الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب غلظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي بَكْرة نُفَيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُم بأكْبَرِ الكبائِرِ؟
ــ
إلا بالطاء قال وبالطاء ذكره أبو داود في مصنفه وذكره أبو عيسى الترمذي وغيره غمص بالصاد وهما بمعنى واحد يقال في الفعل منه غمطه يغمطه كضرب يضرب وغمط يغمط كعلم يعلم اهـ.
باب غلظ تحريم شهادة الزور
قوله: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} أي الشرك بالله في تلبيتهم أو شهادة الزور وفي الإكليل قول الزور عام في كل باطل أخرج أحمد والترمذي من حديث خريم بن فاتك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثم تلا هذه الآية اهـ. قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) تقدم الكلام عليها في باب النهي عن الطعن في الأنساب.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه الترمذي. قوله: (أنبئكم) وعند الترمذي أحدثكم دليل على أنه ينبغي للعالم أن يعرض على أصحابه ما يريد أن يخبرهم به وكثيراً ما كان يقع ذلك من المصطفى صلى الله عليه وسلم ويحتمل ذلك أموراً منها أن يحدث عندهم قابلية لما يريد إخبارهم به
لاحتمال كونهم مشغولين بشيء آخر ومنها حثهم على التفرغ والاستماع لما يريد إخبارهم به ومنها أن يكون وجد هناك سبب يقتضي التحذير مما يحذرهم أو الحض على الإتيان بما فيه صلاحهم. قوله: (بأكبر الكبائر) اختلف في تعريف الكبيرة والذي عليه عمل الفقهاء من أئمتنا أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد بحد في الدنيا أو عقوبة في العقبى وقد استشكل بأن أكبر الكبائر لا يكون إلا واحداً وهو الشرك فكيف عدده
-ثلاثاً- قلنا: بلى يا رسول الله، قال:
الإشْرَاكُ بالله، وعُقُوقُ الوالدَيْنِ" وكان متكئاً فجلس فقال:
ــ
وأجيب بأجوبة أوضحها أن المراد الأكبر النسبي لا الحقيقي وهو يكون متعدداً والأكبر بالنسبة لبقية الكبائر أشياء متعددة أشار إليها وإلى أشباهها الشارع بقوله اتقوا الموبقات فالأكبر هنا لتعدده في الجواب يراد به الأكبر النسبي وأورد أن القتل ظلماً ونحو الزنى أعظم مما ذكر هنا ودفع بأان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي أحوال الحاضرين كما قال مرة أفضل الأعمال الصلاة ومرة أفضل الأعمال الجهاد فاختلاف الأقوال لاختلاف الأحوال. قوله: (ثلاثاً) إنما أعاد هذه الجملة ثلاثاً اهتماماً بشأن الخبر المذكور وأنه أمر له شأن ومن قال إن المراد بقوله ثلاثاً عدد الكبائر وهو حال فقد أبعد عن المرام في هذا المقام والله أعلم. قوله: (قلنا بلى يا رسول الله) بلى أي حدثنا يا رسول الله وفائدة النداء مع عدم الاحتياج إليه الإشارة إلى عظم الإذعان لرسالته المصطفوية وما ينشأ عنها من بيان الشريعة واستجلاب ما عنده من الكمالات العلية. قوله: (الإشراك باللهِ) أي الكفر به وخص الإشراك بالذكر لأنه أغلب أنواع الكفر سيما في بلاد العرب فذكره تنبيهاً على غيره. قوله: (وعقوق الوالدين) وكذا أحدهما لأن عقوق أحدهما يستلزم عقوق الآخر غالباً أو يجر إليه لأن من تجرأ على أحدهما تجرأ على الآخر وقيده في رواية الحاكم بالمسلمين فيحمل ذلك المطلق على هذا المقيد وهو من العق وهو لغة الشق والقطع وشرعاً أن يفعل به ما من شأنه أن يتأذى به تأذياً ليس بالهين في العرف لا بالنسبة للأصل بخصوصه على ما استظهره ابن حجر الهيتمي حتى لو أمر ولده بفراق حليلته أو بعدم فراقها لم تجب طاعته والمراد بالوالدين الأصلان وإن علوا ومال الزركشي الشافعي إلى إلحاق العم والخال بهما ولم يتابع عليه. قوله: (وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي للتنبيه على عظم شهادة الزور وسبب الاهتمام به كون قول الزور أو شهادته أسهل وقوعاً على النّاس والتهاون بهما أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع السليم والعقل القويم وأما الزور فالحوامل والبواعث عليه كثيرة
"ألا وَقَوْلُ الزُّورِ، وشهادَةُ الزُّورِ"
فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
قلت:
ــ
كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لتعظيمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعاً بل لكون مفسدته متعدية إلى الشاهد وغيره أيضاً بخلاف الإشراك بالله فإن مفسدته قاصرة على الفاعل غالباً وقيل خص شاهد الزور بذلك لأنها تشمل الكافر إذ هو شاهد زور وقيل واستوجهه بعضهم إن سببه أنه يترتب عليها الزنى والقتل وغيرهما فكانت أبلغ ضرراً من هذه الحيثية فنبه على ذلك بجلوسه وتكريره ذلك فيها دون غيرها. قوله: (إلا وقول الزور وشهادة الزور) يحتمل أن يكون من عطف الخاص على العام فإن قول الزور أعم من شهادة الزور ويحتمل أن العطف للتفسير وقال ابن دقيق العيد ينبغي أن يحمل على التأكيد ويجعل من باب العطف التفسيري فإنا لو حملنا القول على إطلاقه لزم كون الكذبة الواحدة مطلقاً كبيرة وليس كذلك قال ولا شك أن عظم الكذب مراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مراتبه وقال بعضهم يحتمل أن يكون من عطف العام على
الخاص لأن كل قول زور شهادة زور من غير عكس ويحمل قول الزور على نوع منه وفي النهاية الزور بضم الزاي الكذب والباطل والتهمة وقال الطبري أصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه بخلاف ما هو به وقيل للكذب زور لأنه حائل عن جهته قال القرطبي شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال فلا شيء أعظم ضرراً منه ولا أكبر فساداً بعد الشرك بالله ولم يؤخر عنه العقوق لأن العطف بالواو التي لمطلق الجمع وهي لا تدل على الترتيب. قوله: (فما زال يقولها) أي ألا وما بعدها. قوله: (حتى قلنا ليته سكت) تمنوا سكوته شفقة عليه وكراهة لما عجه وخوفاً من أن يجري على لسانه ما يوجب