والسداد وهو عند مسلم باللفظين وللحديث طرق أيضاً عن عاصم فرواه أحمد عن محمد بن فضيل ومن طريق خالد بن عبد الله الواسطي الطحان وأبو عوانة ورواه غيره من حديث أبي الأحوص أربعتهم عنه وكذا رواه محمد بن منصور عن أبي عيينة عن عاصم لكنه جعله عن أبي بكر بن أبي موسى بدل أبي بردة أخرجه النسائي وهو وهم ورواه مؤمل عن شعبة فقرن مع عاصم جابراً وهو ابن يزيد الجعفي كلاهما عن أبي بردة
اهدني وسدِّدني" وفي رواية: "اللهم إنِّي أسألُكَ الهُدَى والسدَادَ".
ــ
أخرجه البيهقي في الدعوات وابن منده في الأول من غرائب شعبة واستغربه عن جابر بخصوصه ورواه جماعة عن أبي خالد الأحمر عن شعبة عن عاصم فجعلوه عن زر بن حبيش بدل أبي بردة أخرجه ابن منده أيضاً من حديث بعضهم وصوب الأول اهـ. قوله: (اهدني) أي إلى مصالح أمري أو ثبتني على الهداية إلى الصراط المستقيم إلى نهاية الخاتمة وقوله (وسددني) دعاء بصيغة الأمر من التسديد وهو التوفيق والتأييد وقال ابن الجزري من السداد بالفتح وهو الاستقامة اهـ. ولعله أراد المعنى اجعلني على السداد ومنه قول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} وقال الطيبي فيه معنى قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي اهدني هداية لا أميل بها إلى طرفي الإفراط والتفريط. قوله: (وفي رواية) هي لمسلم وتقدم أنها عند أحمد أيضاً. قوله: (الهدى) أي في أمر العقبى (والسداد) أي في أمر الدنيا بأن يكون لي ما يسدني عن الحاجة إلى غير المولى.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) تقدم الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق بمعناه في باب فضل الذكر غير مقيد بوقت وقال السخاوي بعد تخريجه وزاد فيه قال ابن نمير قال موسى أما عافني فأنا أتوهم وما أدري حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج وليس عند مسلم وأبي عوانة وعافني نعم ذكر مسلم عن ابن نمير أحد شيخيه قول موسى وقد رواه عن موسى أيضاً بدونها جعفر بن عون وحديثه في المستخرج لأبي نعيم وعلي بن مسهر وحديثه عند مسلم لكن قد أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث جعفر بن عون ويعلى كلاهما عن موسى بإثباتها وأخرج مسلم من طريق يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي قلت وتقدم في هذا الباب بيانه ورواه أبو نعيم بلفظ اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني وزاد في طريق آخر اهدني قبل قوله ارزقني ورواه أبو عوانة من حديث يزيد بن هارون كذلك وكذا رواه من حديث سعيد بن سلمة بن هشام بن
عبد الملك عن أبي مالك ورواه من وجهين عن عبد الواحد عن أبي مالك اقتصر في أحدهما على الثلاث كأبي نعيم وزاد في الآخر واهدني وأما
وروينا في "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني كلاماً أقوله، قال: "قُلْ: لا إله إلَاّ اللهُ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أكْبَرُ كَبِبراً، والحَمْدُ لِلَهِ كَثِيراً، سُبْحَانَ الله ربُ العَالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ
إلَاّ باللهِ العَزِيزِ الحَكِيمُ"، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: "اللهُم اغْفِرْ لي، وَارْحَمْنِي، واهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِني" شك الراوي في "وعافني".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اصْلِحْ لي دِيني الذي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، واصْلِحْ لي دُنْيايَ التي فيها مَعاشِي، واصْلِحْ لي آخِرَتِي التي فِيها مَعَادِي،
ــ
البيهقي فأخرجه من طريق عبد الواحد بلفظ اهدني وارزقني وعافني وارحمني والله المستعان اهـ. وتقدم بسط لهذا المقام في كلام الحافظ في باب فضل الذكر.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) انفرد وكذا حديث على السابق قريباً عن غيره من باقي الستة وغيرهم قال السخاوي بعد تخريج حديث الباب وقد ضاق مخرجه على أبي عوانة فأخرجه في مستخرجه عن مسلم نفسه وفي الباب عن أبي برزة بلفظ كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: "اللهم أصلح لي ديني" الخ وقد ذكره الشيخ فيما مضى وأملاه الحافظ هناك وأشار لهذا الحديث اهـ. قوله: (الذي هو عصمة أمري) أي ما يعتصم به في جميع أموري والعصمة على ما في الصحاح المنع والحفظ فقيل هو هنا مصدر بمعنى اسم الفاعل قال الطيبي هو أي الحديث من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} أي بعهده. قوله: (وأصلح لي دنياي) إصلاح الدنيا عبارة عن الكفاف فيما يحتاج إليه وبأن يكون حلالاً ومعيناً على الطاعة والمعاش أي مكان العيش وزمان الحياة. قوله: (وأصلح لي آخرتي) إصلاحها باللطف والتوفيق لطاعة الله وعبادته
واجْعَلِ الحَيَاةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍّ".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لَكَ أسلَمْتُ، وبكَ آمَنْتُ، وعلَيكَ تَوَكَّلْتُ، وإليكَ أنبْتُ، وَبكَ خَاصَمْتُ، اللهم إني أعُوذُ بِعِزتِكَ لا إله إلَاّ أَنْتَ أنْ تُضِلَّني، أنْتَ الحَيُّ الَّذي لا يَمُوتُ والجِن والإنسُ يَمُوتُونَ".
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن بريدة رضي الله عنه أن رسول
ــ
والمعاد مصدر ميمي أو اسم مكان من عاد إذا رجع. قوله: (واجعل الحياة) أي طول العمر. قوله: (زيادة لي في كل خير) أي من إتقان العلم وإتقان العمل. قوله: (واجعل الموت) أي تعجيله (راحة لي من كل شر) أي من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة وقال زين العرب بأن يكون الموت على شهادة واعتقاد أي فيترتب عليه الراحة الدائمة وقيل في طلب الراحة بالموت إشارة إلى حديث وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون وهذا النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة ومجمله اجعل عمري مصروفاً فيما تحب وجنبني عما تكره فهذا الدعاء من الجوامع أيضاً قاله الطيبي.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ثم اللفظ المذكور لفظ مسلم كما في السلاح ولفظ البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا تموت والجن والإنس يموتون" ورواه النسائي كما في الحصن وحديث الباب رواه أبو عوانة وأبو نعيم وابن حبان كما قاله السخاوي وقوله: اللهم لك أسلمت إلى قوله: وبك خاصمت تقدم الكلام عليه في باب ما
يقول إذا استيقظ من الليل في بيته. قوله: (بعزتك) أي بقوتك وقدرتك وسلطانك وغلبتك. قوله: (أن تضلني) أي من أن تضلني وهو متعلق بأعوذ وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة. قوله: (والجن) لعل المراد به ما يشمل الملائكة (والإنس) وكذا أتباعهم من الحيوانات والحشرات (يموتون).
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ أبو الحسن علي
الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "اللَّهمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: لقَدْ سألْتَ الله تَعالى بالاسم الذِي إذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وإذَا دُعِيَ أجَابَ".
ــ
بن المفضل المقدسي إسناده لا يطعن فيه ولا أعلم أنه روى في هذا الباب حديث أجود إسناداً منه نقله عنه في السلاح وقال السخاوي بعد تخريج الحديث حديث حسن رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى وذكر باقي المخرجين المذكورين ثم قال: ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن أبي عاصم وغيرهم من حديث أبي بريدة لكن عن حنظلة بن علي عن محجن بن الأدرع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد أن تغفر لي ذنوبي إنك الغفور الرحيم. قوله: (سمع رجلاً) هو أبو عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت كذا في مسند الحارث بن أبي أسامة والطبراني وأحمد ذكره السخاوي. قوله: (أسألك بأنك أنت الله الخ) قسم استعطافي أي أسألك باستحقاقك لتلك الصفات الثبوتية والسلبية ولم يذكر المسؤول لعدم الحاجة إليه والأسماء الثلاثة تقدم الكلام على شرحها في شرح الأسماء الحسنى. قوله: (كفواً) أي مماثلاً ولا نظيراً في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بوجه من الوجوه ولا باعتبار من الاعتبارات. قوله: (الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) قال في فتح الإله الظاهر أن الجملة الثانية مؤكدة للأولى قال وقال الطيبي إن الثاني أبلغ لأن إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب فتتضمن أيضاً قضاء حاجته بخلاف السؤال فإنه قد يكون مذموماً ولذا ذم السائل وكثر في الأحاديث مدح المتعفف عنه على إن في الحديث دلالة على فضل الدعاء على السؤال اهـ. قال وفيه نظر ظاهر لأن الكلام في سؤال الحق وهو دعاؤه فلا فرق بينهما هنا أصلاً ومن ثم جاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} سلوني أعطكم، وقوله إن السؤال قد يكون مذموماً يرده أن الدعاء قد يكون مذموماً كما في الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو نحو ذلك، وذم السائل إنما هو في سائل غير الله أما سائله تعالى
وفي رواية: "لَقَدْ سَألْتَ الله باسْمِهِ الأعْظَمِ" قالَ الترمذي: حديث حسن.
وروينا في سنن أبي داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه،
ــ
فممدوح دائماً إذا سأل بما أذن له فيه، وقوله على أن الخ ممنوع بل الذي في الحديث عكسه لأنه قدم السؤال على الدعاء ومن عادة العرب تقديم الأهم والأشرف ولذا استدلوا على أشياء بتقدمها في القرآن. قوله:(وفي رواية) أي أخرى
لأبي داود وإلا فلفظ الحديث كله لأبي داود كما في السلاح ولم ينبه السخاوي في هذا المعنى على تخريجه. قوله: (لقد سأل باسم الله الأعظم) قال في فتح الإله يحتمل أنه أراد بالاسم الأعظم مجموع الأسماء ويحتمل أنه أراد واحداً منها وعليه فالأظهر أنه الجلالة لأنه الاسم الأعظم عند أكثر العلماء ولا ينافيه أن كثيرين يدعون به ولا يستجاب لهم لأن ذلك لخلل في دعوتهم لكونها نحو قطيعة رحم أو لكونهم لم يستوفروا شرط الدعاء التي منها أكل الحلال واعلم أنه كثر اختلاف العلماء في تعيين الاسم الأعظم كما كثر اختلافهم في تعيين ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة والسبعة الأحرف التي نزل عليها القرآن قال بعضهم أعظم هنا بمعنى عظيم كأكبر بمعنى كبير قال ابن حجر الهيتمي ويرد بأن الأعظمية هنا ليست من حيث المسمى لاستواء الأسماء والصفات كلها من هذه الحيثية وإنما هي من حيث الدلالة ولا شك أن بعض الأسماء والصفات قد تفيد من حيث الدلالة معاني ولا تفيدها البقية وفارق أعظم أكبر بأن مفاد أعظم امتاز على غيره من الأسماء والصفات بخصوصية ليست في البقية وهذا لا محذور فيه كما تقرر بأن بقي على صيغته وأما أكبر فمفاده أن غير الله تعالى شاركه في كبريائه وهذا غير واقع فوجب تأويل أكبر بمعنى كبير حتى لا يوهم ذلك اهـ. وقال بعضهم قيل أعظم بمعنى عظيم لأن كل أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض وقيل بل هو للتفضيل لأن ما كان أكثر تعظيماً لله فهو أعظم كالرحمن أعظم من الرحيم والله أعظم من الرب لأن رب استعمل في غير الله كرب الدار.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح رواه الأربعة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لأبي داود وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وعند ابن
أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنانُ، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ دَعا الله تَعالى باسمِهِ العَظِيمِ الذي إذَا دُعِيَ بهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِه أعطَى".
ــ
ماجه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان وفي رواية ابن حبان الحنان المنان وقال السخاوي حديث حسن ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والضياء في المختارة وعمرو ابن أخي أنس بن مالك الراوي عن أنس وثقه الدارقطني وغيره وقال أبو حاتم إنه صالح الحديث مع أنه لم ينفرد بهذا الحديث بل رواه ابن ماجه من حديث أبي خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس رفعه بنحوه ورواه الطبراني في الدعاء عن حماد بن سلمة عن أبان بن أبي عياش عن أنس لكنه قال عن أبي طلحة وذكر نحوه أيضاً وفي الباب عن أبي الدرداء رويناه من حديث إبراهيم بن أبي عبلة عنه وهو منقطع اهـ. قوله: (كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً) يحتمل أن يكون الظرف خبر كان ويكون قوله جالساً حالاً ويحتمل العكس. قوله: (ورجل يصلي ثم دعا) قال الخطيب هو أبو عياش زيد بن صامت الزرقي الأنصاري قال في السلاح وأبو عياش بالتحتية وبالشين المعجمة وقد فسر السخاوي الرجل المبهم في الحديث السابق بأبي عياش هذا. قوله: (بأن لك الحمد) أي كله بطريق الحقيقة فليس لغيرك منه شيء إلا بطريق الصورة المجازية لا غير لأنك المولى المنعم حقيقة وغيرك ليس له من ذلك شيء. قوله: (المنان) أي كثير المنة وهي النعمة أو النعمة الثقيلة والمنة مذمومة من المخلوق لأنه لا يملك شيئاً من النعم التي يمن بها محمودة من الخالق لأنه المالك لما أنعم به على الحقيقة وباقي الأسماء تقدم شرحها في
شرح الأسماء الحسنى. قوله: (لقد دعا الله باسمه العظيم) أورده في المشكاة بلفظ الأعظم وأخذ منه شارحها تأييد قول الأكثرين إن الاسم الأعظم هو الجلالة وبسط في بيانه ورد ما قاله المصنف من أنه الحي القيوم. قوله: (الذي إذا دعي به أجاب الخ)
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات:"اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ النَّارِ، وعَذابِ النَّارِ، ومِنْ شَرّ الغِنى والفَقْرِ" هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ــ
إن قلت الدعاء إن كان بمقدر فهو حاصل وإن لم يدع وإن كان بغيره لم يحصل فما فائدة الاسم الأعظم قلت: إن كان الدعاء بمقدر فقد يفيد زيادة تعجيله أو بغير مقدر فبإعطاء بدله عاجلاً تارة بواسطة الدعاء بالاسم الأعظم وآجلاً أخرى فالحاصل أن الاسم الأعظم قد يفيد أصل التعجيل أو زيادته أو كمالاً في المستجاب أو في بدل المدعو به أو نحو ذلك.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال السخاوي بعد تخريج الحديث بطوله وفيه هذا الدعاء ما لفظه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وأبو عوانة وأبو نعيم والحاكم في المستدرك وعند الطبراني في الدعاء وقدسها الشيخ حيث لم يعزه للصحيحين كما أن الحاكم استدركه عليهما وقال إنه صحيح على شرطها مع كونه فيهما ولذا تعقبه شيخنا لكن مقتصراً على أنه في مسلم اهـ. قوله: (من شر فتنة النار) أي فتنة تؤدي إلى النار والفتنة في الأصل الامتحان والاختبار. قوله: (ومن شر الغنى) مثل الأشر والبطر والشح بحقوق المال وإنفاقه فيما لا يحل من إسراف وباطل ومفاخرة. قوله: (والفقر) أي ومن شر الفقر كالسخط وقلة الصبر والوقوع في الحرام والشبهة للحاجة ذكره ابن الجزري قال بعض المحققين قيد بالشر لأن كلاًّ منهما فيه خير باعتبار وشر باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير قال في الحرز وقد بين هذا المعنى قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وقال صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً" ثم قيل المراد فقر النفس وهو الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس في الحديث ما يدل على تفضيل أحدهما على الآخر قال بعضهم لأن كل ما هو مانع عن الحضور من فقر أو غنى فهو شؤم عند أهل السرور نعم
وروينا في كتاب الترمذي عن زياد بن عِلاقة عن عمه وهو قُطْبة بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذُ بِكَ مِنْ
ــ
الفقر أسلم من الغنى يجر الغنى إلى الطغيان والسلطنة والفقر إلى الغنى والمسكنة ولذا وقعت تربية الله تعالى لأكثر الأنبياء ولعامة الأولياء بوصف الفقر الظاهر والغنى الباطن دون أرباب الدنيا حيث ابتلوا بالغنى الظاهري والفقر الباطني ولذا قال بعض شراح الحديث عند قوله ومن شر فتنة الفقر كالحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل لهم بما يتدنس به العرض وينثلم به الدين وعدم الرضى بما قسم الله له إلى غير ذلك مما لا تحمد عاقبته قال الغزالي فتنة الغنى الحرص على جمع المال وحمله على أن يكتسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب نقله التوربشتي.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال في السلاح ورواه الحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وزاد في آخره والأدواء اهـ. وقضيته أن لفظ والأدواء ليس عند الترمذي لكن في الحصن عزوها إلى رواية الترمذي وكذا في الجامع الصغير قال في الحرز ولعله عند كل واحد منهما يعني الحاكم والترمذي اهـ. قلت الأولى في الجمع أن يقال لعل نسخ الترمذي مختلفة ففي بعضها زيادة الأدواء وهو ما في الحصن والجامع وليس في بعضها وهو ما يفهم من السلاح وقال السخاوي بعد تخريجه هذا حديث حسن وأخرجه الطبراني في الدعاء. قوله: (زياد بن علاقة) بكسر الزاي وبالتحتية وبعدها الألف وعلاقة بكسر المهملة وزياد تابعي يروي عن عمه وعن جرير البجلي خرج عنه أصحاب الكتب الستة مات وقد قارب المائة، سنة مائة وخمسة وعشرين كذا في الكاشف للذهبي. قوله:(عن عمه) وهو قطبة بن مالك وهو الثعلبي ويقال الثعلي والصواب الثعلبي من بني ثعلبة بن سعد بن دينار ويقال الديلي من أهل الكوفة
مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ والأعْمالِ والأهْواءِ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن شَكَل بن حُمَيد رضي الله عنه -وهو بفتح الشين المعجمة والكاف- قال: قلت: يا رسول الله، علِّمني
ــ
وقال ابن عقدة إنه من بني ثعل قال ابن الأثير والناس يخالفونه قال في السلاح وليس لقطبة في الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني أنه صلى الله عليه وسلم صلى بقاف والقرآن المجيد الحديث رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه اهـ. قوله: (منكرات الأخلاق) قال الطيبي الإنكار ضد العرفان والمنكر كل فعل تتفق في استقباحه العقول وتحكم بقبحه الشريعة أي من سيئ الأخلاق الباطنة كالحسد ونحوه وقال زين العرب منكر الخلق ما لم يعرف أصله من جهة الشرع أو ما عرف قبحه من جهته قال العلقمي وقد قال في كل منهما منكر الخلق وإن كان الثاني صريحاً في ذلك اهـ. قوله: (والأعمال) أي منكرات الأعمال أي الأفعال الظاهرة. قوله: (والأهواء) أي ومنكرات الأهواء وهو بهمزة مفتوحة جمع هوى مصدر هويه إذا أحبه ثم سمي بالهوى المشتهي محموداً كان أو مذموماً ثم غلب على غير المحمود قاله في المغرب قال الطيبي الإضافة في القرينتين الأوليين من إضافة الصفة إلى الموصوف وفي الثالثة بيانية لأن الأهواء كلها منكرة اهـ. وهو مبني على غلبة العرف ويمكن أن يبني على أصل المعنى اللغوي بمعنى المشتهيات النفسية فحينئذ تكون مشتملة على المنكرات والمعروفات إذ قد يوافق الهوى الهدى قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} والأنسب أن تكون القرائن على طبق واحد.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه الحاكم في المستدرك. قوله: (عن شكل بن حميد) وهو بفتح الشين المعجمة والكاف قال ابن الأثير هو العبسي قال في السلاح ليس لشكل في الكتب الستة سوى هذا الحديث.
دعاءً، قال:"قُلِ: اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي، ومِنْ شَرّ بَصَري، ومِنْ شَرّ لِساني، وَمِنْ شَرّ قَلْبي ومِنْ شرِّ مَنِيَّي" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتابي أبي داود والنسائي بإسنادين صحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ وَالجُنُونِ والجُذَامِ وَسَيَّئِ الأسقامِ".
ــ
قوله: (دعاء) أي جامعاً. قوله: (من شر سمعي) أي بأن أسمع
كلام الزور والبهتان والغيبة وسائر أسباب العصيان أو بأن لا أسمع كلمة الحق أو بأن لا أجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله: (ومن شر بصري) أي بأن أنظر إلى محرم أو أرى إلى أحد بعين الاحتقار أو لا أتفكر في خلق السموات والأرض بنظر الفكر والاعتبار. قوله: (ومن شر لساني) أي بأن أتكلم فيما لا يعنيني أو أسكت عما يعنيني. قوله: (ومن شر قلبي) أي باشتغاله بغير أمر ربي. قوله: (ومن شر منيي) أي بأن أوقعه في غير محله أو يوقعني في مقدمات الزنى من النظر واللمس والعزم وأمثال ذلك ووقع في رواية أبي داود يعني فرجه وقال بعض العلماء المني جمع المنية وهي طول الأمل قال ابن الجزري المني ماء الرجل يريد وضعه فيما لا يحل وتعقب بأن الأولى من حيث المعنى أن لا يخص المني بماء الرجل على ما في المهذب لأن هذا الدعاء أيضاً شامل للنساء وأيضاً شره ليس منحصراً فيما ذكره بل يعم مقدماته أيضاً كما تقدم. قوله: (قال الترمذي الخ) لفظ الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سعد بن أويس عن بلال بن يحيى عن ستير بن شكل عن أبيه اهـ.
قوله: (وروينا في كتابي أبي داود والنسائي) ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما في الحصن. قوله: (الجنون) أي المزيل للعقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية والعملية ومن ثم قيل إنه أفضل من العلم. قوله: (والجذام) في القاموس الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فتفسد مزاج الأعضاء وهيأتها وربما انتهى إلى
وروينا فيهما عن أبي اليَسر
ــ
تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح اهـ. والحاصل أنه لما استعاذ مما يشوه الصورة الباطنة من زوال العقل والصورة الظاهرة من الجذام عمم في استعاذة من كل مؤذ للنفس أو البدن على سبيل الإجمال في قوله وسيئ الأسقام أي كالعمى والفالج وإنما قيد الأسقام بالسيئ لأن الأمراض مطهرة للسيئات ومرقية للدرجات وأكثر النّاس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء فالتعوذ من جميع الأسقام ليس من دأب الكرام كذا في الحرز وفيه أن الشارع أمر بسؤال العافية من كل بلاء قبل حلوله والصبر على ما يقع من البلاء عند نزوله، قال ابن الجزري سيئ الأسقام قبيحها وقال ميرك نقلاً عن المظهري إن الإضافة ليس بمعنى من كما في قولك خاتم فضة بل هي من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأسقام السيئة ولم يستعذ من الأسقام على الإطلاق لأن منها ما إذا تحامل الإنسان فيه على نفسه بالصبر خففت مؤنته مع عدم أزمانه كالحمى والصداع والرمد وإنما استعاذ من المزمن المنتهي بصاحبه إلى حالة يفر منها الحميم ويقل فيها التداوي مع ما يورث الشين منها الجنون الذي يزيل العقل ولا يأمن صاحبه القتل ومنها البرص والجذام وهما علتان لازمتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة وتغير الصورة والله أعلم.
قوله: (وروينا فيهما) قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد (عن أبي اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن
كعب بن سلمة وقيل كعب بن عمرو بن مالك بن عمرو بن عباد بن تميم بن شداد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي شهد العقبة وبدراً وكان عظيم الغارة يوم بدر وغيره وهو الذي أسر العباس ابن عبد المطلب وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر وكانت بيد عزيز بن عمر ثم شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شهد صفين مع علي توفي أبو اليسر بالمدينة سنة خمس وخمسين أخرجه أبو عمر وأبو موسى كذا في أسد الغابة روى عنه مسلم أو أخر
الصحابي رضي الله عنه -وهو بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنَ الهَدْم، وأعُوذُ بكَ مِنَ التَّرَدِّي، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ والحَرَقِ والهَرَم، وأعُوذُ بكَ
ــ
صحيحه حديث واحداً فيه أحاديث له. قوله: (من الهدم) بسكون الدال سقوط البناء وروي بالفتح اسم لما انهدم منه قال ابن رسلان يحتمل أن يراد بالهدم المستعاذ منه هنا هدم الباء المعقود أو السقف لما يترتب عليه من فساد ما يحصل الهدم عليه من أثاث وحيوان وغيره ويحتاج مالكه إلى كلفة في عمارته والسعي فيه ولا يخفى مشقته. قوله: (من التردي) بفعل الهدم أو هو الهلاك أو المراد السقوط ببئر أو مهواة قال ابن الجزري الهدم بإسكان الدال هدم البيت وغيره يعني الموت بالهدم والتردي بفتح الفوقية والراء وتشديد المهملة مكسورة من تردى إذا سقط في بئر أو تهور من جبل اهـ. قوله: (من الغرق) بفتح المعجمة والراء المهملة مصدر غرق وهو الذي غلبه الماء فأشرف على الهلاك ولم يغرق فإذا غرق فهو غريق. قوله: (والحرق) بفتح الراء وهو الذي يقع في حرق النار فالتهب بالنار ولا يموت ويحتمل أنه أراد وقوع النار في زرع ونحوه من المال فإنه إذا وقع في ذلك تحادر إلى ما لا نهاية له كما في بيوت الخشب واستعاذ من الهلاك بهذه الأسباب مع ما فيه من قيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يكاد الإنسان يصبر عليها ويثبت عندها فربما انتهز الشيطان منه فرصة فحمله على ما يخل بدينه ولأنه يعد فجأة وهي أخذة الأسف
أن يَتَخَبَّطَنِي الشيطانُ عِنْدَ الَمَوْتِ، وأعُوذُ بكَ أنْ أمُوتَ في سَبيلِكَ مُدْبراً، وأعُوَذُ بكَ أن أَمُوتَ لَدِيغاً" هذا لفظ أبي داود، وفي رواية له "والغَمّ".
ــ
قال الطيبي لعل الاستعاذة منها أنها في الظاهر مصائب ومحن كالأمراض المستعاذ منها وترتب الثواب والشهادة عليها ملنا على أن الله تعالى يثيب على المصائب حتى الشوكة التي يشاكها ومع ذلك فالعافية أوسع مع أن ظاهر هذه المذكورات مشعر بالغضب صورة وقال بعضهم الشهادة متمنى كل مؤمن ومطلوبه وقد يجب توخي الشهادة وقصدها بخلاف التردي فالاحتراز عنه واجب ولو سعى فيه عصى. قوله: (أن يتخبطني الشيطان) قال التوربشتي المعنى: أعوذ بك أن يمسني الشيطان عند الموت بنزغاته التي تزل بها الأقدام وتصارع العقول والأحلام وقال الخطابي هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤيسه من رحمة الله تعالى أو يكرهه الموت ويؤسفه على الحياة فيختم له بالسوء والعياذ بالله تعالى اهـ. قوله: (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً) أي فاراً من الزحف أو تاركاً للطاعة أو مرتكباً للمعصية أو رجوعاً إلى الدنيا بعد الإقبال على العقبى واختيار الغفلة والهوى إلى السوى عن الحضور مع المولى قيل هذا وأمثاله تعليم للأمة وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه الخبط والفرار من الزحف ونحوهما وفي الحرز الأظهر أن هذا كله تحدث بنعمة الله وطلب الثبات عليها والتلذذ بذكرها
المتضمن لشكرها الموجب لمزيد النعم المقتضي لإزالة النقم. قوله: (لديغاً) بالمهملة المكسورة والتحتية الساكنة والغين المعجمة أي ملدوغاً، في القاموس لدغته العقرب والحية وتقدم في باب أذكار المساء والصباح الفرق بين اللدغ بالمهملة والمعجمة وعكسه والاستعاذة مختصة بأن يموت عقب اللدغ فيكون من قبيل موت الفجاءة وإلا فصح أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيداً من أثر أكل الشاة المسمومة لليهودية وكذا موت الصديق الأكبر من أثر لسع الحية في الغار. قوله:(وفي رواية له) أي لأبي داود وكذا
وروينا فيهما بالإسناد الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ فإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ فإنَّها بِئْسَتِ البطانَةُ".
وروينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه أن مكاتَباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألا أعلِّمك كلماتٍ علَّمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل [صِبيرٍ] ديناً أدّاه عنك؟ قال: قُلِ: "اللهم اكْفني بحَلَالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَاغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا فيه عن عمران بن الحصن رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه
ــ
رواه الحاكم كما في السلاح.
قوله: (وروينا فيهما بالإسناد الصحيح) ورواه الحاكم من جملة حديث عن ابن مسعود. قوله: (من الجوع) أي المفرط أي المانع من الحضور. قوله: (فإنه بئس الضجيع) أي المضاجع وهو الذي ينام معك في فراش واحد تعليل للاستعاذة أي بئس المصاحب لأنه يمنع استراحة البدن وراحة القلب فإن الجوع القوي يثير أفكاراً ردية وخيالات فاسدة فيخل بوظائف العبادات ومن ثم حرم الوصال. قوله: (من الخيانة) أي فيما اؤتمنت عليه من حق جوار الخلق. قوله: (فإنها بئست البطانة) أي الخصلة الباطنة قال ابن الجزري البطانة بكسر الموحدة خاصة الرجل ويحتمل أن يراد خلاف الطهارة أي خلاف ما يظهره واستعاذته من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وتعليماً لأمته وإرشاداً لهم ليقتدوا فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة اهـ. وفي الحرز الأظهر أن المراد بالاستعاذة هنا طلب الثبات والاستقامة على صفات الكمال في كل حال وللإعلام بأن هذه أوصاف ذميمة فمن وجدت فيه فليعالج في إزالتها ومن فقدت فليحمد الله على ذلك ويطلب منه ثباتها.
قوله: (روينا في كتاب الترمذي عن علي رضي الله عنه تقدم الكلام على ما يتعلق
وسلم- علَّم أباه حصيناً كلمتين يدعو بهما: "اللَّهُمَّ ألهِمْنِي رُشْدي، وأَعِذْني مِنْ شَرّ نَفْسي" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا فيهما بإسناد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَسُوءِ الأخْلَاقِ".
وروينا في كتاب الترمذي عن شهر بن حوشب قال: قلت لأمّ سلمة رضي الله عنها: يا أمَّ المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثر دعائه "يا مُقَلِّبَ القُلوب ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ" قال
ــ
به تخريجاً ومتناً في باب ما يقوله إذا كان عليه دين وعجز عنه. قوله: (ألهمني) دعاء من الإلهام و (رشدي) بضم فسكون وفي نسخة بفتحهما وهما لغتان قرئ بهما {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} وفي القاموس رشد كنصر وفرح رشد ورشداً ورشاداً اهتدى وأما ما ذكره الحنفي من أن الرشد بضم الراء وفتحها مع سكون الشين وبفتحتين أيضاً والرواية هنا على الأول فوقع في غير محله فإن الفتح مع السكون غير صحيح والرواية غير منحصرة في الأول. قوله: (وأعذني) سؤال ودعاء من الإعاذة أي أجرني واحفظني.
قوله: (وروينا فيهما) أي في كتابي أبي داود والترمذي واقتصر في الحصن على عزوه لأبي داود. قوله: (من الشقاق) بكسر الشين أي الخلاف والعداوة (والنفاق) بكسر النون مخالفة الظاهر للباطن دنيا وديانة (وسوء الأخلاق) أي من الأخلاق السيئة فهو من عطف المغاير أو من جميع الأخلاق السيئة فهو من عطف العام على الخاص تنبيهاً على أن الشقاق والنفاق أعظمها ضرراً لأنه يسري ضررهما إلى الغير.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) ورواه أحمد من حديث أم سلمة أيضاً ورواه النسائي من حديث عائشة وأبو يعلى والحاكم في المستدرك من حديث جابر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ورواه ابن ماجه من حديث أنس. قوله: (يا مقلب القلوب) أي يا محولها من حال إلى حال (ثبت قلبي على دينك) قال الترمذي:
الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتاب الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ عافني في جَسَدي، وعَافِني في بَصَرِي، واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِني، لا إله إلَاّ أنْتَ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ الله ربُ العَرْشِ العَظِيمِ، والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمينَ".
وروينا فيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إنى أسألُكَ حُبَكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ
ــ
قالت يعني أم سلمة فقلت: يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصابع الرحمن فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) ورواه. قوله: (عافني في جسدي) أي من جميع الأمراض. قوله: (وعافني في بصري) أي بأن تديم لي سلامته من العمى أو بأن توفقني للنظر به في مصنوعاتك. قوله: (واجعله الوارث مني) أي اجعله آخر ما يسلب منه الانتفاع من البدن وتقدم لهذا بسط في أذكار المساء والصباح.
قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وفي آخر الحديث عندهما قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود يحدث عنه قال كان أعبد البشر اهـ. وهو محتمل لأن يراد من البشر أهل عصره وزمنه أو يراد منه أنه أشكر النّاس قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وعلى الثاني فالمراد منه غيره صلى الله عليه وسلم لأن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه. قوله: (حبك) أي حبي إياك بامتثال أوامرك واجتناب نواهيك أو حبك إياي بإرادتك التوفيق
لي إلى الطاعة في الدنيا وبحسن الثناء والإثابة في العقبى وهذا هو الأصل النافع كما يشير إليه قوله تعالى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} . قوله: (وحب من يحبك) الأظهر أنه من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وَالعَمَلَ الذي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللهُم اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إليَّ مِنْ نَفْسِي وَأهْلي وَمِنَ المَاءِ البارِدِ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا فيه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْوةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إله إلَاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظالِمينَ، فإنَّهُ لَمْ يَدْع بِها رَجلٌ مُسْلِمٌ في شَيءٍ قَط إلَاّ اسْتَجَابَ لَهُ" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صحيح الإسناد.
وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: "سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ
ــ
قوله: (والعمل) بالجر عطف علي من يحبك وبالنصب على المضاف أي أسألك العمل (الذي يبلغني) أي بتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي يوصلني إلى حبك إياي أو حبي إياك. قوله: (اللهم اجعل حبك) أي حبي إياك (أحب إليّ من نفسي وأهلي) أي من حبهما قال القاضي عدل عن اجعل نفسك أحب إلي من نفسي مراعاة للأدب حيث لم يرد أن يقابل نفسه بنفسه عز وجل والنفس تطلق عليه على سبيل المشاكلة كما في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} اهـ. وجاء من غير مشاكلة في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت كما أثنيت على نفسك" وتقدم في أوائل الكتاب أن من منع إطلاق النفس قال لأنها من النفس بفتح أوليه ومن أجازه قال من النفيس. قوله: (ومن الماء البارد) أي ومن حبه وفيه إشعار أنه كان يحبه حباً بليغاً قال بعض العارفين إذا شربت عذباً بارداً أحمد ربي من صميم قلبي وقال بعضهم أعاد من ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوباً وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح للإنسان.
قوله: (وروينا فيه عن سعد) تقدم الكلام عليه في باب دعاء الكرب. قوله: (أن رجلاً) يحتمل أن يكون العباس المذكور في الخبر بعده ويحتمل أن يكون غيره. قوله: (العافية) أي السلامة من كل مؤلم ومكدر ظاهر أو باطن ديني أو دنيوي
والمُعافَاةَ في الدُّنْيا والآخرَةِ"، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: "فإذا أُعْطِيتَ العافِيَةَ في الدُّنْيا وأُعْطِيتَها في الآخرة فَقَد أفْلَحْتَ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتاب الترمذي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، علِّمني شيئاً أسأله الله تعالى، قال:"سَلُوا الله العافِيَةَ"، فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله تعالى، فقال لي:"يا عَبَاسُ يا عَمَّ رَسُولَ اللهِ، سَلُوا اللهَ العافِيَةَ في الدُنيا والآخرَةِ" قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، فقلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، فقال:
ــ
فهي متضمنة للعفو وشاملة لما في قوله (والمعافاة في الدنيا والآخرة) أي أن يعافيك الله من النّاس ويعافيهم منك أي يسلمك من أذاهم والافتقار إليهم ويسلمهم من أذاك والافتقار إليك فإنك لا تعينهم وقيل من أن تعفو عنهم ويعفوا عنك. قوله: (قال) أي بعد أن ذكر له سل الخ ما هو كالنتيجة لما من من السؤال المكرر ثلاثاً (فإذا أعطيت) أي فإذا استجيب لك بأن أعطيت الخ. قوله: (فقد أفلحت) أي ظفرت بجميع مطلوباتك إذ الفلاح الظفر بالبغية ولذا قيل ليس في الشريعة
كلمة أجمع منه إلا العافية. قوله: (ادع الله) بالجزم على أنه جواب الدعاء وفي نسخة ادعو بالرفع بتقدير أنا. قوله: (فمكث) بفتح الكاف وضمها أي لبث. قوله: (أسأله) بالجزم جواب الدعاء وقيل بالرفع صفة شيئاً. قوله: (يا عباس) بالضم. قوله: (يا عم رسول الله) أتى به بعد ندائه باسمه إيماء إلى أنه بإضافته إلى هذا الرسول الكريم يستحق الدلالة على أسنى طرق الخيرات ففيه إشارة إلى أنه يطلب منه تلقي ما يلقيه عليه من
"ألا أدُلُّكُمْ عَلى ما يَجْمَعُ ذلكَ كلَّهُ؟ تَقُولُ: اللهُم إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ ما سألَكَ مِنْهُ نَبيكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، ونَعُوذُ بِكَ مِن شَرّ ما اسْتعاذَكَ مِنْهُ نَبيكَ مُحَمَدٍ صلى الله عليه وسلم وأنْتَ المُسْتَعانُ وعَلَيك البَلاغُ، ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَاّ بالله" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلِظُّوا بِيا ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ".
ورويناه في كتاب النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي رضي الله عنه، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
قلت: أَلِظُّوا بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، ومعناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: "ربِّ أعِنِّي
ــ
غير توقف عليه. قوله: (ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله) ففيه أن هذا المذكور من الجامع الذي ينبغي الإكثار من الدعاء به. قوله: (وأنت المستعان) المسؤول منه العون. قوله: (وعليك البلاغ) ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب. قوله: (وروينا عن أنس رضي الله عنه.
قوله: (ورويناه في كتاب النسائي) أي في الكبرى وكذا رواه من حديث ربيعة الإِمام أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد. قوله: (من رواية ربيعة بن عامر الصحابي) هو ربيعة بن عامر بن بجاد بالموحدة والجيم قاله ابن فقطة يعد في أهل فلسطين قاله ابن منده وأبو نعيم وقال أبو عمر ربيعة بن عامر بن الهادي الأزدي ويقال الأسدي يعني بسكون السين ويقال إنه ديلي من رهط ربيعة بن عباد.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه) وكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما كما في السلاح ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه كما في الحصن. قوله:
(يقول) بدل مما قبله. قوله: (رب أعني) أي على
ولا تَعِنْ عَليَّ، وانْصُرْني وَلا تَنْصُرْ عَليَّ، وامكُرْ لي وَلا تَمْكُرْ عَليَّ، واهدِني ويَسِّرْ الهدى لي، وانْصُرْني على مَنْ بَغَى عَليَّ، رَبِّ اجْعَلْني لكَ شاكِراً، لكَ ذَاكِراً، لَكَ راهِباً،
ــ
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك كما في حديث آخر (ولا تعن علي) أي من يمنعني عن ذلك، ويحتمل أن يكون المراد أعني على أعدائك الذين يريدون قطعي عنك ولا تعن أحداً منهم علي وعليه فيكون قوله (وانصرني ولا تنصر علي) تأكيداً لما قبله أو من عطف الخاص على العام لأن الأول في الأعداء المقاتلين وغيرهم والثاني في المقاتلين وعلى الأول فقوله وانصرني أي على نفسي وشيطاني وسائر أعدائي ولا تنصر علي أي أحداً من خلقك من عطف العام على الخاص. قوله:(وامكر لي ولا تمكر علي) هذا مما استعمل في حقه تعالى والمراد غايته كما هو القاعدة في كل ما استحالت حقيقته على الله تعالى إذ المكر الخداع وهو إبطال الحيلة للغير حتى ينفذ فيه ما يريده به من الشر وهذا محال على الله عز وجل إذ لا يفعل ذلك إلا عاجز عن الأخذ مقاهرة ولكن غايته إيقاع البلاء بالعدو من حيث لا يشعر أو استدراجه بالطاعة حتى يظن أنه على شيء وليس على شيء ومن ثم قال بعض العارفين في قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} تظهر لهم الكرامات حتى يظنوا أنهم من الأولياء ثم نأخذهم على غرة فقوله: امكر لي، أي أوقع البلاء بالأعداء من حيث لا يشعرون. ولا تمكر علي، بالاستدراج بالطاعة وتوهم أنها مقبولة وهي مردودة. قوله:(واهدني) أي دلني على عيوب نفسي وأوصلني إلى المقامات الكريمة (ويسر لي الهدى) أي سهل أسبابه لي أي لأجلي. قوله: (على من بغى علي) أي ظلم وتعدى وطغى وهذا تأكيد لقوله أعني الخ. قوله: (لك) أي وحدك كما أفاده تقديم المعمول وكذا في الباقي فتقديم الصلات لذلك والاهتمام. وقوله (شاكراً) أي بلساني وجناني وأركاني بأن اصرف ذلك كله إلى ما خلقته لأجله من دوام الذكر وشهود الجلال والقيام بوظائف الخدمة والعبودية. قوله: (ذاكراً) أي باللسان والجنان بذكر أسمائك وجلائل نعمك ودقائقها فهو كالتأكيد لما علم مما تقرر في الشكر أنه يشمله وكذا يقال فيما بعده. قوله: (راهباً) أي منقطعاً عن
لَكَ مِطْواعاً، إليكَ مُخبتاً أو مُنِيباً، تَقَبَّلْ تَوْبَتي، واغْسِلْ حَوْبَتي، وأَجِبْ دَعْوَتي، وثَبِّتْ حُجتي، واهْدِ قَلْبي، وسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخيمَةَ قَلْبي"
ــ
الخلق متجرداً عنهم متوجهاً إلى الحضور مع الحق. قوله: (مطواعاً) بكسر أوله وسكون ثانية المهمل أي كثير الطوع وهو الطاعة ذكره الطيبي وفي رواية ابن أبي شيبة مطيعاً إليك. قوله: (لك مخبتاً) قيل الأصل إليك كما في {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} وعدل منه إلى اللام تأكيداً لمعنى الاختصاص المتبادر من التقديم والمخبت قال ابن الجزري الخاشع من الإخبات الخشوع والتواضع وقال ابن حجر الهيتمي مخبتاً أي وجل القلب عند ذكرك صابراً على ما أصابني مقيماً للصلاة على ما ينبغي منفقاً مما رزقتني دل على ذلك قوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وأصل الإخبات الطمأنينة ومنه {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} أي اطمأنت نفوسهم إلى امتثال جميع ما برز منه والمخبت الخاشع المتواضع. قوله: (إليك أواها) أتى بإلى في هذا المقام لكونها أظهر تبادراً أو معنى من اللام والأواه
مبالغة من أوه تأويها إذا قال أوه وهو صوت الحزين المتفجع. قوله: (منيباً) أي اجعلني راجعاً إليك عن المعصية إلى الطاعة وعن الغفلة إلى الحضرة. قوله: (تقبل توبتي) أي اجعلها قابلة للقبول. قوله: (حوبتي) بفتح المهملة والحوب بالضم والفتح الإثم كذا في السلاح وغسلها كناية عن إزالتها بالكلية بحيث لا يبقى منها أثر. قوله: (وأجب دعوتي) أي جميع دعواتي كما أفادته الإضافة وذكر لأنه من فوائد قبول التوبة وذكر ابن حجر في شرح المشكاة أن دعوات التائب مستجابة بإعطائها نفسها أو ما هو أفضل منها. قوله: (وثبت حجتي) أي على أعدائك في الدنيا وعند إجابة الملكين في البرزخ وبين يديك عند الحساب يوم القيامة. قوله: (واهد قلبي) أي أوصله إلى دوام مراقبة إطلاعك عليه ثم شهود عظمتك بحيث يكون فانياً عما سواك راغباً في دوام إمدادك ورضاك. وقوله: (وسدد لساني) أي اجعله متحرياً للسداد فلا أنطق إلا بالحق فأكون مصيباً كما أن من سدد ساعده عند رمية سهمه يكون مصيباً غالباً. قوله: (واسْلُل سخيمة صدري)
وفي رواية الترمذي: "أوَّاهاً مُنِيباً" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة، وهي الحقد، وجمعها سخائم، هذا معنى السخيمة هنا.
وفي حديث آخر: "مَنْ سلَّ سَخِيمَتَهُ في طَرِيقِ المُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ" والمراد بها الغائط.
وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله وسنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "قُولي: اللهم إني أسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ ومَا لَمْ أعْلَمْ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الشَرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما عَلِمتُ مِنْهُ وَما لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَما قرَّبَ إلَيهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ
ــ
أي أخرجها من سل السيف أخرج من غمده والسخيمة هنا كما قاله المصنف الحقد وجمعها كما في السلاح السخائم أي أخرج ما في صدري من الحسد والكبر وغيرهما من الأخلاق الرديئة من السخمة وهي السواد ومنه سخائم القدر وإضافتها للصدر لأن مبدأها أي غالباً القوة الغضبية المنبعثة من القلب الذي هو في الصدر وفي رواية ابن أبي شيبة (وقلبي) في موضع صدري. قوله: (وفي حديث آخر) رواه ابن الأثير في النهاية ولم يذكر مخرجه.
قوله: (وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل) ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث عائشة كما في الحصن. قوله: (كله) بالجر على أنه تأكيد للخير وبالنصب على أنه مفعول ثان لأسألك كذا ذكره الحنفي في شرح الحصن والظاهر أن وجه النصب أنه تأكيد لمحل الظرف لا سيما ومن زائدة لإرادة الاستغراق وإلا فيصير التقدير أسألك كل الخير وكذا الحال في قوله عاجله وآجله بحسب تقديرهما كذا في الحرز وفيه نظر لأن شرط زيادة من عند البصريين وهو المختار من تنكير معمولها وتقدم نفي أو شبهه مفقود وحينئذٍ فمن ليست زائدة بل هي إما للبيان أي أسألك مسؤولاً هو الخير كله أو للابتداء أي أسألك خيراً مبدؤه الخير والله أعلم. قوله: (وما لم أعلم) أي منه. قوله: (قرب) بتشديد الراء المهملة أي قربني. قوله: (من قوله أو عمل) بيان للموصول أي سواء كان
وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَما قَرَّبَ إلَيها مِنْ قَولٍ أو عَمَلٍ، وأسألُكَ خَيرَ ما سَألَكَ بهِ عبدُكَ ورَسُولُكَ محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذُ بكَ من شر ما استَعاذَكَ منْهُ عَبدُكَ ورَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأَسألُكَ ما قَضَيتَ لي مِنْ أمرٍ أنْ تَجعَلَ عاقِبَتَهُ رَشَداً" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد.
ووجدت في "المستدرك" للحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهُم إنَّا نَسْأَلُكَ موجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وعزائِم مَغفِرَتِكَ، والسّلامَةَ مِنْ كُلَ إثْمٍ، والغَنِيمَةَ منْ كل بِرٍّ، والفَوْزَ
ــ
بالجوارح أو بالقلب فأو للتنويع. قوله: (ما قضيت لي) أي قضيته فالعائد محذوف حذفه في قوله: أهذا الذي بعث الله ورسولاً وقوله (أن تجعل) مفعول ثان لأسألك و (عاقبته رشداً) مفعولاً جعل، بفتح أوليه وبضم الراء وسكون المعجمة وجهان تقدم بيانهما. قوله:(ووجدت في المستدرك) بفتح الراء وقد تقدم ما يتعلق به في باب فضل الذكر غير مقيد في أول الكتاب، ثم الحديث رواه الطبراني في كتاب الدعاء لكن من حديث أنس وزاد في آخره اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين كذا في السلاح وفي الحرز ما يفهم أن الحديث عند الطبراني في الكبير من غير هذه الزيادة. قوله:(موجبات رحمتك) بكسر الجيم على ما في الأصول المعتمدة والنسخ الصحيحة المعتبرة من الحصن قال في النهاية وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الجنة اهـ. والأولى إبدال الكلمة بنحو الخصلة أو الفعلة كما لا يخفى وقال السيوطي موجبات رحمتك أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق سبحانه لا يجب عليه لأحد شيء اهـ. ووقع في بعض نسخ الحصن بفتح الجيم قال في الحرز والظاهر أنه سهو قلم ولا يبعد أن يقال -أي وإن صحت به رواية- المعنى أسألك الحالات التي أوجبتها رحمتك لكن يؤيد الأول قوله وعزائم مغفرتك أي نسألك أعمالاً تعزم وتتأكد بها مغفرتك على ما في النهاية. قوله: (والسلامة من كل إثم) قال العلقمي قال شيخنا يعني السيوطي قال العراقي فيه جواز سؤال
بالجنةِ والنجَاةَ مِنَ النَّارِ" قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
وفيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ"، مرتين أو ثلاثاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُل: اللهُم مَغْفِرَتُكَ أوسَعُ مِنْ ذُنُوبي
ورَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي"، فقالها، ثم قال: عُدْ، فعاد، ثم قال: "عُدْ، فعاد، فقال؛ قُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ".
وفيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للهِ تَعَالى مَلَكاً مُوَكَّلاً
ــ
العصمة وقد أنكر بعضهم جواز ذلك إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة قال والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة وفي حق غيرهم جائزة وسؤال الجائز جائز إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة وقد يكون هذا هو المراد هنا اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي في شرح العباب الحق ما قاله بعض المتأخرين أنه إن قصد التوقي عن جميع المعاصي والرذائل في سائر الأحوال امتنع لأنه سؤال مقام النبوة وإن قصد التحفظ من أعمال السوء فهذا لا بأس به اهـ. قوله: (وفيه) أي في كتاب الحاكم وقال الحاكم بعد تخريجه رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح وكذا رواه الضياء عن جابر كما في الجامع الصغير. قوله: (مغفرتك أوسع من ذنوبي) أي أن ذنوبي وإن عظمت فمغفرتك أعظم منها وما أحسن قول الإِمام الشافعي:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
…
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وقال الشرف البوصيري:
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت
…
إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها
…
تأتي على حسب العصيان في القسم
قوله: (ورحمتك أرجى عندي من عملي) أي تعلقي برحمتك وإحسانك أشد عندي من تعلقي بعملي من الرجاء والتعلق به لأن العمل لا ينفع صاحبه إلا برحمة الله
بمَنْ يَقُولُ: يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالَها ثَلاثاً قالَ لهُ الملَكُ: إن أرحَمَ الراحمِينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيكَ فَسَلْ".
ــ
كما قال صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته (ومن لطيف ما يحكى) أن بعض النبهاء الإيقاظ حضر مجلس بعض الوعاظ فأصابته سنة من المنام فرأى القيامة قد قامت وقد وقف النّاس للحساب فدعى ذلك الواعظ وأوقف بين يدي الحق تعالى فقال له: يا عبد السوء ما فعلت فيما علمت قال: يا رب علمت العلم من أجلك فقال: لا ولكنك علمت ليقال انطلقوا به إلى النار فاكتنفته الزبانية فصار يلتفت خلفه فأمر الله به فأعيد إلى موقفه الأول ثم قال له يا شيخ السوء ما بالك تلتفت خلفك قال: يا رب ما كان هذا ظني قال وما ظنك فقال وذكر إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل أن الله يستحي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام فقال الله تعالى صدق فلان وصدق فلان وصدق رسولي وصدق وصدقت جبريل اذهبوا به إلى الجنة أو كما قال: فانتبه ذلك النائم من سنته فسمع الشيخ وهو يقول:
حاسبونا فدققوا
…
ثم منوا فأعتقوا
هكذا سيمة الملوك
…
بالمماليك يرفقوا
وأخرج البغدادي في "تاريخ بغداد" في ترجمة يحيى بن أكتم عن محمد بن سلمة الرجل الصالح قال رأيت يحيى بن أكتم القاضي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك فقال: أوقفني بين يديه وقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه فلما أفقت قال لي: يا شيخ السوء فذكر الثانية والثالثة مثل الأولى سواء قال: فلما أفقت قلت: يا رب ما هكذا حدثت عنك فقال الله عز وجل: وما حدثت عني وهو أعلم بذلك قلت: حدثني عبد الرزاق بن همام نا معمر