الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التعزير
مدخل
…
باب التعزير
كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، وَالْأَشْهَرُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةِ دُونِ الْفَرْجِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَامْرَأَةٍ امْرَأَةً، وَسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، وَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا، وَقَذْفٍ بِغَيْرِ زِنًا. وَفِي الرِّعَايَةِ، هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ1 لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وأن التعزير
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ليست في "ر".
لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ، وَقَوْلُنَا وَلَا كَفَّارَةَ فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِمَا، لَا فِي الْيَمِينِ1 الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ يُعَزَّرُ فِيهَا الْمُكَلَّفُ وُجُوبًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ، كَحَدٍّ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ. وَعَنْهُ: نَدْبًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَشَاهِدِ زُورٍ. وَفِي الْوَاضِحِ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ لَمْ يُعَزَّرْ الوالد لحق ولده،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل "يمين".
وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّهِ. وَفِي جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ الرِّوَايَتَانِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ. وَفِي الْمُغْنِي1 فِي قَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ، يُؤَيِّدُهُ نَصُّهُ فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَهُ وَارِثٌ.
وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّعْزِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ أَدَبِ الْقَاضِي2 إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَهُ تَعْزِيرُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ "ع" فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُفْتَقِرِ جَوَازَ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ، وَلِهَذَا أَجَابَ فِي الْمُغْنِي3 عَنْ قَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الزُّبَيْرِ: إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك4 وَأَنَّهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَعَنْ قَوْلِ رَجُلٍ: إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ5 بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْعَفْوَ عَنْهُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ6 أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ لَمَّا أَغْضَبَ عُمَرَ هَمَّ بِهِ، فَتَلَا عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 لم نجده في مظانه.
2 "11/128".
3 "12/528".
4 أخرجه البخاري "1708" ومسلم "2357""129" عن الزبير رضي الله عنه.
5 أخرجه البخاري "3150" ومسلم "1062""140" عن عبد الله بن مسعود.
6 في صحيحه "4642" عن ابن عباس رضي الله عنه.
يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ1، أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا، فَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُهْمِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَفِي الْمُغْنِي2: نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ رَآهُ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ طَالَبَ آدَمِيٌّ بِحَقِّهِ وَجَبَ. وَفِي الْكَافِي3: يَجِبُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيهِمَا الْخَبَرُ4، وَإِلَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا فَلَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا وَجَبَ، وَهُوَ مَعْنَى الرِّعَايَةِ، مَعَ أَنَّ فِيهَا لَهُ الْعَفْوَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. وَأَنَّهُ إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، فَدَلَّ أَنَّ مَا رَآهُ تَعَيَّنَ، فَلَا يُبْطِلُهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَدْرُ تَعْزِيرِ عَيْنِهِ "م"، وَخَصْلَةُ عَيْنِهَا لِعُقُوبَةِ مُحَارِبٍ كَتَعْيِينِهِ الْقَتْلَ لِتَارِكِ صَلَاةٍ أو زنديق ونحوه"و"5.
وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَيَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا، لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَذْفِ مُسْلِمٍ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ: يا زان: ليس قوله شيئا،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه مسلم "2328""79".
2 "12/527".
3 "5/440" وعبارة: "ويجب التعزير في الموضعين اللذين ورد الخبر فيهما".
4 أخرجه البخاري "526" ومسلم "2763" عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فقال الرجل يا رسول الله ألى هذا؟ قال: "لجميع أمتي كلهم".
5 ليست في "ط".
وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي1، وَلَا لِعَانَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ. قَالَ فِي الواضح: من شرع2 فِي عَشْرٍ3 صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طهارة وصلاة، فكذا مثله4 زِنَا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي، وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ: لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي: يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَى صَلَاةٍ. قَالَ الشَّيْخُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا مُحْتَجًّا بِهِ: هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَعْوِيدٌ كَتَأْدِيبِهِ عَلَى خَطٍّ وَقِرَاءَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَشِبْهِهَا، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَتَأْدِيبِ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهُ شُرِعَ لَا لِتَرْكِ وَاجِبٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالدِّيَاتِ أَنَّهُ جَائِزٌ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 لم نجده في مظانه.
2 في "ط""شرخ".
3 في "ر""غش".
4 في الأصل و"ط""مثل".
وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا، أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيُقْتَصُّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذلك زجر عن المستقبل لكن لاستفاء1 الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَفَعَلَهُ لِأَجْلِ الزَّجْرِ، وَإِلَّا لَمْ يَشْرَعْ لِعَدَمِ 2الْأَثَرِ بِهِ2 وَالْفَائِدَةُ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِعْلُنَا نَحْنُ كَمَا قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ البربهاري في القصاص من الحجر: لم نلب3 أُصْبُعَ الرَّجُلِ؟ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ فِي التَّعْزِيرِ أَوْ صَرِيحِهِ فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْقِصَاصُ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَاحْتَجَّ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَبِوُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَإِ، وَبِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ، قَالَ: فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْعُدْوَانَ يُؤَدَّى فِيهِ حَقُّ الْمَظْلُومِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَدْلِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ، كَذَا قَالَ4.
وَبِتَقْرِيرِهِ5 فَإِنَّمَا يَدُلُّ فِي الْآدَمِيِّينَ. والمذهب قاله القاضي: بعشر جلدات
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في "ط""لاشتفاء".
2 2 في "ر""الأثرية".
3 في "ر" و"ط""نكت".
4 أخرجه مسلم في صحيحه "2577""55" عن أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا......".
5 في "ط""وبتقريره".
فَأَقَلَّ إلَّا فِي وَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَيُعَزَّرُ حر بمائة1 إلَّا سَوْطًا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ: بِمِائَةٍ، بِلَا نَفْيٍ، وَلَهُ نَقْصُهُ2، وَعَنْهُ: وَكَذَا كُلُّ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ، وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ: أَوْ دُونَهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، عَلَى مَا قَدَّمُوهُ.
وَاحْتَجَّ، بِأَنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي لحافها فضربه مائة3. وَالْعَبْدُ بِخَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا، وَعَنْهُ: الْكُلُّ بِعَشْرٍ فَأَقَلَّ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ، لِلْخَبَرِ4، وَمُرَادُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا إلَّا فِي مُحَرَّمٍ لِحَقِّ اللَّهِ، وَعَنْهُ: بِتِسْعٍ، وَعَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِهِ5 الْحَدَّ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَاسْتَثْنَى مَنْ قَدَّمَهُ مَا سَبَبُهُ الْوَطْءُ، فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ رُوِيَ عَنْهُ: أَدْنَى حَدٍّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْهَرُ، نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ. وَفِي الْفُصُولِ: حَدُّ الْعَبْدِ.
وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لَا يَبْلُغُ بِجِنَايَةٍ حَدًّا فِي جِنْسِهَا، وَيَكُونُ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ، وَقِيلَ: فِي حَقِّ اللَّهِ، وَيَشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 بعدها في "ط""جلدة".
2 في الأصل "نقضه".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13635".
4 أخرجه البخاري "6848" ومسلم "1708""40" عن أبي بردة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله".
5 ليست في الأصل.
وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ، وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ1 وَجْهَانِ "م 1" وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي شَاهِدِ الزُّورِ يُحْلَقُ رَأْسُهُ2، ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ3 وَالتَّرْغِيبِ.
وَذَكَرَ4 ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَرْكَبُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ، ثُمَّ جَوَّزَهُ هُوَ لِمَنْ تكرر منه، للردع، واحتج بقصة العرنيين5، وفعل
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ، وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ6 وَجْهَانِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ"، انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": لَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي7 وَالشَّرْحِ8 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَصَرُوهُ، ذَكَرُوهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ، قَالَ مُهَنَّا: فَرَأَيْت كَأَنَّهُ9 كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ، قَالَ فِي النُّكَتِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ، انْتَهَى. "قُلْت": الصَّوَابُ10 الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَشْخَاصِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَكُلُّ أَحَدٍ يَحْسِبُهُ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، ثُمَّ وَجَدْت فِي الْمُغْنِي7 وَالشَّرْحِ8 قَرِيبًا مِنْ ذلك.
1 في "ر""وجه".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "10/242".
3 ص "509".
4 في الأصل "نقل".
5 أخرجه البخاري "233" ومسلم "1671""10" من حديث أنس.
6 في "ط""وجه".
7 "14/262".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "30/96".
9 في "ط""كأنه".
10 ليست في "ص".
الصَّحَابَةِ فِي اللُّوطِيِّ1 وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيهِ عَنْ عُمَرَ: يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ، وَيُطَافُ بِهِ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرٍ لَا لِحْيَةٍ وَيَصْلُبُهُ حَيًّا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ، وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، وَلَا يُعِيدُ، كَذَا قَالَ، وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ. قَالَ: وَهَلْ يُجَرَّدُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا بِسَتْرِ عَوْرَتِهِ؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْحَدِّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ قَالَ: فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ، وَيُطَافُ بِهِ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمَى، فَإِنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ فِي الْعُقُوبَةِ. وَجَزَّ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: بِمَا يَرْدَعُهُ، كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ وَإِنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ، لَكِنْ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ. وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ، وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ يُقَالُ بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنَّهُ يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا "وم" وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ3 فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَاِتِّخَاذُ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا. وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ: انْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ، أَوْ اسْتَعِينُوا بِي: إنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَمَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ مَا لم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/232" في الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك.
2 لم نقف عليه.
3 من أصحاب الإمام أحمد روى عنه أشياء منها ما ذكره المصنف طبقات الحنابلة "1/95".
يَنْتَهِ بِدُونِهِ، لِلْأَخْبَارِ فِيهِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا جَرْحُهُ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي تَارِيخِهِ الْمُنْتَظِمِ1 فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فِي خِلَافَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ كَثُرَ الرَّفْضُ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إنْ لَمْ تُقَوِّ يَدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَمْ يُطِقْ دَفْعَ الْبِدَعِ فَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوِيَةِ يَدِي، فَأَخْبَرْت النَّاسَ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقُلْت: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَلَغَهُ كَثْرَةُ الرَّفْضِ، وَقَدْ خَرَجَ تَوْقِيعُهُ بِتَقْوِيَةِ يَدِي فِي إزَالَةِ الْبِدَعِ، فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ مِنْ الْعَوَامّ يَتَنَقَّصُ بِالصَّحَابَةِ فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أَنْقُضَ دَارِهِ وَأُخَلِّدَهُ الْحَبْسَ، فَانْكَفَّ النَّاسُ.
وَسَبَقَ فِي آخِرِ الْغَصْبِ2 حُكْمُ إتلاف المنكر إذا كان مالا والصدقة به3، وَانْفَرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِذَلِكَ4، كَانْفِرَادِهِ بِقَوْلِهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: تَكَلَّمَ ابْنُ الْبَغْدَادِيِّ الْفَقِيهُ فَقَالَ: إنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَاتَلَتْ عَلِيًّا عليه السلام فَصَارَتْ مِنْ الْبُغَاةِ، فَتَقَدَّمَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ بِإِقَامَتِهِ مِنْ مَكَانِهِ وَوَكَّلَ بِهِ فِي الْمَخْزَنِ، وَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُسْتَضِيءَ بِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ بِتَعْزِيرِهِ، فَجُمِعَ الْفُقَهَاءُ، فَمَالُوا عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِي: مَا تَقُولُ؟ فَقُلْت هَذَا رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ علم بالنقل وقد سمع أنه جرى
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 "18/222".
2 "262 – 263".
3 في "ط""بها".
4 في كتابه المنتظم "18/251 – 252".
قتال1 وَلَعَمْرِي إنَّهُ جَرَى قِتَالٌ وَلَكِنْ مَا قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ وَلَا عَلِيٌّ رضي الله عنهما، وَإِنَّمَا أَثَارَ الْحَرْبَ سُفَهَاءُ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْلَا عِلْمُنَا2 بِالسِّيَرِ لَقُلْنَا مِثْلَ مَا قَالَ، وَتَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَيُصْفَحَ عَنْهُ. فَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَوَقَّعَ: إنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْخَطَإِ فَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَاوِدَ ثُمَّ يُطْلَقُ. كَذَا قَالَ، فَإِذَا كَانَ تَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ فَكَيْفَ يَقُولُ فَيُصْفَحُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا صَفْحَ مَعَ وُجُودِ تَعْزِيرِ مِثْلِهِ، وَمُرَادُهُ. يُصْفَحُ عَنْهُ بِتَرْكِ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اعْتِرَافَ هَذَا بِالْخَطَإِ تَعْزِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ لَهُ، فَهُوَ كَالتَّعْزِيرِ بِضَرْبٍ وَكَلَامِ سُوءٍ لِغَيْرِهِ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهُنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ3 الِاعْتِرَافَ بِالْخَطَإِ تَوْبَةٌ، وَفِي التَّعْزِيرِ مَعَهَا خِلَافٌ. وَلَعَلَّ ابْنَ4 الْجَوْزِيِّ أَرَادَ بِنَقْضِ الدَّارِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ الْمُبَالَغَةَ لَا حَقِيقَةَ الْفِعْلِ. كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ5 وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ6 لَمَّا قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ:
دَعْ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا
وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الكاسي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل و"ط""فقال".
2 في "ط""علما".
3 ليست في الأصل.
4 في "ط""أبت".
5 لم نجده في مظانه عند ابن عبد البر ينظر خزانة الأدب "3/294".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
وَسَأَلَ عُمَرُ حَسَّانَ وَلَبِيدًا فَقَالَا: إنَّهُ هَجَاهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُمِيَ فِي بِئْرِ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَخٍ1
…
زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ
أَلْقَيْت كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ
…
فَاغْفِرْ عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ
أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ
…
أَلْقَتْ إلَيْك2 مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشْرُ
لَمْ يُؤْثِرُوك بِهَا إذْ قَدَّمُوك لَهَا
…
لَكِنْ بِأَنْفُسِهِمْ3 كَانَتْ بِك الْأُثْرُ
فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ فِي الرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ
…
بَيْنَ الْأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْغُدُرُ
أَهْلِي فِدَاؤُك كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
…
مِنْ عَرَضِ دَاوِيَّةٍ يَعْمَى بِهَا الْخَبَرُ4
فحينئذ كلمه فيه5 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاسْتَرْضَيَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ، ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَادِرُ وَالْفَدُورُ: الْمُسِنُّ مِنْ الْوُعُولِ، وَيُقَالُ: الْعَظِيمُ وَالْجَمْعُ فُدْرٌ وَفُدُرٌ وَمَوْضِعُهَا الْمَفْدَرَةُ.
مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ السِّجْنِ بِالْعِرَاقِ: هَاهُنَا تَلِينُ الصِّعَابُ وَتُخْتَبَرُ الْأَحْبَابُ. وَمَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ سِجْنٍ: هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى، وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 مرخ: واد من فدك والوابشة معجم البلدان "5/103".
2 في النسخ الخطية "عليك" والمثبت من "ط".
3 في النسخ الخطية "لأنفسهم" والمثبت من "ط".
4 ينظر شرح ديوان الحطيئة ص "208".
5 ليست في "ط".
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ1 فِي السِّجْنِ:
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا
…
فَلَسْنَا مِنْ2 الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا2
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ
…
فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
وَنَفْرَحُ بِالرُّؤْيَا فَجُلُّ حَدِيثِنَا
…
إذَا نَحْنُ أَصْبَحْنَا الْحَدِيثُ عَنْ الرُّؤْيَا
فَإِنْ حَسُنَتْ لَمْ تَأْتِ عَجْلَى وَأَبْطَأَتْ
…
وَإِنْ هِيَ سَاءَتْ بَكَّرَتْ وَأَتَتْ عَجْلَى
وَلَمَّا عَمِلَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ3 خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ صاحب بيت المال فأخذ منه4 مَالًا ضَرَبَهُ عُمَرُ مِائَةً، وَحَبَسَهُ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً، وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَنَفَاهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي5: لَعَلَّهُ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ فَأُدِّبَ عَلَيْهَا، أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَخْذُ أَوْ كَانَ ذَنْبُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنَايَاتٍ.
"وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ: يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَالِهِمْ حَتَّى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُفَّ، حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ، وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ السَّاحِرِ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الْعَائِنِ: لِلْإِمَامِ حَبْسُهُ وَيُتَوَجَّهُ: إن كثر مجذومون6
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 لم نقف على قائلها.
2 2 في النسخ الخطية: الأحياء فيها ولا الموتى" والمثبت من "ط".
3 لم نجد في عهد عمر من نسمى بهذا الاسم وأما معن بن زائد الشيباني المشهور بالكرم فإنما أدرك العهد الأموي وتوفي "152 هـ" ينظر تاريخ بغداد "13/235".
4 في "ط""به".
5 "12/526".
6 في الأصل "مجدمون" والمجذم اسم مفعول من الجذام وهو علة تحدث من انتشار السواد في البدن كله. القاموس "الجذام".
وَنَحْوُهُمْ لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا، فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ". "وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِكُفَّارٍ "وم" وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ خِيفَ دَوَامُهُ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ، وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ": وَقَالَ "ش" إنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ كَحَاطِبٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ: وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُعَاقَبُ وَيُسْجَنُ.
وَقِصَّةُ حَاطِبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 وَقَالَ عُمَرُ: قَدْ كَفَرَ. وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: تَقَرَّبَ إلَى الْقَوْمِ لِيَحْفَظُوهُ فِي أَهْلِهِ بِأَنْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَيْدِهِمْ وَقَصْدِ قِتَالِهِمْ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لنصر2 اللَّهِ إيَّاهُ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ حُسْنَ الظَّنِّ وَقَالَ:"إنَّهُ قد صدقكم".
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 البخاري "4274" ومسلم "2494" عن علي رضي الله عنه.
2 في "ط""لنصرة".
وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُتَأَوِّلِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِاسْتِحْلَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ1 مَنْ أَتَى مَحْظُورًا وَادَّعَى فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الظَّنِّ بِخِلَافِهِ، وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ: وَهَذَا لِأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ2 النِّفَاقِ، وَلَمَّا احْتَمَلَ قَوْلَ عُمَرَ وَكَانَ لِتَأْوِيلِهِ مَسَاغٌ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ: فِيهِ إنَّ مَنْ نَسَبَ مُسْلِمًا إلَى نِفَاقٍ أَوْ كُفْرٍ مُتَأَوِّلًا وَغَضَبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ لَا يَكْفُرُ، بَلْ لَا يَأْثَمُ، بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ وَيُبَدِّعُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّقَهُ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ مِنْ أهل الاجتهاد لم3 يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ. قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ: وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ، فَيُقَالُ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَهُوَ لَا يَدُلُّ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ تَعْزِيرٌ، هَذَا إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَدُلَّ أَيْضًا، لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا طَلَبَ قَتْلَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ يُقَالُ: لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ، بَلْ ذَكَرَ الْمَانِعَ وَهُوَ شُهُودُ بَدْرٍ، فَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَأَنَّهُ لَوْلَا الْمُعَارِضُ لَعَمِلَ بِهِ، وَهُوَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا وقع. وفي كتاب الهدي أنه كبيرة محي4 بِالْحَسَنَةِ الْكَبِيرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في الأصل "أنه".
2 في النسخ الخطية "صورته" والمثبت من "ط".
3 ليست في "ط".
4 في "ط""يمحى".
وَغَيْرِهِ: فِيهِ أَنَّ الْجَاسُوسَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ لَا يُكَفَّرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا الْجِنْسُ1 كَبِيرَةٌ قَطْعًا، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيذَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم "لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالُوا: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ"2. قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ وَأَقَامَهُ عُمَرُ3 عَلَى بَعْضِهِمْ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا4. وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي هَذَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَاضِي وَتَقْدِيرُهُ أَيُّ عَمَلٍ كَانَ لَكُمْ فَقَدْ غُفِرَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ جَوَابُهُ فَسَأَغْفِرُ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ إطْلَاقًا فِي الذُّنُوبِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْقَوْمَ خَافُوا الْعُقُوبَةَ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ عُمَرُ: يَا حُذَيْفَةُ هَلْ أَنَا مِنْهُمْ5؟ وَكَذَا اخْتِيَارُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ لِلْمَاضِي. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا نَفْيَ إلَّا فِي الزِّنَا وَالْمُخَنَّثِ. وَقَالَ الْقَاضِي: نَفْيُهُ دُونَ عَامٍ، واحتج به شيخنا وبنفي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في النسخ الخطية "الجس" والمثبت من "ط".
2 تقدم تخريجه صفحة "116".
3 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/223".
4 أخرجه أبو داود "4475" من حديث عمرة.
5 أورده في كنز العمال "13/344".
عُمَرَ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ1 لَمَّا خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ نَفَاهُ2 مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْبَصْرَةِ، فَكَيْفَ مَنْ عُرِفَ ذَنْبُهُ، وَيَمْنَعُهُ الْعَزَبُ السُّكْنَى بَيْنَ مُتَأَهِّلَيْنِ وَعَكْسُهُ، وَأَنْ امْرَأَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْقَوَّادَةُ، فَيَفْعَلُ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا الْعُقُوبَةُ عَلَى ذَنْبٍ ثَابِتٍ.
أَمَّا الْمَنْعُ وَالِاحْتِرَازُ فَيَكُونُ لِلتُّهْمَةِ، لِمَنْعِ3 عُمَرَ اجْتِمَاعَ الصِّبْيَانِ بِمُتَّهَمٍ بِالْفَاحِشَةِ4. وَفِي الْفُنُونِ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ، وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ، إذْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رضي الله عنهم قَدْ قَتَلُوا وَمَثَّلُوا وَحَرَّقُوا الْمَصَاحِفَ5، وَنَفَى عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ خَوْفَ فِتْنَةِ النِّسَاءِ1. قَالَ شَيْخُنَا: مَضْمُونُهُ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، قَالَ: وَقَدْ سَلَكَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا. قَالَ: وَقَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك، كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوَ يَا كَلْبُ، فَلَهُ قَوْلُهُ لَهُ أَوْ تَعْزِيرُهُ، وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ؟ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ لَعْنِهِ المعين.
وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذلك، قال: والأربع التي من كن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 هو نصر بن حجاج بن علاط السلمي انظر قصته في طبقات الكبرى لابن سعد "3/285" والإصابة "6/485 – 486".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في الأصل "كمنع" وفي "ر""وكمنع".
4 لم نقف عليه.
5 انظر "مناهل العرفان""1/253".
فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ لَا قِصَاصَ فِيهِنَّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ1 أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ سَعْدًا أَرَادَ الْوِلَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ اُحْسُبُوهُ فِي عِدَادِ مَنْ مَاتَ، لَا تَعْتَدُّوا بِحُضُورِهِ، قَالَ:، وَمَنْ قَالَ لِمُخَاصَمَةِ النَّاسِ تَقْرَأُ تَارِيخَ آدَمَ وَظَهَرَ مِنْهُ مَعْرِفَتُهُمْ بِخَطِيئَتِهِ عُزِّرَ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا. قَالَ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ لَفْظِهِ2 الْقَطْعُ مُتَدَيِّنًا عُزِّرَ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَكَذَا مَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ. وَقَالَ فِيمَنْ فَعَلَ كَالْكُفَّارِ فِي عِيدِهِمْ: اتَّفَقُوا عَلَى إنْكَارِهِ، وَأَوْجَبُوا عُقُوبَةَ مَنْ يَفْعَلُهُ، قَالَ: وَالتَّعْزِيرُ عَلَى شَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَقَالَ فِيمَنْ غَضِبَ فَقَالَ: فَمَا3 نَحْنُ مُسْلِمِينَ: إنْ أَرَادَ ذَمَّ نَفْسِهِ لِنَقْصِ دِينِهِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُقُوبَةَ.
وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ عُزِّرَ، لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ قَاصِدِ الْكَنَائِسِ بِقَاصِدِ بَيْتِ اللَّهِ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ بمنزلة من يشبه4 أَعْيَادَهُمْ بِأَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْظِيمِهِمْ.
وَكَذَا يُعَزَّرُ مَنْ يُسَمِّيَ مَنْ زَارَ الْقُبُورَ وَالْمَشَاهِدَ حَاجًّا، وَمَنْ سَمَّاهُ حَجًّا أَوْ جَعَلَ لَهُ مَنَاسِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ فِي5 ذَلِكَ مَا هو من خصائص
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 البخاري "6830" مسلم "1691""15" من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
2 في "ط""لفظه".
3 في "ر""ما".
4 في "ط""شبه".
5 ليست في الأصل.
حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ.
وَمِنْ الْقِصَاصِ فِي الْكَلِمَةِ مَا رَوَى أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ2 بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كَرِهَهَا رَبِيعَةُ وَنَدِمَ "فَقَالَ": رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا، فَأَبَى ذَلِكَ3، وَأَنَّهُمَا أَخْبَرَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَبِيعَةَ "لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ وَقُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا أَبَا بَكْرٍ" فَقَالَ: فِي سَمَاعِ أَبِي عِمْرَانَ مِنْ رَبِيعَةَ نَظَرٌ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ فَقَالَ "مَنْ كُنْت جَلَدْت لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْت شَتَمْت لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْت أَخَذْت لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي" وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْعُقَيْلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ3 مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ4.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الشَّيْءِ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ "كَانَ مَلَكٌ يُكَذِّبُهُ فَلَمَّا رَدَدْت عَلَيْهِ وَقَعَ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في مسنده "16577".
2 كذا في النسخ وفي المسند أبو عمران الجوني عن ربيعة الأسلمي.
3 ليست في الأصل.
4 أخرجه الترمذي في الشمائل "128" طرف قصة خروجه متكئا ثم قال: وفي الحديث قصة وقال المعلق على الكتاب عزت عبيد الدعاس وهي أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر بنداء الناس وحمد الله وأثنى عليه والتمس من المسلمين أن يطلبوا منه حقوقهم وستأتي هذه القصة في باب وفاته عليه الصلاة والسلام اهـ وقد أخرج الترمذي "379" في باب وفاته صلى الله عليه وسلم القصة مطولة ولم أجد هذا اللفظ فيها.
وأخرجه ابن جرير في التاريخ "3/189" والعقيلي في الضعفاء "3/482 – 483" والطبراني في الكبير "18/280" والبيهقي في دلائله "7/179" وفي سننه "6/74" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "5/231".
الشَّيْطَانُ وَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ فِي مَجْلِسٍ يَقَعُ فِيهِ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا أَبُو دَاوُد1، رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا2، وَقَدْ3 رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ4 أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا سَبَّتْ عَائِشَةَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبِّيهَا5 كَذَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ وَلَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَاجَهْ6: دُونَك فَانْتَصِرِي، فَأَقْبَلْت عَلَيْهَا حَتَّى يَبِسَ رِيقُهَا فِي فِيهَا مَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئًا، فَرَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، وَصَدَّرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَهِشَامِ بْنِ حُجْرٍ فِي الْآيَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا: لَوْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا7، 8وَصَرَّحَتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ8 قَالُوا: لِأَنَّهُ أَذِيَّةٌ وَسَبٌّ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ دعي عليه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أحمد "9624" أبو داود "4897".
2 أبو داود "4896".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 أبو داود في السنن "4896" والبخاري في التاريخ "2/102" والبيهقي في الشعب "6669" وفي الآداب "150".
5 أخرجه أبو داود "4898".
6 في سننه "1981".
7 في "ر""عرا".
8 8 في "ط""وصحت به المالي".
ظُلْمًا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ، نَحْوَ: أَخْزَاك اللَّهُ، أَوْ لَعَنَك اللَّهُ، أَوْ يَشْتُمُهُ1 بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوَ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41] فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ لِلنَّاسِ الْبَاغِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمَخْلُوقِ مِنْ وَكِيلٍ وَوَلِيِّ أَمْرٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُنْتَصِرٌ، وَالِانْتِصَارُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ لَمَّا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ "لَا تُسَبِّخِي" أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ2، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَخِيرَةَ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد3، قَالَ: وَإِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِمَا آلَمَهُ بِقَدْرِ أَلَمِ ظُلْمِهِ فَهَذَا عَدْلٌ.
وَإِنْ اعْتَدَى فِي الدُّعَاءِ كَمَنْ يَدْعُو بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَذَلِكَ سَرَفٌ مُحَرَّمٌ. وَمَنْ حَبَسَ نَقْدَ غَيْرِهِ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَدَّاهُ إلَيْهِ عُزِّرَ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِثْمَ فَلَا ضَمَانَ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ الرِّبَا، وَهُنَا يُعْطِي اللَّهُ عز وجل صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَسَنَاتِ الْآخَرِ تَمَامَ حَقِّهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الظَّالِمُ لا يمكنه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في النسخ الخطية "شمته" والمثبت من "ط".
2 أخرجه أبو داود "1497".
3 تقدمت ص "121".
تَعْزِيرُهُ فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ بِعُقُوبَةٍ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادَ دِينِ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْسِدَ دِينَهُ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ دِينُهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ. وَكَذَا لَوْ افْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ. لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا، لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَنْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْبُحْ مِنْهُ وَلَا ظُلْمَ فِيهِ، لِأَنَّهُ اعْتَدَى بِمِثْلِهِ، وَأَمَّا مِنْ الْعَبْدِ فَقَبِيحٌ لَيْسَ1 لَهُ فِعْلُهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مُوسَى {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً} [يونس: 88] الْآيَةَ، وَدَعَا سَعْدٌ عَلَى الَّذِي طَعَنَ فِي سِيرَتِهِ وَدِينِهِ2، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ دُعَاءَ مُوسَى بِإِذْنٍ قَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلِانْتِقَامِ3.
وذكر في مجلس الوزير ابن هبيرة مسألة4 فَاتَّفَقَ الْوَزِيرُ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ فَقِيهٌ5 مَالِكِيٌّ، فَقَالَ الْوَزِيرُ: أَحِمَارٌ أَنْتَ؟ الْكُلُّ يُخَالِفُونَك وَأَنْتَ مُصِرٌّ، ثُمَّ قَالَ الْوَزِيرُ: لِيَقُلْ لِي كَمَا قُلْت لَهُ فَمَا أَنَا إلَّا كَأَحَدِكُمْ، فَضَجَّ الْمَجْلِسُ بِالْبُكَاءِ. وَجَعَلَ الْمَالِكِيُّ يَقُولُ: أَنَا الأولى بالاعتذار، والوزير
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 ليست في "ر".
2 أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء "1/112" وابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم "1/367".
3 في "د""الانتقام".
4 في "ط""مثله".
5 في "ط""فيه".
يَقُولُ: الْقِصَاصُ، فَقَالَ يُوسُفُ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ1 وَقَدْ تَوَلَّى دَرْسَ النِّظَامِيَّةِ: إذْ2 أَبَى الْقِصَاصَ فَالْفِدَاءُ. فَقَالَ الْوَزِيرُ: لَهُ حُكْمُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: نِعَمُك عَلَيَّ كَثِيرَةٌ. قَالَ: لَا بُدَّ، قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ مِائَةُ دِينَارٍ. فَقَالَ الْوَزِيرُ: يُعْطَى مِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَمِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِي. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِهِ، فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الصُّلْحُ بِمَالٍ عَلَى حَقٍّ آدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَبٍّ.
وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ" وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَقَوْلِ شَيْخِنَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَصَحَّ خَبَرُ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:"لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ" 4 أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ5.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَنْ قَصَدَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ سِرٍّ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يَزِيدُ فِيهَا أَذْكَارًا غَيْرَ مَسْنُونَةٍ وَنَحْوِهِ، فَلِلْمُحْتَسِبِ تَأْدِيبُهُ وَلَمَّا طَوَّلَ مُعَاذٌ الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ " 6 أَيْ مُنَفِّرٌ عَنْ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي برع في الفقه والأصول والخلاف والجدل ودرس بالنظامية "ت 563 هـ" السير "20/313".
2 في "ط""إذا".
3 في صحيحه "2587""68".
4 تقدم تخريجه ص "123".
5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
6 البخاري "705" ومسلم "465""178" من حديث جابر بن عبد الله.
الدِّينِ، فَفِيهِ إنْكَارُ الْمَكْرُوهِ، وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ التَّعْزِيرُ عَلَى إطَالَتِهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ1، وَالِاكْتِفَاءُ فِي التعزير بالكلام.
وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ بِلَا حَاجَةٍ2: عُزِّرَ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَلِكَ3 نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَعِفُّوا بِهِ. وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ، وَعَنْهُ:"يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَوْ خَافَ" ذَكَرَهَا فِي الْفُنُونِ: وَإِنْ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا، لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ4 إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنْ النِّكَاحِ، وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلًا لِشِدَّةِ الشبق مفترا5 للشهوة،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في "ر""المأمون".
2 في "ط""حجة".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط""ما".
5 في "ط""مفتر".
وَيَجُوزُ خَوْفَ زِنًا، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ القياس، ذكره ابن عقيل.
وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى جِمَاعٍ وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وطؤها حرم "و"1 والله أعلم.
1 ليست في "ر".