الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في ألفاظ يكره استعمالها
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بن حنيف وعن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولَن أحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي".
وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولن أحَدُكُمْ: جاشَتْ نَفْسي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسي".
قال العلماء: معنى لقست وجاشت: غثت، قالوا: وإنما كره "خبثت" للفظ الخبث والخبيث.
قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كره خبث للفظ الخبث، وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدبَ في استعمال الحسن منه، وهجران القبيح، و"جاشت" بالجيم والشين المعجمة، و"لقست" بفتح اللام وكسر القاف.
فصل: روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه
ــ
باب في ألفاظ يكره استعمالها
قوله: (قال العلماء معنى لقست غثت) وقال ابن الأعرابي معناه ضاقت اهـ. وجاشت أي غثت وهي من الارتفاع كأن ما في البطن يرتفع إلى الحلق فحصل الغثي. قوله: (وإنما يكره لفظ الخبيث)
يعلم منه أن أحد الرديفين قد يختص عن الآخر بحكم مخالف له لمعنى في لفظه لم يوجد في لفظ الآخر ثم الكراهة تنزيهية من باب أدب اللفظ ولا يرد عليه ما في الحديث الآخر من قوله فيصبح خبيث النفس كسلان لأن المنهي عنه إخبار المرء بذلك عن نفسه والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفة غيره وعن شخص منهم مذموم الحال ولا يمنع إطلاق هذا اللفظ في مثل ذلك.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) عند أبي داود ولا يقولن أحدكم الكرم فإن الكرم الرجل
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُونَ: الكَرْمُ إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ" وفي رواية لمسلم: "لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، فإن الكَرْمَ المُسْلِمُ" وفي رواية: "فإنَّ الكَرْمَ قَلْبُ المُؤمِنِ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنَبَ والحَبَلَةَ".
قلت: والحَبَلَةَ بفتح الحاء والباء، ويقال أيضاً بإسكان الباء، قاله الجوهري وغيره، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرماً، وكانت الجاهلية تسميه كرماً، وبعض النّاس اليوم تسميه كذلك، ونهى النبي
ــ
المسلم. قوله: (يقولون الكرم) في البخاري ويقولون الكرم بزيادة واو العطف في أوله والمعطوف عليه محذوف أي يقولون العنب ويقولون الكرم فالكرم خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أو مبتدأ خبره محذوف أي شجر العنب الكرم. قوله: (إنما الكرم قلب المؤمن) قال الشيخ زكريا الكرم بسكون الراء وفتحها مصدر يوصف به المفرد والمذكر وضدهما يقال رجل كرم وامرأة كرم وهو بمعنى كريم وصف به للمبالغة كعدل والحصر فيه ادعائي لا حقيقي إذ المعنى أن اللائق باسم الكرم المؤمن لا أن غيره لا يسمى به قلت ويصح جعل الحصر حقيقياً باعتبار استحقاق إطلاق الاسم كما سيجيء في كلام المصنف. قوله: (النهي عن تسمية العنب كرماً) النهي فيه محمول على الكراهة التنزيهية قال المصنف: قال العلماء سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب -أي في الجاهلية- تطلقها على شجر العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرماً لكونها متخذة منه ولأنها -أي فيما يدعونه- تحمل على الكرم والسخاء فكره الشارع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك وقال إنما يستحق ذلك الرجل المسلم أو قلب المؤمن لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فسمي قلب
-صلى الله عليه وسلم عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء: أشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوَهم حسنُ اسمها إلى شرب الخمر المتخذة من ثمرها،
ــ
المؤمن كرماً لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم وكذا الرجل المسلم اهـ. وقال ابن الجوزي نهى عن تسميتها بما يمدح به لتأكيد ذمها وتحريمها، واعلم أن قلب المؤمن لما فيه من نور الإيمان أولى بذلك اهـ. وفي شرح الأنوار السنية قال ابن حجر ظاهر الحديث يدل على أن حقيقة تسمية الكرم إنما
هي بقلب المؤمن وأما في غيره فمجاز فإن قلنا إنه تعبد فلا بحث وإن قلنا لحكمة فهي والله أعلم لما كان اشتقاقه كمن الكرم والأرض الكريمة هي أحسن الأرض وهذه الصفة حيث وجدت فهي أحسن الصفات ولا يليق إلا أن يعبر بها عن قلب المؤمن الذي هو خير الأشياء لأن المؤمن هو خير البرية على أحد الوجوه وخير ما في المؤمن قلبه وكيف لا يكون كذلك وهو أرض لنبات ثمرة الإيمان وفي الكرمة أيضاً شبه من المؤمن لأنها لينة قريبة الجنى حلوة الذات وتغني عن الطعام لآكلها وعن الماء لمن استعملها اهـ. وقال القاضي عياض في المشارق نهى صلى الله عليه وسلم أن يقال للعنب الكرم وكان اسم الكرم أليق بالمؤمن واغلق به لكثرة خيره ونفعه واجتماع الخصال المحمودة من السخاء وغيره فيه فقال إنما الكرم الرجل المؤمن وفي رواية قلب المؤمن قال الإِمام قوله وإنما الكرم قلب المؤمن أي أن الكرم حبس النفس عن شهواتها وإمساكها عن المحرمات عليها فهذه الحالة أحق أن تسمى كرماً اهـ. قال الباجي ويحتمل عندي أن يكون معناه أن العنب وإن كان فيه منافع ورزق وخصب لمن رزقه فإن القلب أكثر خيراً منه وأنفع لنفسه وللناس ولم يرد بذلك النهي عن أن يسمى العنب كرماً ولذا لم يتلقه النّاس على النهي ولا امتنعوا من تسمية العنب كرماً ولكنه إنما أراد تفضيل قلب المؤمن عليها كما قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وفي هذا الذي يظهر لي اهـ. وتردد ابن القيم في الهدي بين ما قاله الباجي وبين ما قاله غيره من أن الحديث للنهي عن التسمية بذلك ثم قال والأولى أن لا يسمى شجر العنب كرماً والله أعلم. قوله: (أشفق صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسن أسمها الخ) ظاهره
فسلبها هذا الاسم، والله أعلم.
فصل: روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا قالَ الرجُلُ: هَلَكَ الناسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ".
قلت: روي أهلكهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء في رواية رويناها في "حلية الأولياء" في ترجمة سفيان الثوري:"فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهِمْ".
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع، أي: أشدهم هلاكاً، قال: وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم،
ــ
أن الكرم في الجاهلية اسم للعنب وظاهر كلام ابن الجوزي أنه اسم للخمر وتقدم عن المصنف أنه يطلق على كل منهما وهو أنسب بما ذكر في وجه التسمية وعلى شجر العنب ولعل إطلاقه على العنب وشجره لأن الخمر الناشئة منهما تحمل على الكرم في رأيهم والله أعلم. قوله: (وروي أهلكهم برفع الكاف) أي على أنه أفعل تفضيل أي أشدهم هلاكاً. قوله: (وفتحها) أي على أنه فعل ماض أي نسبهم إلى الهلاك لا أنهم هلكوا حقيقة فكأنه قال هو الذي نطق بذلك من غير تحقيق ولا دليل من جهة الله تعالى قال القرطبي من قيده بالنصب معناه أن الذي قال لهم ذلك مقنطاً لهم هو أهلكهم بهذا القول فإن الذي يسمعه قد يئس من رحمة الله فيهلك وقد يغلب على القائل رأي الخوارج فيهلك النّاس بالخروج عليهم ويشق عصاهم بالقتال وغيره كما فعلت الخوارج فيكون قد
أهلكهم حقيقة وحساً اهـ. قوله: (قال بعض الرواة) هو أبو إسحق إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم صحيحه. قوله: (لا أدري الخ) أي شك في ضبط هذا الحرف قال القرطبي وقد قيده النّاس بعده بالوجهين. قوله: (وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء) قال القرطبي ومن كان كذلك -أي
لأنه لا يدري سِرَّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعض علمائنا يقول، هذا كلام الحميدي.
وقال الخطابي: معناه: لا يزال الرجل يعيب النّاس ويذكر مساويهم ويقول: فسد النّاس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم: أي أسوأ حالاً منهم فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدَّاه ذلك إلى العُجْب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه "معالم السنن".
وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر هذا
ــ
محقراً للناس مزرياً بهم معجباً بنفسه وعمله- أحق بالهلاك منهم فهو أشدهم هلاكاً. قوله: [لأنه لا يدري سر الله في خلقه) أي فقد يكون ذو العمل السيئ ممن سبقت له السعادة فيوفق آخراً للعمل بها وضده بضده كما في خبر ابن مسعود مرفوعاً فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها الحديث فالأعمال أمارات لا مؤثرات فحق المؤمن إذا رأى أخاه المؤمن خالف طريق السداد أن ينصحه ويعظه ولذكره لا أن يزدريه به وينتقصه ويحقره ويرى نفسه لتخييلها عليه وخداعها له خيراً من أخيه وإن كان عمل الإنسان في الظاهر حسناً فقد يختم لذلك الفاسق بحسن العمل ويبلغ الأمل والله الفعال لما يشاء. قوله: (معناه الخ) فهو كناية عن ترك الاغتياب وتنبيه على قبح ما يترتب عليه من كون صاحبها في أشد الهلاك. قوله: (فيهلك) أي هلاكاً مضموماً إلى هلاك غيبته. قوله: (عنه) أي عن أبي
الحديث، ثم قال: قال مالك: إذا قال ذلك تحزُّناً لما يرى في النّاس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهي عنه.
قلت: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة، وهو أحسن ما قيل في معناه، وأوجزه، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي الله عنه.
فصل: روينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُولُوا: ما شاءَ اللهُ وشاءَ فُلانٌ، ولَكِنْ قُولُوا: ما شاءَ اللهُ ثُمَّ ما شاءَ فُلانٌ".
قال الخطابي وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، و"ثم" للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه. وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوِّز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك، قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقول: لولا الله وفلان.
ــ
داود. قوله: (تحزناً) أي إظهاراً للحزن على ما فاتهم من الخير المديني. قوله: (فلا أرى) بضم الهمزة أي أظن (به بأساً) قال القرطبي أما لو قال ذلك على جهة الشفقة على أهل عصره وأنهم بالنسبة إلى من تقدمهم من أسلافهم كالهالكين فلا يتناوله هذا الذم فإنها عادة جارية
في أهل العلم والفضل يعظمون أسلافهم ويفضلونهم على من بعدهم ويقصرون بمن خلفهم وقد يكون هذا على وجه الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ولتدارك المفرط كما قال الحسن لقد أدركت أقواماً لو أدركتموهم لقلتم مرضى ولو أدركوكم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب اهـ. قوله: (عجباً) بضم المهملة وسكون الجيم. قوله: (وتصاغراً) أي رؤية الصغر في غيره من النّاس. قوله: (لأن الواو للجمع والتشريك) أي فربما توهم مقارنة مشيئة العبد بمشيئة الله
فصل: ويكره أن يقول: مُطِرْنا بنوءِ كذا، فإن قاله معتقداً أن الكوكب هو الفاعل فهو كفر، وإن قاله معتقداً أن الله تعالى هو الفاعل، وأن النَّوْء المذكور علامة لنزول المطر، لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفُّظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعمله، مع أنه مشترك بين إرادة الكفر وغيره.
وقد قدمنا الحديث الصحيح المتعلِّق بهذا الفصل في "باب ما يقول عند نزول المطر".
فصل: يحرم أن يقولَ: إن فعلتُ كذا فأنا يهودي أو نصراني، أو بريء من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك، صار كافراً في الحال، وجرت عليه أحكام
ــ
سبحانه لو أتى بالواو وليس الأمر كذلك إذ مشيئته تعالى هي السابقة فأتى بثم الدالة على هذا المعنى دفعاً لذلك الإيهام.
فصل
قوله: (وقد قدمنا الحديث الصحيح الخ) تقدم الكلام ثمة على ما في هذا الفصل بزيادات وتتمات.
فصل
قوله: (يحرم أن يقال الخ) ومثله قوله هو بريء من الله أو رسوله أو من الإسلام أو من الكعبة أو جميع ما ذكر ليس بيمين لعروه عن ذكر اسم الله تعالى وصفته ولأن المحلوف به حرام فلا ينعقد به اليمين كقوله إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق، فإن قلت يشكل على ما ذكر ما في صحيح البخاري من عدة طرق إن خباباً طلب من العاص بن وائل السهمي ديناً له فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقال: لا أكفر به حتى يميتك الله ثم يبعثك وقد يجاب بأنه لم يقصد التعليق وإنما أراد تكذيب ذلك اللعين إنكار البعث ولا ينافيه قوله حتى لأنها تأتي بمعنى إلا المنقطعة فتكون بمعنى لكن التي صرحوا بأن ما بعدها كلام مستأنف وعليه خرج حديث حتى يكون أبواه يهودانه أي لكن أبواه أشار إليه بعض المحققين. قوله: (صار كافراً في الحال) أي لأن العزم على الكفر ولو بطريق التعليق على حصول
أمر كفر.
المرتدين، وإن لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرماً، فيجبُ عليه التوبةُ، وهي أن يقلع في الحال عن معصيته، ويندم على ما فعل، ويعزم على أن لا يعود إليه أبداً، ويستغفر الله تعالى، ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فصل: يحرم عليه تحريماً مغلظاً أن يقول لمسلم: يا كافر.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قالَ الرَّجُلُ لِأخِيهِ: يا كافِرُ، فَقَدْ باءَ بها أحَدُهُما، فإنْ كانَ كما قالَ، وإلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ".
وروينا في "صحيحيهما" عن أبي ذر
ــ
قوله: (ارتكب محرماً) وعده ابن حجر في الزواجر من الكبائر. قوله: (وتجب عليه التَوبة) عبارة الروضة يستحب لكل من تكلم بكلام قبيح أن يستغفر الله وتجب التوبة من كلام محرم. قوله: (ويستغفر الله) أي استحباباً وكذا يستحب الاستغفار من كل ذنب ولا يجب لصحة التوبة بدونه. قوله: (ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله) ظاهر كلامه الإيجاب وقد صرح صاحب الروض باستحباب الإتيان بهما قال الشيخ زكريا وبه صرح النووي في نكته قال وظاهر خبر من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله الاقتصار على لا إله إلا الله اهـ.
فصل
قوله: (يحرم عليه تحريماً مغلظاً أن يقول لمسلم يا كافر الخ) ثم إن أراد به إنه كافر حقيقة وإن الإسلام كفر صار بذلك مرتداً وإن لم يرد به ذلك بل أراد مجرد السب ارتكب كبيرة وتصريح السيوطي بكراهة ذلك غلط كما قاله ابن حجر الهيتمي.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي كلهم من حديث ابن عمر ورواه البخاري من حديث أبي هريرة وليس فيه قوله فإن كان الخ. قوله: (إذا قال الرجل) قال المصنف: هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من أن ظاهره غير مراد وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر مسلم بالمعاصي كالقتل والزنى وكذا قوله لأخيه يا كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، إذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه
رضي الله عنه أنه سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ أو قالَ: عَدُو الله ولَيسَ كَذَلِكَ، إلا حارَ عَلَيْهِ" هذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حار: رَجَع.
ــ
(أحدها) أنه على المستحل لذلك أي مع العلم بتحريمه وهذا يكفر فعلى هذا باء بها أي بكلمة الكفر وكذا حار عليه وهو معنى رجعت عليه أي رجع عليه الكفر فباء وحار بمعنى واحد (والثاني) معناه رجعت نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره (والثالث) أنه محمول على الخوارج من المؤمنين وهذا نقله القاضي عياض عن مالك وهو ضعيف لأن الصحيح الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع (والقول الرابع) إن معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر وذلك أن المعاصي بريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون عاقبته المصير إلى الكفر ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة في مستخرجه على مسلم فإن كان كما قال وإلا باء بالكفر وفي رواية إذا قال لأخيه يا كافر وجب الكفر
لأحدهما قلت ولم يظهر لي وجه التائييد من هذه الرواية إذ هي مثل لفظ رواية مسلم والله أعلم (والخامس) معناه فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافراً أو كأنه كفر نفسه إما لأنه كفر من هو مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر فيعتقد بطلان دين الإسلام والله أعلم. قوله: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله - إلا حار عليه) هذا الاستثناء قيل إنه واقع على المعنى وتقديره ما يدعوه أحد إلا حار عليه وعدو الله ضبطناه بالرفع والنصب ويحتمل أن يكون معطوفاً على الأول أي قوله في أول الحديث ليس من رجل ادعى ما ليس لأبيه وهو يعلمه إلا كفر إلى أن قال ومن دعا الخ فيكون الاستثناء جارياً على اللفظ وهو أرجح فالنصب على النداء أي يا عدو الله والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عدو الله ذكره المصنف في شرح مسلم. قوله: (ومعنى حار) أي بالمهملتين (رجع) وكذا معنى باء بالموحدة بعدها ألف ممدودة.
فصل: لو دعا مسلم على مسلم فقال: اللهُم اسلبه الإيمان، عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى، أصحهما: لا يكفر، وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى إخباراً عن موسى صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى
ــ
فصل لو دعا مسلم على مسلم الخ
تقدم عن الزركشي في باب أذكار المسافر جواز الدعاء على الظالم بسوء الخاتمة والفتنة في الدين وما استدل به وعن بعضهم التفصيل بين المتمرد فيجوز ذلك فيه وغيره فيمنع ذلك منه. قوله: (أصحهما أنه لا يكفر) قالوا لأنه ليس رضا بالكفر وإنما هو دعاء عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه هذا ما ذكره الشيخان قال ابن حجر الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام وأنت خبير من قولهما لأنه ليس رضا بالكفر الخ أن محل ذلك ما إذا لم يذكر ذلك رضي بالكفر وإلا كفر قطعاً والذي يظهر من فحوى كلامهما أنه لو أطلق فلم يقله على جهة الرضى بالكفر ولا على وجه تشديد العقوبة لا يكون كافراً وهو ظاهر واستشكل عدم كفره فيما إذا ادعى عليه بسلب الإيمان بما إذا قال له يا كافر بلا تأويل وأجيب بأن الكفر ثم إنما جاء من تسمية الإسلام كفراً كما مر وهنا ليس فيه ذلك فإن قلت ما تقرر في الدعاء بسلب الإيمان ينافيه ما اقتضاه كلام الأحياء من أنه لو لعن كافراً معيناً في وقتنا كفر ولا يقال لعن لكونه كافراً في الحال كما يقال للمسلم رحمه الله لكونه مسلماً في الحال وإن كان يتصور أن يرتد لأن معنى رحمه الله يثبته الله على الإسلام الذي هو سبب الرحمة ولا يقال ثبت الله الكافر على الكفر الذي هو سبب اللعنة لأن هذا سؤال الكفر وهو في نفسه كفر اهـ. قال الزركشي فتفطن لهذه فإنها غريبة وحكمها متجه وقد زل فيها جماعة اهـ. قال ابن حجر الهيتمي ولا منافاة لأنه إن أراد بلعنه الدعاء عليه بتشديد الأمر أو أطلق لم يكفر وإن أراد سؤال بقائه على الكفر أو الرضى بذلك كفر وفي الدعاء بسلب الإيمان إن أراد الدعاء بسؤال الكفر له أو رضي به كفر وإن أراد الدعاء بتشديد العقوبة أو أطلق لم يكفر فتدبر ذلك فإنه تفصيل متجه قضت به كلماتهم اهـ. قوله: (وقد يحتج لهذا بقول الخ) أي من حيث تمنى موسى عدم إيمان فرعون ودعاؤه بذلك ولم يضره
أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} الآية [يونس: 88] وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا.
فصل: لو أكْرَهَ الكفارُ مسلماً على كلمة الكفر، فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يكفر بنص القرآن وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصون نفسه من القتل؟ فيه خمسة أوجه لأصحابنا.
الصحيح: أن الأفضل أن يصبر للقتل ولا يتكلَّم بالكفر، ودلائله من الأحاديث الصحيحة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورة.
والثاني: الأفضل أن يتكلَّم ليصون نفسه من القتل.
والثالث: إن كان في بقائه مصلحة للمسلمين، بأن كان يرجو النِّكاية في العدو، أو القيام
ــ
ذلك ولا عاتبه الله عليه ولا
زجره عنه. قوله: (وفي هذا الاستدلال الخ) ولأنه يجوز أن موسى عليه السلام علم عدم إيمانه فسأله قصداً والكلام فيمن انطوت عاقبته قال في الإعلام وقد يجاب بأنه وإن كان شرعاً لمن قبلنا إلا أنه لم يرد في شرعنا ما يخالفه فيكون حجة، على الخلاف، ولأن الأصل في السؤال طلب حصول ما ليس بحاصل فلا نظر لاحتمال المذكور على أنه ورد في القضية ما يخالفه وهو أن الإجابة لم تقع إلا بعد أربعين سنة من السؤال وأيضاً فقوله قد أجيبت دعوتكما امتنان عليهما بالإجابة وما كان واقعاً قبل الإجابة في علم السائل لا يمتن عليه بأنه استجيب له فيه اهـ.
فصل
قوله: (بنص القرآن) أي كقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} قوله: (أن الأفضل أن يصبر للقتل) أي مطلقاً سواء كان ممن في بقائه مصلحة للناس من نشر علم أو نكاية عدو أو لا. قوله: (ودلائله من الأحاديث وفعل الصحابة مشهورة) منها ما تقدم في ترجمة بلال عن الكشاف من قصة الرجلين اللذين جيء بهما إلى مسيلمة فقال لأحدهما: ما تقول في محمد فقال: رسول الله فقال: ما تقول في فقال: وأنت أيضاً وقال للآخر ما تقول في محمد فقال: رسول الله قال ما تقول في قال: أنا أصم فأعاد عليه ثلاثاً فأعاد عليه جوابه
بأحكام الشرع، فالأفضل أن يتكلم بها، وإن لم يكن كذلك، فالصبر على القتل أفضل.
والرابع: إن كان من العلماء ونحوهم ممن يُقتَدى بهم، فالأفضل الصبر لئلا يغترَّ به العوام.
والخامس: أنه يجب عليه التكلُّم، لقول الله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وهذا الوجه ضعيف جداً.
فصل: لو أكره المسلمُ كافراً على الإسلام، فنطق بالشهادتين، فإن كان الكافر حربياً، صح إسلامه، لأنه إكراه بحق، وإن كان ذمياً، لم يصر مسلماً، لأنا التزمنا الكف عنه، فإكراهه بغير حق،
ــ
فقتله فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما أحدهما فقد أخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئاً له، وفي تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر ذكره ابن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن أن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما فقال لأحدهما: تشهد أن محمداً رسول الله قال: نعم فقال: أتشهد أني رسول الله فأهوى إلى أذنيه فقال: إني أصم فأعاد عليه فقال مثله فأمر به فقتل وقال للآخر: أتشهد أن محمداً رسول الله قال: نعم قال: أتشهد أني رسول الله قال: نعم فأرسله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت قال: وما شأنك فأخبره بقصته وقصة صاحبه فقال: أما صاحبك فمضى على إيمانه وأما أنت فأخذت بالرخصة وأخرجه عبد الرزاق في التفسير عن معمر
قال: سمعت أن مسيلمة أخذ رجلين فذكر بنحوه وذكر الواقدي في المغازي أن اسم المقتول حبيب بن زيد عم عبادة بن تميم واسم الآخر عبد الله بن وهب الأسلمي قال وكانا في الساقة وذكروا أنه قطعه عضواً عضواً وأحرقه بالنار.
فصل
قوله: (فإن كان الكافر حربياً صح إسلامه) ومثله المرتد (لأنه إكراه بحق) أي وهو معتد به تترتب عليه الأحكام كما لو أكرهه الحاكم على بيع ماله
وفيه قول ضعيف أنه يصير مسلماً، لأنه أمره بالحق.
فصل: إذا نطق الكافر بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية، بأن قال: سمعت زيداً يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لم يحكم بإسلامه، وإن نطق بهما بعد استدعاء مسلم، بأن قال له مسلم: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقالهما، صار مسلماً، وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاءٍ، فالمذهب الصحيح المشهور الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصير مسلماً، وقيل: لا يصير لاحتمال الحكاية.
فصل: ينبغي أن لا يقال للقائم بأمر المسلمين: خليفةُ الله، بل يقال: الخليفة، وخليفةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأميرُ المؤمنين.
روينا في "شرح السنة" للإمام أبي محمد البغوي عنه قال رحمه الله: لا بأس أن يسمى القائم بأمر المسلمين: أميرَ المؤمنين، والخليفةَ، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل، لقيامه بأمر
المؤمنين وسمع المؤمنين له. قال: ويسمى خليفةً لأنه خلف
ــ
لوفاء حق ترتب عليه. قوله: (وفيه قول ضعيف).
فصل
قوله: (لم يحكم بإسلامه) أي كما لم يحكم بكفر جاكي كلمة كفر غيره. قوله: (صار مسلماً) ثم إن كان معتقداً لذلك بجنانه مطابقاً لما نطق به بلسانه كان نافعاً له في الآخرة أيضاً وإلا كان أثره مقصوراً على الدنيا فقط ويخلد في الآخرة في النار. قوله: (لاحتمال الحكاية) ورد بأن الأصل عدمها وتشوف الشارع إلى الدخول في الإسلام والعصمة في الدماء اقتضتا التوسعة في ذلك فإدخال مائة في الإسلام أهون من إخراج واحد عنه.
فصل
قوله: (ينبغي) أي يجب. قوله: (عنه) أي عن البغوي. قوله: (وإن كان مخالفاً) مثله إذا
الماضي قبله، وقام مقامه. قال: ولا يسمى أحدٌ خليفةَ الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وقال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} : [ص: 26] وعن ابن أبي مليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفةَ الله، فقال: أنا خليفةُ محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا راض بذلك. وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: يا خليفةَ الله، فقال: ويلك لقد تناولت تناولاً بعيداً، إن أُمي سمتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرْتُ فكُنيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أموركم فسميتموني أميرَ المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك.
ــ
كان
فاسقاً. قوله: (ولا يسمي أحد خليفة الله تعالى) في شرح الروض لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله منزه عن ذلك وقضية هذه العلة امتناع ذلك حتى على آدم وداود والآيتان ليس فيهما إطلاق خليفة الله على كل منهما إنما فيهما إطلاق خليفة مجرداً عن الإضافة وذلك جائز على كل إمام للمسلمين ولم أر من نبه على هذا وعلى ثبوت مستند إطلاق خليفة الله على كل منهما فالإضافة للتعظيم فلا يراد من الخليفة ما تقدم بل يراد به أن الله جعله قائماً في تنفيذ أحكامه في عباده وفي المصباح المنير لا يقال خليفة الله بالإضافة إلا آدم وداود لورود النص بذلك وقيل يجوز وهو القياس لأن الله جعله خليفة كما جعله سلطاناً وقد سمع سلطان الله وجنود الله وحزب الله والإضافة تكون بأدنى ملابسة وعدم السماع لا يقتضي عدم الإطراد مع وجود القياس ولأنه نكرة تدخله اللام للتعريف فيدخلها ما يعاقبها وهو الإضافة كسائر أسماء الأجناس. قوله: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} أي من يقوم بأحكامي فيها. قوله: (ابن أبي مليكة) وهي كنية زاهد تابعي. قوله: (فقال ويلك) قال له ذلك كأنه لأنه علم أن القائل يعلم أنه لا ينبغي التلفظ بذلك فخالف وخاطبه وعزره بذلك. قوله:
(تناولت متناولاً بعيداً) كناية عن الجموح والطموح إلى ما لا ينال. قوله: (ثم كبرت) أي بكسر الباء أي في السن وهو بالضم بمعنى كبر القدر يأباه المقام. قوله: (قبلت) أي قبول رضي الله لأنه اسمي وكنيتي وإن خلا النداء بهما عن التعظيم. قوله: (كفاك)
وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الأحكام السلطانية" أن الإِمام سمي خليفة، لأنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، قال: فيجوز أن يقال: الخليفةُ، على الإطلاق، ويجوز: خليفةُ رسول الله.
قال: واختلفوا في جواز قولنا: خليفة الله، فجوَّزه بعضهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ} [فاطر: 39] وامتنع جمهور العلماء من ذلك، ونسبوا قائله إلى الفجور، هذا كلام الماوردي.
قلت: وأوَّلُ من سُمي أميرَ المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. وأما ما توهمه بعض الجهلة في "مسيلمة" فخطأ صريح، وجهل قبيح، مخالف
ــ
أي في مرادك من تعظيمي في الخطاب. قوله: (وذكر أقضى القضاة) تقدم في كتاب الأسماء جواز إطلاق ذلك. قوله: (فيجوز أن يقال الخليفة على الإطلاق) أي عن الإضافة وأطلق عليه ذلك لأنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته وخلف الماضي قبله.
فائدة
في الأوائل للسيوطي أول من سمي الخليفة أبو بكر اهـ. قوله: (ويجوز خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما تقدم فيما قبله والإضافة فيه للتعظيم والتشريف. قوله: (واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله) قال
ابن حجر الهيتمي في كتاب تنبيه الأخيار ظاهر كلام السيوطي التبري مما قاله الماوردي وإن ذلك مكروه فقط اهـ. قلت لكن جرى على الحرمة في الروض ووافقه عليها شارحه. قوله: (ولقوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ} قال في الإكليل استدل به من أجاز أن يقال للإمام خليفة الله تعالى.
فائدة
روي البيهقي وغيره حديث السلطان ظل الله في أرضه فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر وإن أساء فعليه الوزر وعليكم الصبر قال الخطابي معنى "ظل" العز والمنفعة ويحتمل أن يريد به الستر كما يقول القائل للرجل الشريف أنا في ظلك أي في سترك وقيل إنما وصفه بالظل لأنه يدفع الأذى عن النّاس كما يدفع الظل أذى الشمس اهـ. قوله: (وأول من سمي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) قال ابن العطار ذكر الواقدي في
لإجماع العلماء، وكتبُهم متظاهرةٌ على نقل الاتفاق على أن أول من سمي أميرَ المؤمنين عمرُ ابن الخطاب رضي الله عنه.
وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" في أسماء الصحابة
رضي الله عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أو لا، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يقال في أبي بكر رضي الله عنه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ــ
تاريخه في السنة الثانية من الهجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث فيها في شهر رجب عبد الله بن جحش في سرية فيها اثنا عشر رجلاً من المهاجرين ثم قال وفي هذه السرية لقب عبد الله ابن جحش أمير المؤمنين والله أعلم، وفي الأجوبة المرضية عن الأسئلة السبكية للحافظ السيوطي جواباً عن قول الشيخ تاج الدين بن السبكي في ألغازه.
من عد من أمراء المؤمنين ولم
…
يحكم على النّاس في بدو ولا حضر
ولم يكن من قريش حين عد
…
ولا يجوز أن يتولى إمرة البشره
هو أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على جيش فيه أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير المؤمنين وروينا عن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أسامة بن زيد قال السلام عليك أيها الأمير فيقول أسامة غفر الله لك أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعوك ما عشت بالأمير مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير اهـ. وبما ذكر يحمل كلام المصنف على أنه أراد من سمي بذلك أمير المؤمنين من الخلفاء وليس مراده أنه أول من سمي به مطلقاً وعبارة ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين أول من سمي به من الخلفاء عمر مطلقاً فقد سمي به عبد الله بن جحش حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على السرية التي أرسلها أول مقدمه المدينة وفيها أنزل {يسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ} الآيتين اهـ. قوله: (وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر) عبارته، القصة التي ذكرت في تسمية عمر نفسه أمير المؤمنين، ذكر الزبير قال عمر لما ولي كان أبو بكر يقال له
خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يقال خليفة خليفة يطول هذا قال فقال له المغيرة بن شعبة أنت أميرنا ونحن المؤمنون فأنت أمير
فصل: يحرم تحريماً غليظاً أن يقول للسلطان وغيره من الخلق: شاهان شاه، لأن معناه: ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخْنَعَ اسمٍ عِنْدَ اللهِ تعالى رَجُل تسمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ" وقد قدَّمنا بيان هذا في "كتاب الأسماء" وأن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك، مثل شاهان شاه.
ــ
المؤمنين قال فذاك إذا، وأعلى من ذلك ما حدثني به خلف بن القاسم إلى أن قال عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة لأي شيء كان أبو بكر خليفة رسول الله وكان عمر يكتب من خليفة أبي بكر، ومن أول من كتب من أمير المؤمنين فقال حدثتني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله فبعث إليه لبيد بن ربيعة العامري وعدي بن حاتم الطائي فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ودخلا المسجد فإذا هما بعمرو بن العاص فقالا له استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو أنتما والله أصبتما اسمه نحن المؤمنون وهو أميرنا فوثب عمرو فدخل على عمر فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمر ما بالك في هذا الاسم يعلم الله لتخرجن مما قلت فأخبره قال فجرى الكتاب بذلك من يومئذٍ قلت وأخرجه كذلك الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك كلاهما من طريق ابن شهاب فذكراه وخرج ابن عبد البر وجهاً آخر قال روينا من وجوه أن عمر كان يرمي الجمرة وأتاه حجر فوقع على ضلعه فأدماه وثم رجل من بني لهب فقال أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها ثم جاء إلى الجمرة الثانية فصاح رجل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحج أمير المؤمنين بعد عامه هذا فقتل عمر بعد رجوعه من الحج قال ابن عبد البر ولهب بكسر اللام قبيلة من الأزد تعرف فيها القافة والزجر اهـ.
فصل
قوله: (يحرم تحريماً غليظاً الخ) تقدم بما فيه في كتاب
فصل: في لفظ السيد: اعلم أن السيد يطلق على الذي يفوق قومه، ويرتفع قدره عليهم، ويطلق على الزعيم والفاضل، ويطلق على الحليم الذي لا يستفزَّه غضبه، ويطلق على الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج، وقد
ــ
الأسماء.
فصل
قوله: (السيد يطلق على الذي يفوق على قومه الخ) هذا قول الهروي وقال غيره هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم ثم هذه الأقوال والإطلاقات التي ذكرها الشيخ وغيره مأخوذة أقوال المفسرين وأهل اللغة، وأما المشايخ العارفون فقال بعضهم هو الراضي بالقضاء وقيل المتوكل وقيل عظيم الهمة وقيل المستغني عن غير مولاه وقيل
من لا يحسد غيره فالحسود لا يسود وقيل المتحقق بحقيقة الدين الحق وقيل المباين للخلق وصفاً وخلقاً وحالاً وقيل من صحح نسبته مع أهل حضرة الحق فاستوجب به ميراث نسبته وقيل من جاد بالكونين في حب مولاه فقربه وتولاه وقيل من استوت أحواله عند المنع والعطاء وقيل المتبع لأمره مولاه وقيل من غلب شهوته وهواه وقيل من تخلى من أوصاف البشرية وتخلق بما ينبغي التخلق به من أوصاف الربوبية فهذه عشرون قولاً من أقوالهم وكل تكلم على قدر علمه وهمته وحاله قال اليافعي والظاهر الذي لا شك فيه أن السيادة فيما يرجع إلى عرف النّاس تختلف باختلاف أحوال النّاس فالسيد عند المشايخ العارفين السادات ما تقتضيه أحوالهم المذكورة وعند العلماء الفضلاء ما تقدم من أقوالهم المذكورة والأوصاف التي يسود بها الإنسان عند أهل الدنيا من يتميز عنهم بأمر من أمورها التي يعظمونها كتولي أمر من أمور السلطنة يرتفع به على من دونه أو جمع مال أو علو جاه أو غير ذلك مما يتعاظمونه والسيد الكامل عند العرب من اجتمعت فيه صفات عديدة جميلة منها الكرم والشجاعة والرأي والحلم وحسن الخلق ورزانة العقل على ما ظهر لي من سرهم وأقوالهم وفهمته من قرائن أحوالهم وقد يكتفون بالثلاثة الأول أعني الكرم والشجاعة والرأي وبالأولين منها وبالأول منها اهـ. قوله: (ويطلق على الزعيم الخ) أي زعيم القوم وفي الصحاح زعيم القوم سيدهم. قوله: (وعلى الحليم الذي لا يستفزه غضبه) أي لا يستخفه والمراد أنه لا يحمله غضبه على الخفة والخروج عما أمر بالوقوف عنده وفي النهاية ويطلق على الحليم وليس فيها قوله الذي الخ
جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق سيد على أهل الفضل.
فمن ذلك ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صَعِد بالحسن بن علي رضي الله عنهما المنبر فقال: "إنَّ ابْني هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ
ــ
ولعل ما هنا أقصى الحلم المدلول عليه بصيغة المبالغة وأما أصل الحلم بكسر الحاء المهملة المأخوذ منه الحليم فهو التثبت والأناة في الأمر وزاد في النهاية أن السيد يطلق على الرب وعلى الشريف وعلى متحمل أذى قومه وعلى الرئيس والمقدم وسيأتي فيه بعض زيادة قال وأصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت اهـ. وقدمنا في أول الكتاب عن بعضهم قولاً آخر إن أصله سويد بوزن فعيل بتقديم الواو على الياء فأعل كما ذكر.
قوله: (فمن ذلك ما رويناه في صحيح البخاري) ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم من حديث أبي بكرة. قوله: (إن ابني هذا سيد) قال في النهاية قيل أراد به الحليم لأنه قال في تمامه ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. قوله: (ولعل الله) استعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في معنى الرجاء وقد تحقق ما وعد به صلى الله عليه وسلم ففي البخاري عن أبي موسى قال سمعت الحسين يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين
من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن ابن علي إنا بني عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قال فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب لك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه اهـ.
اللهَ تعالى أن يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَينِ مِنَ المُسْلِمِينَ".
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه:"قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ" أو "خَيْرِكُمْ" كذا في بعض الروايات "سيدكم أو خيرِكم" وفي بعضها "سيدكم"
ــ
وأخذ من قوله بين فئتين من المسلمين عدم تكفير الفئة الباغية.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه أبو داود. قوله: 0 للأنصار) أخرج ابن سيد النّاس في السيرة عن ابن إسحاق قصة نزول بني قريظة إلى أن قال فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما أراد صلى الله عليه وسلم الأنصار وأما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار قال في المرقاة وهذا مع قوله في حديث الصحيحين فقال للأنصار قوموا فيه نظر إذ كيف يتصور فيه حينئذٍ العموم الشامل للمهاجرين نعم يحتمل عموم الأنصار وخصوص قومه منهم والله أعلم ولك أن تقول تعيين الأنصار في خبر الصحيحين من فهم بعض الصحابة فروى ما فهم وقد خالفه غيره فيه ففهم أن الخطاب للجميع فتعارض فيه الفريقان وإنما كان يرتفع الاحتمال لو قال في نفس الحديث قوموا يا معشر الأنصار لسيدكم فافهم والله أعلم. قوله: (قوموا إلى سيدكم أو خيركم) وهذا الحديث احتج به الشيخان وأبو داود على مشروعية القيام قال مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثاً أصح من هذا ونازع فيه جماعة منهم ابن الحاج بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضاً كما في بعض الروايات ففي مسند أحمد زيادة قوموا إلى سيدكم فأنزلوه قال ولو كان القيام المأمور به لسعد هو المنازع فيه لما خص الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم وقال التوربشتي في شرح المصابيح معنى قوله قوموا إلى سيدكم أي إلى إعانته وإنزاله من دابته ولو كان المراد التعظيم لقال قوموا لسيدكم وتعقبه الطيبي بأن الفرق بين إلى واللام ضعيف لأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل قوموا أي امشوا إليه تلقياً وإكراماً وهذا مأخوذ من ترتيب الحكم على الوصف
بغير شك.
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟
…
الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيدُكُمْ".
وأما ما ورد في النهي، فما رويناه بالإسناد الصحيح في "سنن أبي داودَ" عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنهُ إنْ يَكُ سيِّداً فقَد أسخَطْتُمْ رَبكُمْ عز وجل".
قلت: والجمع بين
ــ
المشعر بالعلية فإن قوله سيدكم علة للقيام له وذلك لكونه شريفاً على القدر ذكره السيوطي في مرقاة الصعود وقول ابن الحاج لو كان القيام المأمور به لسعد الخ يجاب عنه بما في كلام السيوطي من أن المقتضي لزيادة الإكرام السيادة له المقصورة على الأنصار على أنه قد جاء أن الأنصار يقولون بأنه صلى الله عليه وسلم عم بها المسلمين الحاضرين من الأنصار والمهاجرين وقد تقدم الكلام في حكم القيام في أواخر كتاب السلام والاستئذان والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وأخرجه مالك في الموطأ وأبو داود. قوله: (أيقتله الحديث)
تتمته قال لا قال سعد بلى والذي أكرمك بالحق فقال صلى الله عليه وسلم اسمعوا إلى ما يقول سيدكم قال المازري وغيره ليس هذا القول من سعد رداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره وإنما هو إخبار عن حالة الإنسان عند رؤية الرجل مع امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذٍ يعاجله بالسيف وإن كان عاصياً وأما السيد فقال ابن الأنباري وغيره هو الذي يفوق قومه في الفخر قالوا والسيد أيضاً الحليم وهو أيضاً حسن الخلق وهو أيضاً الرئيس ومعنى الحديث تعجبوا من قول سيدكم. قوله: (وأما ما ورد في النهي) عن استعمال السيد (فما رويناه بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود الخ) قال المنذري في الترغيب وكذا رواه النسائي بإسناد صحيح أيضاً ورواه الحاكم والبيهقي عن بريدة ولفظه إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه وقال صحيح الإسناد كذا قال اهـ. قلت وأخرجه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة. قوله: (ولا تقولوا للمنافق سيد) أي لا تقولوا هو سيد لأن المنافق يجب عليك
هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلاً خيِّراً، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقاً، أو متَّهماً في دينه، أو نحو ذلك، كُره له أن يقال: سيد. وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في "معالم السنن" في الجمع بينهما نحو ذلك.
فصل: يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي،
ــ
أن تسخطه والسيد يجب عليك أن لا تسخطه فلو اعتقدت أن المنافق سيد ثم أسخطته فقد أسخطت ربك لأن السيد الحقيقي هو الله تعالى أو قد أسخطت ربك على زعمك أي زعمت أن المنافق ربك كرب الدابة ثم أسخطته والعبد لا يسخط مولاه والعجم تعظم الطبيب اليهودي إلى الآن ويدعونه مولاهم على وجه التعظيم وهو داخل في النهي والتحذير منه قاله العاقولي وفي النهاية فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله والله لا يرضى لكم ذلك وقال الطيبي فإنه إن يك سيداً لكم فيجب عليكم طاعته فإذا أطعتموه فقد أسخطتم ربكم أو لا تقولوا للمنافق سيد فإنكم إن قلتم ذلك فقد أسخطتم ربكم فوضع الكون موضع القول تحقيقاً له اهـ. قلت والأظهر أن حاصله النهي عن إطلاق لفظ السيد على وجه التعظيم لأنه يتسبب عنه سخط الله عز وجل وذلك لأن التعظيم يؤدي إلى التواد والتحاب ووصف أهل الإيمان أن لا يوالوا من عادى الله رسوله بشنآن والله أعلم. قوله: (إما بعلم) أي شرعي أو آلته.
فصل
قوله: (يكره) أي تنزيهاً كما عليه الجمهور وقضية كلام بعضهم أنه على سبيل التحريم قال
العراقي في شرح التقريب وليس كذلك وفاعل يكره قوله (أن يقول المملوك لمالكه ربي) وكذا يكره لغيره أن يقول له ربك ومحل كون لفظ رب مختصاً بالله تعالى إذا لم يكن مضافاً نحو الرب أما المضاف فيطلق عليه تعالى نحو رب العالمين وعلى غيره نحو ارجع إلى ربك كما سيأتي في كلام المصنف
وإن شاء قال: مولاي. ويكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي أو غلامي.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم"
ــ
وأما لفظ المولى والسيد فلا يختصان به تعالى وإنما كره إطلاقه على السيد لأن حقيقة الربوبية لله سبحانه لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى وأما ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: وأن تلد الأمة ربتها فأجيب بأنه محمول على بيان الجواز وأن النهي عن ذلك على سبيل الأدب والتنزيه لا التحريم أو أن النهي إنما هو عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال واختار القاضي عياض هذا الأخير. قوله: (ويكره للمالك) أي تنزيهاً (أن يقول لمملوكه عبدي) وذلك حذراً من إيهام الشركة أي لأن لفظ عبدي وأمتي يشترك فيه الخالق والمخلوق فيقال عبد الله وأمة الله فيكره ذلك للاشتراك ولأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله سبحانه ولأن فيها تعظيماً لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك حيث قال كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الأفعال وفي إسبال الإزار وغيره وأما غلامي وجاريتي وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي مع أنها تطلق على الحر والمملوك وإضافته ليست للملك وإنما هي للاختصاص قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} ، وأما استعمال الجارية في الحرة الصغيرة فمشهور معروفة في استعمال العرب مشهور في الجاهلية والإسلام وأصل الفتوة الشباب وقد تستعمل فيمن كملت فضائله ومكارمه كما جاء لا فتى إلا علي ومنه أخذ الصوفية الفتوة المتعارفة بينهم وأصل مدلول الغلام الصغير إلى أن يبلغ وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة قال المصنف والظاهر أن المراد بالنهي في الأحاديث عن استعمال ما ذكر فيها استعماله على جهة التعاظم والارتفاع لا للوصف والتعريف وقال العراقي ينبغي استمرار الكراهة ولو قصد التعريف دون التعاظم لكن إن أمكن التعريف بغيره للاشتراك في اللفظ كما تقدم وإن خلا عن القصد القبيح استعمالاً للأدب في الألفاظ وهذا مقتضى الحديث.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) قال العراقي في شرح التقريب أخرجه الشيخان من هذا الوجه البخاري عن
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي ومَولايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ:
ــ
محمد وهو ابن يحيى الذهلي ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق أي عن همام عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله ونساؤكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي وأخرجاه أيضاً من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي فإن كلكم عبيد الله ولكن ليقل فتاي ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي وأخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل
المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله تعالى قلت محمد الراوي عن أبي هريرة هو ابن سيرين كما صرح به ابن السني في اليوم والليلة وأخرج الحديث بهذا اللفظ من هذا الطريق. قوله: (لا يقل أحدكم أطعم ربك) أي لا يقل أحدكم للمملوك على سبيل التنزيه أطعم ربك أي سيدك ودخل في هذا النهي السيد فإنه قد يقول اسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير تعظيماً لنفسه بل هو أولى بالنهي من قول العبد أو الأجنبي ذلك عن السيد. قوله: (وليقل سيدي ومولاي) المعطوف عليه محذوف من هذه الرواية وهو لا يقل أحدكم ربي وقد جاء مصرحاً به في رواية لمسلم كما أشار إليه الشيخ بقوله بعد وفي رواية لمسلم ولا يقل الخ لكن ظاهر كلامه هذا أن قوله ولا يقل أحدكم ربي ساقط من حديث أبي هريرة هذا عند مسلم في بعض رواياته عنه ولم أره كذلك فيه بل صريح كلام العراقي أنه ثابت عنده من هذه الطريق فلعل في النسخ اختلافاً قال العراقي فيه إنه لا بأس
عَبْدِي، أمَتي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ، وَفَتاتي وغُلامي".
وفي رواية لمسلم "وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: رَبي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَولاي".
وفي رواية له: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُل العَبْدُ: رَبي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدي".
وفي رواية له "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُم: عَبْدِي وأمَتي، كُلُّكُمْ عبِيدُ الله، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ الله،
ــ
بقول المملوك عن مالكه سيدي وذلك لأن لفظ السيد غير مختص بالله اختصاص لفظ الرب ولا مستعمل فيه كاستعماله حتى نقل القاضي عياض عن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم تأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر قال النووي فليس في قول العبد سيدي إشكال لأنه يستعمله غير العبد والأمة وقال القرطبي إنا فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى بالاتفاق واختلف في السيد فإن قلنا ليس من أسمائه فالفرق واضح إذ لا التباس ولا إشكال يلزم من إطلاقه كما يلزم من إطلاق لفظ الرب وإذا قلنا إنه من أسمائه تعالى فليس هو في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك وأما من حيث اللغة فالرب من رب الشيء يربه ورباه يربيه إذا قام عليه بما يصلحه ويكمله فهو رب وراب والسيد من السودد وهو المتقدم ولا شك في تقديم السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق اهـ. وفيه أنه لا بأس بقول المملوك مولاي أيضاً ويعارضه ما تقدم عند مسلم والنسائي من النهي وقد بين مسلم الاختلاف على الأعمش وأن أبا معاوية ووكيعاً ذكراها عن الأعمش دون جرير بن عبد الحميد قال القاضي عياض وحذفها أصح وقال القرطبي روي من طرق متعددة مشهورة ليس ذلك مذكوراً فيها فظن أن اللفظ الأول أرجح وإنما صرنا للترجيح للتعارض بينهما والجمع متعذر والعلم بالتاريخ مفقود فلم يبق إلا الترجيح كما ذكرناه اهـ. وقال النووي في توجيه ذلك إن المولى يقع على ستة عشر معنى منها الناصر والمالك اهـ. كلام العراقي ثم نقل بعده كلاماً وقال مقتضاه أن استعمال مولاي أسهل وأقرب إلى عدم الكراهة من سيدي وقال ابن حزم الظاهري فإن قال مولاي فذلك مباح والأفضل سيدي اهـ.
قوله: (ولا يقل أحدكم ربي) أي لا لسيده ولا لغيره ممن يعظمه من عالم وصالح لما تقدم.
قوله: (كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله) علة للنهي عن إطلاق لفظ العبد والأمة.
وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامي وَجارِيتي، وفتَايَ وفَتَاتِي".
قلت: قال العلماء: لا يطلق الربُّ بالألف واللام إلا على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: رب المال، ورب الدار". وغير ذلك. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل:"دَعْها حتى يَلْقاها رَبُّها" والحديث الصحيح: "حَتى يُهِمَّ ربّ المالِ مَنْ يَقْبَل صَدَقَتَهُ" وقول عمر رضي الله عنه في "الصحيح": ربُّ الصُّرَيْمَة والغُنَيْمَةِ. ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة.
وأما استعمال حملة الشرع ذلك، فأمر مشهور معروف. قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي، لأن في لفظه مشاركة الله تعالى في الربوبية. وأما حديث "حتى يلقاها ربُّها" و"ربُّ الصريمة" وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: ربّ الدار، وربّ المال. وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] فعنه جوابان:
أحدهما: أنه
ــ
قوله: (لا يطلق الرب الخ) وأما يا رب الرب فمن ألفاظ الجاهلية. قوله: (في الحديث الصحيح في ضالة الإبل) رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي كلهم من حديث زيد بن خالد وفيه روايات عديدة جمع جملة منها ابن الأثير في جامع الأصول. قوله: (والحديث الصحيح الخ) رواه مسلم من جملة حديث أبي هريرة. قوله: (حتى يهم) بضم التحتية من أهم. قوله: (وقول عمر في الصحيح) رواه. قوله: (رب الصريمة والغنيمة) بالنصب مفعول أدخل الذي حذفه المصنف لعدم تعلق غرضه به وإلا فلفظ عمر لمولاه أدخل رب الصريمة الخ واللفظان مصغران أي أدخل إبل صاحب الإبل القليلة وغنم صاحب الغنم القليلة في المرعى والحمى. قوله: (وأما قول يوسف الخ) وهو في شرح مسلم وكذا يجاب عن قوله أن ربي
خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري:{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] أي الذي اتخذته إلهاً.
والجواب الثاني: أن هذا شرع مَنْ قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه. وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع مَنْ قبلنا إذا لم يرد شرعنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا، أم لا؟ .
فصل: قال الإِمام أبو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكُتَّاب": أما المولى، فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي.
قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال: سيد، لغير الفاسق، ولا يقال: السيد، بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد
ــ
أحسن مثواي. قوله: (خاطبه بما يعرفه) أي تبكيتاً له وتقبيحاً لفعله إذ جعل الأهل من ليس أهلاً لذلك. قوله: (وجاز هذا الاستعمال للضرورة) أي لضرورة إفهام المخاطب المراد إذ لا يفهم إلا ما يعرفه. قوله: (هل يكون شرعاً لنا) وبه قال المصنف وقال بعضهم الأظهر في
الجواب عن قوله تعالى: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أن الضمير لله تعالى أي أن الله خالقي أحسن منزلتي ومأواي بأن عطف على القلوب فلا أعصيه وعن قوله {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي اذكر حالي عند الملك كي يخلصني فأنساه الشيطان ذكر ربه أي أنسى يوسف ذكر الله تعالى حتى استعان بغير الله ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعاً بعد الخمس كذا في تفسير البيضاوي وقال أبو سعيد القرشي لما قال لصاحب