الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزاد فيه: "أوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَها".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي".
كتاب الاستغفار
ــ
(أو يدخر له من الأجر) أي في الآخرة (مثلها) أي مثل دعوته إن لم يقدر إجابتها. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه كلهم عن أبي هريرة. قوله: (ما لم يعجل يقول قد دعوت فلم يستجب لي) زاد مسلم في رواية له فيستحسر عنه ذلك ويدع الدعاء أي لاستثقاله ومنه يعلم أن المراد بعدم الاستجابة هنا عدم الدعاء الذي هو سبب الاستجابة لأن الاستعجال المذكور يوجب ترك الدعاء كما تقرر وقال بعضهم من كان له ملال من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة اهـ. قال بعض المحققين والمعنى الأول أولى لأن الثاني وإن كان صحيحاً إلا أنه غير مطابق لرواية مسلم تلك نعم قال الحليمي وتبعه الزركشي وغيره من شرط الدعاء أن لا يضجر من تأخير الإجابة لأن المصلحة قد تكون في غيرها ولأن الدعاء عبادة واستكانة وذلك ينافيها والله أعلم.
كتاب الاستغفار
أي سؤال المغفرة وهي التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة عليه إما بترك التوبيخ والعقاب رأساً أو بالتقرير به فيما بين العبد وربه كما في حديث النجوى عن ابن عمر عند البخاري وغيره والمغفرة مأخوذة من الغفر بمعنى الستر ومنه المغفر لما يستر الرأس ويجعل تحت البيضة والأولى بالإنسان الإكثار من الاستغفار مع باقي أركان التوبة من الندم عن الذنب والإقلاع عنه والعزم على ألا يعود إليه قال القرطبي في التفسير قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان فأما من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على معصية فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر وروي عن الحسن البصري أنه قال استغفارنا يحتاج إلى استغفار قلت هذا يقوله في زمانه فكيف في زماننا الذي يرى فيه الإنسان مكباً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف وفي التنزيل {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} اهـ. قلت أخرج البيهقي وابن عساكر حديث التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه الحديث والحاصل أنه يطلب للمستغفر بلسانه أن يكون ملاحظاً لهذه المعاني بجنانه ليفوز بنتائج الاستغفار فإن لم يتيسر له ذلك فيستغفر بلسانه ويجاهد نفسه على ما هنالك فالميسور لا يسقط بالمعسور ولعل ببركة المداومة على الاستغفار باللسان مع المجاهدة أن يفوز بالكمال وقد وقع السؤال هل الأفضل الاشتغال بالاستغفار أو بغيره من باقي الأذكار فقال العارف الكبير الشيخ محمد بن عراق نفع الله به الأنسب بالثوب الوسخ الماء الحار والصابون وبالنظيف الطيب أي وصابون الذنوب الاستغفار وما ذلك الذلة والاستغفار وقال الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الاشتغال بالاستغفار مطلقاً يريد سواء غلبت الطاعات أو المعاصي كما ذكر ذلك في السؤال المرفوع إليه، وفيه بعد والظاهر ما ذكره الشيخ ابن عراق من التفصيل وفي كتاب مسالك الحنفا للقسطلاني نقلاً عن كتاب مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الكريم الفتاح للشيخ شمس الدين البرشنسي بعد كلام ذكره في آداب السالك من طريق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم المريد للسلوك إن سبق منه كثرة آثام وأوزار فليبدأ في سلوكه بكثرة الاستغفار إلى أن تظهر له ثمرته فلكل ذكر ثمرة وعلامة عند أئمة هذا الشأن معتبرة
اعلم أن هذا الكتاب من أهمِّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت
بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين.
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
ــ
فلا يرقى سالك من ذكر إلى ذكر آخر حتى تظهر عليه ثمرته المختصة به فإذا ظهرت عليه شواهد الخشوع ولاح على قلبه أثر الانكسار والخضوع فعند ذلك يؤمر بذكر مصقلة القلب وهي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا إذا كان قد استعمل في المعاصي جوارحه أما إن كان قد شد على العفاف إزاره ولم تستهوه النفس الأمارة فأول ما يلقي إليه الصلاة على الرسول فبها يبلغ المأمول اهـ. قوله: (التي يعتني بها) أي تتوجه العناية إليها لعظيم وقعها. قوله: (ويحافظ على العمل به) معطوف على قوله من أهم الأبواب. قوله: (وقصدت
بتأخيره التفاؤل) بالهمز ويجوز أن يكون في تأخيره الإشارة إلى أن العبد وإن قام بسائر وظائف الأبرار وشعائر الأخيار ينبغي له الملازمة على الاستغفار ورؤيته نفسه بعين الاحتقار وعمله بنظر النقص والصغار ويعتمد على رحمة ربه الغفار. قوله: (أن يختم لنا به) أي بالغفران المسؤول بالاستغفار. قوله: (وسائر المسلمين) أي جميعهم فيكون من عطف العام على الخاص لقصد التعميم أو باقيهم بناء على مجيء سائر بمعنى باقي فيكون من عطف المغاير. قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} هذا وما شابهه نحو {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مما اختلف المفسرون في تأويله فقال ابن عباس: إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أي لو كان وقال غيره المراد ما كان من سهو أو غفلة أو ما تقدم لأبيك آدم مما يشبه الذنب وما تأخر من ذنوب أمتك أو ذنوب أمته فقط والمراد بالذنب ترك الأولى كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين وترك الأولى ليس بذنب في الحقيقة لكنه مشابه له بالنسبة إلى مقام كل الأنبياء في ندرة وقوعه منهم ولقد حقق السبكي هذا المقام بما حاصلة أن الآية لا تحتمل إلا وجهاً واحداً وهو تشريفه من غير أن يكون ذنب وبين ذلك أحسن بيان وأبلغه ثم قال وكيف يتخيل وقوع ذنب منه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ
كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106]
ــ
يُوحَى} وقد اجتمع الصحابة على اتباعه في كل ما يفعله من قليل وكثير وصغير وكبير لم يكن عندهم في ذلك توقف ولا بحث حتى عن أعماله في السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها علم بها أو لم يعلم ومن تأمل أحوالهم معه استحى أن يخطر بباله خلاف ذلك قال بعض المفسرين هذا الأمر للتشريع والاستنان أي إذا طلب منك الاستغفار مع عصمتك من كل ذنب فمن باقي أهل الإيمان المتلبسين بشيء من العصيان أولى. قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ} أي صل متلبساً بالحمد أو نزهه متلبساً بحمده قال في النهر أمره بتنزيهه في هذين الوقتين اللذين النّاس مشغولون فيهما بمصالح المهنة أي ففيه إحياء الوقت الذي يغفل عنه بالذكر والطاعة. قوله: (وللمؤمنين) أي ولذنوب المؤمنين واستغفاره عليه الصلاة والسلام لأهل الإيمان رحمة لهم قال في النهر أحواله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة مع الله تعالى بالتوحيد" أي وإليه الإشارة بقوله: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" أي دم على علمك بتوحيده تعالى ومع نفسه بالاستغفار له ومع غيره بالاستغفار لهم. قوله: {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ} قال القرطبي ذهب الطبراني إلى أن المعنى واستغفر الله في خصامك الجانين فأمره بالاستغفار لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي قال ابن عطية:
وقال تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ
ــ
وليس هذا بذنب لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دافع على الظاهر وهو يعتقد براءتهم وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل ومحلك من النّاس أن تسمع من المتداعين وتقضي بنحو ما تسمع وتستغفر للذنب وقيل هو بالاستغفار على طريق التسبيح كالرجل يقول استغفر الله على وجه التسبيح من غير أن يقصد توبة من ذنب وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بنو أبيرق كقوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ} اهـ. قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} خبر مبتدؤه (جنات) والجملة مستأنفة جواب كلام مقدر كأنه قيل ما الخيرية فقال {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} وقريء جنات بالخفض فيكون بدلاً من قوله بخير ويكون قوله للذين متعلقاً بقوله خير فلا يكون استئناف كلام وذكر من أوصاف الجنة أنها تجري من تحتها الأنهار والأزواج التي هي من أعظم الشهوات ووصفهن بالتطهير أي من الحيض وغيره من المستقذرات وأتبع ذلك بأعظم الأشياء وهو الرضى الكثير المعبر عنه بالرضوان بكسر أوله وضمه لغتان فانتقل من عال إلى أعلى منه. وقوله: {خَالِدِينَ} حال مقدرة أي مقدرين خلودهم فيها إذا دخلوها وقوله {وَاللَّهُ بَصِيرٌ} أي عالم (بالعباد) فيجازي كلاً منهم بعمله ففيه وعد ووعيد ولما ذكر المتقين ذكر أشياء من صفاتهم فقال ({الَّذِينَ يَقُولُونَ} الخ) ويصح أن يكون الموصول بدلاً من الذين قبل هذا كله على كونه مخفوضاً ويصح إعرابه بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هم وبالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف أي امدح الذين وبدأ من الصفات بالإيمان الذي هو رأس التقوى أي صدقنا بك وبرسلك ورتب على الإيمان سؤال المغفرة ووقاية عذاب النار ولما ذكر الإيمان بالقول أخبر بالوصف الدال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف وهو الصبر أي على الطاعة وعن المعصية ثم ذكر صدقهم فيما أخبروا به من قولهم: ربنا
وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 15 - 17]{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]
ــ
آمنا وقنوتهم أي طاعتهم (والمنفقين) أي المتصدقين في الطاعات وقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} قال القرطبي واختلف في معناه فقال أنس بن مالك: هم السائلون المغفرة وقال قتادة المصلون قلت: ولا تناقض فإنهم يصلون ويستغفرون اهـ. وخص السحر وهو آخر الليل بالذكر لأنه وقت الغفلة ولذة النوم ولأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء قال صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام: " {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} أخر ذلك إلى السحر" رواه الترمذي وفي الحديث الصحيح ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حتى يضيء الثلث الأول الحديث رواه مسلم وسبق في باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من الليل، قال القرطبي: الاستغفار مندوب إليه وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة وروي عن أنس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتجهدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم" وقال مكحول: إذا كان في أمة خمسة عشر رجلاً يستغفرون الله كل يوم خمساً وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة ذكره أبو نعيم في كتاب الحلية اهـ. قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} لأن العذاب إذا نزل عم قال ابن عباس لم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وهذه الجملة نزلت بمكة إلى قوله بعذاب أليم وهذا من أصول قولهم:
لعين تجازي ألف عين وتكرم
فدفع الله العذاب عن الكافرين كرامة لسيد الأحباب وحلوله بين أظهرهم ولما خرج منهم صلى الله عليه وسلم وبقي فيهم المؤمنون يستغفرون نزل قوله {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال ابن عباس: كانوا يقولون في الطواف غفرانك والاستغفار وإن وقع من الفجار يدفع به ضرب من
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا
ــ
الشرور والأضرار وقيل: إن الاستغفار هنا يراد به الإسلام أي وما كان الله معذبهم وهم يسلمون قاله مجاهد وعكرمة وقيل: وهم يستغفرون أي في أصلابهم من يستغفر الله روي عن مجاهد أيضاً، وقيل: وهم يستغفرون استدعاء لهم للاستغفار أي لو استغفروا لم يعذبوا قاله قتادة وابن زيد قال القرطبي قال المدائني عن بعض العلماء: كان رجل من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مسرفاً على نفسه لم يكن يتحرج فلما توفي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف ورجع عما كان عليه وأظهر الدين والنسك فقيل له: لو فعلت هذا والنبي صلى الله عليه وسلم حي لفرح بك قال: كان لي أمانان فمضى واحد وبقي الآخر قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} فهذا أمان والثاني: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قوله {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} ذنباً قبيحاً كالزنى. وقوله: {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي بما دون ذلك كالقبلة وقيل هي بمعنى الواو {ذَكَرُوا اللهَ} أي ذكروا وعيده {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أي سألوا الغفران لأجل ذنوبهم وكل دعاء فيه هذا المعنى أو لفظه فهو استغفار. وقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} أي لا يغفر الذنوب {إِلَّا اللَّهُ} وقوله {وَلَمْ يُصِرُّوا} معطوف على استغفروا وجملة {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} الخ معترضة بين المتعاطفين وحكمة الاعتراض بها ترقيق النفس والدعاء إلى رجاء الله تعالى وسعة عفوه واختصاصه بغفران الذنب، والإصرار على الذنب المداومة عليه وقيل: الإصرار العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع ومنه صر الدينار ربط عليه وقال سهل بن عبد الله: الإصرار التسويف أي يقول: أتوب غداً وهذا دعوى النفس كيف يتوب غداً وغداً لا يملكه وقيل: الإصرار أن ينوي ألا يتوب فإذا نوى التوبة خرج عن الإصرار قال القرطبي وقول سهل أحسن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا توبة مع الإصرار" قال العلماء الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار وما ذكره سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين
وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]
ــ
ومن عذاب النار وأوعد به العاصين فمن أدام ذلك قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغباً ورهباً والرغبة والرهبة ثمرة الرجاء والخوف يخاف من العقاب ويرجو الثواب وقيل الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه الله من أراد سعادته بقبح الذنب وضرره إذ هو سم مهلك ولا مخالفة في الحقيقة فإن الإنسان لا يتفكر في الوعد والوعيد إلا بالتنبيه الإلهي فإذا نظر بتوفيق الله إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها وانبعث منه الندم على ما فرط وترك مثل ما سبق مخافة عقوبته تعالى صدق عليه أنه تائب فإن لم يكن كذلك فهو مصر على المعصية ملازم لأسباب الهلكة قال سهل: علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب كالثلاثة الذين خلفوا وقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قيل: أي يذكرون بذنوبهم فيتوبون منها قال النحاس وهذا قول حسن، وقيل: وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار، وقيل: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم وقيل يعلمون أنهم إن يستغفروا غفر الله لهم، وقيل: يعلمون بما
حرمت عليهم وقيل: يعلمون إن الإصرار ضار وإن تركه خير من التمادي قاله ابن عباس وغيره وقال الحسن بن فضيل: وهم يعلمون أن لهم رباً يغفر الذنوب وهذا أخذه من حديث مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: "أذنب عبدي ذنباً" فقال: "اللهم اغفر لي ذنبي" فقال تبارك وتعالى: "أذنب عبدي" علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ثم عاد فأذنب فقال: "أي رب اغفر لي ذنبي" فذكر مثله مرتين وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، قال القرطبي في الحديث دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب لأن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة فالعود إلى التوبة أحسن منها لأنه انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم وإنه لا غافر للذنب سواه وقوله في آخر الحديث: اعمل ما شئت أمر معناه الإلزام في أحد الأقوال فيكون من باب قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
…
} الآية [هود: 3]
ــ
بأنه مغفور له ما سلف عن نبه ومحفوظ إن شاء الله فيما يستقبل من شأنه ودلت الآية والحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه" أخرجاه في الصحيحين اهـ. وهذه الآية تقدم الكلام على جمل مما يتعلق بها في باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح. قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا} ذنباً يسوء به غيره كما وقع ممن رمى طعمة اليهودي بسرقة الدرع {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بعمل ذنب قاصر عليه {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ} منه أي يتب {يَجِدِ اللهَ غَفُورًا} له {رَحِيمًا} به وفي قوله: يجد الله الخ مبالغة في الغفران والرحمة كأن المغفرة والرحمة معدان لطالبهما مهيآن له متى طلبهما وجدهما وجاء جواب الشرط مصرحاً فيه باسم الله ولم يأت بالضمير لما في لفظ الله من الجلالة والتعظيم مما ليس في الضمير ولما تقدم شيئان عمل السوء وظلم النفس قابلهما بوصفين هما المغفرة لعامل السوء والرحمة لمن ظلم نفسه كذا في النهر. قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي استغفروه من الشرك ثم توبوا ارجعوا إليه بالطاعة وقيل: استغفروه من سوالف الذنوب وتوبوا إليه من المستأنفة متى وقعت منكم ويحتمل أن يكون استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر اهـ. وقيل: العطف تفسيري فالاستغفار هو التوبة والتوبة هي الاستغفار قال بعض العلماء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. قوله {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} ثمرة الاستغفار والتوبة أي يمتعكم بالمنافع في الدنيا من سعة الرزق ورغد العيش ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن قبلكم، المتاع الحسن ترك الخلق والإقبال على الخالق وقيل هو القناعة بالموجود وترك الحزن على المفقود "وقوله {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} " قيل: هو الموت وقيل: القيامة وقيل: دخول الجنة والمتاع الحسن على هذا وقاية كل مكروه وأمن كل مخوف مما يكون في القبر وغيره من أهوال يوم القيامة وكربها والأول أظهر لقوله في الآية الأخرى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية
وهذا منقطع بالموت وهو الأجل المسمى "قوله {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} " أي يؤت كل ذي عمل عمله من الأعمال الصالحة
وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى الله عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى الله عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
…
} [هود: 52] والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكرناه.
وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار، فلا يمكن استقصاؤها لكني أشير إلى أطراف من ذلك.
روينا في "صحيح مسلم" عن الأغرّ المزنيّ رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْم مائَةَ مَرَّةٍ".
ــ
جزاء عمله وغير ذلك. قوله: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أي من الشرك "قوله {يُرْسِلِ السَّمَاءَ} " أي المطر وكانوا قد منعوه "وقوله مدراراً" أي كثير الدر متتابعاً يتلو بعضه بعضاً "قوله ويزدكم" عطف على يرسل "وقوله {قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} " قال مجاهد: شدة إلى شدتكم وقال الضحاك: حصناً إلى حصنكم وقال علي بن عيسى: عزاً إلى عزكم قيل الله تعالى حبس عنهم المطر ثلاث سنين أو أعقم الأرحام ثلاث سنين فلم يولد لهم ولد فقال هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد فتلك القوة وقال الزجاج المعنى: يزدكم قوة في النعم. قوله: (استقصاؤها) أي طلب أقصاها والمراد أنه يعسر حصرها.
قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وليس للأغر في الكتب الستة سوى هذا الحديث اهـ. زاد في الجامع الصغير ورواه أحمد. قوله: (عن الأغر المزني) قال العامري في الرياض (إنه ليغان على قلبي) إن فيه شانية والظرف نائب الفاعل أي يحصل له غين وقوله (وإني) أي حينئذٍ (لأستغفر الله) أي أطلب منه مغفرة لائقة بهذا المقام وهذا من على كماله صلى الله عليه وسلم إن ذلك الغين الذي كان يحصل له صلى الله عليه وسلم ليس المراد به ظاهره وحقيقته من الغيم الرقيق ولذا كثر الاختلاف فيه على آراء كثيرة منها ليطبق إطباق الغين وهو الغيم ومنها ما قال عياض إن المراد به فترات وغفلات عن الذكر الذي شأنه الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه ومنها أنه همه صلى الله عليه وسلم بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالهم بعده فيستغفر لهم، ومنها أنه السكينة التي تغشى قلبه قال تعالى:{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} فالاستغفار
وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "واللهِ إني
ــ
شكر لها قال المحاسبي خوف المقربين إجلال وإعظام ومنها أنه من المتشابه الذي لا يخاض في معناه وقد سئل عنه الأصمعي فقال: قلب من هذا فقيل له قلب النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع من الكلام عليه تأدباً معه صلى الله عليه وسلم وإجلالاً لقلبه الذي جعله الله محل نظره ومنزل وحيه فهو مشرب سد عن أهل اللسان موارده وفتح لأرباب السلوك مسالكه ولذوي العرفان مصادره فأحق من يعبر عنه مشايخ الطريق الجامعون بين الحقيقة والشريعة لأن الحق طهر أسرارهم ونور بصائرهم بخلاف غيرهم، وممن تكلم على ذلك الشيخ عبد القادر الجيلاني فقال إنه صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقيات في الفيوض الإلهية والرتب العطائية فكلما ارتقى لمرتبة ونظر ما قبلها عده كالذنب فاستغفر منه، وبمعناه قول الشيخ القطب أبي الحسن الشاذلي أنه عين أنوار لا غين أغيار، وبيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل أنوار الشهود ومعارج القرب تتوالى على قلبه المطهر المبرأ من كل وصمة نقص أو غفلة أو تأثر بغير أو سوى فيترقى من مقام هو فيه إلى أعلى منه وهكذا ومن المعلوم أن المترقي إلى مقام أعلى ينظر إلى ذلك المترقى عنه وما فيه من فوات الخصوصية التي في الأعلى الذي ارتقى إليه فيعده حينئذٍ مما يستغفر منه أي يطلب ستره عنه بدوام ترقيه إلى أعلى منه وهكذا فالغين لا نقص
فيه بوجه وإنما هو نور ومقام انتقل عنه إلى نور ومقام أعلى وأجمل فتأمله فإنه أولى ما قيل في هذا المقام كذا لخص من فتح الإله مع زيادة ما ذكر عن الشيخ عبد القادر عليه والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال في السلاح ورواه النسائي وابن ماجه وزاد في الحصن ورواه الطبراني في الأوسط ورواه النسائي عنه في الأوسط أيضاً عن أنس وابن أبي شيبة عن أبي هريرة أيضاً بلفظ مائة مرة. قوله: (والله) هو قسم لتأكيد المقسم عليه ليتبادر إلى التأسي به في ذلك وهو حينئذٍ سنة لأنه يحمل على طاعة وللوسائل حكم المقاصد وكون النّاس يتبادرون إلى التأسي به وإن لم يقسم عليه
لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليهِ في اليَوْمِ أكْثَرَ منْ سبْعِينَ مرَّةً".
وروينا في "صحيح البخاري" أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفارِ أنْ يقولَ العَبْدُ: اللهُم أنتَ ربي لا إله إلَاّ أنْتَ خَلَقْتَني وأنا عبدُكَ، وأنا على عهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعْتُ، أعُوذُ بكَ من شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بنِعْمَتِكَ علي، وأبُوءُ بذَنْبي، فاغْفِر لي فإنهُ لا يَغْفِرُ
ــ
لا يمنع زيادة تأكيد الأمر عندهم بالقسم وزيادة المبادرة إليه بعده وبتسليم أن القسم لا يفيد شيئاً من ذلك بالنسبة إليهم ففائدته تعليمهم ندب الإقسام في مثل ذلك. قوله: (لأستغفر الله) أي أطلب منه مغفرة تليق بمقامي المبرأ عن كل وصمة ذنب أو مخالفة ولو سهواً أو قبل النبوة وتقدم في باب أذكار الصلاة زيادة حكم في استغفاره صلى الله عليه وسلم مع عصمته من الذنب مطلقاً ومما لم يذكر ثم ما ذكره بعضهم فقال: يحتمل أن الاستغفار له صلى الله عليه وسلم من الأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو مخالطة النّاس والنظر في مصالحهم ومحاربة أعدائهم تارة ومداراتهم أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما لم يحجبه من الاشتغال بذكر ذي الجلال على وجه الكمال ومن التضرع إليه ومن الحضور والاستغراق لديه ومن المشاهدة والمراقبة عليه فيرى ذلك بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حضرة القدس ومجلس الإنس ذنباً اهـ. ويحتمل أن يكون استغفاره من ذنوب الأمة فهو بمنزلة الشفاعة لهم اهـ. قوله: (وأتوب إليه) أي أرجع رجوعاً يليق بي إليه أي إلى شهوده منتقلاً من شهود جمع إلى شهود فرق وبالعكس وهكذا أو إلى سؤاله أو الحضور والصغار بين يديه وحملت التوبة في حقه صلى الله عليه وسلم على ما ذكر لعصمته من كل عيب ووصمة فالتوبة في حقه صلى الله عليه وسلم رجوع إلى ربه يليق بكماله وقربه ولم يحد صلى الله عليه وسلم ما ذكر بعدد مخصوص بل قال (أكثر من سبعين مرة) لأن موجب الاستغفار والتوبة اللائقين به لا ينحصر لأنهما يتكرران بحسب الشهود والترقي كما تقدم في الحديث قبله.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) تقدم الكلام على تخريجه وما يتعلق
الذنُوبَ إلَا أنتَ، مَنْ قالَهَا بالنَّهَارِ مُوقِناً بِها فَمَاتَ من يَوْمِهِ قبلَ أنْ يُمسِيَ فَهُوَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ، ومَنْ قالَهَا مِنَ الليلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قبلَ أنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجنَّة" قلت: أبوء: بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرُّ وأعترف.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى
عنهما قال: "كنا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: "ربِّ اغْفرْ لي وتُبْ عليَّ إنَّكَ أنْتَ التوَّابُ الرحِيمُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه عن عباس رضي الله
ــ
بمعناه في باب أذكار المساء والصباح. قوله: (وروينا في سنن أبي داود
…
وابن ماجه) قال في السلاح رواه الأربعة
وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح غريب وهذا لفظ أبي داود وعند الترمذي والنسائي وابن ماجه التواب الغفور وفي رواية للنسائي: اللهم اغفر لي وارحمني وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور اهـ. ووقع مثله في نسخة مصححة من الحصن رمز لرواية الرحيم برمز أبي داود وابن حبان ولرواية التواب الغفور برمز باقي الأربعة وبه يعلم ما في عزوه بلفظ التواب الغفور وقال في أوله إنا كنا لنعد والباقي سواء وقال رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه اهـ. وفي عزوه بهذا اللفظ لتخريج أبي داود نظر يعلم من كلام السلاح والحصن. قوله: (نعد) بفتح النون وضم العين وتشديد الدال أي نحصي. قوله: (مائة مرة) بالنصب مفعول مطلق. قوله: (رب اغفر لي الخ) الجملة في محل نصب مفعول نعد وقوله: (وتب علي) أي ثبتني على التوبة أو ارجع عليّ بالرحمة بتوفيق الطاعة. قوله: (التواب) أي وهاب التوبة وموفقها وقابلها ومثيبها و (الرحيم) أي كثير الرحمة على أهل الطاعة والراجعين عن المعصية والغفلة.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود وابن ماجة) هذا لفظ أبي داود ورواه أيضاً النسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولفظ هذين من أكثر الاستغفار كذا في السلاح وفي المشكاة ورواه أحمد وزاد المنذري في الترغيب ورواه البيهقي كلهم من
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَمنْ كُل هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفسي بيدِهِ
ــ
رواية الحكم بن مصعب وقال الحكم بن مصعب صويلح الحديث لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم فيما أعلم وذكره ابن حبان في الثقات والضعفاء أيضاً وقال: يخطيء اهـ. قوله: (من لزم الاستغفار) أي شغل به أوقاته لم يرد لها ذكر مخصوص لما تقدم أن كل ذكر خص بوقت أو حال يكون فيه أفضل من غيره حتى القرآن ولا بد من هذا التقييد فإن مقتضى ظاهر عموم الحديث من ترك النّاس جميع الأذكار المخصوصة بوقت أو حال والاشتغال بالاستغفار يأباه قواعد الشريعة. قوله: (من كل ضيق) إن علقت من يجعل فهي بمعنى في وإن علقت بمخرجاً كانت لابتداء الغاية، والضيق أعم من أن يكون في رزقه أو غيره. قوله:(مخرجاً) أي سبباً يخرجه منه. قوله: (ومن كل هم) هو ما يطرق الإنسان عند فوات دين أو دنيا. وقوله: (فرجاً) أي يكشف عنه ذلك الهم والأول مستمد من قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} إذ الغالب على من لزم الاستغفار التقوى ومستمد من قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الآية والثاني كالمؤكد للأول إذ الفرج من كل هم من جملة المخرج من كل ضيق فهو إطناب فيكون داخلاً في الاقتباس والاستمداد المذكورين ومن ثم لما شكا جمع للحسن الجدب والفقر وقلة المسيل وقلة ربيع الأرض أمرهم كلهم بالاستغفار فقيل له شكوا إليك أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلا الآية. قوله: (من حيث لا يحتسب) أي من جهة لا يؤمل فيها رزقاً والرزق
حينئذٍ فيه غاية اللذاذة والفرح للنفس وهذا مؤكد أيضاً كالذي قبله. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) قال في السلاح تفرد به مسلم. قوله: (والذي نفسي بيده) أي إيجادها وإمدادها بقدرته وقوته وأقسم بهذا ليترسخ المقسم عليه في أذهان المؤمنين فلا
لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، ولجَاءَ بقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَستغفِرُونَ
ــ
يلتفتوا إلى من خالف فيه فزعم أنه تعالى لم يرد منهم صدوره كالمعتزلة ومن سلك مسلكهم لنظرهم القاصر الخائب إلى الظاهر أنه مفسدة صيره غفلة عن سره أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو سبب محبة الله تعالى لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وحديث لله أشد فرحاً بتوبة عبده وغيره من الأحاديث. قوله: (لو لم تذنبوا) معشر المكلفين بأن خلقتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة والأنبياء من العصمة المطلقة عن الذنوب بأسرها صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها. قوله: (لذهب الله بكم) أي لأن وجودكم حينئذٍ يخالف الحكمة الإلهية التي أرادها من خلقكم غير مجبولين على ذلك وهي إظهار صفة الكرم والحلم والعفو والغفران التي دلت عليها أسماؤه الكريم الحليم العفو الغفور ونحوها إذ لو لم يوجد ذلك لا نخرم طرف من صفات الألوهية والله تعالى يتجلى لعباده بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف فالملائكة لما نظروا إلى صفات الجلال والقهر قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} والله تعالى لما نظر إلى صفات الإكرام واللطف قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} راداً على الملائكة في طلبهم خلق معصومين غيرهم قال بعضهم لعل السر في هذا الحديث أن الملائكة خلقوا معصومين والشياطين غير مستغفرين عن السيئة وغير قابلين للمغفرة فلا بد من برزخ جامع بين حصول المعصية وحصول المغفرة وهذا حال عوام المسلمين فإن الأنبياء معصومون كالملائكة والكفار لا يقبلون الغفران كالشياطين المردة. قوله: (ولجاء بقوم) الباء فيه وفيما قبله للتعدية أي لأذهبكم وأفناكم وأظهر قوماً آخرين يمكن وقوع الذنب منهم فيتجلى عليهم بكرمه على مقتضى حكمته المفردة. قوله: (فيستغفرون) أي يتوبون إليه أو يقع منهم الاستغفار وإن لم توجد منهم توبة كما يؤذن به إطلاقه فعلم مما ذكر أنه لا يتوهم من الحديث أن فيه تسلية للمنهمكين في الذنب وقلة احتفالهم بمواقعته وقد بعثت الأنبياء بالردع عن غشيانه إنما فيه بيان عظم عفو الله عن المذنبين وحسن تجاوزه
اللهَ تعالى فَيَغْفِرُ لَهُمْ".
وروينا في سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعوَ ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً" وقد تقدم هذا الحديث قريباً في "جامع الدعوات".
وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن مولىً لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ
ــ
عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار وبيان أنه تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب التجاوز عن المسيء كما دل عليه أسماؤه الغفار الحليم التواب العفو فإنها تستدعي وجود من يغفر له ويحلم عنه ويتوب عليه ويعفو عنه فلم يجعل العباد كلهم كالملائكة لئلا تتعطل تلك الصفة وقد روي أن بعض الأولياء ترقب خلو المطاف مدة فخلا في ليلة ظلماء ودعا وكان من دعائه العصمة من الوقوع فسمع هاتفاً يا فلان أنت تسألني العصمة وكل أحد يسألني العصمة فإذا عصمتكم فعلى من أتكرم، فجعل الله تعالى من هذا النوع الإنساني من يكون ميالاً بطبعه إلى الهوى منهمكاً في المعاصي ثم حذره عنه ورغبه في التوبة ليوجد آثار تلك الصفات التي مظاهرها أكثر من مظاهر ضدها وفي الحديث القدسي:"إن رحمتى سبقت غضبي" أي باعتبار كثرة مظاهرها
وغلبتها لصفات الانتقام. قوله: (وقد تقدم هذا الحديث قريباً في جامع الدعوات) قدمه الشيخ في باب استحباب تكرير الدعاء من كتاب جامع الدعوات إذ هو معقود لذكر الجوامع من الدعوات الغير المقيدة بوقت ولا حال ولا آداب وشروط. قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) في الجامع الصغير رمز الضعف على هذا الحديث وكأنه لأن مولى أبي بكر المذكور في السند مبهم. قوله: (ما أصر من استغفر) يحتمل أن المراد من الاستغفار التوبة فنفي الإصرار حينئذٍ ظاهر وأن المراد به لفظه مع الذلة والاستغفار لنفسه لأنه مع ذلك قد يمحو الذنب كما علم مما مر وهذا بالنسبة لأحكام الآخرة أما بالنسبة لأحكام الدنيا فلا يزيله إلا التوبة كما يعلم مما يأتي من مقابلتهم أفراد المعصية بأفراد الطاعة
وإنْ عادَ في اليوْمِ سَبعِينَ مرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي.
وروينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللهُ تَعالى: يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ
ــ
حيث لا توبة وإن كان هناك استغفار بأي وصف كان وقوله: (وإن عاد الخ) إن فيه وصلية وسبب فقد الإصرار مع الاستغفار وإن حصل التكرار إن الاستغفار قد يمحص ما عليه واختلف العلماء فيمن أصر على الصغيرة من نوع أو أنواع بأن تكررت منه من غير توبة هل تصيرها كبيرة أو لا قال ابن حجر في شرح المشكاة الأصح أنه لا يصيرها كبيرة بل إن تكررت بحيث غلبت أفراد معاصيه أو استويا اختلت عدالته ولم تقبل روايته ولا شهادته وإن غلبت أفراد طاعاته فعدالته باقية فتقبل روايته وشهادته وما وقع منه من الصغائر متكرراً لا يؤثر في عدالته لأنه مغمور ومغلوب بالنسبة لطاعاته وهذا التفصيل مراد ابن عبد السلام بقوله إذا تكررت منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة ردت شهادته وروايته بذلك وكذا إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع حيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر اهـ. فالإشعار المذكور لما لم يكن له ضابط بين ضابطه غيره بما قلناه من النظر لأفراد الطاعة وأفراد الصغائر المتكررة هذا كله حيث لم يرتكب كبيرة وإلا فسق وردت شهادته وروايته بالمرة الواحدة اتفاقاً ما لم يتب منها توبة صحيحة اهـ.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال في المشكاة ورواه أحمد والدارمي عن أبي اهـ. وفي السلاح ورواه أبو عوانة في مسنده الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه وقال السخاوي في تخريج الأربعين الحديث النووية بعد تخريجه من طرق مدارها على أبي منصور محمد بن إسماعيل الأشعر هذا حديث حسن أخرجه الترمذي بطوله وقال إنه حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قلت لكن قد وقع لي بعضه من وجه آخر رويناه في كتاب أوقات السؤال والتضرع إلى الله في طلب النوال لابن فتحويه قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة حدثنا عبد الله بن محمد بن وهب
حدثنا أبو غسان روح
ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غَفَرْتُ لكَ ما كانَ مِنْكَ وَلا أبالي، يا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ
ــ
بن حاتم حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي حدثني عقبة بن عبد الله الرفاعي حدثني الجعد أبو عثمان اليشكري سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: "ابن آدم تعرف إليَّ في الرخاء أعرفك في الشدة يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي يا بن آدم ادعني استجيب لك من ذا الذي دعاني فلم أجبه من ذا الذي سألني فلم أعطه من ذا الذي استغفرني فلم أغفر له إني أنا الغفور الرحيم" وسنده ضعيف والأول أصح اهـ. قوله: (ما دعوتني) أي بالمغفرة بدليل الجواب ويصح الإطلاق هنا ويكون جوابه محذوفاً أي استجبت لك دل عليه ما بعده وقيل معنى ما دعوتني أي ما دمت تعبدني أو تسألني فإن الدعاء قد فسر في القرآن بهما وما مصدرية ظرفية. قوله: (ورجوتني) أي رجوت مغفرتي. وقوله: (غفرت ذنوبك) أي وإن كثرت وعظمت حتى في حال كونك مستمراً (على ما كان منك) أي على العيب الذي كان. وقوله: (ولا أبالي) جملة حالية والمراد لا أبالي بالمغفرة مع وجود مقتضى الغضب من التلبس بالعيب والاستمرار عليه وذلك لأني لا أسأل عما أفعله مع أن كون "رحمتي سبقت غضبي" يقتضي هذا التفضل الواسع، فإن قلت ثبت أنه جف القلم بما هو كائن فالدعاء لا ينقص ولا يزيد شيئاً وأيضاً المطلوب إن كان مصالح العبد فالجواد المطلق لا يبخل به وإن لم يكن منها فلم يجز طلبه وأيضاً الرضا بالقضاء باب الله الأعظم والاشتغال بالدعاء ينافيه، قلت: الدعاء من شعار المرسلين ودثار الصالحين وباب الصديقين والقرآن والحديث ناطق بصحته. قوله: (لو بلغت ذنوبك) أي وصلت والذنوب جمع ذنب وهو الإثم أي ولو تجسمت إجراماً ملأت ما بين السماء والأرض وإضافة (عنان) أي سحاب إلى (السماء) مع أنه لا يكون سحاب لغير السماء إما من باب فخر عليهم السقف من فوقهم من أنه تصوير لارتفاع شأن الحساب وأنه بلغ مبلغ السماء أو من باب وما من دابة في الأرض ولا طائر {ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} مع أن الدابة لا تكون إلا في الأرض والطير
ثُمَّ استَغْفَرْتَني غَفَرْتُ لكَ، يا ابْنَ آدَمَ لَوْ أتَيْتَني بقُرَابِ الأرضِ خَطَايا ثُم أتَيْتَني لا تُشْرِكُ بِي
ــ
لا يطير إلا بجناحيه من أن المراد به تأكد النص على النعمة وبهذا يندفع قول بعضهم هذه الإضافة غير فصيحة وأرى الصواب أعنان السماء أي صفائحها وما اعترض من أقطارها لأنه جمع عنن بالتحريك فلعل الهمزة سقطت من بعض الرواة أو أراد العنان بمعنى العنن اهـ. ووجه اندفاعه أن رواية عنان بلا ألف وكونه السحاب مما أطبقوا عليه فتغليط الرواة أو زعم أنه بمعنى العنن ليس كل منهما في محله على أن في توهيم الرواة بمجرد عدم فهم المعنى ما لا يرتضيه محصل ويندفع السؤال أيضاً بأن السماء تطلق على الجرم المعهود وعلى كل ما ارتفع كالسحاب فالإضافة حينئذٍ بيانية أي سحاب هو السماء أو بأن السحاب الذي هو الجرم المعروفة بين السماء والأرض يقرب من الأرض تارة ومن السماء أخرى وتارة يكون بينهما على حد السواء كما أخبر به من رآه كذلك من الثقات والمراد الثاني لأنه أبلغ في المعنى المسوق له الحديث من شمول المغفرة للعظائم ولا يفيده إلا الإضافة فتعينت ولم يكن مستغنى عنها ذكر ذلك بعض المحققين. قوله: (ثم استغفرتني) أي سألت مني الغفران سواء كان مع التوبة فتكون المغفرة واجبة
بوعده تعالى أولاً فيكون مرجحاً قوياً. قوله: (غفرت لك ولا أبالي) كرره مبالغة في الرد على المعتزلة. قوله: (خطايا) أصله خطايئ كمصانع فعند سيبويه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان فأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفاً وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل ما ذكر وخطايا تمييز من الذات المقدرة في الإضافة نحو ملأه عسلاً أو مفعول به والباء للتعدية. قوله: (ثم لقيتني لا تشرك بي) أي مت على الإيمان وثم للتراخي في الأخبار إذ عدم الشرك منه مطلوب أولاً ولذا أعاد لقيتني وعلقه به وإلا لكفى لو لقيتني والحال إنك
شَيئاً لأتيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة، وقيل: العنان: ما عنَّ لك منها، أي ما اعترض وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض، فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يقارب ملأها، وممن حكى كسرها صاحب "المطالع".
ــ
لا تشرك بي أي بذاتي وصفاتي وأفعالي أو بعبادتي (شيئاً) من النفس والشيطان والخلق إذ الشرك قسمان جلي وخفي والأول غير مغفور بشهادة {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} والثاني يحبط العمل ويعاقب به إلا أنه يغفر قال تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وجعله بعضهم من تعدد الأحوال قال فقوله: إنك ما دعوتني أي بلسانك ورجوتني أي بجنانك غفرت لك ما كان منك أي من تقصير في أركانك أو تكاسل في إحسانك ولا أبالي أي من أحد إذ لا يسأل عما يفعل ولا معقب لحكمه والشرك مستثنى بشهادة {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} أي إلا بالتوبة منه بالإسلام ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء أي بالتوبة ودونها وهذا للمقصرين من السابقين، وقوله: يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني أي ظاهراً وباطناً بالتوبة غفرت لك وهذا شامل لجميع المذنبين من الظالمين، وقوله: يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض الخ إشارة إلى مرتبة المخلصين الصديقين، قوله: لأتيتك بتاء الفاعل أي لجئتك وهذا الحديث ختم به المصنف الأربعين الحديث التي جمعها قال بعض الشراح ختم هذا الكتاب بهذا الحديث البديع والكلام الرفيع إشعاراً بأنه يجب على العبد أن يعتقد في مولاه الفضل والإحسان والمغفرة والامتنان وأن يحسن ظنه بربه آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالعقبى فإنه سبحانه هو التواب الرحيم الكريم الغفار العظيم. قوله: (قراب) بضم القاف قال ابن الجزري مصدر قارب يقارب وتعقبه في الحرز بأن مصدر قارب إنما هو قراب بكسر القاف كقاتل قتالاً أما الفعال بالضم فهو للمبالغة كعجاب مبالغة عجيب اهـ. قوله: (والضم هو المشهور) في الرياض للمصنف والضم أشهر. قوله: (وممن حكى الكسر صاحب المطالع) الظاهر أن مراد صاحب المطالع أن الكسر
وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد عن عبد الله بن بُسْر -بضم الباء وبالسين المهملة- رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبَى لِمَنْ وَجدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَاراً كَثِيراً".
وروينا في سنن أبي داود والترمذي
ــ
لغة في ذلك المعنى لا مصدر قارب فإنه لا يظهر معناه في هذا المقام قد حكي الكسر في القاموس أيضاً وعبارته القراب كسحاب بمعنى القرب وقراب الشيء بالكسر وقرابه بالضم ما قارب قدره.
قوله: (وروينا في سنن ابن ماجه بإسناد جيد) وفي مسند الفردوس ورواه الطبراني ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح وفي المشكاة ورواه النسائي أيضاً في عمل اليوم والليلة ورواه البيهقي أيضاً.
قوله: (طوبى) فعلى من الطيب قلبت ياؤه واواً لسكونها وانضمام ما قبلها في الصحاح يقال: طوبى لك وطوباك اهـ. وفي التنزيل {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فقيل: طوبى اسم شجرة في الجنة وقيل: اسم الجنة على ما ذكره في النهاية وقيل: كلمة إنشاء لأنه دعاء معناه أصاب خيراً والأظهر أن معناه الحالة الحسنى. قوله: (لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) عدل إليه عن استغفر كثيراً مع أنه أخصر منه لأنه لا يلزم من الاستغفار وجوده في الصحيفة التي هي صحيفة الخير لأنه قد يقترن به مانع يسقطه كالرياء بخلاف وجوده في الصحيفة فإنه يستلزم خلوه من اقتران مانع به، قال المتقي السبكي الاستغفار سؤال الغفران باللسان أو بالجنان أو بهما فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد فعل الخير والثاني نافع جداً والثالث أبلغ منه لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة اهـ. وهذا الذي ذكره من كون الاستغفار إنما يحصل به التكفير للذنوب عند التوبة منها أطال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة في بيانه ورد على من خالفه وحاصل ما فيه أن المغفرة الناشئة عن سبب وظف لها الشارع التوبة ولا يقوم الاستغفار المجرد عنها مقامها وأما المغفرة الناشئة لا عن سبب فتحصل بالاستغفار المجرد عنها وبغيره من عمل البر ومحض الفضل والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في السلاح بعد إخراجه من حديث زيد
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللهَ الذي لا إله إلَاّ هُوَ الحَي القَيومُ وأتُوبُ إلَيهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ
ــ
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال أستغفر الله الخ" فذكره رواه أبو داود والترمذي واللفظ لأبي داود ورواه الترمذي أيضاً من حديث أبي سعيد وقال فيه ثلاث مرات ورواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرط الشيخين قال المنذري ألا إنه قال يقولها ثلاثاً اهـ. قال في السلاح وليس لزيد في الكتب الستة سوى هذا الحديث اهـ. وكذا في المشكاة عزو تخريجه من حديث زيد إلى أبي داود والترمذي ثم راجعت سنن أبي داود فرأيته ذكر في باب الاستغفار منه الحديث عن هلال بن يسار عن زيد عن أبيه عن جده وجامع الترمذي في الأحاديث الشتى من أبواب الدعوات فرأيته رواه كذلك والله أعلم بحقيقة الحال وهو فيهما كما قال في المشكاة عند أبي داود وبلال بالموحدة وعند الترمذي بالهاء قال الحافظ المنذري إسناده جيد متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه أن بلالاً سمع أباه يساراً وإن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في يسار والد بلال هل هو بالموحدة أو المثناة التحتية وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة والله أعلم، وقال ابن الجزري في تصحيح المصابيح ليس زيد هذا زيد بن حارثة والد أسامة بل هو والد يسار روى عنه ابنه يسار هذا الحديث ذكره البغوي في معجم الصحابة وقال لا أعلم له غير هذا الحديث وقال العسقلاني في التقريب زيد والد يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ليس له إلا حديث ذكر أبو موسى المديني أنه كان عبداً نوبياً. قوله:(الحي القيوم) بنصبهما صفة الله أو لهو بناء على المرجوح أنه في
محل النصب أو مدحاً ورفعهما بدلاً من الضمير بناء على الأفصح أنه في محل رفع أو على المدح أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (وأتوب إليه) ينبغي ألا يتلفظ بهذا إلا إذا كان صادقاً فيه في باطن الأمر كظاهره وإلا كان كاذباً بين يدي الله تعالى فيخشى عليه مقته كما سبق نظيره في قول المصلي في الافتتاح وجهت وجهي وفي الركوع خشع لك سمعي وبصري فينبغي ألا يقوله
وإنْ كانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
قلت: وهذا الباب واسع جداً، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه.
فصل: ومما يتعلق بالاستغفار ما جاء عن الربيع بن خُثَيم رضي
ــ
إلا وهو متلبس بمعناه صادق في التحلي به وسيأتي له مزيد. قوله: (وإن كان فر من الزحف) أي وإن ارتكب كبيرة بل وإن كانت من أعظم الكبائر كالفرار من الزحف بالزاي المفتوحة فالمهملة الساكنة والفاء أي من الجهاد ولقاء الكفار في الحرب فيحرم الفرار من حرب الكفار الذي يحرم الفرار منه بأن لم يزيدوا على مثلينا ولا نوى التحرف ولا التحيز، والزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيباً من زحف الصبي إذا دب مقعدته قليلاً قليلاً كذا في النهاية ثم هذا الخبر لا يشكل على ما سبق من أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة لأن هنا توبة لما تقرر من أنه يكون صادقاً فيها حين التلفظ بقوله وأتوب إليه بأن يكون متحلياً بالتوبة الصحيحة من كل ذنوبه. قوله:(فنقتصر على هذا القدر منه) لأنه أقرب إلى الضبط والحفظ.
فائدة
فوائد الاستغفار محو الذنوب وستر العيوب وإدرار الرزق وسلامة الخلق والعصمة في المال وحصول الآمال وجريان البركة في الأموال وقرب المنزلة من الديان ورضى الرب الغفور فالثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور لتزول الآثار وتنشرح الصدور كذا في شرح عدة الحصن لابن جمعان. قوله: (ما جاء عن الربيع بن خثيم) الربيع بالراء فالموحدة فالتحتية فالعين المهملة بوزن بديع وخثيم بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية وخثم بن عائد بن عبد الله وكنية الربيع أبو يزيد الكوفي ثقة عابد قال له ابن مسعود: لو رآك النبي صلى الله عليه وسلم لأحبك ذكره القسطلاني في التقريب وقال ابن مرثد انتهى الزهد إلى
الله تعالى عنه قال: لا يَقُلْ أحدكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل، بل يقول: اللهم اغفر لي وتب عليَّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللهم اغفر لي وتب عليَّ حَسَنٌ. وأما كراهته "أستغفر الله" وتسميته
ــ
ثمانية منهم الربيع بن خثيم. قوله: (لا يقل أحدكم الخ) أي لا يأتي بهذا القول بلسانه خالي بالذهن عن معناه بأن لم يقصد من قوله أستغفر الله طلب المغفرة ولا من قوله وأتوب إليه التوبة الصحيحة الحقيقية المجتمعة الشرط والأركان. قوله: (وأما كراهية أستغفر الله وأتوب إليه الخ) قال ميرك: هذا الذي ذكره الشيخ يفيد في دفع كراهة لفظ أستغفر الله قلت: لكن لا بد مع ذلك من أن يقصد سؤال المغفرة بهذا اللفظ وإلا كان كذباً قال ميرك: وأما وأتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وذنب وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال في الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظراً لجواز أن يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شرط التوبة ويحتمل أن يكون
مراد الربيع مجموع اللفظين لا خصوص وأتوب إليه فيصح كلامه كله قلت ويدل عليه عدوله عنهما بقوله: اللهم اغفر لي وتب علي قال بعضهم والتحقيق أنه لم يرد بقوله فيكون ذنباً وكذباً المعنى الشرعي الحقيقي بل قصد به التقصير الطريقي والتنبيه على أن الدعاء حال الغفلة أولى من الأذكار بلفظ الإخبار خصوصاً عن التوبة واستحسن صاحب الحصن كلام الربيع هذا وأشار إلى الاعتراض على المصنف وأنه فهم أن مراد الربيع بهذا الكلام أن الاستغفار بهذا اللفظ على هذا الوجه يكون كذباً أي فقط قال ابن الجزري هو ذنب فإنه إذا استغفر عن قلب لاه لا يستحضر طلب المغفرة ولا يلجأ إلى الله بقلبه فإن ذلك ذنب عقابه الحرمان أما إذا قال أتوب إلى الله ولم يتب فلا شك أنه كذب أي وهذا إذا أراد بقوله أستغفر الله وأتوب إليه الإخبار قال: أما الدعاء بالمغفرة والتوبة فإنه وإن كان غافلاً أي لاهياً غير مستحضر لطلب المغفرة وحصول التوبة فيستحق عليه المقت في الجملة فقد يصادف وقتاً فيقبل فمن أكثر طرق الباب يوشك أن يلج الباب
كذباً فلا نوافق عليه، لأن معنى أستغفر الله: أطلب مغفرته، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردِّه حديث ابن مسعود المذكور قبله. وعن الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه: استغفار بلا إقلاع توبَةُ الكذَّابين. ويقاربه ما جاء عن رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها قالت:
استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير. وعن بعض الأعراب أنه تعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللهمَّ إن
ــ
ويوضح ذلك إكثاره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد من قول أستغفر الله مائة مرة وقطعه لمن قال أستغفر الله وأتوب إليه بالمغفرة وإن كان فر من الزحف فها هو ذا قد كشف لك الغطاء عن وجه الصواب وفي كتاب الزهد عن لقمانن عود لسانك: اللهم اغفر لي فإن الله ساعات لا يوافقهن سائل الخ قال في الحرز وليس في هذا كله ما يناقض قول الإِمام النووي. قوله: (لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته) أي فلا بد من قصده ذلك فإن كان خالي الذهن عن ذلك فلا شك أنه كذب هذا عند قصده الإخبار. قوله: (ويقاربه ما جاء عن رابعة الخ) قال بعضهم ليس مرادها أن في الاستغفار اللساني ذنباً شرعياً بل أرادت به حسنات الأبرار سيئات المقربين فإن ذكر اللسان مع غفلة الجنان من جملة الطاعات كما تقدم أول الكتاب لكنه معدود للعارفين من العصيان لعلو مقامهم بل جعله بعضهم كفراً قد علم كل أناس مشربهم كما علم كل طائفة من العلماء مذهبهم وقال بعض الصوفية الاستغفار من الذنب ذنب آخر لتضمنه دعوى الوجود والقدرة والفعل لما سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله وحاصله إن رؤية النفس وأعمالها عندهم من الحجاب وإن الشأن والأدب الإتيان بالأعمال والأقوال الشرعية والخروج عنها بالقلب وفي جمع الجوامع الإشارة إلى الجواب عن قول رابعة العدوية بقوله: "وكون استغفارنا" أي باللسان وإن كان حجاب الغفلة على الجنان "يحتاج إلى استغفار" منه كثير لبعده عن مقصود العبادات حق ومع ذلك فإنه "لا يوجب ترك الاستغفار" لأنه لا يفتقر إلى نية التقرب بل
استغفاري مع إصراري لُؤْم، وإن تركي الاستغفار مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تتحبَّب إليَّ بالنِّعم مع غناك عني، وأتبغَّض إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعَّد تجاوز وعفا، أدخل عظيم جُرمي في عظيم عفوك
ــ
يحصل أجر الاستغفار بمجرد اللفظ والقصد له كالتسبيح وتلاوة القرآن وكل ما كانت العبادة فيه غير متلبسة بالعادة كالأيمان والخوف وأمثال ذلك لأنها مميزة لله بصورتها اهـ. وفي باب التوبة من الإحياء للغزالي لا يظن أن رابعة تذم حركة اللسان بالاستغفار من حيث إنه ذكر الله تعالى بل تذم غفلة القلب فهو محتاج إلى الاستغفار عن غفلة القلب لا من حركة لسانه فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضاً احتاج إلى الاستغفارين قال وهذا معنى قول القائل إن
صادق حسنات الأبرار سيئات المقربين اهـ. والحاصل أنه لا يترك العمل لما قد يقارنه مما ينقصه من نحو غفلة أو يؤثر فيه من نحو رياء بل يأتي به كذلك ويستغفر الله منه فإن التوبة كفارته ولا يدع العمل رأساً قال الإِمام في المطالب من مكايد الشيطان ترك العمل خوفاً من أن يقول إنه مراء أو نحو ذلك وهذا باطل فإن تطهر العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر فلو وقفنا العمل على ذلك لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات وذلك يوجب البطالة وهي أقصى غرض الشيطان وسبق لهذا المعنى مزيد في الفصول المذكورة أول الكتاب. قوله: (لؤم) بضم اللام وسكون الهمزة أي خروج عن قضية الفتوة إذ هي الأخذ بمكارم الأخلاق ومن أكرمها التنصل من الذنوب والإقبال على علام الغيوب. قوله: (إن تركي الاستغفار) أي مع الإصرار (مع علمي بسبعة عفوك) أي لسائر الذنوب ومنها الإصرار العجز) أي فتور عن المسارعة إلى الشيء النفيس قوله: (عظيم جرمي) من إضافة الصفة إلى الموصوف وكذا قوله (في عظيم عفوك) أي ادخل جرمي العظيم في ذاته في جنب عفوك العظيم فإن الذنب وإن عظم بالنسبة إلى بحار العفو كالقشاشة بل أدون وما أحسن قول الأبوصيري: